مجتزأة من مذكراتي " محطات صغيرة في حياة انسان عادي"

حتى لا ننسى : ثورة النقابات العلمية من اجل الحرية عام ١٩٨٠-١٩٨١

تكتب بحروف من ذهب.

أعزائي القراء..

في اعوام الثمانينات قامت ثورة ضد النظام الاسدي المجرم شملت كل القطاعات الشعبية والعلمية شارك فيها الاسلاميين والعلمانيين حتى بعض اتجاهات الحزب الشيوعي الغير مرتبطة بالنظام .

ولكن حاول النظام أن يخفيها مركزا على شباب الاتجاه الاسلامي المعتدل فللحقيقة وللتاريخ كان هؤلاء الشباب هم اول من شق طريقها .

انهم فتية انشقوا عن قيادتهم من تنظيم جماعة الاخوان المسلمين وشكلوا طلائعهم المقاتلة، ورغم ارتكابهم لسلسلة من الاخطاء الا أننا لانلومهم بعد ان رأينا اخطاء الكبارفي ثورة اليوم ومع ذلك غفرنا لهم.

ولكن وللحقيقة والتاريخ ايضا , فقد كان الطريق الذي بدأه أولئك الشباب تابعه مثقفي سوريا من منتسبي النقابات العلمية من حلب الى درعا ومن اللاذقية وحتى البوكمال.

لكن النظام حاول اخفاء ثورة النقابات العلمية ليركز فقط على (العصابه المسلحة) كما كان يحلو له ان يسميها .

ثورة النقابات العلمية يجب ان تبقى في الذاكرة وان يساهم في كتابة تاريخها كل من عاصرها وشارك بها فيضيف لها ما شاهده وما قام به من اجلها من خلال خبرته وتجربته .

وعندما اركز في مذكراتي التي عنونتها ب"محطات صغيرة في حياة انسان عادي " على ثورة نقابة المهندسين في حلب ، فلاني كنت احد منتسبيها ومشاركاً مع اخواني المهندسين فيها.

قرائي الاعزاء

دأب النظام ومنذ استيلاء حافظ الاسد على السلطة التحكم بالنقابات المهنية بعد ان سيطرمنذ اليوم الاول على نقابتي العمال والفلاحين 

واسس اتحاد الطلبة ونظم صغار التلاميذ في تنظيم شبيه بالنظام الديكتاتوري الكوري الشمالي وسماهم طلاىع البعث حيث لم يعان اية صعوبة في ذلك، فصارت هذه التنظيمات كالخاتم باصبعه ولكن الصعوبة كانت امامه بالتحكم بالنقابات العلمية فلقي ممانعة شديدة باخضاعها له .

فأتبع طريقه المعروف وهو إفساد ضعاف النفوس من بعض اعضاء هذه النقابات لخلق شريحه منهم تستطيع ان تستولي عليها مع دعم كامل من المخابرات .

فبدأ التخطيط لذلك وبدأت تتكون عنده طبقات الفساد من منتسبي هذه النقابات باعوا علمهم الذي درسوه ووجدانهم المسلكي ووطنهم من اجل منصب هزيل ورشوة من اموال الفساد ليصبحوا اداة طيعة في يد مخابرات النظام. 

فكان اول سقوط حصل في نقابة المعلمين ثم تتالى السقوط حتى وصل الى نقابة المهندسين والاطباء.

الاعداد المشتراة والتي استمالها النظام كانت معدوده ولكن من كان يستطيع الوقوف امامها بالانتخابات الارهابية ؟ فكل من وقف امامها تم اسقاطه وتم التصفيق لمرشحي مخابرات الاسد بالقوة واعطي انذاراً بان لايعود لترشيح نفسه مرة اخرى تحت طائلة الاعتقال. فإنتاب اعضاء النقابات حاله من اللامبالاة المرغوبة للنظام تجاه مستقبل نقابتهم فسيطر عليها الاسد وعصاباته .

فصارت نقابتنا الهندسية في حلب وكرا جديدا للمخابرات اضيفت الى ١٤ جهازاً لمخابرات النظام .

في عام ١٩٨٠ كانت هناك صحوة من اجل الحرية لم تكتمل لعدة اسباب شابها الكثير من الاخطاء كما ذكرت في البداية.

فتحركت كوادر النقابات العلمية بشكل عفوي مطالبة بالحرية، فمن واجبها بل في نظامها الداخلي ما يخولها بالدفاع عن حرية الشعب السوري .

وجرت انتخابات النقابات وتم تشكيل قائمة المهندسين الاحرار واذكر من أعضائها السادة المهندسون : د. مهندس خير الدين حقي لمنصب رئيس فرع النقابة استاذ الالات الكهربائية والمائية في كلية الهندسة في جامعة حلب وخريج سنترال اوكول في باريس و وزير صناعة سابق ،والمهندس كامل ناشد أحد الخبرات الهندسية الكبيرة والتي اعتمدت عليه مدينة حلب في اقامة مشاريع ضخمة منها بناء البنك المركزي ومدينة ابناء الشهداء التي تبرع رجال اعمال كويتيين بكلفة بنائها و الدكتور المهندس غسان نجار لامانة سر النقابة وهو احد طلاب الدكتور المهندس نجم الدين اربكان ابو الصناعات الهندسية الثقيلة في تركيا والموءسس الاول لحزب السلامة التركي ، والمهندس عبد الهادي اخرس من افضل مقاولي البناء في حلب ، والمهندس عبد المجيد ابو شالة خبرة هندسية في التصميم والانشاءات ، والمهندس ادكار مرجانه مهندس دراسات واحد ابطال سوريا في كرة السلة والدكتور المهندس كمال خانجي استاذ في كلية الهندسة في جامعة حلب والدكتور المهندس نبيل سالم من الخبرات النادرة وغيرهم ليسوا في ذاكرتي الان .

