clip_image002_cfbfc.jpg

نظمت دار طباق للنشر والتوزيع في مقرها الكائن في مدينة رام الله، مساء الأحد 18-8-2019 حفل إشهار لديوان "ما يشبه الرثاء" للشاعر الفلسطيني فراس حج محمد الصادر عن الدار في شهر آذار من هذا العام، ويقع الديوان في (194) صفحة من القطع المتوسط. وحضر الأمسية جمع من الكتاب والمثقفين وأصدقاء الشاعر.

قدمت الشاعر والديوان الشاعرة فاطمة نزال، حيث أشارت إلى تميز الصورة الشعرية في النصوص، وتناولت مجموعة منها، مبينة الأفكار التي تتضمنها، وجاء في كلمتها: "والشاعر حج محمد في "ما يشبه الرثاء" يكسر المرايا، فلا يريد لنا أن نرى وجها واحدا نتفرّسُه ونتعرف على خارطة الزمن التي حفرت في ملامحه، بل تجاوز ذلك وحطمها لنمسك بكل شظية منها بوجه وبحالةٍ شعوريةٍ تنتابنا، يريد أن يدلقنا أمامنا ويبعثر ما نخفيه وما نخشى مواجهته، قاسيا في رسم الصور، عنيدا في جلد الذات وقهرها، وساديا بسوداوية يائسة منه ومنا ومن محيطنا، إنها صرخةُ سيزيف المكتومة وعرقه الذي ينزُّ مع كل دحرجة وكل زفرة".

وقدم الكاتب سمير التميمي مداخلة أشار فيها إلى العنوان، وأهميته، وما يمكن أن يدل عليه، والكتاب الجيد هو الكتاب الذي يثير الأسئلة لدى القارئ، موجها سؤالا للشاعر حول سبب اختيار العنوان بهذه الصيغة. وأشار الكاتب شريف سمحان إلى أن فراس حج محمد كاتب متمرد حتى على نفسه، وأحياناً نجده يرى ما لا نراه، وهذه من صِفات الكاتب المُتمرس، وفي نفس السياق نجد أن (فراس) ما زال يحتفظ بداخله بذلك الطفل البسيط والزاهد في أمور كثيرة؛ وهو "كاتب تنويري" بكل ما للكلمة من معنى".

وأما الشاعر خليل العانيني فقد قال "لا شيء يشبه الرثاء إلا الرثاء نفسه، ويتمتع الديوان بأنه روح واحدة، ويصلح أن يكون قصيدة واحدة"، وأشار إلى "أن كثيرا من القصائد تبدأ بـ "لا"، وهذا ينسجم مع السؤال الوجودي المتعلق بالموت". وتناول الكاتب رائد الحواري في مداخلته "أن العنوان فاتحة لما في الديوان"، وأضاف أن الشاعر بشكل عام فيه من صفات النبوة في صدقه ويعبر عن مشاعره ومشاعر الناس، وأشار إلى حضور المرأة في الديوان، وبعض الملامح الأسلوبية الخاصة التي تكشف أن الشاعر لم يكن يكتب في حالة الوعي فقط، بل كان يمتح من منطقة اللاوعي أيضا، وأعتقد أن الشاعر قدم للقارئ ما هو بحاجة إليه، وما يشعر به، ولكنه لا يستطيع أن يكتبه".

وفي رد الشاعر على المداخلات والأسئلة أشار إلى سبب اختياره العنوان المفتوح على صيغ ثلاث: إما الاستفهام أو النفي أو جملة مفتوحة مبدوءة باسم موصول لم تكتمل إلا بالنصوص، كما تحدث عن تجربته الخاصة مع الإعاقة وأثرها الباقي في نفسه منذ أيام الطفولة أو عندما كان معلما، إذ اصطدم بموضوع في المقررات يتحدث عن الإعاقة، فتحدث للطلاب عن تجربته الخاصة بذلك، مؤكدا أن حالة الضياع التي تعيشها البشرية لا يستوعبها مفهوم "الرثاء" التقليدي، ولا بد له من مفهوم غير ذلك، إذ هي حالة أكبر من الرثاء نفسه، فجاء الديوان معبرا عن هذه الحالة.

قضيتُ الأسبوع الماضي في رحلة نقدية ممتعة مع "رواية بنت من شاتيلا" للروائي أكرم مسلم، حيث تناولت في هذه الرحلة، عبر خمس مقالات، العناوينَ والقضايا الآتية:

- كيف يمكن للكاتب أن يتورط في المأزق الأخلاقي؟ وكانت تتناول أَيْقَنَة الشخصية التي نجت من المجزرة "مجزرة شاتيلا" بأعجوبة. (كيف تصبح الحالة الواحدة الفريدة شخصية روائية؟) والموقف الأخلاقي من هذا التصرف الإبداعي.

- التخييل الذاتي في الرواية وتناقش قضية حضور ذات الكاتب في الرواية، فقد كان حاضراً من خلال شخصية "الشاب الأنيق". وأصرّ ناشر المقال على نشر المقال تحت اسم مختلف بدعوى أن عنوان المقال مباشر، ولا يعبر عن المضمون. هكذا ادّعى المحرر عندما راجعته مع أنه لم ينكر بحثه عن عنوان مثير للقارئ وهذا ما حدث.

وتعقيبا على موضوع "التخييل الذاتي" أقول: إن حضور الكاتب لم يتماهَ كليا مع متطلبات رواية "التخييل الذاتي"، إذ تفترض هذه التقنية السردية ثلاثة محددات رئيسية: السرد بضمير "أنا"، وأن يورد اسم الكاتب في المتن الروائي صراحة، وأن يكون ذلك ضمن فن "الرواية"، ولا يجعل ذلك المكتوب سيرة ذاتية، بل يعني إدخال الكاتب نفسه في عملية التخييل الروائي.

ويوظف الكاتب في روايته ضمير الغائب "هو"، ولم يصرّح باسمه، ولكن كانت هناك إحالات مواكبة للرواية تفترض مثل هذا الحضور على الرغم من تحذير ماريو فارغاس يوسا في "رسائل إلى روائي ناشئ" من الربط بين الروائي وبين السارد أو الشخصية الرئيسية حتى لو كنا شبه متأكدين من هذا الحضور، وقال بذلك نقاد وكتاب آخرون كذلك، ولأن الرواية في نهاية المطاف متخيل سردي لا تتطابق مع حياة الكاتب تطابقا تاما، وليس مطلوبا منها أن تتطابق لا كليا ولا جزئيا مع حياته، ومع اتفاق الكتاب جميعا على أن الكاتب لا يكتب إلا من تجربته الذاتية، والتجربة هنا ليست التجربة المعيشة فقط، بل تلك التجربة المستقاة من الكتب والمشاهدات والأخبار وغير ذلك مما كان له علاقة بخبرة الكاتب نفسه. ومع كل ذلك ثمة ما يحيل الرواية إلى وقائع خارجها مرتبطة بحياة الكاتب، وهذا ما وضحته المقالة الثانية.

- المقالة الثالثة كانت تبحث في تجليات حضور الآخر في الرواية، والآخر في الرواية كان متعددا؛ إسرائيليا قاتلا، ولبنانيا متعاونا مع القاتل الإسرائيلي ومنفذا للجريمة، ويقف على قدم المساواة في المساءلة القانونية والجنائية عن أحداث المجزرة، وحضر الآخر العربي السوري تحديدا، والأوروبي في صورة الألماني، وكذلك اليهودي المجني عليه في معتقلات النازية، كما كان هناك الآخر الفلسطيني، ورأيت أن المكان قد شكّل آخر في هذه الرواية أيضا.

- في المقالة الرابعة ناقشت البنية الروائية المعتمدة على المسرح، وحضور المفردات المسرحية في الشكل العام للرواية وفي البنية النصية، مجترحا مصطلح "تَرْوِيَة المسرح" أي جعل المسرحية رواية بمقابل ما عرف من مصطلح "مسرحة الرواية" أي تحويلها إلى مسرحية.

- في المقالة الخامسة ناقشت "المفارقة الزمنية" في الرواية وتمظهراتها النصية من خلال استحضار الكاتب للحدث الماضي وشخصيات تاريخية والحكاية الشعبية القادمة من زمن الأتراك.

وبعد: لم ينته الحديث عن هذه الرواية، وأفكر في كتابة أخرى "كتابة عن الكتابة"، وربما تناولت فيها النص المحيط والنص الفوقي، وهما مصطلحان نقديان من النقد البنيوي.

