فى اللغة العربية ... هناك فرق بين كلمتى ( الحية ) و( الثعبان) ..الحية تطلق على الصغير ...بينما يطلق الثعبان على الكبير المخيف...

انظروا كيف كانت دقة القرآن التى أعجزت العرب ..حينما استخدم الكلمتين..

الموقف الأول...

--------------

عندما كان موسى سائراً بأهله ليلاً فأبصر ناراً وجاء ليستأنس بها فناداه الله أن يلقي عصاه.

قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى

هذا مناسب لسيدنا موسى لأن المطلوب أن يرى معجزة وليس المطلوب أن يخاف منها، لذلك تحولت العصا إلى حية صغيرة

الموقف الثانى

---------------

عندما ذهب موسى إلى فرعون فطلب منه فرعون الدليل على صدق رسالته من الله تعالى فألقى موسى عصاه

. فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ

فالمطلوب إخافة فرعون لعله يؤمن ويستيقن بصدق موسى...فتحولت هنا إلى ثعبان

الموقف الثالث

--------------

عندما اجتمع السَّحَرة وألقوا حبالهم وعصيّهم وسحروا أعين الناس، فألقى موسى عصاه.

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ

لا نجد أي حديث في هذا الموقف عن ثعبان أو حية فلماذا؟

إذا تأملنا الآيات بدقة نجد أن السحرة أوهموا الناس بأن الحبال تتحرك وتسعى، كما قال تعالى:

فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى

وهنا ليس المطلوب أن يخاف الناس بالثعبان، وليس المطلوب أن تتحول العصا إلى حية، بل المطلوب أن تتحرك العصا وتلتهم جميع الحبال والعصِيَ بشكل حقيقي، لإقناع السحرة والناس بأن حبالهم تمثل السحر والباطل، وعصا موسى تمثل الحق والصدق

ولذلك يقول تعالى:

فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ

سبحان الله العظيم على الدقة المعجزة...حقا لا يمكن احلال كلمة مكان أخرى فى القرآن..

لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ...

ردًّا على قصيدة (إِلَيْكِ أَتوبُ غَمامًا/ آمال عوّاد رضوان)

clip_image001_842cf.jpg

عزيزتي آمال.. "سلامي لكِ مطرًا"

 في ليلةٍ أخيرةٍ مِن عامٍ يتأهّبُ للرّحيل، هذا العامُ الّذي يَشهدُ رعونةَ الزّمنِ في فصولِ الغمام، تقولين: (إلَيْكِ أَتُوبُ غَمَاما)، فتأخذُني حروفُكِ إلى خواءِ زمانِنا المُرّ، حيثُ يتساكبُ عشقًا ووجعًا من بين حروفِ قصيدتِكِ وعريّةِ الفُصول، والمُتعفّرةِ بمَداها الغموضيّ ما بينَ تيهٍ وضياعٍ، وأحاولُ لملمةَ الشّرودِ والمسافاتِ الشّاسعةِ بينَنا، والّتي تُطاردُكِ في انعطافاتِ عطفِكِ اللّا مُتناهي، وعلى إيقاعِ حبّاتِ المطر، تتسربلُني حروفُكِ (المُتسافكةُ) في تَناغُمٍ عاطفيّ، ما بينَ حوّاءَ هنا وخُواءً هناك، وثمّةَ اكثرُ مِن نقطةٍ مُتشاكِسةٍ بخريرٍ حريريِّ المَلمسِ والصّوتِ، يَتغلغلُ بدواخلِنا، يُدغدغُ أبجديّةَ العطفِ والانعطافِ نحوَ مدلولاتٍ لفظيّة، تبدو غائرةً في جوفِ أرضِ ووجدانِ جسدٍ يرنو لروحِهِ المُتواريةِ خلفَ (تعاريجِ ) الضّياع.

إنّهُ حرفُكِ الّذي ما فتئَ يَحملُني مِن ظلالِ شرودي، كي أنادمَهُ وطنًا مَلَّ اللّهاثَ خلفَ المواعيدِ الّتي شلحتْ ذاتَها، وتَعرّتْ بزيفِ (ورقةِ التوت)، فلا جرعةٌ مِن مَبسَمِ فجرٍ، ولا قطرةٌ تروي ظمأَ الأماني والأحلام. إنّها الأنثى المُندسّةُ تحتَ عباءةِ أرضٍ كانتْ تُدعى (وطنًا)، وظلّتْ تُدعى وطنًا، رغمَ (تذاؤُبٍ) يَعوي، لا بصَمتِهِ بل بوحشيّة، يَقتنصُ كلَّ فرَصِ الحياةِ الّتي يرنو إليها أصغرُ الحملان والأطفال، فهل تتركُ الذّئابُ فرصةً لذاكَ الحُلمِ السّاكنِ في طيّاتِ القصيدة، وتمنحُهُ فرصةَ مداعبةِ حروفِ اللّغةِ، في مجالِها الأنثويّ الرّابضِ بينَ تضاريسِ النّصّ، المُتوثّبُ المُتوهّجُ ببراعةِ الرّؤيا، رغم (أنّات الآهاتِ التّائهة)؟

بهذه اللّوحاتِ النّصّيّةِ المُفعمةِ بالصّورِ ذاتِ الدّلالاتِ الشّتّى، تُحاولُ آمال عوّاد رضوان الإنسانة، أن تسكبَ حروفَها المُتوهّجةَ بالآمال، الرّافضةَ للتّيهِ والضّياع، والمُقاومةَ لضبابيّةِ الأحداثِ، حيثُ تُعِدُّ البناءَ المُتشابكَ بينَ خلايا الرّوحِ وأعمدةِ البناءِ الحِسّيّة، لتضعَنا أمامَ تجانسٍ تامٍّ، وكما اعتدْناها دومًا في قصائدِها المُتعدّدةِ، حيثُ يَظلُّ للوطنِ وللأنثى الوجهَ الواحدَ الّذي لا يعرفُ الانفصامَ أبدًا. إنّها الأنثى الرّافضةُ لاجتراحِ اللّحظاتِ اللّازورديّةِ الثّمينةِ، في ظلِّ هذا الصّمتِ المُتعالي  والمُحلّقِ (بمَلكوتِهِ المُجَنّح)، إنّهُ صَمتُ عالَمٍ تآكلتْ فيهِ إنسانيّتُهُ وهُدِرتْ، بل ومُرّغتْ بوحلِ تَذاؤُبِهِ، لتظلّ إنسانيّةً (تقتفي الخيالاتِ) بخطاها المُرتبكةِ، بانتظارِ فرحٍ أو فرَجٍ قد يَحملُهُ لها حلٌّ سِحريّ، أو ربّما معجزةٌ مِنَ السّماء. وحتّى يتمخّضُ الحُلمُ والخيالُ ويَلدُ حلًّا، فإنّ الشاعرة آمال ستظلُّ هكذا تتّكئُ على أنفاس (حرفِها الأعرج)، الّذي قد يصلُ وقد لا يصلُ، لكنّهُ عكّازُها المُتّكَأُ، الّذي من خلالِهِ تُرسلُ نصَّها الإبداعيَّ الطّاغي بعُمقِهِ، الرافضَ لواقعِهِ، والمُتحدّيَ لكلِّ فنونِ أدواتِ القصيدةِ غيرِ العاديّة.

وهل تملكُ آمال عوّاد رضوان غيرَ إبداعِها؟ إنّهُ رسالةٌ رومانسيّةٌ عشقيّةٌ سِحريّةٌ تبدو وتتبدّى، ولكنّها مُفعمةٌ برائحةِ عكّاز النّبي موسى عليه الصّلاة والسّلام، حيثُ نَراها بحركةٍ ذكيّةٍ تخترقُ أفقَ الْما وراء، وبروحيّةٍ عميقةٍ سلِسَةٍ تشُقُّ حجابَ السّماوات، وكما الطفلة تُحاولُ أنْ تتلصلصَ ربّما على عِلمِ الغيْب، بمدلولِ مَن يُريدُ أنْ يَستكشفَهُ قدَرًا، قبلَ أنْ يُصبحَ كذلك.

هذهِ هيَ الصّورةُ الشّائعةُ لحالاتِ مَن فقدَ الحيلةَ فوقَ الأرضِ، وراحَ يَستقدمُ الغيبَ ويرجوهُ، أما مِن أملٍ قادمٍ؟ أما مِن حلٍّ آتٍ؟ هي القصيدةُ الّتي سبقتْ زمانَها في استقراءِ حاضرِها، فمَن منّا لم يَتمنَّ لو أنّه يستكشفُ ما بعدَ البَعْد، أيْ ما بعدَ هذا الّتيهِ والضّياعِ والطّرقِ اللّولبيّةِ، ليرى لونَ ونكهةَ القادمِ مِن خلفِ عتمةِ الواقع؟

هكذا هي آمال الشّاعرة المتجذّرةَ بملكوتِها الشِّعريّ تُخاطبُ الأنثى، فتسكُبُ شِعرَها الصّافيَ، وتعجنُهُ بدقيقِ حاضرِها وماءِ ماضيها، وتستوقفُنا الصّورةُ التّراثيّةُ المُتجذّرةُ بفولكلورها، صورةٌ مُتعمّقةٌ بتوْصيفِهِ وتوظيفِهِ، ومُلازمةٌ متلازمةٌ بحِرفيّةِ أدواتِهِ وأدوارِهِ: العجين، الشّوبك، صفاء الدّقيق، الأقراص، الخبز) .. إذن؟

هو الوطنُ الّذي يُعجَنُ ويُخبَزُ، يُحَمَّرُ ويُقَمَّرُ أقمارًا في فضاءاتٍ أخرى وما زال يُؤكَلُ ويُؤكَلُ، والشّاعرةُ آمال لمّا تزَلْ تُعاقرُهُ بحروفِ أبجديّتِها، مُستلهِمةً مِن تراثٍ مُتجذّرٍ في خاطرِها، تُحاول استقدامَهُ في متاهاتِ خيالاتِها، وفي (خلوةٍ سهاديّةٍ تتلوهُ قصائدَ وادعة)، لتنشرَهُ في نصٍّ أدبيّ، وتطرحَهُ (على عتباتِ المرايا)، بفسيفسائيّةٍ مُنتقاةٍ بأنفاسٍ (تتلاعبُ أرياشُها).

