الكتاب : الطاغية

إمام عبد الفتاح إمام

دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي 

المؤلف: إمام عبد الفتاح إمام

هذا كتاب يذهب فيه صاحبه إلى أن تخلف المجتمعات الشرقية بصفة خاصة، والمجتمعات الإسلامية بصفة عامة يعود أساسا إلى النظام السياسي الاستبدادي الذي ران على صدور الناس ردحاً طويلاً من الزمن ولا يكمن الحل في السلوك الأخلاقي الجيد، أو التدين الحق بقدر ما يكمن في ظهور الشخصية الإنسانية المتكاملة التي نالت جميع حقوقها السياسية كاملة غير منقوصة، واعترف المجتمع بقيمتها وكرامتها الإنسانية، فالأخلاق الجيدة والتدين الحق نتائج مترتبة على النظام السياسي الجيد لا العكس.

وهو يستعرض نماذج من صور الطغيان، مع التركيز على الاستبداد الشرقي الشهير. الذي سرق فيه الحاكم وعي الناس عندما أحالهم إلى قطيع من الغنم ليس له سوى وعي ذو اتجاه واحد، كما يقترح حلاً بسيطاً يكسبنا مناعة ضد الطاغية، ويمكننا من الإفلات من قبضته الجهنمية، ويقضي على الانقلابات العسكرية التي أصبحت من سمات المجتمعات المتخلفة وحدها. وهذا الحل هو التطبيق الدقيق للديمقراطية. بحيث تتحول قيمها إلى سلوك يومي يمارسه المواطن على نحو طبيعي وبغير افتعال.

في مقدمة الطبعة الرابعة لهذا الكتاب يقول مؤلفه إن كتابه هذا “صودر في معظم الدول العربية، ومنع من دخولها لأنه زائر غير مرغوب فيه، بل جمعت نسخه في بعضها ودفعت الدولة ثمنها كاملاً غير منقوص ثم قامت بدفعها إلى المحرقة كما كانت تفعل محاكم التفتيش في العصور الوسطى … ومع ذلك فقد التهمت منه الأسواق العربية في وجبة واحدة ما يقرب من أربعين ألف نسخة في ساعات معدودات”. فما هو هذا الكتاب الذي يستحق كل هذه الحرب؟

بعد حديث مختصر عن مفهوم السلطة السياسية وفلسفتها يبتدئ المؤلف الحديث عن الطغيان بفصل عن (تأليه الحاكم في الشرق) 

مبيّنا ومعرّفاً بمصطلح (الحكم الثيوقراطي)، 

وهذا النوع من السلطة مبني على أن “السلطة مصدرها الله يختار من يشاء لممارستها،

وما دام الحاكم يستمد سلطته من مصدر علوي فهو يسمو على الطبيعة البشرية، وبالتالي تسمو إرادته على إرادة المحكومين إذ هو منفذ للمشيئة الإلهية”. 

وفكرة تأليه الحاكم قد تطورت واتخذت ثلاث صور متتابعة، 

فمن كون الحاكم هو الله نفسه كما في الحضارات القديمة،

إلى جعل الحاكم يستمد سلطته من الله مع ظهور المسيحية، 

إلى كون الحاكم قد تولى السلطة بمقتضى الحق الإلهي غير المباشر، أي عن طريق الشعب. 

ثم يعرض المؤلف لفكرة تأليه الحاكم في الحضارات القديمة مبتدأ بمصر الفرعونية مروراً ببابل وفارس والصين وانتهاء بالإسكندر المقدوني الذي بدأ يأخذ بعادات الشرق وثيابه بعد احتلاله لفارس إلى أن وصل إلى أعلى عادة وهي تأليه الحاكم فأراد أن يعترف به الشعب الآسيوي بل واليوناني أيضاً على أنه ابن لزيوس، حتى اقتبس من الفرس عادة السجود التي كان يتعين بمقتضاها على جميع من يقتربون من الملك أن يؤدوها.

ثم يعرض المؤلف لعائلة الطغيان، معرّفاً ومبيّنا، ومبتدأ بالتعريف بالطغيان نفسه 

ويذكر أن أول من استخدم كلمة (طاغية Tyrannos) هو الشاعر اليوناني (أرخيلوخس)، 

ويشير المؤلف إلى أن كلمة (طاغية) لم تكن تعني في بداية استخدامها معنى سيئاً، بل كانت تعني ملك أو حاكم، بل قد يسمى الملك بالطاغية في سياق المديح أو المجاملة حتى بدأت الكلمة بعد ذلك تحمل معنى كريهاً وذلك ابتداء من الجيل الثاني من طغاة الإغريق.

وبعد الحديث عن الطغيان يعرّج المؤلف إلى الحديث عن باقي أفراد العائلة الكريهة وهم الاستبداد والدكتاتورية والشمولية والسلطة المطلقة والأوتوقراطية، خاتماً كل ذلك بالحديث عن آخر أفراد تلك العائلة وهو (المستبد المستنير أو العادل) وهو المصطلح الذي ظهر في القرن التاسع عشر في الفكر السياسي الأوروبي. 

ويذكر المؤلف بأن مصطلح (المستبد العادل) هو من الجمع بين المتناقضات، ذلك أن الطاغية أو المستبد يعني (الحاكم الظالم أو الجائر القاسي) وهو ما يتناقض مع الاستنارة أو العدل. 

وحسب تعبير الفرنسي (دوفرجيه) فكيف يمكن أن يوصف المستبد بأنه عادل أو الطاغية بأنه صالح أو الدكتاتور بأنه خيّر أو مستنير؟

الباب الثاني من الكتاب يعرض المؤلف لصورتين للطاغية في الفلسفة اليونانية، الأولى منهما هي (الطاغية في صورة الذئب) 

وهذه الصورة تمثّل نظرية أفلاطون الذي يعتمد في تحول الطاغية إلى ذئب على أسطورة يونانية تقول: إن المرء إذا ما ذاق قطعة من لحم الإنسان ممتزجة بلحم قرابين مقدسة أخرى فإنه يتحوّل حتماً إلى ذئب. 

وقد أتى المؤلف بعرض مطوّل لنظرية أفلاطون مسبوقة بعرض تاريخي للقاء أفلاطون بأشهر الطغاة ومعرفته لهم عن قرب وعلى رأسهم أعتى طغاة الشرق وهو ديونسيوس الأول طاغية سيراقوصة الذي انتهى حاله معه إلى أن بيع في سوق العبيد واكتشفه أحد تلامذته واشتراه وأعاده إلى أثينا، وانتهى المؤلف إلى تحديد خلاصة فكرة أفلاطون وهي أن الطاغية الحقيقي هو في واقع الأمر عبد بلغ أقصى درجات العبودية ما دامت دوافعه الحيوانية هي التي تسيطر عليه وتدفعه إلى تملّق الناس. 

