مصر وسَدّ النهضة 6+7

علاء الدين حمدي شوَّالي

مصر وسَدّ النهضة

علاء الدين حمدي شوَّالي

[email protected]

ضبابية الواقع وتخوفات المستقبل (6)

موقف مصر الإجتماعى والمائى

ربما تدفعنا خطورة الوضع الإجتماعى المستقبلى، بعد إتمام سد النهضة إلى إيجاز الحديث حوله فى نقاط مختصرة دون إسهاب.

فبعد إجماع الخبراء، كما سنعرض فى الحلقات القادمة، على الوضع الكارثى المتوقع سواء إن تم بناء السد أو تم هدمه، فليس لنا إلا أن ننتظر مجاعة ووضعاً إقتصادياً لا يكفى تعبير سىء لتقريبه الى الأذهان، الأمر الذى لابد أن يفرز حالات فوضى شديدة أمنية وسياسية، ربما تصل الى حروب أهلية مصرية على الماء.

إضافة، وهو الأهم، الى تآكل شرعية الحكم المصرى إذا عجزت الدولة عن ممارسة واجباتها ومقوماتها كدولة، وتفرغت، مضطرة، لقمع حالة الفوضى، دون طرح رؤية أو مشروع إنقاذى محدد لا تملك أدواته، مما سينتج عنه المزيد والمزيد من الإضطرابات، وظهور جماعات ضغط جديدة، بنوعية مستحدثة عن الجماعات المعتادة فى الشارع المصرى السياسى، سيكون هدفها تقسيم المقسم أو إنتزاع ما بيد الغير.

فالأمر سيكون بمثابة حرب وجود، ليس وجود الدولة فحسب، وانما وجود الفرد أولا إذا عجزت الدولة عن توفير إحتياجاته وأمنه، وإذا فقد الفرد وجوده، فقدت الدولة وجودها بالضرورة والتبعية.

أيضا لا يخلو الأمر من فقدان مشاعر العزة والكرامة المصرية التى حجزها سد النهضة خلف جداره العالى أو هو فى الطريق الى ذلك، والتى ستترك أثرها المدمر على وجدان أجيال عديدة من الأمة المصرية الى أن يشاء الله تعالى بإستعادة ذمام الأمور من جديد، وهو ما لن يحدث.

بالضبط كما لازالت نفس تلك المشاعر صانعة الإنتماء الوطنى تمثل جزءً كبيرا من وجدان الشعب الإثيوبى، أو حتى السودانى، تجاه مصر وعنصريتها وغزواتها منذ ما يقرب من 200 عاما، لم تستطع أن تمحو آثار إخضاع الغزوات المصرية ولا إستجلاب الرقيق.

 

الأمن المائى المصرى

ـــ حددت الأمم المتحدة خط الفقر المائى العالمى " "Water scarcityبواقع 1000 متر مكعب  للفرد سنوياً، بينما حددت خط الفقر المائى المدقع  "Acute water scarcity"بحصة أقل من 500 متر مكعب للفرد سنوياً.

أما عن الواقع المصرى، فقد أشارت تقارير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء 2009 الى الأرقام التالية حول نصيب الفرد من المياه فى مصر سنوياً :

1138 متراً مكعباً سنة 1986، 860 متراً مكعباً سنة 2003، 759 متراً مكعباً سنة 2007، 582 متراً مكعباً المتوقع سنة 2025

إجمالي الموارد المائية المتجددة فى مصر عام 2006 بلغ حوالى 64 مليار متراَ مكعباَ، مقابل إحتياجات تصل الى 68.6 مليار متراَ مكعباَ.

إجمالي الموارد المائية المتاحة المتوقعة فى مصر حوالى 71.4 مليار متراَ مكعباَ عام 2017 مقابل إحتياجات ستصل الى 86.2 مليار متراَ مكعباَ.

نهر النيل يمثل المصدر الاساسي للمياه فى مصر بحوالى 55.5 مليار متراَ مكعباَ تمثل 86.7 % من إجمالي الموارد المائية المصرية، المتوقع أن تنخفض الى 80.5 % عام2017 .