في كل تلك المقالات ابتعدت عن "الانطباعية" والتقييم لفنية الرواية، وسأتحدث بعجالة هنا عما جناه الكتّاب الفلسطينيون على الفن الروائي بشكل عام، فقد لاحظت عند الكثيرين من الروائيين مسخا للفن الروائي في بنى نصية قصيرة لا تتجاوز الـ (150) صفحة، بعد إزالة كل ما يسبق المتن الروائي من زوائد وصفحات فارغة نتيجة المونتاج، على حين أن الرواية الكلاسيكية كانت تتألف من مئات الصفحات، فرواية "موبي ديك" مثلا تقارب 800 صفحة من القطع الكبير بخط طباعي صغير، وروايات دوستويفسكي وماركيز ودان براون وإليف شافاق ونجيب محفوظ وخاصة في الثلاثية ورواية السراب كلها كانت روايات تعتني بالصنعة الروائية التي تحرص على تفاصيل التفاصيل والوصف الخارجي للمكان والشخصيات، بينما غابت تلك التفاصيل في معظمها من الرواية الفلسطينية المعاصرة عند الجيل الجديد، لتتحول الرواية الفلسطينية عند هذا الجيل إلى ما يشبه السرد الفكري الذي يغلب عليه الصبغة الأيديولوجية الدعائية، فليس مهما أن تعتني بالتفاصيل الروائية بقدر ما يهم الفكرة التي تعشش في فكر الكاتب وتضغط عليه، حدث ذلك مع غسان كنفاني، كما حدث مع أكرم مسلم ووليد الشرفا وسامح خضر وإبراهيم جوهر وجميل السلحوت، وآخرين غيرهم كثيرين. ولم تكن الروائية النسوية (التي تكتبها كاتبات) أحسن حالاً فهي تعاني من مشاكل أخرى، أهمها الانزياح إلى الإنشائية وارتفاع مستوى البوح الذاتي.

لا يعني أنني كتبت في روايات أكرم مسلم العديد من المقالات أنها روايات نموذجية في مفهوم النقد الكلاسيكي، ولكنها من باب آخر، بعيدا عن هذه النقطة، تحمل تلك الروايات خطابا فنيا بحاجة إلى الوقوف عليه، لا باعتباره روايات كاملة الأهلية في هذا الفن، بل باعتبارها نصوصا سردية ذات نفس روائي، وكذلك الحال في أغلب الروايات التي ناقشتها في كتابي "ملامح من السرد المعاصر" بجزأيه الأول والثاني.

لقد شدد النقد الكلاسيكي على الحجم؛ للتفريق بين القصة وبين الرواية، ولست أعني القصة القصيرة بطبيعة الحال، ويفترض الحجم رواية مليئة بالتفاصيل الروائية، إن كانت تساهم في بناء معمار فني جيد، وليست مجرد ثرثرة زائدة ليس من ورائها قيمة فنية، أو خدعة طباعية في تكبير حجم الخط ومد السطور لإيهام القارئ بأن المطبوع رواية مكتنزة، وعلى ذلك شواهد فاضحة.

ربما ساهمت عوامل كثيرة في تبدل حال الرواية الفلسطينية والرواية العربية، ولعل الجوائز من أهم تلك العوامل، وقبول تلك الجوائزُ الرواياتِ الممسوخة التفاصيل، لتكون روايات منافسة على تلك الجوائز، وصارت ذائقة النقاد المحكّمين معتلة وممسوخة هي كذلك، لاسيما ونحن نرى فوز روايات أثبت النقد الأدبي الموضوعي المتأني أنها لا تستحق، ما يعني أن هناك ظلماً أدبياً وإبداعياً لمن يستحق، وهذا جرس إنذار أخلاقي يجب أن يقرع وبقوة، ولم تعد تلك الجوائز سوى تظاهرات دعائية لا تخلو من المنحى السياسي، فتمنح ترضية للكتّاب بعد حرد، وتراعي المحاصصة الجغرافية، أو ربما صارت أحيانا تكفيرا عن عقدة ذنب ما، مقترفٍ من التاريخ على حين غرة، كما يشاع أحيانا في تفويز الرواية الفلسطينية في بعض دورات الجوائز العربية التي صارت تفقد مصداقيتها دورة بعد دورة.

إن الكثرة الكاثرة من الداخلين إلى فن الرواية أفسدوا الرواية وصنعتها، فقد جاءوا إليها وهم لا يعرفون عنها شيئا، وربما لم يكونوا قد اطلعوا على ما يلزمهم من صقل أدواتهم، فعلاقاتهم بالنقد علاقة مقطوعة في المجمل، واستسهلوا الكتابة العشوائية ولم يدركوا أن الرواية ليست عملا سهلا وتحتاج إلى كثير من التأمل والمعايشة والوقت والبحث والدقة في المعلومات، وكما أن الرواية ليس حكايا وخراريف وتجميع أحلام، فإنها أيضا ليست خطابا فكريا فجّاً، إنها صنعة بالغة التعقيد وتحتاج موهبة فذة، بقدرات تخيُّليّة وسردية هائلة، فليس بسيطا أن تخلق عالما بشخوصه وأقداره وأحداثه، على الروائي أن يتصوّر نفسه "إلهاً" قادرا على بث الحياة في شخصياته ومنحها قدرة فائقة على التصرف بحرية بعيدا عنه، بحيث يشعر القارئ أنه يجالس تلك الشخصيات ويشعر أنها من لحم ودم وليست أشباحا ورقية جافة، يُلقى في فمها الكلام لصنع رواية بائسة، كما هو حادث في الرواية الفلسطينية إلا ما رُحم، وما نجا من ذلك إلا النادرُ النادر في أسماء لا يتعدى عددها أصابع الكف الواحدة. ومن هنا يجب أن ندرك نحن القراء والنقاد والكتاب معنى الروائي العظيم.

ربما لن يتغير حال الرواية الفلسطينية قريبا، ولكن يكفي أن أقول: إن ثمة تزويرا في حركة الأدب العربي بعامة والفلسطيني على وجه الخصوص قادما من منطقة السرد العبثي، وبعد فترة من الهدوء وتغير الحال السياسي، سيكون هناك محاكمات ذات أقلام حادة تقول في كل هذا السيل السردي كلمتها، ولكننا على ما يبدو سننتظر كثيرا حتى يحدث مثل هذا.

من الحقائق المعروفة في تاريخ العرب، أن غناء الشعر وإنشاده هو رفيق العربي في حياته وسهره وسفره، حيث كان الحادي يرافق قوافل المسافرين بصوته الجميل الأخاذ، للترويح عن المرافقين للقافلة; ولهذا جاء قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (الغناء زادُ الراكب) لأنه يروح عن نفسه ويطرد منها الملل والتعب، ويبث فيها النشاط والحيوية والقدرة على المواصلة والإستمرار، وقد اعتبر العرب الحداة الذين يرافقون قوافل السفر والتجارة من الطاقم الإداري الذي لا يُستغني عنه، حيث كانت القافلة تحوي في داخلها (التجار والحراس والعمال والحداة والمسافرين) ويمكننا أن نطلق عليه وصفا لطيفا، هو وصف الحادي بأنه (حامل القافلة)  في السفر، لأنه يحملهم في السير تشبيها له بمن يحمل الشيء على ظهره، وفي الحقيقة هو ما حملهم على ظهره،  ولكنه وَلّـدَ فيهم من النشاط ما يدفعهم إلى سهولة حمل أنفسهم على متابعة السفر، والتحامل على متاعب الطريق، فكأنه حملهم، والمعنى فيه تشبيه وتقريب، وقد ورد ذلك في قصة المثل العربي المشهور (وافق شن طبقه); ولهذا لا نستغرب أن تكون الموسيقى حاضرة في جميع أنواع الشعر العربي قديمه وحديثه: (العمودي والتفعيلة والمرسل والرباعية والموشح) وقد وصلنا من الشعر إنتاج ما يقرب من 400 شاعر في العصر الجاهلي، فلا يعقل أن يكون (الحس الموسيقي) قد ظهر مرة واحدة، والدليل على ذلك هذا العدد الضخم من الشعراء، بل هناك مراحل تطور فيها هذا (الحس الموسيقي) فيما سبق، وتم البناء عليها. ويلاحظ أن الشعر العربي مغموس بالموسيقى الفطرية الساحرة، سواء كانت ظاهرة أو خفية. حيث كانت ترسم أحاسيس الشاعر وتجربته، وهذا يؤكد أن الشعر العربي لا يستغني عن الموسيقى والإيقاع والأنغام، ويؤكد أن الحياة محكومة بالنظام والإيقاع والغناء، ولا توجد فيها فوضى الأصوات إلا في حالات الانفلات، وفي ضجيج الصناعة وصخب الأسواق، وإذا حصل انحسار في الإحساس والإيقاع وجفاف  في المشاعر على المستوى العالمي في ثقافة العصور وآدابها، فإن شعراء الجاهلية كانوا يجهلون الموسيقى، ولكن صفاء فطرتهم دفعهم إلى تسجيل توتر مشاعرهم تجاه أحداث حياتهم في قصائدهم، فقدموا لنا 16 بحراً ووزنا شعرياً، وفي ذلك إشارة إلى أن عالم الإيقاع والموسيقى في الشعر لا ينضب، مادامت هناك قلوب تنبض متأثرة بالحياة وبما يدور من حولها، وهاهو الشاعر المخضرم الذي عاش في الجاهلية وفي الإسلام، حسان بن ثابت أمير شعراء الدعوة، رضي الله عنه يؤكد ذلك بقوله:

       (تغن بالشعر إما كنت قائله            إن الغناء لهذا الشعر مضمار)،

 ومن خلال ما سبق، يستطيع الباحث المدقق أن يرى أن العرب لم يبرعوا في صناعة الآلات الموسيقية، في جاهليتهم ولا في صدر الإسلام، وإنما ظهرت عبقرية العربي في فن الموسيقى حيث نبتت موسيقاه من داخل قلبه ومشاعره وتوترها، وبان (الحس الموسيقي) عنده من خلال فنه المفضل (فن الشعر) وما يحمل في داخله من ينابيع الموسيقى في أوزانها المتعددة، وتأكد ذلك حين تمكن عالم عبقري هو (الخليل بن أحمد الفراهيدي) من اكتشاف السجل العظيم والكنز الثمين للموسيقى العربية، وحلل رموزها وفك شيفرتها في الوزن والإيقاع من خلال علم العروض، الذي حفظ نبضات قلب العربي وموسيقى ذاته، لأنه كان يملك (أذنا موسيقية) مرهفة تحس بنغمات المحيط والحياة من حولها، وكان علم العروض هو السجل التاريخي الراصد لاستجابة هذا العربي، وذلك من خلال فن الشعر، وهذا هو مربط الفرس: (أذن موسيقية وحس مرهف) يسكب نفسه في وعاء اسمه (الشعر العربي) وتواجد في حياته على شكل مجموعة من فنون الأداء (الإنشاد والغناء والإلقاء).

مقدمات مختزلة من تاريخ الإنشاد والغناء:

* إذا حاولنا العودة إلى (المعجم الوسيط) وجدنا أن الغناء والإنشاد يدلان على شئ واحد، هو (أداء الشعر بالصوت الجميل المطرب) ولكننا وجدنا أن الأمر في العصور المتأخرة قد تغير، حيث استقل الإنشاد عن الغناء وأصبح يدل على الغناء الديني الذي يهتم بالمدائح النبوية والمواعظ والمناسبات الدينية كالحج والعمرة، ثم جاء الغناء الصوفي فخلط نفسه مع الإنشاد الديني  وغلب عليه، واخترقه وأفسده بالانحرافات الصوفية. وأحيانا بالكلمات المصفوفة الفارغة من المعنى لإتمام حالة الرقص التي تسيطر على فنهم.

* يقول الباحث التونسي الصادق الرزقي (كانت العرب لا تلقى الشعر إلا إنشاداً، وتدع فيه لأصواتها حركات، وتموجها بخفة وحدة وثقل ورخاوة ولين وتقطيع وترديد...)(1) وقد كان إنشاد الشعر هو أول أنواع الغناء، وكانوا يسمون الترنم بالشعر غناء، وحيث يقوم الغناء على الإيقاع الموزون في الجاهلية.

* أما في صدر الإسلام، فقد كان الإنشاد مقصوراً على (اللحن الحسن) أي الصوت الجميل في أداء الآذان وإنشاد الشعر، ونشأ فن آخر اسمه علم التجويد لخدمة القرآن الكريم بصوت جميل في القراءات القرآنية المختلفة، وأقدم من ضرب (بالدف) عند ظهور الإسلام بالمدينة فتيات من بني النجار، في استقبال الرسول r عند قدومه مهاجراً من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وهن ينشدن:

نحن صبايا من بني النجار يا حبذا محمداً من جار

وكذلك نشيد الإسلام الخالد:

طلع البدر علينا                من ثنيات الوداع

وجب الشكر           علينا ما دعا لله داع

وتطور الإنشاد بالمدائح النبوية، وبالألحان الحسنة، في حدود ما تألف الأذن العربية من غناء الشعر وإنشاده ضمن البحور العروضية السهلة كالرجز والمتقارب وغيرها، ثم ظهر (الغناء المتقن)  في العصر الأموي على يد (سائب خاثر) مؤسس الغناء العربي الذي استقل به عن الغناء الديني، واستمر تطور هذا الفن في بالعصور التالية، من خلال الأوزان العروضية والزحافات والعلل التي تطرأ عليها، وخاصة بعد اكتشاف تفاصيل علم العروض في العصر العباسي، وامتد تطور هذا الفن على يد اسحق وإبراهيم الموصلي وتلميذه زرياب الذي امتد به إلى الأندلس.

*(عضو رابطة الأدب الإسلامي)

ألفكرُ مُهَروِلاً: جديدُ ناجي نعمان

كتابُه الحادي عشر في سلسلة "حياةٌ أدبًا":

ناجي نعمان و"الفِكرُ مُهَرْوِلاً"

clip_image002_7592d.jpg

clip_image004_e7d3c.jpg

ناجي نعمان وإميل كَبا

صدر عن مؤسَّسة الثَّقافة بالمجَّان كتابٌ جديدٌ للأديب ناجي نعمان، هو الخامسُ والثَّمانون في مسيرته الكتابيَّة، والحادي عَشَر في سلسلة "حياةٌ أدبًا". يحملُ الكتابُ عنوانَ "الفِكر مُهَروِلاً"، وتزيِّنُ غلافَه لوحةٌ بريشة الفنَّان التشكيليّ حسن جوني. وهو يقعُ في 256 صفحة من الحجم الوسط، ويتضمَّن 562 عنوانًا في الحِكمَة والخاطِرَة والقصَّة القصيرة جدًّا، ، مُعظمُها بالعربيَّة، ونادرُها بالفرنسيَّة والإنكليزيَّة. ولا تَبويبَ للعناوين، بل تتوزَّعُ، بحَسَب تواريخها، على "الهَرولات الأولى: غيابُ عام..." (2016)، بواقع 76 عنوانًا، والهَرولات الثَّانية: "... وطُلوعُ آخَر" (2017)، بواقع مِئَتَي عنوان، و"الهَروَلات الثَّالثة: ... وعامًا في إثر عام" (2018)، بواقع 286 عنوانًا. والكتابُهو الأوَّلُ مِن خُماسيَّةِ كُتُبٍ للمُؤلِّف تصدُرُ في الذِّكرى الخَمسين لِمِشواره مع القَلَمِ والأَلَم (1969-2019)، والذِّكرى الأربعين لتأسيس دار نَعمان للثَّقافة (1979-2019)، والذِّكرى الخامسة والعِشرين لرَحيل والده الأديب والشَّاعِر مِتري نَعمان (1994-2019).

***

وجاءَ في مقدِّمة الكتاب للدكتور إميل كبا، وهي بعُنوان "أنتَ .. بما هَرْوَلتَ":

"قرأتُكَ، ناجي، في "ألفِكرُ مُهَرْوِلاً" فاقتربتُ أكثرَ من ذاتي، رائِيًا فيك، أنتَ المُفكِّرَ، كأنَّكَ شَبَهي متأمِّلاً ذاتَك. ولِمَ لا؟ أوَلَسنا جميعًا، في حقيقةِ كِياننا وهَيولانا التَّائِقَةِ إلى التَّشكُّل، أحداثًا تتشابهُ كمِثلِ يافِعينَ فوقَ حَوافَّ ودِكاكِ فُضول، أو مُتسلِّقينَ أغصانَ الأشجار ليُعاينوا مواكبَ الأحياءِ في وَداعهم الأمواتَ وفلولَ العناصر؟!

"بلى.. يا أخي، ما نحنُ في واقع مُثولِنا أمام مرآةِ الحياة إلاَّ النظَّارةُ بمزيجِ دهشةٍ مِن قِبلنا ممَّا نُبصر، ولامبالاةِ المرآةِ نفسِها بما يَرتسمُ فيها من سُلوكيَّاتٍ وخطَرات.

"وهو "ألفِكرُ مُهَروِلاً"، كتابُك عندي في مقاربةٍ أولى: عَبَثٌ في حدِّه الأَدنى، كحصًى تُغمِّسُهُ في إبريزِ مِدادِك فيجِدُّ ويتذهَّب، وثُمالةُ عُمرٍ تُعَلُّها حتَّى ما "تُبقي في الكأسِ شَيَّا"، وما يَنْجو مِن "شَرِّ لسانِك" الطُّوباويِّ، في صَحْوةِ خُمارِهِ على الدُّنيا، ولو نأْمةٌ مِن حَسَفِ حذاءٍ في مكانٍ من أقاصي الأرض، أو تزاحمُ فِكَرٍ ومَرئِيَّاتٍ تتسابقُ إليكَ في أَدانيها.

