لا يمكن عزل أزمة تشكيل الحكومة في المغرب عن الوضع العام في الوطن العربي

بالرغم من انفراد  شعب المغرب  عن غيره من  شعوب البلاد العربية بحراك سلمي إبان ثورات الربيع العربي ، فإنه قد التقى معها في فكرة نشدان التغيير والانتقال من وضعية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية يطبعها الفساد إلى وضعية أفضل في ظل نظام ديمقراطي حقيقي . ولا يمكن نفي التدخل الأجنبي الغربي في مسار حراك الربيع العربي لإفشاله بغرض المحافظة على الوضع السابق في عموم الوطن العربي وهو وضع كان يخدم مصالح هذا الغرب الذي ظل  يحكم سيطرته على الوطن العربي  لعقود من خلال دعم أنظمة خاضعة لإملاءاته مقابل وجودها واستمرارها . ولقد كانت حراكات الربيع العربي مفاجأة كبرى للغرب  عكس ما يزعم البعض أنه هو من خلقها ، لهذا سارع إلى إفراغها من دلالتها بأسرع وقت ممكن بعدما بدأت الأنظمة التي كان يدعمها تتهاوى تباعا . ومما زاد من مخاوف  هذا الغرب  رهان الشعوب العربية على ما يسميه الإسلام السياسي الذي تمثله  بالنسبة إليه أحزاب ذات مرجعية إسلامية والتي شاركت في اللعبة الديمقراطية، وحظيت بثقة شعوب  كانت تترقب تغيير أوضاع فاسدة . ولقد كانت مصر البلد السبّاق  إلى تجربة ديمقراطية لأول مرة بعد  عقود من حكم الاستبداد العسكري ، والتي مكنت حزبا إسلامية من قيادة البلاد ، فسارت البلدان العربية بعد ذلك على النهج المصري الشيء الذي أزعج الغرب ، فسارع إلى سحب البساط من تحت قدم  هذه التجربة المصرية المنذرة بالنسبة له بالويل والثبور وعواقب الأمور ، فكان الانقلاب العسكري على الديمقراطية وهو ما  يتعارض مع شعار دعم  الدول الغربية للديمقراطية  في العالم . وكان من المنتظر أن تهب الدول الغربية لدعم الشرعية والديمقراطية في مصر إلا أنها كانت  في الحقيقة هي العقل المدبر للانقلاب، وقد وظفت وورطت فيه أنظمة  عربية كانت تتوجس من حراكات شعبية مماثلة لما حصل في دول عربية أخرى ، وتخشى مصير الأنظمة المنهارة فيها . ومما ساهم في نجاح الانقلاب العسكري على الشرعية والديمقراطية في مصر توظيف فلول النظام المنهار التي استخدمت في بداية الحراك المصري لإخماده ، فلما عجزت عن ذلك عاودت الكرة من جديد، فتم توظيفها من طرف الانقلابيين لمنع انتعاش الثورة الشعبية من جديد ، وللحيلولة دون توحد الشعب المصري والتفافه حول الشرعية والديمقراطية . ولو قدر لهذا التوحد والالتفاف أن يحصل  لكانت النتيجة فشل الانقلاب تماما كما حصل في تركيا  التي حمى فيها الشعب ديمقراطيته من الانقلابيين.  وبنجاح الانقلاب العسكري في مصر، فكر الغرب في إفشال كل الحراكات العربية  ونسف ما ترتب عنها من تغييرات سياسية ، وذلك للحيلولة دون وصول  ما يسميه الإسلام السياسي إلى مراكز صنع القرار ، فكان الانقلاب الانتخابي  في تونس حيث عاد النظام المنهار بقناع آخر ، وتمكنت فلوله من السيطرة على مقاليد الأمور محاصرة ما يسميه الغرب الإسلام السياسي والمتمثل في حزب النهضة الذي لم تجده نتيجته الانتخابية  نفعا لأن الانقلاب عليه طبخ في الخارج  ونفذ في الداخل . ولا تختلف  في نظري تجربة حزب العدالة والتنمية المغربي عن تجربة حزب النهضة التونسي  حيث واجه  هو الآخر معارضة شرسة  بعد فوزه في الانتخابات ، وقد أخذت أشكالا مختلفة إلا أنه ظل يقاوم ويتلقى الضربات الموجعة حتى استوفى الفترة الأولى التي تولى خلالها السلطة  وقد شاركته فيها أحزاب أخرى كان بعضها يمارس معارضته مع أحزاب المعارضة في سابقة غير معهودة . ولما فاز حزب العدالة والتنمية للمرة الثانية بالمرتبة الأولى في ظروف انتخابات شابتها شوائب دلت عليها مؤشرات ، واجه من جديد معارضة شديدة، الشيء الذي يعني  وجود محاولة انقلاب انتخابي عليه على غرار محاولة الانقلاب الانتخابي في تونس . ولا يدخر الغرب مع أنظمة عربية جهدا في إفشال التجربة الديمقراطية في المغرب على غرار إفشالها في دول عربية أخرى لتعود الأوضاع إلى  ما كانت عليه قبل ثورات الربيع العربي . ولقد باتت محاولة إفشال التجربة الديمقراطية في الوطن العربي  مؤامرة غربية مكشوفة بذريعة الحلول دون وصول ما يسميه الغرب بالإسلام السياسي إلى مقاليد السلطة، الشيء الذي يعني بالنسبة إلى تهديد أو ضياع مصالحه  في هذا الوطن الذي ظل لعقود تحت رحمة جور وظلم وفساد أنظمة يدعمها مقابل خدمة مصالحه. وإن خضوع الأنظمة العربية لإملاءات الغرب بخصوص إفشال التجربة الديمقراطية عبارة عن مغامرة غير محمودة العواقب لأن الشعوب العربية التي صنعت ربيعها الأول الذي استهدفته المؤامرة الغربية  المكشوفة قادرة على صنع ربيع آخر لن تنال منه تلك المؤامرة في ظل وعي عربي غير مسبوق  ، وسيكون الخاسر الأكبر هو تلك الأنظمة التي فضلت الخضوع لإملاءات الغرب على الوقوف إلى جانب شعوبها،  واحترام إرادتها التي لا إرادة فوقها سوى إرادة الله عز وجل .

وسوم: العدد 702