clip_image002_aa21f.jpg

هدى عثمان أبو غوش

clip_image004_3e3cc.jpg

روايّة"نسيم الشّوق" للكاتب المقدسيّ جميل السّلحوت،عن مكتبة كل شيء في حيفا عام 2018.

وتقع الرّوايّة التّي تحمل غلافها الأول لوحة الفنّان التّشكيليّ محمد نصر الله،وصمّمهاوأخرجها شربل إليّاس. في 272 صفحة من الحجم المتّوسط.

العنوان ملائم لنّص الرّوايّة ، حيث تهبّ نسائم الشّوق أولا عند بطل الرّوايّة سهيل المحرّر  من المعتقل الذّي دام سنتيّن، ولقاؤه مع ذويه المفعم بالحنين والأشواق.

كما وتهبّ النّسائم بين الأحبّة من أبطال الرّوايّة "سهيل وناريمان ، وبين سامي ومديحة."

يجري عنصر الزّمان في أواخر السّتينات بعد إحتلال القدس1967وفي عهد جمال عبدالنّاصر ، أمّا المكان فتدور أحداث الرّوايّة عامّة في القدس وبيرزيت ورام الله.

تتطرق الرّوايّة إلى قضيّتيّن، الأولى الأسر والمتمثلّة بسهيل الذّي تحرّر من سجن شطّة، أمّا القضيّة الثانيّة التّي تستحوذ على الأحداث  فهي قضيّة الزّواج المختلط.

تطرح الرّوايّة قضيّة الزّواج المختلط بين الدّيّانات، ونظرة الأهل والمجتمع لهم . نجد الصراع وعدم تقبّل الزّواج عند أهل ناريمان من الدّيانّة المسيحيّة التّي تقع في حبّ سهيل المسلم لعدم موافقتهم ببدايّة الأمر وتخوفهم من عدم استقراره ، وكذلك خوفهم من الكنسية ونبذ المجتمع لهم، إلاّ أن ّ الحلّ السّحري يأتي في تجاهل رأي المجتمع والكنيسة، وبأنّ الله وحده من يحاسبهم ، ذلك أفضل من الوقوع في الفضيحة لو فكرّ الحبيبان بالهروب معا.

وهنا نرى أنّ الكاتب من خلال الرّوايّة قد أعطى الحلّ لكلّ من يصادفه مثل تلك المشكلة، مع العلم بأنّنا سمعنا في السّنوات السّابقة مقتل فتاة مسيحيّة من قبل أبيها؛ لأنّها أحبّت مسلما وأرادت الزّواج منه، فتلك القضيّة ليست سهلة وتقبلّها ليس بلأمر الهيّن .

اختار الكاتب شخصيتيّن متشابهتيّن في صفاتهما، فناريمان طالبة في معهد بيرزيت لأُسرة مسيحيّة، جميلة، جريئة تقع في حبّ سهيل المسلم طالب في نفس المعهد، وبالمقابل مديحة معلّمة مسلمة جميلة جريئة تتحدى وترفض العادات والتّقاليد، التّي تفرض عليّها الزواج من قريبها فتصارح سهيل بمشاعرها الأخوية نحوه، بينما تقع في حبّ سامي المسيحي الّذي أنقذها من الغرق، ولو كانت الشخصيتان مختلفتين لكان أفضل برأيي.

أثار الكاتب من خلال الرّوايّة قضيةّ التحايل على الدّين من أجل تحقيق رغبة ذاتيّة مثل سامي الذّي اعتنق الإسلام نفاقا. طرح حسن التّقارب بين المسيحي والمسلم من خلال علاقة أُمّ حنّا بسهيل واعتنائها به .

وأظهر روح التّعاون في المجتمع الفلسطينيّ في الأفراح والأتراح بيّن العادات والأصول في المناسبات.

