شيخ سيء السمعة

يتاجر في الدين

علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي

[email protected]

( من موصلي إلى أنباري: لن أقف متفرجا وأنت تحصد كوؤس بطولة الشرف والكرامة والكبرياء والوطنية والفداء لوحدك)! من سيقولها للأنباري والموصلي فيما بعد؟

طالما إن الناس تحترم رجال الدين بإعتبارهم ائمة الأمة، ويقتدون بهم قولا وفعلا، فيفترض ان لاتركن نفوس رجال الدين الى سفاسف الامور ودنس الأهواء والمصالح الشخصية والمواقف الإنتهازية، وان لا ينزلوا من فضيلة الكمال الى رذيلة النقائض، وأن يبعدوا كل البعد عما يخدش شرفهم ومكانتهم أو يضعهم موضع التهمة. وإلا كانوا مضغة في أفواه الناس.

يذكرني تعامل الشيخ احمد الكبيسي مع القضية العراقية بقصة جحا عندما أضاع خاتمه في داخل بيته فبحث عنه فلم يجده، فخرج من البيت وجعل ينظر أمام الباب. فسأله جاره ماذا تصنع فقال: أضعت خاتمي في البيت، فقال ولماذا لا تفتش عليه داخل البيت؟ فأجابه: الظلام حالك في الداخل فلعله قد خرج. فقد بارك هذا الشيخ الحرباوي قوات الغزو الأمريكية، وجاء للعراق بعد الغزو مباشرة طمعا في الوصول الى منصب وزير الأوقاف او رئيس الوقف السني، وعندما وجد ان مسعاه قد خاب والمزاحمة مع بقية العملاء شديدة، عاد يجر إذيال الخيبة الى مقره الدائم في بلاد العجائب ممجدا أميرها وشيوخها. ومنذ ذلك الحين كان يتعامل مع القضية العراقية وهو خارجها كتعامل جحا مع خاتمه. وبسبب الظلام الداكن في عقلة فأنه يحكم على الأشياء من خلال مصلحته والفائدة التي تترتب عليها. أن القضية العراقية شائكة ومعقدة للغاية ويصعب على المرء ان يتحدث بها وهو بعيد عنها كل البعد، بعيدا كمواطن وسياسي ورجل دين، مثله مثل من يضرب بالتخت او الرمل.

والكبيسي كما هو معروف رجل الشطحات الأول بعد مفتي جزار دمشق أحمد حسوني الخفيف، ونحمد الله انه لا يوجد الكثير من الشيوخ على شاكلة الكبيسي، والا لأرتد الكثير من المسلمين الضعاف الإيمان عن دينهم او آمنوا على الأقل بمقولة ماركس(الدين أفيون الشعوب). فهذا الرجل، ولا أسميه عالم دين لأنه جاهل حتى في الدين نفسه، وشهادة الدكتوراة التي حصل عليها لا تعني لنا الكثير، فهناك عدد من حملة الشهادة لا تتشرف بهم الشهادات العليا، وقد أخذوها عنوة او سطوة أو تزلفا او رشوة. والعراق المحتل أبرز دليل على ذلك.

في لقاء تلفزيوني سابق حاول الكبيسي ان يكون بيدقا فاعلا على رقعة الفتنة الطائفية، عندما وصف أهله في الأنبار بالنواصب، ويبدو انه يجهل بأن هناك آلاف الأسماء في محافظة النواصب يحملون لقب علي وحسن وحسين وفاطمة وزينب، وغيرها، وهناك الكثير من الجوامع تحمل أسماء الأئمة، وربما صلى يوما أو خطب، أو شاهد جامع علي في الفلوجة الذي دُمر تماما بغارة جوية لقطعان المالكي على الفلوجة. ولا نريد أن نجري مقارنة مع من يحمل في محافظات الوسط والجنوب اسم عمر وبكر وعائشة. ربما أطلع الكبيسي على قصيدة اللاءات للشاعر الكرخي" يكولون بالعربان اسم عيشة وعمر". بمعنى" أي لا يوجد عند العراقيين في الجنوب اسم عائشة وعمر".

