الشعب وحده هو الذي سيقرر
الاتفاقية الأمنية ...نعم ...لا
د. مهند الحطّاب
كثرت التجاذبات والسجالات بين القوى السياسية في العراق حول الاتفاقية بعيدة المدى أو ما تسمى بـ "الاتفاقية الأمنية" بين الولايات المتحدة الامريكية (الدولة المعتدية)، وبين العراق (المعتدى عليه)، وبالتأكيد فإن الدولة المعتدية ستحاول استحصال أكبر قدر ممكن من المكاسب لا سيما إن القيادات والأحزاب العراقية متناحرة الى هذه اللحظة بينما كان يفترض أن يتوحدوا بأي طريقة ممكنة لأن ما يُبحث ليس قضية عابرة إنما هو مصير العراق.
كما إن تلك القيادات والأحزاب نسيت بل تناست أن هناك شعبا اسمه الشعب العراقي هو المالك الشرعي للوطن وهو الذي يجب أن يفاوض على مصير وطنه، اللهم الا نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الذي طرح مشروع الاستفتاء الشعبي حول الاتفاقية – ولو أن المشروع جاء متأخرا- وهو ما كان يجب أن يُطرح منذ البدء أي منذ المراحل الأولى للتفاوض.
يجب أن يعرف الشعب تفاصيل الاتفاقية بعرض بنودها كاملة على وسائل الاعلام المختلفة وبدون ذلك فلا شرعية لأي اتفاقية مهما كان مستوى الموقعين، والأسباب هي باختصار إن المسألة خطيرة جدا وتتعلق بمصير وطن فلا يمكن لحكومة تميزت بعجزها في كافة المجالات أن تتولى الخوض في مستوى أعلى منها، وسبب آخر هو إن التمزق والتشتت في الأحزاب والكتل المشاركة وعدم توحد كلمتها يعطي انطباعا أنها سوف تجهد لتحصيل مكاسب حزبية فهم ليس بالمستوى الذي يمكن معه أن يفوضهم الشعب لتحديد مصيره، فهم متناحرون بينهم وكفى بهذا سببا.
إن أمريكا بالتأكيد ليست محل ثقة لدى الشعب العراقي والمطلع على بنود الاتفاقية لا يجد بندا واحدا فيها يشير – وبوضوح- الى أن امريكا ستدافع عن العراق في حال تعرضه لأي هجوم عسكري خارجي، كما إنها لم تتعهد – بشكل واضح- بالقضاء على النفوذ الإرهابي لبعض دول الجوار في العراق –لا سيما إيران- . كان يجب أن تتضمن الاتفاقية على الأقل نصوصا كهذه وتكون هذه النصوص في إطار ضمانات دولية عربية وإسلامية وعالمية تشهد وتراقب مدى تطبيقها مستقبلا، فأمريكا التي حلّت الجيش العراقي الباسل فضلا عن المؤسسات الأمنية المختلفة وهي مؤسسات تابعة للشعب وليس للنظام السابق والجيش العراقي جيش باسل مناضل تأريخه يعود إلى أكثر من ثمانين عاما من الأمجاد والنضال، لا يمكن أن تترك العراق هكذا دون ضمانات لحماية تتحملها هي بشكل كامل في حال تعرض العراق لأي هجمة معادية إلى أن يكتمل بناء الجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى، وإلى أن تتخلص تلك المؤسسات من الطائفية.مع الإشارة إلى أن هذا الذي أكتبه رأيي الشخصي ولن أتكلم – كما يفعل بعض المسؤولين- باسم الشعب، بل أنا أذكر رأيي وأُؤكد على أن الاتفاقية الأمنية وغيرها من القضايا المصيرية تكون الكلمة الفصل فيها للشعب عن طريق صناديق الاستفتاء.
لي صديق ذو عقل نيّر سألته عن رأيه كمواطن في التوقيع على الاتفاقية من عدمه فأجاب في الحال، لو لم يكن هناك شيء اسمه "إيران" لكان من الخيال أن أفكر في قبول التوقيع مع أمريكا، لكن يقيني بأن إيران أخطر من أمريكا بل أخطر من اليهود أنفسهم يجعلني مع الرأي القائل بتعديل الاتفاقية تعديلا يوافق عليه الشعب بالكامل قبل التوقيع عليها.
وفي الحقيقة هو ليس رأي فردي بل هاجس يراود أغلب أبناء الشعب العراقي فـ "الجارة الشرقية" هي المشكلة، والخوف منها هو الذي – ربما- سيدفع الشعب العراقي للتوقيع كون القرب من الغرب أفضل بالمقاييس كافة من القرب من إيران، وهي وقائع حقيقية على الأرض فإذا كانت قوات الاحتلال الأمريكية قتلت عشرة أو عشرين ألف عراقي فإن القوات السرية الإيرانية ومن تمولهم من العصابات الإجرامية في العراق قتلت أكثر من مليوني عراقي.
إننا نعرف بل متيقنين من إنها لعبة أمريكية خالصة وأمريكا هي التي دفعتنا الى هذا وجعلتنا نفكر بقبول التوقيع لكن على أية حال التوقيع أفضل من الغدر والطائفية السوداء القادمة من إيران.
وتشير آخر التقارير الاستخبارية الرسمية في العراق إلى أن قوات الحرس الثوري الإيراني قامت بتجهيز " منظمة بدر الإرهابية" بمسدسات كاتمة للصوت لقيادة حملة اغتيالات لجهات معينة قبيل البدء بانتخابات مجالس المحافظات في العراق، وهو ما أكدته أيضا قيادة القوات الأمريكية في تقاريرها المعلنة. وإذا كانت جارة السوء فعلت ما فعلت في العراق مباشرة أو عن طريق حلفائها المعروفين في العراق، وانطلاقا من قاعدة (إن بعض الشر أهون) فإن العراق سيختار القرب من الذي احتله في وضح النهار ويحاول الابتعاد عن الذي يغتاله بكاتم الصوت، ومما يرجح أن هذا التوجه هو السائد في العراق هو صحوة العشائر الشيعية في جنوب العراق وكشفها للزيف الذي كانت تعيشه حينما كانت تؤوي الجماعات الموالية لإيران، وتوؤيد الأحزاب الموافقة للتوجهات الإيرانية.
نعم انزلق الشعب العراقي مدة من الزمن إلى متاهات رسمتها قوى معينة لكنه عاجلا أم آجلا سيصحو جميعه من غفلته وهو أفضل من يقرر مصيره.