المتوقع ان يزداد إعتماد مصر على المياه الجوفية الى 18.4 % من إجمالي الموارد المائية المتجددة فى مصر عام 2017.

 

ملاحظات على التقرير:

صدر التقرير عام 2009، بمعنى أنه لم يضع فى حساباته المستقبلية العجز الكبير، الحتمى، فى مياه النيل بعد إنشاء سد النهضة الإثيوبى.

تحدث التقرير عن الأسباب وراء التحديات المائية التى تواجه مصر، وحددها فى الزيادة السكانية المطردة الى جانب النمو الزراعى والصناعي وذلك فى مقابل ثبات الموارد المائية، فى حين أغفل، أو تغافل، عن النوايا الإثيوبية التى أعلنت عن نفسها على الأرض مع بداية الإعداد للمشروع أكتوبر 2009.

يلاحظ أن متوسط الإنخفاض بين عامى 2003 و2007، بلغ 101 مترا مكعباً، وبإعتبار الزيادة السكنية المتضاعفة وعدم الإعلان عن موارد مائية جديدة فمعنى ذلك أن نصيب الفرد الآن بلغ الصفر !! وهو الأمر الذى يدفع الى الشك فى مصداقية التقرير الى حد كبير، حسب رأيى الشخصى. 

 

مؤشرات الخطر

مصر:

الحصة الثابتة من ماء النيل منذ سنة  1959 وحتى الان: 55 مليار متراً مكعباً سنوياً حسب إتفاقية 1959

عدد السكان سنة 1959: كان 25 مليون نسمة

عدد السكان سنة 2015 : حوالى 100 مليون نسمة

السودان:

الحصة الثابتة من ماء النيل منذ  1959 وحتى الان: 18 مليار متراً مكعباً سنوياً حسب إتفاقية 1959 للسودان الموحد

عدد السكان سنة 1959: كان 12 مليون نسمة

عدد السكان سنة 2015: حوالى 35 مليون نسمة

ذلك مع ثبات كمية المياه فى حوض النيل "نظرياً" عبر التاريخ، رغم أنها تتناقص فعلياً بسبب:

أولاً: إستخدامات دول نهر النيل الأخرى

ثانياً: التغيرات البيئية والمناخية

ثالثاً: مشاريع ومطالب دولة جنوب السودان الجديدة، حوالى 10 مليون نسمة، والتى كانت تتشارك فى الـ 18 مليار متراً مكعباً، حصة السودان الموحد، حسب إتفاقية 1959

 

الدول الداعمة لبناء سد النهضة وعلاقاتها مع الدولة المصرية

ـــ يبدو أن العرب مازالوا خاضعين لثقافة القبلية التى لا تلقى بالاً بحجم الضرر أو نوعية المتضررين مقابل تحقيق رغباتها أياً كان نوعها، إنتقاما كانت أو تحقيقاً لمصلحة ما.

فقد نشرت صحيفة "العلم الإثيوبية" بتاريخ  31 يونيو 2013 شكراً عميقاً للدول الداعمة لمشروع سد النهضة، وعلى رأسها جاءت الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية والسعودية ! النبأ الذى تناقلته الصحف والمواقع الالكترونية، وللأمانة فلم يتسن لشخصى، كباحث، لا التأكد من صحة الخبر من جريدة العلم الإثيوبية نفسها لعدم وجود نسخة ورقية تحت يدى ولا موقع إليكترونى للجريدة، إلا أننى أيضاً لم أجد أى نفى من الدولتين العربيتين، رغم إتساع نطاق نشره إعلامياً.

فقد تناقلت وكالات الأنباء ما نشرته صحيفة العلم عن لسان المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية "بريخيت سمؤون" حول شكر بلاده العميق للدول الداعمة لسد النهضة، وعلى رأسها "إسرائيل والولايات المتحدة والإمارات، والسعودية "، الأمر الذى إن صح، فيمكن أن يفسر الدعم على أنه كان احد أدوات الحرب الخليجية ضد مصر الإخوانية، أو لتحقيق مصالح إقتصادية فى إستيراد الكهرباء الإثيوبية المتولدة من سد النهضة، أو مصالح إستثمارية كديون أو خلافه على حساب مصر، الأمر الذى أشار اليه أيضاً وزير الرى السودانى فى احدى حواراته الصحفية !!

