dfsfafd1078.jpg

ربما هي الكاتبة الوحيدة من سلسلة أسماء من هم في القلب التي بقيت متفرّجا أمام كثافة المعلومات وزخم تصنعه هذه الكاتبة، التي تعرفت عليها من خلال كتاب يؤرخ للرّوح الفلسطينيّة منهجا وتاريخا وإضافات.. كتاب بعنوان :

 " رسائل من القدس وإليها " جمعها بالأديب الفلسطينيّ المعروف جميل السّلحوت، صدر الكتاب عام 2022 عن مكتبة كل شيء في حيفا، بعثت لي مشكورة نسخة إلكترونيّة منه؛ لأجد ذاتي تنغمس في مضمونه، وكلّي فرح أن أطالع محطّات ورؤى وتاريخا ومشاهد وحكايات ومتابعات، واكبت جيدا هاجس كتاب يرصد مشاهد وشواهد، تحيلك على أن تعيش ذكريات وإحالات، تلوّن المشهد الرّائع لهؤلاء الذين تميّزت كتاباتهم بالإضافات الواعية وبتجارب خاصّة، تلازم ذواتهم ونهجهم الواعي في عالم الكتابة ..

كنت أتواصل معها من لحظة عشت مضامين ذلك الكتاب الخالد "رسائل من القدس وإليها"  جمعني التّواصل بكاتبة فلسطينية هي " صباح بشير"،  التي لم يكن تناغمي معها مجرّد رقم إنسانيّ عرفته كي أضمّها لقائمتي الرقميّة، بل كان تواصلا هادفا ومشتركا وإنسانيّا، لمست من خلاله هذا الكمّ الهائل من المحبّة التي تغدقها الكاتبة الرّوائيّة صباح بشير في كلّ ومضة كتبتها.

كانت تتابع مقالاتي وكذا ومضاتي، تتابع حتى ما أكتبه في الشّأن الجزائريّ، خاصّة ما تعلّق بالمناسبات الوطنيّة، كانت تؤشّر لي بالتّعاليق حتى في لقطات تتعلّق بتلك الومضات التي تربطك بالمكان والكينونة. إنسانة راقية رصدها المعنى والقلب، كنت أطالع جديد ما يكتبه النّقاد فيها، سيل من دراسات تضمّن تخمين كلّ كاتب، رصدت إصدارها الذي كان يؤشّر للرّوح الفلسطينيّة وللكينونة الإنسانيّة التي رافقت منهجا جادّا وواعيا ونضاليّا، ارتبط بنا حتّى نحن في الجزائر، الذين كنّا على صلة بالنّضال الوطنيّ.

"صباح بشير" كانت تصنع الجديد الثقافيّ، في كلّ مكان ارتبط اسمها بحراك ثقافيّ تصنعه هذه الكبيرة ضمن نشاطاتها الثقافيّة في نادي حيفا الثقافيّ، وهناك يرتسم المشهد جميلا وأنت تعيش أطوار ندوة ثقافيّة فيها كلّ تلك الإضافات من أسماء تصنع الجديد الإبداعيّ والفنيّ، تلازم الشّعر والقصّة والومضة والخاطرة والفكر، و ما الى ذلك من الجديد المتجدّد، مما يصنعه كبار الفكر والإبداع، وأسماء دأبت الحضور للنّادي كي  تصنع الحدث الثقافيّ المميّز  .

صفحة الكاتبة صباح بشير لم تكن مضامين لعروض الأزياء وجديد صناعات مواد التجميل، بل كانت كلّها لقاءات تجمعك بالجديد المتجدّد وبتجارب من هنا وهناك، وتسهر الكاتبة الراقية بشير على ترسيم ذلك الوعيّ الثقافيّ والقيميّ والحضاريّ؛ لتنسج خلاصة هي عين تخمين من يرافقونها في نادي حيفا الثقافيّ، الذي بقى حتى السّاعة يصنع الجديد ويلازم الشأن الثقافيّ، بروح عصريّة ومتحضّرة، باعثة على الفكر الواعي بعيدا عن الهرطقة الزّائدة، وعلى رؤى لا تليق بالأهداف التي يسطّرها عادة منهج عمل نادي حيفا الثقافيّ.

كتاب الرّسائل التي جمعها بالأديب الرّوائيّ الفلسطينيّ الكبير جميل السّلحوت، ألهمني رؤية كنت أحبّبت قراءتها ومطالعتها من خلال ما هو متعارف عليه ب " أدب الرّسائل" حينما قرأت يوما منبهرا وتعلّمت فعلا وغصت بتاريخ عام 1987، بما كنّا نطالعه أسبوعيّا  بشوق ومن باريس عبر ما كان يهندسه كبار فلسطين، الشّاعر الكبير محمود درويش من المهاجر الأوروبيّة وسميح القاسم من فلسطين، عبر كتاب "الرّسائل".. قرأنا تلك الحلقات التي تؤشّر لرؤية فلسطينيّة خالصة، حيث عشت شخصيا هوسا من احتراق إبداعيّ جميل، تلوّنه الرّسائل المختلفة للرّاحلين معا سميح القاسم، ومحمود درويش.

كذلك كانت رسائل الكاتبة صباح بشير وجميل السّلحوت، نعيش عبرها زخما معلوماتيا كبيرا، ذكّرتي بما كان يصنعه الكبار عبر تاريخ من كانوا يصنعون هاجسا أدبيّا ومعلوماتيّا تصنعه حبكة الرّسائل، وحراكها العجيب في جلب المعلومات وتسويقها للقارئ؛ كي يعيش المعلومة والهاجس وتلك الرّوح النفسيّة التي تلازم رحيقا تصنعه صور من مشاهد الحياة .

وكذلك عبر التّاريخ عايشنا هذه الفصول الجميلة، تصنعها لغة الرّسائل كتلك الرّسائل المتبادلة بين " غسان كنفاني " و" غادة السمان، " وبين " غادة السّمان " و" أنسي الحاج "، ورسائل

 " مي زيادة " إلى "جبران "، ورسائل "الرّافعي" إلى "مي زيادة".