وهو يقضي حياته في خوف مستمر ويعاني على الدوام آلاماً مرهقة، ويبدو أكثر الناس بؤساً، كما أن السلطة تنمي كل مساوئه وتجعله أشد حسداً وغدراً وظلماً، وأقل أصدقاء وأشد فجوراً وأمعن في احتضان كل الرذائل.

وفي الباب الثالث يتحدث المؤلف عن ارتداء الطاغية لعباءة الدين حيث يبتدئ بالحديث عن الحكم الثيوقراطي في بداية المسيحية والتي كانت تنظر إلى الحاكم المستبد على أنه سيف الله الذي ينتقم من الأشرار كأنه معصوم من الخطأ، وأنه حتى لو كان الحاكم الطاغية ظالماً فلا بد من تحمّله تطبيقاً للمبدأ المسيحي في عدم مقاومة الشر، 

كما أن اشتداد استبداد الحاكم وظلمه يمكن أن يفسر على أنه رحمة من السماء لمواجهة كثرة الشرور في العالم. 

بل إن القديس جريجوري كان يرى أن من حق الطاغية أن يطيعه الناس، وليس ذلك فحسب، بل لا بد أن تكون هذه الطاعة صامتة وسلبية لهذا الحاكم الذي ماهو إلا ظل الله على الأرض.

ثم يتحدّث المؤلف عن البروتستانتية وزعمائها وعلى رأسهم مارتن لوثر وجون كالفن ليذكر أنه لو افترض أن الطاغية طلب من رجال الدين أن يبرروا أمام الناس أفعاله الاستبدادية وسلوكه السيء، فإنه لن يجد أروع من المقدمة التي يبدأ منها زعماء البروتستانتية والتي هي أن الطبيعة البشرية فاسدة وأن الإنسان موجود ساقط وأنه خلق في الأصل على صورة الله ثم ثار وتمرّد على خالقه ودنس هذه الصورة بسقوطه، حتى أصبح بحاجة إلى كوابح وضوابط وبالتالي فلا بد للناس من إنسان يجبرهم على الطاعة، وطاعة السلطة خير في ذاتها وهي الركيزة الوحيدة التي تقوم عليها الحياة المستقرة الآمنة، وخلاصة هذا كله هو وجوب الطاعة العمياء للحاكم.

وفي الفصل الأخير يعرض المؤلّف للنظريات التي فسّرت ظاهرة الطغيان عامة، والطغيان الشرقي بصفة خاصة، والتي منها نظرية أرسطو وهي أن الشرقيين ولدوا عبيداً، ونظرية أخرى تنظر إلى الطغيان بمنظور اقتصادي حيث تبرز دور العوامل الاقتصادية في نشأة الطغيان، ونظرية ثالثة وهي تحليلية نفسية ترد الطغيان إلى العلاقة (السادومازوخية) فالشخصية المستبدة سادية متسلطة تروض الجماهيرة الخانعة المازوخية.

clip_image002_f55c8.jpg

هناك مفردات لغوية يكثر استعمالها عند قوم ويقل عند قوم وعند قوم من المحذورات، ومنها من استعملها البعض لغير المعنى الأول الذي استخدمه العرب للكلمة من باب التورية او التشبيه، قد يدرك البعض مرادها وتتيه عن كثير فيرمى قائلها بما ليس فيه، فالراح والخمر والكأس مفردات واضحة المعاني والمراد لغة واصطللاحا، ولكن استخداماتها تختلف من فئة إلى أخرى، فكل الشعراء يتغنون بكأس الراح والخمر، ولكن بعضهم يعنيها ويريد بها عين الخمرة المسكرة وبعضهم يريد منها ما هو فيه من حقل علم او معرفة أو معتقد أو مذهب، فالفقيه يستعملها لبيان الحكم الشرعي من قليل مسكرها أو كثيره، والطبيب يتداولها لبيان ضرر تناولها، والمتصوفة يوردونها في خمارات الحب والوصال والترنح في حلقات المحبوب، وبعضهم يتهيب من إيرادها حتى لا يقع في دائرة الفهم الخاطئ من قبل القراء أو المريدين.

وأية كلمة في اللغة العربية ولها معناها اللغوي والإصطلاحي، فالمعنى أو المفهوم اللغوي ما تم استعماله لكلمة بعينها، والاصطلاحي ما توافق بعض أو كل على اعطاء الوصف أو المعنى لكلمة معينة أو أخراج الكلمة من معناها اللغوي إلى معنى اخرى اتفقوا أو توافقوا عليه لوجود رابطة، وقد تعطي الكلمة معناها المصطلح بذاتها أو بضميمة كلمة أخرى، فالصلاة لغة دعاء ومناجاة، ولكن في الإصطلاح عبادة وممارسة وقراءة وذكر ودعاء، والمرآة شاشة زجاجية يرى الواحد فيها نفسه، ولكنها تستعمل لغير ذلك بمعية كلمة أخرى، فنقول مرآة الحقيقة ونريد بيان عين الحقيقة أو كشف الحقيقة، ونقول مرآة الواقع ونريد الوقوف على معالم الواقع الذي نحن فيه وحيثياته وسلبياته وإيجابياته، فكما أن المرآة تكشف عن عيوب الشكل والهندام فيسعى المرء الى تحسين مظهره وشكله، فكذلك مرآة الحقيقة أو الواقع.

 وبشكل عام لابد من وجود علقة منطقية وواقعية بين المصطلح ومفهومه، أو بين المفهوم بوصفه الصورة المرتسمة في الذهن حول الكلمة وحقيقتها، والمصداق وهو ما ينطبق عليه المفهوم المرتسم في الذهن، وقد تتعدد المصاديق بيد أنَّ المفهوم يظل واحدًا، فكلمة الإذاعة على سبيل المثال مفهومها الإخبار والإعلان والبوح ولكن مصاديقها تختلف، فالمذياع أو الراديو هو من مصاديقها، وكل وسيلة يتم عبرها بيان شيء أو إذاعته يدخل ضمن المصداق، وهناك رابطة بين المفهوم والمصداق فالمذياع من شأنه الإذاعة، والتلفاز من شأنه الإرائة والإظهار والسيارة من شأنها الحركة والطيارة من شأنها الطيران، فنحن نقول للغراب طائر وللعصفور طائر وللحمامة طائر وللصقر طائر ولقبطان الطيارة طائر وللمسافر طائر وللطيارة نفسها طائر، فكل هذه المصاديق المتعددة من إنسان وحيوان وجماد تشترك في مفهوم واحد وهو الطيران.

وفي القرآن الكريم والسنة الشريفة مصطلحات واضحة المعاني جلية المصداق والمراد، تحولت بفعل السياسة وتقلب الموازين إلى قنابل موقوتة، بعضها قنابل عقائدية يتحسس منها الآخر غير المسلم مثل كلمة النصارى عند بعض المذاهب المسيحية، أو قنابل مذهبية يتحسس منها الآخر داخل الإطار الإسلامي ومنها مصطلح الشيعة أو التشيع الذي أوردها القرآن الكريم في مواضع عدة وجاءت على لسان النبي محمد(ص) المتواتر في أكثر موضع، ولكي تأخذ الكلمة موضعها الإصطلاحي، وضمن السلسلة الفقهية للمحقق آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي صدر حديثا (2018م) عن بيت العلم للنابهين في بيروت كتيب "شريعة التشيع" في 64 صفحة اشتمل على مائة وثمان مسائل فقهية وستة وعشرين تعليقة للفقيه آية الله الشيخ حسن رضا الغديري إلى جانب كلمة الناشر ومقدمة المعلق وتمهيد المصنِّف.

