تأويل أو تأول كلام الغير لتضليل الناس دليل على زيغ القلوب

التأويل أو التأول من فعل أول يؤول أو تأول يتأول الكلام إذا فسره وقدره ، و تأول الرؤى إذا عبرها . والتأويل كشف وإيضاح وبيان وإظهار . وقد ورد ذكره في كتاب الله عز وجل للدلالة على عبور الرؤى كما هو الشأن بالنسبة لنبي الله يوسف عليه السلام الذي علمه الله عز وجل تأويل الأحاديث أي الرؤى ، وقد فسر رؤيتي صاحبيه في السجن ، كما فسر رؤيا الملك ، فضلا عن الرؤيا التي رآها وهو صبي صغير  وقصها على أبيه يعقوب عليهما السلام . ومعلوم أن الرؤى يكتنفها الغموض ،وتحتاج إلى كشف وإيضاح وبيان وإظهار، لهذا سمي عبورها تأويلا ، وهو أعلى مراتب التأويل . وورد التأويل في القرآن الكريم أيضا  للدلالة على نوع من التأويل الباطل عند المنافقين الذين كانوا يعمدون إلى متشابه القرآن الكريم لتأويله ، ووراء ذلك نوايا مبيتة لتضليل الناس ، والتلبيس عليهم لحملهم على متابعتهم ،وذلك لتكثير سوادهم  أو لتحقيق مصالحهم . وإذا كان تأويل الأحاديث عند نبي الله يوسف عليه السلام  عبارة عن علم علمه الله إياه  في حين اعتبر غيره  ممن لم يؤت  مثل علمه  تلك الأحاديث أو الرؤى التي عبرها مجرد أضغاث أحلام ،أي تخاليط وأباطيل ، فإن تأويل المنافقين لمتشابه القرآن الكريم عبارة عن زيغ اعترى قلوبهم  أي عقولهم ، والزيغ انحراف وميل عن الصواب.

ومن الناس من يعمد إلى كلام الغير يحمله على غير وجهه، ووراء ذلك النوايا المبيتة مع سبق الإصرارعلى الزيغ . وكثيرا ما يحتج من يؤول كلامه على غير وجهه ويقول  لمن زاغ في تأويله : " لا تقولني ما لم أقل ". والذي يقول غيره ما لم يقل يكن له غرض من وراء ذلك . وغالبا من يكون  هذا الغرض مبيتا ، وهو نيل الزائغ من غيره وتعمد الإساءة إليه  إلحاق الأذى به وتشويهه أمام الرأي العام . والزائغ في تأويل كلام غيره يفتري الكذب لتلفيق التهم له انطلاقا من كلامه المؤول تأويلا بعيدا عن الحقيقة والصواب  وذلك لخلق الفتنة . وأكثر الكلام تعرضا لتأويل الزائغين الفتانين الخطب المنبرية التي يتعسف هؤلاء في تأويلها تأويلا هو في نهاية المطاف تعبير عما في نفوسهم المريضة من حسد أو حقد أو عداوة  . وغالبا ما يحصل هذا النوع من التأويل حين تتناول الخطب المنبرية النقائص والمعرات بالنقد حيث يرى كل ذي معرة أو نقيصة أنه المستهدف  والمقصود بالحديث . وغالبا ما يتعرض الخطباء للنقد والتجريح بل وللاتهام من طرف أصحاب النقائص والمعرات والدنايا  والنوايا والظنون السيئة . وقد يركب الزائغون التأويل المغرض لتصفية حسابات أو لتحقيق أغراض ومآرب . ومن المثير للسخرية أن يكون قصد الخطباء شيئا ، ويصير بتأويل الزائغة قلوبهم  شيئا آخر لأن همهم وقصدهم وغايتهم إثارة الفتن بطر ق ماكرة مكشوفة . وقد يسمع الخطب جمهور عريض طويل، وفيهم أهل العلم والدراية والنهى، فلا يفهمون منها ما يؤوله أهل الزيغ  ممن لا علم لهم ولا دراية.

وسوم: العدد 685