تاريخ حافل بالرّسائل التي واكبت سيلا من تفاصيل تصنعها لغة الرّسائل، تمنح الأطراف متعة معلوماتيّة راقية وتحيلنا نحن على سرد من فرح .

كذلك صنعت صباح بشير وجميل السّلحوت هذا الأثر الجميل من معايشات لهما في فلسطين وخارجها في أوروبا وأمريكا ومناطق زارها كلاهما، يمنحان القارئ روحانيّة مشهد يعايشه هؤلاء الذين يصنعون الجديد من خلال معايشاتهم المختلفة .

كتب الأديب جميل السّلحوت في إحدى رسائله الى الكاتبة الرّوائيّة صباح بشير:

" زرت عام 2015 مع وفد من وزارة الثقافة الفلسطينيّة الجزائر الشقيقة، لمست التحام الشّعب الجزائريّ مع الشّعب الفلسطينيّ، وقضيتنا العادلة، فهم فلسطينيّون مثلنا وأكثر.

وينظرون الينا بقداسة، شاهدت لافتات مثبّتة ودائمة في الشّوارع، تحمل شعارا للرّئيس الرّاحل هواري بومدين "مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"،" استقلال الجزائر منقوص مادامت فلسطين محتلة".

وفي رسالة أخرى من صباح بشير إلى جميل السّلحوت :

" كانت ولا تزال في وسط بيتنا زاوية مميّزة تضمّ مكتبة خاصّة لوالدي، تدهشني بكلّ ما تحتويه من الكتب الثّقافيّة والأدبيّة، وغيرها من كتب علم النّفس التي كان والدي شغوفا بها، كان يشرف بنفسه على ترتيبها فيقسّم الكتب إلى مجموعات، يضع الموسوعات والكتب القيّمة في الرّفوف العليا، وفي الرّفوف التي تليها يرتّب ما بقي من الكتب تبعا لحجمها ومحتواها، كانت أمّي تتدخّل أحيانا، فتعيد التّرتيب بلمستها الفنّيّة الجميلة، وتضيف بعض اللّوحات الصّغيرة والتّماثيل المنحوتة، ممّا يضفي على المكتبة سحرا خاصا وبعدا ثقافيّا آخر، فيتحوّل ذلك الرّكن من البيت إلى نقطة جماليّة مبهرة مميزة.

حوّلتني تلك المكتبة لقارئة شرهة، كنت أنظر إلى تلك الزّاوية من المكتبة على أنّها ملكي الخاصّ، فقد كان إخوتي يفضلون اللّعب على القراءة، لذا كنت أشعر بالتّفرد، وأنّ تلك الزّاوية تخصّني وحدي، فهي تنقلني دون حواجز إلى عوالم أخرى أقابل فيها شخصيّات مميّزة، ذات فكر تاريخيّ، إنتاج وأدب.

 كان والدي يعمل معلما في إحدى المدارس الإعداديّة، كنت أفرح بعودته، فهو دائما ما يحمل الجديد من الكتب، كان يتوجّه مباشرة إلى المكتبة، فأشرع في مراقبته وانتظار حصّتي من القصص، ويا لفرحتي فهو لم يخذلني أبدا، كان يفرغ حقيبته الصّغيرة، تلك التي كان يضع فيها دفاتر العلامات الطّلابيّة وكتب المنهاج الدّراسيّ، فيخرج منها ما ابتاعه خصّيصا لنا، يعرضه مبتسما بهيبة وحنان، باسطا محبّته الكبيرة في قلوبنا الصّغيرة".

سيرة ذاتية: 

الكاتبة صباح بَشير:

بكالوريوس علوم اجتماعيّة وإنسانيّة.

ماجستير دراسات ثقافيّة.

طالبة دكتوراة في موضوع علم الإجتماع التطبيقي.

صدر للكاتبة: "رسائل من القدس وإليها" وهو كتاب مشترك مع الأديب جميل السّلحوت.

* رواية بعنوان: "رحلة إلى ذات امرأة" وهي رواية تغوص في أعماق النّفس الأنثويّة، وتسلّط الضّوء على رحلتها في الحياة.

كتاب نقدي بعنوان: "شذرات نقديّة"...صادر مؤخرا عن دار الشّامل للنّشر والتّوزيع في نابلس، وبالتّعاون مع نادي حيفا الثقافيّ، يقع في (327) صفحة من القطع الكبير، وقد أهدته بشير إلى والدتها، وإلى روح والدها، تقديرا لفضلهما ودعمهما لها في مسيرتها الثقافيّة.

يضمّ الكتاب مجموعة من المقالات النّقديّة التي تناولت بعض الأعمال الأدبيّة العربيّة والمحلّيّة، وتتنوَّع بين تحليلات نقديّة لأعمال روائيّة وقصصيّة وشعريّة، ودراسات أدبيّة، قسم منها تمّت كتابتها بهدف إلقائها في نادي حيفا الثقافيّ، كمحاضرات قصيرة ومداخلات مختصرة.

 اشتمل كتاب "شذرات نقديّة" على قراءات لأعمال عدد من الأدباء المرموقين محليّا وعربيّا، من بينهم: الكويتيّ إسماعيل فهد إسماعيل، الجزائريّ واسيني الأعرج، الأردنيّ يحيى القيسي، والأردنيّة أمل المشايخ.

وهي ناشطة ثقافيّة واجتماعيّة، وعملت في مؤسّسات إنسانيّة واجتماعيّة، وشاركت الكاتبة صباح بشير في إعداد سلسة من الكتب التوثيقيّة لنادي حيفا الثّقافيّ.

عملت مديرة تنفيذية لمؤسسة المنار المقدسيّة، التي تسلّط الضوء إعلاميّا على قضايا المرأة الفلسطينيّة ..