أبو الأنبياء مصداقها

هناك كلمات يستخدمها القرآن الكريم، في إفرادها مدح وفي الجمع ذم، منها كلمة الحزب، فإذا أفردها القرآن كان مراده مدح الذين ينضوون تحت لواء هذا الحزب، من ذلك قوله تعالى في حقيقة المؤمنين: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) سورة المجادلة: 22، وإذا أجمع ذمهم، مع الإحتفاظ بمكانة حزب الله، لأن وصف حزب الله هو من باب بيان النوع الضدي في قبال الأحزاب الأخرى، وفي العادة لا يستبان وصف أمر قوم أو مجموعة من الناس مدحًا أو ذمًا إلا بلحاظ الجهات الأخرى، فجمال الكلام يُعرف من قبح الناطق بخلافه، وقبحه يُعرف من جمال ضده، فالعملية ونتائجها تجريبية وملموسة فضلا عن عقلانيتها وفطريتها، ومن ذلك قوله تعالى: (فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) الزخرف: 65.

وهكذا الأمر مع مصطلح (الشيعة)، إن أفرده النص القرآني كان فيه المدح والإطراء، من ذلك قوله تعالى عند الحديث عن النبي نوح عليه السلام: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإٍبْرَاهِيمَ) الصافات: 83، وإن جاء بالجمع كان فيه القدح والإزدراء، ومن ذلك قوله تعالى: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ. مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) الروم: 31- 32، حيث جمعت الآية بين ذم الأحزاب وذم الفرق المتشيعة لهذا وذاك دون ما أمر الله، كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) الأنعام: 159، فشيعة الرجل أتباعه ومناصروه وحزب الله هم شيعة صاحب الرسالة الإلهية، فالشيعة هم حزب الله وحزب الله هم الشيعة.

وعليه فإن تعريف التشيع كما أورده الفقيه الكرباسي في التمهيد: (هو دعوى المشايعة والمتابعة والمناصرة والموالاة لمن يُنسب إليه، والشيعة هم الأتباع، وغلب على أتباع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام)، هذا في اللغة، أما في الإصطلاح: (إتِّباع الإمام علي(ع) وأبنائه المعصومين(ع) في آرائهم وسلوكهم وأفكارهم وأقوالهم)، وفي المجال العقدي: (هو الإنتماء لأهل بيت الرسول(ع) ومحاولة اتباع منهجهم)، ومن حيث الواقع فإن: (الشيعة: ... وفي الإطار العام تُطلق على خمسة شرائح فكرية حاضرة هي: الإثنا عشرية، الإسماعيلية، الدرزية، الزيدية، والعَلوية).

فالشيعة شخصا كان أو مجموعة أو أمّة هم الذين تشيّعوا للرجل وناصروه وأعانوه على من يعاديه، أي كانوا على ملته ومنهاجه وسيرته ودينه يتبعونه اتباع الفصيل إثر أمِّه لا يحيدون عنه وإلا صاروا شيعا وأحزابا، ولهذا قالوا أن النبي إبراهيم (ع) من شيعة النبي نوح (ع) كما في سياق الآيات أي على دينه وملته، بل وذهب البعض إلى القول بأنَّ الهاء في كلمة "شيعته" تعود على النبي محمد (ص)، وبتعبير الطبري محمد بن جرير المتوفى سنة 310هـ في تفسير الآية: (وقد زعم بعض أهل العربية أن معنى ذلك، وأن من شيعته محمد (ص) لإبراهيم، وقال: ذلك مثل قوله: "وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ" يس: 41، بمعنى أنا حملنا ذرية مَن هم منه، فجعلها ذرية لهم، وقد سبقتهم) جامع البيان: 19/564.

فالنبي إبراهيم (ع) وهو أبو الأنبياء: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) آل عمران: 67، والنبي الخاتم محمد(ص) بعثه الله الى البشرية بالإسلام وأكمل رسالته بنعمة الإمامة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) المائدة: 4، وكما بيّنها في في خطبة الوداع عند غدير خم، وبغض النظر عن عائدية الضمير الغائب فإن المؤدى واحد هو الإتباع والمشايعة والمبايعة على الأمر وعدم التخلف عنه.

مرآة السلوك

وبلحاظ المشايعة والمتابعة والولاء والبراء، فإن كل متابع للنبي محمد (ص) والعامل بسنته الشريفة هو من شيعته كما هو إبراهيم من شيعة نوح أو شيعة محمد لا فرق، فالمصاديق متعددة قاسمها عامل الإطاعة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) النساء: 59، ومن ولاة الأمر أئمة أهل البيت(ع) الذي قال فيهم رب العزة: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) الأحزاب: 33، وتأسيسا على ذلك فإنه: (لا خلاف في أن التشيع هو الإعتقاد بأن الأئمة المعصومين(ع) منصوص عليهم بالإمامة، بحيث لا تجوز مخالفتهم)، وكما يقول النوبختي إبراهيم بن إسحاق المتوفى سنة 311هـ: (الشيعة فرقة علي بن أبي طالب المسمّون بشيعة علي في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم) الفرق والمقالات: 17، والشائع أنَّ كل من رأى النبي(ص) في حياته وصاحبه ولو لبرهة فهو صحابي، وعليه فالذين ناصروا النبي(ص) وكانوا من شيعة علي(ع) حسب كلام النوبختي هم من الصحابة الكرام، وهؤلاء الصحابة حسب ما أورده السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر الخضري المتوفى سنة 911هـ، هم الذين قال فيهم النبي محمد(ص): (والذي نفسي بيده إن هذا –أشار إلى علي عليه السلام- وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، فنزلت آية خير البرية) الدر المنثور: 6/376، وهي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) البينة: 7.

