clip_image002_c73c7.jpg

clip_image004_30a9e.jpg

تقديم كتاب مثل "أحلام عمانية" ليس بالأمر السهل أبدا، لأن كاتبه الأستاذ زياد جيوسي دائم الانفلات الجميل..

 تقرأ له "صباحكم أجمل" فتجده في النقد.

 تضبطه و هو يجثو على تراب رام الله فيطل عليك من عمًّان.

 تمسك به وهو يكتب مشجعا ومعرفا بالأقلام الشابة فتراه يغرس شجرتك الفلسطينية في موقع النبي غيث في منطقة دير عمار..

 وهذا كثير على تقديم صغير كهذا..

 هذا قليل بحق الرجل..

 علاقتي به تمتد لبضع سنين...

 أذكر أنني كتبت قبل ست سنوات نصا بمناسبة يوم الأرض و"عنونته أشجار فلسطين"، ولن أنسى أبدا الطريقة الراقية المبهجة والسخية التي تبناه بها الأستاذ زياد جيوسي و كيف أحبه بكل جوارحه ونشره في العشرات من المواقع الالكترونية، وكانت صداقتنا آنذاك ما تزال في بداياتها..

 يومها قلت بيني و بين نفسي: هذا رجل يحمل في وجدانه فلسطين قبل أن يحمل روحه...

 قلت ذلك و ما ظننتني أخطأت. ..

 لن أنسى أيضا كيف غرس لي شجرة باسمي على تراب فلسطين في "حملة لنا جذور" وكيف أرسل لي شهادة انتماء حقيقية لفلسطين الحبيبة، هذه الشهادة التي لا تفارق منذ ذلك الحين مكتبي. "أحلام عمانية" التي صنفها صاحبها كوجدانيات عبارة عن نفحات معطرة من حياة الكاتب الحميمة في عمَّان ولكنها موشومة بفلسطين، الحب الأكبر والمحرك الأساسي لعملية التذكر و الكتابة معا.

 ونلاحظ أننا كلما توغلنا في القراءة كلما أحسسنا بأن الكاتب ينتمي لأولئك الذين يضعون قلوبهم على الطاولة وهم يكتبون..

 وكما خياطة تخيط لفستانها تبطينا حريريا يقيه من التمزق، يخيط زياد محكياته الحميمة الحاضرة بالذكريات الجميلة التي تقي القلب من وجع الغياب.

 ثم إننا مع التقدم في القراءة يتراءى لنا جيدا هذا الطفل الكبير العاشق و هو يتأمل قطرات المطر، يحتسي قهوة الصباح ويعانق طيف المعشوقة الغائبة بهيام شبيه بابتهال، أما عمَّان الحاضرة كفضاء الكتابة فتقابلها جيوس ورام الله.

 المسافة لا تفرق ولكنها تخلق سبل التواصل حتى نكاد نرى هذه الفضاءات تتشكل وتتراص كقطع في متحف عريق تحكي حقبة قلب وحكاية عشق أزلية.

 هذه الوجدانيات التي تتلون بقطرات المطر حينا والياسمين والورود والعصافير حينا آخر هي قطع نورانية أيضا وتضيء درب من يقرأ ليصل إلى الخلاصة البسيطة وهي أن الحلم العمَّاني يأخذ شكل امرأة غائبة تجسدها الكلمات..

 وتجدر الإشارة إلى أن الجميل في كتابات زياد جيوسي هو أنها ترتدي النظرة المرحة والجياشة لعاشق يتنقل بين هذه الفضاءات حاملا فلسطين في قلبه وعمَّان في روحه واللتين يصفهما انطلاقا من نظرة جميلة ايجابية، فلا نرى أي نقد سلبي ولا أي تأفف أو ضجر وحتى هذا الانتظار لحبيبة تأخرت بالمجيء، يحاول الراوي تأثيثه بطيفها والذكريات وحلم اللقاء الوشيك.

 يقول ميشيل بيتور بأن كل كلمة مكتوبة هي انتصار على الموت، وفي نفس السياق تقريبا يقول موريس باشلار بأننا نكتب لننقذ حياتنا وأرواحنا حتى لا تضيع بين أيامنا الفقيرة.

 هذان الاقتباسان للكاتبين الفرنسيين يستطيعان مساعدتنا على فهم وجدانيات كاتبنا.

فإذا كان الكاتب وهو غارق في وجدانياته شديد الاهتمام بتفاصيل الحياة اليومية، بالتزاماته و لقاءاته الأدبية، فهذا يعني انه بجانب الحياة التي ينقذها من الموت كتابة، وهو فوق ذلك دقيق الملاحظة وكعدسته الشهيرة التي يوثق بها أمكنة فلسطين والبلاد العربية التي يتمكن من زيارتها، تلتقط عينه كل ما يراه من المناظر و الوجوه ويضفي عليها مسحته الجمالية الشاعرية المعتادة.