احتوت الرّوايّة على الكثير من الأمثال الشّعبيّة التّي جذبتنا وجعلتنا نتفاعل معها كما وانّها أضافت حيّوية للرّوايّة، كما واحتوت على آيات من القرآن الكريم،وجاء الحوار شيّقا سلسا، وكانت الأغاني والزغاريد المرافقة بالهاهات حاضرة في الرّوايّة تعبيرا عن فرحة الأهل لتحرير سهيل من السّجن، إلاّ أنّ الكاتب أطال في إحدى الأُغنيّات(صفحة29) ولو اختصر برأيي لكان أفضل.

clip_image002_aa265.jpg

clip_image004_99fb4.jpg

صدرت رواية نسيم الشوق للشيخ جميل السلحوت عن مكتبة كل شيء في حيفا، عام 2018، وتتكون من 272 صفحة من الحجم المتوسط، من تصميم ومونتاج شربل الياس، وأمّا لوحة الغلاف فهي للفنان التشكيلي محمد نصرالله.

الزمان:

تدور أحداث الرواية بعد معركة الكرامة بسنتين، أي في بداية السبعينات والتي جبل فيها الدم الفلسطيني بالأردني دفاعا عن الوطن.

المكان:

ما بين القدس، يافا، رام الله، بير زيت، طبريا، أريحا، والجولان، وبعض القرى الفلسطينية مثل أبو قش، جفنا، عين سينيا، دورا القرع، والمخيمات، كمخيم الجلزون، يأخذنا الأديب جميل السلحوت في رحلة حياتية لبطلنا الأسير المحرر سهيل ابن حي بيت حنينا المقدسي، الذي خسر من حياته سنتين في سبيل قضيته.

الحدث الرئيسي:

بعد خروجه من المعتقل يرفض سهيل رغبة والدته بالزواج من ابنة خالته مديحة التي تعيش مع والدتها بعد أن تركهما والدها مصطحبا معه أشقاءها قبل ولادتها، كمغتربين في أمريكا، حيث يصر سهيل على ضرورة إكمال تعليمه العالي في الجامعة - معهد بير زيت آنذاك - قبل الزواج، فيتعرف أثناء دراسته على زميلته النصرانية (ناريمان) ومن ثم بأهلها، وبعض أقربائها، خصوصا خالتها "أمّ حنا" وابنتها الدكتورة (جورجيت) التي تعمل في مستشفى المطلع، وخطيبها الدكتور (الياس) الذي يعمل في مستشفى الهوسبيس، أمّا مديحة وهي الطرف الثاني في الرواية فتتعرف بالأستاذ سامي النصراني الذي انقذها من الغرق، وتتوطد علاقات الودّ بين الأسرتين ( مسيحيين ومسلمين) لدرجة التزاور وتناول الطعام سوية، ومن ثم دخول الأستاذ سامي في الاسلام؛ ليتسنى له الزواج من مديحة، ثم طلبها رسميا من أهلها، وتقدم سهيل للزواج من ناريمان بشكل رسمي أيضا، لكن بعد حدوث مشاكل بينها وبين شقيقها الذي رفض الموضوع من أساسه، وهددها بالقتل واعتدى عليها بالضرب، في الوقت الذي وافق والدها خوفا من أن تقوم بالزواج منه من خلف ظهورهم، كما فعلت عمّتها من قبل.

هنا طرح علينا الكاتب قضايا مهمة أبرزها قضية الأسرى في سجون الاحتلال، ومن جهة أخرى مشكلات الزواج المختلط بين أتباع الديانات السماوية، ووجهة نظر الاسلام منها، مستشهدا بذلك بآيات من القرآن الكريم، وكذلك وجهة نظر كل من الديانتين ( المسيحية واليهودية) ص 183

الأسلوب:

كعادته في رواياته يخلط بين الفصحى واللهجة المحكية، يدخل الأمثال الشعبية، والحكم، والشعر الشعبي، والعادات والتقاليد، و"المهاهاة" كقوله ص23:

هاي يا سهيل يا اسمراني عيروني فيك

هاي ويا كل ما عيروني زاد حبي فيك

هاي ولا ركب جواد الخيل واسرى فيك

هاي ويا ع ضو قمره وما خلي الجار يدري فيك

ومما لفت انتباهي هنا الوصف الدقيق للكثير من الأماكن التي ذكرها على سبيل المثال:

وصفه لحي بيت حنينا ص 136

وصفه لجبل قرنطل ص 19

بحيرة طبريا وما حولها من تضاريس ص 147 وغيرها.

