dafdf1101.jpg

أخذتنا الكاتبة المتألّقة صباح بشير، في قصّتها الجديدة لليافعين "طريق الأمل، في رحلة مع عائلة وادعة، تتكوّن من الأم ريم والأب أكرم وابنهما أشرف.

انقلبت حياة أشرف رأسا على عقب بعد أن ألمّ المرض بوالدته، فغابت عنه بهجة الطّفولة الّتي كان يعيشها بين أحضان والديه، مستمتعا مع أمّه بلحظات جميلة في الحديقة بين الأزهار المتفتّحة والأشجار الخضراء.

لكنّ المرض اللّعين أصاب أغلى أحبّائه عليه، أمّه ريم، فأدخله في دوّامة من القلق. وعلى الرّغم من مرارة المرض، استطاعت الأمّ ريم أن تستمدّ القوّة من ابنها الصّغير أشرف ومن زوجها، بفضل الحبّ.

كان هذا الحبّ مصدر قوّة الأب الذي ساند زوجته وطفله، وهو الدّافع الذي حفّزهم على البقاء والصّمود والمقاومة، حتى انتصروا على المرض بعد رحلة علاج طويلة.

خلال تلك الرّحلة، قرّر أشرف، ابن العشر سنوات، أن يكون جنديّا في معركة الشّفاء التي خاضتها أمّه في صراعها مع مرض السّرطان.

أبدعت الكاتبة في شرح مرض السرطان لطفل في مثل سنّ أشرف، فاستخدمت تشبيها مبتكرا بقطع اللّيغو لتبسيط فهم طبيعة هذا المرض.

لم تكتفِ الكاتبة بالتّشبيه بقطع اللّيغو، بل شرحت طبيعة مرض السرطان من خلال حلم رائع، حيث قام أشرف برحلة إلى داخل جسم الإنسان، زار فيها أعضاءه وتعرف على أنواع الخلايا ووظائفها.

كما أبدعت بشير في تصوير التّفاعل الإنسانيّ مع المرض، مؤكّدة على أنّ الدّموع ليست دائما علامة ضعف، بل قد تكون تعبيرا صادقا عن الحزن ومصدرا للقوة.

أولت الكاتبة اهتماما كبيرا لأهميّة الدّعم المعنويّ للمريض، فأحاطته بمشاعر الحبّ التي تُعدّ سلاحه الأقوى في محاربة المرض، وركّزت على التمسّك بالأمل باعتباره الرّسالة الأهمّ التي سعت القصّة لإيصالها، خاصّة في ظلّ الظّروف الصّعبة التي يمرّ بها مجتمعنا، فالأمل والحبّ هما أعظم دواء للإنسان، وهل هناك أسمى وأعظم من هذه المشاعر؟

ولم تغفل بشير عن التأكيد على أهميّة اتّباع العادات الصحّية، فتطرّقت إلى ضرورة تناول الفواكة والخضار، وممارسة الرّياضة، وتجنّب التدخين والإفراط في استخدام الكيماويات.

كما تطرّقت إلى مصارحة الأطفال بالمرض ومشاركتهم تفاصيل هذه المرحلة، فهذا يشعرهم بأهمّيتهم، ويساعدهم على تقبّل الوضع، والمشاركة في تخطّي المحنة، حتى ولو بأدوار بسيطة.

سلّطت الضوء أيضا على دور المعلّم والمرشد التربويّ في التوعيّة الثقافيّة، وأبرزت أهميّتهما في حياة الطالب وأسرته، خاصّة عند مواجهة الأحداث الطارئة التي قد تغيّر مجرى حياتهم، وقد أسعدني استخدام الكاتبة لتشبيهٍ قويّ مستوحى من تراث الأرض الفلسطينيّة وهويّتها الأصيلة، عندما شبّه أشرف قوّة أمّه وصلابتها بصمود شجرة الزيتون، "ذهب فلسطين الأخضر"، قائلا: "أنت أقوى من المرض، وكشجرة الزّيتون صامدة ثابتة لا تُهزم".

أخيرا، تعدّ هذه القصّة رحلة ممتعة غنيّة بالمشاعر الإنسانيّة الدّافئة، تنتصر فيها في النهاية مشاعر الفرح والأمل.

لقد صاغتها الكاتبة صباح بشير بأسلوب أنيق وجرعة كبيرة من الأمل، قدّمت من خلالها طُرَقا للتعامل مع الأطفال وتعليمهم التوازن العاطفيّ والقبول والثبات والتحدّي للبقاء دائما على طريق الأمل.

صدرت القصّة عن دار سهيل عيساوي ونادي حيفا الثقافيّ، وتُظهِر أناقة الكتاب وجودة طباعته وخطّه وصوره التعبيريّة عناية فائقة من النّادي بهذا العمل الأدبيّ، فشكرا لنادي حيفا الثقافيّ، وشكرا للأستاذ فؤاد نقّارة الذي أهداني هذه القصّة القيّمة.