 ونستطيع القول بأنه من كثرة ما كتب، تأتي الآن الكتابة معه سلسة وعفوية، والسرد يأتي بسهولة جميلة، أما الفضول الأدبي فهو جد كبير لديه: إن الكاتب يهتم بكل شيء ويحب أن يعرف كل شيء وهو فوق ذلك عاشق كبير للحياة، هذه التي لا تستقيم إلا بالعشق، وهنا نلاحظ بأن كل فصل من الكتاب يأخذ عنوانا موحيا بذلك، كما أننا نحس من كلمات النص الأولى بأن زياد جيوسي يعطي اللغة من روحه حتى تتألق الكتابة.

 فكرة تقطيع الكتاب إلى نصوص قصيرة تتوازي مع فكرة بناء العلاقة التي هي في الأصل رؤية للحياة، وهي تشبه أي بناء يحتاج لكي يكتمل إلى لبنات ترتصف شيئا فشيئا.

 وإذا كان الكاتب الجيد هو الذي يملك عينا وأذنا و يدا على استعداد دائم لالتقاط الأحاسيس، فنصوص زياد جيوسي تحمل الكثير من الاهتمام الذي يوليه للنظر والملاحظة، ولهذا نرى هذه النصوص القصيرة تفاصيل تتجانس لتشكل هذا الكل الذي يقدمه الكتاب، وبطبيعة الحال يملك كل نص من هذه النصوص كينونته الخاصة، إلا أنه في نفس الوقت لا يفقد علاقته بالكل الذي هو وجدانيات الكاتب.

 وحين نتحدث عن الوجدان لا مناص لنا من الحديث عن الذاتية في نفس الوقت.

 الذاتية غالبا ما تنظر إلى العالم نظرة عابرة ثم تدير له ظهرها لأنها لا ترى شيئا أهم منها.

 ولكن يجب القول أيضا بأنها لا تدير ظهرها لهذا العالم إلا حين تمسك بشيء ما منه، هذا الذي يشبه حبة الرمل التي تتسلل إلى المحارة لتصبح فيما بعد لؤلؤة.

 الكاتب الفرنسي مارسيل بروست يؤكد على أن كل شيء يكمن في الذات وليس في الموضوع.

 في هذا السياق نستطيع أن نشير، وربما بشكل تعسفي قليلا، بأن زياد جيوسي الموزع ما بين المناضل الذي أفنى حياته في النضال والالتزام السياسي والفصائلي والاعتقال والمحبط سياسيا، وزياد الكاتب قد وصل إلى حقيقة مهمة، وهي أن العودة إلى الوجدان، إلى الذات، إلى الشأن الحميم هي عودة إلى الأرض، إلى معانقة الحبيبة وعبرها معانقة الآخرين لأن الوجدان أكثر واقعية من الواقع نفسه، فهو لا يخذل أبدا.. 

 وزياد يحاول في كتابة "أحلام عمانية" تأسيس الوجدان وعلاقته بالذات والآخرين والأرض، لأن التفتت في العلاقات الاجتماعية والإنسانية عموما يحصل غالبَّا حين تكون هذه العلاقات مستلبة وغير معبرة عن وجدانها.

 وكخلاصة نستطيع القول بأن قراءة نصوص زياد جيوسي تتيح للقارئ تكوين فكرة مختزلة عن معنى الحياة المتمثلة أساسَّا في العشق الخاص والعام معَّا، وأن شكل النص القصير المختصر والمليء صورا يسمح له باستشراف عالم لا نهائي، حيث يستطيع أن يضيع ويجد نفسه معا...

 والأحاسيس التي تطالعنا في نهاية المطاف هي أحاسيس رجل أمام وحدته وهشاشة حياته دون حبيبته الغائبة، أما النظرة التي ما توقفت عن معانقة الناس فهي تعانق الآن وجدانه أيضا و تراقب الحياة التي تمر فترتج روحه.

 باختصار شديد أقول: حين نقرأ زياد جيوسي نصبح عشاقا.

clip_image002_858a5.jpg

صدر كتاب "البهاء باق فينا ومعنا" قبل أيّام قليلة عن دار الرّعاة للدّراسات والنّشر في رام الله، بالاشتراك مع دار جسور ثقافيّة للنّشر والتوزيع في عمّان. ويقع الكتاب الذي أعدّه المحامي محمد عليان، وقدّم له الأديب ابراهيم جوهر، وصمّمت غلافه سيرين الأجرب في 275 صفحة من الحجم المتوسّط.

يحتوي هذا الكتاب على عشرات المقالات والقصائد والأقاصيص والومضات التي كتبت عن الشّهيد بهاء عليّان الذي ارتقى سلّم المجد في 13-10-2015، ودفن في مقبرة المجاهدين قرب سور القدس التّاريخي يوم الفاتح من سبتمبر 2016 . وهذه المقالات هي ما استطاع والد البهاء أن يجمعها عندما قرّر اصدار هذا الكتاب.

ومن يقرأ هذا الكتاب سيجد نفسه أمام فلسفة الحياة والموت كما جاءت في وصيّة الشّهيد بهاء، والتي تكرّس ثقافة الحياة التي ينشرها ويعمّمها محمد عليان والد الشّهيد، معتمدا على وصيّة البهاء، ففي الوصيّة رفض البهاء أن ينتسب لأيّ فصيل، لكنّه انتسب للوطن الذي ضحّى بحياته من أجله. ومّما جاء في وصيّته:(لا تجعلوا منّي رقما من الأرقام، "تعدّوه" اليوم و"تنسوه" غدا".) وهذا بحدّ ذاته انتقاد لاذع لمن يتعاملون مع الشّهداء كأرقام تسجّل، ولا يلبث أن يطويها النّسيان.

