قراءةٌ في تداعيات تظهيرِ النصرة في إدلب

على نحوٍ غير متوقع كانت الجولة الخاطفة، التي نهضَتْ بها هيئة تحرير الشام " تجاوزًا "، و لنقُلْ صراحة " النصرة "، النواة الصلبة لها.

و على نحوٍ غير متوقع كانت نتائجُ تلك الجولة من الاقتتال الفصائلي، التي شهدتها إدلب مؤخرًا؛ حيث أزاحت حركة أحرار الشام من طريق النصرة، و هي تتجه إلى صدارة المشهد.

و قد ذُكرتْ أسباب كثيرة حول ما حصل، يكادُ الإجماع فيها ينعقد على ثلاثة منها:

ـ مهارة " الجولاني"  القائد العسكري للهيئة، في التخطيط و سرعة التنفيذ.

ـ الشحن العقائدي الكبير لعناصر الهيئة، الذي تولّاه شرعيوها، و لاسيّما المهاجرون منهم، و في مقدمتهم محمد ناجي " أبو اليقظان المصري ".

ـ جُبن و تقاعس عناصر الأحرار، المغلَّف بالتورع عن القتال و إراقة الدماء بين أبناء البلدة الواحدة، أو العائلة الواحدة.

غير أنّ الذي لم يُذكر في ذلك إلاَّ لمامًا، هو سَعْيُ أطراف معينة للدفع بالجهاديّة العالمية نحو التظهير، و الانفراد بالهيمنة على إدلب، الملاذ الأهمّ للفصائل في الشمال السوريّ، و هو ما بات يُرف لدى البعض بـ " تورا بورا " سورية.

و في رأي كثيرٍ من المراقبين أنّ الأغراض المتوخاة من هذا التظهير ثلاثة:

1ـ إيجاد مخرج للتحالف الدولي الذي تقوده أمريكا في سورية، و هو ما أعطاها شرعية دولية للتدخل في الشأن السوري، فالروس موجودون بقرار من السلطة، التي ما تزال تحظى بشرعية الاعتراف الدولي، و أما الأمريكان فوجودهم مرتبط ببقاء الإرهاب المهدِّد للسلم العالمي، و طالما أن معركة الرقة في طريقها للحسم خلال شهرين من الآن، فهم بحاجة إلى بقاء الذريعة التي يتلطون بها، و خير ما يكفل لهم ذلك، هو إيجاد " رقة أخرى "، و إدلب هي المُرشَّحة لذلك، و حتى يكون ذلك لا بُدّ من تظهيرها المشهدَ، و تمهيد السُّبُل لها بجولة من الاقتتال الفصائليّ، التي تُزيح من طريقها عقبة " الأحرار " الكأداء.

2ـ توريط الأتراك في المستنقع الأدلبي، بعد موجات غير مبررة من الشحن العاطفي الساذج تجاه دخولهم إدلب، كطرف ضامن لمخرجات أستانة، في تخفيض التصعيد في عدد من المناطق، و منها إدلب، و هو ما كان من الروس و الإيرانيين و حتى الأمريكان في المناطق الأخرى.

و قد كانت تركيا حذرة بشأن ذلك، و تردّدت كثيرًا لما رأت سيل البيانات الصادرة من النصرة، و حزب التحرير، المحرضة على قتل جنودها الذين سيطؤون أرض إدلب، و لهذا فضلت الحياد في المواجهات الأخيرة، ولم تسمح بدخول عناصر درع الفرات لمؤازرة الأحرار؛ خوفًا من التورط، و استجابة للضغوط الأمريكية، و انزعاجًا من قيادة الأحرار التي لم تكن على مستوى الحدث.

3ـ إيصال الحواضن الشعبية إلى مرحلة اليأس، و انفضاضهم عن المشروع الذي تحمله تلك الفصائل الآيديولوجية؛ نتيجة الفشل الذريع الذي كان من حَمَلَة هذا المشروع البديل، حيث أباحوا لأنفسهم كلّ شيء في جولات الصراع مع مخالفيهم ابتداءً، ثم مع إخوتهم في المنهج انتهاءً.

 ناهيك عن حالة ضيق ذات اليد التي تنتظرهم بعد فترة ليست ببعيدة، حيث سيتمّ الإيعاز للمنظمات الأجنبية العاملة في إدلب بالتوقف عن أنشطتها، و هو ما ظهرت بعض مقدماته على الرغم من نفي قسم منها عن توقف برامجها في الوقت الراهن.

نعم ستشهد إدلب فترة من الاسترخاء، و ستبقى عجلة الأمور دائرة، و سيُخال للنصرة أنّ الأمر قد استتبّ لها، و لكنّ حتى حين، و ذلك بانتظار حسم معركة الرقة خلال الشهرين القادمين بحسب تصريحات المتحدث باسم قوات التحالف، لتتبدأ بعدها مرحلة الشيطنة لإدلب، التي سيعقبها الانقضاض عليها، لتبدأ بعدها تفاهمات الحلّ النهائي، بالتجسيد على أرض الواقع.   

وسوم: العدد 732