أتمنى للكاتبة صباح بشير المزيد من التألّق والعطاء.

adfaff101110.jpg

اطّلعت على كتاب " صيّاد...سمكة وصنّارة" للمحامي فؤاد مفيد نقّارة، تحرير وإشراف الأديبة صباح بشير٫ الصّادر مؤخّرا عن دار الشّامل للنّشر والتّوزيع في نابلس.

وحقيقة فقد وقفت في هذا الكتاب على معلومات عن عالم البحار وما يحويه من أنواع متعدّدة من الحيوانات البحرية وخصوصا الأسماك، وهذه المعلومات لا يعرفها ولا يحيط بها إلّا من عاش على شواطئ البحار، وركب أمواج البحار؛ ليصطاد الأسماك وليعرف شيئا عن سحر وجمال وأسرار البحار.

والمحامي نقّارة ابن عروس البحر حيفا ورث عشق البحر وصيد الأسماك عن والده-كما ورد في الكتاب-، ومارس هواية صيد الأسماك وغامر في البحر وتعرّض للمخاطر وتغلّب عليها، واصطاد الأسماك كهواية وجد متعته فيها. ومتعة المحامي نقّارة في ركوب البحر واعتلاء أمواجه لم يحتكرها لنفسه، ولكنّها بقيت تلحّ عليه؛ ليشارك الآخرين بها، ومن هنا جاءت فكرة وأهمّيّة هذا الكتاب.

وفي هذا الكتاب وردت معلومات كثيرة عن  أسماء أنواع مختلفة من الأسماك والحيوانات البحريّة، ووصفها الكاتب ووصف الأعماق المائيّة الّتي تعيش فيها، ووصف الأماكن المناسبة لها كمعيشتها قريبا من الشّواطئ أو في أعماق البحار. وواضح أنّ المحامي صيّاد السمك "فواد نقّارة" قد عرف بعض هذه الأسماك واصطادها٫ ولأنه يعشق ركوب البحر فإنّه لم يتوقّف عند حدود ما رأى واصطاد من الأسماك بل تعدّاها إلى آنواع أخرى موجودة في بحار لم يرتدها، وكأنّي به يريد تزويد القارئ بمعلومات -قدر المستطاع- عن البحر ومكنوناته. وهذا ما كان له أن يأتي بها لو لم يعش على شاطئ البحر.

ومن لم يعيشوا مثلي على شواطئ البحار فإنّه يستحيل عليهم معرفة أسماء أنواع الأسماك المختلفة، فعلى سبيل المثال فإنّني عندما أرتاد مطعما للأسماك فٌإنّني أسأل النّادل عن أفخر أنواع الأسماك الموجودة في المطعم وأطلبها حسب إجابة النّادل.

الأسوب واللغة:  لجأ الكاتب إلى أسلوب السّرد القصصيّ بلغة أدبيّة فصيح، ممّا يدفع القارئ إلى متابعة المطالعة حتّى يأتي على الكتاب من أوّله إلى آخره. وتأتي أهمّيّة هذا الكتاب أنّه خاض في مجال حول البحر ومكنوناته، وهكذا موضوعات قليلون من خاضوها، وفي هذا المجال أستذكر كتاب "أغاني البحر" للرّاحل زكي العيلة-رحمه الله-.

sggfgf1100.jpg

هو الشاعر الإسلامي المعاصر مصطفى محمد عدنان عكرمة الذي تفنن في أغراض الشعر المختلفة وكان فارساً من فرسان القوافي.

مولده ونشأته:

ولد مصطفى بن محمد عدنان عكرمة سنة 1362 هـ/ 1943م في قرية بابنّا شمال شرقي منطقة الحفة في محافظة اللاذقية.

التحق بالمدرسة الابتدائية؛ ثم الإعدادية، وتخرج في الثانوية الصناعية باللاذقية 1962.

اتبع دورة تدريبية في بريطانيا 1965م لمدة ستة أشهر.

ثم عمل خبيرًا فنيًا في الإرسال التلفزيوني بدمشق من 1962 حتى 1993.

ومن ثم انتقل إلى دائرة برامج الأطفال 1993 - 1995م.

انتسب إلى الجامعة مرتين (كلية الحقوق في جامعة دمشق، وكلية الأدب العربي في جامعة بيروت العربية)، ولم يتمكن من متابعة التحصيل لظروف مادية.

كتب العديد من الأعمال الإذاعية لعدد من المحطات العربية.

كما كتب الشعر منذ 1958م، ونشر نتاجه في الصحف والمجلات السورية.

وهو عضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية، واتحاد الكتاب العرب.

بدأ كتابة الشعر منذ 1958 ونشره في الصحف والمجلات السورية، وقد غطى شعره الكثير من المجالات، إلا أنه اقتصر على الشعر الديني وشعر الأطفال.

كتب عددًا من المسلسلات الإذاعية الطويلة، وخمسمائة حلقة إذاعية من برنامج تربوي للأطفال، ومائة وخمسين حلقة من برنامج تسبيح شاعر لإذاعة الرياض، وبرنامجًا تلفزيونيًا لجمعية الدعوة الإسلامية العالمية في طرابلس مؤلفًا من ثلاثين حلقة مستقلة، وبكل حلقة قصيدتان.