"وأُسجِّلُ لكَ، بالفِكرِ المُهَروِلِ أيضًا، بعضَ ما طَفا على صفحةِ ذائِقتي إبَّانَ خَوضي غُمارَك، وما أسترسلُ كثيرًا:

- فأنتَ، بما فَعلْتَ، أوَّلاً.. عينٌ نَهِمَةٌ، تَلوصُ مِن ثَقْبٍ في جدارِ العُمر ما يَجري وراءَه، وتَستزيدُ كلَّما أَمعنَتْ وما تقنَع. أتُراكَ.. بعدُ بهذه الإدامةِ الطِّفلَ الَّذي كُنْتُه أنا ذاتَ أسرٍ وضيق – وتلك نِعمةٌ – إقبالاً على الدُّنيا مِن سُبُلِها المُعوَجَّة لِنُلِمَّ بما يحدُثُ في ظَهرانَيْها، ونفرحَ إذْ نَقتحمُها اقْتحاما، آخذِينها غِلابا؟!

- ثُمَّ أنتَ، بما فَعلْتَ.. ذاكرةٌ شَرِهةٌ تَستأثرُ بكلِّ ما يَمرُّ في بالِها، ما تُسقِطُ منه ولو مِقدارَ ذَرَّة. وإذا الأشياءُ كلُّها، أَجوَدُها الفاخرُ وأحقرُها التَّافه، لدورانٍ في مَدارِك، تلتقِطُ أصداءَها من أثرِها في نفسِك، وتُبقيها يَتردَّدُ جَرْسُها لوقتٍ فيَسمعُها قارئُك، تمامًا كحالِك معه إذْ تُعاينُ لهُ وعنهُ ذكرياتٍ مصوَّرةً و"سلايْدات" في آلة؛

- وأنتَ، بما فَعلْتَ.. سِفْرُ ذاتِك وتأريخٌ لبعض حياتِك، وكأنَّك.. بالتَّوازي معَ ما لم تَعِشْهُ بالنَّفَس واللحمِ، تُحاولُ أن تَصطنعَهُ بالافتِراضيِّ الَّذي لا يَزول، حروفًا تَحفِرُ أصواتَها في السَّمْعِ وما تَتلاشى، وصُورًا تُخَزَّنُ طَيَّ المَشاعرِ وما تَبوخُ، وبِذا.. يَبلغُ الْتِذاذُكَ مَداه إذْ تكونُ قد عِشتَ العُمرَ مرَّتَين؛

- وأنتَ، بما فَعلْتَ.. أبَنْتَ، حقًّا، كم لعبَثٍ أنت، حتَّى لتَتساوى أمام ناظِرَيك وتقديرِك شؤونُ الدُّنيا بأسرها. فأعاليها والأسافِلُ إلى تَعادلٍ بالمَقام، فيَفرحُ قارئُكَ بلُقيا دُرَّةٍ في كنيفٍ أو في طريقِه إلى مِرحاض، وما يُفجَأُ بأنْ يطَأَ بِرازَ مُتَغَوِّطٍ في صومعةِ فيلسوف، وهذا.. لَعَمْري، أَثرُ حِدادٍ مُستَدامٍ مِن العقلِ في مسيرةِ عُمرِك، بل تَشاؤمٍ أُصرُّ على نَعتِه بالأبيض لا الأسود، ما دامَ يَعكِسُ بحقٍّ حقيقةَ الحياةِ العَصِيَّةِ على الأَفْهام، هازِئَةً مِن هَلْوَساتِ السَّفسطائِيِّين وتخرُّصاتِ الجَهَلةِ المُتفَلسِفين؛

- وأنتَ، بما فَعلْتَ.. تُؤكِّدُ انتِماءَكَ إلى نهجِ البُسطاء كما الزُّهَّاد، بعَفْوِيَّةٍ إلى ما بعدُ، وتِلقائيَّةٍ أحيانًا إلى أقصى حَدّ، فأراكَ هنا، كما مع كلِّ صَنيعٍ لكَ أعرفُهُ، قلبُكَ على أسَلةِ لسانِك، والكلامُ في لَهاتِك لا يَتغوَّرُ عميقًا في وِجدانِك، وإنَّ في ذلك لَخَلَّةً مُثلى وحتَّى ما يَحتاجُ عارِفُك إلى كبير عناءٍ ليأمَنَ جانِبُه؛ عَفْويَّةٌ وتِلقائيَّةٌ أخشى ألاَّ تُفْهَما في "ألفِكرُ مُهَروِلاً" فتُعزَيا إلى سطحيَّةٍ في الأحكام أو ضَحالةٍ في تقدير الظَّواهر، وصوابُهما عندي.. أنَّك بهما كأنَّكَ تُرجِئُ وِقفةَ التَّأَمُّلِ والتَّفَكُّر، مُؤثِرًا مُتعَةَ الهَروَلَةِ مُتَحَرِّرَةً مِن أصفاد التَّبَعِيَّة والتَّحَفُّظ؛

- وأنتَ، بما فَعلْتَ.. لي عَتَبٌ عليك ولا ملامة. فأسألُك.. ما دُمْتَ لنفسِك ولتاريخِك، والعابثَ الهازئَ في مُشاهداتِك، والعينَ النَّهمةَ الَّتي تلوصُ العالمَ والنَّاسَ مِن ثَقْبِ الفُضول ولا تشبع، أسألُك: أهوَ حَذَرُكَ المِلحاحُ مِن ألاَّ تُفْهمَ فتعمدَ:

* إلى الإكثارِ من التَّرداد بأفانينَ متنوِّعةٍ مِن الكلام، مفاعيلَ بعدَ ضمائرها، وجُملاً مُستعادةً في إثرِ إِطالة، وحروفًا للجرِّ تتجاوَرُ لِغَير فصاحةٍ في التَّعبير، وسوى ذلك كثير ممَّا لا يُحصيه اسْتذكار؟

* وإلى التَّوَكُّؤ على قوالبِ العاميَّةِ ومُشتقَّاتِها، وقتَ أنتَ مالكٌ الفُصحى إلى بعيدٍ، خصوصًا ما تتقصَّدُ نحتَه من الألفاظِ نحتًا يَستدعي التَّمهُّلَ عندَ قراءتِه لتَعذُّرِ اسْتساغةِ نُطْقِه في العربيَّةِ؟

"وأقولُ لكَ، معَ ذلك، لا بأس. فهذه الهَنَاتُ عندي بمثابةِ شامةٍ فوقَ الجسدِ البَضّ، ولعلَّها العِرقُ الأسودُ الضُّرورةُ في قَوامِ الرُّخام.

***

"وماذا بعدُ، أيُّها الأخُ الحبيبُ والصَّديقُ الأَوفى، مَنْ لكِتابهِ واقعُ الدُّنيا ونَبْضُ الأعمار، عليلاً ومُعافى؟! ماذا!..

"إنَّ ما هَروَلْتَ به، يا ناجي، لَوزنةٌ أُخرى تُضيفُها إلى وزناتِك الكثيرة، بل سَجدةُ تَعَبُّدٍ لإيقونَةِ الحياة، تَسْتَشْفِعُها عند ربِّكَ ليَرأفَ – واذْكُرْني معك – فما يَسْهى عن أنَّا لَم نَمُرَّ في هذا الوجود حدثَينِ أَجوَفين تافهَين بلا معنى، بل حاولْنا جهدَنا، أنتَ وأنا، بالكتابةِ الَّتي هي صِنْوُ الخَلْق ِ بَدْعِ الله، أنْ نَمحَضَهُ، هذا الوجودَ، أشرَفَ المعاني بلا مُقابل، وحتَّى بلا انتِظارِ عِرفان.

"وأعجَبُ في الخِتام، وأظنُّكَ على الغِرار عَينِه، إذْ نسمَعُ في حضارةِ الرَّقم والوزنِ والمِشرَطِ والحاسوب الَّتي نَحيا، وبفَمِ عصرِنا الحديديِّ الكافِر هذا، مَنْ يسأل: وما حاجةُ الأرضِ بعدُ إلى أدبائِها وفنَّانيها وهي في طريقها إلى نَعيم؟!

"أعَزَّكَ الله يا ناجي، وصَبَّرنا على بَلوى تَهميشِنا في بلادِنا، ودُمْتَ لأخيك".

***

مُنتَخَبات:

ذا الشَّارع

ذا الشَّارعُ سأََشْتاقُهُ، أَتُراهُ سيَشْتاقُني؟

لا تَتَوَهَّمَنَّ، يُجيبُ الرَّجْعُ، شارعُكَ كوَطنِكَ وعالَمِكَ وكَوْنِك، تَسْتَأْجِرُهُ، ويَسْتَأْجِرُهُ غيرُكَ بَعْدَك. قد تَشْتاقُهُ، لكنَّه، بالتَّأكيدِ، لَن يَشْتاقَكَ!