وهذا ليس غريبا على شابّ مثل البهاء الذي كان ناشطا ثقافيّا، فهو أحد من أبدعوا وأسّسوا ورتّبوا للسّلسلة القارئة حول سور القدس عام 2013، والتي كانت سبقا عالميّا دخل موسوعة "غينيتس".

وهنا لا بدّ من التّذكير بالدّور الذي لعبه ولا يزال يلعبه المحامي محمد عليان من أجل تحرير جثامين الشّهداء المحتجزة، والتي اعتبرها قضيّة رأي عام، وأنّ احتجاز الجثامين فيه انتهاك فاضح لحقوق الانسان واعتداء على حرّيّة المعتقدات الدّينيّة، فرغم أحزانه وآلامه كأب ثاكل والتي كان يكبتها أمام النّاس، إلا أنّه واصل النّضال ولا يزال يواصل من أجل تحرير الجثامين المحتجزة، ولم يتوقّف عن نضاله هذا بعد أن تمّ دفن جثمان فلذة كبده. وموقفه المبدئيّ هذا هو بمثابة رفض للعقوبات الجماعيّة، لأنّ احتجاز جثامين الشّهداء فيه عذاب لذويهم الأحياء.

والمحامي عليّان هذا الانسان الرّقيق صلب في مواقفه الدّاعية إلى ثقافة الحياة، وهو بهذا يعبّر عن إنسانيّته وإنسانيّة أبناء شعبه، وبهذا فهو يدعو إلى الحياة التي تحفظ كرامة كلّ إنسان بغضّ النّظر عن جنسه أو لونه أو معتقداته. ومواظبته الدّؤوبة لاسترجاع جثمان ولده البهاء بشكل خاصّ، وجثامين الآخرين المحتجزة تنبع من إيمانه القويّ بالحفاظ على كرامة الأموات والأحياء. وما اصدار هذا الكتاب إلا تنفيذ لوصيّة البهاء"لا تجعلوا مني رقما من الأرقام، تعدّونه اليوم وتنسونه غدا". لكن الخلود لثقافة الحياة.

وممّا يلفت الانتباه في الكتاب هو ما كتبه والد البهاء تحت عنوان "اللحظات الأخيرة" والتي امتدّت على 42 صفحة"، والتي ظهرت فيها عاطفة الأبوّة بأبهى صورها، مقرونة بعاطفة الشّجاعة التي تجلّت في هذا الموقف، وهي لحظات استلام الجثمان ومشاعر الأبوّة والأمومة والانتظار المرهق لأكثر من 48 ساعة، تلك السّاعات التي عاش فيها والدا البهاء صراعا بين تصديق القرار بتسليم الجثمان، أو امكانيّة التّراجع عنه، وكذلك وصف السّاعات الأخيرة لخمسة عشر شخصا من أسرة الشّهيد وهم ينتظرون أمام محطّة البريد عند مدخل شارع صلاح الدين في القدس، تمهيدا لاستلام جثمان البهاء عند منتصف الليل لدفنه في مقبرة المجاهدين التّاريخيّة، بعد أن رفض المحتلّون دفن جثمان الشّهيد في مقبرة بلدته جبل المكبر.

وكانت هناك سياسة "عضّ الأصابع" لكن والد البهاء رغم جراحه كأب ثاكل قرّر أن ينتصر في هذه المعركة، فقد رفض محاولة منع والدة البهاء من حضور مراسم دفن جثمان ابنها؛ لأنّها لا تحمل بطاقة القدس، وكذلك رفض محاولة مصادرة المقصّ الذي أتوا به لقصّ أكياس النايلون عن الجثمان، ورفض الاذعان بالاسراع في تشخيصه لجثمان فلذة كبده، وهدّد بالانسحاب إذا لم تُنفّذ مطالبه وكان له ذلك.

إنّها لحظات موجعة لمن يقرأها، فما بالكم بمن اكتوى بلهيبها، وعايشها لحظة بلحظة وقلبه ينفظ حزنا؟ لكنّها لحظة الدّفاع عن الكرامة وعن ثقافة الحياة.

clip_image002_01cd1.jpg

القدس: 11-10-2018 ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس ديوان"" شواطئ اللظى" للشاعر المقدسي نعيم عليان. يقع الديوان الذي لم يصدر عن دار نشر في 100 صفحة من الحجم المتوسط.

ممّا يذكر أنّ الشاعر عليان المولود في قرية بيت صفافا يكتب قصيدة النثر، وقد سبق وصدرت له أربعة دواوين هي: "نقش الريح"، "رقص الضوء"، أجنحة الأنين" و"حروف على أشرعة السحاب".

افتتح النقاش جميل السلحوت فقال:

من تابع اصدارات نعيم عليان سيجد أنّه يطوّر أدواته الشّعريّة بشكل مستمرّ، ففي هذا الدّيوان تظهر الموسيقى والإيقاع بشكل جليّ، وكذلك الصّورة الشّعريّة، ممّا يعني أنّ شاعرنا في ديوانه الخامس هذا ينضمّ بقوّة لنادي كتّاب قصيدة النّثر.