العنوان:

يتناسب العنوان مع موضوع الرواية من حيث شوق الأسرى والأهل لبعضهم البعض، وشوقهم للحرية والعيش باستقرار وأمان، وشوق اللاجئين للعودة إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها، وشوقهم للتخلص من الاحتلال، والشوق الآخر هو شوق المحب لمحبوبته.

الغلاف:

بالنسبة للغلاف يغلب عليه اللون الزهري الذي تتوسطه اللوحة الفنية التي تبرز فيها زهور شقائق النعمان ( الحنون) النابتة على قمة بيت قديم، وفي احد طرفيها نساء بالثوب الفلاحي المطرز بالحرير، ويرمز لنساء المسلمين، بينما في الطرف الآخر فتاة ترتدي لباسا حديثا ( تنورة مع قميص) ويرمز للباس المسيحيين، وممكن القول أنه يرمز إلى الفرق بين الجيل القديم والجيل الجديد.

مآخذ:

وضع مثل في غير موضعه وهو" بعد ما شاب ودوه ع الكتّاب" ص 114

صحيح أنّ الرواية اجتماعية وتاريخية ووطنية بامتياز، إلا أنه أسهب كثيرا في السرد والحوار، وكان بامكانه اختصارها.

والزواج المختلط ظاهرة منتشرة في مجتمعنا الفلسطيني، وعانى من تداعياتها الكثيرون، وجيّد أنه تناولها، لكنه بسّطها ( من حيث موافقة الأهل على الزواج) ربما على أمل أن يساهم في إحداث التغيير في العادات والتقاليد التي تحكم هذا الأمر أكثر من الدين.

clip_image002_1a3cf.jpg

clip_image004_d98e4.jpg

clip_image006_57f7c.jpg

حلّت سلسلة قصص الأطفال "الذين أضاءوا الدّرب" للأديبة الأردنية ذات الأصول الفلسطينيّة د.سناء الشعلان ضيفة على البرنامج الثقافي للأطفال والشباب للمكتبة الوسائطية في طنجة/المغرب ضمن البرنامج الثقافيّ الخاصّ في هذا العام،وذلك عبر أكثر من حلقة قراءة ونقاش لأدبها.

 وقد قدّم القراءات القصصيّة للأطفال من هذه السّلسلة،وناقشهم فيها بعد التّعريف بالأديبة الشّعلان لجمهور الحضور من الأطفال المغاربة السيد عمر المحبوب/ المشرف على نادي أصدقاء القراءة وعلى فضاء الطّفل والمنشط الثقافي في المكتبة الوسائطية لمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين/طنجة/المغرب.

 وقد ذكر السيد عمر المحبوب أنّ اختيار هذا السلسلة ضمن البرنامج الثقافي للمكتبة لهذا العام يأتي تحقيقاً لهدف :" ربط أطفالنا بتاريخهم العربي المشرق المشرف من خلال تسليط الضوء على بعض أهمّ الأعلام العربية البارزة التي خلدت اسمها في مختلف حقول العلم والمعرفة".مضيفاً إلى أنّ البرنامج قد بدأ جلساته المتتالية ضمن المشروع بعرض قصّة " عبّاس بن فرناس:حكيم الأندلس" التي نالت اهتمام الأطفال،وهي قصة مصورة تروي قصة عباس بن فرناس العالم العربي الذي عاش في قرطبة في الأندلس إبّان حكم العرب لها ، وهي قصة تثبت قيم العمل والاجتهاد والجدّ ، وتطرح حلم البشرية بالطيران عبر مغامرة عباس بن فرناس في سبيل ذلك ، وهي تعرّج على حياة عباس ، وانقطاعه للعلم حتى لُقب بحكيم الأندلس ، وهو اللقب كانت العرب تهبه لمن يبرع في الاشتغال بمهنة الكيمياء والطب.