قَبْل                                                                                                     

قَبْلَ أتون وأمون، وبعدَهما، وبالتِّجارةِ بهما وبِسِواهما، كَم مِن بَشَرٍ زالوا، ويَزولون! فماذا نَنتَظِرُ للبَحث عن سُبُلِ خلاصٍ بعيدةٍ عن الإلغائِيَّةِ والخِتاميَّة، قريبةٍ مِن الإنسانِ وهَنائِه؟

ذِكْر

بينَ ذِكْرِ اللهِ وذِكْرِ اللهِ، في كلامِه، يَذْكُرُ اللهَ. وأمَّا عندَ الفِعْلِ، فيَضَعُ الضَّميرَ، واللهَ معَه، جانبًا، ويُقْدِمُ في جَشَعٍ ولاإنسانيَّة!

كَلام

طالَما ثَمَّةَ بَحثٌ في الحياة المُشتَرَكَة، فلا حياةَ مُشتَرَكَةً!

قَحْل

بُنَيَّ، حيثُ تَجِدُ القَحْلَ، في أرضٍ، في شَعبٍ، في ثقافةٍ، ارْحَلْ! حيثُ تَجِدُ رَجلاً يَمْشي شِبْهَ عارٍ، وامرأةً تَسيرُ خَلفَه لا تُرَى لها بَشَرَةٌ، ارْحَلْ! حيثُ لا تَنْفَكُّ تَسْمَعُ جِدالاتٍ تافِهَةً في الدِّين والسِّياسة، ارْحَلْ! حيثُ لا تَسْمَعُ موسيقى، مِن طبيعةٍ، مِن وَتَرٍ، ولا تَشْهَدُ فنًّا راقِيًا، ارْحَلْ! حيثُ لا فِكرَ نَيِّرًا مُنْفَتِحًا، ارْحَلْ!

مَشروع                                                  

ألتَّعميمُ، أيُّ تَعميمٍ، مَشروعُ "عُنصُريَّةٍ" هو، فلا تَضَعْ شَخصَين اثنَين، ولا حتَّى بَيضَتَين اثنتَين، في سَلَّةٍ واحدة!

أُمنِيَة

أُمنِيَتي، منذُ خَمسٍ وثلاثين: زَيتٌ في مِزْيَتَة، ومِلحٌ  في مَمْلَحَة، وبَهارٌ في "مَبْهَرَة"؛ وقد تَحَقَّقَتْ مُؤخَّرًا، والحَمدُ لله! وأمَّا أُمنِيَتي لخَمسٍ وثلاثينَ إلى قُدومٍ فإعادةُ مَلْءِ الآنِيَةِ المَذكورَةِ بالمَوادِّ أعلاه!

مَزْج

لَطالَما آثَرْتُ، في كِتاباتي، المَعنى الصَّحيحَ على الجَماليَّةِ المُضَلِّلَة. وأمَّا مَزْجُ الاثنَين فعَظيم!

لَعِب

طِفلاً، لُعِّبْتُ؛ فَتًى لَعِبْتُ؛ شابًّا لَعَّبْتُ؛ كَهْلاً تَلاعَبْتُ؛ شَيْخًا تُلُوعِبْتُ، وأَدرَكْتُ، أخيرًا، أنْ إنَّما الحياةُ لُعبَةُ طُفولةٍ، فلِمَ لا نَلْعَبُها الحياةَ طُفولةً؟!

أطيَب

ألأمورُ أطيَبُها ماءٌ عِندَ عَطَش، كِسْرَةٌ عِندَ جوع، شَمسٌ عِندَ بَرْد، نَسْمَةٌ عِندَ حَرّ، ضَمَّةٌ عِندَ حُزن، حُبٌّ عِندَ يَأس، مَوْتٌ لِتَذَوُّق ِ الأطيَب!

... وقَد

أمَّا وقَد "قارَبْتَ" العَلاءَ، بل عاشَرْتَ الرُّؤساءَ، فَلا تَنْسَ أهلَ الشَّقاءِ، لأنَّهم أهلُ الوَفاءِ، ومَن سيَبْكونَك ساعةَ العَزاء!

سُقوط

ألسِّياسَةُ، في المُطلَق، سُقوطٌ؛ وهامَةُ الأَديبِ وذي الخَلْق ِ والخُلُق ِ لا تَسْتَحِقُّ سِوى العَلاء!

ألألَذّ

ألأَلَذُّ مِن الحَدَثِ، أيِّ حَدَثٍ، انتِظارُه!

تَحَكُّم

كَي تَبْلُغَ حُقوقَكَ، حقوقَ الإنسان، عليكَ أنْ تُواجِهَ ألفَ مُتَحَكِّمٍ ومُتَحَكِّم، طُرِدوا مِن فَصائِلِ الحَيوان!

حَريصا

متَى أَطَلَّتْ عليكَ فَكَحَّلْتَ عَينَيكَ بِجَمال تَلَّتِها المَكسُوَّةِ بالخُضْرَةِ الرَّاعِيَة، وصُروحِها مِن ذاتِ القِبابِ الدَّاعِيَة، وبُيوتِها المَشْكوكَةِ في الصُّخورِ الحامِيَة؛ مَتى أَطَلَّتْ عليكَ، أو تَذَكَّرْتَها في بُعْدٍ أو غُربَةٍ، حَفِّزْ يَدَكَ، ارْفَعْها، مَرِّرْ أَصابِعَكَ على الجَبين، فالصَّدْرِ، فالكَتِفَيْنِ، فالصَّدْرِ، فالفَمِ، واطْبَعْ قُبْلَةً.

أَجَل، متى أَطَلَّتْ عليكَ حَريصا، أو تَذَكَّرْتَها، بُنَيَّ، ارْسُمْ إِشارَةَ الصَّليب، لا لِتَلَّةٍ وصُروحٍ وبُيوت، ولا لأَجدادٍ لكَ، فيها يَرْقُدون، ولا حتَّى لمَريمَ وبولُسَ، أو لإِيمانٍ، بل ارْسُمْها لِفِداءٍ أَتاكَ مِن إِلهٍ ومِن بَشَر، فِداءٍ عليكَ أنْ تُكمِلَ مِشوارَه مع أخيكَ الإِنسان، لا لإِلهٍ بَل مِن أجَل البَشَر.

أتاني

قَرَعَ بابَ مُنعَتَقي، ففَتَحتُه البابَ! فَتَحْتُه، فعَرَّفَ عن نَفسِه، قالَ: أنا اللهُ، فذُهِلْتُ! ذُهِلْتُ، فأَبْرَزَ بطاقَةَ هُوِيَّته، مَمهورَةً مِن لَدُنِ الأَخدار السَّماوِيَّة، وذُهِلْتُ أكثَر!

هو اللهُ إلى بابي! صُعِقْتُ، فهَدَّأَ مِن رَوعي. تَلَعْثَمْتُ، ولكنِّي سَأَلْتُه أنْ مُرْني، رَبِّي، فأنا خادِمُكَ المُطيع. فقالَ لي: قُمِ انْهَضْ، هاتِ سَيفَكَ، واذْهَبْ إلى قريبِكَ، اقتُلْه تَضْمَنْ حياةً هانِئَةً فكُرسِيًّا لكَ في الجَنَّة، جنَّتي، وإلى جانِبي!

أَطْرَقْتُ مَخذولاً في إِثْرِ اندِهاشٍ عظيم، وسأَلْتُ نَفسي: كيفَ تَكونُ جنَّةُ اللهِ للقَتَلَةِ والظَّالِمين؟ وشَكَكْتُ في صِحَّةِ هُوِيَّةِ زائِري ومُحَدِّثي، وطَلَبْتُ منه إبرازَها مُجَدَّدًا لأَتَأَكَّدَ منها، فابتَسَمَ لي مُطَمئِنًا: كُنتُ أَمْتَحِنُكَ، أيُّها الإنسانُ، وقد نجَحْتَ في الامتِحان. لا أُريدُ خَوفَكَ وطاعتَكَ، بل أُريدُ مَحبَّتَكَ الآخَرينَ، كُلَّ الآخَرينَ، وخَوفَكَ عليهم!

واختَفى اللهُ، واطْمَأْنَنْتُ عليه وعلى البَشَريَّة!

دَيْن

ألدِّينُ طَريقٌ إلى الأَخلاق والسَّلام مع الآخَر، ومَتى غَدا عَكْسَ ذلك، لا يَعودُ دِينًا، بَل يَغدو دَيْنًا في ذِمَّةِ كُلِّ مَن يَعْتَنِقُه!

بلاغَة

ألبَلاغَةُ ليسَتْ في أنْ تُجيبَ بِلا إِبطاء، وتُصيبَ بِلا أَخطاء، بَلْ في أنْ تُحْسِنَ أيضًا الإصْغاء، وتَصْمُتَ ولا تَنْطِقَ بِسِوَى الحَقّ!

جُلْ

إِمْتِطِ السُّحُبَ، سِحْ في الأرضِ، وأَطْلِقْ خَيالَكَ، وما بَعدَه، جُلْ في الكَونِ، فما المَرءُ إلاَّ مَشروعُ روحٍ، وحُلْمُ تَأَلُّه!