وقالت هدى عثمان أبو غوش:

تمحورت مضمون قصائده حول الحنين والاشتياق إلى الحبيبة، وما بين نقده الرّمزي للظلم في بلاد العرب.

"شواطئ اللّظى " العنوان مأخوذ من قصيدة  لمجموعة قصائده في الدّيوان. فاللّظى معناها في المعجم الوسيط لهب النّار الخالص لا دخان فيه، وهو اسم من أسماء جهنّم، وبما أنّ معظم قصائده ذات اتجاه عاطفيّ؛ فإنّ العنوان لا يتناسب مع المضمون العاطفيّ بالرّغم من استخدام الشّاعر لمفردة الشاطئ أكثر من مرة.

تبدو العاطفة متأرجحة في قصائده مابين القوّة والضعف، مثل"الفطام" "الوثاق" "السّاقيّة"نلمس مشاعر العاطفة وتدفقها بقوّة مقارنة بالقصائد الأُخرى ،حيث لم يستخدم الشّاعرفي تعبيره عن الحبّ ألفاظا تثير وجدان المتلقي، بل عبّر عنها بوصف عام من خلال الطبيعة .

تميّز أُسلوب الشّاعر بسهولة الألفاظ وبساطة اللّغة وقلّة الألفاظ الصعبة وغياب القافيّة، وقد كان تفاوت في بعض القصائد في قوتها من حيث الصور البديعيّة، وقد برزت الطبيعة بشكل لافت "البحر، البحيّرة، الشّمس، القمر، الشواطىء، الصحراء، الثلج ، العندليب....الخ."

كرّر الشّاعر ألفاظ العنتر والأُكذوبة مرتيّن، ففي قصيدة "الفطام" جاء قوله :"والعنتر في جوفي أُكذوبة".

بينما حملت هذه الجملة عنوان القصيدة في"أُكذوبة هذا العنتر".

إستخدم الشّاعر تناصا من القرآن والحديث، ففي قصيدة "مسرح الدّمى"إستخدم التعابير "تغدو  خماصا وتروح بطانا" وقد جاء في الحديث" لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا".

وفي قصيدة "أُكذوبة هذا العنتر"يبدو التناص من القرآن الكريم. حيث استخدم التعبير "كسراب بقيعة"  وقد ذكرت في سورة النّور آية38."والّذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة".

وقالت هدى خوجا:

       احتوى الديوان على عدّة أشعار منها: عتبة بحر، الذّاكرة، جوف ناي، وشواطئ اللظى في صفحة 57 من الكتاب وينتهي في البتول .

الاسم شواطئ اللّظى، حبذا لو كان العنوان شواطئ كلمة واحدة معبّرة دون اللّظى،

"اللّظى" ثقيلة في اللفظ وغير رنّانة للشعر.

    ألوان الغلاف مناسبة ومتوافقة مع العنوان؛ وهي ألوان الأخضر الفاتح والدّاكن والبرتقالي والأصفر .

   يبدأ الشّعر باسم عتبة ثم يتبعه عتبات الجفون الذي يهدي به باقة من الزّهر مع كنز الكلمات المحفورة في عروقه، وصهيل العواصف في عتم الشّتاء.

"كان شتاء ليس فيه سوى أنت وأنا) ص13، حيث جاءت كلمة أنت قبل أنا  دلالة على شدّة الإيثار لأنت قبل الأنا، والبعد عن النّرجسيّة والأنانيّة وتفضيل الآخر.

يتسم هذا الشعر بالبساطة والمرونة والجمال .

في سورة المحبين تشبيهات متنوعة منها "إن شئت فازرعيني نخلة، أو ثورة،

أو ياسمينا."ص16

لماذا نخلة ألأنها منتصبة القامة!

أم ثورة لنبذ الظلم والفساد والتغيير الجذري البناء

أم ياسمينا أبيض ناصع الاخلاص  بنقاء وصفاء.

أمّا في وجوه المحبين وجهي

"كل الورود  وجوه للمحبين

في وطني" ص38

"فتغيب حروفي كالعصافير، وأوراق الرّبيع، ورذاذ اللّيل)ص41

ونجد تكرارا محبذا لكلمة سيّدتي" واختبئي وراء جرحي. سيّدتي) ص39، حيث تتمازج الأبيات مع الرّبيع وأنغام فيروزيات الصّباح مع ورود المحبين.

ماذا أريد أن تكوني؟

كوني نجمة قصيدة مدرسة يريدها" شوقي"ص47

وما هي صفاتك سيّتي وأجمل الصّفات التي تليق بحبك؟

نجد الاجابة في قصيدة أناقة"

"أنيقة أنت..في الغياب كما في الحضور؛ أنيقة أنت والحب قيثار)ص51

وفي النهاية قصيدة بتول حيث يولد طفل؛ في يده ناقوس وقلم ومفتاح من الإصرار.