قامت بتمثيل هذه المؤسسة محليّا ودوليّا وكان يصدر عنها مجلة بعنوان "منارة القدس" التي كانت تكتب فيها تحرّرها، كما شاركت في العديد من المؤتمرات وورشات عمل والنّدوات في البلاد وخارجها..

 عَمِلت في التّحرير وكتابة المحتوى، وتكتب في الصّحف العربيّة والمحليّة.

عَمِلت محاضرة لفترة في كلّية إعداد المعلمين "بيت بيرل".

مديرة تحرير موقع نادي حيفا الثّقافيّ.

وعن هاجس الكتابة تقول الكاتبة صباح بشير :

" لطالما سكنني هاجس الكتابة، وأشعرني بارتباطي الإنسانيّ مع الحياة، فالكتابة نور يتسلّل إلى شغاف القلب ليبدّد ظلمته، تخلق لي جناحين من شغف، أطير بهما، فأرى نفسي ومواقفي وشخصيّتي بشفافيّة ووضوح، ويا لقوّتها وجمالها فهي الشّاهد الصّامت الحيّ على الحياة، عالم خلق وعطاء، ومتعة تولد في حياة الكاتب وتكبر معه، كفعل حريّة وحبّ عظيم".

وكتبت أيضا رؤية جادّة، لها ذلك البعد القيـميّ المتميّز :

" كم أنا آسفة حين تحكمنا المناطقيّة والجِهَوِيّة، وتقيّدنا حدود الجغرافيا. أؤمن أنّ الإنسانيّة هي هُوِيّتي الحقيقيّة، وأنّ حدود الجغرافيا لا تقاس بالكيلومترات، بل بمدى اتّساع آفاقنا ونبل مشاعرنا، من العيب أن تكون النّخبة من مثقّفينا مناطقيين! فالمثقّف الحقيقيّ هو الذي يؤمن بوحدة الإنسانيّة، وأنّنا جميعا ننتمي إلى عائلة واحدة، هي عائلة الإنسانيّة".

كذلك عايشتُ حرف الكاتبة صباح بشير التي وضعتها مذ عرفتها في قائمة من رصدهم القلب واحدة من عشيرتي ومن قبيلتي، واحدة هي من عائلتي، واحدة و كما ترون ، هي فعلا في القلب.

fdsfsg1078.jpg

 (1903 - 19 أغسطس 1981) 

    هو محمد سليمان الأحمد الملقب ببدوي الجبل، شاعر وسياسي سوري.

    ولد في قرية ديفة في محافظة اللاذقية، سوريا، وهو أحد أعلام الشعر العربي في القرن العشرين.

وكانت الوفاة 19 أغسطس 1981 (78 سنة) في سوريا

وهو عضو في مجمع اللغة العربية بدمشق.

 وله من الإخوة والأخوات: أحمد سليمان الأحمد.

 ومن الأقرباء محمد كامل صالح (أبناء الإخوة).

 وهو شاعر، وسياسي، ينتمي إلى الحزب الوطني.

   وكان والده الشيخ سليمان الأحمد (عضو مجمع اللغة العربية في دمشق وشارح ديوان المكزون)

  وأبناؤه: منير، أحمد، الأستاذ عدنان، وله بنت واسمها جهينة توفاها الله في مقتبل العمر.

لقبه:

   «بدوي الجبل» لقب أطلقه عليه يوسف العيسى صاحب جريدة «ألف باء» الدمشقية في عشرينيات القرن الماضي.

    حيث دخلُ الشاعرُ الشاب إلى مكتب رئيس التحرير محتجاً على تذييل قصيدته بغير اسمه، فيقنعه “عيسى” بأن الناس يقرأون للشعراء المعروفين وأنه ليس مشهوراً بعد، بينما سيدفعهم الاسم المستعار إلى قراءة الشعر للشعر والتساؤل عن حقيقة كاتبه!

   «أنت في ديباجتك بداوة، وأنت ابن الجبل» بهذه الكلمات وُلِدَ لقب “بدوي الجبل” كما يروي “عزيز نصار” في كتابه “بدوي الجبل ذاكرة الأمة والوطن”.

حياته:

   انغمس بدوي الجبل في حقل السياسة فانتخب نائباً في مجلس الشعب السوري 1937م، وأعيد انتخابه عدة مرات ثم تولى عدة وزارات منها الصحة 1954 والدعاية والأنباء.

    غادر سوريا 1956 متنقلاً بين لبنان وتركيا وتونس قبل أن يستقر في سويسرا.

   ثم عاد إلى سوريا 1962م، وبقي فيها حتى توفي يوم 19 أغسطس سنة 1981.

    كان من أنصار الرئيس شكري القوتلي، مدح الفرنسيين ثم ذمهم، هاجم حزب البعث أثناء هزيمة حزيران كما أشاد بأبطال سوريين مثل: إبراهيم هنانو، ويوسف العظمة.

شعر بدوي الجبل: دراسة موضوعية، وفنية:

     شعر بدوي الجبل يمثل الشعر الكلاسيكي من حيث تحقيق التوازن بين الخيال والفكرة، من الناحية الروحية تأثر شعرياً بجده المكزون حيث انعكست بعض الإشارات الصوفية في ثنايا شعره، شعره السياسي المقاوم للاستعمار الفرنسي يصلح اليوم لمقاومة الاستعمار الغربي.

   يعتبر بدوي الجبل، والأخطل الصغير، وعمر أبو ريشة، والجواهري رموز الشعر الكلاسيكي العربي.

   وهو ينتمي إلى الطائفة العلوية، ويقول في ذلك:

مسلمٌ كلما سجدت لربي

فاح من سجدتي الهدى والعبير

وكان شديد الاعتزاز بعروبته حيث قال:

عربيٌ فلا حماي مباحٌ

عند حقي ولا دمي مهدور

  وقد هجا بدوي الجبل جمال عبد الناصر في قصيدته كافور.

