المخابراتُ، و الجماعاتُ الجهاديّة، ذاتُ الأدوار الوظيفيّة

في شهادته ضمن برنامج " رحلة في الذاكرة " على قناة روسيا اليوم، يذكر الخبير الاقتصادي الأميركي جون بيركنز: 28/ 5/ 1945، في هانوفر بنيوهامشير، الذي عمل مع وكالة الاستخبارات الأمريكية، ذكر كيف توظّف الولايات المتحدة الدين لتحقيق غاياتها، في العالم الإسلامي:

لقد صنعت الاستخبارات الأمريكية جماعاتٍ و لصقتها بالإسلام، و جعلتها تروج لنفسها عبر الشعارات البراقة، كتحكيم الشريعة، و رفع رايات التوحيد، و تقمّص الصفات الواردة في أحاديث الفتن و الملاحم، كاتخاذ السواد شعارًا لها، أو حديث الروم و الثمانين راية، و معركة مرج دابق.

و لنجاحها في الضحك على عوام المسلمين شكَّلت تحالفًا دوليًا لحرب هذه الجماعات، و أعطتها هالة إعلامية كبيرة.

و اللافت للنظر أنّ هذا التحالف الدولي بما يملكه من قدرات، بعد حلول عامين و نيف من تشكيله، لم يستطع القضاء عليها، و زيادة في الإمعان لجعل هذه الخدعة قابلة للتصديق، قاموا إبراز مقدار إيمان و قوة هذه الجماعات، و أنّها فوق الهزيمة و الاندحار أمام تلك الجيوش، و سُمح لها بكسب عدد من الجولات ضد أعداء الإسلام، فقتلت الآلاف منهم، وسيطرت على بعض المدن واغتنمت الأسلحة و الذخائر.

و زيادة في الأمر قامت هذه التنظيمات بالقفز فوق السنن والقوانين الإلهية، فتراها بمجرد سيطرتها على منطقة جغرافية ضيقة، يسكنها مسلمون بائسون، يعلنون إمارة كرتونية بحجة التمكين، و يشرعون بتهديد العالم من شرقه إلى غربه.

 و العجيب في شأنهم أنهم من شدة تمكنهم، يخفون أسماءَهم و شخصياتهم عن أبناء البلد و عن أتباعهم، و يجعلون اللِّثام ملازمًا لوجوههم، فلا تكاد شخوصهم، و تاريخهم أن يُعرفا!

هل ثَمَّة عاقل يصدّق أنّ جماعةً لا تصنع سلاحها بنفسها، و لا تستطيع منع الطيران من استهدافها، و كل حين تُعدِم، أو يهرب منها أعضاء، بعد اكتشاف عمالتهم لجهات خارجية، و لا يوجد لديها مصدر تمويل دائم و مستقر، و تسيطر على رقعة أرض لا يوجد فيها مؤسسات خدمية، أو مشاريع إنتاجية، أو أيّ شكل من أشكال المجتمعات المتمدنة، يمكن لها أن تقيم خلافة أو إمارة أو ولاية، ثم تريد أن تحارب دولاً كأميركا أو روسيا، اللتين تنفقان المليارات على السلاح، و الخدمات، و الاستخبارات، و البحث العلمي، ثم تنتصر!

هل ثَمَّة عاقل يصدق ذلك ؟ و الطامّة أنهم يقنعون العوام بأن ذلك هو ما أمر به الدين!

هناك أمرٌ آخر تتميّز به هذه الجماعات، أنها لا تنشط إلا في المجتمعات المنكوبة؛ فالمشاكل الاجتماعية كالحروب، و التشرد، و الفقر، تحدّ من حالة الوعي عند الأفراد، و تجعلهم من السذاجة لتصديق مثل ذلك.

و تعليقًا على ما سبق نقول: لو أراد التاريخُ أن يكتب شهادتَه عن هذه الجماعات، بلغة الأرقام، و بعيدًا عن العواطف و التأثيرات اللحظية؛ فما الذي سيقوله، و يكتبه عنهم، غير الآتي: 

ـ لقد شغلت فصائل المقاومة في العراق و سورية، و في كل مكان دخلته، بمعارك جانبية، تسببت بمقتل الآلاف، و في طليعتهم خيرة الكوادر في شتى المجالات.

ـ شوشت عبر التكفير و التخوين و المزاودات، على المشاريع الإغاثية و التنموية لأبناء البلد، فلا هي منحتهم الحرية المنشودة، أو أقامت لهم دولة، فقد قطعت اليدَ التي مُدَّت لهم في أوقات الحاجة، و طردت الجمعيات الإنسانية، و استجلبت عليهم الأعداء من كل فج عميق.

ـ دمرت بافتعالها المشاكل مع فصائل المقاومة، و بخطابها التهديدي المعادي لكل العالم، دمرت المدن و القرى، فهذه حواضر السُّنة خَرِبةٌ، مُهدَّمةٌ، مُحتلَّة، فهذه حلب و الموصل و الفلوجة و الرقة و دير الزور و البوكمال قد هجرها أهلها، بينما المناطق الأخرى في العراق و سورية تعيش آمنة مطمئنة.

و رغم كل ذلك يصرّ بعض السذج على أن تقوده عاطفته، و ينخدع بشعارات تحكيم الشريعة، و أعلام التوحيد، و ينظر إلى هذه التنظيمات رغم فشلها، على أنها تنظيمات تعبر عن الإسلام، و تسعى لحماية أبناء السُّنة، و أن من يحاربها هو عميل مرتد، صاحب أجندات خارجية.

وسوم: العدد 748