إنّها الشّاعرة آمال عوّاد رضوان.. تظلُّ مُخلصةً للصّورةِ الحِسّيّةِ الشّموليّةِ، مِن حيثُ البناء المتكامل المتجانس مع واقعِهِ الزّمانكيّ، ليُعاودَها السّؤالُ ذاتُه: كيف؟ كيف تُحلّقُ آمال في وطنٍ مقصوصِ الجَناحيْن، مُثقلٍ بسوداويّةِ واقعِهِ؟

في حالتِها هذه، تشعرُ كما نشعرُ نحنُ أيضًا معها، إنّنا جميعًا (ريشٌ في مهبِّ الرّيح)، تتلاعبُ بنا الصُّدَفُ والخُططُ، وتقذفُنا إلى فضاءاتِ الهباء، لكنّها الشّاعرةُ المُتمسّكةُ بسراجِها اللّغويّ، تطرَحُهُ آمالًا تُضيءُ فضاءاتِها الخاصّةَ والعامّة، لتقولَ بما يُشابهُ القول: كلّما ضاقتْ حَلقاتُها فُرِجَتْ، فبرغم (ارتجافِ عصافيرِ القلب)، تتّقدُ في دواخلِها جذوةُ اللّهبِ، وتنثرُهُ فوقَ ذرى الوطن، تستظلُّهُ رغمَ فصولِ عُريهِ النّاعسِ السّابتِ إلى حدّ الموت.

هي آمال عوّاد رضوان المُفعمةُ دوْمًا بالآمال، تُتقنُ حروفَ القصيدةِ الأخرى المُكتنزةِ بثروةِ لغتِها، والمُرتوية بينابيع جُذورها، تحملُ (بشرى المَسرّة) رغمَ أنفِ الزّمان، لنراها تتواثبُ فوقَ خرائطِ الدّهشة، وبماسيّةِ حروفِها العشقيّةِ تتعمّدُ بقدس القداسة، وتغتسلُ بنورِ قناديلِ العشقِ والهوى، وتراقصُ عزفًا روحيًّا على قيثارةِ فجرٍ تراهُ هي، وقد (يُطوّبُ مَباسمَ المواسم..)

عزيزتي آمال الغارقة بفرادةِ أدواتها..

قد يتوهُ البعضُ عن مَرامي نصِّكِ وما وراءه، لكنّه نصّكِ المخلصُ لواقعِهِ المتشابكِ في تعقيدِهِ حدّ الدّهشة، فكلُّ أنثى في شِعرِكِ وطن، ترسمينَهُ بلوحاتٍ تَخصُّكِ وتخصُّ ريشتك، وإنِ كانت في مهبِّ الرّيح، تظلُّ ريشتُكِ تَقطرُ بحِبرِ الأماني والرّؤى الموغلةِ في العمق.

هكذا وفقط هكذا، من هذا الواقع الزّمنيِ والمكانيّ تنزفينَ الوطنَ قصائدَ أخرى، تُعلّقينَها في متاحفِ النّرجسيّةِ الفوق عاديّة، وبما أنّكِ تفعلينَ هذا لأغلى مِن الأغلى، أراكِ حريصةً على انتقاءِ صُوَرك الشّعريّة مِن جذور الجذور، ومِن الصّور اللغويّةِ الممتلئةِ بتراثيتها، تستنبطين الحرف والصور، وتُجيّرينهما.

ماذا أقول لكِ يا ابنةَ القوافي المميّزة بمَرامِها ومَراميها؟ لقد أشغلَكِ الواقعُ بكلّ تعقيداتِهِ اللحظيّة وغير اللحظيّة، فكان غمسُ الرّيشةِ في فضاءاتِ شعرِكِ يقطرُ بحبرِ أمانيك، إنّه الوطنُ السّاكنُ روحَكِ وقصيدتَكِ، بل أكادُ لا أخطئ إن قلت، إنّ معظم ما رسمتْهُ ريشتُكِ كان نبراسَ حُبٍّ لعتمةِ وطن، ومن رحم الألم يولد الأملُ، سراجيًّا يبدو، لكنّه في خاطرِكِ شمسٌ وشموسٌ.

عزيزتي آمال عواد رضوان: في آخر يوم من عامٍ حزَمَ حقائبَ سفرِهِ ليُغادرَنا، بكلّ ما حملَ لنا وللوطن مِن أوجاع، أراِك وأراني نستقبل العامَ القادم، بإيقاعٍ يتماهى مع عزف الروح، ويتّكئ على سنن الأوّلين، وعلى ما حملته مغازي الإعجاز في خلايا الروح.

سلامي لك مطرا يُنبتُ لنا غلالًا مِن الآمال.

(إِلَيْكِ أَتوبُ غَمامًا/ آمال عوّاد رضوان)

وَعِرَةٌ فُصولُ وَقْتِيَ الأَرْعَنَ .. يَمْلؤُها خَواءٌ

يَ تَ سَ ا كَ بُ

يَتعَفَّرُ بِغُموضِ حَوّاء

وفي تَعاريجِ الّتيهِ بِكِ .. أَحْمِلُني ظِلالاً شَارِدَةً

تَتشاسَعُ...

أُطارِدُ مَسافاتِكِ المُتَسافِكَةِ .. في انْعِطافاتِ عَطْفِكِ

وَعَلى إيقاعِ جِهاتِكِ

مُتَماهِيًا بِي .. يُشاكِسُني حَريرُ خَريرِكِ!

*

دُونَكِ.. يُنادِمُني كأْسُ النُّدَمَاء

يَلْهَثُ وَفاءُ المَواعيدِ الجَوْفاء

يَئِنُّ بُسْتانِيَ ظامِئًا

يَعْوي الصَّمْتُ في قَفصِ جُوعِهِ

يَتذاءَبُ.. يَتَوَعَّدُ حُملانَ حَكاياكِ

يَ تَ هَـ جَّ ى .. أَنّاتِ آهاتِيَ التّائِهَةِ!

*

كَيفَ أَجْتَرِحُ لَحَظاتِكِ اللاّزوردِيَّةَ

ومَلَكُوتُ صَمْتِكِ يَعْتَلي عَرْشِيَ المُجَنَّح؟!

أَمْضي إِلَيْكِ ضارِعًا

تُرْبِكُني خُطُواتُ خَيالي .. أَقْتَفي ظِلالَ الفَرَح إِلَيْكِ

أَتَوَكَّأُ عَلى .. أَنْفاسِ حُروفِيَ العَرْجاء

أَيْنَكِ تُرَمِّمينَ قِبَبَ عَتَماتي؟

أَيْنَكِ تُغَبِّطينَ مُهْرَ حَرْفِيَ المَوْلودَ بِكِ؟

*

مِنْ خَلْفِ حِجابِ السَّمَواتِ

نَجْمِي السَّاهي يَتَلَصَّصُ .. يُنَجِّمُ مَناجِمَكِ الجاثِمَةَ بِكُهوفي

يُعَرّي بِزُمُرُّدِ لَحْظِهِ .. ياقوتَكِ الجاثِيَ في ثُرَيّا الفُؤادِ

مَن ذا الأَباحَكِ بي؟

يا خَميرَةَ زَمانِيَ الآثِم

تَعْجِنينَ دَقيقَ حاضِري بِماءِ الماضي

تُسَوِّينَ بَشَوْبَكِ صَفائِكِ أَقْراصَ قُرْباني

تُخَمِّرينَ خُبزَ خَيالاتي بِمَتاهاتِ طُهْرِكِ

وَفي خِلوَةِ سُهْدِي .. أَتْلوني قَصائدَ وَداعَةٍ

عَلى عَتَباتِ مَراياكِ!

دُورِيُّ أَنا مُثْقَلٌ بِفَضائِكِ!

أَسْرابُ أَنفاسِكِ تُلاغِفُ أَرْياشي

تَغْمِسُ شَمْعَ جَناحَيَّ بضَوْءِ شِعْرِكِ النَّدِيِّ

وتُعَشِّشينَ فِراخَ جَمْرٍ بِفُسَيْفِساءِ أُوَيْقاتي

أَيا ريشَةَ شِعْرِيَ الأَخَفَّ مِنْ ريشِ الهَباءِ!

مَا جَدْوايَ مِنْ أَرْياشِ الذَّهَبِ

وَحُجُبُ سَديمِكِ بَتَرَتْ مِنْقارِيَ

والقَلبُ كَسيرٌ.. أَسيرُ أَثيرِكِ؟

*

كَيْفَ أُحَلِّقُ بِقَلْبِيَ مَقْصوصَ الجَناحِ

إِلى أَسْدافِ قُدْسِكِ؟

كَيْفَ وَعُيونُ حَرْفِيَ المُقَنَّعِ كَفيفةٌ

تَتَوارى في عَتْمَةِ دُواتِكِ؟

*

أَيا إِلهامِيَ الأَضْيَعَ مِنْ سِراجٍ في شَمْسٍ!

أَقْفاصُ صَدْري مَجْبولَةٌ بِطينِ اليَبابِ

كُلَّما لَمْلَمْتِ أَكْوامَ رَحيلِكِ الكافِرِ .. تَرْتَجِفُ عَصافيرُ القَلْبِ

تُوقِدينَ بي جَذْوَةَ اللَّهَبِ

فَاُحْطِبي في حَبْلي وَأَعِينيني .. ولاَ تَحْطِبي عَليَّ وتُهْلِكيني

علَّ تَعْويذَتَكِ تَحُلُّ رِبْقَتي

ولا تُسْبِلي غُرَّةَ الفَقْدِ .. عَلى جَبيني!

*

كَمْ هِيَ وارِفَةٌ فُصولُ وقْتِيَ العاري

حِينَما تَفِرُّ الحُدودُ التَتَشابَحُ

وَتَنْسَلِّينَ مِنْ ظِلالِ الظُّلُماتِ النَّاعِسَةِ

بُشْرَى مَسَرَّةٍ

حينَما تَتَقافَزُ أَيائِلُ روحِكِ

تَسْرَحُ قُطعانُ آمالي في واحةِ بَوْحِي

لأَتَواثَبَ فوْقَ خَرائِطِ الدَّهْشَةِ!

*

مَيَّاسةٌ عَرائسُ فَرحِي بِكِ

حينَما غُصونُ حَرْفي .. تَميدُ بِكِ

حِينَما تَتَبَخْتَرُ بِغَنَجِها .. تَتَمَايَلُ بِدَلالِكِ

تَتَوارَفينَ عُرى لِقاءٍ

حِينَما تَلُفِّينَ بِاخْضِرارِ زَفيرِكِ شِغافَ شَهِيقي

تَشْرَئِبُّ أَعْناقُ العِناقِ مُزاحِمَةً

وَ أَ تَ فَ تَّ تُ .. عَلى أَعْتابِ أَنْفاسِكِ

*

أَرْصِفَةُ الصُّبْحِ تَتعَرّى

حِينَما تَخْلِبُها لَذائذُ الأَلَمِ المُؤَجَّلِ .. في فِخاخِ الانْتِظار

وحُوريَّةُ الأَمْسِ تَسِحُّ .. مِنْ بَيْنِ أَصابعِ المُوسِيقا

تَتَأبَّطُني مَغْمُورَةً بي .. تَطوووفُ.. دااااااائِخَةً

تَحْمِلُ حُلُمي إلى مَعْمورَةِ هَذَياني

هُو الغَدُ يَأْتيني بِكِ .. وَبَعْدَ الغَدِ يَأْتِيني إِلَيْكِ

لِنَتَوَشَّحْ بِفَرْحَةٍ تَهِلُّ ميلادَ أَحِبَّةٍ!