   نالت الشاعر ازاء قصيدته من وحي الهزيمة المصائب والويلات حتى أنه اختطف من بعض العصابات ما أدى إلى جعله يغرق في الوحدة ويعتزل السياسة.

   ومن أشهر قصائده: اللهب القدسي، والكعبة الزهراء والبلبل الغريب، وابتهالات، وخالقة، وشقراء، وحنين الغريب.

    تأثر بالمتنبي شعرياً حتى قيل انه متنبي القرن العشرين. كتب عنه العضيمي دراسة تحت عنوان «هذا هو بدوي الجبل» وهي دراسة متحاملة عليه تفتقر إلى الموضوعية.

أمثلة من شعره:

أنا لا أرجّي غير جبّار السماء ولا أهاب

بيني وبين الله من ثقتي بلطف الله باب

أبدا ألوذ به وتعرفني الأرائك والرّحاب

لي عنده من أدمعي كنز تضيق به العياب

يا ربّ: بابك لا يردّ اللائذين به حجاب

مفتاحه بيديّ يقين لا يلمّ به ارتياب

ومحبّة لك لا تكدّر بالرّياء ولا تشاب

وعبادة لا الحشر أملاها عليّ ولا الحساب

وإذا سألت عن الذنوب فإن ّ أدمعي الجواب

هي في يميني حين أبسطها لرحمتك الكتاب

إنّي لأغبط عاكفين على الذنوب وما أنابوا

لو لم يكونوا واثقين بعفوك الهاني لتابوا

وله قصيدة لطيفة في الطفولة منها:

سلي الجمر هل غالى وجُنَّ وعُذبا

كفرتُ به حتى يشوقَ ويعذبا

ولا تحرميني جذوة بعد جذوةٍ

فما اخضلّ هذا القلبُ حتى تلهبا

هبيني حزنا لم يمرّ بمهجة

فما كنت أرضىَ منكِ حزناً مجرباً

وصوغيه لي وحدى فريداً وأشفقي

على سرِّه المكنون أن يتسربا

فما الحزن إلاّ كالجمال أحبه

وأترفهُ ما كان أنأى وأصعبا

خيالك يا سمراء مر بغربتي

فحيَّا، ورحبَّنا طويلاً ورحبا

أرى طيفك المعسول في كل ما أرى

وجِدتُ، ولكن لم أجد منه مهربا

سقاني الهوى كأسين: يأساً ونعمةً

فيالك من طيف أراح وأتعبا

وناولَني من أرز لبنان نفحةً

فعطر أحزاني، وندىَّ، وأخصبَا

وثنىَّ بريَّا الغوطتين يذيعها

فهدهد أحلامي، وأغلى وطيّبا

وهل دللت لي الغوطتان لبانةً

أحب من النعمى وأحلى وأعذبا

وسيماً من الأطفال لولاه لم أخف

على الشيب - أن أنأى وأن أتغربا

ود النجوم الزهر لو أنها دُمى

ليختار منها المترفات ويلعبا

يجور، وبعض الجوْر حلوٌ محببُ

ولم أر قبل الطفل ظلماً محبَّبا

ويغضبُ أحياناً ويرضى، وحسبنا

من الصفو أن يرضى علينا ويغضبا

ويوجز فيما يشتهي - وكأنه

بإيجازه دلاً أعاد وأسهبا

يزفُّ لنا الأعياد عيداً إذا خطا

وعيداً إذا ناغى، وعيداً إذا حبا

ويا ربّ من أجل الطفولة وحدها

أفض بركات السلم شرقاً ومغربا

وردّ الأذى عن كل شعب وإن يكن

كفوراً، وأحببه وإن كان مذنبا

وصن ضحكة الأطفال يارب إنها

إذا غردت في موحش الرمل أعشبا

ملائك لا الجنات أنجبن مثلهم

ولا خلدها - أستغفر الله - أنجبا

ويارب: حبّب كل طفل فلا يرى

وإن لج في الإعنات وجهاً مقطبا

من مؤلفاته:

البواكير - شعر 1925.

الأعمال الكاملة - 1979.

أصداء الرحيل:

“بدوي الجبل” الذي واجه الطغاةَ والجبابرة

    وكتب الأديب محمَّــــد عبد الشَّــافي القُوصِــي يقول:

إذا سألتني مَن شاعركَ المُفضّل؟ أقول لك: بدوي الجبل!

   وإذا سألتني مَن الشّاعر الذي كنتَ تتمنّى مصاحبته؟ 

أقول: بدوي الجبل!

   وإذا سألتني مَن الشاعر الذي ترجو مرافقته في الجنّة؟ 

أقول: بدوي الجبل!

   وإذا سألتني ما هو الديوان الذي تحفظه عن ظهر قلب؟ أقول: ديوان بدوي الجبل!

إنه أعظم شعراء العربيّة بعد “أبي الطيّب المتنبّي”!

   وقد دفع ثمن شجاعته في عصر الهزائم، وزمن الخيانات والتنازلات! وفي ظلّ شعوب لديها قابلية الاستعباد! وفي ظل مجتمعات تخشى أن تواجه نفسها بالحقيقة، لأنها استمرأتْ الظلم، وعشِقتْ الديكتاتورية!

   لقد دفع –شاعرنا- ضريبةً باهظة، فقد هاجم الطغاةَ والجبابرة، وهاجم “حزبَ البعث” بضراوة بعد هزيمة حزيران المُخزية … فعاقبته وزارات التعليم في الوطن العربي، ولم تنشر له بيتاً واحداً ضمن مقرراتها الدراسية، ولم تُذاع له قصيدة واحدة في الإذاعات العربية الكاذبة، والفضائيات الخاطئة!

   (بدوي الجبل) يُمثّل السقف الأعلى في الشّعر الكلاسيكي من حيث التوازن بين الخيال والفكرة، فامتزج شعره الروحي والصوفي بشعره السياسي المقاوم للاستعمار الفرنسي. كما أنه يُمثّل مدرسة شعرية مستقلة، حتى قيل: إنه متنبّي القرن العشرين!