ولا شك أن القائلين بالتشيع كثيرون، وهم يطلبون الوصال بالنبي محمد (ص) وأهل بيته الكرام (ع)، وشفاعتهم يوم الورود، وقد ورد في الأثر أن رجلا قال لسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين(ع): (إني من شيعتكم، فقال عليهم السلام: يا عبد الله إن كنت في أوامرنا وزواجرنا مطيعا فقد صدقت، وإن كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها، لا تقل لنا: أنا من شيعتكم، ولكن قل: أنا من مواليكم ومحبيكم ومعادي أعدائكم، وأنت في خير وإلى خير) بحار الأنوار: 65/156، وبناءً عليه فإن الإنتساب الى النبي أو الإمام مرتبة شريفة لها شروطها، وبتعبير الفقيه الكرباسي في التمهيد: (وبالإجمال فإن الصفات التي ذكرت يمكن إيجازها بالتالي: يُفترض بأن يكونوا في قمة الصفات التي توجب طاعة الله، وفي الصفات الأخلاقية في مقدمة المطبِّقين لها، وفي الفضيلة أول الملتزمين بها، فلا بد أن يكونوا من أعبد الناس وأزهدهم وأحلمهم وأشجعهم وأفضلهم لا يجدون معروفا إلا عملوا به، ولا منكرًا إلا ارتدعوا عنه، مطّهرون من الدنس والرجس والنجس، متحابّون متآخون، رحماء بينهم، ذوو صلابة في الدين، بعيدون عن البدع والأهواء، فإذا كانوا كذلك كانوا بالطبع أسيادًا، ومقدَّمين في الثواب والأجر والمنزلة عند الله تبارك وتعالى، وكانوا عندها من أولياء الله).

ولا تعني وصول هذه المرتبة الشريفة حصانة الشخص من الجرح والتعديل، بخاصة إذا ورد في سند رواية، ولهذا يقرر الفقيه الكرباسي: (الصحابة بشكل عام يخضعون إلى الجرح والتعديل وليسوا معصومين، فمن كان عادلًا له مكانته ويفرض احترامه، ومن لم يكن كذلك فلا مكانة له، قوله ليس بحجة، وكذا الحال بالنسبة إلى أهل البيت من غير المعصومين الثلاثة عشر).

غال وقال

لا يبيح الإسلام تجاوز الحدود، لأن الإسلام هوية وعنوان ومبدأ وهوية المسلم يقررها الرسول (ص) بصريح القول: (المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه)، ومن يدعي أنه شيعة للرسول(ص) وأهل بيته(ع) ينبغي أن يكون مأمون الجانب، وبتعبير الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع): (معاشر الشيعة كونوا لنا زينًا ولا تكونوا علينا شينا، قولوا للناس حُسنًا، واحفظوا ألسنتكم، وكفوها عن الفضول وقبح القول)، ومن زين القول والفعل والسلوك هو التوازن في الولاء والبراء والمحبة والكراهية، ومن الشين الغلو في حب الرسول(ص) وأهل بيته ورفعهم إلى مستوى الألوهية، أو الإنتقاص من منزلتهم ومراتبهم التي رتبها الله لهم، لأن (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) سورة الأنعام: 124.

في الإطار ذاته حذّر الرسول (ص) المسلمين والمتشيعين له(ص) ولأهل بيته(ع) من الغلو والبغض، ولهذا ورد عنه (ص) وهو يحدّث وصيّه: (ياعلي .. يهلك فيك فئتان: محبّ غال، ومبغضٌ قال) عوالي اللئالي: 4/86، وهذا النص الذهبي يؤكده عليه السلام بنفسه: (أَلا وَإِنَّهُ يَهْلِكُ فِيَّ اثْنَانِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ يُقَرِّظُنِي بِمَا لَيْسَ فِيَّ وَمُبْغِضٌ مُفْتَرٍ يَحْمِلُهُ شَنَآنِي عَلَى أَنْ يَبْهَتَنِي) تاريخ مدينة دمشق/ 42/295.

وفعل المضارع دال على الحاضر والمستقبل، فالغلو قائم والبغض قائم إلى يوم القيامة، من هنا يقرر الفقيه الكرباسي أن: (الغلو محرّم عند الإمامية الإثني عشرية، فلا يجوز أن يوضع الرسول(ص) والأئمة المعصومون(ع) في أكثر مما هم كذلك)، ويعلق الفقيه الغديري بقوله: (لا مجال للشك في حرمة الغلو ... والذي يشهد بوحدانية الله تعالى فلا يتصور فيه أن يعتقد للمعصومين عليهم السلام بما يختص بالذات الإلهية من الصفات بنحو الإستقلال وبدون إذنه تعالى شأنه).

ومن الغلو كما يقرر الشيخ الكرباسي: (القول بأنَّ الرسول(ص) مثلا يعلم الغيب كما هو الحال في الله جل جلاله فهذا من الغلو المحرّم، أما انه يمكن أن يعلم عن الماضي والحاضر والمستقبل بتفويض من الله ومشيئته فهذا ليس من الغلو)، وبتعبير الشيخ الغديري في تعليقته: (فالرسول الاعظم(ص) والأئمة المعصومون(ع) كانوا عالمين بالغيب بإذن الله وعطائه، وهو لا ينافي اختصاص ذلك العلم بالله تعالى، وهو: "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ" الجن: 26- 27، وقوله سبحانه: "تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ" هود: 49).

ومن التوازن في شخصية شيعة النبي محمد(ص) وأهل بيته(ع) هو حفظ اللحمة الإسلامية ولهذا يقرر الفقيه الكرباسي: (يجب الحفاظ على الوحدة الإسلامية)، ومن دلالات الوحدة: (لا يجوز الصراع بين المذاهب الإسلامية وتكفير بعضهم للآخر)، بالطبع كما يفيد الشيخ الغديري في تعليقته: (ولا يتنافى ذلك مع الصراع العلمي وبأسلوب سليم مؤدب، أي المجادلة بالتي هي أحسن، كما هو مقتضى الأمر الإلهي للنبي(ص): "وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" النحل: 125، وأما الغلظة في القول فلا تجوز قطعًا).

في الواقع ورغم حساسية الموضوع وتجاذبه بين أرباب المذاهب الفقهية، فإن إفراد آية الله الشيخ محمد صادق بن محمد الكرباسي أحد أجزاء موسوعته الفقهية "الشريعة"، وهي في ألف كراس من ألف عنوان، لشريعة التشيع هو مساهمة فاعلة لبيان حقيقة المسلم المتوازن الذي ينبغي أن يكون الرسول(ص) وأهل بيته (ع) الكرام أسوة له لا يتقدمهم ولا يتأخر عنهم ولا يستأكل بهم.

تأليف:الدكتور فتحي يكن 

    هذا الكتاب هو خلاصة لأحاديث تربوية ألقيت في مراكز مختلفة على فترات متفاوتة من الزمن..

لقد تناولت هذه الأحاديث أهم وأبرز العقبات والشدائد التي تواجه دعاة الاسلام. 

كما تعرضت للسمات والقسمات الايمانية التي يجب أن يتصف بها الدعاة الى الله ليكونوا ربانيين، وليتمكنوا من مواجهة هذه التحديات والتغلب عليها بعون الله..

مقتطفات من الكتاب :

الشدائد في حياة الدعاة

أعلم أيها الأخ الداعية, أن الله لا بد مبتليك.. وانه لا بد ممتحنك.. وصدق الله العظيم حيث يقول ( آلم.. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون, ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) وفي الحديث ( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)

فدعوى الإيمان بحاجة إلى دليل, وطريق الجهاد طريق طويل تحفه الشدائد وتكتنفه المتاعب ( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات)

والداعية في هذا الطريق ان لم يكن في حصن من الله , وعلى صلة به, واكتال عليه, واعتصام بكتابه, واتباع لسنة نبيه, فهو على خطر كبير وفي شر مستطير..