وكتب عبدالله دعيس:

"شواطئ اللظى" عنوان صادم، يتوسّط صورة غلاف، فيه نيران مشتعلة بلا نور يبدّد الظلام. فهل سيقف القارئ على هذا الشاطئ الملتهب؟ وهل سيبحر فيه؟ أم سينتظر المزن؛ لتمطره شآبيب غيث، فينقلب شاطئا دافئا يبحر فيه العاشقون؟ أم ربما شواطئ اللظى هي شواطئ الوطن عصيّة على الغزاة، تصليهم سعيرها إن هم وطأتها أقدامهم؟

ما أن نطالع القصائد حتّى نرى الشاعر يحترف الوقوف على العتبات والحوافّ والشواطئ، ينظر خلفه، يستعيد الذكريات، لكنّه لا يغفل عن أدران الماضي وأشجانه، ويبقى على العتبة لا يستطيع أن يتخطّاها. يرى الضوء والحرية والانعتاق في الأفق، إلا أنّ دونها ضبابا ولظى ووثاقا وظلاما وليلا حالكا وحصونا وحقول ألغام ورمال صحراء متحرّكة. وإن كانت ذكريات الماضي تبدو جميلة، إلا أنّ الحاضر القاتم ما هو إلا صورة لهذا الماضي. فما زال الجبن يسكن النّفوس، والعنتريّات الجوفاء تطغى على الشجاعة الحقيقيّة، وما زالت أمّة العرب على عتبة الفطام،  ترزح في أغلال العبوديّة وتنادي أَعلِ "هبل"، فلم يستطع النّور يوما أن يطغى على دياجير الظلام، وأن يبدّد بقايا جاهليّة تتفاقم كلّما هبّت رياح التّغير، فما أن تحاول أن تتجاوز عتبة القيود، حتّى تندحر إلى الوراء وتغلبها طبيعة الجبن والتتردد. ويرى الشّاعر أن حال بلاد العرب كمسرح دّمى بائس، تحرّكها أصابع خفيّة، لتنسج مسرحيّة هزيلة عنوانها الألم والحسرة وعدم الثقة بالمستقبل.

ولكن، هل ما زال نعيم عليّان يقف على عتبة الشّعر، أم اخترق ركام الضباب وارتقى بقصائده ونصوصه؟ أرى أنّه ولج عالمه وبات ثابت الخطى في جنباته. فنصوصه في هذا الديوان تفوق ما كتب في كتبه السّابقة، من حيث جودة الصور الشعرية، والموسيقى والتأثير الشعوري على المتلقّي. فقد ابتعد الشاعر في هذه القصائد عن الصورة النافرة التي كانت تتكرّر في بعض نصوصه السابقة، وارتقى بلغته، وبرزت الموسيقى في قصائده، وحملت القصائد مشاعر وهموما وأفكارا اضطرمت في نفسه، وصاغها بأسلوب محبّب لقرّائه.

تأمّل قوله صفحة 37:

يعانق الحبّ وجه الأرض.

يبذر الفلاح قصادئه

فيأخذ الطير حصّته

فيشدو في الجوّ أنغاما.

وقارنه بقوله في ديوان سابق (طير ينقر وجه الشّمس) لتدرك أن نعيم عليّان قد بدأ يحلّق فعلا في عالم الكلمات المؤثّرة الجميلة.

ويعمد الكاتب إلى التّناص الديني، مع الآيات الكريمة والأحاديث الشّريفة، مما يثري قصائده، فيقول مثلا:

 وطيور بعمر الزهور-

تغدو خماصا

وتعود بطانا.

 في تناصّ واضح مع الحديث الشريف.

ونلمح في ثنايا القصائد روحا صوفيّة، تتجلّى فيها فكرة الحلول: فالشاعر يندمج مع الوطن والحاضر والماضي والطّبيعة، ويحلّق في أرجاء الكون الفسيح دون أن يغادر عتبته القابع عندها، ينظر إلى الشاطئ الملتهب وإلى المزن تتأهّب للهطول، ثمّ تنطلق بعيدا، وتترك شواطئ اللظى ملتهبة، تستعصي على الغزاة، لكنّها تحرق أشرعتنا إن هممنا بالإبحار إلى عالم الحريّة والانطلاق.

وشارك في النقاش الدكتور عزالدين أبو ميزر، والدكتور الشاعر محمد حلمي الريشة الذي تحدث باستفاضة عن فلسفة الشّعر وعن القصيدة بالنّثر.

clip_image002_2fcb7.jpg

عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة صدر مجموعة "عين الحبّ كفيفة" للكاتب المقدسي جمعة سعيد السمان، وتقع في 212 صفحة، منتجها وأخرجها شربل الياس.

يواصل الكاتب المقدسيّ جمعة السمان كتابة تجاربه في الحياة، وكأنّي به يريد أن أن يقدّمها هديّة لجيل الأبناء والأحفاد، ليستفيدوا من تجارب الآباء والأجداد.