كَبير

مِن قالَ إنَّ اللهَ كبيرٌ على الدَّوام؟ إنَّه يَصْغُرُ كُلَّما ابْتَعَدَ الإنسانُ، أسمَى ما خَلَقَ، عن الخُلُق.

أجَل، أَعْطى اللهُ الإنسانَ دِفءَ الحَنانِ كَيما يَنْعَمَ به في حَياتِهِ، وبراءَةَ الأطفالِ لِيَعيشَها طيلَةَ عُمرهِ، ونَغَمَ الأوتارِ لِيَتَرَفَّعَ في دُنياه، فما تُراهُ فَعَلَ، ذا الإنسانُ؟

لَقَد كانَ عاقًّا بِمَن خَلَقَه، فلا عَرَفَ كيفَ يَكْسِبُ أرضًا، ولا استَحَقَّ السَّماءَ.

رُبَّما أَصْبَحَ مِن واجِبِ اللهِ أنْ يُصَنِّعَ مِن الإِنسانِ... أُنموذَجًا جديدًا، أكثَرَ أَنْسَنَةً!

وَحشان

وَحشانِ يَتَهَدَّدانِ البَشَريَّةَ في عَصرنا الحاليّ، ورُبَّما يَتَهَدَّدانِها إلى نِهاية الأَزمِنَة: ألجَهلُ مُتَمَثَّلاً بالتَّعَصُّب الدِّينيِّ الأعمَى، والرَّأسماليَّةُ المُتَوَحِّشَةُ المُتَمَثَّلَةُ بالجَشَع المُتَفَلِّتِ مِن أيِّ رادعٍ مِن ضَميرٍ، أو وازِع!

ولا شَكَّ في أنَّ الوَحشَ الثَّاني، الرَّأسماليَّةَ المُتَوَحِّشَةَ، هو الأخطرُ على البَشَريَّة، فهو، بعامَّةٍ، الَّذي يَتَسَبَّبُ بإِطلاق يَد الوَحش الأوَّل!

قَتْل

أسوأُ صُنوفِ القَتْلِ أنْ تَقْتُلَ حُلمًا لدى طِفلٍ، وأمَلاً لدى شَيخ!

والأَسوَأُ مِمَّا سَبَقَ أنْ تَسْرِقَ حُلمَ إِنسانٍ، وأمَلَه، وتَتَّهِمَه بسَرِقَتِهِما!

ظَليم

أُريدُ أنْ أَموتَ مَرَّتَين، قالَها الظَّليمُ، لا كَيما تُحْسَبَ لي حَياتان، بَل لأَتَأَكَّدَ أنِّي مُتُّ بالفِعْلِ، وأنِّي لَن أَعودَ إلى الحَياةِ أبدًا!

كَرْه

لا مُشكِلَةَ عِندَه، ولا مُشكِلَةَ للنَّاس معه، سِوى أنَّه يَكْرَهُ كلمةَ "رَحْمَة"!

بَصْمَة

أللهُ في كُلٍّ مِنَّا، كالبَصْمَةِ، لا تَكونُ هي نَفسُها في إنسانَين، ولا تَتَكَرَّرُ عبرَ التَّاريخ؛ ولِذا، لَسْتُ أَدْري لِمَ الخِصامُ على باري الأَكوان؟ وأمَّا بَصْمَةُ اللهِ ففي كُلٍّ مِنَّا، وعلى قَدْرِ ما فينا مِن فَضائِلَ إنسانيَّةٍ، وما نَزيدُ فيها؛ والسُّؤالُ: لِمَ لا نَزيدُ على فَضائِلنا فضائِلَ!

أللهُ، إذًا، بَصْمَةٌ خاصَّةٌ تَختَلِفُ لدى كُلٍّ مِنَّا، فلا نَختَلِفَنَّ عليه، وأمَّا بَصْمَتُه فينا، فضائِلُه، فلْنُنَمِّها، ولْنَسْعَ لِتَوحيدها وتَعميمها!

صِفات

لا يُدْرِكُ صِفاتِ الآخَرينَ إلاَّ مَن يَتَمَتَّعُ بمِثْلِها.

                    

Demeure

Qu’elle soit spacieuse ou étroite,

Ensoleillée ou assombrie,

J’aime bien ma prison de vie,

Qui, dans ce monde et dans ce corps,

Me servira de demeure

Jusqu’à ce que je meurs!

Bavardage

Il bavarde, bavarde et bavarde;

C’est qu’il se dit:

J’ai l’éternité pour me taire.

Quel génie!

تثاؤب

لَو أنَّه تَثاءَبَ، بَعْدُ، مَرَّةً، لَكانَتْ روحُهُ فاضَتْ!

مِسكين

مِسكينٌ إنسانُ العَصر، يَظُنُّ أنَّه أفضَلُ مِن المَخلوقاتِ الأخرى، وهو أضعَفُ مِن النَّحلَةِ في الخَيرِ، وأقوى مِن العَقْرَبِ في الشَّرّ!

تاريخان

تاريخانِ ضَرورَتانِ: الأوَّلُ أَعْرِفُه، أمَّا الثَّاني، فلا.

أجَل، شاهِدَةُ قَبْري في حاجةٍ إلى تاريخَين!

مَدين

مَدينٌ أنا للأَلَم، فهو مُحَرِّكُ القَلَم!

بُكاء

عِندَما بَكَتِ ابنتُه على كَتِفِه، وَجَدَتِ الحِضْنَ الأَدْفَأ.

وإِذْ بَكى على كَتِفِها، بَلَغَ السَّماء!

مُشارَكَة

لَن تَشْعُرَ بالسَّعادةِ ما لَم تَكُ، كعالِمٍ، أقَلَّ بَشَرِ الأرضِ عِلمًا؛ وكَغَنِيٍّ، أقَلَّهم غِنًى؛ وكَمُسْتَثْقِفٍ، أقَلَّهم ثقافةً؛ وكإِنسانٍ مُحِبٍّ، أكثَرَهم أنسَنَةً ومَحَبَّة. فأَطلِقْ ثقافةَ المُشارَكَة في كُلِّ ما لديكَ، عَمِّمْها، تَصْنَعِ العدالَةَ والسَّلامَ والهَناء!

سَعادة

عَلََّمَتْني الحياةُ، في ما عَلَّمَتْنيهِ، أنَّ السَّعادةَ لا تَكونُ إلاَّ بذكاءِ القلبِ الَّذي يُحَوِّلُ الأَنَوِيَّةَ أَنْسَنَةً.

بِعَدَدهم

أللهُ واحدٌ هو؛ لكنَّه، في المَفهومِ البَشَريّ، وعندَ البَشَرِ، بعَدَدِ هؤلاء!

ألمَرْء

مَتى قارَنَ المَرءُ نَفسَه بالكَوْن، حجمًا وزمنًا إلى غيرِ انتِهاء، وَجَدَ أنَّه، في الكَوْنِ، اللاشَيء. ومَتى قارَنَ نَفسَه بالكَوْنِ عَينِه لِجِهةِ الفِكرِ والشَّهادةِ على الوُجود، أَيْقَنَ أنَّه، في الكَوْنِ، كُلُّ الشَّيء.

حِفْظ

أَنْ نُمْضِيَ العُمْرَ في حِفظِ القديمِ، نُتَمْتِمُه بِتَناقُضاتِه، ونَخْتَلِفُ في تَفسيرِه، ولا نُعَنِّي النَّفسَ في وَضْعِ جديدٍ لِعَصرٍ جديد: ذاكَ هو التَّخَلُّف!

حائِط

سَبعَةً كانوا، في بيتٍ واحدٍ يَعيشون. وأَتَى المَوْتُ يَجْني، ويُحَوِّلُ البَشَرَ صُوَرًا تُعَلَّقُ إلى حائطِ غرفةِ الجُلوس، إلى أنْ ماتَ آخِرُ السَّبعة، ولَم يَجِدْ مَن يُعَلِّقُ له صورةً إلى جانِبِ مَن سَبَقوه!

وَرَقِيّ

ألكِتابُ الوَرَقِيُّ، إلى كَوْنه ثَروَةً فِكريَّةً عِلميَّةً فنِّيَّةً مَعنَويَّة، سيَغدو في المُستَقبَلِ غيرِ البَعيد، بِفِعْلِ نُدْرَتِه، ثَروَةً مادِّيَّةً تَجْمِيليَّة. وسأورِثُ أبنائي الثَّروَتَين!

زَيْتٌ وزَيْتون

لا بَقاءَ لأدَبٍ بِلا فِكْر، ولا استِساغَةَ لفِكْرٍ غَيرِ مُتَأَدِّب؛ فالفِكْرُ والأدبُ، كَما الزَّيتُ في صُلْبِ الزَّيتون!

مَلاذ

فِراشُها المَلاذُ، على مِخَدَّتِه الدُّموعُ الَّتي لِغَمٍّ ولانْتِشاء!

أحضان

كانَ يَخْشى أفكارَه، ويَحْتَمي في حِضنِ أُمِّه؛ وصارَ يَخْشى الأحضانَ، ويَحْتَمي ببَناتِ أفكارِه!

