بوش والنهايات السعيدة

بوش والنهايات السعيدة

أحمد الفلو /فلسطين

[email protected]

لم يخطر ببالنا يوماً أن الإدارة الأمريكية لديها كل تلك المواهب و القدرات التخيُّلية في تكوين البناء الدرامي لأي سيناريو يتم تنفيذه في عالمنا العربي و الإسلامي  , و أنها تقوم بتسخير الإمكانات السياسية و العسكرية الهائلة التي بحوزتها كي تجعل الحمامة تبيض على الوتد , فعلى مدى أكثر من خمسين عاماً وقفت الولايات المتحدة في عالمنا غالباً مع الطغيان والظلم و دعمت أتباعها الممقوتين , إننا الآن نعيش مرحلة فرض التسويات بالتهديد وإنهاء الحروب وتصفية الحقوق وهضمها بفرض سيطرة حفنة من الحكام في مصر و رام الله و العراق و افغانستان و تونس على شعوبها .

والغريب أن السيطرة الأمريكية رغم مداها العابر للقارات فإن إدارتها للأزمات و معالجاتها تنطوي غالباً على حلول قاصرة و متخمة بالإخفاقات , و يعود ذلك إلى أن  النخبة الصانعة للسياسة الخارجية الأمريكية ليس لديها إرث استعماري عميق من ممارسة الحكم المباشر عبر البحار كما كانت الحال بالنسبة للبريطانيين والفرنسيين ومن هنا فإن الاهتمام الأمريكي يعمل بمبادرات مفاجئة , أي أن القوة الأمريكية أقل من البريطانية قدرة على إيجاد برامج عمل متناسقة مبنية على دراسات و بحوث تأخذ بعين الاعتبار ثقافة وتاريخ و تقاليد المجتمعات التي تستعمرها , و عليه فإن الإدارة الأمريكية مستعدة دائماً لترك الأمر لمؤلفي السيناريو في هوليود أو العملاء السريين لوضع الخطط المؤقتة و المعالجات المبتورة لأزماتها في البلدان التي تحتلها عسكرياً كما هو الحال في العراق وأفغانستان أو تلك التي تسيطر عليها بشكل مباشر كما في رام الله و مصر .

فبعد أن توالت حلقات المسلسل المأساوي في أفغانستان والتي بدأت باحتلال الأرض بحجة مكافحة الإرهاب , و تخللتها أحداث مفجعة نتيجة تطبيق تجارب الأسلحة الأمريكية على الآدميين الأفغان و ما أفرزته تلك الحرب من تقوية شوكة المقاومة الأفغانية و اقتراب ساعة الهزيمة و الفرار للقوات الأمريكية , و مع قرب انتهاء ولاية الرئيس الذي بدأ الحرب فإن الأزمة بدأت تتداعى و تتضخم بعيداً عن قبضة الإدارة الأمريكية مرة على شكل صناديق خشبية تحمل رفات الجنود القتلى , و بصورة دائمة من خلال فقدان السيطرة الأمريكية على الأراضي الأفغانية الواقعة على بعد أكثر من خمسة كيلومترات عن قصر حامد كرزاي , و لعل تفاقم الأزمة بهذا الشكل جعل إدارة الرئيس بوش تستعجل قيام مفاوضات مصالحة بين كرزاي وحركة طالبان لإيجاد صيغة مشتركة للحكم برعاية بهدف انجاز اتفاق قبل انتهاء الفترة الرئاسية لجورج بوش وإدارته .

أمّا الحالة العراقية فإنها تمثِّل مَصيَدة  عَلِقَتْ بها الولايات المتحدة و لم تعد قادرة على الخروج منها و أخيراً تفتَّقت ذهنية رجال الإدارة الأمريكية عن حلٍّ ربما يحفظ للولايات المتحدة شيئاً من ماء الوجه و هي اتفاقيات تكرِّس الاحتلال , و المطلوب الآن من الزعامات الطائفية و القبلية العراقية التوقيع عليها و قد ترافق طرح هذه الاتفاقيات مع إشاعة جو الرعب من طغيان أو احتلال إيراني في حال رفض العراقيين التوقيع , فيصبح حينئذٍ الموافقة على الاتفاقية ضرورة وطنية و مصلحة عراقية يجب الدفاع عنها مع إضفاء بعض مظاهر البهجة المزيفة لإنقاذ العراقيين من الخطر الإيراني الداهم فليهنأ الشعب العراقي بهذا النصر العظيم بعد أن قتل الاحتلال أكثر من مليوني مدني .

في فلسطين لم يختلف الأمر كثيراًً حيث تم تدعيم سلطة كرزاي رام الله بملايين الدولارات إضافة لتوفير الجيش و المخابرات الإسرائيليين الحماية الشخصية و الأمنية له و لمجموعته , كما قامت بتدريب ميليشيات البشمرگة الفتحاوية , ولكن الولايات المتحدة فوجئت بجدار المقاومة المنيع في قطاع غزة و لم يتمكن عملاؤها من فرض التسوية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني , ومع دُنوّْ رحيل بوش و بالطريقة ذاتها فإنه قرر إجراء نوع من المصالحة و الاتفاق بين أتباعه في رام الله وبين المقاومة الفلسطينية برعاية مصرية , أملاً في اختتام سيناريو المحرقة الفلسطينية بنهاية سعيدة .

علينا ألاّ نتفاجأ بما يجود به علينا الخيال الأمريكي الخصب و إبداعاته خاصة و أن الرئيس بوش يرنو إلى تحقيق هدفين أساسيين أولهما توريث الرئيس الذي يخلفه حزمة من زعماء العالم الثالث تم تسمينهم سياسياً وعلفهم في حظائر المخابرات الأمريكية لينفِّذوا المشيئة الأمريكية الصهيونية في البلدان التي يجثمون فوق صدور شعوبها , أما ثاني الأهداف فهو الاحتفال بنهاية درامية بهيجة و متخمة بالاتفاقيات السّارة يتم من خلالها محو كل آثر لدماء الضحايا و جثث الأبرياء , يختتم بها فترته الرئاسية , و يسلِّم الرئاسة لخلفه الجديد ماكين و ليس على طاولته سوى الملف الاقتصادي فيتسنّى له معالجة الأزمة المالية بذهن خالية من المنغصات , و ربما يبرع بوش بتأليف خواتيم قصصه , كرزاي يتزوج طالبان و طالباني يتآخى مع المقاومة وعباس يعانق حماس , و ترتدي الدراما الهندية حُلَّة أمريكية قشيبة ؟ لكن المقدمات السليمة تأتي بنتائج سليمة , فهل سنكتشف بعد أيام أن جورج بوش هو الأخ غير الشقيق لصدام حسين!.