وواضح أنّ الكاتب السمان يكتب نصوصه كيفما تيسّر له، فنجده يقترب أحيانا من القصّ، وأحيانا أخرى من الحكاية، وأحيانا ثالثة من المقالة، لكنّه في المحصّلة يقدّم خلاصة تجاربه في الحياة. ففي النّصّ المعنون بـ "السّرّ" صفحة 31 نجد حديثا عن الحياة الزّوجيّة التي لا تستقر إلّا من خلال علاقة الحبّ والاحترام بين الزّوجين، فالرّجل الذي كان يضرب زوجته دون رحمة، ما لبثت أن تمرّدت عليه، وغدت تردّ له الشّتيمة بمثلها وبصوت مرتفع، حتّى قلّت هيبته أمام من يعرفونه، فقرّر قتلها ودفنها، لكنّها عندما أصيبت كليتاه بمرض، ما لبثت أن تبرّعت له بكليتها، فأنقذت حياته، رغم أنّها كانت تعرف مخطّطاته الشّيطانيّة لها من خلال هذيانه بصوت مرتفع أثناء النّوم، وانقاذها لحياته كان سببا في عودتهما للحياة الطبيعيّة الهادئة.

وفي "الزّواج يقتل الحبّ" ص 200 يطرح الكاتب قضيّة العلاقات بين الرّجل والمرأة خارج الحياة الزّوجيّة، ويردّ من خلال الواقع على من يزعمون أنّ الزّواج يقتل الحبّ، وفي النّصّ نجد أنّ المرأة التي رفضت الاستمرار في علاقة مع رجل دون زواج، قد تزوّجت وأنجبت ثلاثة أبناء فاستقرّت حياتها، وعاشت مطمئنة في دفء الحياة الأسريّة، في حين أنّ صاحب مقولة الزّواج يقتل الحياة " شاب وشاخ أيضا، وقد اختلطت عليه وجوه الصّديقات لكثرتهنّ، فتداخلت الأمور ببعضها، وما عاد أحد يسأل عن الآخر، وهكذا مات الرّجل وحيدا، لا حبّ ولا صديقة ولا زوجة."ص 201.

وفي "طمّاع" صفحة 101، طرح الكاتب قصّة رجل يعتاش على صيد الأفاعي وبيع جلودها، وازدادت أطماعه فقرّر اصطياد أفعى ضخمة تعيش في الغابة، لكنه غفا تحت جذع شجرة فابتلعته الأفعى، وعندما بحثوا عنه، وجدوه ميّتا في بطن الأفعى الضّخمة التي هي الأخرى ماتت متأثّرة بالسّموم الموجودة في جسم فريستها.

وفي تقديري أنّ الكاتب لم يوفّق بإيصال فكرته في هذا النّصّ لأكثر من سبب، ومنها أنّ صيد الأفاعي والغابات والأفاعي الضّخمة غير موجودة في بلادنا، يضاف إلى ذلك أنّه معروف أنّ الأفاعي تبتلع الأفاعي الأخرى التي تصغرها حجما ولا تموت، فكيف تموت أفعى ضخمة من سموم بسيطة في جسد فريستها؟

# يوسف اليهودي لا يشبه جلجامش العراقي ، ويعقوب لا يشبه أنكيدو العظيم :

.... فيوسف اليهودي لا يشبه جلجامش العراقي ، ويعقوب لا يشبه أنكيدو العظيم مهما حاول ناجح تمرير ذلك . يمكن لناجح أن يستخف بأسس التحليل العلمي المعروفة ، لكنه لن يستخف بعقولنا وسنحافظ على كنوزنا العراقية الأسطورية العظيمة . وحتى عندما يستعين ناجح باقتباس يأخذه من أحد مؤلفات الاستاذ علي الشوك يقول فيه :

(أشار الاستاذ علي الشوك بان القافلة التي صعد يوسف على راسها مكونة من اهله وجميع شيوخ مصر "ممثلين عن كل مدينة" تحت حراسة عسكرية مهيبة، ودخلوا أرض كنعان عن طريق جلعيد الى حيدر اطاد ، وناحوا هناك نوحا عظيما سبعة ايام . فلما رأى اهل البلاد الكنعانيون المناحة قالوا هذه مناحة ثقيلة للمصريين ولذلك دعي المكان "ايا مصريم" وحمله بنوه الى مغارة مكفيلة في حيرون ، وتفجعوا عليه سبعة ايام اخر ، ثم عادوا عبر الحدود - ص 197) (18).

وهنا مفارقة أخرى : الأستاذ ناجح الذي يدّعي قراءة وتحليل التوراة ، وخصوصاً قصّة يوسف ، لا يعرف أن ما ينسبه إلى "علي الشوك" منقول – بتحوير بسيط - من قصّة يوسف في سفر التكوين (الإصحاح الخمسون : 7 – 12) . ولم يذكر ناجح اسم كتاب الأستاذ علي الشوك الذي نقل عنه المُقتبس السابق لكي نتأكّد هل ذكر علي الشوك – بدوره – مصدره أم لا ؟! والمصيبة أن ناجح ذكر المقبوس نفسه منقولا هذه المرّة عن الأصل التوراتي فوق المقتبس من علي الشوك مباشرة وعلى الصفحة نفسها (الصفحة 197) !! .

ولأن جلجامش بكى على أنكيدو ، ويوسف بكى على أبيه ، إذن يوسف اليهودي التوراتي يشبه جلجامش السومري العراقي ، ويعقوب اليهودي التوراتي يشبه أنكيدو السومري العراقي ، وبالتالي فناجح العراقي يشبه دنزل واشنطون الأمريكي .

