وكانت ليلة مجزرة الحرس الجمهوري

وكانت ليلة

مجزرة الحرس الجمهوري

عزة مختار

[email protected]

نسائم رمضان تطل علينا ومظاهره رغم الانقلاب الغاشم علي طول الطريق إلي حيث إشارة رابعة ، فوانيس رمضان ، وزينة رمضان ، وبشائر هلال الخير ، ووجوه مستبشرة نصر قريب وحرارة شمس تلهب الوجوه المتحفزة بالثبات بسمرة رائعة تحول كل الطرق المؤدية إلي مدينتنا الفاضلة إلي رموز حرية ، سيارات من أي مكان في القاهرة إلي هناك

أصبحنا معروفين لدي السائقين ، من بعيد ينادوننا : رابعة ، رابعة

أصبحنا يعرف بعضنا البعض ، تطرب قلوبنا حين نلتقي بوجوه لم نلتقيها من قبل ، لكنها أخذت ملامح رابعة ، أصبحت ملامحنا واحدة

هل هي كذلك اليوم فقط ؟ أم هي اصطبغت بتلك الصبغة من يوم جمعنا الميدان ؟ لست أدري

هذا ابني

ملامحه

نفس الهيئة

نفس التصرفات

نفس الهتاف

نفس لمعة العينين

نفس الحماس

نفس التصميم

نفس الهدف

نفس القوة

الاسم وحده يختلف

ووجهة المجيء

جمعت رابعة من كل اللهجات ومن كل أرض في مصر ، قري ومدن ، شرق وغرب ، شمال البلاد وجنوبها

لا تشعر أبدا أنك غريب

لا أحد هنا غريب

في رمسيس تجتمع الوجوه كلها ، وتحملنا السيارات إلي حيث هناك ، تكتنف الطمأنينة قلبك مجرد أن تكون قريبا منهم   

أخطأ السائق وبدلا من أن يذهب بنا إلي مدخل رابعة من ناحية طيبة مول

ذهب إلي مدخل الحرس الجمهوري حيث اعتصام إخواننا هناك ، وحيث كان الرئيس مرسي داخل دار الحرس الجمهوري

قضيت هناك بعض الوقت لأجد رجالا وشباب وكأنهم من جنس آخر غير البشر

كان علم مختلف عن عالم رابعة

المكان مفتوح ومتصل بأفراد الحراسة ضباط وجنود علي أبواب نادي الحرس الجمهوري

الشباب يهتفون كي يسمعوا الرئيس صوتهم

ينادون الجنود بخطاب ودي

يا جنود مصر إن الرئيس أخبرنا عنكم خيرا

توزيع التمور عليهم والورود بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك

مسيرة للأخوات بآلاف من ميدان رابعة إلي ميدان الحرس الجمهوري ثم العودة

وعدت مع المسيرة العائدة إلي الميدان الأم

رابعة

أدينا صلاة الفجر وإذا بإبني يقول لي : دقائق وأعود وهو يجري بأقصى سرعة

لحظات وغاب عن عيني ثم انقلب الميدان بأخبار أن إخواننا في الحرس الجمهوري تم إطلاق النار عليهم وهم في الركعة الثانية من صلاة الفجر

وإذا بي اكتشف أن ابني الذي قال لي دقائق وأعود ، قد قفز علي أول سيارة إسعاف متجهة إلي المحاصرين هناك

ابني وكل أبنائي

فكلهم هو ، كلهم نفس التصرف ، حلمتهم أحلامهم في المستقبل إلي مستقبل أبعد ، ومكانة أعلي ، حملتهم أحلامهم في غد أفضل إلي أن يكون ذلك الغد في أعلي عليين ، أصروا جميعا في ذات اللحظة أن يكون رفيقهم سيد الشهداء حمزة 

ثارت الثائرة وتجمعنا حول المنصة بينما سيارات الإسعاف تأتي بالشهداء والمصابين

ثم تذهب بهم إلي المستشفيات المجاورة وذلك حتى وقت الظهيرة

بحثت عن ابني واتصلت به فإذا به في مستشفي التأمين مصابا في ساقه برصاصة

هرولت إلي هناك وفي قلبي آلام كل أمهات الوطن

كل صور الشهداء من الشباب

كل صور المعتقلين كل

صور المصابين

كل عين أم موجوعة وتخفي ما بها لتظهر قوة أمام أبنائها كي يكملوا المسيرة بغير جزع

تتراءى أمام عيني عشرات الصور

كانت كل خطوة بألف خطوة

وكل دقيقة بألف سنة

حين وصولنا إلي المستشفي قالوا أنه في الدور الرابع ، هوني عليك ، فالشهداء والإصابات الخطيرة في الدور الخامس ، يا لهف قلي عليكم يا أحرار الوطن

منهم من تكاد لا تري ملامحه من شدة الإصابات

كلهم ابن لك

كلهم لك أخوان

كلهم أطهار الوطن الموجوع

أصعد السلم وأسابق الزمن كي أراه فإذا به أصلب مني

يطمئنني

ويعرفني علي زملائه وإخوانه المصابين

عبد الناصر من الفيوم ، زميل غرفة ، مصاب في صدره بخرطوش وبضربة شديدة في كليته ، لا يستطيع السير إلا منحنيا ، في العشرين هو من عمره ، داعبته ، لم يا عبد الناصر أسموك بهذا الاسم ؟ ابتسم وقال هو أسوأ ما أملكه ، لكنني أحاول تطهيره  ، لم يكن أقرباءه معه ، لكن ولم الأقرباء ؟ ومن هنا هم آباءه وأمهاته وإخوانه ، قلت له تعالي معنا نعالجك خارج تلك المستشفي ، فهنا خطر عليكم جميعا يا ابني ، قال لا ، بالله عليكم اذهبوا بي أعالج في الميدان ، لن أبقي هنا

عبد الرحمن ، لم أكد أعرف ملامحه ولم استطع تحديد سنه بالضبط أو بالتقريب ، فليس في ملامحه شيء ظاهر ، كله عبارة عن كتلة نازفة من أثر الخرطوش من مسافة قريبة 

طبيب واحد وألف مصاب

الطبيب ينظر الحالة ثم يقول لا شيء به

فحملته معي كما حملت آلام بلادي في قلبي

وعدت به لعلاجه

في الطريق ، كانوا يترقبون ، المصاب يختطف من الطريق ويلقي به في أي معتقل بتهمة الإصابة ، ثم لا علاج

من طبيب لمستشفي ، لمهرب من الشرطة المترقبة ، لرعب علي الكمائن المقامة من الجيش الذي خان

مر اليوم

ولم تمر الذكري ولن تمر حتى نثأر لجرح الوطن