بيان حول الوضع المصري

الأمانة العامة لإعلان دمشق

 تميزت ثورات الربيع العربي, تلك التي انتصرت أو تلك التي مازالت على طريق الانتصار,بأنها ثورات شعبية عفوية غابت عنها القيادة الواحدة المنظمة . يجمعها ، على الرغم من عدم تلاقيها ، قاسم مشترك هو مطلب الحرية والكرامة في مواجهة الاستبداد ،وبخاصة ذلك الذي تمثل بحكم عسكري أمني ، جثم على صدرها منذ عقود . وتتطلع شعوبها نحو دول مدنية ديمقراطية ,يكون الإنسان المواطن الحر أساسها وغايتها .

التجربتان الناجزتان في تونس ومصر,اللتان فتحتا آفاقا وآمالا بالانتقال السلس نحو الديمقراطية,بعد استبداد مديد تتعثران . فقد جرت انتخابات ,شاركت فيها كافة القوى السياسية . وتصدر الإسلاميون المشهد السياسي في كلا البلدين .بعد سنة من حكم الإخوان في مصر التي تعتبر رائز النجاح والفشل في المنطقة , لوحظ أن تجربتهم لم تمض بالشكل الذي تمنته لها شعوب المنطقة. لقد حاولوا استغلال التجربة الديمقراطية الغضة,التي أوصلتهم إلى سدة الحكم ,ووضع اليد على السلطة والدولة . وبدلا من أن يحرصوا على أن يكونوا جزءا من العملية الديمقراطية في بلد يمر بمرحـلة انتقالية لها تحـدياتها الصعـبة ,وتتطلـب إشراك كافة القوى والتوجهات السياسية والمـدنية في إدارة البلد ,لإيصاله إلى حالة الاستقرار ,استأثروا بالحكم ، على العكس مما أعلنوا وتعهدوا. كما حاولوا فرض توجهاتهم الحزبية الضيقة . هذا الوضع خلق تناقضات جمة في المجتمع المصري,وهيأ الظروف لعودة الحراك الشعبي إلى ساحات التظاهر، فيما عرف بثورة 30 يونيو,وفتح الباب أمام تدخل العسكر من باب نصرتها وإنهاءحكم الإخوان وزج ناشطيهم وقـياداتهم في السجـون . تونس هي الأخـرى أوشكـت تلـمس ذات المسار ، لكن أمكـن تدارك الانزلاق .

ماحدث في مصر لا يمكن لأحد أن يتكهن بمآلاته ومخاطره على المنطقة برمتها ,والمخاضات التي ستمر بها ثورات الربيع العربي . لذا فإنه يتطلب من كافة القوى الديمقراطية الوقوف عنده واستخلاص الدروس منه,وتجنب مخاطره ومطباته ,حتى لا تكون شعوبنا التي أنجزت ثورات عظيمة ,عاجزة عن تحقيق التراكم الإيجابي في تجاربها , كي لا تنتقل من استبداد لأخر,وإن تبدلت المسميات .

إننا في إعلان دمشق,كحركة سياسية  ديمقراطية ,ناضلت وما زالـت من أجل سوريا مدنية ديمقراطية تعددية ، نجد أنه من الضروري الوقوف عند هذه العتبة من ثورة مصر ، ولنا الملاحظات التالية .

أولا :لا شك أن الشرعية الانتخابية ,تشكل أساس الديمقراطية في أي بلد يتوفر فيه الاستقرار السياسي . صحيح أن الإخوان في مصر ,جاؤوا إلى السلطة عبر الشرعية الانتخابية ,لكنها كانت الانتخابات الأولى ,التي لا تعطي بالضرورة مؤشرا حقيقيا عن الشرعية ,لأن الأوضاع السياسية لم تستقر بعد،كما أن تلك الشرعية لاتكتمل ، إلا باحترام الأقلية السياسية التي خسرت الانتخابات، الأمر الذي لم يحصل.من هنا جاءت مصادمة الشرعية الانتخابية بالشرعية الشعبية .

إن أخطاء الإخوان في هذه التجربة ,ألبت عليهم كثيرا من شركائهم في الثورة ,ودفعتهم للتحالف مع فلول النظام السابق . نعتقد أن السبب الأساس الكامن خلف أخطائهم , هو تطلعهم إلى الإنفراد بالسلطة ، التي حرموا وحرمت منها القوى السياسية الأخرى بالقوة لعقود ، وتغيب الديمقراطية .

ثانيا :لقد بينت التجربة التي أنهى فيها العسكر حكم الإخوان ,أن أغلب القوى التي خرجت في ثورة 30 يونيو ,ليست أكثر حرصا على الديمقراطية وحقوق الإنسان من الإخوان المسلمين . فقد تلطت خلف العسكر وباركت وبررت العنف الذي مارسوه بحق الإخوان وغيرهم من القوى المدنية التي اعترضت على تسلط الجيش كحركة 6ابريل . وهذاما يطرح شكوكا عميقة حول جدية ورسوخ الخيار الديمقراطي لدى القوى السياسية وقادة الرأي في مصر،  في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى تكاتف كل القوى المدنية حول برنامج ديمقراطي حقيقي .