أيضاً السودان، الذى صرح رئيسه البشير، فى تأييد علني من جانبه لقرار إثيوبيا بناء السد، قائلاَ "إن سد النهضة الإثيوبي سيحقق فوائد ومنافع عديدة للسودان ولن يوقف المياه عن مصر"

أيضا دول مثل اليابان وتركيا، أو الصين التى تمثل السوق المصرية أحد أهم الأسواق العالمية لإقتصادها، ذلك رغم ما تردد عن قرار البنك الدولى بوقف تمويل السد لمخالفته القانون الدولى، إلا أننا لم نعرف آليات ذلك الوقف ولا فعالياته، فما زال السد يرتفع فى وجوه الجميع.

وننتقل مع حضراتكم الى إستعراض الجوانب القانونية للأزمة وإتفاقيات النيل عبر التاريخ، ومواقف دول المنبع فى الهضبتين الإثيوبية والإستوائية، وموقف دولتى المصب، ثم الموقف الدولى، وذلك فى الحلقات القادمة، إن أراد الله، ثم أذن مضيفونا وكان فى العمر بقية.

تنويه: سيتم نشر توثيق الدراسة ومصادرها الرسمية فى الحلقة الأخيرة بإذن الله

مصر وسَدّ النهضة

ضبابية الواقع وتخوفات المستقبل (7)

الجوانب القانونية فى موضوع سد النهضة

أولاً: القواعد الدولية المستقرة بشأن إستخدام مياه الأنهار الدولية..

(1) مبدأ عدم الإضرار:

يستند هذا المبدأ على قاعدة مستقرة فى القانون الرومانى تفيد: "استعمل ما هو مملوك لك دون الإضرار بالآخرين". مفاد ذلك أن كل دولة مشتركة فى نهر دولى من حقها استخدام الجزء الذى يجرى بإقليمها دون إلحاق ضرر بدولة شريك فى ذات النهر.

وهو ما جسدته المادة 21 من إعلان استكهولم بشأن البيئة والتنمية لعام 1972، حيث نصت صراحة على ضرورة تأكد الدول من أن الأنشطة التى تقوم بها فى إقليمها أو تتم تحت سيطرتها لن تتسبب فى إلحاق أى ضرر للأقاليم التى تجاوز حدودها.

كما يتأكد هذا المبدأ صراحة فى المادة 7 من إتفاقية الأمم المتحدة بشأن إستخدامات المجارى المائية الدولية فى غير الشؤون الملاحية لعام 1997.

ويشترط فى الضرر المقصود هنا أن يبلغ درجة من الأهمية يسهل معها اكتشافه وإثباته بأدلة موضوعية، وأن تتأثر معه معيشة السكان على ضفاف النهر لانتقاص نوعيتها أو تغييرها.

وبتطبيق هذا المبدأ على وضع مصر يتضح أن المساس باستخداماتها القائمة يمثل لها ضرراً بالغاً، فى ضوء حقيقة عدم وجود موارد بديلة.

(2) مبدأ الاستخدام العادل والمنصف:

يعد هذا المبدأ من أهم معايير تقاسم مياه الأنهار الدولية، ويقصد به الحصول على أقصى المنافع الممكنة لجميع الدول المشتركة فى النهر الدولى، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا لا يعنى بأى حال التساوى الحسابى لأنصبة الدول المشتركة فى النهر الدولى.

فهناك عوامل عدة يستند إليها فى تحديد النصيب العادل والمعقول، ذكرتها قواعد إستخدام مياه الأنهار الدولية، مثل قواعد هلسنكى 1966 وإتفاقية الأمم المتحدة حول إستخدامات المجارى المائية الدولية فى غير الشؤون الملاحية لعام 1997، وأيضاً قواعد برلين 2004 ، ومن أهمها سند الإستخدامات القائمة، والتى تمثل سنداً أساسياً من أسانيد مصر فى حماية استخداماتها لمياه نهر النيل.

