القضية الفلسطينية بين الساحة المحلية والساحة الدولية

تسلك منظمة التحرير الفلسطينية سلوك من يرى الذئب ، فيتجاهله ، ويتظاهر بالبحث عن أثره ، وهذا السلوك كناية واضحة عن التهرب من مواجهة الواقع ، والانهماك في عالم آخر من الخيال الذي لا حصاد وراءه سوى الإخفاق والخيبة . الآن ، وعقب إخفاق الرهان على أميركا لأربعة وعشرين عاما ، هي ذي منظمة التحرير أو السلطة تيمم وجهها نحو الصين ، وتفرح فرحا كبيرا بمبادرة صينية من أربع نقاط بعد أن اختفت المبادرة النيوزيلاندية والمبادرة الفرنسية . أي مبادرة تلوح تسرع السلطة للتعلق بخيوطها مع علمها علم اليقين أنها أوهن من خيوط العنكبوت ، وأنها لن تأتي بأي حل ، وأنها ستلحق حالا بما تقدمها من مبادرات في الاختفاء . ماذا تملك الصين من أوراق في القضية الفلسطينية ؟! وهل الصين بالدولة التي تنخرط في قضايا لا أمل في حلها ؟! أين هي من قدرة أميركا في إمكانية المساهمة في حل ، أي حل ، في القضية الفلسطينية ؟! لو كان في الإمكان أن يأتي حل من الخارج لأتت به أميركا مهما كانت منحازة فيه لما يرضي إسرائيل . أميركا لا تريد حلا للمشكلة الفلسطينية لكون إسرائيل لا تريد هذا الحل . ووهم آخر ، أو لعبة أخرى ، أو تجاهل آخر لحقائق الواقع ، تنوي السلطة أن تنهمك أو تنغرس فيه . إنها تجري مشاورات رسمية مع أطراف عربية ودولية للتقدم بطلب عضوية كاملة في الأمم المتحدة في انعقادها السنوي الدوري في سبتمبر / أيلول المقبل . ما الضمان لديها بإمكانية قبول الطلب الذي يجب أن تتوفر في مقدمه خمسة شروط ، أولها وأهمها أن يكون دولة ، وفلسطين ليست دولة في معيار القانون الدولي . وهناك الفيتو الأميركي في انتظار الطلب الذي يجب أن يقدم لمجلس الأمن ؛ فالموقف الأميركي منه  معروف محسوم مقدما . وأخر ضربات أميركا للسلطة مشروع القانون الذي أقرته لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس والذي سيوقف في حال موافقة مجلس الشيوخ ومجلس النواب عليه مساعدة أميركا للسلطة البالغة 300 مليون دولار سنويا بدعوى أن بعض هذا المبلغ يوجه إلى جهات فلسطينية تمارس العنف ، والمقصود الأسرى وأهل الشهداء . العمل في الساحة الدولية  ضرورة حيوية ؛ فلا أحد يعيش في معزل عن العالم إلا أن المغالاة في التعويل على هذه الساحة عاقبته الإخفاق والخيبة ، وهذا مجرب مرارا فلسطينيا . المشروع الصهيوني لاغتصاب الوطن الفلسطيني لم يعول على الساحة الدولية أكثر مما يجوز . غرسوا أسس الدولة في وطننا قبل وعد بلفور، وعندما حازوا الشرعية الدولية الباطلة في 29 نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية ؛ كان كل شيء بين أيديهم مجهزا لظهور دولتهم فعليا ، وهو ما حدث في 14 مايو / أيار 1948 عند انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين . وواصلوا فورا تقوية تلك الدولة حتى تبدت على ما نراه الآن من عنفوان وازدهار . لن تحقق الحركة الوطنية الفلسطينية أي خطوة للأمام ما دامت هذه حالها من التمزق والتعادي بين طرفيها الرئيسيين فتح وحماس ، وما دامت علاقة السلطة بإسرائيل هي هذه العلاقة الأمنية المضرة بكل ما هو فلسطيني ، وما دامت هذه "القيادات" البالية المهترئة التي هرمت أبدانا وأذهانا ، وجفت أرواحا ووجدانا ، ولم تدع إخفاقا إلا خوضت في مستنقعه المستأسن   ؛هي التي تتحكم في  الشأن الفلسطيني . الصواب في التعويل أولا على الساحة الفلسطينية ، على الذات الفلسطينية ، ثم يأتي العمل في الساحة الدولية رافدا ومعززا للساحة الأولى . وبالقطع هو ليس بديلا لها ، وبالقطع ليس صوابا أن يتقدم عليها . لو أن المقدسيين المؤمنين الشجعان اتكلوا على الخارج عربيا وإسلاميا ودوليا ما أزاحت إسرائيل بواباتها صاغرة خاضعة . في ما فعله المقدسيون العظام درس لمن أراد أن يدرس . لا خير في تجاهل الذئب المرئي والتظاهر بالبحث عن أثره .

وسوم: العدد 732