رُحْمَاكِ

هَيِّئيني بِكِ لِقُدْسِ الفَرَحِ

لأَتَقَدَّسَ بِعِطْرِ زُهْدِكِ البَرِّيِّ!

أَدْمَعُ!.. و.. أَدْمَعُ!.. وَ.. أَدْمَعُ!

مَن ذا يَغْتَسِلُ بِدَمْعِ قَناديلِ هَوايَ إِلاَّكِ؟!

مَن ذا يَبْتَلُّ بِوَهْجِ لَيالِيَّ العَذْراءَ كَماكِ؟!

هيَ ذي تَرانيمي.. إِلَيْكِ تَتوبُ غَمامًا

إعْزِفيني بِشارَةَ حُبٍّ / كِرازةَ لِقاءٍ

عَلى قيثارَةِ الفَجْرِ

عَلَّ بَشاشَةَ الغِبْطَةِ .. تُطَوِّبُ مَباسِمَ مَواسِمي!

أبدأُ باسمِ اللهِ فأستعيرُ قولَ قائلٍ:

وبليَّتِي في "الشِّعرِ" أنِّي أينمَا**وُجِـدَ الجمالُ وجدتُّ أنِّي صَبُّهُ

لِأعترِفَ بادِئَ ذِي بَدءٍ أنني أسيرةٌ لِكلِّ ما قرأتُهُ من إبداعاتِ شاعرِنا القدير، وما نَبَضَ في شرايينِ هذا الديوانِ مِن لَوحاتٍ حَيَّةٍ تَضِجُّ بِالجمال، رُسِمَتْ بريشةٍ حاذِقةٍ فائقةِ الإحساس، في مَرسَمِ فنَّانٍ تنوءُ روحُهُ الشاعِرةُ بأكداسِ الألمِ بكل الألوان، وإنِ استأثرَ الهَمُّ الوطنيُّ بأشَدِّها قتامًا، وأثقلِها إيلامًا، وبَقِيَ طيفُ الأملِ مُترائيًا على استِحياءٍ في خلفيةِ اللوحات؛ إيمانًا برسالةِ الشعرِ النبيلة، ومَهامِّهِ الجليلة في النَّسْجِ: بحرفٍ مِن ألم وحرفٍ مِن أمل، إلى أن يَهتديَ الفجرُ التَّائهُ إلى العُنوانْ.

:ثُمَّ أنتقِلُ إلى تعريفِ "كولرج" للشعر بأنه

"أسلوب" لإثارة العواطف للوصول إلى سرورٍ آنيٍّ يتخذُ الجمالَ وسيطًا "لحقيقة"

لِأُعقِّبَ بقولي: بل هو فَنٌّ مُتكامِلُ الأدواتِ والصفاتِ، والأركان

فالعُنوانُ الذي هو أولُ عتباتِ الديوان، قد قامَ بدورِ الفنارِ للنوارِسِ المُهاجِرةِ في رحلتِها المُمتدَّةِ فوق البِحار، فقد اختزلَ تفاصيلَ القصائدِ بِحُنكةٍ، جاءتْ بنكهةِ الصَّابِ العلقَمِ، فكان التكرارُ الذي أوحتْ بهِ (كُلّما) والانفراجُ في (اتسعتْ) ثم صدمةُ فُقدانِ الأمل واكتشافِ خِدعةِ السَّراب (تضيق)، قفزًا عنِ البيتِ التُّراثيِّ الشهير:

ضاقَتْ فلمَّا استحكمتْ حلقاتُها**فُرِجَتْ وكُنتُ أظنُّها لا تُفْرَجُ

فهل مِن ضوءٍ وتكثيفٍ يفوقان؟ وكأنَّما احتضَنَ العُنوان، كلّ ما يَقودُ إلى فَكِّ شفراتِ الديوانْ.

وحَسْبُ الإبداعِ، ما أُلقِيَ علينا من عباءاتِ المَسرَّاتِ، بِقُدراتِ الشاعرِ على إسعادِنا، بِمُصاحبتِهِ في إبحارِهِ المُتمَكِّنِ في بُحورِ البيان، مُنَضِّدًا إبداعاتِهِ بالياقوتِ والمَرجان، وبخِبرتِهِ التراكُميةِ في اعتلاءِ الموجِ وصولًا إلى الشُّطآن؛ فليسَ سهلًا تَمامًا أنَّ شاعرًا يُبكيكَ، على وطنِهِ المفقود أو صديقِهِ الذي ابتعدَ ولا يعود، وفي آنٍ معًا، يخطِفُكَ مِنْ فَيضِ مآقيكَ، لِيُرِيَكَ كم هو مُفرِطٌ في الجمالِ ما قد قالْ. 

فها هو شاعِرُنا القدير، عَبْرَ وسائطَ شِعريَّةٍ مُفرطةٍ في بلاغتِها، أنيقةٍ في بِنيَتِها، يُحرِّكُ عاطفةَ قارِئِهِ، عاصِفةً، نحو الوطنِ وأوجاعِهِ، تلكَ التي تستعصي على الحصر، كما تبدو بِلا أملٍ في البُرء، مع تمطِّي ليلِ الأسى بِلا فَجرٍ يَرُدُّ التَّحيةَ، كلما لوَّحتْ قلوبُنا خلفَ الضُّلوع، فليس غريبًا هذا التفاعُلُ الذي استطاعتْ، من خِلالِهِ، هذه القيثارةُ الشّعرية –بِشكلٍ عامّ- أن تغمُرَنا بِسحرِها الذي انسابَ نَغمًا عذبًا في المُوشَّحاتِ-بِشكلٍ خاصّ- وأن تَتغلغلَ في وِجدانِنا وتزرعَ في قرارتِهِ، كلَّ ما تُريدُ مِن إحسان، مُورِقًا مُزهِرًا مُثمِرًا على مَرِّ الزّمانْ.

وحينَ يُرَوِّحُ عن ذاتِهِ الشاعرةِ - وما أكثرَ أحزانَ الشُّعراءِ، وما أطولَ إقامتَها، حتى إنها لَتُقيمُ ما أقامَ "عَسِيبُ" – فإنهُ يقولُ ما شاءَ لهُ الجمالُ أن يقول؛ فيملأ قلوبَنا بهجةً لا تَزول، مِثلَما أبدعَ لنا "في حَضرةِ الخَفَر" ، وغيرِها مِنَ الدُّرَر، لِتَشهَدَ صُوَرُهُ النَّاطِقة، ومشاعرُهُ الورديّةُ الدَّافِقة، بأنَّ هذه الرومنسيةَ الرَّائقةَ، قد صِيغَتْ من نقاءِ الياسَمينِ وسَطوةِ الرَّيَاحِين، لِتَبْقى طاهرةَ الأردانْ!

يَرصُدُ شاعرُنا بِكُلِّ وَعيٍ ورَهَفِ شُعور، كلَّ ما يدور، لِيُعَتِّقَهُ في خَوابي القلبِ وذاكرةٍ تأبى أن تكونَ مِصفاةً للهموم، ثُمَّ يَصُبَّهُ في كؤوسٍ شِعريةٍ: ِنَبِيذَ حرفٍ تَمَيَّزَ بالتَّمَرُّدِ على الأنساقِ التقليديةِ، في التراكيبِ والعناوينِ، وقوالِبِ البلاغةِ، والتعاطي مع الأبجديةِ - أوِ "الأبتَثيّةِ" كما ابتَكرَها ذاتَ إبداع- حُروفًا ومُفرداتٍ،  ودَهشةَ انزياحاتٍ، وإعادةَ هيكلاتٍ، رُبما كان أولُ قراءتي لها في شِعرِ الحلَّاج، ولكن نَجمَ شاعرِنا الزياد، قد ازدادَ لآلاءً، بِجُرأةٍ مَحمودةٍ لا تُقاطِعُ الحداثةَ وقد عَصرَت أطيبَ  كُرومِها، ولا تتوانَى عن تَزيينِ أبنيةِ القصيدِ بالبليغِ الزاهي مِن قِرمِيدِ التُّراثْ.

وحَسبُ الشاعر وهو يُثري تُراثَ أجدادِه، ويُعلي رصيدَ أمجادِه، أن يكونَ بعيدًا عنِ التقليد، جريئًا غيرَ هيَّابٍ للتجديدِ، والخروجِ عن المألوفِ: لُغةً يُحييها أو يبعثُها مِنْ مَراقِدِها، فِكرًا واشْتِقاقًا، وتوظيفًا بَرَّاقًا، يحمِلُنا معهُ إلى عوالِمَ سِحريةٍ فيَّاضةٍ بالدَّهشَةِ الأولى، تلك التي لا تَعرُو المُتلقِّي؛ إلَّا لأنَّهُ: قرأ نفسَ الـ (ماذا) بـ (كَيْفٍ) جديد! وفي هذا يقولُ أحدُ النُّقَّادِ العارِفينَ ما مَعناه:

أنَّ مَنْ كانَ لَديهِ شِعرٌ مُختلِفٌ فليِأتِنا بِه، أو فلينزِلْ بِهِ إلى سُوقِ القَصيد!!!

بعيدًا عنِ المُجاملاتِ أُضيف: لَمْ يكتفِ شاعرُنا المبدِعُ بأن يكونَ صوتُهُ الشعريُّ مُختلِفًا مُجَدِّدًا؛ رافِضًا الِاعوِجاجَ وسُوءَ المآل، حدَّ إثارةِ كلِّ مُتَأجِّجٍ  تحتَ الرمادِ من براكينِ الثورةِ على الطغيانِ والفَسَاد -مُتفَوِّقًا على أحمد مطر_ ببلاغةٍ قدَّمَها لنا في أطباقٍ من العسلِ المُرّ، على مائدةِ الكوميديا السوداء، وبتمدُّدِ صرخاتِهِ السَّاخرةِ الأجراس، إلى آفاقٍ أبعدَ مِن مَواقِعِ الأحداثِ؛ فاشتَجرَ هذا الصوتُ الهادرُ لِهمومِ الذاتِ، بصوتِ الجُرحِ الوطني الرَّاعِفِ في كل الجبهات، لِينصهِرا معًا في بَوتَقةِ الإنسانية، وهو ما يجعلُ أصداءَهُ عابرةً للزمانِ والمكانْ.

يقولُ الشاعرُ الإنجليزيّ جون كيتس ما تَرجَمَتُه:

إنّ المَعزوفاتِ التي نسمعُها جميلة، ولكن الأجمل هي تِلك التي لَمْ نسمَعْها بعدُ!

"Heard melodies are sweet, but those unheard  are sweeter"

JOHN KEATS

فإلى مَعزوفاتٍ على ناياتٍ مَقدوداتٍ مِنْ صخرةِ الآهاتِ، في ليالٍ شِتويَّاتِ المَلامِحِ، "مع سَبْقِ التَّشَظِّي والشَّتات" لِنستَمِعَ إلى هذا العازِفِ الفريدِ، الذي (أنَّ أنُّهُ)، فأنشأَ عاصِمةً للحُزنِ لا تغسِلُها جِرارُ المُزن، لِتَئِنَّ فيها ناياتُهُ الحِسان على شواطئِ البيانْ.