 (3) مبدأ الطبيعة العينية لاتفاقيات الأنهار الدولية:

يؤكد الفقه والقضاء الدوليان على الطبيعة العينية لمعاهدات تقاسم مياه الأنهار الدولية، وقد قررت لجنة القانون الدولى عند صياغة اتفاقية عام 1997 اعتبار معاهدات الأنهار الدولية من طائفة المعاهدات العينية التى لا تتأثر بالتغييرات التى تحدث فى شكل الدولة أو نظامها، فضلاً عن تأكيد محكمة العدل الدولية لذات المعنى فى حكمها الصادر فى 25 سبتمبر 1997 فى النزاع "المجرى- السلوفاكى"، حيث أقرت بالطبيعة العينية لمعاهدات استخدام مياه الأنهار الدولية فى غير أغراض الملاحة وخضوعها لنص المادة (12) لاتفاقية فيينا لعام 1978، والتى تؤكد عدم تأثر الاتفاقيات ذات الطابع الإقليمى بالتوارث الدولى.

ويبطل هذا المبدأ أى قول بعدم التزام دول حوض النيل بالاتفاقيات السابقة على اعتبار أنها قد أبرمت فى عهود الاستعمار.

 (4) المبادئ الحاكمة لفكرة الحقوق التاريخية:

يمكن القول، فى ضوء تلك المبادئ، أن مبدأ الحقوق التاريخية استقرت عليه مبادئ القانون الدولى ذات الصلة، وأكده الفقه الدولى، وجرى عليه القضاء الدولى وأحكام المحاكم الوطنية، سواء فيما يتعلق باكتساب الإقليم السيادة عليه فى البر والبحر، أو فيما يتعلق بحقوق الاستخدام والاستغلال، مادامت قد توافرت فيه شروط الظهور وطول المدة وعدم اعتراض ذوى المصلحة.

وهى الشروط التى انتهت إليها محكمة العدل الدولية فى حكمها الصادر بشأن قضية المصائد النرويجية لعام 1951، حين قررت أن ثمة شروطاً ثلاثة يتعين توافرها للاعتداد بهذه الحقوق، وهى:

وجود ممارسة ظاهرة ومستمرة للحق

يقابلها موقف سلبى من الدول الأخرى

مع استمرار هذا الموقف السلبى لفترة زمنية كافية لاستخلاص قرينة التسامح العام

ويبين هذا المبدأ الكيفية التى ارتضتها الدول المشتركة فى النهر الدولى فى اقتسام مياهه على مدى تاريخها، وهو ما يعد أمراً شديد الأهمية لتحقيق السلم والأمن الدوليين، لصلته الوثيقة بالمصالح المباشرة للدول التى تعتمد على مياه النهر فى نموها الاقتصادى والاجتماعى.

(5) مبدأ التوارث الدولى المعاهدات:

اتفاقية فيينا لخلافة الدول في المعاهدات الدولية، الموقعة في 23 أغسطس 1978، والتوارث بالنسبة للدول حديثة الإستقلال، فالأصل أن تعلن الدولة حديثة الإستقلال موقفها من الإلتزام بالمعاهدات السابقة أو عدم الإلتزام

بمجرد استقلالها. 

النظريات القانونية لتقاسم المياه

ـــ تعددت النظريات التي حاولت أن تؤهل لحقوق الدول النهرية المتشاطئة في حوض النهر الدولي، واختلفت فيما بينها، فمنها ما حاول أن يُغلِّب مصالح دول المنبع، ومنها ما حاول أن يغلِّب مصالح دول المصب.

وعلى الجانب الآخر، هناك من حاول تحقيق مصالح كافة الدول المشاركة في مياه النهر وفروعه، ومن أهم هذه النظريات الآتي:

(1) نظرية السيادة الإقليمية المطلقة (مبدأ هارمون)

ـــ ترتكز هذه النظرية على مفهوم السيادة الإقليمية للدولة على أراضيها، ومن ثم على الجزء الواقع من النهر الدولي داخل هذه الأراضي، سواء كانت منابع النهر، أو مجرى عبوره، أو مصباته.

