الجلبي في دائرة الاعتبار

الشيخ قاسم الطائي

مكتب المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)

انتقال السيد أحمد الجلبي الى دار آخرته محملاً باعماله التي ارتكبها في حياته التي انقضت اليوم، وإن كنا لا نعلم ما هي صفة اعماله ونيتها الله والدار الاخرة أو الطموح السياسي الجامح، والذي أدى به الى ان يغفل عن يوم مثل هذا حيث يفاجئه الموت منتقلاً به الى دار الغربه، دار الدود دار الوحشة التي لم يعد لها الراحل الجلبي عدتها المطلوبة من العمل الصالح والاثر النافع لعباد الله وخلقه، ولسنا من الشامتين به بقدر ما نحن مشفقون عليه مما أوقع فيه نفسه فقد هرول وراء شراب يحسبه ماء بقيعه كلما جاءه لم يجده شيئاً فرئاسة الوزراء كانت السراب الذي يسعى خلفه، ولم يجده شيئا لضعف الطالب والمطلوب، فلا هو قوي بما يكفيه لتحصيلها ولا ما يعتمد عليه هو كذلك، فقد راوح عمله بين كفتين متناقضتين وجهتين متعارضتين، فلا قبله الشرق كضيف حل عليه ولا استساغه الغرب الذي عاش بساحته وتطبع ببعض قيمه، وكلما بعد عن الشرق قرب من الغرب وأغفل عن الرب والعكس صحيح.

لقد ذهب الموت بالجلبي رحمة به ان كان مسيئاً فقد أوقف عند هذا الحد سيئاته بلا زيادة يتحمل وزرها، وإن كان محسناً فقد حل ضيفاً على خالق الاحسان وكريم الكرماء المطلق، وهو رسالة الى الاخرين من رفقاء عمليته السياسية التي لم يجن منها العراق الا الخراب والدمار بلا نهاية ترتجى ولا افق يلوح، ويالها من رسالة لا يعتبرها الا الكيس الفطن، ليتدارك نفسه واعماله الى ما هو خير منها ومن افعاله ما هو ابقى لأثرها وأسعد لصاحبها حيث الوحدة لا يرفعها الا صالح العمل وباقي الأثر وما حمله الانسان وسعى اليه في حياته ينتقل عنه قهراً ولا يبقى الا عمله يرحل معه، في احد اتجاهين إما للشقاء وإما للسعادة والرخاء، وهو أهون على الانسان من غيره فلا عناية له به بقدر عنايته بموقعه السياسي وتكثير  امواله وحرصه على عياله والأولى له منها الكفن لا غير منتقله الى ورثته لا يدري ايطيعون الله بها أو يعصونه؟ فيتحمل تاركها وزرين وزر جمعها وإن كان من حلال إذا لم يؤد حقوقها للفقراء والمساكين، وإن كانت من حرام فهو من الاخسرين الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسبون صنعاً والثانية، له عليهم ان يواروه الثرى ويتركونه وحيداً في حفرته لا يؤنسها فيها الا عمله ان كان صالحاً ويؤرقه ان كان طالحاً وكان على الانسان المسكين ان يتذكر أمرين على الدوام انه ميت وإن طال به الزمن وان لذاته مهما عظمت فهي منقطعة لم يبق له منها الا اثرها وتبعاتها والغالب بل الدائم ان اثرها سيء عذاب اليم أو شديد.

وقد ورد في الخبر ما مضمونه ثلاثة مع بني آدم ماله وولده وعمله، فإذا ما انزل في حفرته لم يبق الا عمله الذي يخاطبه كنت عندك اهون من الاخرين.

فعلى من تعاطى السياسة ووقع في الظلم أو ظلم عليه تصحيح مساره وتعديل بوصلته فلا ينفعه صديق ولا داعم ولا قريب حيث يفر الجميع منه ((يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ{34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ{35} وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{36})) عبس

والاصلاح يكون برد المظالم الى اهلها فإذا شرع ظالماً اصلحه أو الغاه وإذا أخذ حقا باطلاً أرجعه الى محله ومكانه، وإذا شتم او سب أو استعلى اعتذر وأحسن، وإذا لم يرجعها هنا حوسب عليها في أخراه وهو مأزور ((فهل من مدّكر)) وحال الشعب العراقي يقول، أما من أحد من السياسيين يخاف الله فينا.

21/محرم1437

وسوم: 640