ولقد أجمل رسول الله صلى الله عليه وسلم التحديات والشدائد التي تواجه المؤمنين به والدعاة اليه, والمجاهدين في سبيله فقال ( المؤمن بين خمس شدائد : 

1- مؤمن يحسده

2- ومنافق يبغضه

3- وكافر يقاتله

4- وشيطان يضله 

5- ونفس تنازعه) أخرجه ابو بكر بن لال من حديث أنس من مكارم الأخلاق

ولقد كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه هذا عن الفتن والشدائد..

كل الفتن والشدائد.. التي يمكن أن يتعرض لها الدعاة إلى الله ليحذروها, وليأخذوا لدربهم من الزاد ما يمكنهم من مغالبتها ومجاوزتها..فالننظر في كل واحدة من هذه الشدائد .. في أخطارها وآثارها وفي أسباب الوقاية منها..

سلسلة قراءة وعرض كتب المعرض الدولي بالجزائر 1

clip_image002_2020d.jpg

كتاب: "الّدر المكنون في الاحتفال بمولد النّبي الأمين المأمون"، الأستاذ: محمد وصي الرحمن ابن محمد إسحاق، دار الكتاب العلمية، لبنان، 2017، من 239 صفحة.

يعدّ الكتاب الذي بين يديك أوّل كتاب يشتريه صاحب الأسطر وينهي قراءته في انتظار  الانتهاء بإذنه تعالى من قراءة مجموعة الكتب التي اشتراها، ويعرضها كلّما سمحت الفرصة بذلك، وتحت عنوان: " سلسلة قراءة وعرض كتب المعرض الدولي بالجزائر".

اعتمد صاحب الأسطر في عرضه للكتاب على كلّ ما يحثّ على الحبّ والاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم والافتخار بمولده الشريف صلى الله عليه وسلّم، تاركين عمدا التطرق للذين يحاربون المؤمنين الذين يحتفلون بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لأنّ غاية عرض الكتاب هو الوقوف على الجديد في الافتخار بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقد سبق أن انتهج صاحب الأسطر هذا النهج في مقاله بعنوان:" احتفل بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ... ولا تلتفت"، وبتاريخ: الجمعة 08 ربيع الأول 1440 هـ الموافق لـ 16 نوفمبر 2018. ومما جاء في الكتاب:  

1.      ظلّ الكاتب يردّد قوله تعالى: "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ" يونس - الآية 58، على أنّ الله تعالى يحثّ عباده للاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وحبّه.

2.      الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من عمل الجماعة الذي أوصى به سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين قال: "من فارق الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع". 77

3.      أمرنا الله تعالى أن نفرح، ولا يوجد أعظم من الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. 78

4.      القلب السّليم هو العامر بحبّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهو القلب الذي يحتفل بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. 86

5.      سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أوّل من احتفل بمولده صلى الله عليه وسلّك، حين سئل عن صيام الاثنين، فأجاب صلى الله عليه وسلّم: "ذلك يوم ولدت فيه". 86

6.      يندرج الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضمن قوله تعالى: "وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" التوبة - الآية 122، لأنّ المرء يتفقّه وهو يعيد قراءة السيرة النبوية عبر الاختفال بمولده صلى الله عليه وسلّم.88

7.      يندرج الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضمن مجالس الذكر التي تحفّها الملائكة الكرام. 96 "من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه"

8.      يندرج الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذين أمر الله به عباده. 96

9.      يندرج الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضمن الدين النصيحة. 100

10.  يكفي المجتمعين للاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فخرا أنّهم يدخلون ضمن قول سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "مااجتمع قوم على ذكر فتفرقوا إلاّ قيل لهم قوموا مغفورا لكم". 106

11.  قال الله تعالى: " وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ" القلم - الآية 4، ومن الخلق العظيم دراسة سيرة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والاحتفال بمولد الشريف. 111

12.  قال تعالى: " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚإِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ" ابراهيم - الآية 5. وأفضل أيام الله تعالى مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. 116

13.  يندرج الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضمن قوله تعالى: " إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" الأحزاب - الآية 56.

14.  الله تعالى هو أوّل من احتفل بمولد نبيّه صلى الله عليه وسلّم. وقد شرح الكاتب هذه العبارة جيّدا وبأمثلة عديدة لمن أراد أن يعود للكتاب. 120 و 126

15.  الخير كلّ الخير في إظهار الفرح بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لأنّه يعدّ خير الأعمال والأموال. 121

16.  قال تعالى: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ" الفيل - الآية 1-5. . الله تعالى حمى مكّة إكراما لمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وحتّى يبعد عنه وعن أهله وأهل مكّة الفزع، والتشريد، والخوف، وأراد لهم أن يعيشوا حياتهم في طمأنينة وسكينة وهدوء بال، وانتقل الفزع والخوف إلى الذين أرادوا أن يثيروا الفزع والخوف. 126 

17.  الله تعالى كان يرعى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم منذ أوّل يوم من ولادته، مصداقا لقوله تعالى: " وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ" الشعراء - الآية 219.

18.  احتفل الله تعالى بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالفرح حين أنقذ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، مكة، وأهل مكة، وأهله وعشيرته، وأخضع كلّ مافي الوجود لرب الوجود دون حول من قريش ولا قوّة. 134.

19.  استجاب الله تعالى لجدّه عبد المطلب حين سماه "محمد"، وهو لم يقرأ القرآن ولم ينزل بعد إكراما لمولده صلى الله عليه وسلّم. ونجى الله مكة من أبرهة إكراما لمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. 136

20.  يقول سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب"، فهو يفتخر بجدّه الذي احتفل بمولده صلى الله عليه وسلّم. 136

21.  ظلّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يفتخر بقريش، لأنّها احتفلت بمولده الشريف. وسورة "قريش" هي بحدّ ذاتها احتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.137

22.  يكفي قريش التي احتفلت بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فخرا، أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من قريش. 138

23.  حين أراد الله تعالى أن يحتفل بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أمر الملائكة ومخلوقاته بالاحتفال. 138

24.  الجن يحتفل بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم139، طبقا لقوله تعالى:  "وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا..." الجن - الآية 8 -10

25.  كان بإمكان الله تعالى أن يحتفل بمولد نبيّه صلى الله عليه وسلّم لوحده وبينه وبين نفسه، لكنّه أراد أن يظهر لجميع خلقه ما لهذا الحبيب من مكانة عظيمة وقدر سامي جليل عنده. 140

26.  الله سبحانه وتعالى أنقذ سيّدنا إبراهيم عليه السّلام من النّار ، حين أمرها بقوله: "كوني بردا وسلاما على إبراهيم"، إكراما لمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لأنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إبن ومن نسله الطاهر الشريف. 143