جوائزه:

فاز بالجائزة الأولى في مسابقة المسرح المدرسي بسوريا.

مؤلفاته:

سلسلة مكتبة الطفل العربي الشعرية، اثنتي عشرة قصة

شعرية مصورة، 1978م

فتى الإسلام، شعر، 1979

حتى ترضى، شعر، 1992م.

جند الكرامة، مسرحية شعرية

جذور وفروع، قصة للأطفال.

من دفتر الحياة، مجموع مقالات ناقدة ساخرة

دراسة عن الشاعر عمر أبي ريشة.

أجمل ما غنى الأطفال.

الاتجاه الإسلامي في شعر مصطفى عكرمة

في عصر ارتكست فيه فطرة الكثيرين، وانتكست إرادتهم، وكثر الهبوط والالتصاق بقاع السفاسف ينبري شاعرنا الإسلامي (مصطفى عكرمة) ليرتقي بالنفوس، وكانت وسيلته تلك المعارج التي يحض من خلالها على التسامي والصعود.

رسالة الشعر الهادف:

والشعر عند مصطفى عكرمة ليس متعة ولذة بالجمال، بل هو رسالة سامية وإلهام من الله، وقد أكرمه الله به ليحرض الناس على الجهاد، وترك الفساد، حيث يقول:

شعري هو الإلهام من ربي     وما إلاه ملهمً

أكرمته من أن يمر لدار لهو       أو يحوّم

وجلوته فغدا المجلجل في الخطوب ولم يغمغم

عشق الجهاد فلم يكن يرتد في هول ويحجم

لم يغره عما أراد لقومه طمع بموسم

كان الحداء لمجدهم ولصحوهم كان المدمدم

وقد سخر الشاعر قلمه وأشعاره لتحقيق النهضة والصحوة الإسلامية المباركة:

أنا للجهاد وهبته وبنصر الله لأكاد أجزم

لا ضير من حجب الظلام فبعده فجر تبسم

فجرٌ به الشرع الحنيف يكون للدنيا منظّم

ويؤكد الشاعر مصطفى عكرمة أن بدائع صنع الله تدل على عظمته، وهذا الشعور يجعله يطمع بمعفرته، وعفوه عن الزلات الكبيرة:

إلى الله ما أوحت بدائع صنعه     أذبت بها روحي وأرسلتها شعرا

وأحسب أن الله غافر زلتي     وإن لم أجد رجائي له عذرا – ص17 .

ويعتذر إلى الله من مديحه للظالم في يوم ما، فهو تزوير للحقائق، فيقول:

عصيت الله في شعري زماناً   وأرجو الله غفراناً لذنبي

مدحت الظالم المخزيّ كذباً   وما قصرت في تزويق كذبي – ص 19

ويعترف مصطفى عكرمة أن أخطاءه وزلاته كانت من إغراء الشيطان وتغلب الهوى، فيقول:

هو الشيطان مناني بكسب       وأغراني وخيب فيه كسبي

أتاني من هوى نفسي فأهوى   بها ..ورمى عليها ألف خطب

فهو قد سخر قلمه وشعره خدمة للأهداف النبيلة.

ويبرأ الشاعر مصطفى عكرمة من ذنوبه وشططه، ولكن لم يفارقه الأمل والرجاء بعفو الله ومغفرته، وفي قصيدته الجمال المشفّع يؤكد أن الجمال والإبداع في الكون الفسيح دليل على وحدانية الخالق العظيم:

يا من ترى ما لا نراه وتسمع   إني بأنك فاطري اتضرع

لك في جمال الكون آية مبدعٍ   شهدت بأنك يا إلهي المبدع

آيات صنعك كلهن روائع   ويحارُ عقلي أيهن الأروع – ص 21 .

وفي قصيدة أخرى تحت عنوان قدرة الله يقول:

قدرة الله أبدعت ما نراه     وعجيب الإبداع ما لا نراه

كلها للنهى شواهد حق     أنه لا إله إلا الله – ص 21 .

ويؤكد شاعرنا الحبيب بأن الله غني عن العالمين، وكيف لا وجميع الخلق مفتقر ومحتاج إليه بالإيجاد والإمداد:

يا غنياً بذاته عن سواه   أنت يا رب ما سواك إله

كل ما في الوجود سبّح طوعاً   قائلاً: لا إله إلا الله – ص21 .

ويؤمن الشاعر بتوحيد الربوبية والألوهية فهو سبحانه الرب والسيد المطاع، حيث يقول:

إلهي ضاق بي الرحبُ   وأثقل كاهلي الذنب

رياح الشك تذروني         وتلهو بي فانكبّ

ولكنه رغم غفلته وإسرافه في الذنوب أدرك أن له رباً يغفر الذنوب، ولو كانت مثل زبد البحر:

عبادي إنني الربّ وعندي يقبل التوبُ

هناك استيقظ اللبّ      ونال نعيمه القلب

نجوتُ غداة يا ربي   علمت بأنك الربُ – معارج ، مكتبة العبيكان: ص 22 .