لقد احتلَّتْ وِجداني رائعتُهُ العبقريّةُ التي عَنونَها: "من حيثُ لا أدري"

ومِن حيثُ لا نَدري: سَيبقى صوتُهُ الأندلُسيُّ الشَّجِيُّ الذي اختزلَ الجمالَ في هذا الديوان؛

يتردَّدُ في الآذان:

ذا صوتُ إنساني وكُلُّكُم إنسانْ!!!

clip_image002_8a333.jpg

( الشاعرة والأديبة ميساء الصح مع الشاعر والناقد والإعلامي حاتم جوعيه )

مقدّمة  :   الشَّاعرةُ والأديبةُ " ميساء الصح " من سكان مدينة عرابة –الجليل ، حاصلة على شهادة  الماجستير في اللغة  العربيَّة ، تعملُ في سلك التعليم منذ عدة  سنوات ، أصدرت العديدَ  من  الدواوين الشعريَّة وقصص الأطفال .    وسأتناول في هذه المقالة أحدَ إصداراتِها  وهو قصَّة  للأطفال بعنوان : ( مفاجاة سعيدة ) من خلال الإستعراض والتحليل .

مدخل : تقعُ هذه القصَّةُ في 28 صفحة من الحجم الكبير - إصدار ( دار الهدى ع . زحالقة - كفر قرع ) ووضع رسومات الكتاب الفنانةُ التشكيليَّة منار نعيرات .

تتحدَّثُ القصَّةُ عن طفل اسمه سعيد يُحبُّ الأرضَ والزراعة ، وتستهلُّ الكاتبةُ القصَّة به وبشكل مباشر ومن دون مقدمات ، وكان هذا الطفلُ يحبُّ رؤية شتلات الخسّ والفجل وهي تنمو وتكبرُ في حاكورة ( حقل) جيرانهم وَيُمَتِّعُ نظرَهُ بمشاهدة هذه الشتلات كلما يكونُ عندَ الجيران لأجلِ اللعب مع صديقهِ أمجد بعد دوام المدرسة وَحَلِّ الوظائف البيتيَّة. وكلما كانت أمُّ أمجد تطلبُ من ابنها أن يروي النباتات  والشتلات  المزروعة كان  سعيد يطلبُ من صديقه أمجد المساعدة في هذا الأمر ، ويقوم هو بريِّ الاشتال، ويشعرُ من خلال هذا العمل كأنَّ النباتات  والأشتال  مُدينةً  له وتشكرهُ  وتضاحكهُ وتنشدُ لهُ .  وكان حينئذ  يقولُ في نفسهِ :(( ما أروع شتلات الخس والفجل تكبرُ رويدا رويدا كطفل صغير تقدم له العناية والطعام ينمو وينمو)).. ويقول في داخله وبين نفسه أيضا:((ليت أمِّي تزرع بعض النباتات لأعتني بها ليتها !. - صفحة 8 ))  .  وبينما هو متأملٌ ومستغرق في تفكيره فاجأهُ صديقهُ أمجد بقوله :  (" إن كنت تحبُّ زراعة المزروعات  والأشتال لهذه الدرجة ،فلماذا لا تزرعون بعضَ الأنواع من المزروعاتِ في حديقة بيتكم ؟!. فأجابهُ سعيد: لستُ ادري ولم أسأل أمي وأبي حتى الآن بهذا الموضوع . فقال له أمجد:أنتَ في الكثير من الأمور تعتمدُ على نفسكَ فلماذا لا تزرع أنت؟(تقدم الكاتبةُ هنا نموذجا للمثابرةِ في العمل والإتكال على النفس،ولكي تدخل هذه الصّفة  والميزة الإيجابية الى  نفسية  الطفل المستمع أو القارىء للقصَّة منذ الصغر - صفحة 10 ) . فأجابهُ سعيد وكأنهُ يخاطبُ نفسه ( كما

جاءَ في القصَّة حرفيًّا ): (" أنا ؟؟ ..نعم لماذا لا ؟! ) ( بطل القصَّة هنا هو الذي يسألُ ويجيبُ أيضا على السؤال )... بعد شهر من هذا اليوم والتاريخ يصادف يوم  ميلاد أمي ، ولماذا لا أفاجئها  وأفاجئُ  والدي أيضا  بنباتاتٍ أزرعُهَا وتكونُ  نمَتْ وكبرت .  إنَّ شهرا كاملا منذ الآن سيكونُ هذا كافيا لكي تنمو وتكبر. ويقولُ سعيدٌ لصديقهِ ومشدِّدًا عليه:( أرجو أن يبقى الأمرُ سرًّا بيننا يا أمجد ) فوَعدَهُ  صديقهُ  بكتمانِ الأمر عن الجميع ... وبقى هذا الموضوع سرًّا بينهما . ورجعَ سعيدٌ إلى بيتهِ مليئًا وَمُترَعًا بالحماسةِ والثقةِ والبهجةِ. وبدأ يشعرُ أنَّ حلمَهُ بدأ يتحققُ منذ هذه اللحظةِ، فالفكرةُ هي بدايةٌ لتحقيق حلم-على حدِّ قول الكاتبة ميساء - وإنها لفكرة ونظرةٌ فلسفيَّةٌ رائعة في الحياة  .   وتضيفُ وتدخلُ الكاتبةُ  أبياتا  شعريَّة من نظمها على  لسان بطل القصَّة على وزن المُتقارب ( الرومانسي الثوري ) فيها  روح النشاطِ والحماس  وحب  الحياة  والحث على العمل لأجل غد  جديد  جميل مشرق وساحر،ولكي تدخلَ تفنُّنًا وتلوينا وجماليَّة أكثر للقصَّة. وتقول(صفحة 12):

( " أغذّي  خيالي  ببعضِ  الأماني

بزرع ٍ  نديٍّ   كروضِ  الجنانِ

لتزهو  حياتي  وأشدُو  الأغاني

سأرعى   نباتا    بذات  المكانِ

وأسعى   وأرنو   لحلم ٍ   سباني

وأبقى   سميرًا    لحقلٍ    أراني

فيا  ربُّ  هَيِّءْ   بقلبي   التهاني

وحقِّقْ  مُرَادي  بقربِ  الثواني " ) .

واقتربَ سعيدٌ من  حَصَّالتِهِ  التي  يوفرُ ويجمعُ  فيها النقود (( كما وردَ في القصَّة بلغةِ وأسلوب الكاتبةِ،وقد يفهمُ الطفلُ معنى كلمة الحصَّالة من خلال مجرى الحديث وبشكل تلقائي وتُسمَّى الحصَّالة باللهحة العامية القُجَّة )). وكان يودُّ أن يشتري باقة من الزهور لأمِّهِ بعيد ميلادِها،وفكّرَ قليلا واحتارَ وبدأ يخاطبُ نفسَهُ :أأشتري بهذا المبلغ الصغير المُدَّخر باقة من الأزهار أم بعض الشتلات أعتني بها وتنمو أمام عيني ؟! . بالطبع بعض الشَّتلات " ، ولكن أي  شتلات أشتري ؟ . سأشتري  شتلات طبيَّة  مفيدة ولتكن  مفاجاة سعيدة  وسارَّة  جدا لامِّي  وأبي...سأشتري  بعضَ  الشتلات  من النعناع ، فالنعناع  يخفّفُ آلامَ البطن ويفتحُ  الشهيَّة ويساعدُ في عمليَّةِ الهضم، وأمِّي تحبُّ  ادخالها  ووضعها  في أنواع السلطة  المختلفة ، والجميعُ  في البيت يفضلون شربَ الشاي بالنعناع ،وبعد أن أزرع أشتال النعناع وتنمو وتكبر

فلن يحتاجوا لشرائهِ من السوق. وقرَّرَ سعيد أيضا أن يزرعَ بعضَ الأشتال من الزعتر، لأنَّ الزعترَ له العديد من الفوائد الصِّحيَّة والطبيَّة ،وهو أحسن علاج  للسعال ، ويعملُ على  تقوية  جهاز المناعة ، وأمُّهُ  تستخدمهُ كثيرا وتضعهُ  وتضيفهُ  مع أنواع  السلطاتِ  والأطعمة المختلفة  ومع المعجّنات والمناقيش .. فالزعترُ يحلّي نكهتها ويحسِّنُ  مذاقها وطعمها .  وفتحَ  سعيدٌ حصَّالتهُ ( القجَّة ) وبكلِّ أريحيَّة وبدون تردُّد أخذ المبلغ الذي بها واستأذنَ والدَه  بالخروج  مع  صديقه أمجد ، وتوجَّهَ إلى بيت صديقهِ  أمجد مباشرة واصطحبهُ إلى المشتل القريب واشترى منه بعضَ شتلات النعناع والزعتر بالنقود التي كانت معه، وبعدها رجع إلى البيت . وبعد رجوع  سعيد للبيت توجَّهَ مباشرة  إلى  الحقل ( الحاكورة ) الذي  خلف البيت ( لم  تقل الكاتبة الحاكورة بل الحقل وربما تعني ان مسافة الأرض الزراعية عند أهل أمجد كبيرة  وواسعة جدا...أي حقل  كبير ولم  تستغل  زراعيا )..هذا  وقد حفرَ سعيد  بعضَ الحفر الصَّغيرة  ووضع في كلَّ حفرةٍ شتلة من النعناع إلى أن انتهت جميع الشتلات، وبعد ذلك بدأ  يغرس شتلات الزعتر إلى أن غرسها جميعا هي الأخرى..وبعدها أحضرَ قطعة  من القماش  وغطى بها الأشتال حتى لا يراها والداه .. وبعد ذلك أصبح  سعيد  كلَّ  يوم  بعد  رجوعه من المدرسة يتفقد الشتلات التي زرعها  ويغطيها من جديد  ويرجع إلى غرفته ويتابع ويكملُ حلمه المنشود الذي نسجه ونمَّاهُ في ذهنه وخياله، ويتخيَّل أن الشتلات تكبر بسرعةٍ ويراها والداهُ  بعد  نموِّها وكبرها وسيفرحان  كثيرا لهذا الأمر وسيقطفونها  ويستفيدون منها كثيرا من النواحي الطبيَّةِ وغيرها منها   .  وتقول الكاتبةُ على لسان  سعيد بطل القصَّة : نقطفها ونصنعُ  بها ..( وهنا تتوقف الكاتبةُ عن هذا الإسترسال الخيالي على لسان بطل القصَّة - سعيد - صفحة 19 )  وتنتقل مباشرةً  إلى جملة جديدة  ومعنى  وصورة جديدة... ويبقى سعيد على هذا  النحو والوضع  من  الحبور الفرح الداخلي إلى أن لاحظ  وانتبهَ  أن الشتلات التي زرعها لا  تشبه  الشتلات التي عند جيرانهم في لونها وشكلها ونضارتها وحيويتها ، فالشتلات التي زرعها بدأ لونها يميلُ إلى الصفرة ونموها بطيء جدا .

