ابن سيرين..
وكوابيس رجالات السلطة
طارق حميدة
سأل المعلم زميله في المدرسة، والذي هو أيضاً عضو في اتحاد المعلمين الفلسطينيين التابع للسلطة: ماذا ستفعلون في الاتحاد لمئات الزملاء الذين فصلوا سياسياً في الضفة؟
فهمهم وغمغم، ثم قال فتمتم: "هؤلاء المعلمون لم يفصلوا سياسياً ... هؤلاء فُصلوا أمنياً "، ثم تابع محاولاً الإجابة على نظرات التعجب والاستهجان:" فهم يعملون ضد السلطة ويشكلون خطراً عليهاً!!.
ليس من غرض هذه المقالة الوقوف عند اتحاد المعلمين، والذي لا يختلف عن باقي مؤسسات السلطة في كونه أداة لتمرير السياسات وتبريرها، وعند اللزوم، فهو وسيلة لمناكفة الخصوم الساسيين، ولم يلحظ المعلمون الذين ينطق باسمهم هذا الاتحاد، أنه يعمل لخدمة قضاياهم ورفع الظلم عنهم، بل يذكرون مواقفه في خذلانهم والتواطؤ مع السلطة ضدهم.
وربما يعذر مندوبو الاتحاد – ولا عذر لهم – لأن المعركة ضد حماس والمتعاطفين معها، لا يسمح فيها بالوساطة أو الشفاعة، وقد يحاسب حتى كبار المسؤولين الأمنيين أو السياسيين في السلطة، إذا تشفع أحدهم لمعتقل أو مفصول من مقربي حماس، إلى الحد الذي قد يهدد مستقبله في السلطة ويجعله محلاً للريبة والاتهام.
القول بأن أسباب الفصل ليست سياسية، تكرر في تصريحات بعض المسؤولين رداً على حماس التي تطالب بإطلاق سراح معتقليها، بأن هؤلاء ليسوا معتقلين سياسياً!! وتحدث عما أسماه وحدانية السلاح الشرعي!! كأنه يتهم المعتقلين بأنهم من الجهاز العسكري لحماس، علماً الغالبية العظمى منهم لا علاقة لهم بذلك ولم يتهموا بذلك.
مفصولون ومعتقلون أمنياً.. يعملون ضد السلطة ويشكلون خطراً عليها.. إذن فالموضوع ليس لأنهم معارضون سياسيون ولكن لأن وجودهم ونشاطاتهم تهدد وجود الطرف الآخر ... ذريعة الأمن، ودعاوى الخوف من "انقلاب آخر" تقوم به حماس في الضفة، على غرار" انقلابها" في غزة، يهدف إلى تمرير أكذوبة أن حماس هي التي بادرت بما جرى في القطاع، لا أن ما قامت به كان اضطراراً، وكان بالنسبة إليها خيار اللاخيار ، وفعل المكره لا البطل.
مزاعم الخوف هذه، ليست أكثر من ذريعة بهدف استمرار الحرب ضد كل ما يمت لحماس بصلة، وإلا فإن حماس بالرغم من كل ما تعرضت له في الماضي، فإنها لم تحاول الرد وكانت تنفس غضبها في المحتلين وتصبر على ظلم ذوي القربى، وحتى بعد استشهاد الشيخ مجد البرغوثي فلم يبدُ من حركة حماس ما يشير إلى نيتها في القصاص، ويلاحظ الفلسطينيون أن تحركات رجالات السلطة الأمنيين والسياسيين على حد سواء لا توحي بأنهم يشعرون بالخطر، أو أنهم قلقون على حياتهم.
ربما هناك ما يقلق البعض، ولكنه بالتأكيد ليس نوايا حماس ولا نشاطاتها على الأرض، ولعل هذا الرُّهاب الذي يعانون منه مرجعه العدوان الذي يمارسونه ضد حماس، والجرائم التي يقترفونها بحقها، فتظل تلاحقهم الكوابيس حتى في مناماتهم أن الذين اعتدوا عليهم سينتقمون منهم.
جاء رجل إلى ابن سيرين يشكو إليه الكوابيس والأحلام المزعجة التي تلاحقه كل ليلة وتفسد عليه نومه، فقال ابن سيرين: أصلح يقظتك .. يصلح لك منامك!!
إنهم خائفون .. من أفعالهم العدوانية، ونواياهم السوداء.
إنهم خائفون .. من شعبهم الذي نقضوا عهدهم معه، وقطعوا صلاتهم به، وتعلقوا بحبال الصهاينة والأمريكان، فلا هم محميون من شعبهم، ولا هم متوكلون على ربهم، فأنى يشعرون بالأمان؟!.
إنهم خائفون.. لأن الأعداء الذين تعلقوا بأهدابهم يعطونهم بالقطارة، ولا يكون هذا العطاء إلا بعد أن يمرمروهم ويعصروهم، ويكلفوهم بالمهام القذرة التي تحرق صورتهم، وتزيد قطيعتهم بشعبهم، ويبقوهم في حالة خوف دائم أن يوقفوا عنهم الدعم، أو يزيحوهم من مواقعهم ومكاسبهم، ويستبدلوهم بغيرهم.
يقول سبحانه: ( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً، كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً).
ولعلهم خائفون أيضاً .. لأن كثرة التمارض تورث المرض، ويقال بأن جحا قد كذب الكذبة وصدقها.
وخائفون كذلك .. نتيجة انتقال عدوى الصهاينة إليهم لشدة الاحتكاك وكثرة التلاصق والاختلاط، فالصهاينة خائفون من المحيط العربي ومن فلسطينيي 48، ومن حماس والحركات المقاومة الأخرى، ويطاردهم على الدوام هاجس الأمن.
ولعل من اللافت حقاً التماهي الكبير بين السلطة الفلسطينية والمحتلين الصهاينة في جوانب عدة، من باب تقليد المغلوب لغالبه، والتابع لمتبوعه؛ فمن الطبيعي أن يتحدث ناطق باسم السلطة أنهم عثروا لدى أعضاء حماس على ( مواد تحريضية)، والمصطلح إسرائيلي يصف كل ما يتعلق بالأدبيات والشعارات الإسلامية والوطنية التي تحض على مقاومة الاحتلال، الغريب أن المسؤولين الأمنيين في السلطة بدأوا يصفون الانتقادات والنصائح الموجهة إليهم بأنها تحريض!!
وأخيراً التماهي في صناعة المحرقة؛ فكما أن الصهاينة أبدعوا في صناعة الهولوكوست ليبتزوا به الغرب، وليبرروا بها استمرار سياساتهم العدوانة وبالذات تجاه الفلسطينيين، فإن رجالات السلطة قد صنعوا مما جرى في غزة هولوكوستاً محلياً ومحرقة يتذرعون بها للاستمرار في الحرب العدوانية الشرسة ضد حماس، ومحاولة استئصالها.
التماهي في الشعور، والتماهي في الكلمات والمصطلحات، ثم التماهي في السلوك، حذو القذة بالقذة، كما يقولون، فمتى يفك الأحرار منهم هذه القيود؟
والله غالب على أمره.