حُرْمَة

إِنْ مَرَرْتَ بينَ زُهورٍ ذَبُلَتْ، فسَقَطَتْ، لا تَطَأْها بقَدمَيْكَ، فَلِعاطِياتِ الشَّذا حُرمَتُهُنَّ!

دَرَجْتُ

دَرَجْتُ، صَغيرًا، على الاطمِئنانِ إلى صِحَّةِ أُمِّي. فكُنْتُ أَزورُها في غُرفتِها، أَقْتَربُ مِنها نائِمَةً، وأَحْرِصُ على التَّأَكُّدِ مِن أنَّها تَتَنَفَّسُ، وأَعودُ إلى فِراشي مُرتاحًا إلى غَدي!

... ورَحَلَتْ أُمِّي، ولَم يَبْقَ مِنِّي سِوى تَنَفُّسي!

هاتوهُ

لا تَنْقُصُ أَدَبَ اليَومِ الهَوائِيَّةُ. فإلى الهَوائِيِّين أقولُ: هاتُوا فِكرَكُم، هاتُوه!

نِهايَة

مَتى سادَ الجَشَعُ الأرضَ، وتَواجَهَ الجُهَّلُ "العُلَماءُ" مع العُلَماءِ "الجُهَّلِ"، كانَتْ نِهايةُ العالَم!

أصلِيَّةٌ ومُميتَة

أَأَخْطَأَ اللهُ، في الأَصْلِ، فكانَ خَلْقٌ؟ أَمْ كانَتْ خطيئَتُه "الأَصلِيَّةُ والمُميتَةُ" أنَّه خَلَقَ الإِنسانَ؟ سُؤالٌ يُطْرَحُ في ذا الزَّمان!

"هَوِّيلو"

في وقتٍ عادَ اللهُ لا يُعَرَّفُ بِسِوى الرَّحمةِ والمَحبَّة، ما زالَ ثَمَّةَ أُناسٌ يَعْتَقِدون أنَّ الـ "بَرْبِكْيو" جاهِزٌ لدى الرَّحيمِ، والنَّارَ حامِيَة. ولا يَنْقُصُ هؤلاءِ، والعِياذُ بِاللهِ، سوى إِطلاق ِ تسمِيَةِ "هَوِّيلو" على أرحَمِ الرَّاحِمين!

أسوأ

أَسْوَأُ مِنْ أَنْ تَموتَ، أَنْ تُدْرِكَ أنَّكَ بائِسٌ، وأنَّكَ ستَستَمِرُّ في بُؤسِك!

تَجاوُز

مَتى تَجاوَزَ سِرُّكَ وِسادَتَكَ، شاعَ!

لَنا

ليسَ المَوْتُ حَقًّا علينا، بَل هو حَقٌّ لنا!

كَرَم

بَلَغَ بِهِ الكَرَمُ أنَّه لَم يَعُدْ ضَنينًا بحَياتِه، فقَدَّمَها!

أَلومُ

لَسْتُ أَلومُ الأديانَ، فهي مِن أجيالٍ سابِقَةٍ، ولأجيالٍ سابِقَة. أنا أَلومُ الأجيالَ اللاحِقَةَ الَّتي تَستَمِرُّ في استِغلالِ الأديانِ لأرضِيَّاتِها، وتَتَفَنَّنُ، عِوَضَ أنْ تَعمَلَ على رَوْحَنَةِ الأديانِ وأَنسَنَتِها لِما فيه خَيرُ بَشَرٍ وبَشَرِيَّة!

وَردَة

ألدِّيمُقراطيَّةُ في العالَمِ الثَّالِثِ أنْ تَتَجَرَّأَ في قَوْلِكَ حتَّى على خالِق ِ الأَكوانِ، وواهِبِكَ الحياةَ، وفي السَّاحاتِ العامَّةِ، على ألاَّ تَرْمِيَ قادةَ بلادِكَ الفاسِدينَ النَّاهِبينَ القاتِلينَ... بِوَرْدَة!

                                                  

وَحدَهُ حُرٌّ

وَحدَهُ حُرٌّ العَبْدُ الَّذي، بِمِلءِ اختِيارِهِ وإرادتِه، يُسَلِّمُ ذاتَهُ لِسَيِّدِهِ، يَفْعَلُ بِهِ ما يَشاء! فإِنَّه لَمِنَ الأسهَلِ أنْ يَتَخَلَّى المَرْءُ عن حُرِّيَّتِه بالكامِلِ مِن أنْ يَحصُلَ عليها كامِلَةً!

مُتَواضِع

قالَ المُتَواضِعُ: كانَتِ العَظَمَةُ، قَبْلَ أنْ أُوجَدَ، مُجَرَّدَ عَظْمَة!

تَصارُع

يَتَصارَعُ وَرَثَةُ الكاتِبِ في الغَرْبِ على إِرثِه الأدبيِّ، يَعيشونَ منه، فيما يَعيشُ الكاتِبُ في الشَّرق ِ، ويَموتُ، في حَسْرَةِ ضَياعِ إِرْثِهِ، وغالِبًا ما يَضيعُ الإِرْثُ!

"واعُصْعُصاه!"

واعُصْعُصاهُ! أَطْلَقَتْها عَرَبِيَّةٌ في ذا العَصْرِ، أَطْلَقَتْها في ظِلِّ غِيابِ الرِّجالِ الرِّجال! ... واهْتَزَّتْ عِظامُ المُعتَصِمِ في القَبْر!

عَبْقَر

ألطُّفولَةُ العَبْقَرِيَّةُ؛ فَلْنُحَرِّرْها مِن قُيودِنا، نحنُ الكِبار!

كِتابَة

أللُغَةُ في الكِتابَةِ الأُسُسُ والبُنيانُ، والجَمالِيَّاتُ الشُّرُفاتُ وما تُطِلُّ عليه. لكنَّ الحَجَرَ، بِلا بَشَرٍ، يَبْقى حَجَرًا، وكَذا اللُغَةُ والجَمالِيَّاتُ مِن دون فِكْرٍ جديدٍ وخَيالٍ جامِحٍ، تَبْقى مُجَرَّدَ كَلِمات!

أَبْشِرْ

كَثُرَتِ الأَلقابُ فَأَبْشِرْ: قَد حَلَّ زَمَنُ الانحِطاط!

Cohabitation?

… Je dirai même plus:

Tu m’habites

Et je t’habite!

جَرْد

أَجْرى، والحَياةُ إلى أُفولٍ، جَرْدَ حِسابٍ، فوَجَدَ:

أنَّ مالَه الَّذي تَعِبَ في جَمعِه إِنَّما نَهَبَهُ تُجَّارُ سِلْعَةٍ وهَيْكَلٍ وسِياسة؛ وأنَّ أفكارَهُ، المَنشورَةَ مِنها، وغَيرَ المَنشورَةِ، إِنَّما سُرِقَتْ مِن أَشْباهِ الكُتَّابِ والمُسْتَشْعِرين، أو سُخِّفَتْ لدى بَقِيَّةِ قُرَّاءٍ جَهَلَة؛ وأنَّ أطفالَهُ الَّذين لَمْ يُرْزَقْ بِهم، أَضاعَهم في مَجاريرِ المُدُنِ الَّتي قَطَنَ فيها أو قَصَدَها في سَفَرٍ، وفوقَ عُشْبٍ عِندَ نَهرٍ، وبينَ كَأسٍ و"مازَة"؛ وأنَّ آمالَهُ الكَثيرةَ بالأَنْسَنَةِ تَكَسَّرَتْ عندَ صَخرةِ الجَشَعِ البَشَرِيِّ الأَنَوِيِّ التَّمَلُّكيِّ، وتحتَ أَرْجُلِ المارَّة.

وبَعْدُ، لَئِنْ جاءَ ما لَهُ في الرَّصيدِ أَوْفَرَ مِمَّا عليه، فأَينَ تُراهُ يُثَمِّرُ ذا الوَفْرَ، السَّاعةَ، وبِمَ يَنْفَعُه؟ أَفي صيتٍ يَأْخُذُهُ معه إلى القَبْرِ، أم في ذِكْرى، إنْ "خَلَّدَتْ"، فَلِرَمْشَةِ عَيْن؟

... وتَبْقى راحَةُ البال! 

قداسَة

طيبَةُ القَلبِ القَداسَةُ؛ فلا نُفَتِّشَنَّ عَنها في أيِّ مَكانٍ آخَر!

مِلْح

يَكفيني أنْ أَكونَ حَبَّةَ مِلحٍ في ذي الأرض!

تَعليم

ألتَّعليمُ يُعَلِّمُ المُعَلِّمَ أكثَرَ ممَّا يُعَلِّمُ المُتَعَلِّم!