فهو دائماً يتوكل عليه في كشف الضر،ّ وفي طلب الرزق، وفي التوبة وطلب المغفرة، فيقول:

عليك توكلي في كل امري           فيسر لي بحقك كل امري

وصدري يا إلهي ضاق صدري     بهن فاشرح اللهم صدري

إلهي واكشف اللهم ضري       فليس سواك من يرجى لضري

فسامحني على سري وجهري   وكن عوني على سري وجهري

وقد كانت ذنوبي دون جهرٍ   وفيك العفو يرجى دون حصر-ص 23 .

ويؤكد عكرمة أن الذنوب هي سبب الدمار والخسران، فيقول:

جنيت الذل من ذنبي ولما   وعدت بعفوك أصبحت أفخرْ

وثقت بعفوك اللهم عني     فبرعم روض آمالي وازهر – ص 25 .

وعقيدة مصطفى عكرمة بالله أنه الحاكم الفرد، ولا يعجزه شيء في الأرض والسماء، وليس له زوجة ولا ولد:

للخلق حراسٌ وجندُ     والله دون الخلق فردُ

فردٌ بكلّ صفاته         وله صفات لا تحدّ

لا شيء يعجزه ولا مما قضى في الخلق بدّ

لم يتخذ زوجاً ولا ولداً   ولا أعياه قصدُ

وهو الغني عن الخلائق والخلائق لا تعدّ

والكل يسأله الغنى   هيهات سائله يردّ – ص 26 .

فهذه المعارج تود من الناس أن يعودوا إلى الله بعد شرود عن منهجه، وبأصحاب الهمم الضعيفة أن يرتقوا، ولو كان في الارتقاء صعوبات وصعوبات، ومن الأمة جمعاء أن تتبصر بحقيقة وجودها، وعظمة الرسالة المنوطة بها، ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ (الزخرف:44)؟!

في هذا الجزء الأول من الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر تستوقفنا محطات كثيرة.

ففي المحطة الأولى (إلى الله) يدعونا لنفر منه إليه، ونتفيأ ظلال الرحمة، مرددين معه:

إلهي ضاق بي الرَّحبُ          وأثقلَ كاهلي الذَّنبُ

ونارُ هواجسي اتّقدتْ        ومَلَّ أزيزَها اللبُّ

وغار النورُ في عَيْنِي       وأيقظَ جندَه الرُّعبُ

ونفسي لم تَعُدْ نفسي             وقلبي.. ليته قلبُ

وهِمتُ هنا على وجهي   وضِعتُ وضاعت الدرب

ولكن هذا كله ينجلي في لحظة صدق، وصحوة قلب:

نجوتُ غداةَ يا ربي           علمتُ بأنك الرَّبُّ

وأما في قصيدته (بسطت يدي) فشكوى صادقة لا صحوة عابرة:

عليكَ توكلي في كل أمري   =     فَيَسِّرْ لي بحقك كلَّ أمري

وصدري يا إلهي ضاق صدري = بهَمِّي، فاشرحِ اللهم صدري

إلهي واكشف اللهم ضري =   فليس سواك من يرجى لضُـري

وحاشا لله لو أتاه العباد نادمين أن يردهم، وقد فتحت أبواب: ألا هل من مستغفر فأغفر له؟! ونلج مع الشاعر محطة (نجاوى) إذ تطيب المناجاة:

لكَ حينما لذَّ المنامَ أقومُ      =   وغداةَ طاب لي الطعام أصومُ

وتَعاف نفسي ما يلـذُّ تقرُّباً =       لكَ فاعفُ عنها.. أيها القيومُ

فاغفر وتُبْ، وامنُنْ إلهي واستجِبْ = يا مَنْ إليك الأمرُ والتسليمُ

ويسكن القلب، وتقرُّ العين، ويأنس الخاطر، وتهب نفحات الرضا، فيجدها المؤمن انشراحاً في الصدر ولذة في الذكر وقد سمى الشاعر ذلك (فيض الأنس):

وجدتُـك يا إلهي في فؤادي    =     فما عانيتُ يوماً من سهادِ

نزلتَ بخافقي بشرى ونُعمى =     وطمأنةً جنيتُ بها مرادي

فصِرتُ أعزُّ مَنْ في الأرض لما = عليكَ غدا أيا ربُّ اعتمادي

تراث البشرية:

ويؤكد مصطفى عكرمة أن القرآن الكريم هو روح الأرواح، وسر سعادتها، فيقول:

كتاب الله للأرواح روح           به تحيا النفوس وتستريح

وتمتلئ النفوس به طموحاً       وللفردوس يحملها الطموح

يروح بها عن الدنيا بعيداً         وما أسماه حين بها يروح

وإن يهمس بآي منه ثغري     أحس العطر من ثغري يفوح

به أسرار ما في الكون تبدو     وما كوضوحها أبداً وضوح

به كنا الأعز وكم أقيمت لأمتنا             بمنهجـه صروح

هجرناه فأمسى العز ذلاً             وناح عليه منا من ينوح

أعد ربي لقومي منه روحاً           ففـي آياته للروح روح

ويقتبس من القرآن الكريم معنى قوله تعالى: (سيجعل لهم الرحمن ودّا)، ويؤكد أن اليقين بالله سبب سعادة الدنيا والآخرة فيقول:

والمؤمنون الأمنون       لهم من الرحمن ودّ

عمر اليقين قلوبهم     فهمو بما اعتقدوا الأشدّ

ربحت تجارتهم فكل نتاجهم عزٌّ وسعدُ

لهم السعادة هاهنا    وهناك جناتٌ وخلدُ

ويدعو الشاعر ربه أن يكون منهم، فهو يحبهم، ويحشر المرء مع من أحبّ، فيقول:

هم كل من أهوى       فهل منهم أيا رب أغدّ

يا رب قدرها فما لي غيرها أملٌ وقصدُ – ص 37 .

وهو سبحانه الزراق لكل الخلق والكريم على جميع خلقه:

أحطت بكل ما في الكون علماً   وزدت برغم من جحدوا حلما

وقدرت الخلائق يا إلهي         وأعطيت الخلائق كل نعمى

لكل الخلق قد أجريت رزقاً   ويسّرت الجنى، ومنحت عزماً – ص 39 .

ولا ينسى الشاعر في قمة الذل والخشوع لله أن يدعو على الطواغيت بالانتقام والهلاك على أيدي الشباب المؤمن:

ألا جيل يصحُّ له اعتقادٌ   وعزم يصرمُ الطاغوت صرما

فيبدل ظلمنا حقاً وعدلاً         فيصبح خوفنا أمناً وسلما – ص 40

فهو يربط بين العقيدة وإرادة التغيير في الحياة السياسية والاجتماعية.

الأخوة والوحدة الإسلامية:

يؤكد مصطفى عكرمة في أكثر من مناسبة أن دين الله يوحّد القلوب والمشاعر والأهداف، ويزيل الكرب عن الناس:

بدين الله تتحد القلوب     وتجلى عن بني الدنيا الكروبُ

وتسمو في هداه كل نفسٍ   وكلّ فوارق الدنيا تذوبُ

وما اختلفت قلوب الناس إلا   وعمّت في بني الدنيا الخطوبُ-ص 58 .

وكيف لا تتوحد الأمة تحت راية القرآن، وتحت ظلال النبوة، وشعار القرآن الخالد إنما المؤمنون إخوة:

بدين الله يغدو الناس إخوة   لهم برسول رب الناس قدوة

بتقوى الله قد عمروا نفوساً   وما قبلوا بغير الحق دعوة

على الأعداء نلقاهم جميعاً   وفي النعماء والبأساء إخوة – ص58 .

دين العدل والمساواة:

والإسلام هو دين العدل والمساواة فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى:

بدين الله لا تلقى ظلوماً     ولا تلقى جهولاً أو غشوماً

بدين الله تلقى كل قلب         غدا برّاً بمن يلقى رحيما

تساوى الكل في فضل وعلم ٍ فلست ترى بهم إلا كريما – ص 59 .

دور القرآن في إنقاذ البشرية:

كتب مصطفى عكرمة قصيدة يؤكد فيها أن القرآن يهدي للتي هي أقوم وأحكم، فقال:

يا كتاباً أنزل الله به         محكم الآيات تترى عجباً

بك شاء الله للدنيا الهدى           وبك الله أعزّ العربا

قبلك العرب تناهى ضعفهم     وتحدوا بهداك النوبا

نظرة منك إذا خطبٌ دجا   تلهب الناس وتمحو التعبا – ص 65 .

والقرآن هو كلام الله المعجز، تحدى به الله الإنس والجان بأن يأتوا بمثله فلم يقدروا، وسجدوا لبيانه:

كل لفظ منك أمسى معجزاً       بالذي يوحي ومما ركيا

ما استطاعوا أن يحاكوا لفظه   أو يروا يوماً لها معنى نبا – ص65 .

ويبين مصطفى عكرمة أن رسالة القرآن هي الرسالة الخالدة، فهو سبيل إنقاذ البشرية، وهو الطريق لوحدة الأمة، فالتوحيد يسبق الوحدة:

يا كتاب الله يا مجلى الهدى     كل خير كنت فيه السببا

وبك الكون وما قبل وما   بعد يبدو في وضوح قد سبى

رب بالقرآن وحّد أمتي           مثلما وحّدت فيه الكتبا – ص 66 .

الحج:

ولا يخفى الدور الكبير لموسم الحج في توحيد مشاعر الأمة، فالهدف واحد والقبلة واحدة، والهتاف واحد، واللباس واحد، ويجمعهم مكان واحد وتاريخ مشترك ومصالح واحدة:

لله سرّ الله في عرفات           كم فيه من عيرٍ ومن عظاتِ

ما زال عبر الدهر ينمو حبه         متجدداً بتجدد الأوقات

المؤمنون بكلّ أرض روحهم   تهفو إليه على مدى الساعاتِ

فهناك في عرفات أمنية المنى      وهنا بمكة غاية الغايات

لا فرق في الأجناس فيما بينها   لا فرق في الأوطان والعادات-ص66 .