ويعني ذلك أن للدولة حق التصرف بحرية كاملة في مياه النهر بإقليمها، حتى لو أدى ذلك إلى منع تدفق مياه النهر إلى الدول التي تقع بعدها أو تقليل الكمية، أو غير ذلك من الإضرار، دون النظر لحقوق الآخرين، إذ لا فرق هنا بين حقوقها على المياه الوطنية، وحقوقها على المياه المشتركة.

وترجع هذه النظرية إلى "جدسون هارمون"، المدعي العام الأمريكي، عام 1895، حيث عرض عليه الخلاف حول استغلال مياه نهر "ريوجراند"، الذي ينبع داخل الولايات المتحدة الأمريكية ثم يعبر ولاية تكساس مشكلاً الحدود بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك، ثم يصب في خليج المكسيك.

ويرجع سبب الخلاف إلى أن المزارعين في الولايات المتحدة الأمريكية حولوا جزءً من مياه النهر لاستغلاله في الزراعة والري ما قلل المياه التي تصل إلى المكسيك، ولذلك وجه سفير المكسيك بالولايات المتحدة الأمريكية رسالة احتجاج إلى وزير الخارجية الأمريكي بأن هذا التصرف من شأنه أن ينتهك أحكام المعاهدات ومبادئ القانون الدولي، وكذا الحقوق التاريخية للمكسيكيين في استغلال مياه النهر.

طلبت وزارة الخارجية الأمريكية من المدعي العام "هارمون" رداً قانونياً على مذكرة الاحتجاج، فجاء الرد مستنداً، ليس على مبادئ القانون الدولي لاستخدام الأنهار الدولية والاتفاقيات الدولية المماثلة الموقعة بين دول الأنهار الدولية الأخرى، وإنما بُني على فكرة السيادة في صورتها المطلقة، التي تعني سيادة الدولة على كامل أراضيها تحقيقاً لمصالحها الوطنية.

وقد جانب الصواب هذه النظرية مما جعل الفقه الدولي يستبعدها، وجعل القضاء الوطني والدولي يقضي على خلاف ما ذهبت إليه، دون أدنى اعتبار لنظرية "هارمون" في هذا الصدد.

وخلاصة القول، إن دول المنابع تفضل دائماً نظرية السيادة المطلقة "هارمون"، وتتمسك بها لأنها ترى أن المياه المتدفقة من منابعها حق أصيل لها.

 (2) نظرية التكامل الإقليمي المطلق

قد يسمى بنظرية "الوحدة الإقليمية المطلقة"، وتطبيقها يعنى أن دولة المصب، التي يقع فيها القطاع الأخير من النهر، من حقها أن تحصل على الكمية نفسها من المياه وبالخواص ذاتها التي يوفرها لها النهر في سيره الطبيعي.

ولهذا فإن دول، أو دولة، المصب يمكنها الإعتراض على أي إستعمال أو إستغلال للنهر من دول المنابع أو دول المجرى، إذا كان من شأنه أن يؤدي لحدوث تغيرات في كمية المياه الواردة إليها.

ومعنى ذلك أن دول، أو دولة، المصب ترى أن لها حق تملك المياه، وأن على باقي الدول أن تدع هذه المياه تنساب بشكل طبيعي دون تدخل.

وتأسيساً على ذلك يصبح لدول، أو دولة، المصب حق الاعتراض على أي مشروعات تقيمها دول المنابع أو دول المجرى، تعترض مجرى النهر وتؤثر على كمية المياه وجودتها، وعلى هذا فإن دول المصب تفضل مفهوم التكامل الإقليمي المطلق دون سواها.