وعندما جاء يومُ  عيد ميلاد أمه ، كان سعيد  مُرتبكا  ومغموما ودخلَ  إلى غرفتهِ وجلسَ حزينا وبدا يفكرُ بالوضوع وماذا سيصنع .. فيقولُ بينه وبين نفسهِ:اليوم عيد ميلاد أمي، وقد وَفّرتُ جميعَ النقود التي وفرتها كي اشتري الشتلات التي لا أعلم ماذا جرى لها ولماذا هي تبدو هكذا وكانهاعلى وشك الذبول والموت . وقد لاحظت أمُّهُ  تغيّرَ حالهِ  ولمَحت اختلالا في  تصرفه وبوادر الحزن  والحيرة  التي  تملأ وجهَهُ... وتأكدت  أنها لم تخظىء  في شعورها  وإحساسها ، وهذا  ما  لاحظهُ  وشعرَ بهِ أبوهُ أيضا ، ولهذا  قرَّرَ

التوجُّه لسعيد والاستفسار منه حول السبب .. وعندما كان في غرفتهِ طرق والداهُ البابَ  بهدوء  ودخلا ، وسألتهُ أمهُ عن حالهِ  وسبب شحوبه والحزن الذي يعتريهِ  في الآونة الأخيرة ، فأجاب سعيد  بتردُّد : إنه في الواقع كان يريدُ أن يحضر هديَّة تكونُ  مفاجاة  سعيدة  يفاجىءُ  بها أمَّه  وأباه في يوم ميلاد أمِّهِ ، ولهذا فتح حصالته واشترى بالنقود التي وفرها بعضَ الشتلات من النعناع والزعتر، وزرعهَا خلف البيت في الحديقة . ( في نهاية القصَّة تستعمل الكاتبة  كلمة الحديقة  وليس الحقل "صفحة 12 " )  وقد سقاها كل يوم بالماء ، ولكنها لم تنمُ وتكبر مثل الأشتال التي في حديقة جيرانهم .

وقد  تفاجأت الأمُّ  بهذا الامر والموضوع الذي لم  يُعلمها به ابنها، ولم تكن تعلم من قبل أنه  زرع  بعض الأشتال  من الزعتر والنعناع في الحديقة ... ولم تدرِ أتفرح أم تحزن، فأجابت ابنها قائلة: "وكيف لم أنتبه ؟!! تعال معنا إلى الحديقة لنرى ما حدث بالضبط . وخرج سعيد برفقة والديه إلى الحديقة وأزالَ هناك غطاءَ القماش وشاهدَا الشتلات، فالبعض منها ذابل وكان على وشك  مفارقة  الحياة  والبعض  قد  فارق الحياة  فعلا . فسألهُ والدُهُ : لماذا وضعتَ عليها هذه القطعة من القماش ؟؟!!.

فأجابهُ سعيد : كي لا ترياها ( لأمه وأبيه ) وتبقى مفاجاة  لكما .  فردَّ عليهِ أبوهُ : ولكن كيف ستنمُو هذه الأشتال جيدا وقد منعت أنتَ الشَّمس وأشعتها عنها، فالشَّمُس هي مصدر الطاقة والتي تمكّنها من صنع غذائها،وهي التي تمنح الاشتال اللون الأخضر وتجعلها  تنمو بشكلي طبيعي  وسليم ( يعطي الأب ابنه هنا درسا في الطبيعة والبيولوجيا "صفحة 25 ") .

فأجابهُ سعيد : لم أدرِ بهذا الشيء الهام  ويبدو أنني تسرَّعتُ  وأخطأت لأنَّ رغبتي بمفاجأتكما والإعتناء بالمزروعات كانت أقوى من كلِّ شيىء . فأجابهُ والدُهُ :لا بأس عليكَ،وأنا سعيدٌ جدا لانّكَ تحبُّ الإعتناءَ بالمزروعات بالمزروعات، وكذلك فكرتَ بمفاجأتنا، لا عليك وسنزيل قطعة القماش هذه التي وضعتها أنت ، ولكي تتمكن باقي الشتلات التي لم  تمُتْ أن تنمو جيدا وبشكل طبيعي .. وسوف ترافقني اليوم إلى المشتل نفسه  لكي نشتري مرة أخرى بعض الشتلات من النعناع والزعتر، ولكي  نزرعها مكان الشتلات التي ماتت ، وأنتَ ستقومُ ، بدوركَ، بالإعتناء بها ، وانا كلي ثقة ويقين أنها ستنمو. فقالت الأمُّ لهما : ما أسعدني بمفاجاتك  يا سعيد، وسوف أشتري لك الجرافة التي كنت  دائما  تحلمُ  وترغبُ في شرائها، وبإمكانك منذ الآن أن تعتني بمزروعاتكَ وتحفر بجوارهما  بمساعة الجرافة ، وكم أنا فخورة بك .. ففرخ سعيدٌ كثيرا،وذهبَ مع والدهِ وقاما بشراء شتلات النعناع والزعتر، وزرعاها

بحماس ومتعة.  وشكر سعيد والديه كثيرا وتأكدَ وتيقن أن لا شيء سيحول بينه وبين أهدافه الإيجابية والسامية،وأن يمنعهُ من تحقيق حلمهِ،وأنَّ النجاحَ والفوز سيكونُ دائما حليفَ كلِّ  مثابر ( جملة حكميَّة تصلحُ  في كلِّ ظرف وزمان ومكان  وقد استعملتها الكاتبة على لسان بطل القصة بتصرُّف ))..   .. وقد كتب سعيد  كلماته  وأفكاره التي يريدُها  بأبيات من  الشعر وأهداها لهما (( من نطم كاتبة القصَّة على لسان  بطل القصّة  وعلى نفس الوزن - بحر المتقارب- صفجة 18 ) :

( لأهلي ثناءٌ وشكرٌ وفير

فقد لازموني بوقتٍ عسيرْ

وزالوا همومي بحبٍّ بشيرْ

فمدُّوا   عليَّ     بعون     نصيرْ

ونمُّوا  بفكري    وعقلي   الكثير

ليخضرّ زرعي  لينمُو ..  يصيرْ

عليَّ    بجهدٍ     ودعمٍ      جديرْ

لشمسٍ   تشعُّ     عطاءً     كبيرْ

ومن دون هذا  سيذوي   المَصيرْ

ويصفرُّ زرعي   وينوي  الهجيرْ

عرفتُ  الخطايا  تركتُ  الخطيرْ

ستزهو  الأماني   بدأبي   الجديرْ

بفضلٍ    لأهلي    ودعمٍ    خبيرْ

فدِمْهُمْ     بجنبي    إلهي    القديرْ

ليبقوا  طريقي   ودربي   المُنيرْ )

وبهذه الأبيات الشعريَّة الجميلة والعذبة والمموسقة والمغناة تلقائيًّا تنتهي القصةُ نهاية جميلة وسعيدة، وفيها تلخيص لمجرى أحداث القصَّة و فحواها وأهدافها الإنسانيَّة والإجتماعيَّة والتربويَّة وأبعادها الوطنية  وحب الأرض والزراعة .

تحليلُ القصَّة  :    كتبَت ونسَجت الأديبةُ والشاعرةُ ميساء الصح هذه القصَّة بلغةٍ أدبية جميلةٍ ومنمَّقةٍ وأنيقةٍ سلسةٍ وعذبةٍ  ومفهومة للطفل وعلى لسان بطل القصَّة ومحورها سعيد، ويمتزجُ فيها الأسلوبُ والطابعُ السردي مع الحوار( ديالوج)،بيد أنَّ السَّردَ هو الأكثر شيوعا والمهيمن على عنصر الحوار في أكثر الفصولِ والمشاهد في القصَّة.. وهنالك بعض المشاهد فيها الحوار قريبٌ للطابع السَّردي يخاطبُ بطلُ القصةِ فيها نفسَه ) .  وتستعملُ

الكاتبةُ العديدَ من الكلمات الفصحى والصعبة أحيانا، ومن خلال موقعها في الجمل تُفهم بديهيا، ويفهمها حتى الطفل الصغير،مثل جملة : ( تكبرُ رويدا رويدا ) .وهذه الشّطرة من البيت الشعري :( فقد لازموني بوقت عسير ).. ولكن هنالك  بعض الكلمات الصعبة  قد  لا  يفهم  معانيها  الطفلُ  الصغير وحتى الكبير في السن أيضا،مثل كلمة ( يهرع) وكلمة ( سباني) وغيرها . وهذه القصَّةُ فيها هوالعنصرُ الترفيهي والمُسَلّي هو المُهَيمن والمُلقي ظلاله بشكل واضح ، وقد  كتبت المؤلّفةُ هذه  القصة لأجل  تسليةِ الطفل وترفيهه كهدفٍ  رئيسي  وأساسي... ومعظمُ  قصص الأطفال على الصعيدِ  المحلي تخرجُ  وتنبثق من هذا المنطلق  والإتجاه  فقط ، ولا  تتطرق  إلى  جوانب أخرى، ولا تعالج مواضيع وقضايا إنسانيّة وحياتيَّة هامة،وخاصَّة القصص التي تُكتبُ لطلابِ المدارس ، والذين ألفوها  وكتبوا نصوصَها  يعملون في سلك  التعليم  ومقيدون  بالوظيفةِ ،  فلا  يتطرقون  إلى  الجوانب  الوطنيَّة والسياسيَّة والإنسانيَّة والتي تعكس واقعنا المحلي..وأما الكاتبة ميساء الصح فلم تكتف بالجانب الترفيهي والمُسلّي فأرادت في نفس الوقت أن تُفيدَ الطفلَ وتعلمهُ وَتُنيرَهُ وتثقفهُ منذ صغره: إجتماعيا ونفسيًّا ووطنيًّا  وإنسانيا وتدخل إلى فكرهِ وذهنه العديدَ من المعلوات في الطبيعة والبيولوجيا والسلوكيَّات.. وتحثه وتحفزهُ أيضا على النشاطِ  وحبِّ العملِ  والإنتاج والإبداع ، وتدخل إلى فكره ووجدانه  وضميرة محبة  الارض  والوطن . وأن  تعطيه  فكرة وصورةً  جميلة  ورائعة ومثاليَّة للجوِّ العائلي والأسري في البيت والعلاقة الحميمة والودية  وجو المحبة  والانسجام  والتاغم  التام  بين  جميع  أفراد العائلة ( الأب والأم والإبن..أو الأولاد جميعا .( صفحة ) .