وزاد الكبيسي الطين بله عندما سأل الله تعالى ان يحشره مع علي بن أبي طالب، وأن يحشر اعدائه مع معاوية بن أبي سفيان، صهر المصطفى(ص) وكاتب الوحي، وأعظم خليفة بعد الخلفاء الراشدين. مع إن الإمام علي عندما سئل عن المسؤول عن سفك دماء المسلمين أهو أم معاوية؟ قال بأنها سيمثلان أمام الله تعالى! أي الحكم لله! هذه هي الحكمة البليغة والمواقف الصائبة والمعرفة الحقيقية بكتاب الله وسنته، والتواضع الإسلامي الصحيح.

الكارثة الكبرى إن الكبيسي إفتى بأنه لا يوجد حل وسط أمام المسلمين أما مع علي أو مع معاوية! وأغلق الباب بوجه من يحب ويجل الخليفتين العظيمين ويترك أمرهما لله تعالى فهو الحاكم العادل والأدرى ما في داخل النفوس. وكلام الكبيسي المكبوس على الرياء والدجل يدل على الإسفاف العقلي والجهل بالتأريخ والدين معا. يمكن أن نعذر الأمي والجاهل إن تفوه به، ولكن لا عذر لرجل دين يحمل شهادة الدكتوراة، وتولى مناصب عليا في الجامعات الدينية، ويعد من الخطباء البارزين.

منذ تلك اللحظة صار الحكم بأن هذا الرجل أما هو جاهل فعلا، أو انه يهذري بسبب الزهايمر. لأنه طعن بكبار الصحابة الذين إعتزلوا الفتنة ولم يقفوا الى جانب علي أو معاوية. ومنهم الصحابة الأجلاء سعد بن أبي وقاص، أسامة بن زيد، محمد بن مسلمة الأنصاري، ابو اسيج الساعدي، عبد الله بن سلام، عمران بن حصين، الأحنف بن قيس، عبد الله بن عمر، صهيب الرومي، عبد الله بن أبي سرح، شداد بن أوس، ابو أيوب الأنصاري، سعيد بن العاص والعشرات غيرهم. بل لم يكن مع علي بن أبي طالب من الصحابة البدريين سوى(4) في موقعة الجبل، و(6) في موقعة صفين.

والسبب في إعتزال الفتنة كما ذكره أبو نعيم عن  أبو العالية وهو عمدة قراء المدينة "لَمَّا كَانَ زَمَانُ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَإِنِّي لَشَابٌّ، القِتَالُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ، فَتَجَهَّزْتُ بِجَهَازٍ حَسَنٍ حَتَّى أَتَيْتُهُم، فَإِذَا صَفَّانِ مَا يُرَى طَرَفَاهُمَا، إِذَا كَبَّرَ هَؤُلاَءِ، كَبَّرَ هَؤُلاَءِ، وَإِذَا هَلَّلَ هَؤُلاَءِ، هَلَّلَ هَؤُلاَءِ، فَرَاجَعْتُ نَفْسِي، فَقُلْتُ أَيُّ الفَرِيْقَيْنِ أُنَزِّلُهُ كَافِراً؟ وَمَنْ أَكْرَهَنِي عَلَى هَذَا؟قَالَ: فَمَا أَمْسَيْتُ حَتَّى رَجَعْتُ، وَتَرَكْتُهُم". (حلية الأولياء2/219).