كما تطرح القصة بقالب قصصي شيق ، ولغة فصيحة رشيقة قويّة بعضًا من منجزات عباس ، وانتصاره على خصومه من المنافسين ، واحتفاء أهل عصره به ، ثم تعرض بعد ذلك إلى تجربته الشهيرة والتاريخية بالطيران من أعلى مئذنة جامع قرطبة، وهي مغامرة تكلّلت بالفشل ، وبسقوط عباس ، وبتعرضه لكثير من الأذى؛ لأنه أغفل أهمية استخدام ذيل ، ثم مات بعد أن تقدّم به العمر ، وهو يحلم بالطيران.

 والقصص التي يستهدفها البرنامج الثقافي من هذه السلسلة هي قصص:"العزِّ بن عبد السّلام: سلطان العلماء وبائع الملوك"،وقصة " عبّاس بن فرناس:حكيم الأندلس" ،وقصّة "زرياب: معلّم الناس والمروءة" ،وقصّة "هارون الرّشيد: الخليفة العابد المجاهد " ،وقصّة " الخليل بن أحمد الفراهيدي:أبو العروض والنّحو العربيّ" ،وقصّة " ابن تيمية: شيخ الإسلام ومحيي السّنّة " ،وقصّة الليث بن سعد: الإمام المتصدّق .

والجدير بالذّكر أن سلسلة "الذين أضاءوا الدّرب" قد حصلت المجموعة على أكثر من جائزة،منها: جائزة شرحبيل بن حسنة للعام 2008 للإبداع عن قصّة" زرياب" للعام 2008،و جائزة دار ناجي نعمان للثقافة عن السّيرة الغيرية للأطفال بعنوان (زرياب) للعام 2006.وذلك بعد أن أُشهرت رسمياً في معرض الكتاب في قطر في عام 2006.

 وهذه المجموعة هي مشروع عملاق بمواهب عربية وبأقلام مؤمنة بدورها في إيقاظ الأمة، وتحفيزها على استعادة دورها الإنساني الريادي، وهي فكرة سامية توفّرت لها النيات الطيبة ، والدّعم المادي ، والتفرّغ والإبداع لكي تقدّم طلبًا لأجر الله ، وسعيًا لمرضاته ، وأملاً في تقديم أدب للطفل المسلم ، يراعي ذوقه ، ويحترمه مزاجه وخصوصيته ، ويسمح لخياله بالتحليق دون أن يقطعه عن تاريخه أو حضارته أو دينه أو أمته ، أو أن يعيشه في خيال مضلّل مبني على الجهل والمغالطات والأخطاء ، بل هو أدب يقدّم للطفل ليربط ماضيه بحاضره ، ويوقظ داخله مشاعر الاعتزاز بأمته ،ويحثّه على استنهاض روح العمل والاقتداء بالآباء والسلف من العلماء والمبدعين الذين أعلوا بناء صروح الحضارة الإسلامية ،فالمجموعة تستحضر مواقف مشرقة من تاريخ أمتنا، وتعرّف بإعلام ،هم رموز من رمز أمتنا ومن من أركان نهضتها الإنسانيّة فضلاً عن الحضاريّة. وهذه القصص تُقدّم بأسلوبٍ حكائي ممتعٍ ومبسّط يلائم الأطفال تحت سن 16 سنة .

 فمشروع سلسلة الذين أضاءوا الدرب الذي رأى النور أخيرًا تحت مظلة نادي الجسرة الثقافي الاجتماعي في قطر يقدّم أدبًا غير ملوث ، ولا مشوهًا ولا مسممًا للناشئة العرب والمسلمين ، وذلك عبر قصص منفصلة شخصيات من التاريخ الإسلامي كان لها فضل حمل نبراس العلم ، وإضاءة الدّرب للإنسانية في شتّى حقول المعرفة والعلم والفنون والإبداع والتميّز.

 وقد حرصت السّلسلة على تقديم شخصيات خالدة قدّمت الكثير والمميز في حقول المعرفة والعلم والريادة الإنسانية ، ولكنّها لم تُكرّس كما يجب في قصصٍ للأطفال ، وبات من الواجب أن تُقدّم للأطفال في قصص تراعي ذوق الأطفال وفهومهم وإدراكاتهم ، وتمدّهم بما يحتاجون إليه من معلومات دقيقة متكئة على أمهات الكتب ومصادرها،فهذه المجموعة القصصية تعمل على الحفاظ على ذاكرتنا القومية، إذ إنّها تستعرض قصص حياة علماء قلّما يتناولهم البحث، ويجهلهم الكثير من أطفالنا الناشئة.

