الانقلاب شأن عربي وفضيحة مصرية

كشف مندوب بريطانيا الدائم لدى الأمم المتحدة ماثيو رايكروفت أن أحد وفود المجلس (التي هي مصر) منعت صدور بيان عن مجلس الأمن الدولي يدين محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا بسبب اعتراضها على عبارة في مشروع البيان تدعم الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في تركيا.

وبحسب دبلوماسيين في الأمم المتحدة فإن ممثل مصر الدائم في مجلس الأمن عمرو أبو العطا اعترض بشدة على فقرة تضمنها البيان تشير إلى دعوة مجلس الأمن لضرورة احترام الحكومة المنتخبة ديمقراطيا في تركيا.

المندوب المصري، بحسب وكالة الأنباء التي نقلت الخبر، زعم أن «مجلس الأمن الدولي ليس في وضع يمكنه من معرفة ما إذا كانت الحكومة التركية قد تم انتخابها ديمقراطياً أم لا». 

وإذا كنا لا نستبعد من المندوب المصري المعيّن من حكومة «تم انتخابها ديمقراطيا من دون شك» أن يشكك في ديمقراطية الحكومة التركيّة فإن ذلك لا يعفينا من مناقشة المنطق الذي استخدمه المندوب المصري وحكومته حيال منع إدانة انقلاب عسكريّ في بلد يجمعه بمصر أركان الجوار والتاريخ والثقافة والديانة… والانقلابات!

أول ما يخطر في البال خلال قراءة هذا الموقف هو: ما هي الاستراتيجية التي تحكم الدبلوماسية المصرية وعلى أي أسس تبني قراراتها وأفعالها، وهل تتحسب، البتة، لنتائج هذه القرارات والأفعال؟

المعروف أن استراتيجيات الدول في العالم تقوم على مبادئ عامة ينظمها القانون الدولي أولاً والمصالح القومية والوطنية ثانيا وثالثا، ولا تقوم على مواقف آنيّة ولحظية لا يتم التحسّب فيها للنتائج والمفاعيل ولا تخضع، أو يجب ألا تخضع، للهوى والنزوات والأغراض الكيدية والانتهازية.

مفهوم أن هناك نزاعاً إقليميّا بين تركيا ومصر، وأنه يرتبط بنزاع داخليّ بين السلطات المصرية وجماعة «الإخوان المسلمين» التي تعتبر تركيا طرفاً مهما في رعايتها والدفاع عن فكرها وحقّها في الوجود والنشاط السياسي داخل مصر والعالم العربي، كما أن هذا النزاع الإقليمي يرتبط أيضاً بنزاع سياسيّ داخل تركيا نفسها، وكان الانقلاب العسكري تجلّيا لهذا النزاع وخلق تشابهات مباشرة مع الوضعية المصرية من حيث قيام الجيش بالاستيلاء على السلطة وإقصاء ما يسمى تيار «الإسلام السياسي» عن الحكم.

لكن التشابهات المذكورة تبدو خادعة كثيراً لأن الوضعيتين تتفارقان بشدّة في ثلاثة مواضع:

الأول: هو أن النخبة السياسية التركية، وقد خبرت النتائج المأساوية للانقلابات العسكرية، تناست خصوماتها السياسية المريرة مع حزب «العدالة والتنمية» ورجب طيب إردوغان ورفضت بأطرافها كافة أن تشارك في هذه المؤامرة لكسر الكيان التركي وإدخاله في نفق سياسي مميت، وقد شاركت هذه النخبة من خلال أحزابها الرئيسية في رفض هذا الانقلاب.

والثاني: هو أن غالبية الشعب التركي رفضت بدورها إلغاء نظام سياسي ضمن لها المشاركة في تقرير مصيرها وانتخاب القادة الذين يديرون بلادها وحافظ على استقرارها بعد عقود من الاضطرابات العسكرية والسياسية وذاكرة من القمع السياسي، وأدّى بالنتيجة إلى اقتصاد متين رفع مستوى رخاء مواطنيه وأمن تنمية وعدالة طويلة الأمد.

والثالث: هو أن جزءاً مهمّا من الجيش التركي نفسه ملّ لعبة الجنرالات الكبار ومقامراتهم بالاجتماع والاقتصاد والسياسة بدعاوى حماية القانون والعلمانية والحقوق لتأمين مصالح طغمة قليلة تتحكم بشؤونهم ولا يعرفون من هي ولماذا قرّرت أن إرادتها هي فوق إرادة الأمة والشعب والبرلمان.

القرار المصري بهذا المعنى ليس إدانة لرجب طيب إردوغان وحكومته «غير المنتخبة ديمقراطيا» بل هو إدانة للنخب السياسية التركية التي رفعت شعار حماية الديمقراطية، وللشعب التركي الذي نزل للشوارع رافعا علم بلاده، ولأطراف كبرى من الجيش التركيّ نفسه التي رفضت الانقلاب وساهمت في إسقاطه.

للأسباب المذكورة أعلاه فإن فشل الانقلاب التركي يعتبر بشارة بتغيّر المعادلة العربية نفسها… ولعلّ هذا، وليس «ديمقراطية» الحكومة التركيّة، هو سبب القرار المصري.

وسوم: العدد 677