27.  قال تعالى: "يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" آل عمران - الآية 74. والله تعالى اختصّ مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم برحمته حين احتفل به، وترك الآخرين يحتفلون بمولده بالطريقة التي تناسبهم. 153

28.  شاء الله تعالى أن يستقبل مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالأمن والأمان، بعدما أثار أبرهة بجيشه الفزع في أهل مكة وفي عائلة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. 157

29.  إبليس اللّعين أوّل من حارب الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم 157

30.  احتفال أسيادنا الصحابة بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان احتفالا عمليا، فيه الكثير من التضحيات، جهادا في سبيل الله وحفاظا على منجزاته. وبعدا شرح الكاتب مقولته عبر التطرق لبعض الصحابة رضوان الله عليهم جميعا. 169

31.  كلّ أسيادنا الصحابة رضوان الله عليهم أحيوا ذكره بدمائهم وأرواحهم وأموالهم. واحتفالهم بمولده الشريف من الزاوية التي يرونها كفيلة باستمرار ذكره صلى الله عليه وسلّم. 170

32.  إذا كان اليهود يحتفلون بنجاة سيّدنا موسى عليه السّلام، فنحن أولى بالاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. 177

33.  يدخل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ضمن قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"البقرة - الآية 277. صفحة 180، أي يدخل الاحتفال بالمولد الشريف ضمن العمل الصالح الذي يؤجر عليه المرء في دنياه وأخراه.

34.  المسلم مطالب أن يظهر الفرح بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. 188

35.  تدخل مجالس الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضمن قول سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "جلوسك ساعة عند حلقة يذكرون الله تعالى خير من ألف سنة". 190

36.  يحب الله تعالى وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الذي يطعم الطعام، والاحتفال بالمولد النبوي الشريف فيه إطعام الفقراء والمساكين والمحتاجين. 223

37.  الأخيار يعلّمون أبناءهم أدب التلاوة قبل التلاوة 225. " أقول: ما يعني ضرورة تعليم النّاس الأدب مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والاحتفال بمولده الشريف يدخل ضمن هذه الآداب المطلوبة ليتربى عليها المرء منذ الصّغر.

38.   أشير في الأخير إلى بعض العناوين التي وردت في الكتاب لأهميتها، ويمكن بعدها للقارىء أن يعود إليها حيث الشرح والتفصيل إذا شاء أن يقف عليها وينتقدها، ومنها: "الله عزّوجل أوّل من احتفل بمولد الحبيب صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم كيف ذلك ؟؟ 126". "الجدّ العظيم يحتفل بمولد النبي الأعظم صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم 135". "أهل السّماء يحتفلون بمولد النبي الأعظم صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم 138". "الجن تشارك في الاحتفال بمولده صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم 139". الأزهار والورود والأسماك تحتفل بمولده صلى الله تعالى عليه وصحبه وسلم 146". "السماوات والجنة تحتفل بمولده صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم 148". "الله تعالى يحتفي بوالدة النبي صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه ليلة مولد الشريف 150". "إبليس اللّعين أوّل من حارب الاحتفال بمولده صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم 157". "احتفال الجن بمولده صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم 159". "الملائكة الكرام يحتفلون بمولده صلى الله عليه وسلّم 190". "أصحاب النبي الأعظم صلى الله تعالى عليه وصحبه وسلّم يحتفلون بمولده الشريف 192".

clip_image002_81a5a.jpg

في كل مجتمع أو أمّة، هناك حكام وقادة وولاة أمر عقلاء يُشار إليهم بالبنان، ينحون باتجاه صالح المجتمع، يريدون خيره وفلاحه، فيعملون على تأمين حدوده بإقامة علاقات موزونة وطيبة مع دول الجوار، في المقابل هناك متهورون ومتعطشون لكل ما يخالف الطبيعة البشرية يسعون إلى توريط البلد مع الجيران وإشعال الميدان بالحروب لمطامح شخصية أو مطامع وأجندات أجنبية.

فالفريق الأول يعمل بميزان العقل ومصلحة الأمَّة، والثاني يعمل تحت نار الرغبة الجامحة في إشباع الغرائز بعيدًا عن حياة المجتمع وممتلكاته، ويشترك العقلاء مع طلاب الحروب في الرغبة في تسليح البلد، لكن العقلاء يبغون من ذلك تحصين المجتمع وتقوية ثغوره من باب خلق الجهوزية العسكرية لردع أي اعتداء خارجي أو التفكير بالإعتداء، عملا بوصية السماء: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) سورة الأنفال: 60، في حين يعمل طلاب الشهرة والحروب على خلق الجهوزية لدى صنوف العسكر تحيّنا للفرص وشن الحروب، وبالطبع لا يعدم هؤلاء الحيلة في استخدام وسائل الإعلام والضحك على الذقون وإيهام الشعب بأن الحرب هي من صالحه.

وحين يعلو صوت الرغبة والعدوان يخرس صوت العقل ذاتيا، وإن سُمع صوت هنا أو هناك تم ردعه بالنار والحديد تحت مقصلة الخيانة العظمى، ولا يدرك طلاب الدنيا خطورة الحروب على الواقع والمجتمع، وأول ضحايا الحرب هم الجنود الذين يقعون في شباك الأسر، وقد دلّت تجارب الحروب السابقة والحالية، أن الجنود الذين يقاتلون دون رسالة أو هدف، يتحينون الفرص للإنتقال الى الجبهة الثانية من الحرب وتسليم أنفسهم للنجاة بأرواحهم، وهذا ما شاهدناه بأمِّ أعيننا أثناء الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثمان سنوات (1980- 1988م)، وأثناء حرب إخراج القوات العراقية من الكويت سنة 1991م، وأثناء الحرب الأمريكية على العراق عام 2003م، فحكم حزب البعث في بغداد الذي عول على حربه مع إيران في إسقاط تجربة الثورة الإسلامية، أدرك فشله في كل معركة كبرى تنتهي الى عشرات الآلاف من القتلى والأسرى، وأدرك التجربة نفسها مع الكويت والتجربة ذاتها مع أمريكا رغم أنه كان يظن أن القوات الأميركية ستقف على أسوار بغداد لأكثر من ستة أشهر وعندها تنهار قواه وتخور، ولكن الذي شاهده العالم كله من على شاشة التلفاز وبالنقل الحي أن قوات الحرس الجمهوري التي كانت تحرس بغداد انهارت خلال أقل من 48 ساعة من وصول قوات الحلفاء على أطراف العاصمة، لأن الشعب فضلا عن الجيش العراقي أدرك أن هذه المعركة ليست معركة بلد مع قوات غازية وإنما هي معركة صراع إرادات وتطويع لحاكم حاول الخروج عن حلبة اللعبة السياسية المرسومة له.

