من طرائف العلامة الألباني

د. عبد السلام البسيوني

محدث القرن العشرين، وحامي السنة الشريفة، وأمين ميراث محمد صلى الله عليه وسلم، صاحب المؤلفات الضخمة، والجهد الهائل، والصدق الدعوي – ولا أزكيه على الله تعالى – والذي لا ينكر أحد دوره البارز في حماية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى من كانت لهم عليه ملاحظات، ووقف سداً منيعاً في وجه التساهل والتسيب في التعامل مع السنة النبوية، ومن يتعاملون معها بهوى وانتقائية، ويخترعون لها ضوابط توافق مذاهبهم واتجاهاتهم.. عليه رحمات الله..

قال عنه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما رأيت تحت أديم السماء عالماً بالحديث في العصر الحديث مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني..

وسئل سماحته عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" فسئل من مجدد هذا القرن، فقال - رحمه الله: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني هو مجدد هذا العصر في ظني والله أعلم .

وقال الفقيه العلامة الإمام محمد صالح العثيمين: فالذي عرفته عن الشيخ من خلال اجتماعي به وهو قليل، أنه حريص جداً على العمل بالسنة، ومحاربة البدعة، سواء كان في العقيدة أم في العمل، أما من خلال قراءتي لمؤلفاته فقد عرفت عنه ذلك، وأنه ذو علم جم في الحديث، رواية ودراية، وأن الله تعالى قد نفع فيما كتبه كثيراً من الناس، من حيث العلم ومن حيث المنهاج والاتجاه إلى علم الحديث، وهذه ثمرة كبيرة للمسلمين ولله الحمد، أما من حيث التحقيقات العلمية الحديثية فناهيك به.

وقال الشيخ عبد العزيز الهده:" إن العلامة محمد الأمين الشنقيطي كان يجل الشيخ الألباني إجلالاً غريباً، حتى إذا رآه مارّاً وهو في درسه في الحرم المدني يقطع درسه قائماً ومسلماً عليه إجلالاً له." وكفى بهؤلاء الثلاثة شهوداً..

ومع هذه القامة العلمية الجادة والمنضبطة، فقد كانت للشيخ دعاباته وطرائفه، التي أجتهد في سوق بعضها..

اتصل به رجل مدع للنبوة قائلاً: يا شيخ أنا نبي.. فأجاب الشيخ ساخراً ببديهة:

نعم، معاك جبريل؛ (جبريل في الاستماع).

وجاءه رجلٌ صوفي يهاجمه ويقول: أنتم تسبون الصوفية، أنا من أهل الله وأعطيكم البرهان، وإذا كنتم من أهل الحق فافعلوا مثلي، أنا سأدخل السكين من الجانب الأيمن، وأخرجه من الجانب الأيسر، دون أن تنزل مني قطرة دم واحدة.

فقال الألباني: ما نريد سكين، نريد دبوس، أعطنا الدبوس، وأنا سأدخله بيدي في وجنتك، فقال الصوفي: لا، بل بيدي أنا، فقال الشيخ الألباني: أنت من أهل الله! لا تفرق بيد من! أنت من أهل الله.. فرفض الصوفي وانصرف.

يقول الشيخ محمد المنجد: ومرة دعوت الشيخ الألباني في بيتي، فجاء أحد الإخوان بطبق من السليق (أعتقد أنه الدجاج المسلوق ومعه شوربة) فقال الشيخ: هذا يدخل الجوف بلا خوف! فقال الشيخ المنجد: هذا من مداعباته على الطعام.

يقول أحد أبناء الشيخ رحمه الله: مرة كان يتكلم وهو نائم، فاقتربت منه لأسمع كلامه، ففتح عينيه فجأة وقال: تتجسس علي! وضحك.

وسمع عن أحدهم يحضر الأرواح، فذهب إليه، وحين رآه الرجل ارتبك، فقال له الشيخ: أرجو أن تحضر لي روحاً، فقال الرجل: من تريد؟ فقال الشيخ: أريد روح البخاري! فقال الرجل: إيش تبغى في البخاري؟ قال الشيخ: أنا عندي أشياء أسألها للبخاري! فقال المشعوذ: اليوم انتهت الأرواح، تعال يوم الاثنين!

وذهب الشيخ للمشعوذ يوم الاثنين فلم يجد الرجل.. هرب ونقل المحل كله إلى مكان لآخر!

وذكر الشيخ أبو إسحق الحويني أنه كان من الممنوع عند الشيخ أن يدخل عليه أكثر من اثنين، وذات يوم دخل أبو إسحاق بيته فوجد المجلس مملوءً عن آخره، فقال للشيخ متعجباً: ألم يكتبوا لافتة على الباب: ممنوع دخول أكثر من اثنين؟

فأجابه الشيخ بسرعة بديهة منه لقد دخلوا اثنين اثنين!

ويحكون أن رجلاً يزعم علم الغيب أراد مناظرة الشيخ، فقال الشيخ طيب أريد أن أسألك سؤالاً.. فقال النصاب الواثق بنفس: ما هو؟

فقال الشيخ: هل أحتاج أن أسألك؟ كيف تدعي علم الغيب ولا تعرف السؤال؟

فانقطع الرجل...

ومما ورد عنه في كتاب "الإمام الألباني رحمه الله: دروسٌ ومواقفٌ وعِبَرٌ": سئل فائدة عن وضع الخطِّ تحت الكلام المراد لفتُ النظر إليه.. أم فوقَه؟

فقال رحمه الله: إنّ وضعَ الخطِّ فوقَ الكلمات المراد لفت النظر إليها هو صنيع علمائنا تبعاً لطريقة المحدِّثين، وأما وضع الخط تحت الكلمة فهو من صنع الأوربيِّين، وقد أُمِرنا بمخالفتهم!

قال محمد الخطيب أحد تلاميذه: "كانت زوجتي على وشك الولادة، فكان الشيخ دائمَ السؤال عنها، وقبل يوم الولادة - حينما أردت الانصراف من المكتبة – قال لي الشيخ: خذ سيارة أم الفضل؛ لعلك تحتاجها في منتصف الليل!

وبَقِيَت السيارة عندي يومين، وفعلاً جاءت الولادة في منتصف الليل، وخرجتُ من بيتي لا أعرف أين أذهب، وبعد بحث لم أجد قابلة، فتذكرتُ أنّ زوجة الشيخ عندها خبرة بالولادة، فتوجهتُ نحو بيت الشيخ وأنا متردد خشية أن أُزعِجَه في هذا الوقت المتأخر.

طرقتُ الباب، فرد علي الشيخ، وقدمتُ اعتذاراً شديداً وأعلمتُه حاجتي، فرد عليّ بلهجة المداعب:

لماذا لم تصنع مثل شيخك؟ فقد قمتُ بتوليد زوجتي بنفسي، ثم أردف قائلاً:

لحظات وأوقظ لك أُم الفضل، وذهبت معي، ورُزقنا بولدي عبد الله!

وسوم: العدد 700