 (3) نظرية السيادة الإقليمية المقيدة

قد يُطلق على هذه النظرية "نظرية وحدة المصالح"، وهي أساس نظرية الانتفاع العادل المنصف، وتعني أن كل دولة من دول حوض النهر، لها مطلق الحرية في استغلال مياه النهر العابر كما تشاء، بشرط عدم الإضرار بحقوق الدول النهرية الأخرى ومصالحها.

وتعتمد هذه النظرية على مبدأ حسن الجوار، الذي يسمح بإقامة علاقات مبنية على المصلحة المشتركة، والانتفاع المشترك بمياه النهر، وعدم التجاوز في ذلك، أو حرمان الدول الأخرى من حقوقها العادلة والمنصفة في مياه النهر، فالأنهار الدولية، وفقاً لهذا الاتجاه الحديث للفقه، أصبحت مورداً مشتركاً بين الدول المتشاطئة، وليس ملكاً لدولة المنبع أو المصب، أو لدول المجرى وحدها.

وتقوم نظرية السيادة الإقليمية المقيدة أو وحدة المصالح، على مبدأي الاستخدام العادل والمنصف، وعدم إلحاق ضرر ملموس بدول النهر الأخرى، وتحظى هذه النظرية بتأييد فقهي وقانوني واسع، فهي تعالج بصورة تعاونية مشاكل المصالح المتعارضة لدول النهر، كما تقتضي ضرورة التنسيق بينها عند إقامة أي مشروعات مستفادة من مياه النهر أو تعظيم موارده، وقد أصبحت هذه النظرية تشكل قاعدة مرضية ملزمة.

 (4) مبدأ واجب التعاون وتبادل المعلومات

يُعرف هذا المبدأ أحياناً بنظرية المورد الطبيعي المشترك، ويعمل على أن تتوافر أشكال التعاون في النهر لكل الدول المتشاطئة، يعنى على أساس استخدام المياه المشتركة في روح من التعاون والعدل عند الاقتسام، مع تقديم المعلومات بناءً على قاعدة الحقوق والواجبات التبادلية في استخدامات النهر المشترك.

بُني هذا المبدأ على أساس من مبادئ القانون الدولي العام، وهو حسن الجوار، الذي يجري تطبيقه في إطار فكرة الانتفاع العادل بمياه الأنهار الدولية بين الدول المتشاطئة لأي نهر، كما يُعد تطبيقاً لمبدأ المساواة بين الدول، مما يؤدي إلى التعاون فيما بينها للإفادة من مياه النهر المشترك.

ومن التطبيقات الحديثة لهذا المبدأ "مبادرة حوض النيل"، حيث تتشارك الدول أطراف المبادرة في المعلومات الهيدروليكية والفنية، وفي كيفية تأمين الاستخدام الأمثل لمياه النيل، ووضعها كآلية من آليات الإخطار بأية معوقات أو مشروعات تقوم على النهر.

 ( 5) مبدأ واجب الإخطار

يرتبط هذا المبدأ بواجب التعاون وتبادل المعلومات الفنية والأنشطة التي تنوي أي دولة من دول الحوض إقامتها على النهر، ويهدف إلى تجنب الإضرار أو إلحاق الأذى بالآخرين.

ويكون الإخطار قبل قيام أي مشروع على حوض النيل، لأن الإخطار المسبق يؤدي إلى التوافق بين دول الحوض، نتيجة المعرفة المسبقة، بحيث يمكن تلافي مسببات الضرر أو التقليل منها، وهو المبدأ الذى قننته قواعد هلسنكي لعام 1961.

وننتقل مع حضراتكم الى إستعراض الجوانب القانونية للأزمة وإتفاقيات النيل عبر التاريخ، ومواقف دول الهضبتين الإثيوبية والإستوائية ودولتى المصب والموقف الدولى، وذلك فى الحلقات القادمة، إن أراد الله، ثم أذن مضيفونا وكان فى العمر بقية.

تنويه: عرضت فى بعض ما سبق الى القوانين الدولية الثابتة وأراء بعض فقهاء القانون مثل الأستاذ الدكتور مفيد شهاب، وسيتم نشر توثيق الدراسة ومصادرها الرسمية فى الحلقة الأخيرة بإذن الله.