حسنا! هؤلاء الصحابة الأجلاء أين موقعهم عند الكبيسي طالما لم يقفوا مع علي ومعاوية؟ لقد تصرفوا بعقل وحكمة لأن الحرب كانت ذات طابع ومدلول سياسي وليس ديني، فهم أعلم بالدين وأصوله من الكبيسي ومن شاكله من وعاظ السلاطين. ولو كان الأمر يتعلق بالدين لكانوا السباقين في القتال بجانب الطرف الذي يظنونه على حق. ربما يؤمن الكبيسي بقول الخوئي" إن ظهور الكذاب أحيانا لا ينافي حسن الرجل". (معجم الخوئي2/113). مع أن كلام الخوئي يتعارض مع الحديث النبوي الشريف" يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ". (أخرجه أحمد عن أبي أمامه).

ويبدو إن هذا الرجل قد تعودت عيناه على أضواء الأعلام فلم يقدر على البعاد عنها، وفي آخر إطلالة غير مشرفة كالعادة، طلع طلعة جن من قمقمه المظلم مطالبا العراقيين بالوقوف مع الحكومة الطائفية الفاسدة ضد ثوار العشائر.

كنا نظن بأن هذا الشيخ قد وصل إلى أرذل العمر وهذا سبب مواقفة المتناقضة، ولكن يبدو الأمر غير ذلك، وهذا ما كشفت عنه الأخبار اللاحقة، فقد تبين إن الرجل يأخذ مواقفه من سلطات أبو ظبي، وأنه قريب من الإسرة الحاكمة، وكل موقف له ثمنه. والشيوخ والحق يقال كرماء جدا فيما يخص الجنس والفتن! فقد ورد بأن المملكة العربية السعودية" أبدت انزعاجها من توجيه أبو ظبي للشيخ أحمد الكبيسي المقرب منها لكي يوجه نداء لسنة العراق للوقوف إلى جانب حكومة المالكي في حربها ضد داعش والحركات الإسلامية السنية الأخرى وهو ما اعتبرته الرياض تشتيتا لجهود لم شتات السنة لمواجهة اضطهاد حكومة المالكي لهم خاصة في المحافظات السنية ومن أهمها الأنبار التي تتعرض لهجمات كثيفة من قبل قوات المالكي واتهمت بعض القيادات الدينية في الفلوجة دعوة الكبيسي مشيرة الى أن الرجل لايعيش وسط أبناء العراق السنة من فترة ليعرف ما يعانونه من حكومة المالكي كما أنه يرفل في نعيم الخليج، ويظهر بين فترة وأخرى ليفتي لصالح داعميه فقط، في إشارة إلى قربه الشديد من حكومي أبو ظبي وولي عهدها الشيخ محمد بن زايد ". لقد تبين الدافع من وراء حديثه المسخ.

هذا الرجل من عشائر الكبيسة التي لم تعلن بعد برائتها منه لسبب في قلب يعقوب، أي هو من محافظة الأنبار، المحافظة المجاهدة التي لقنت قوات الغزو الغاشم ـ التي دافع عنها الكبيسي ـ دروسا في فنون الحرب وقيم المواطنة الحقيقية والكرامة والغيرة العربية. هذه المحافظة هي المحافظة التي يفتخر بها كل عراقي شريف، ويضعها تاجا فوق رأسه، ولا يبغضها إلا عبيد الأمريكان وولاية الفقيه فقط. إنها محطة الرجولة والسيادة والكرامة، ورجالها هم بحق جنود الرحمن((أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ)). (سورة الفتح/29).

هذه المحافظة المؤمنة الصامدة أذاقت الأمريكان المر، فأنتقم لهم المالكي وأذاقها الأمرين، فقد وعد الحاكم الدموي أهلها النجباء ببحار من الدم، وقد غاص في بحار دماء الشعب للرقاب. وأعلن حرب أتباع الحسين على أتباع يزيد، والحسين خسر كما هو معروف المعركة ولم يربحها! ثم فتح تأريخ صفحة دموية جديد بإسم (تصفية الحساب) وقد صفى الثوار الحساب مع قطعانه المسلحة، فتبين إنه مدين لهم وليس دائن. إنه مدين ومدان بجرائم لا حصر لها. وقد حان وقت السداد. هو الذي فتح السجل وطالب بتصفية الحساب، فلا عذر له من بعد.