إنَّ هذه القصَّة جميلةٌ وناجحة من جميع المفاهيم والمقاييس الأدبيَّة والفنيَّة والذوقيَّة في مضمارالأدب والإبداع،وبالذات في مجال أدب الأطفال، وهي تصلحُ  للكبار أيضا لأجلِ أهدافها وأبعادِها  المتشعبَّة  والمتنوِّعة.. والقصَّةُ واقعية ومن صميم الواقع، ومفادها وفحواها  كله إيجابي  وَمُضِيءٌ  ومشعٌ بالخير واليُمن والبركة والأمل  الدؤوب،  هي قصة  تصبو  وترنو  وتدعو للخير والمَحبَّةِ وللإبداع ، ويُشيرُ ويتَّجهُ  مجرى أحداثها إلى الأمل  والحلم المنشود.. إلى غد  واعدٍ  نظر ورائع  مكلل  بالجمال  والإشراق  والسعادة والهناء . إنَّ الأشتال التي  زرعَها  سعيد ( بطل القصَّة  ) ترمزُ إلى أشياءٍ وأمورعديدة في الحياة .. فقد ترمزُ إلى تربيةِ الاطفال ونشأتهم ، فأذا أخذوا التربية الصحيحة والصالحة فبالتأكيد سينمون ويترعرعُون ويكبرون بشكل سليم وطبيعي : جسديا  ونفسيًّا وعقليا  وذهنيًّا وأخلاقيا وَحِسِّيًّا.. وسيكونون عنصرا  إيجابيًّا   في المجتمع  ويقدمون ، بدورهِم ، الكثيرَ من الإنجازات

والأعمالِ  الإيجابية  الفذة... لعائلتهم  وأهلهم  وذويهم  أولا  ثمَّ  لمجتمعهم وللبشريَّةِ جمعاء... والأطفالُ  الصغار هم  بالتأكيد كالأشتالِ والمزروعات (( كما  جاء  على  لسان  بطل  القصة  - صفحة 8 ))، فأذا لاقت الأشتال التربة   والأرضيَّة  الخصبة  والإهتمامَ  والإعتناءَ  الصحيح  والكافي  بها وبنمُوِّهَا .. فسوف تنمو وتكبر بشكل طبيعي وسليم، وتعطي ثمارا صالحة وإنتاجًا وافرًا للناس والمجتمع .. فعندما زرعَ  سعيد الاشتالَ ولم  يعتنِ بها كما يجب ولم يُعطِهَا الجوَّ والمناخَ المناسبَ حيث غطاها  بقطع من القماش لم تنمُ بشكل سليم ومات معظمها ، ولكن عندما سمع بنصيحةِ والدهِ وزرَعا الأشتالَ مع بعض من جديد بشكل صحيح ولم  يغطوها بقطع قماش أو بأيِّ شيىٍ آخر فقد نمت نموًّا طبيعيًّا وسليما وكبرت وترعرعت وأعطت النتيجة والهدف المنشود. والطفلُ مثله  مثل النبات والأشتال  يحتاج للجوِّ الطبيعي السليم وللتعامل  الحسن وللتعليم  والتهذيب  والتقيف  الصَّحيح  الحضاري والراقي لكي  ينشأ  نشأة  صحيحة  وطبيعيَّة  ويكون  عنصرا  إيجابيا  في المستقبل ومصدرا ثريًّا معطاء في مجتمعه ..

وترمزُ أيضا  قصَّةُ الأشتال ( جميع الأشتال ) - الأولى التي زرعها الطفل سعيد بطل القصَّة وقد يبست لأنها لم  تزرع بشكل صحيح  وسليم  ولم تلقَ العناية الصحية،  والاشتال الأخرى التي زرعت فيما بعد بطريقة صحيحة ولاقت  الإعتناءَ  الكافي  والسليم   وعاشت  وترعرعت  وأعطت  النتيجة المنشودة والثمار المطلوبة إلى إنتصار الخيرعلى الشر والنور على الظلام ..والمحبة والتسامح على  الحقد  والكراهية.. ويأتي هذا  النجاحُ  والتوفيق وكل  نجاح  وانتصار  في  أيِّ  مجال  كان  بالمثارة  وبتكرار المحاولات والعمل الدَّؤوب وعدم الخمول والكسل واليأس والإحباط..فمن هذا المنطلق والمبدأ يتحققُ الإنتصارُ والنجاح الكبير في ميادين ومجالات الحياة .

هذه القصَّةُ واقعيَّة ومن صميمم  صميم الواقع ، وقد تحدثُ وتجري في كل مكان وفي كل مجتمع بحذافيرها، ولهذا قلت عنها مسبقا : إنَّها قصَّة ناجحة ومفيدة ومسلية للأطفال وللكبار أيضا،ولكنها تفتقرُ إلى عنصرهام جدا وهو العنصر والجانب الفانتازي ( الخيالي ) والذي من المفضل أن  يكون دائما موجودا في كلِّ قصَّة أو عمل يقدمُ للاطفال، فالطفلُ  بطبيعته يحبُّ الأشياءَ والقصص  والمواضيع الخياليَّة التي  تسليه وتثيرهُ، وتحفز  تفكيرَهُ  وذهنه وتجعله ينسجمُ  ويتفاعلُ  أكثر وأكثر مع جوِّ القصَّة ..والكثير من القصص العالميَّة ، وخاصة  التي تكتب  للأطفال  نجدها  مترعة  ومشعَّة  بالعنصر الفانتازي الخيالي ..

ولكن هنالك هنالك جوانب وعناصر عديدة هامة في هذه القصَّة وهي أهم على ما أظن من الجانب الخيالي، والتي تعتبرُ الأساسَ والركيزة لكل قصة ناجحة تكتب للأطفال .

.. وهذه الجوانب هي:

1) الجانبُ الترفيهي المسلي: إنَّ القصَّة بأكملها وبجميع مشاهدها وفصولها هي مسلية  وترفيهية  ومشوِّقة من الدرجة الأولى . وكلُّ  قارىء أو مستمع إليها سيتابع أحداثهَا الدراميَّة بحب وشغف كبيرين حتى النهاية.. سواءً كان طفلا  كان  أو رجلا كبيرا. 2 ) الجانبُ الفني : هذه القصّةُ على مستوى  فنيٍّ عال ، وينعكسُ  هذا الأمر في مواضيعها  وأهدافها  وتسلسل أحداثها وأسلوبها الجميل وسلاستها وأبعادها الجماليَّة  والفكريَّة  والإنسانيَّة والإجتماعيَّة والفلسفيَّة ، وفي إدخال  نصوص شعرية موزونة في أكثر من موضع وموقع في هذه القصة وبشكل فنيٍّ دقيق ومتناغم مع مجرى أحداث القصَّة مِمَّا يخرجُ القصَّةَ من جوِّ الرتابة والرُّوتين المُمِل .

3 ) الجانبُ الأدبي :    القصَّةُ كتبت ونسجت أحداثُها بأسلوبٍ وبلغة أدبية جميلة مُنَمَّقَة  سلسة، وقد تدخلُ في نفس القارىء المتعة الحسيَّة واللذة الفنيَّة ( وهنالك قاعدة ونظريَّة قد اتفقَ عليها معظمُ الأدباء والنقاد - العرب والأجانب - تقول:(إنَّ الأدب هو الكلام الجيد الذي يُحدثُ في نفس القارىء لذة  فنيَّة  سواء  كان هذا الكلامُ  شعرا  أو نثرًا )...وهذه القصَّة مزيجٌ  من الشعر والنثر،ويحتلُّ النثر أكثر من 80 بالمئة من مساحة القصَّة.لقد أدخلت  الكاتبةُ والشاعرة  المبدعة ( ميساء الصح) العديد من الأبيات الشعريّة على لسان بطل القصة في أكثرمن مكان وموضع في القصَّة وبشكل تقنيٍّ جميلٍ ومنسجم  ومتناغم  مع  تسلسل أحداث  القصَّة  وكأستمرار لها ، وفي  هذه الأبيات الموزونة والمقفَّاة تلخيص لفحوى القصّة وأهدافها عامة .

4) الجانبُ التعليمي والتثقيفي: هذا الجانب موجود بشكل واضح في العديد من مشاهد وأحداث القصَّة، مثال على ذلك في الحوارالذي جرى بين سعيد ووالدهِ فيقول له والدُهُ:( ولكن كيفَ لها أن تنمو جيِدًا دونَ شمس؟ حيثُ إنَّ الشّمسَ هي مصدرُ الطاقةِ التي تمكنها من صنع  غذائها ، تمنحها اللونَ الأخضر وتجعلها تنمو بشكل سليم")..وعندما يذكرُ سعيد بطل القصَّة فوائدَ بعض الأعشاب والنباتات من ناحية طبيَّة ( صفحة 15) حيث يقولُ: (" شتلات النعناع تخففُ آلالمَ البطن تفتحُ الشهيَّة، تساعدُ في عمليَّةِ الهضم ، تحبُّ أمٍّي  إدخالهَا  في أنواع  السلطاتِ المختلفة ، وجميعنا نفضلُ الشايَ بالنعناع " ) .  ويقولُ أيضا : ( والزعترُ أيضا هو خيرُعلاج للسعال ، كما يعملُ على تقوية جهاز المناعةِ، وبالتأكيد ستستخدمهُ أمٍّي  بأنواع السلطات والأطعمة المختلفة، وكاني أشمُّ  رائحة المعجنات بالزعتر " المناقيش ، ما ألذها" )...  وتذكر الكاتبةُ هنا على لسانِ  سعيد  بطل  القصَّة أسماء بعض المأكولات الشعبيَّة  الفلسطينيَّة  كالمناقيش  بالزعتر  والمعجنات  وسلطات الخضار مع النعناع .. إلخ .

5) الجانبُ والبعد الحكمي والفلسفي :  تُدخلُ الكاتبةُ العديدَ من العبارات  والجمل  والمعاني الفلسفيَّة  والحكميَّة  في كيفيَّة  النهج الصحيح للحياة ، والدروس والعبر التي تفهم وتكتسب من اتجاهات ومسارات الحياة وتموجّاتها وتقلباتها..ومثال على ذلك : في جملة ( الفكرةُ هي بدايةٌ لتحقيقِ الحلم - صفحة 12 ) وفي هذا البيت الشعري أيضا (( أغذّي خيالي ببعض الأماني = بزرعٍ نديٍ كروضِ الجنانِ )) . وفي جملة ( النجاح حليفُ كلِّ مثابر ) . وفي هذه الجملة التي يخاطب فيها أمجد صديقه سعيد بطل القصَّة ويجيبه على سؤالِهِ : ( لطالما اعتمدتَ على نفسِكَ، لماذا لا تزرعُ أنت ؟. ) ... إلخ .

6) الجانبُ الوطني: هذه القصةُ تدعو إلى حبِّ الأرض، والأرض هي  الهويَّة  والإنتماء  والجذور والكيان  والعِرض، وهي الوطن بمفهومه الواسع والشامل . وتشجعُ  القصَّةُ  وتحفّزُ  القارىء على التمسكِ  بالأرض وبجذوره  الراسخة   والتجذُّر  والتعمق  بمحبة  الارض ، والإعتناء   بها والإستفادة منها،وأن لا يتركها بورا وبلقعا دونما فائدة. وتذكرُالكاتبةُ بعض أنواع النباتات  والأعشاب الموجودة  في  بلادنا  بكثرة والمفيدة جدا للناس صحيا  وطبيا ، وهذه  الاعشاب  والنباتات ترمز،  بل  تشيرُ  مباشرةً  إلى جغرافية  وتضاريس الوطن ( فلسطين) وإلى الهويّة الفلسطينيَّة  والفلكلور والتاريخ.. مثل  نباتات  الزعتر والنعناع .  وتذكرالكاتبةُ أيضا  نبتة الفجل وهي موجودة بكثرةٍ في هذه البلاد .