وفي كل حرب فالأسرى هم في مقدمة الضحايا والخسائر، ولكن كما للحروب قواعد أثناء الإشتباكات تبانت عليها الأمم، فللأسرى قواعد في التعامل معهم تسالمت عليها المجموعات المتقاتلة منذ التاريخ السحيق وحتى يومنا هذا، وابيان الموقف الشرعي من الأسرى، صدر حديثا (2018م) عن بيت العلم للنابهين في بيروت للفقيه آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي كتيب "شريعة الأسرى" في 48 صفحة ضمّ مائة مسألة شرعية مع ثمان عشرة تعليقة للفقيه آية الله الشيخ حسن رضا الغديري.

الكرامة المهدورة

ما من نهضة فكرية أو عقائدية أو رسالة دينية إلا ويكون الإنسان محورها، لأن بوصلة كل التعاليم الإنسانية والسماوية متجهة نحو الإنسان نفسه، بلحاظ أنَّ الإنسان هو الأصل في هذه المعمورة، وقد جاء الإسلام ليبين حقيقة الموقف من الكائن الحي بقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) سورة الإسراء: 70، فالآية صريحة في التكريم وجلية في التفضيل.

والأسر في الحرب هو النوع الضدي للكرامة الإنسانية، وحيث يفقد الأسير حريته يفتقد التفضيل موقعه، ولا سيما في العهود الجاهلية، حيث كان الأسير يفقد كل خصوصياته وأولها حق الحياة، فيما كانت المرأة والطفل يستعبدان.

ولأن قوانين الحياة التي تتبعها المجتمعات المتناحرة تتراوح بين المنطقية واللا منطقية من وجهة نظر الوحي، فإن السماء التي كرّمت الإنسان تعاملت على مراحل مع العادات والقوانين المتعارضة مع ذات الإنسان وكرامته، رغم أن الإسلام المنتصر على شرك قريش وما حولهم من القرى والمنفتح على الآخر حتى كان الناس يدخلون في دين الله أفواجا، يتيح له أن يفرض تعاليمه بالقوة وبالآن، لكن المرحلية هو القانون الذي ساد، وتشذيب سيئات الماضي هو الحاكم على الأمة، وخضعت مسألة الأسرى لهذا القانون الإسلامي الإنساني، فلم يعد قتل الأسير هو مبلغ مراد حاكم الشرع وإن كان هذا من حقه ضمن سياقات الحرب في تلك الأزمان، لأن الأصل في الإسلام هداية الناس إلى الدين الحق والحكم مجرد وسيلة لا هدف، وبتعبير الفقيه الكرباسي في التمهيد: (إن الأسر وما يليه من العبودية ليس قانونا حضاريا شرّعه الإسلام والتزم به وهو يتنافى مع روح وجوهر الإسلام، ولكن بعد إلقاء النظر بعين باصرة يلاحظ أن الإسلام إنما أقرّه لأنَّه أقل ضررًا .. فالأسر ليس ممدوحا بنفسه في الإسلام وإنما هو أفضل الطرق لمعالجة الأمور لدى إندلاع الحرب).

فلم يأت الإسلام بقوانين الأسر كما هو لم يبدأ بحرب أبدًا، وكل الحروب في عهد الرسول(ص) التي نافت على الثمانين حربًا إنما هي لصد العدوان، ولم تكن هناك مجازر ومذابح، وفتح مكة شاهد بارز على ذلك، من هنا فإن أرقام شهداء المسلمين وقتلى المشركين والكفار في كل الحروب الأولى لم تتعد في أكثر الفروض الأربعمائة بعد الألف من الضحايا، أي في كل حرب نحو 18 شهيدا وقتيلا، وهو رقم ضئيل للغاية إذا ما قورنت بالحروب الأخرى التي سبقت العهد الإسلامي الأول والتي تلت، وهذه الأرقام تعكس حقيقة الموقف الإسلامي الذي جسده المعصوم بقوله: (أريد حياته ويريد قتلي).

فالأسر لم يكن هو خيار الإسلام كما لم يكن القتل خياره إذا فرضت عليه الحرب، ولكن لما كان هو الرائج، فإنه الإسلام أعمل خياراته الإنسانية، وبتعبير الفقيه الكرباسي: (فجاء الإسلام دين الرحمة فاختار أفضلها وأقلها شدة، ثم هذّبها وأطّرها بأطر حضارية لمعالة الأمر ثم دعا إلى القضاء عليها بوسائل مختلفة) وفيما مضى كان (السارق إذا لم يثبت عليه الجرم استُرق .. وفي الجاهلية كان الغريم يؤخذ في قبال دَيْنِه ويأسره ويستعبده الدائن) وهذا ما تم حظره، إذ: (جاء الإسلام ليحرّم كل أشكال هذا النوع من الأسر ومن ثم  العبودية، وقد أقرّ الإسلام نوعا واحدًا منها، ألا وهو الأسر الذي يتم من خلال القتال والذي لا زال مستمرًا إلى يومنا هذا).

وإذا ما وقع الجندي في الأسر، كان فيما مضى أمام خيارات: القتل أو العفو أو الفداء أو السجن أو  الإستخدام، ويرى الفقيه الكرباسي أنَّ تفعيل خيار الإستخدام وتشغيله، هو ما يمكن استخلاصه من ممارسات عهد الرسول(ص)، ويؤيد هذا المنحى ما فعله الرسول(ص) مع أسرى بدر من المشركين، فعن عبد الله بن عباس الهاشمي المتوفى سنة 68هـ، (كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله (ص) فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة).

وفي تحليله لمسألة الإستخدام، يرى الشيخ الكرباسي أن ذلك يعود بفوائد عدة للأسير والسلطة، فمن جانب: لا يكلف الأسيرة الدولة ماديا وأمنيا كما الحال لو تم حبسه أو نفيه أو فرض الإقامة عليه، كما لا تزهق روح الأسير، ولا تعطل قدراته وخبراته وما يمتلكه من مواهب وكفاءات، ويُستمال الى العقيد الإسلامية بالحكمة والموعظة الحسنة، فضلا عن العائد المادي عند الإستخدام.

وبالطبع هذه الرؤية الحضارية التي تجعل الأسير حاضرًا في الحياة اليومية لا تنسجم مع قوانين الأسر المتعارف عليها اليوم، ولا يعني أنَّ الحكومات تتقيد بما تعاهدت عليه من قوانين دولية، وقد تعرض الأسير في حروب القرون والعقود الأخير الى التجويع والتعطيش ناهيك عن تعذيبه وقتله، كما حصل في حروب البلقان في نهاية القرن العشرين الميلادي.

حقوق مدنية قائمة

هناك تلازم بين الواجبات والحقوق، فمقابل كل حق واجب وبالعكس، ولكن هل يسقط هذا الحق إذا وقع الجندي في الأسر؟

تختلف الإجابة من بلد لآخر ومن زمن لآخر، ورغم تطور القوانين الدولية المتعلقة بالأسرى نتيجة مخاضات الحروب المحلية والإقليمية والعالمية، فإن التباين لا زال قائما مع احتفاظ القوانين بفاعليتها أو هكذا ينبغي أن تكون، ولهذا تجد بعض البلدان تستعبد الأسير وبعضها تعامله بالحسنى وبعضها تزيد على ذلك.