هل البطل المحارب الشجاع أنكيدو الذي واجه الملك البطل العراقي العظيم جلجامش وتحدّاه ثم أصبح خلّه وصاحبه ، وقاما بالأعمال البطولية الملحمية الخارقة سويّة ، يشبه يعقوب العجوز المتهالك الذي مات على سريره مريضا ذاوياً ؟

هل المرض الذي أصيب به أنكيدو الذي قرّرته الآلهة والمراحل الأخيرة من حياته ، يشبه مرض شيخوخة يعقوب الذي مات في فراشه خاوياً يوزّع الأراضي الموعودة والسلطات وهو بدوي لا يملك شيئا ؟ هذا البدوي التوراتي الذي خدع أخاه "عيسو" وكذب (ما هذا النبي التوراتي الذي يكذب ؟) ليسلب منه البكورية بصحن عدس ، ثم قام بالكذب على أبيه وتمثيل دور وصوت أخيه (مثل ممثلي هوليود !!) ليسرق البكورية أيضاً ، مثلما قام بسرقة ونهب بهائم وغنيمة سكّان "عاى" قد نهبها لنفسه (حسب قول الرب!!!) (يشوع 8: 27).

هل الغاية من حياة أنكيدو الذي خلقته الآلهة كغريم لجلجامش تشبه الغاية من حياة يعقوب الذي خلقه الله وجعله نبيّاً حسب أطروحات كهنة التوراة ؟

هل الكائن الأسطوري يشبه البشري البدوي ؟

هل قام يعقوب بقتل ثور سماوي مخلوق من الآلهة ؟ هل تحدى يعقوب الآلهة العظمى ؟ هل تحدّى الإلهة الأم عشتار ؟ هل يعرف هذا البدوي إلهة أم أصلاً ، ويحترمها ؟ هل قام يعقوب بقتل وحش غابات الأرز ؟ وهل كل من يبكي على فقيد له بكاءً مرّاً ويهيم في البراري يشبه جلجامش ؟

هل كان يعقوب يعيش مع الحيوانات في الغابة مثل أنكيدو ثم مرّ بمرحلة تحضّر على يد بغيّ ؟ ولأي سبب حضاري عظيم ؟

لقد أحصيت أكثر من ثلاثين فارقاً بين موت أنكيدو وموت يعقوب – الموت فقط ، ناهيك عن الحياة – فكيف يشبه يعقوب أنكيدو ؟ 

خذ فقط هذا الموقف من اللوح السابع من الملحمة ، والذي يقصّ فيه أنكيدو رؤياه على جلجامش :

(ثم طلع النهار فقص أنكيدو رؤياه على جلجامش قائلاً :

"يا صاحبي أيّ حلم عجيب رأيت الليلة الماضية :

رأيت أن "آنو" و"أنليل" و"أيا" و "شمش" السماوي

قد اجتمعوا يتشاورون وقال آنو لأنليل :

"لأنهما قتلا الثور السماوي وقتلا خمبابا

فينبغي أن يموت ذلك الذي قطع أشجار الأرز من الجبال

ولكن أنليل أجابه قائلا : إن أنكيدو هو الذي

سيموت ، ولكن جلجامش لن يموت "

ثم انبرى شمش السماوي وأجاب أنليل البطل وقال :

ألم يقتلا ثور السماء وخمبابا بأمر مني ؟

فعلام يقع الموت على أنكيدو وهو بريء" ؟ - ص 118) (19).

هل حصل مثل هذا الخلاف الشديد بين الآلهة حول موت يعقوب ؟ أم أنّه مات في فراشه حتف أنفه ؟ وهل كان ردّ فعل يوسف اليهودي مثل ردّ فعل جلجامش السومري لكي يشبهه أو "يتناص" معه ؟

ولنشاهد الكيفية التي مات بها يعقوب التوراتي ، وردّ فعل ابنه يوسف التوراتي على موته :

(48 :1 و حدث بعد هذه الامور انه قيل ليوسف هوذا ابوك مريض فاخذ معه ابنيه منسى و افرايم

48 :2 فاخبر يعقوب و قيل له هوذا ابنك يوسف قادم اليك فتشدد اسرائيل و جلس على السرير

48 :3 و قال يعقوب ليوسف الله القادر على كل شيء ظهر لي في لوز في ارض كنعان و باركني

48 :4 و قال لي ها انا اجعلك مثمرا و اكثرك و اجعلك جمهورا من الامم و اعطي نسلك هذه الارض من بعدك ملكا ابديا

48 :5 و الان ابناك المولودان لك في ارض مصر قبلما اتيت اليك الى مصر هما لي افرايم و منسى كراوبين و شمعون يكونان لي

49 :1 و دعا يعقوب بنيه و قال اجتمعوا لانبئكم بما يصيبكم في اخر الايام

49 :2 اجتمعوا و اسمعوا يا بني يعقوب و اصغوا الى اسرائيل ابيكم

49 :33 و لما فرغ يعقوب من توصية بنيه ضم رجليه الى السرير و اسلم الروح و انضم الى قومه