7) الجانبُ الاسري والإجتماعي والإنساني :  القصَّة - كما ذكرت سابقا - تعطي صورة جميلة ومضيئة  للجوِّ العائلي والأسري السليم وللإنسجام  والمحبة  الموجودين  بين  جميع  أفراد  العائلة  -  الأب والأم والأطفال- ( الطفل سعيد وأمه وأبوه ) ..فالطفلُ الذي يقرأ القصَّة أو يستمعُ إليها سيأخذ بشكل مباشر وتلقائي  فكرة إيجابية وجميلة للأجواءِ والأوضاع الموجودة داخل بيوت جميع العائلات .. وعائلات أصدقائه  وأترابه بالذات وبشكل  خاص.. فيتصرفُ  بشكل  متطابق  لموضوع  وأحداث القصَّة في حياته اليوميَّة (جو الألفة والمحبة والتفاهم والإحترام ) ) .

القصّةُ تقدِّمُ  وتعرضُ الجوانبَ الإيجابيَّة  في المجتمع : أسريًّا وعائليًّا وإنسانيًّا أيضا،فالمجتمعُ السليم يبدأ من العائلةِ والأسرة الصغيرة في الداخل ( الأب والام والاطفال ) وبعدها المجتمع ككل، قرويا ومدنيا  وعلى نطاق قطري وإقليمي أوسع وأشمل في ما بعد..فإذا كانت معظم العائلات نسيجها وبناؤها  سليما  وطيبعيا   ومتناغما  ومترعا   بالمحبة  والإخاء  والوداعة والسلام ، فسيكون المجتمع ككل معافى وسليما وطبيعيا ومتطورا أيضا من جميع النواحي .

الخاتمة :     إنَّ هذه القصَّة ناجحة ومميَّزة ومن أحسن وأفضل الأعمال الأدبية التي كتبت للأطفال - محليًّا -  وتستحقُّ أن تُوضعَ  وتدرج  في كلِّ مكتبة  في البيت  وفي المدارس  والكليات  وكلِّ  مكتب  أو معهد  ومركز ثقافي ، ويجب أن تدخلَ  ضمن المناهج  التدريسيَّة  وَتُدَرَّسُ  للأطفال  في المراحل الأولى لأجل مستواها الأدبي الراقي وقيمتها التربيوية والإنسانيَّة.  ..وهذه القصَّة قصيرة  من ناحة المسافة  وعدد الصفحات، ولكنها عريضةٌ بأبعادها وأهدافها السامية .  وتضمُّ  وتحوي  الكثيرَ من الجوانب  والأمور الحياتيّة والعلميَّة والسلوكيّة  والإنسانيَّة ، وتعطي الإرشاد والتنوير للسلوك والنهج الصحيح  في جميع  المجالات الحياتيَّة  وبشكل غير مباشر... ولقد أرادت  الكاتبة  الإختصار وعدم الإطالة  في مجرى الاحداث ، فلم  تدخل الكثير من الشخصيَّات والوجوه  واقتصرت القصَّةُ على  بضعةِ  أشخاص، وهم : سعيد بطل القصَّة ومحورها ، ووالداه  ( أمه وأبوه )  وصديقه أمجد وأمه . وكان بإمكان الكاتبة أن تضيف شخصيات أخرى هامة ، مثل : والد أمجد صديق سعيد وأخوة أمجد وأخوة سعيد أيضا الذين لم يرد لهم أي ذكر في القصَّة، وصاحب  المَشتل  ( الذي يباع  فيه الممزروعات والاشتال ).. وغيرهم من الشخصيات. وكما أنَّ مجالَ الحوار ( ديالوج ) لم يكن موسعا فالسَّردُ هو الأكثر انتشارا،والحوارُ كان يدورُ فقط بين سعيد وصديقه أمجد وبين سعيد ووالديه ، ولم تدخلْ وتشرِكِ الكاتبةُ  أمَّ  أمجد صديق  سعيد في أيِّ حوار وحديث، لأجل الإختصار وتفاديا للملل ورفقا بإمكانيات وقدرات الأطفال الصغار الإستعابية الذين سيقرؤون القصّة  أو يستمعون إليها حيث أنِّ  فكرهم  وذهنهم في  هذا الجيل الصغير لا يستطيعُ أن  يستوعبَ الكثيرَ من المعلومات والأمور المكثفة ، ويصعب عليهم  أن  يتطلعوا على المزيدَ من الشخصيَّات  والمشاه د والمواقف  الدراميَّة  مرة واحدة  . وكان هنالك خطـأ مطبعي واحد قد لا ينتبهُ لهُ القارىء  وهو : لقد وضعت المؤلفة  اسم

أمجد بدلَ اسم سعيد بطل القصَّة، وذلك عندما كان سعيد في غرفتهِ مغموما وحزينا يفكرُ في ذبولِ واصفرار الأشتال التي زرعها  وقد مات معظمُهَا . والنص حرفيًّا كما يلي : (( جاء يومُ  ميلادِ أمِّهِ ، وكم كان أمجد متضايقا ، دخلَ غرفته وجلسَ يفكر :" اليوم  هو عيد ميلاد أمّي  وقد  خسرت  النقود التي كنت وفرتها حتى أشتري الشتلات التي لا ادري ما بها ؟ ولماذا بدت هكذا..إلخ ). وفي الجمل التي بعدها تذكر الكاتبة اسم  سعيد وليس أمجد..

وأخيرا ولييسَ آخرا  :    نُهنِّىءُ الشاعرةَ  والكاتبة القديرة والمبدعة ميساء الصح على هذا الإصدارالأدبي الراقي وأشكرها لإهدائها لي نسخة من هذا الكتاب،ونتمنّى أن تتحفنا  دائما  بالمزيد  من الإصدارات الأدبيَّة والشعريَّة الإبداعية والمميَّزة.

clip_image002_c92ec.jpg

سناء الشعلان

clip_image004_d0256.jpg

صبرينة جعفر

clip_image006_0400f.jpg

قدّمت الباحثة الجزائريّة صبرينه جعفر دراسة نقديّة عن المجموعة القصصيّة  " أرض الحكايا" للأديبة الأردنية ذات الأصول الفلسطينيّة د.سناء الشعلان،وذلك في النّدوة الوطنيّة الجزائريّة : التّلقي والتّأويل بين سلطة القراءة وفضاء المشاهدة " التي عُقدت في جامعة محمد بوضياف في المسيلة في الجزائر بالتّعاون بين مخبر سيميولوجيا  المسرح بين النظرية والتطبيق و كلية الآداب واللّغات في الجامعة.وقد عُقدت النّدوة تحت رعاية الأستاذ الدكتور كمال بداري مدير جامعة محمد بوضياف بالمسيلة.

وقد قدّمت الباحثة صبرينة جعفر ورقة بحثيّة بعنوان : " السرد الغرائبيّ في القصة القصيرة النسائيّة بين الجماليّة والتأويل: أرض الحكايا لسناء الشعلان"،وقد ذكرت في معرض ملخّص الورقة : القصة القصيرة من الأجناس الأدبيّة التي أخذت قسطا كبيرا من التجديد على المستويين الشكلي والمضموني، الشيء الذي يجعلنا أمام تساؤل كبير، فهل قارئ القصة القصيرة في حلتها الحداثيّة الجديدة يملك الآليات والاستعدادات الكافية لتلقيها وقراءتها قراءة صحيحة وتأويلا صائبا للوصول للمعنى المنشود فيها؟ أم يعجز عن حل شفراتها فيبقى مكانه على هامش وحافة النص؟ وهنا تفقد الحلقة بين القاص/المتلقي.

المجموعة القصصيّة **أرض الحكايا** للقاصة سناء شعلان تكتنز الكثير من الترميز والغموض والتشفير معتمدة في ذلك باقة من الأدوات الإجرائية لإنشاء عوالمها القصصية الحداثية، فسمة الغرائبيّة كست مجموعتها هذه.

التجريب والتجديد شيء جميل وأمر مقبول ولكن الذي يحدد ذلك القارئ/ المتلقي، فيا ترى ماهو حظ هذا الأخير في مجموعة القاصة سناء شعلان؟ "و

وذكرت الباحثة صبرينة حعفر في ورقتها البحثية : " تحـــــــــــليل ومنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاقشة: كان للمرأة العربية المبدعة الحضور القوي في المجال الأدبي، خاصة التجارب المتنوعة ونقلتها في قوالب متعددة، والقصة القصيرة إحداها عاكسة لنا جماليات الكتابة النسائية.

"فالقصة القصيرة شأنها شأن الرواية أو أي عمل أدبي آخر تتجاوز حقل الأدب بمساعدتها لنا على إدراك الحقيقة، وهذا الإدراك قد يحتاج إلى تجاوزات في البنى السردية وإيجاد صيغ جديدة للقول، وعندها يصير التغير في شكل البنى السردية تعبيرا عن الحرية أو الوعي الذي يقول عليه في بناء نسق سردي يتمتع بالحيوية والاستيعاب وأدوات الخطاب غير المكررة التي تشحذ الإدراك، وتعلي من قيمة الخيال الذي ينتقد الواقع ويتهم زيفه"[ii]. قد عكست لنا وجها جديدا للقصة القصيرة في حلتها الحداثية المصبوغة بفعل التجريب في شتى المستويات.

"فالقصة القصيرة في الأردن نالت نصيبا كبيرا من التجديد على مستوى الشكل والمضمون ومن أبرز أشكال التغيير على مستوى الشكل، التجاوز التقليدي للبنى السردية التقليدية، وقد ساعدت على هذا التجديد مجموعة من العوامل على رأسها نضوج مواهب إبداعية أخذت على عاتقها مهمة التجديد، فضلا عن استعداد القارئ لقبول أشكال الحداثة والتجديد والتطوير مهما بالغت أو تطرفت في القصة القصيرة"[iv].

إذا وفق القارئ في قراءة النص القصصي الحداثي قراءة صحيحة معنى ذلك قد توصل إلى الفهم المنشود وهو ضرب من أضرب التفسير والتأويل فلا تأويل بدون فهم ولا فهم بدون قراءة واعية وتلقي صائب لأن "فعل التلقي....هو فعالية تجاوبية تفاعلية بين النص والمتلقي، وبين المتلقين أنفسهم....ومن هنا كان اهتمام ياوس بتجربة المتلقي الفعلي أو العادي نابعا من هذا الفهم لفعالية التلقي إذا النصوص لم تكتب ليقرأها فقهاء اللغة، بل إن الأمر يقتصر في المقام الأول على تذوقها، أما التأويل التأملي فهو نشاط يأتي متأخرا ومن شأنه أن يستفيد كثيرا إذا ما استحضر تلك التجربة المباشرة التي سبقته، وبهذا المعنى فإن عملا أدبيا قد يشكل ضربا من ضروب التلقي ونوعا من أنواع القراءة لنص من النصوص"[vi].

