حتمية اجتياح عرسال

فهد المصري ـ باريس

رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية حول سورية

واهم من يظن أن المسلحين غير اللبنانيين الذين دخلوا عرسال قد دخلوها صدفة أو بمحض إرادتهم بل تم استدراجهم أو دفعوا للدخول إليها

علموا أم لم يعلموا فهم دخلوا وخدموا أهدافا تخدم مصلحة حزب الله الاستراتيجية و الأجندة الإيرانية في سورية ولبنان.

و واهم من يظن أن انسحاب المسلحين من عرسال سينهي أزمتها ويمنع دمارها كلياً أو جزئياً والتنكيل بأهلها وباللاجئين بعد قتل عدد كبير منهم تحت وابل الصواريخ والنيران وحرق مخيمات اللاجئين بل سيتم الإدعاء بأن هناك قسماً من المقاتلين مازالوا في عرسال لتبرير الحملة العسكرية ومايرافقها من عمليات اقتحام.

عرسال"السنية"المطوقة بحزام ومحيط"شيعي" مناهض للثورة السورية من جماهير وقاعدة حزب الله الشعبية سيتم العمل على تهجير من يتبقى من  الأحياء من سكانها واللاجئين منها وتحييد دور عرسال في دعم الثورة السورية لمناطق القلمون وريف حمص الغربي.

ليس صدفة ادعاء حسن نصر الله العام الماضي قبل اجتياحه القصير بأنه دخل ريف القصير لحماية قرى "شيعية" لبنانية في سورية في مواجهة "تكفيريين و إرهابيين" وأنها قرى حدودية متداخلة مع لبنان اقتطعتها سايكس بيكو.

من يراقب سير العمليات العسكرية منذ العام الماضي في حمص وتدمير قلبها ومحيطها"السني" و ريف حمص والقلمون يدرك تماماً بأن الخطة لا ترمي فقط قطع طرق الإمداد عن الثوار السوريين بل الخطة ترمي إلى ماهو أبعد من ذلك عندما يتم لعب الورقة الأخيرة بإعلان دولة الساحل(وعاصمتها حمص) الممتدة من دمشق فحمص وصولاً للساحل السوري وأعتقد أن جزءاً من لبنان "الشيعي" في البقاع و ربما أيضاً مناطق من طرابلس"العلوية" رغم صعوبتها إن لم نقل استحالتها.

في البقاع في القسم "الشيعي" من لبنان الذي يمكن ضمه إلى دولة الساحل المتصلة بالعراق "الشيعي"(الهلال الشيعي) لابد من استبعاد وتهجير أهالي عرسال "السنة -النواصب" في عملية تهجير ممنهجة مدروسة واسعة النطاق تماماً كما حصل في حمص و ريف حمص الغربي والقصير.

ارتباط دمشق بدولة الساحل جغرافياً يقتضي الحفاظ على طرق استراتيجية طريق دمشق - حمص - الساحل وطريق دمشق - بيروت بعد ضم قسم من الأراضي السورية في الجنوب للأردن مقابل الوطن البديل للفلسطينيين. 

دولة الساحل ستباركها إسرائيل وتباركها إيران وروسيا وغيرها فما يهم إيران الحفاظ على نفوذها في المنطقة ونافذتها على المتوسط سوريا ولبنانيا ومايهم روسيا نفوذها و بقاء موطئ قدم لها في المنطقة والحفاظ على قاعدتها العسكرية في طرطوس واستثمارات غاز الساحل.

من يعود إلى كتاب الزعيم اللبناني الكبير كمال جنبلاط "من أجل لبنان" الصادر عام 1976 يقرأ مطولاً ماذكره عن الجهود الحثيثة لحافظ الأسد منذ وصوله للسلطة في السبعينات في مشروع تطويق و "علونة" حمص وأغلب سكان حمص يعلمون ذلك فأغلب الموظفين والعمال (مصفاة حمص نموذجا) والعسكريين في هذه المناطق من "العلويين" حسب التسمية الفرنسية أو حسب تسميتهم التاريخية"النصيريين". 

وهذا أيضاً ماقام به حافظ الأسد في دمشق بالسماح بإنشاء "مستعمرات أو مستوطنات" كما يسميها البعض لعلونة محيط دمشق وطوقها وبالتالي لم يكن صدفة نهش غوطة دمشق وبناء هذه المستعمرات مع الإنفجار السكاني للعاصمة الحالية.

وبالعودة إلى قضية عرسال فرغم النجاح الكبير الجزئي والمرحلي لحزب الله و الأجندة الإيرانية في هذه العملية في عرسال ولبنان وتجييش الرأي العام اللبناني والتلاعب به فإن العملية لم و لن تتوقف قبل أن تحقق كامل أهدافها بتوريط الجيش اللبناني والمسيحيين وجعلهم في خندق حزب الله و الأجندة المرسومة ليتمكن الحزب من تغطية و امتلاك كامل مقومات منظومة التبرير أمام قاعدته الشعبية عن خسائره البشرية والعسكرية الهائلة في سورية والتمكن من امتصاص غضبة أهالي عناصره الذين قتلوا في سورية (يقوم الحزب بتعويض الأهالي مالياً بمبالغ تبدأ ب 25000 ألف دولار ويرتفع مبلغ التعويض حسب أهمية أسرة أو عشيرة القتيل) وكذلك التمكن من السيطرة على حالة التمرد في أوساط الأهالي والعشائر الشيعية في البقاع التي فقدت قسماً منها موارد ارتزاقها وعيشها للعام الرابع على التوالي وبشكل خاص الذي كانوا يعتاشون على تجارة المخدرات و التهريب على الحدود بين سورية ولبنان.

ليس صدفة وجود أعداد غفيرة من ضباط وعسكريين و أمنيين إيرانيين حالياً في منطقة عرسال ومحيطها وإشراف بعضهم على خطة العمليات العسكرية ضد عرسال.

ليس صدفة صيام جميع وسائل الإعلام اللبنانية عن ذكر أي دور لحزب الله في الحشد العسكري في حصار وضرب عرسال والتمترس على تخومها وجرودها والتركيز فقط على دور الجيش اللبناني هناك.

ليس صدفة عدم التطرق إلى وجود آلاف المقاتلين من حزب الله

في ملابس الجيش "اللبناني" في منطقة عرسال.

ليس صدفة خرق مايقال إنه هدنة مؤقتة لأسباب إنسانية وغيرها فالخطة وحزب الله لا يريدون هدنة ولا وقف الاجتياح البربري لعرسال لكن ضرورات مراعاة الرأي العام تتطلب ذر الرماد في العيون ولن يكون صعباً على حزب الله إطلاق عدة قذائف أو حتى صواريخ على عناصر الجيش اللبناني للادعاء بأن "الإرهابيين التكفيريين" خرقوا الهدنة وقتلوا عناصر وضباط من الجيش اللبناني فيستمر الحزب بتطبيق الخطة الإيرانية المكلف بها.