ويتحدث عكرمة عن رسالة الحج الوحدوية، ويتمنى عودة أمجاد الأمة المسلمة، فيقول:

لبيك وحّدت اللغات كأنها     أصل لما في الأرض من كلمات

لبيك أفئدة تذوب بقولها           لتصوغ من لبيك حبل نجاة

وبحبه يارب زد قومي هدى     وعليه جمّع سائر الأشتات

فلعل ما أودعت فيه قادراً        يحيي إباء الروح بعد سباتِ

طالت لبعد هداك رقدة أمتي       حتى لتحسبها من الأموات

كم ذا غفت أو لكم بهديك قد صحت   لتعيد عزّ الكون بالآيات

ما غير أمتنا بما أكرمتها   أهل لدحر الظلم والظلمات – ص 67 .

رمضان أقبل:

وفي قصيدة له تحت عنوان روض الهدى برحب مصطفى عكرمة بقدوم رمضان الذي هو مدرسة القلوب، وسبيل لتزكية النفوس:

رمضان أقبل فاغتنم رمضانا     واعنُ على التقوى وزد إحسانا

واشكر فضائل خصك المولى بها   وتذكر المحروم والجوعانا

واغنم سوائمه فكل دقيقة     منه يفاضل خيرها الآزمانا – ص

ليلة القدر:

لقد نزل الملاك جبريل بالقرآن العظيم على قلب محمد في ليلة القدر وفي شهر رمضان:

واختص منه بشهر عبادة          سماه في عليائه رمضانا

فيه الملائك بالكتاب تنزلت       في ليلة تهب النفوس أمانا

عن ألف شهر خيرها متزايد   يافوز من سألوا بها الرحمانا

هيهات فيها أن يخيب سائلاً   ما دام فيها رحمة يغشانا – ص 109 .

حب الجهاد:

ويصر شاعرنا على التمسك بالأمل، ويتزود بالإرادة وحب الجهاد، فهو لن يشتكي لأنه مجاهد بشعر بمعية الله له:

لا لن تراني شاكياً         كلا ولا متباكيا

أنا لي إباء مجاهد       يهوى الحياة تفانيا

سأظل أهتف لي غد   مهما لقيت عواديا

فأنا من الرحمن لي      عزم يزيد إبائيا

إن احكموا قيدي فعهداً لن ألين قياديا

خلفي حضارة أمتي وغدُ الضياء أماميا

يفنى الطغاة وجندهم وأظل طوداً راسيا

حبّ الجهاد عقيدة   ولها خلقت الفاديا – ص110 .

عز السجود:

والصلاة هي معراج المؤمن، والصلة بين العبد وربه، ولقد منع الشاعر من السجود لمرض أصابه، فلما عافاه الله، وشافاه هرع إلى الصلاة والسجود لله، فكتب هذه القصيدة تحت عنوان (عزّ السجود) يقول فيها:

أعدت لجبهتي عزّ السجود   فعاشت مهجتي عنى وجودي

وما معنى وجودي يا إلهي        إذا لك لم يزينه سجودي

حرمت نعيمه زمناً لضعفي  وجئتك سائلاً فاشتدّ عودي

ويارب بمالك من أيادٍ         وما أغدقت من فضل وجود

أدم عزّ السجود علي جبيني   وزدني منك قرباً في سجودي – ص116.

وهكذا نرى:

أن الشاعر مصطفى عكرمة هو شاعر إسلامي النزعة، حسن العقيدة، عبر عن توحيد الألوهية والربوبية والذات والصفات، وكان مؤمناً بأركان الإيمان، وشعاره القرآن دستور الحياة، وهو ملتزم بالعبادة والمعاملة والخلق الإسلامي الرفيع، وقد دعا في شعره إلى الأخوة والوحدة الإسلامي، ونبذ الفرقة والاختلاف، فالوحدة قوة والتفرق ضعف، وبين دور القرآن والعبادات ولا سيما الحج في غرس مشاعر الأخوة والمحبة بين المسلمين، وتوحيد صفوف الأمة، وتحقيق عزتها وعودة أمجادها لتكون خير أمة، ونكون خير خلف لخير سلف.

مصادر الترجمة:

  • ديوان معارج: مكتبة العبيكان، السعودية.
  • رابطة أدباء الشام.
  • صفحة الشاعر مصطفى عكرمة على الفيسبوك.
  • مجلة الأدب الإسلامي.
  • رابطة العلماء السوريين.
  • مواقع إلكترونية أخرى.

-يتبع -

sdfsdf1100.jpg

 صدرت مؤخرا عن دار" أ. دار الهدى، عبد زحالقة"  رواية الفتيات والفتيان "فلفل وجدّه الأسمر " للأديبة المقدسيّة ديمة جمعة السّمّان، وتقع الرّواية التي رافقتها رسومات آلاء أحمد في ٨٤ صفحة من الحجم الكبير وبغلاف مقوّى.