تدخلت المخابرات لتفرض عدة اسماء من مستواها في قائمة المعارضة بعد ان تأكدت ان قائمة النظام آيلة للسقوط حتى وصل الامر بهم للرجاء .

فرفض طلبهم ونجحت قائمة المهندسين المعارضين الاحرار بجميع أعضائها وبأصوات عالية وكذلك حصلت بقية النقابات العلمية الاخرى على نفس النتائج وسقطت كل قوائم النظام سقوطا مزرياً.

حقد النظام على النقابات العلمية دون استثناء وكنا من بين المغضوب عليهم بل كنا اكثر المغضوبين عليهم لتحرك المهندسين بطريقة منظمة وفاعلة فصار جميعنا ملاحقاً 

وخاصة مجلس النقابة الجديد فقد تحولت النقابات العلمية الى مراكز للاعتصام وتوترت الاجواء فاهتز النظام بكل اركانه وبدأ الاسد يبعث بالوفود الرسمية والحزبية لحلب لتهدئة الاوضاع واذكر تماما اجتماعنا مع ضابط مخابرات من الشعبة السياسية في مبنى نقابة المهندسين قال بالحرف الواحد : الزموا الهدوء وطالبواالتجار بفض اعتصامهم واطلبوا بعدها لبن العصفور فان سيادة الرئيس سيلبيه لكم .

ولكن النقابات العلمية اصرت على الاعتصام لنيل مطلب الحرية والديموقراطيه كما طالبت النقابات العلمية الاجتماع مع من بيده الصلاحيات وليس مع المخابرات للبحث في صلب الموضوع.

فقد الاسد اعصابه واعطى كافة الصلاحيات لمخابراته بانهاء الاعتصامات باي وسيلة كانت.

وزيادة في الاستفزاز فقد الغى اجتماعا مع بعض المهندسين في دمشق ليجتمع بنفس التوقيت مع فرقة كركلا الراقصة والتي دعاها من بيروت امعانا بالاستفزاز .

كما قامت مخابرات امن الدولة امام قصر المحافظة بالقاء قنبله في حديقة النقابة حيث كنا معتصمين القتها سيارة مسرعة متجهة من دوار الفرنسيسكان في طريقها الى المحافظه حيث مركز مخابرات امن الدولة.

اصيب لنا بعض المهندسين وتم نقلهم الى المستشفايات وهم بحالة حرجة.

توتر الجو كثيرا 

وبدأ النظام يلعب الاعيبه 

فيغتال من يغتال في الشوارع او في المكاتب وكدنا انا والاخوة ان نكون هدفا لكمين نصب لنا ليلا خلف سور الحديقة العامة اثناء مرور سيارة د.حسان كالعادة امام جامع عمر عبد العزيز في الطريق الى بيته وذلك بقصف سيارته بقذيفة ار بي جي اثناء تواجدنا معه بالسيارة انا والاخ غسان .

وفي حال نجاح جريمتهم كانت ستلقى ببساطة تهمة الاغتيال على (العصابات المسلحة ).

ولكن الشرفاء موجودون حتى ضمن تركيبة المخابرات فاخبرنا احد الضباط بالمؤامرة قبل حصولها بيومين فغادر د.حسان الى المانيا في اليوم التالي واخذنا احتياطاتنا وفشلت الخطة والحمد لله .

وفي احد الامسيات وبينما كان مجلس النقابة منعقدا اتصل ضابط مخابرات كبير بالدكتور خير الدين حقي رئيس فرع النقابة يطلب منه مقابلة بعض اعضاء النقابة في الشعبة السياسية وكان بينهم المهندس غسان نجار والمهندس عبد المجيد ابو شالة والمهندس عبد الهادي اخرس والدكتور المهندس جلال خانجي والدكتور المهندس نبيل سالم 

واقسم له ( يمينا ) مغلظا انه سيعيدهم بسيارته للنقابة خلال نصف ساعة فقط لاجراء بعض التحقيق معهم.

و صدق الدكتور حقي كلام رئيس مخابرات الشعبة السياسية فما ان وصلوا مقر المخابرات حتى كان بانتظارهم سيارة مخابرات اخرى فوضعوا فيها ونقلوا الى سجن الشيخ حسن في دمشق ليتعرضوا للاهانات والتعذيب ثم نقلوا لسجن القلعه في دمشق ثم الى سجن صيدنايا ليمكثوا مع معظم اعضاء النقابات العلمية في سوريا اثنتي عشر سنة بسب مطلب واحد هو الحرية

اعزائي القراء

ثورتنا مستمرة ولن تتوقف الا بعد الانتصار.

فيا ايها الموءرخون الوطنيون 

اعيدوا كتابة تاريخكم المجيد

مع تحياتي..

وسوم: العدد 669