   ولعلَّ شعره الجميل دليل على أنّ الشِّعر العربي مطبوع وليس مصنوعاً إلاّ لدى الشعراء المتكلِّفين. ومن أجمل قصائد “بدوي الجبل”: اللهب القدسي, الكعبة الزهراء, البلبل الغريب, ابتهالات, خالقة, شقراء, حنين الغريب, من وحي الهزيمة.

   ينتمي –شاعرنا- إلى أعرق بيوت العلم والفضل والكرم في أرض الشام، وقد ظهر أثر ذلك في شعره الدّيني، فاستمع إليه وهو يترنّم في ابتهالاته ومناجاته:

أنا لا أُرجّي غير جبّار السماء ولا أهابُ

بيني وبين الله مِن ثقتي بلطف الله بابُ

أبداً ألوذ به وتعرفني الأرائك والرّحابُ

لي عنده من أدمعي كنز تضيق به العبابُ

يا ربّ: بابك لا يردّ اللائذين به حجابُ

مفتاحه بيديّ يقين لا يلمّ به ارتياب

ومَحبّة لك لا تُكدّر بالرّياء ولا تشاب

وعبادة لا الحشر أملاها عليّ ولا الحساب

وإذا سألتَ عن الذنوب فإنّ أدمُعيَ الجواب

هي في يميني حين أبسطها لرحمتك الكتاب

إنّي لأغبط عاكفين على الذنوب وما أنابوا

لوْ لمْ يكونوا واثقين بعفوكَ الهاني لتابوا !

     كان “بدوي الجبل” معتزاً بعروبته اعتزازاً شديداً، وكان لا يَكفّ عن تحريضه الشعوب للأخذ بالثأر ممن اغتصبوا الأوطان، فيقول في قصيدة (إني لأشمتُ بالجبّار):

يا سامر الحيِّ هلْ تعنيكَ شكوانا؟

رقَّ الحديدُ وما رقّوا لبلوانا!

ويلَ الشعوبِ التي لم تُسقِ من دمها

ثاراتها الحمر أحقاداً وأضغانا

ثاراتُ يعربَ ظمآى في مراقدها

تجاوزتها سقاة الحيّ نسيانا

لا خالد الفتح يغزو الروم منتصراً

ولا المُثنّى على رايات شيبانا

     إنّ الخيط الذي يربطني بالشاعر “بدوي الجبل” عداوة الطغيان، وكراهية الاستبداد، ومن أروع قصائده في هذا الباب، قصيدة (فرعون) التي وجّهها للرئيس عبد الناصر، مُتهكّماً من سياسته الخرقاء، ومُعرّضاً به وبزبانيته، وبالجرائم التي ارتكبها في حق أُمته، وعدّد أخطاءه وخطاياه، كحرب اليمن، وغيرها، يقول فيها:

فرعون عاد فكيفَ .. كيفَ

وقد عصفتَ به يعودُ؟!

أرض الكنانة ما بها

إلاَّ المتوّجُ والعبيد

فرعونُ مصر، وأنتَ مَنْ

رشَقَ المصاحف، لا الوليدُ

فرعون مصرَ، وأنتَ مَنْ

قتلَ الهواشم، لا يزيد

فرعونُ ذَلَّ به اليهودُ

وأنتَ عزَّ بكَ اليهود !

الغدرُ طبعكَ والدسائسُ

والخيانة والجحود !

باد الطغاة جميعهم

أمّا الشعوبُ فلا تبيد !

    كما عارضَ سياسة (أنور السادات) وهجاه هجاءً مُرًّا، بسبب تصالحه مع الصهاينة، ومن ثمّ قطيعته للشعوب العربية. كما تنبأ باقتراب رحيله وزوال جبروته، وذلك في قصيدة طويلة بعنوان (كافور) التي نشرناها كاملةً في كتابنا (شعراء في مواجهة الطغيان) فقد استلهم “الشَّاعر” التاريخ برموزه ودلالاته التاريخية والسياسية، يقول:

كافورُ قد جُنَّ الزمانُ

وإليكَ آل الصولجانُ !

كافورُ طاغية، وفي

بعض المشاهد بهلوانُ !

مَنْ أنتَ؟ لا المجدُ

الأصيلُ، ولا شمائله اللدانُ !

لا العبقريةُ فيكَ مُشرِقة

ولا الخُلُق الحِسانُ !

كافورُ عرشكَ للفناءِ

وربما آنَ الأوانُ !

الخالدان -ولا أعدُّ الشمسَ-

شِعــري والزمـــانُ!

   رحمَ الله الشاعر الفذ (بدوي الجبــل) وعوّضنا شاعراً مثله … حتى لا تضيع ذاكرةَ الأمة!

الاتجاه السياسي في شعر بدوي الجبل:

قصيدة كافور:

    وكتب الشاعر الكبير بدوي الجبل في هجاء جمال عبد الناصر عدة قصائد منها قصيدته المشهورة كافور وقصيدة فرعون ...ولقد جلبت له قصيدة من وحي الهزيمة في هجاء طاغية سورية الويلات، وها هو يقول في قصيدة كافور ....

كافور قد جنّ الزّمان وإليك آل الصولجان

خجل السّرير من الدّعيّ وكاد يبكي الأرجوان

أين الأهلّة والكواكب والشوامح والرّعان؟

الهاشميّون انطووا وأميّة كانوا فبانوا

كافور جمّع حول عرشك كلّ من حقدوا وهانوا

مجد البغيّ تعاف بهرجه المخدّرة الرزان

حرّك دماك فإن أردت قسوا وإن آثرت لانوا

الخاضعون لما تشاء وما دروه وما استبانوا

النّاعمون على اليهود على رعيّتك الخشان

للعفّ تخوين بدولتهم وللصّ ائتمان

   لقد جمع عبد الناصر حوله الضباط الأشرار من مثل صلاح وجمال سالم وعبد اللطيف البغدادي والمشير الأحمر عبد الحكيم عامر...الذين كانوا قساة وأشداء على الشعب المصري ورحماء باليهود ..