ذا أنا

بُنَيَّ، إِنْ تَسَلْ، فَذا أنا:

في الإيمانِ، أؤمِنُ بالإِنسانِ، بِهَنائِهِ، وبِفِعْلِهِ الخَيْرَ دونَما مُقابِلٍ، لا في حَياةٍ، ولا في ما بَعْدُ!

أسْعى، في الرُّوحانِيَّاتِ، لبُلوغِ الأقاصي الَّتي يَسْمَحُ بها عَقلٌ، وفي الأرضيَّاتِ، لبُلوغِ الأقاصي الَّتي يَسْمَحُ بها جَسَد! وفي فضائِلِ الأنْسَنَةِ أذهَبُ إلى الأقاصي أيضًا؛ وقَدْ أُصيبُ، وقَدْ أُخطِئ؛ فإنْ أَصَبْتُ سَعَدْتُ وأَسعَدْتُ؛ وإنْ أخطَأْتُ أتعَلَّمُ وأُعَلِّم: أَتعلَّمُ أنْ أَنْطَلِقَ مِن جديدٍ، وإِنَّما إلى أقصى الأَقاصي، وأُعَلِّمُ الآخَرين بمِثالِ المُثابَرَةِ الَّذي أُمَثِّلُ والَّذي لا بُدَّ مُزهِرٌ، يُحْتَذى؛ فأنا إِنسانُ الأَقاصي، ولإِنسانِ الأَقاصي، ولِفَضائِلِ الأَنسَنَة... بِلا حُدود! 

وفي الحُبِّ - حُبِّ الآخَرِ، كُلِّ آخَرَ - لستُ لأَعتَرِفَ بالحُدود أيضًا. ولا حُدودَ عندي في التَّعامُلِ مع الآخَرِ، أيِّ آخَرَ، وإِنْ وَجَبَ الحِرْصُ. وأمَّا المَحبَّةُ، جامِعَةُ الفَضائِلِ، فإليها دائِمًا أَتَطَلَّع، ولها خَصَّصْتُ ذكاءَ القَلبِ، قَلبي!

D’aucuns

D’aucuns partent pour rester

D’autres ne restent

Que dans l’attente de partir!

(À Aznavour)

Manneke Pis!

À l’intersection de la rue de l’Étuve

et de la rue du Chêne

Bruxellois et touristes déferlent devant lui.

Il ne cesse de répéter:

Je ne suis qu’une copie

Allez au Musée de la Ville

Allez taquiner mon original

Et laissez-moi tranquille!

***

Laissons-le pisser, le pauvre enfant,

Loin de nos flashs, paisiblement!

À l’enfant qui n’arrête pas de pisser

بَشاعَة

سَلَّطْتَ نَفسَكَ على الأرض، أنتَ المُؤتَمَنَ عليها!

آهِ، ما أبشَعَكَ أيُّها البَشَرِيّ!

ألنَّبع

ألإنسانُ النَّبعُ: حُبُّهُ نَهرٌ، الصَّداقةُ مَجراهُ، والمَحَبَّةُ بَحرُه!

Amitié

La vie, c’est souvent dure,

l’Homme en endure.

Mais l’ami est là,

et l’amitié dure, ne se lasse pas!

(À Vasile Ghica)

هي الذِّمَّة

في الصَّداقَةِ لا ذِمَّةَ لأَحَدٍ على أَحَد؛ فالصَّداقَةُ هي الذِّمَّةُ الَّتي لا بَراءَةَ لها تُطْلَب!

هَيَّا

هَيَّا، أَبْشِري، قُلْتُها لِنَفسي؛ لَم يَبْقَ أَمامَكِ إِلاَّ بَقِيَّةُ خَريفٍ وفَصْلُ القِيامَة!

آمِنة

نَظَرْتُ إلى العَلاءِ، مِرارًا وتَكرارًا، فلَمْ أَلْحَظْ للسَّماءِ بابًا:

أَلطَّريقُ إلى اللهِ، إِذًا، سالِكَةٌ وآمِنَةٌ... وعلى الخَطَّين!

جَنَّةُ عَدَن

لَو أنَّ كُلاًّ مِنَّا يَقومُ بِما يُنادي به، قَوْلاً وكِتابَةً، لَجَعَلْنا مِن الأرضِ جَنَّةَ عَدَنٍ حَقيقيَّةً!

هُوَ

وَجَدْتُهُ مُحْتَضَرًا في المَخزَنِ يُنادي احْضُنِّي، ففَعَلْتُ ونَقَلْتُهُ إلى الرَّفِّ، فراحَ يَبْكي يَقولُ اقرَأْني؛ وإِذْ فَرَغْتُ منهُ قامَ يَصيحُ أَهْدِني، فقَدَّمتُه ذُخْرًا لِطالِبِ مَعرِفَةٍ: هو الكِتابُ!

إمتِحانُنا

ألحياةُ امتِحانُنا المُستَمِرّ، فلْنُحاوِلْ ألاَّ نَغُشَّ فيه؛ ذلكَ أنَّ أجوبَةَ الآخَرينَ لا يُمْكِنُ أنْ تَكونَ أجوبَتَنا، فنحنُ لَسْنا إِيَّاهم، ولا حياتُنا حياتُهم!

آهِ

آهِ، آهِ حبيبي مِن بُعْدِ الزَّمانِ عن المَكان!

أَطْلٍِقْ

ألا أَطْلِقْ عَبدَكَ، يا جَسَد!

                                                  

زِيّ

إِرْتِدِ زِيَّ الأَرضِ الَّتي أَنبَتَتْكَ، لا ما يَفرِضُهُ عليكَ مُعتَقَدٌ أو دُرْجَة! وكَذا كُلْ وعِشْ وتَصَرَّفْ، مِن دون أنْ تَنْسى أنَّكَ ابنُ الغَدِ لا الذَّاكِرَة، وابنُ الكَونِ لا العَشيرَة، وابنُ العِلْمِ لا السَّليقَة!

قِطاف

تَقْطِفُ الوَردَ والياسَمينَ، ويَقْطِفُكَ المَوتُ: هو الرَّبيعُ الدَّائِم!

Everlasting Christmas

Don’t be shy, don’t be blue,

Let your pain pass through,

Just hope that one day

Christmas will become

An everlasting day!

C’est la vie!

Face à la vie

Guette la mort;

Dans la mort

Héberge la vie!

(À Issa Bacha)

إصرار

فِكْرٌ طوباوِيٌّ نِصْفُ-إلهيٍّ عندَ أُناسٍ يَصطَدِمُ بِبَشَرٍ يُصِرُّونَ على البقاءِ ناقِصين: تلكَ مأساةُ البَشَريَّةِ المُستَمِرَّة!

يومٌ عالَميّ

لَم يَسْتَحِقَّ الكاتِبُ المُتَطَفِّلُ الحُرِّيَّةَ المُطلَقَةَ إلاَّ بَعدَما غَدا القارئُ في جَهالَةٍ مُطْبِقَة! ويا لَلأَسَف!

لا تَخَفْ

لا تَخَفْ إلاَّ مِمَّن "يُؤمِنُ" بأنَّه يَعْرِفُ "كُلَّ الحقيقة"!

ألقلمُ مُهَروِلاً

... وهو  يُهَرْوِلُ على الوَرَق ِ، يَبْسُطُ القَلَمُ الأحرُفَ في ما يُقْرَأُ وما لا يُقْرَأ؛ ذلكَ أنَّهُ، هو عَيْنَه، في يَدِ شَخصَينِ، يُسْتَخدَمُ لِهَدَفَين، أو أكثَر؛ وكَذا نَجِدُه، في يَدِ شَخصٍ واحدٍ، يَنْقُلُ أفكارًا قَد "تَتَمَتْرَسُ" عندَ طَرَفَيِ النَّقيض.

ولكنْ، لا بَأْسَ، فَلْنُطْلِقْ له الحُرِّيَّةَ الَّتي لا نَعيش، ولْيُهَرْوِلْ عنَّا، ومَعنا!

ورد سؤال عن صحة عبارة : كل عام وأنتم بخير، فالواو في نظر من ( يُفتون ) في اللغة بأن هذه العبارة خطأ، والصواب في نظرهم: كل عام أنتم بخير

قلت : 

ما شاء الله !

كل ما قيل حتى الآن بشأن هذه العبارة غير صحيح

والصواب والله تعالى أعلى وأعلم هو : 

هذه الواو تدل على العطف يعني أنها تعطف كلمة على أخرى. يوجد في هذه العبارة المعطوف عليه فقط وهو ( أنتم )، مما يعني أن المعطوف محذوف، وما عرفنا ذلك إلا بوجود واو العطف، مع وجود المعطوف عليه، فالأصل إذن: كل عام نحن وأنتم بخير، فحذفوا المعطوف وهو (نحن) أدبا وذوقا ، وأبقوا المعطوف عليه، فيكون أول من ابتكر هذا التركيب شديد التذوق للعربية

الأستاذ الدكتور سمير استيتية

عضو مجمع اللغة العربية الأردني

المزيد من المقالات...