الطائرة التي سقطت لأنها مصرية

لا يعلم إلا الله وحده كيف مرت اللحظات الأخيرة على ركاب الطائرة المنكوبة، ربما كان من الأفضل أن نتصور أن أغلبهم كانوا يغطون في النوم، ربما حدث هذا وربما كان هذا من رحمة الله بهم حتى لا يروا مشهد المياه المظلمة وهي تقترب والطائرة تغوص بهم في المياه. ربما شعروا بلحظة الارتطام وربما استيقظ بعضهم.

هل احتملت أجسادهم صدمة الارتطام بمياه البحر؟

هل أدركوا أن طائرتهم تسقط؟

هل دار شريط حياتهم في خيالهم في تلك اللحظات قبل أن ينطقوا بالشهادتين؟

هل مات بعضهم بالصدمة العصبية قبل أن يصل جسده إلى البحر؟

أن تموت في طائرة تسقط بك في ظلمات البحر، حيث لا يابسة أمامك ولا ضوء. أن تنتقل فجأة من أضواء الطائرات الخافتة إلى سحب من اللون الأسود تحتها أمواج من اللون الأسود.

أن تتصور ولو للحظة أن ينتهي أمرك فريسة للأسماك المتوحشة في بحر لا ترى أوله من آخره. أن يكون جسدك معلقاً بين طبقات من الظلام والرياح الباردة وسط سحب من الإسفنج الأسود.

أن تسترخي في مقعدك بالطائرة على مرمى حجر من وطنك متخيلا كيف ستعانق طفلتك، تتصور نظرة الرضا على وجه زوجتك وهي تمسك بالهدية التي طلبتها. أن تتخيل كل هذا، ثم تجد نفسك معلقا بين السحب الباردة لا ترى ما تحتك ولا تشعر بما فوقك.

ميتة شديدة البشاعة

كل ذنب هؤلاء أنهم مصريون، ولدوا في تحكم مجموعة من العسكر حولت مصر إلى فقاعة محبوسة في زمن ما قبل العصور الحجرية، وأحاطوها بسور.

أرض تمتلك كل مقومات الثروة والرقي وتحكمها كل أبجديات التخلف والجهل المنحوتة من عصور أوربا المظلمة. لا يجد المصري الآن أي فارق بين مصر بعد الانقلاب وبين ما يقرأه عن عصور الظلام الأوربية.

عندما زرت مصر في تموز/ يوليو 2011، أدركت أن مصر لم تكن أبدا دولة، رأيت التماعة الأعين في ميدان التحرير، رأيت تصميم الشعب على انتزاع قراره، رأيت الأمل يكسو الوجوه.

أقارن الآن كل هذا عندما تجبرني الظروف على مشاهدة كلمة يلقيها شاويش الانقلاب لأكتب عنها تعليقا ما.

أشاهد وجهه ووجوه العسكر وصبيتهم، فأرى كسوة من القبح والخيانة والفجاجة، خلاصة كل ما تبغضه في حياتك من جهل وعمالة للعدو وتبجح.

لم أستغرب كثيرا عندما نفى المتحدث العسكري لجيش الانقلاب تلقيهم استغاثة من الطائرة بعد أن أعلنت مصر للطيران أن الطائرة أرسلت نداء استغاثة لجيش الانقلاب. هي أمور معتادة في بلد يحكمه أولئك العسكر.

 وكأنما لم يكف أهالي الضحايا ولم يكف المصريين أن يكون جل هم هؤلاء العسكر أن يتنصلوا من المسؤولية وهم من يقصفون سيناء يوميا بطائراتهم فيهدمون منازلها على رؤوس المصريين، ويقضون أوقاتهم في مطاردة سيارات السياح المكسيكيين.

 وكأنما لم يكف هذا الإهمال لنصبح بصدد احتمال شديد الكارثية بدأ يطل برأسه من كلمات مدير المخابرات الروسية الذي أشار دون انتظار لتحقيق أن الحادث (عمل إرهابي) كما أسماه.

ما علاقة مدير مخابرات روسيا بسقوط طائرة مصرية كانت قادمة من فرنسا وسقطت كما يقولون بعد أن خرجت من المجال الجوي اليوناني، أو بعد أن دخلت المجال الجوي المصري كما قالت وكالة الأنباء الرسمية الفرنسية؟

 لم يكن مدير المخابرات الروسية هو الوحيد، بل سبقه رئيس وزراء انقلاب المزرعة السعيدة بساعات، وهو ما يدق جرس إنذار ويجعلنا نتساءل.

كيف يقول مسؤولون أمريكيون أن الطائرة انفجرت بقنبلة في الغالب؟

أين كان أمن مطار شارل ديغول؟

الاحتمال الذي يظل واحدا من عدة احتمالات أخرى كثيرة، أن هناك ترتيبا ما يجري في الخفاء بين الغرب وصبي الموساد في مصر للانقضاض على ليبيا أو لاتخاذ إجراءات أمنية بحرية ما تمهيدا للانقضاض على ليبيا، وهو ما لا يبدو مستبعدا إذا تذكرنا كيف توسل شاويش الانقلاب للرئيس الفرنسي للتدخل عسكريا في ليبيا.

 تظل كل هذه احتمالات ربما تتأكد حين يبدؤون في اتهام جهة ما أو اتخاذ ترتيبات عسكرية ما في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ولكن المؤكد أن هؤلاء الضحايا ماتوا لأنهم مصريون، أو لأنهم كانوا على متن طائرة مصرية، وأن الطائرة سقطت لأنها مصرية، سواء بالإهمال أو بتدبير ما لهدف ما، وقع اختيارهم فيه على طائرة مصرية، لأنهم يسترخصون حياة المصريين.

 رحم الله ضحايا الطائرة وألهم ذويهم الصبر.

وسوم: العدد 670