 كذلك تُعنى قصص السّلسلة بتعزيز الكثير من القيم الايجابية، وتحّث عليها،مثل: الإيمان بالله، الصبر، الإخلاص، الشجاعة، التصميم والإرادة، العمل الصادق، حبّ العلم، حبّ الوطن والأهل، التعاون، المغامرة، الاكتشاف،...الخ.

 والسلسلة تطمح إلى أن تقدّم في مرحلتها الأولى ألف قصة عبر خطة زمنية تمتدّ إلى سنوات ، يأخذ نادي الجسرة على عاتقه إنتاج جميع قصصها ، التي تحفل بالشكل الأنيق والرّسم الجميل الذي يجذب الطفل إلى المجموعة، ويفتحه على التخيّل،فهي قصص مقدّمه ضمن شرط طباعة ورسم وإخراج ومونتاج عالية الجودة.

 كما أنّها مضبوطة الحروف ، مشكولة الأواخر، وتعتمد أسلوب تقديم معجم مفسّر للكلمات الجديدة التي تستخدم في القصة ؛ بغية إثراء معجم الطفل ، وتعريفه بالكلمات.

صدرو كتاب: " الصورة، الإنسان و الرواية عبد الرحمن منيف أو شرق المتوسط مرة أخرى"

للباحث الدكتور عزيز القاديلي

clip_image002_bfdf4.jpg

عن دار النشر إي-كتب و بفضل المجهودات القيمة للسيدة شموس الصراف مديرة العلاقات العامة بهذه الدار، صدرت الطبعة الثانية من كتابي: " الصورة، الإنسان و الرواية عبد الرحمن منيف أو شرق المتوسط مرة أخرى"

 لقد حاولت في هذه الدراسة التي هي في الأصل أطروحة الدكتوراه المعنونة ب:" صورة الإنسان من خلال رواية هنا..الآن أو شرق المتوسط مرة أخرى لعبد الرحمن منيف" قلت أنني حاولت الانطلاق من تصور فكري أساسي مفاده أن الرواية كفاعلية تخييلية تقدم لنا تمثلات أو تصورات ثقافة ما عن نفسها، و بما أن الأمر يتعلق بالرواية العربية و بروائي كبير من حجم عبد الرحمن منيف إن السؤال الذي خامرني منذ مدة هو ما نوع التصورات و التمثلات التي تحملها روايات عبد الرحمن منيف على اعتبار أنها روايات تنتمي إلى الثقافة العربية.

لكن و أنا أحاول العمل على هذا الموضوع طرحت على نفسي السؤال التالي: إذا كانت الخطابات الفكرية و الفلسفية تشتغل على المفاهيم و الأفكار فما هي هذه الوسائل الأدبية التي تعتمدها الرواية لتنقل لنا عبرها تصوراتها و تمثلاتها؟ لقد قادتني هذه التساؤلات و غيرها إلى اعتماد مفهوم الصورة الروائية كوسيلة لمقاربة موضوع تمثل ثقافة لذاتها من خلال خطابها الروائي، و هنا كان لزاما علي أن أعيد بناء مفهوم الصورة الذي يتناول عادة في الخطاب الشعري من خلال مفاهيم المجاز و الاستعارة و الكناية، و أن أوسع من هذا المفهوم ليتلاءم مع الخطاب الروائي ذي الخاصية السردية. فقمت بالربط بين الصورة و مفاهيم مثل التمثل و التخييل، ثم الصورة قي الأدب المقارن ثم أنقل كل هذا إلى الصورة السردية أو الروائية.

السؤال الآخر الذي طرحته على نفسي هو كيف تتشكل هذه الصورة الروائية؟ و قد كان الجواب هو أن الصورة الروائية تتشكل من التقنيات الروائية و السردية في حد ذاتها، أي أن الروائية من بفعل مكوناتها السردية و بعلاقتها مع القارئ تعمل على تشكيل هذه الصورة.

