كيف لا تستحق وثيقة المطالبة بالاستقلال أن يحتفى بها وهي تجسيد لإرادة الشعب؟؟

طلع علينا موقع على الشبكة العنكبوتية بمقال تحدث فيه صاحبه عن رأي أستاذ جامعي متخصص في التاريخ يرى أن  حدث تقديم وثيقة الاستقلال لا يرقى إلى مرتبة عيد وطني  يخصص له  يوم عطلة تؤدى عنها الأجور ، وأن هذا الحدث هو مجرد حدث تأسيس حزب الاستقلال ، وأن الوثيقة الأصلية عرفت تغييرا في أسماء الموقعين عليها ، وأن تخصيص يوم للاحتفال بها جاء متأخرا بعد الاستقلال بسنوات . ومعلوم أن بعض الأساتذة الجامعيين يطلعون علينا بين الحين والآخر بمقالات على المواقع الإلكترونية يدعون فيها التحليل العلمي ورائحة التخندق الحزبي والإيديولوجي تفوح منها . ومنهم من يتعامل مع الرأي العام باستعلاء و كبرياء واستخفاف ، ويدعي وحده امتلاك الحقيقة التي لا يأتيها باطل من بين يديها  ولا من خلفها . ومما يزيد هؤلاء غرورا  واستعلاء بعض الإضافات التي تضاف إلى أسمائهم من قبيل " فلان خبير في كذا أو متخصص في كذا " ولا خبرة ولا تخصص ولا هم يحزنون ،وإنما يتعلق الأمر بالنفخ الإعلامي في كل غث ليصير سمينا في نظر الرأي العام الذي تظن به بعض وسائل الإعلام السذاجة والغفلة .

ولقد عقب البعض على ما نسب لأستاذ التاريخ الجامعي بتساؤل مفاده : لماذا هذا الحديث عن حزب الاستقلال في هذا الوقت بالذات ؟ وهو تساؤل يوحي بتلميح إلى الخلفية الحزبية والإيديولوجية لهذا الأستاذ ، وهو وعي من لدن الرأي العام بأن قناع البحث العلمي الذي يتقنع به بعض المنتسبين للتعليم العالي يخفي وراءه ما يخفيه من تخندق إيديولوجي وحزبي.

ومن المعلوم أن فترة ما كان يسميه المحتل الفرنسي حماية ،وهو في الحقيقة احتلال كانت حبلى بالأحداث الوطنية التي يحتفى بها اليوم من قبيل أحداث  16 و20 غشت ... وغيرها من الأحداث التي تصب جميعها في موضوع المطالبة بالاستقلال . ولا يقل حدث تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال عن باقي أحداث تلك الفترة ، والوثيقة وسيلة من وسائل المقاومة ، وقد كان لها وقعها ووزنها يومئذ ، وليس من الانصاف أن تبخس اليوم باسم البحث أو التخصص الجامعي . وعلى الأستاذ الجامعي أن يتمثل الظرف الذي حررت فيه هذه الوثيقة حيث كان المحتل الفرنسي يعذب أشد العذاب من يجد بحوزته  مجرد قصاصة ورق فيها ما يناهض سياسته الاستعمارية، بل كان يلاحق من يرفع عقيرته بكلمة استقلال . ولا غرابة أن يستنقص من قيمة وثيقة المطالبة بالاستقلال من كان يوم تحريرها في عالم الغيب لم يولد بعد ، وفتح عينيه على نعمة الاستقلال ، ووفرت له ظروف التعليم حتى صار أستاذا جامعيا  من الذين يأكلون الغلة ويسبون الملة ، والله أعلم هل يؤدي واجبه على الوجه المطلوب أم أنه يأكل السحت في غياب جهاز مراقبة عتيد يراقب ما يحدث في قطاع التعليم العالي ، والله أعلم كم عدد أيام العمل التي تقاضى عنها الأستاذ أجرا دون عمل  . وكيف لا تستحق وثيقة المطالبة بالاستقلال أن يحتفى بها وهي تجسد إرادة الشعب ؟ ولو لم توجد هذه الوثيقة لكان من المفروض أن يخصص يوم للاحتفال برغبة الشعب المغربي في الحرية والاستقلال . ولا ينقص من  القيمة الشعبية لهذه الوثيقة  ولا يضيرها أنها كانت مناسبة لتأسيس حزب وطني  لا يمكن أن ينكر دور مناضليه في المقاومة من أجل استقلال الوطن ، وهو حزب لا زال أصحابه يفخرون بما يسمونه الإرث النضالي . ومقابل  فكرة إسقاط القيمة التاريخية  عن وثيقة المطالبة بالاستقلال من خلال إلغاء  اليوم المخصص للاحتفال بها  ، تتعالى أصوات بعض الأساتذة الجامعيين للاحتفال بما يسمونه السنة الأمازيغية التي لا يؤرخ بها لحدث جلل كمولد أو هجرة نبي ، ولقد ودع المغاربة الأمازيغ كل تقويم وكل تأريخ  يوم دخلوا في دين الله أفواجا ، ومن يلتمس عندهم غير التقويم الهجري لن يقبلوه منه وهم منه براء. ولا يخفى ما وراء الاحتفال بما يسمى السنة الأمازيغية من طائفية لا مبرر لها في وطن  تدين كل طوائفه  بدين الإسلام ، وتنصهر في بوتقة الوطنية دون مزايدة بعضها على بعض في الانتماء الديني والوطني . وأخيرا  نقول للإستاذ الجامعي المستنقص من قيمة المطالبة بالاستقلال ، وهو استنقاص من شأن الاستقلال ومن إرادة شعب عليك بتقديم الاعتذار لهذا الشعب  ولأرواح من لقوا الله عز وجل ، وضحوا بأرواحهم في سبيل  الله واستقلال الوطن ، وللذين وقعوا تلك الوثيقة التي لم تكن وثيقة توقيع على الحماية والاستعمار . وليعلم أستاذ التاريخ أن تاريخ الشعوب تسطره الشعوب وفق إرادتها التي هي من إرادة الله عز وجل ولا يسطره الأساتذة الجامعيون في مكاتبهم وخلف مكيفات الهواء وأجهزة الحاسوب . وإذا أردت أن تدون تاريخا حقيقيا  للحدث، فعليك بالميدان للقاء من عاصروا تحرير وثيقة المطالبة بالاستقلال ، ومن عاينوا ظروف تحريرها أما الانطلاق من التغيير الطارىء على أسماء الموقعين أو زيادة عددهم كما جاء في الكلام المنسوب إليك في المقال، فلن يوصلك إلى الحقيقة أو إلى القيمة التاريخية والوطنية لهذه الوثيقة . ولن يكون ذكاؤك يا حضرة الأستاذ أكبر من ذكاء من سن الاحتفال بيوم تتقديم هذه الوثيقة . وأنصحك  يا حضرة الأستاذ بالبحث في تارخينا عما يذكي الروح الوطنية في الناشئة لا فيما يشكك فيها ، ويضعف الحس الوطني لديها.

وسوم: العدد 703