وبغض النظر عن التعاطي الإيجابي او السلبي مع قوانين الأسرى الدولية، فإن الحقوق لا تلغى، وفي النظام الإسلامي كما يشير الشيخ الكرباسي: (مصرف الأسير على بيت المال)، ولا علاقة للمزايا الشخصية بهذه الصرف، وكما يؤكد الفقيه الغديري في تعليقته: (سواء كان غنيًا أو فقيرًا، بدويا أو مدنيا، مقاتلا أو مساعدًا، وطنيا أو أجنبيًا، رجلا او امرأةً).

ومما للأسير: (لا يحق أنْ يُسجن الأسير إلا في حالات خاصة وبأمر خاص من الحاكم، بل ويصبح في عيلولة مالكه وهو مطلق سراحه)، ومن واجب المسؤول عليه: (أن يطعمه ويسكنه ويلبسه بما يليق، وتطبيبه أيضا)، وهذه من سنن الإسلام وهي سيرة النبي (ص) وأهل بيته (ع) الذين وصفهم القرآن: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) سورة الإنسان: 8، ومن الحقوق: (لا يجوز تكبيل الأسير وشدّ يديه ورجليه بالسلاسل) وخاصة بعد سحبه من ساحة المعركة ووضعه في مكان آمن، بل من الحقوق: (يجب إسكان الأسير ما يقيه الحرّ والبرد وإطعامه وسقيه وإكسائه وعلاجه والترحم عليه).

وللشأنية قبل الأسر مكانها في نظام الأسر، ولذا: (تلاحظ مكانته قبل الأسر، فلا يُتعامل مع أبناء الملوك ونسائهم معاملة غير لائقة)، وبتعبير الفقيه الغديري في تعليقته: (بل ولا يبعد القول بوجوب ذلك بمكان حرمة الإنسان وحفظ حقوقه الوجودية في الدين الإسلامي الحنيف)، وفي الأثر أن رسول الله (ص) أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى، فكانوا يُقدِّمونهم على أنفسهم عند الغذاء، وكان صلوات الله عليه ينادي في جموع المسلمين: (استوصوا بالأسارى خيرًا).

ومن المفارقات ونحن في القرن الواحد والعشرين الميلادي، أنَّ جيوش بعض الدول كانت ولا زالت تجوب العالم لشن الحروب وخلق الأزمات والفتن واستعباد البلدان وهي تحمل يافطة الحرية والديمقراطية، وبتعبير الفقيه الكرباسي: (وكان الغربيون يجوبون سواحل القارة الأفريقية ويصطادون الأفارقة وبيبعونهم في الدول الغربية ويبيعونهم ويتاجرون بأثمانهم وبذلك بنوا اقتصادهم وثروتهم)، وفي الوقت الحاضر أصبح استعباد البلدان اقتصاديا والسيطرة على ثرواتها ومحاصرتها عبر تحريك القطعات البحرية العسكرية او التهديد بشن حرب، هو الصورة الأوضح من صور أسر المجتمعات بكاملها والتحكم بلقمة عيشها وفرض سلاح المقاطعة الإقتصادية على هذا البلد أو ذاك.

محظورات وممنوعات

في الواقع أن الأسير قبل أن يأخذ صفة الأسر كان مقاتلا، ومثله النساء والأطفال كما عليه الأمر في العهود السابقة، والنساء والأطفال قبل نشوب الحرب وخلالها كانوا رعايا وبعد الأسر يأخذون صفة السبايا، وهم لهم حقوقهم كما للأسير، وبتعبير مصطلح الفقهاء كما يثبت الكرباسي: (كل مَن قُبض عليه في دار الحرب سواء كانوا مقاتلين بالمباشرة أو من ذويهم، وبذلك يكون نساء وأطفال المحارب من الأسرى، واصطلحوا على تسمية النساء والأطفال بالسبايا، والأسر شُرِّع في الإسلام كأحد الخيارات الفضلى المطروحة).

وحينما تكون للأسير حقوق، وتتفاوت أدوات التعامل معه يظهر حينها من يحترم ومن لا يحترم، وفي الوضع الطبيعي، فإن المواطن يخضع لمزايدة الحاكم والمسؤول فيعدل هذا ويظلم ذاك، فكيف والحال مع من يفقد أهلية المواطنة، فالظلم يقع عليه لا محال، ولهذا كما وضع الإسلام ضوابط للأسير وحقوقه، نبه الى المحرمات والخطوط الحمر، ومن ذلك: (يحرم حرق الأسير مهما كان دوره في الحرب والقتال)، و(يُحرم المُثلة بالأسير حتى وإن كان محكومًا بالقتل).

ولا يخفى أنَّ عددًا غير قليل من مسائل الحرب والأسر التي يناقشها الفقهاء لها علاقة مباشرة بحرب المسلمين مع المشركين والكفار، لأن مفهوم الأسر والسبايا يتحقق مع المشركين، واما الحروب بين فئات المسلمين أو بين دولتين مسلمتين فإن عناوين الأسر والسبي تختلف كليا، فليس هناك أسرى أو سبايا بالمفهوم الشرعي، وهذا ما كان عليه نهج الإمام علي(ع) في حروبه مع الناكثين والقاسطين والمارقين، وإن كانوا قد بغوا على إمام زمانهم وولي أمرهم، وأما في الوقت الحاضر فإن أسرى الحروب يخضعون لقوانين تبنتها الدول، ومثلما جاء في مقدمة الناشر: (شهد القرن العشرون الميلادي إبرام عدة اتفاقات دولية بيّنت أهم ملامح معاملتهم، وكيفية معالجة أوضاعهم، مثل اتفاقية جنيف لعام 1929م، وقد اختتم القانون الدولي بتطوره في شأن معالجة أوضاع أسرى الحرب بالإتفاقية الثالثة من اتفاقيات جنيف المنعقدة سنة 1949م، ثم جاء البروتوكول الإضافي الأول سنة 1977م، وبموجب هذه النصوص القانونية يتمتع أسرى الحرب بحماية كبيرة)، وإذا ما احتلت دولة بلدًا آخر، فإن حماية البلد وشعبه وممتلكاته من مسؤولية الدولة المحتلة، كما نصت عليها بنود الأمم المتحدة.

إن هذه الكراس الذي يمثل الكتيب رقم 63 الصادر حتى الآن، من مجموع ألف عنوان تم تنضيد اكثر من 700 منها، هو جهد فقهي ومعرفي (يستحق الشكر والتقدير، وفيه جانب استفادة علمية واسعة) كما يؤكد الفقيه الغديري عند تقديمه له، وهو باب يرجو طارقه أن تستفيد منه البشرية على طريق إشاعة السلام والحرية تحت ظلال القانون واحترامه.

الرأي الآخر للدراسات- لندن

المزيد من المقالات...