و لقد قادني التحليل إلى تناول التقنيات السردية بالدراسة و إبراز كيف تعمل هذه التقنيات من أجل إنتاج صورة سردية، و بالفعل توقفت عند عتبات النص و الجنس الروائي في حد ذاته، ثم انتقلت إلى دراسة السارد و المنظور السردي ثم توقفت كثيرا عند أثر الشخصية حسب منظور الباحث فانسون جوف الذي أفادني كثيرا في تحليل صورة الشخصية الروائية،و ختمت دراسي بتناول مفهوم المكان باعتباره هو الآخر يساهم في بلورة و تشكيل الصورة.

و النتيجة العامة التي خلصت إليها من خلال دراسة الصورة الروائية هي أن عبد الحمن منيف ينطلق في إبداعه الروائي من خلفية فكرية نظرية يمكن تسميتها بنزعة إنسية أدبية، و هذه النزعة هي التي تحركه للدفاع عن الإنسان العربي و فضح الوضع اللاإنساني الذي يعيشها الإنسان العربي و الذي يرمز إليه بالإنسان الذي يعيش شرق المتوسط.

إن روايات عبد الرحمن منيف منشغلة بفضح الوضع اللاإنساني للإنسان العربي و هي إذ تفعل ذلك فمن أجل العمل أدبيا و مجتمعيا و حضاريا على بناء وضع إنساني لهذا الإنسان العربي.

لا أدعي أن دراستي شاملة و متكاملة، المهم أنني حاولت تقديم تصوري الخاص لمفهوم الصورة الروائية من جهة و حاولت دراستها من خلال أهم الروائيين العرب الذين اهتممت بقراءتهم بنهم و شغف و لذة و كان لزاما علي كقارئ أن أتفاعل مع هذا الإبداع و أن أحاول تناوله من خلال أهم القضايا التي تشغل الساحة الأدبية العربية المعاصرة.

clip_image002.jpg

لم تأت فكرة رواية "نسيم الشوق" للأديب جميل السّلحوت من فراغ، فكما عودنا دوما، يغوص في أعماق مجتمعه الفلسطيني ليلتقط قضاياه، يعيد إنتاجها من جديد بأسلوبه.. متجنبا التنظير والشعارات،  يبثها عبر أعماله الأدبية في قالب مشوق جميل، يلقي ضوءا ساطعا عليها؛ ليراها القارىء بعيون الكاتب.

ظاهرة الزواج المختلط، الزواج من شريك يعتنق ديانة مختلفة، هي ظاهرة موجودة في مجتمعنا الفلسطيني العربي، على الرغم من أنها لا زالت غير مقبولة على المستوى الاجتماعي  قبل المستوى الديني، إذ يبدو أنّ مفهوم " العيب" يغلب مفهوم " الحرام" في بعض الأحيان، فلماذا يتقبل المجتمع زوجة الابن الأجنبية التي عاد ابنهم معها من بلاد الغربة إلى الوطن، وقد تكون مسيحية أو حتى بوذية؟  ولا اعتراض على ذلك بعكس ابنة البلد التي تجد اللاءات أمامها تشكل عائقا يقف في طريق سعادتها وسعادة شريكها؟

لم تحرّم الديانات الارتباط بشريك يعتنق ديانة أخرى، ولكنها وضعت شروطا لتنظيم العلاقة، لا أكثر ولا أقل، إلا أن المجتمع وضع هذه الظاهرة في مربع "العيب"، وفق عاداته وتقاليده، مما جعلها غير مقبولة، وتم استغلالها أداة لزرع الفتن وإراقة الدّماء، ونسوا أن الفتنة أشدّ من القتل.

وكما عوّدنا السلحوت أيضا، فلا بد من اصطحاب القارىء في جولات ورحلات في ربوع بلادنا الجميلة المغتصبة، للتعريف بجمالية فلسطين الخلابة، فكان يستغل كل فرصة ممكنة للحديث عن تاريخ وجغرافية وأصالة وجماليّة المكان.