الحقيقة التي تغافلها أو تجاهلها الشيخ، تنبه اليها الأجانب وعرفوا مغزاها، فقد ورد في صحيفة إيطالية " يمكن اعتبارالفلوجة ملتقى المصالح الايرانية الامريكية، فالاولى تريد كسر ما تعتبره شوكة المواطنين السنة وايقونة مقاومتهم المتمثلة في مدينة الفلوجة فيما تريد الولايات المتحدة الانتقام من نفس المدينة التي شكلت سبباً لسخرية الصحافة العالمية من جيشها حين عجز عن اجتياحها في سنة 2004. فقد قررت ان الولايات المتحدة منذ عام واحد على غزوها للعراق ان ترتب حملة على الفلوجة ولكن بايدي عراقية حتى يوصف المقاومين بانهم متمردين او ارهابيين يقاتلون ابناء بلدهم وذلك بعد ان ايقن مستشاري البنتاغون انه لا سبيل لربح حرب مع الفلوجة طالما كان العنوان المرفوع هو مقاومة المحتل الاجنبي". (صحيفة ايطاليان نيوسبيبر).

الغارات الجوية والمدفعية الثقيلة والبراميل الحارقة على المدنيين والقصف المدفعي الثقيل وآلاف القتلى والجرحى وحوالي نصف مليون مشرد من مدينة الشيخ الكبيسي، علاوة على تدمير كل المؤسسات الحكومية وتفجير بيوت الله، وقصف مستشفى الفلوجة والمدارس، جميع هذه الأفعال الوحشية وجرائم الإبادة الجماعية، لم تهز شعرة من رأس هذا الشيخ المأفون المنسوب لمحافظة الأنبار! تا الله يا شيخ كم أنت وضيع و قليل الأصل!

لكن حفنة مال من شيوخ الإمارة حركت الشيخ فظهر على الشاشة وهو يطالب العراقيين بالوقوف إلى جانب الطاغية المالكي. لقد خان الشيخ الكبيسي دينه ووطنه وشعبه ومحافظته وعشيرته وأقاربه وأحبابه. فماذا تبقى له؟ المال فقط وهو في أرذل العمر!

ألا تف وألف تف على المال إن  كان مقابله التجرد من الغيرة والشرف والمواطنة والحق والإنصاف. وتف على كل من يبيع وطنه وشعبه وقضيته المصيرية بثمن بخس. وتف على كل من وقف مع الغزاة الأمريكان ومجدهم قولا وفعلا. وتف على كل من يتاجر بالدين، ويرهن لسانه لمن يدفع له أكثر.

المعلومة الأخيرة التي يجب أن يعرفها الشيخ الكبيسي هي، أن منظره صار قبيحا للغاية، وفمه وقحا وكريه الرائحة، وقد لفظه العراقيون كما يلفظ الدبر العذرة. فليترك العراق لأهله طالما تنصل لهم وأنكر أهله. أهل السنة تتشرف بشيخهم الكبير، العلامة الشامخ عبد الملك السعدي حفظه الله ورعاه، الأب الروحي للثوار، والشيخ المجاهد رافع الرفاعي، والشيخ رافع الضاري، والشيخ محمود عبد العزيز العاني رئيس مجلس علماء العراق، وعضو المجمع الفقهي لكبار علماء ومفتي العراق، والشيخ عبد الستار عبد الجبار عضو المجمع الفقهي لكبار علماء العراق والشيخ العلامة طه حامد الدليمي والشيخ أحمد الشجيري، والشيخ احمد المحمدي وغيرهم من الشيوخ النجباء حفظهم الله. أما الكبيسي فهو في خانة مهدي الصميدعي و خالد الملا، واحمد عبد الغفور السامرائي. ولا يخفى على الشيخ الكبيسي الإسم الذي يطلقه العراقيون على هذه الخانة!