ديمة جمعة السّمّان: روائيّة مقدسيّة وناشطة ثقافيّة صدر لها حتّى الآن اثنتا عشرة رواية، وهذه هي المرّة الأولى الّتي تخوض فيها الأديبة السّمّان مجال الرّواية للفتيات وللفتيان.

ملخّص الرّواية: تتحدّث الرّواية عن أرنب آسود الفراء ولد في قرية أرانب بيضاء اللون٫ فاضطهدته بسبب لونه، لكنّه بثقته بنفسه وبجدّه واجتهاده فرض نفسه فانتخبته الأرانب زعيما لقريتها.

هدف الرّواية: تهدف الرّواية  إلى محاربة العنصريّة، فالبشر سواسية بغضّْ النّظر عن جنسهم أو لونهم أو  دينهم.

والرّواية تعجّ بالقيم التربويّة والتعليميّة ومنها:

-      أن عالم الإنسان والحيوان يولد بألوان مختلفة، ولا فضل للون على آخر." كلّ من يحكم على الآخر بناء على شكله أو لونه  ليس ذكيّا بل سخيف وساذج، ولا يستعمل عقله."|ص١٤.

-      تعاون الزّوجين:" فوفو ...يحبّ زوجته فلّة ويحترمها ويتعاون معها دائما ويساعدها. وفلّة زوجة ذكيّة ونشيطة جدّا تتعاون مع زوجها وتساعده في تخزين محصول الأرض من الحبوب والأعلاف". ص١٧.

-      على الأطفال آن لا يخرجوا من البيت دون علم والديهما. يقول فلفل: أعتذر يا أمّي أعتذر يا أبي . أعدكما أنّني لن أخرج مرّة أخرى دون علمكما."ص٢٠.

-      الأطفال يساعدون والديهم . ص٢٢.

-      مساعدة العجائز وكبار السّن.ص٢٥.

-      الحفاظ على النّظافة وعدم رمي القاذورات في حدائق وأراضي الآخرين.ص٢٦.

-      الزّعامة والقيادة ليست حكرا على الكبار فقط، ولا على جنس أو لون بعينه:" الجدّ الأسمر انتخب زعيما على قرية الأرانب وهو صغير السّن".ص٣٠.

-      مساعدة المستغيث: وجد فلفل: أرنوبا صغيرا يصرخ من شدّة الألم، يحاول أن يرفع غصن شجرة ضخما وقع عليه وتسبّب له بجرح عميق في منطقة الرّقبة". صص٦١.

الرسومات والإخرج: رسومات آلاء أحمد جميلة وتناسب المضمون،

والمونتاج وتساوق الرسومات مع النّصّ رائع.

الأسلوب واللغة: استعملت الأديبة السّمّان أسلوبا انسيابيا يطغى عليه عنصر التّشويق ممّا يجذب الصّغار والكبار لقراءة الرّواية.

sdfgggg1100.jpg

عن دار نوفل في بيروت صدرت مؤخرا رواية "منزل الذكريات" للأديب الكبير محمود شقير. وتقع الرواية في ١٧٦ صفحة من الحجم المتوسّط.

محمود شقير: أديب كبير غنيّ عن التّعريف٫ صدر له أكثر من ثمانين كتابا في القصّة القصيرة والأقصوصة، الرواية للكبار ولليافعين، قصص الأطفال، أدب الرّحلات، اليوميّات، المراثي، أدب السيرة الشخصيّة والغيريّة، المسرحية والمسلسلات التّلفزيونيّة.

والأديب محمود شقير تخطّى السّاحتين المحلّّيّة والعربيّة إلى السّاحة العالميّة، فبعض أعماله الأدبيّة ترجمت إلى اثنتي عشرة لغة عالميّة، وروايته للفتيات والفتيان:" أنا وصديقي والحمار" اختيرت ضمن أفضل مئة كتاب من العالم عام ٢٠١٨. وحاز الأديب شقير على جوائز عديدة أبرزها جائزة محمود درويش للحرّيّة والإبداع.

رواية منزل الذّكريات: يستحضر الأديب شقير روايتين من الأدب العالمي هما رواية "الجميلات النائمات" للكاتب الياباني ياسوناري كاواباتا، ورواية "ذكريات عن عاهراتي الحزينات" للكاتب الكولومبي غابريئيل غارثيا ماركيز، ويقارن بين شيخوخة بطلي الروايتين المذكورتين وشيخوخة محمد الصّغير بطل روايته "منزل الذّكريات".

مع الفوارق الكثيرة بين هذه الرّوايات بسبب اختلاف الثّقافا،٫ فإذا كان بطل رواية كاوباتا وبطل رواية ماركيز يعيشون حياتهم كما يريدون دون أن يتدخّل بهم أو ينغّص أحد حياة أيّ منهما، فإنّ حياة محمد الصغير بطل رواية شقير يخضع لضغوطات كبيرة منها العادات والتّقاليد والأعراف العائليّة والمجتمعيّة من جانب، وضغوطات المحتلّين من جانب آخر.