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، ما هو القص الحداثي وما هي الحداثة؟.

يجيبنا (مالكم برادبري) قائلا: "القص الحداثي هو التحليل والتأمل والهروب والخيال وإطلاق العنان للأحلام وهو ينبع من مشكلة أن عالم الواقع ليس وحده الذي أصبح غريبا عن ذات الإنسان بل إن الذات نفسها أصبحت مشكلة بالنسبة لذاتها وكثيرا ما يغرق قص الحداثة في الأسطورة.... والحداثة إعادة نظر في المرجعيات والقيم والمعايير وهي رؤيا جديدة وتعبر عن المقلق والعجائبي والمثير...." [viii].

ويقول الكاتب شاكر في نفس المقام "إن كتاب (أرض الحكايا) يتكشف في سلسلة حكايات تكتنز بطاقة التلغيز والترميز والغموض الذي يشهد حساسيته الجديدة في ميتا سحرية اللغة والمعنى ويقترح للسميائية تؤول إلى مقتربات جمالية عالية في اللغة على وتر المغامرة الجمالية وتعددية البنى النصية"[x].

نجد طائفة تفصل بين الغريب والعجيب حيث حدد "-جنس الغريب: إذا قرر القارئ أن قوانين الواقع تظل سليمة وتسمح بتفسير الظواهر الموصوفة.

-أما جنس العجيب: إذا قرر أنه ينبغي قبول قوانين جديدة للطبيعة يمكن تفسير الظواهر بها"[xii]. فالقارئ هو سيد الموقف يحمل النص إلى بر الأمان عن طريق تفاعله الإيجابي وتلقيه الفعال له.

وفي موضع آخر نجد من جمع بين مفهومي الغريب والعجيب حيث "جاء بهما مقترنين معا لاعلى سبيل التساوي في المعنى كما يزعم البعض وإنما على سبيل التمييز بين المتتابعين وكأن الأول (الغريب) لا يفي بالغرض فجيء بالثاني (العجيب) زيادة في المعنى وتعميقا للدلالة وتحقيقا للخصوصية المبتغاة"[xiv].

*مجموعة (أرض الحكايا) وبعض أدواتها الإجرائية الغرائبية:

1-العـــــــــــــــــــــــتبات النصية:

"يقول المثل المغربي (أخبار الدار على باب الدار) ولا يمكن للباب أن يكون بدون عتبة. تسلمنا العتبة إلى البيت، لأنه بدون اجتيازها لا يمكننا دخول البيت. ما أكثر العتبات وما أصعب اقتحام أي فضاء دون اجتياز العتبة، العتبة فضاء"[xvi].

فسمة الغرائبية تظهر للوهلة الأولى في عناوين المجموعة (أكاذيب البحر، الجدار الزجاجي، الطيران على ارتفاع 1000 دقة قلب، اللوحة اليتيمة، الشيطان يبكي، سداسية الحرمان) فهذه العناوين تكسر أفق تلقي القارئ ولكن في الوقت نفسه تشوقه وتحفزه إلى معرفة المعنى الخفي فيها.

"فالقارئ يلتمس الحافات الحادة للنص الحكائي ابتداء من بنية العنونة الموسومة قصديا –أرض الحكايا- إلى منظوماتها القصصية للنصوص التي تنتقل من القوى الكامنة للنفس المثيرة بأحلامها ومقاصدها ورغباتها إلى مد جسورها الخفية مع العالم"[xviii].

فالقاصة تعمد على اختيار اللحظة الحاسمة في القصة وتسعى إلى تقديمها بطريقة خيالية فنتازية مما يعكس لنا غرائبية الشخصية في مجمل أعمالها. ففي قصة (المارد) تقول: "عندما فتح قمقمه النحاسي، لم يصدق أنه يرى النور لأول مرة منذ أربعة آلاف سنة. فتح عينيه بتثاقل، زفر بشدة. فثار الغبار في رئتيه، اضطرب بقوة، خرج من القمقم بنزق على شكل دخان جهنمي، ثم استوى ماردا عظيما......

طوح بالقمقم بعيدا في البحر –أحد بعد ذلك لم ير المارد. إلى  أن نعاه البحر لأمواجه، لكن أسماك البحر سمعت صوت سكرات موته فقد تحطم قلبه العاشق وغدا ألف شظية على يدي الإنسية الجميلة"[xx].

ففي قصة أكذوبة الأمواج تقول: "البارحة كتب لخاتون خطابا أصفر.... من جديد أرسل خطابا أحمر ...على عجل لبس خاتم الزبد بمساعدة أمواج البحر ...كان مقامه تماما....فأرسل لها خطابا أخضر..... حملت الأمواج رجاءه وهي تشعر بغيظ غريب وسرعان ما لفظته مع القيء المفاجئ الذي داهمها...." [xxii].

منذ الوهلة الأولى تعلن القاصة البعد الغرائبي لإهدائها سواء في عنوانها، أو في محتواه وكان على النحو التالي:

"إهداء مسروق....

إلى سليل الأساطير والعمامات السوداء الذي سافر ولم يعد بعد أن كتب على عجل على بوابة صحرائها:

كانت مدينة القحط طيلة سنوات ثلاث مدينة لا تطاق.........

لكن عينيك صيرتا القفر واحة يهوى القلب إليها...." [xxiv].

وفي بناء عالمها القصصي شخوصها تصدر أفعالا لا منطقية تجنح إلى الفنتازيا والخيال أكثر من الواقع وهذا ما يخلق لدى القارئ الدهشة والصدمة وكسر أفق توقعه وهي تحمل شخصياتها ضربا من الحيرة والشك والاضطراب والفزع.

وتجسد الغرائبية أيضا في أن قصصها تبدأها بالخاتمة تاركة القارئ في صراع نسج واسترجاع وترتيب الحوادث في ذهنه، وهذا ما نجده في قصة اللوحة اليتيمة.

"إلى روح طارق العساف الذي ابتلعه الماء، ويتم لوحته".

ثبتت على واجهة مخملية بارزة الأضواء المسلطة عليها أبرزت أحزانها ووحدتها.....بحزن خاص يناسب خطوطها السوداء التي تحاصر بقعا لونية صفراء يتيمة في حداد أسود"[xxvi].

-قصة "دقلة النور":

منذ البداية يحيلنا العنوان إلى الرمز الأسطوري المتمثل في الثمرة الأسطورية (دقلة النور).

الجدول التالي يلخص الأحداث:

النص الفني الأسطورة

*رجل ثري.

*أمنية الرجل حمل شتلات النخيل لزراعتها في كاليفورنيا.

*لم تتحقق الأمنية (فشل الزراعة).

*رق قلب المرأة (دقلة نور) للرجل.

*الحصول على دقلة النور المرأة.

*امرأة فقيرة.

*أمنية المرأة للذهاب إلى الحج.

*لم تتحقق الأمنية (ماتت).

*رق الرسول صلى الله عليه وسلم لحالها.

*الحصول على تمور دقلة نور.

[xxviii].

وهكذا أحدثت القاصة أبعادا جمالية بتوظيفها (للأسطورة) منها البعد الفني والثقافي والجغرافي والأدبي والنفسي.

*قصة المارد:

"عملت الكاتبة على اقتباس الشخصية الأسطورية المتمثلة في المارد وكذلك القمقم الذي يعد من الموجودات الأسطورية والقصر وممالك الدنيا الكلمات المقتبسة من حكايات ألف ليلة وليلة وكذلك العدد أربعة الرمز الأسطوري المقتبس من قصة الصياد والعفريت"[xxx].

3-المرجــــــــــــــــــــــــــعيات الديـــــــــــــــنية:

*(قصة الشيطان يبكي): "استفادت القاصة من شخصية الشيطان في قصة (شيطان يبكي) فصورت هذه الشخصية بحلة جديدة هو أن الشيطان الذي كان قد أغرق الأرض شرورا ولم يكف عن إزعاج السماء، أصبح البشر أكثر منه شرورا بعد أن كان معلما للبشر أصبح تلميذا في أكاديمية البشر"[xxxii].

*قصة الباب المفتوح:

"لقد أفادت القاصة كثيرا من الشخصيات الإسلامية التي كان لها دور في إثبات العدالة والحق والصدق، وظفت شخصية (سليمان الفارسي) مستمدة موقفه الواضح في محاسبة السلطان في استغلال بيت مال المسلمين لكي تكون عبرة للسلاطين في هذا الزمان"

[ii]  سناء شعلان، أرض الحكايا، مجموعة قصصية، نادي الجسرة الثقافي والاجتماعي، دار الكتب القطرية، 43، 2007، ص3-4.

[iv]  عبد الناصر حسن محمد، نظرية التلقي بين ياوس وإيزر، كلية الآداب جامعة عين شمس، دار النهضة العربية، 32 بن عبد الخالق ثروت، القاهرة، 2002، ص12.

[vi]  عبد الناصر حسن محمد، نظرية التلقي بين ياوس وإيزر، ص21-22.

[viii]  شاكر مجيد سيفو، القص الغرائبي في أرض الحكايا، صنعاء نيوز، الأربعاء 29 نوفمبر2017-

www.sanaa news.net                          

[x]  لؤي علي خليل، العجائبي والسرد العربي، النظرية بين التلقي والنص، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، الطبعة 01، 1435هـ/2014، ص32.

[xii]  حسين علام، العجائبي في الأدب من منظور شعرية السرد، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، منشورات الاختلاف، الجزائر، الطبعة 01. 1431هـ/2010م، ص33.

[xiv]  الخامسة علاوي، المرجع نفسه، ص32.

[xvi]  عبد الحق بلعابد، عتبات، ص67.

[xviii]  سناء شعلان، أرض الحكايا، ص13-14.

[xx]  عبد الحق بلعابد، عتبات، ص127.

[xxii]  عبد الفتاح الحجمري، عتبات النص، البنية والدلالة، شركة الرابطة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1996، ص26.

[xxiv] غنام محمد خضر، فضاءات التخييل، ص80.

[xxvi]  سناء شعلان، السرد الغرائبي والعجائبي، ص36.

[xxviii]  عبد العزيز بو الشعير، غادامير من فهم الوجود إلى فهم الفهم، دار الأمان، الرباط، منشورات الاختلاف، الجزائر، الطبعة 01، 1432هـ/2011م. ص45.

[xxx]  سناء شعلان، أرض الحكايا، ص100.

[xxxii]  سناء شعلان، أرض الحكايا، ص176-177.

[xxxiii]  الشخصية في قصص سناء شعلان، المرجع نفسه، ص107.

المزيد من المقالات...