لم يفوّت الكاتب فرصة إبراز قضية أسرى الحرّية، المعتقلين في سجون الإحتلال الاسرائيلي، بل  اتخذها قاعدة انطلقت منها روايته بقوة، مرّر من خلالها رسائل عديدة هامة لها علاقة بظروف الأسرى ونفسياتهم، وضرورة إعادة تأهيلهم بعد تحريرهم من المعتقلات. ابتدأت روايته بمشهد خروج البطل من المعتقل، إذ أن " سهيل المحمود" أمضى عامين كاملين في سجن شطّة غربي مدينة بيسان، وسهيل ذاته  الذي قرر العودة إلى مقاعد الدراسة، التقى زميلة  له في الدراسة في معهد بيرزيت اسمها "ناريمان جريس"  تعتنق الديانة المسيحية، فأحبها.. بعد أن وجد فيها الصفات التي يحلم بها، فهي الأصيلة الوطنية القائدة والجميلة أيضا،  لم يجد في اعتناقها الديانة المسيحية أيّ مشكلة في الإرتباط بها. 

كان ربطا موفّقا من الكاتب، قائدان وطنيان، هو يعتنق الدّيانة الإسلاميّة ، وهي تعتنق الدّيانة المسيحيّة، يقفان معا ضد الاحتلال وانتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، يصرّان على أن يجمعهما رباط الزوجية المقدس؛ ليكملا مشوارهما في ظل عش الزّوجيّة، يكونان أسرة جميلة مبنية على المحبة وتقبل الآخر دون عقد خلّفتها العادات والتقاليد الاجتماعية، التي تسيطر على حياة ومفاهيم المجتمع، هما على قناعة تامة بأنهما قادران على التصدي لهذه التقاليد والعادات البالية.

لاحظت مدى تعمق الكاتب في بناء الشخوص، كان موفقا جدا في وصف تناقضات مشاعر مديحة، التي دفعتها كرامتها للإعلان أمام الملأ بأن سهيل لا يعني لها سوى أخ، ولن تقبل الارتباط به أبدا، وعندما اختلت بنفسها، لم تدري أتلوم نفسها على هذا الموقف؟ فقد تكون تسرعت.. هل كان موقفا سليما؟  كان مونولوجا موفق جدا.  لم تنم تلك الليلة وهي تتقلب في فراشها، كذلك عندما ذهبت إلى المدرسة، كان مزاجها مشوشا، لم تستطع إعطاء الحصة الدراسية للطالبات، شعرت بوعكة صحية.. فالحالة السيكولوجية تنعكس بشكل مباشر على الحالة الفسيولوجية، بعدها وجدت ضالتها بالأستاذ سامي متري الذي أنقذها من الغرق. وهو مسيحي أيضا، ولكن الفراغ العاطفي جعلها تفكر به، خاصة وأنها وجدت أرضا خصبة لذلك، أما ما لم أقتنع به هو سرعة اعتناق سامي للديانة الاسلامية، حتى قبل أن يأخذ الموافقة الصريحة من مديحة بأنها ترضى به عريسا بعد إسلامه! فلم يكن بينهما قصّة حب وعشق كبيرة تدفعه للتّخلي عن ديانته للزّواج منها بهذه السّهولة.

أمّا موقف أسرته الرّافضة فكان موفقا جدا.

وكذلك تحطيم زجاج سيارات والد ناريمان، وإشارة صليب مرسومة على مقدمتها، بعد موافقته على زواج ابنته من سهيل (المسلم).  وقد مرّر الكاتب رسالة بأن هناك أيادي تلعب في الخفاء لإشعال الفتنة، كان ربط هذه الظاهرة بزرع وإثارة الفتن لفتة ذكيّة من الكاتب.

في الختام، رواية "نسيم الشّوق" حقّا بمثابة النّسيم العليل الرّقيق الذي يبشّر القارىء بغيثٍ آت،  فالأمل يبقى دوما الشعلة التي تبقي على حياتنا، والتفاؤل يبقى البوصلة الذي يدلنا على الطريق الصحيح لمسيرة أفضل، فلنختر طريقنا وفق قناعاتنا،  فالسعادة قرار، والإصرار قرار، والمبادرة قرار . فإن لم يتخذ المرء قرارا.. يكون قد اتخذ قرارا بعدم اتخاذه القرار.

المزيد من المقالات...