لم يعد ذا أهمية  الجدل حول تصنيف ماحصل في مصر . هل كان انقلابا عسكريا أم ثورة ؟ فالعسكر عادوا واحتلوا كامل الحيز العام وتجاوزوا سلوك الإخوان،فأقصوا الآخرين، واصروا على إيصال مرشحهم إلى السلطة ، وحظروا حركة الإخوان المسلمين ،وزجوا الآلاف من ناشطيها ومن المعارضين السياسيين في السجون ،وأقروا قانون التظاهر الجائر ، وضيقوا على الإعلام المعارض ، وسخروا من اجل ذلك القضاء المصري بطريقة مهينة . فهذا القضاء سبق له أن واجه حكم مبارك لأكثر من عقدين من الزمن مدللاً خلالهماعن استقلالية مشهودة . والآن تتالى الأحكام الظالمة بحق المعارضين السياسيين ، لقد صدرت أحكام جائرة على أكثر من ستمائة من نشطاء الإخوان بالإعدام خلال محاكمات صورية تفتقد للحدالأدنى من أصول المحاكمات، في سابقة لم تشهدها مصر .

إن إصرار العسكر ومحاولتهم الاستيلاء على السلطة واستغلالهم للتناقضات المتفاقمة بين الحراك السياسي والحراك الشعبي يثير قلقا شديدا من المآلات الكارثية التي سوف تترتب على عودتهم إلى الحكم . فحكم العسكر والديمقراطيةلايلتقيان . هذا ما علمتنا إياه تجارب العقود الماضية .

لم يكن هناك بأس من تأييد الجيش لتطلعات الشعب المصري كما فعل إبان ثورة الخامس والعشرين من فبراير . لكن في هذه المرة يمارس الجيش والقوى الأمنية عنفا مفرطا وغير مبرر بحق نشطاء الإخوان وغيرهم ،وهذا الاضطهاد بحق أي مواطن هو ممارسة مدانة من قبلنا. نحن في إعلان دمشق ،لذا ندعو الجيش المصري إلى الانسحاب من الساحة السياسة والسماح بعودة الحياة الديمقراطية، الأمر الذي يساهم في تخفيف العنف. موقفنا هذا ليس جديدا ، فقد سبق للقوى الديمقراطية في سوريا أن وقفت ذات الموقف في مواجهة الاضطهاد الذي مورس بحق الإخوان في سوريا وبحق المواطنين السوريين عموما في ثمانينيات القرن الماضي .

ندعو الإخوان المسلمين في مصر إلى مراجعة علنية وشاملة للمرحلة السابقة وما اعترى تجربتهم من أخطاء نمًت عن حاجة ماسة لترسيخ فكرة الديمقراطية والدولة المدنية ، دولة المواطنة في منظومتهم الفكرية ،وإلى مد الجسور إلى القوى المدنية المصرية للتكاتف والتحالف حول برنامج عماده نبذ العنف والنضال السلمي لإقامة الدولة المدنية الديمقراطية والالتزام بأهداف الثورة .كما ندعو كل تيارات الإسلام السياسي في الوطن العربي إلى ذات المراجعة كي لاتكون حجة لقوى الاستبداد ،وكي لاتتحمل قسطها من وزر محاولات إجهاض ثورات الربيع العربي المعمد بالتضحيات .

لقد بات واضحا أن ثورات الربيع العربي تواجه ثورات مضادة ليست بالهينة ،عمادها سلطات الاستبداد والقوى الاجتماعية المتحالفة معه ،التي كانت مستفيدة من حمايته ومشاركته . كما تختلط فيها ، وحسب وضع كل دولة، أبعاد طائفية أو قومية أو أثنية ضيقه تغذي هذه القوى المضادة .وهناك بعض الدول المؤثرة على المستويين العربي والدولي تغض الطرف عما يجري . فهي لم تبد حماسا للبعد الديمقراطي لثورات الربيع العربي ، ويخشى من إيقاعها السريع ومن عمقها الشعبي الطاغي . هذه الثورات المضادة لن تستطيع هزيمة ثورات الربيع العربي ،لكنها سوف ترفع كلفتها وتؤخر انتصارها إلى حين . كما يرتب على قوى الثورة في كل بلد  أن  ترص صفوفها وأن تعيد الاعتبارلانطلاقتها الأولى بصفتها ثورة حرية وكرامة هدفها الأساس ، بكل وضوح ، قيام دولة مدنية ديمقراطية لكل مواطنيها .

تحية لأرواح الشهداء

عاشت سوريا حرة وديمقراطية

دمشق في 15 /5/2014

الأمانة العامة لإعلان دمشق

للتغيير الوطني الديمقراطي