50 :1 فوقع يوسف على وجه ابيه و بكى عليه و قبله

50 :2 و امر يوسف عبيده الاطباء ان يحنطوا اباه فحنط الاطباء اسرائيل

50 :3 و كمل له اربعون يوما لانه هكذا تكمل ايام المحنطين و بكى عليه المصريون سبعين يوما

50 :4 و بعدما مضت ايام بكائه كلم يوسف بيت فرعون قائلا ان كنت قد وجدت نعمة في عيونكم فتكلموا في مسامع فرعون قائلين

50 :5 ابي استحلفني قائلا ها انا اموت في قبري الذي حفرت لنفسي في ارض كنعان هناك تدفنني فالان اصعد لادفن ابي و ارجع

50 :6 فقال فرعون اصعد و ادفن اباك كما استحلفك

50 :7 فصعد يوسف ليدفن اباه و صعد معه جميع عبيد فرعون شيوخ بيته و جميع شيوخ ارض مصر

50 :8 و كل بيت يوسف و اخوته و بيت ابيه غير انهم تركوا اولادهم و غنمهم و بقرهم في ارض جاسان

50 :9 و صعد معه مركبات و فرسان فكان الجيش كثيرا جدا

50 :10 فاتوا الى بيدر اطاد الذي في عبر الاردن و ناحوا هناك نوحا عظيما و شديدا جدا و صنع لابيه مناحة سبعة ايام

50 :11 فلما راى اهل البلاد الكنعانيون المناحة في بيدر اطاد قالوا هذه مناحة ثقيلة للمصريين لذلك دعي اسمه ابل مصرايم الذي في عبر الاردن

50 :12 و فعل له بنوه هكذا كما اوصاهم

50 :13 حمله بنوه الى ارض كنعان و دفنوه في مغارة حقل المكفيلة التي اشتراها ابراهيم مع الحقل ملك قبر من عفرون الحثي امام ممرا

50 :14 ثم رجع يوسف الى مصر هو و اخوته و جميع الذين صعدوا معه لدفن ابيه بعدما دفن اباه)

ولنسأل الأستاذ ناجح الآن : هل موقف يوسف اليهودي هذا في الحزن على أبيه يشبه موقف جلجامش العراقي الأسطوري في حزنه المدمّر على رفيقه أنكيدو ؟ :

(اسمعوني أيها الشيبة (الشيوخ) وأصغوا إلي

من أجل "أنكيدو" ، خلّي وصاحبي ، أبكي

وأنوح نواح الثكلى

إنه الفأس التي في جنبي وقوة ساعدي

والخنجر الذي في حزامي والمجن الذي يدرأ عنّي

وفرحتي وبهجتي وكسوة عيدي

لقد ظهر شيطان رجيم وسرقه منّي

يا خلّي وأخي الأصغر

لقد طاردت حمار الوحش في التلال

اقتنصت النسور في الصحارى

أنكيدو ، يا صاحبي وأخي الأصغر

الذي اقتنص حمار الوحش في النجاد والنمر في البراري

تغلبنا معا على الصعاب وارتقينا أعالي الجبال

ومسكنا الثور السماوي ونحرناه

قهرنا خمبابا الساكن في غابة الأرز

فأيّ سنة من النوم  هذه التي غلبتك وتمكنت منك ؟

طواك ظلام الليل فلا تسمعني "

ولكن "أنكيدو" لم يرفع عينيه

فجسّ قلبه فلم ينبض

وعند ذاك برقع صديقه كالعروس

وأخذ يزار حوله كالاسد

وكاللبوءة التي اختُطف منها اشبالها

وصار يروح ويجيء أمام الفراش وهو ينظر إليه

وينتف شعره ويرميه على الأرض

مزّق ثيابه الجميلة ورماها كأنها اشياء نجسة - ص 126 و127) (20).

إنني أجد نفسي مضطرا إلى نقل مقاطع طويلة من الملحمة تصوّر ردة فعل جلجامش الرهيبة على موت أنكيدو ، لكي يرى القاريء الكريم أي منزلق وقع فيه ناجح المعموري وهو يحاول - بكل قسر وعنف - المطابقة بين جلجامش العراقي وبين يوسف التوراتي لمجرد أن الأخير بكى على أبيه بعد أن حنّطه وطاف به في عدّة مدن !! :

(من أجل أنكيدو ، خلّه وصاحبه

بكى جلجامش بكاءً مرّاً

وهام على وجهه في الصحارى (وصار يناجي نفسه) :

إذا ما متّ أفلا يكون مصيري مثل أنكيدو ؟

لقد حلّ الحزن والأسى بجسمي

خفتُ من الموت ، وها أنا أهيم في البراري - ص 128) (21).

ومن هنا ، تبدأ أعظم رحلة في التاريخ والوجود والكون على الإطلاق : رحلة البحث عن سرّ الحياة والموت ، وليس العودة إلى ممارسة دور وزير التجارة والميرة كما كان يفعل يوسف التوراتي . فعن أيّ تشابه بين جلجامش العراقي العظيم ويوسف اليهودي يتحدّث ناجح المعموري ؟

المزيد من المقالات...