وإذا كانت الشّيخوخة أمرا حتميّا لمن يمتدّ بهم العمر حتّى يبلغوها، وما يصاحب مرحلة الشّيخوخة من ضعف جسدي وضعف في القدرات، فإنّ ثقافتنا الاجتماعيّة تحرم المسنّين من حقوقهم الجسديّة ومن أحلامهم، فكثيرون منّا لا يدركون أنّه إذا هرم الجسد وشاخ فإنّ النّفس لا تهرم ولا تشيخ، ومعروف أنّ من يتحلّون بالوعي الكافي -ومنهم الأديب شقير- لمفهوم الحياة والموت يحرصون على العيش بروح شبابيّة حتّى آخر يوم في حياتهم، بالتّالي فإنّهم لا يتخلّون عن متطلّباتهم وأحلامهم وإن كانوا لا يستطيعون تأديتها، وليس من حقّ كائن من كان أن يحرمهم من هذا الحقّ.

وفي تقديري أنّ الأديب شقير الّذي أبدع في وصف الشّيخوخة ومشاعر المسنّين والشّيوخ ومتطلّباتهم ما كان يستطيع فعل ذلك قبل أن يدخل مرحلة الشّيخوخة، وهو المولود في شهر مارس ١٩٤١. وما كان يستطيع وصف موبقات الاحتلال لو أنه لم يعش في وطن محتل وعانى من ويلات هذا الاحتلال.

ملاحظة: استعمل الكاتب في روايته هذه نفس الأسماء ونفس الأمكنة الّتي وردت في ثلاثيّته الرّوائيّة:" فرس العائلة، نساء العائلة وظلال العائلة."

بين الرّواية والسّيرة: يقول النّقّاد أنّ الكاتب يكتب في كتاباته شيئا من سيرته الذّّاتيّة دون أن يقصد ذلك. وفي تقديري أنّ شقير كتب شيئا من سيرته في روايته هذه "منزل الذّكريات" دون أن ينتبه لذلك، فقد ورد في نهاية ص١٦٢ وبداية ص١٦٣:" ثمّ انتبهت إلى حقيقة سارّة؛ وهي أنّ أخي محمود لن يسطو على هذا الكتاب الّذي أنا بصدده الآن، ولن يدّعيه لنفسه" لأنّه لا يقرّ بأنّه دخل مرحلة الشّيخوخة، فهو يصغرني بخمسة أعوام" مواليد ١٥\ ٠٣\١٩٤١" وقد وصل إلى الثّمانين وتعدّاها بعامين." ومعروف أنّ هذا التّاريخ هو تاريخ هو تاريخ ميلاد أديبنا محمود شقير.

التّجريب: من يتابع إصدارات أديبنا محمود شقير والّتي تزيد على الثّمانين إصدارا، سيلاحظ -خصوصا في العقدين الأخيرين- أنّه يلجأ ٌللتّجريب٫ فيأتينا كلّ مرّة بجديد يدهشنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر في مجموعتيه القصصيّتين "القدس وحدها هناك" وسقوف الرغبة" وهما من القصّ الوجيز فإنّ من يقرأ كلّ مجموعة قراءة متسلسلة سيجد نفسه أمام رواية، مع أنّها أقاصيص.

وفي هذه الرّواية "منزل الذّكريات" والتي جاءت في أكثر من ٧٠ فصلا لا يتجاوز بعضها الصفحة الواحدة أو صفحة وبضعة أسطر، ولكل فصل في الرّواية عنوان٫ وهو في الوقت نفسه قصّة، وكأنّ بأديبنا قد استغل قدراته الأدبيّة لكتابة هذه الرّواية وهذه القصص في آن واحد، ونجح بشكل لافت، وهذا ليس غريبا على الأديب شقير الّذي عرفناه مبدعا متميّزا منذ بداياته قبل ستّة عقود.

الأسلوب: لجأ الأديب شقير في هذه الرّواية إلى السّرد الرّوائيّ البعيد عن السّرد الحكائي الّذي تورّط ويتورّط فيه العديد من الرّوائيّين٫ وعنصر التّشويق في هذه الرّواية طاغ جدّا.

التّجريب مرّة أخرى: أثناء قراءتي لهذه الرّواية" منزل الذّكريات" ألحّت على ذاكرتي رواية " الوقائع الغريبة لاختفاء سعيد أبي النّحس المتشائل" للرّاحل الكببير إميل حبيبي، وما رافقها من نقد اعتبرها تجديدا في الرّواية العربيّة، وفي تقديري أنّ أسلوب محمود شقير في هذه الرّواية قد جاءنا بجديد على الرّواية العربيّة والحديث يطول.

شخصيّة جميحان: وردت هذه الشّخصيّة في الرّواية وهي شخصيّة إنسان "بلطجيّ" سلب بيت وأرض محمد الصغير عنوة مستغلّا شيخوخة الصّغير وضعفه. وهذه الشّخصيّة موجودة في مجتمعاتنا مع الأسف.

المزيد من المقالات...