    ويعيب على عبد الناصر أنه أشبع المصريين بالخطب الرنانة والكلام المعسول، وعندما وقعت الواقعة انكشف زيفها..

أشبعت بالخطب الجياع فكل هادرة خوان

حفل السماط ومن فرائدك الموائد والجفان

خطب الرئيس هي الكرامة والعلى، وهي الضمان

هي للجياع الطيبات وللعراة الطيلسان

هي للعفاة النازحين لبانة وهوى وحان

خطب مصبّغة وتعرف من مباذلها القيان

من كلّ عاهرة وتحلف أنّها الخود الحصان

إلحن وكرّر ما تشاء فإنّها الخطب الحسان

وإذا رطنت فإنّها عرباء خالصة هجان

كافور قد عنت الوجوه فكيف لا يعنو البيان؟

   لقد انقلبت الموازين في عهد طاغية مصر، فأصبحت العاهرة طاهرة، وأصبح الغلط واللحن فصاحة وبلاغة .

***

  ولقد استخف الرئيس بالفكر ودوره في بناء الأمم وفسح المجال للطرب والفنانين...وأصحاب المواخير ...

الفكر من صرعى هواك ومن ضحاياك الحنان

يغني الشام عن الكرامة والنعيم المهرجان

حشدت لطلعتك الجموع فهوّن الخبر العيان

هتفوا فبين شفاههم وقلوبهم حرب عوان

غرثى ويتخم من لحوم الأبرياء الخيزران

عضّت ظهورهم السياط فكلّ سوط أفعوان

الرّاكعون، السّاجدون عنوا لك والمناهل والجنان

القاطفون كرومهم ولك السلافة والدنان

الحاضنون شقاءهم ولك المتارف واللّيان

الظامئون ويومهم شرس الهواجر إضحيان

المالكون قبورهم لمّا عصفت بهم فحانوا

لك عذرة العرس الحزين فما تعز ولا تصان

ولك الظلال فبعض جودك أن يفيّئهم مكان

ودماؤهم لك والبنون فما الأباطح والرّعان

ولك العبادة لا لغيرك والتشهّد والأذان

كافور أنت خلقتهم كونوا _ هتفت بهم _ فكانوا

   لقد أصبحت المرأة الشريفة مهانة في عهد الطاغية ..

كافور من بعض الإماء زبيدة... والخيزران

مروان عبد من عبيدك لا يزان ولا... يشان

للسّوط جبهته إذا استعلى وللقيد البنان

يا مكرم الغرباء والعربي محتقر... مهان

   لقد زور التاريخ الاسلامي المجيد، وشوه صورة العظماء ...

تاريخ قومي في يديك يدان حسبك ما يدان

زوّرته وسطا على الأقداس أرعن ألعبان

ما عفّ في الموتى هواه ولا الضمير ولا اللّسان

يا عبقري الظّلم فيه لك ابتداع وافتنان

   وكان عبد الناصر عبقريا في الظلم والجور، وكان أسداً هصورا على شعبه، وجبانا أمام العدو .

***

وأصبح الشعب عبيدا لا يحسون بالذل والهوان ...

نحن العبيد فلا تحرّكنا الضغينة واللعان

لا الفقر يلهب في جوانحنا الإباء ولا الهوان

فاسجن، وعذّب، واستبح حرماتنا ولك الأمان

همدت حميّتنا على الجلىّ ومات العنفوان

من رقّ فتحك حازنا سيف، وأحرزنا سنان

والذلّ أطياب العبيد فما البخور وما اللّبان

والظلم من طبع الجبان، وكلّ طاغية جبان

   ولله دره على هذه الحكمة الباهرة التي نطق بها في البيت الأخير ..

***

   ولقد رفع شعراء البلاط عبد الناصر حتى ألهوه، فقال قائلهم:

للناس رب وللعرب ربان. الله أول والناصر الثاني

   لقد أصبح جمال عبد الناصر صنما يعبد عند الطابور الخامس...وزمرة النفاق ...

يا أيّها الصنم المدلّ فما مناه وما المدان

إن الّهوك فربّما فضح الألوهة ثعلبان

***

   ويمجد الشاعر الكبير بدوي الجبل الطبيعة على عادة شعراء الرومانسية، فيقول:

بأبي السّهول جمالها كرم ونعمتها اختزان

المذهبات كما تموّج في الضّياء الزعفران

عهدي بها أخت الرّبيع وللمهور بها إران

تلك المروج شذا وافياء وساجعة وبان

وسنابل للطّير ينقذها فينفرط الجمان

وثغاء ماشية ويصهل في مراعيها... حصان

لا خصبها غبّ ولا سقيا غمامتها... دهان

زهراء تجذب كلّ أرض وهي مخصبة عوان

وشي الغمام فما الطنافس والحرير وأصفهان

سلمت جباتك، قطننا عاف وحنطتنا والهيلمان

سلمت جباتك لا الخماص من الشياه ولا السمان

أغلى من الفرس الجواد _ ولا شمات به _ العنان

لا الزرع يضحك في المروج ولا يضوع الأقحوان

خرس البلابل والجداول دلّه الشكوى حزان

***

الضارعات إلى السماء ولا تجاب ولا تعان

كالأمهات الثّاكلات فعزّ شم... واحتضان

وأد الهجير بناتهنّ فكل روض صحصحان

بين السماء وبينها ثدي الأمومة واللبان

نسيت أمومتها السماء فما يلمّ بها حنان

***

أممزّقّ الأرحام لا يبني على الحقد الكيان

غرّب وشرّق في هواك وخن فمثلهم يخان

واغز الكواكب بالغرور فأنت منصور معان

بالخطبة العصماء تقتحم المعاقل والقنان

والشتم من آلات نصرك لا الضراب ولا الطّعان

ولك الفتوح المعلمات ومن بشائرها عمان

كافور طاغية وفي بعض المشاهد بهلوان

من أنت في الحلبات تقحمها إذا احتدم الرّهان

فضح الهجين بشوطه لؤم المنابت والحران

من أنت؟ لا المجد الأصيل ولا شمائله اللّدان

لا العبقرية فيك مشرقة ولا الخلق الحسان

لا الفكر مؤتنف العطور ولا البيان ولا الجنان

لا السرّ عندك أريحي المكرمات ولا العلان

من أنت؟.. إن ذكر العظام ورنّح الدّنيا افتنان

من أنت؟.. لولا صوبة الطّغيان، أنت إذن فلان

***

كافور عرشك للفناء وربّما آن الأوان

الخالدان _ ولا أعد الشمس _ شعري والزّمان

   ويؤكد بدوي الجبل خلود الحق، وزوال الظلم والطغيان إلى غير رجعة ..

***

فرعون:

     وكتب بدوي الجبل هذه القصيدة منددا بفرعون مصر جمال عبد الناصر يقول فيها:

يا نجد جنّات و بيد بكليهما سكر النشيد

ألرملة الظمأى حنين الشّوق و الرّوض المجود

أرجت صباك . يجيد _ حين يشمّها _ من لا يجيد

و عرائس الأحلام نعمان الجزيرة و النفوذ

وقوافل بمتاهة، ألنجم قائدها الوحيد

وهوادج لحمى السيوف وحولها العدد العديد

رنّ الحليّ بها وجرجر في مباركه قعود

ألجهد هدّ قلوصها بالرّمل والمرعى الجهيد

والشيح قاطعة النسيم فلا يميل ولا يميد

وأشعّة كالنار . تبر ، ما لسائله جمود

ثمّ الضّحى فاذا عيوا فبظلّ عيسهم الرّقود

حتّى إذا أخفى الضّياء غدائر لليل سود

فالبدر والحادي وخطو بين سحرهما وئيد

وعلى الرّبى النيران عطّر وهجها غار وعود

هي والصباح له عمود ضاحك ولها عمود

وصهيل أفراس وراغية واضياف وجود

ونسيمة هفهافة ثم المناهل و الورود

ومدلّهان نأت ديارهما وما نأت الكبود

حملت حنينهما الصبا بأبي الرسالة و البريد

رضوى خيال قصائدي و طيوف أجفاني زرود

أنا ملك إلهامي فلا أبدي هناك ولا اعيد

ما رحت أحكم بالقصيد و راح يحكمني القصيد

إن شاء تمّ لنا اللقاء وإن يشأ كتب الصدود

والأمر ما يختاره هو سيّد وأنا المسود

وأريده فيفوتني ويزور ساعة لا أريد

سرّي واجهل كنهه فقديم صحبتنا جديد

والرّوح أقرب ما إليك وغيبها الدّاني البعيد

***

ألشعر أنغام معطّرة ولؤلؤة وجيد

فيه الهوى والأريحية والسلافة والمزيد

فرح مقيم في سرائرنا وقافية شرود

وأوزانه عقد الحرير على العرائس لا القيود

الصائنات له كما صينت بعفّتها النهود

نور تحدّده الحروف وتخطئ النور الحدود

أحلة الصّعاب قصائد ونواعم كالورد خود

ومن التّمنّع ما يدلّه بالجمال وما يزيد

الشعر والحسن المدلّ كلاهما طاغ عنيد

***

أنا من تغنّيه النجوم على السلاف فيستعيد

وعلى المشيب و عبئه ممّا يؤود ولا يؤود

لتصيدني نجل العيون وقد أغير وقد أصيد

ما كان يقنعني اللقاء فصرت تقنعني الورود

سمراء كالأحلام : جفناها وجفن اللّيل سود

ألحسن يحسد نفسه فيها ، لقد كرم الحسود

و يغار من شهديّها جاراه : سالفة و جيد

***

سمراء حبّك صحوي السكران و الغيّ الرّشيد

لفّي على الجسد البرود تؤرج الدّنيا البرود

ألروح فيك فريدة يزهو بها جسد فريد

ذكراك إن عزّ اللّقاء للوعتي كأس وعود

***

أنا ساحر لمس الغصون وضمّها فهي القدود

ومن الشقائق حين أقطفها المراشف والخدود

ومن الدّموع وقد ضننت بها اللآليء والعقود

وغمزت عطر الأقحوان فنوّرت شفة برود

عندي الكنوز فكيف تسألني النّجوم ولا أجود

أعطي وتسأل _ لا نملّ _ فتستزيد و أستزيد

شهب السّماء تفرّقت في الأفق تنقص و تزيد

كتب الضّياء لبعضها ولبعضها كتب الهمود

والعبقريّة كالضحى من بعض نعمته الوجود

وأنا الغريب بموطني وأنا المشرّد والطريد

***

قل للّدات بتدمر عزّ المفاخر والنديد

سجن تضيق كهوفه والسهل منبسط مديد

ألدهر أقعدني ولم يك من شمائلي القعود

والسقم فوّت أن أشارككم وذروته كؤود

شرفا على عضّ القيود فشارة الشرف القيود

أسمى القلوب هو الرّحيب على النوازل والجليد

نحن الحماة الأوّلون . قبور صرعانا الشهود

نحن العقيدة والرسالة والمعارك والحشود

إن يصرع البطل النجيد تقدّم البطل النّجيد

وتقاسم الكوخ الوديع النصر والفصر المشيد

أيّام لا الطبقات مزّقت الصفوف ولا الحقود

كفرت جهود كالضحى لله و الوطن الجهود

أنا و العهود فلم يضع حبّ ولم تنكث عهود

عيني الضنينة بالدموع و قلبي المضنى العميد

ماد الطغاة بكم ، فيا فلك السماء ألا تميد ؟

فلك يدور ولم أجد فلكا أتيح له الرّكود

بيني وبين الظّلم نار وغى يشبّ لها وقود

ألحبّ عدّتي الوحيدة لا السّلاح و لا الجنود

وتهون عندي النائبات فلا ألين ولا أحيد

يا ربّ عفوك إن سألت وأنت تعلم من أريد

من أيّ طين أنشئ الظمآن للدم و الحقود

أللّينون على العدوّ وبأسهم فينا شديد

جلّ الوداد فكان من أسماء عزّتك الودود

ألغير وجهك في كنانتك العبادة والسجود

فرعون عاد فكيف كيف وقد عصفت به يعود ؟

ما للطّغاة سيادة ، يخشى الظلام و لا يسود

دنيا العروبة رجّها بالهول شيطان مريد

صبغت بألوان الأذى فخطوبها حمر وسود

أرض الكنانة ما بها إلاّ المتوّج والعبيد

***

فرعون مصر : وأنت من رشق المصاحف لا الوليد

فرعون مصر : وأنت من قتل الهواشم لا يزيد

سمّيت فرعون الكنانة وهي تسمية كنود

فرعون ذلّ به اليهود وأنت عزّ بك اليهود

طامن غرورك . لم تدم عاد ولا بقيت ثمود

ولئن ذكرت فإنّ ذكرك لا الزكيّ ولا الحميد

ولئن حكمت فإنّ عيشك لا الهنيّ ولا الرّغيد

تتناهب الأشلاء نومك والعواصف والرّعود

وهواجس اليمن السّعيد . ورجّك اليمن السّعيد

***

مغرى بحبّ الإمّعات طريف حكمك و التّليد

من كلّ أبله عاثر وغد يضرّ و لا يفيد

الغدر طبعك والدسائس والخيانة و الجحود

يتسلّل النذل الجبان دجى وتقتحم الأسود

***

أميتّم الأطفال: لا جدّ عناك و لا حفيد

أمّ ممزّقة وفي أحضانها هشم الوليد

شكت الأرامل والثّكالى والطفولة والمهود

يا قاتلا بأخ أخاه . كلا قتيليك الشّهيد

أولا تخاف على بنيك وقد تعثّرت الجدود

أن يستجاب دعاء ثاكلة وأدمعها تجود

فترى بنيك مصرّعين ولا تضمّهم اللحود

مكد للنّبي ودينه ألله فوقك إذ تكيد

باد الطّغاة جميعهم أمّا الشعوب فلا تبيد

خلّ الكرامة وشأنهم خلق الكرام لكي يسودوا

 من وحي الهزيمة:

     وكتب الشاعر بدوي الجبل قصيدة بعد نكسة حزيران عام ١٩٦٧م فكانت القاضية عليه وعلى أسرته حيث خطفه الأمن وضرب حتى فقد الذاكرة وأصيب بصعوبة النطق حتى مات.

رمل سيناء قبرنا المحفور

وعلى القبر منكر ونكير

كبرياء الصحراء مرّغها الذلّ

فغاب الضحى وغار الزّئير

لا شهيد يرضي الصحارى، وجلّى

هارب في رمالها وأسير

أيّها المستعير ألف عتاد

لأعاديك كلّ ما تستعير

هدّك الذعر لا الحديد ولا النار

وعبء على الوغى المذعور

أغرور على الفرار؟! لقد ذاب

حياء من الغرور الغرور!

ألقلاع المحصّنات – إذا الجبن

حماها – خورنق وسدير!

لم يعان الوغى (لواء) ولا عانى

(فريق) أهوالها و(مشير)

رتب صنعة الدواوين.. ما شارك

فيها قرّ الوغى والهجير

وتطير النسور من زحمة النّجم،

وفي عشّه البغاث يطير

جبن القادة الكبار وفرّوا

وبكى للفرار جيش جسور

تركوه فوضى إلى الدور، فيحاء،

لقد ضمّت المساء الخدور!

هزم الحاكمون – والشعب في

الأصفاد، فالحكم وحده المكسور

هزم الحاكمون. لم يحزن الشعب

عليهم، ولا انتخى الجمهور

يستجيرون! والكريم لدى الغمرة

يلقى الردى ولا يستجير!

لا تسل عن نميرها غوطة الشام

ألحّ الصدى وغاض النمير

وانس عطر الشام، حيث يقيم

الظلم تنأى.. ولا تقيم العطور

أطبقوا.. لا ترى الضياء جفوني

فجفوني عن الضياء ستور

بعض حرّيتي السّماوات والأنجم

والشمس والضحى والبدور

بعض حرّيتي الملائك والجنّة

والراح والشذا والحبور

بعض حرّيتي الجمال الإلهيّ

ومنه المكشوف والمستور

بعض حرّيتي ويكتحل العقل

بنور الإلهام، والتفكير

بعض حرّيتي. ونحن القرابين

لمحرابها، ونحن النذور

بعض حرّيتي، من الصّبح أطياب

ومن رقّة النسيم حرير

نحن أسرى، ولو شمسنا على القيد

لما نالنا العدوّ المغير

لاقتحمنا على الغزاة لهيبا

وعبرنا وما استحال العبور

سألوني عن الغزاة فجاوبت:

رمال تسفى ونحن الصّخور

سألوني عن الغزاة فجاوبت:

ليال تمضي ونحن الدّهور!

هل درت عدن أن مسجدها الأقصى

مكان من أهله مهجور

أين مسرى البراق، والقدس والمهد

وبيت مقدّس معمور؟

لم يرتّل قرآن أحمد فيه

ويزار المبكى، ويتلى الزّبور

طوي المصحف الكريم، وراحت

تتشاكى آياته والسطور

تستبى المدن والقرى هاتفات

أين.. أين الرّشيد والمنصور!

يالذلّ الإسلام. إرث أبي

حفص بديد مضيّع مغمور

يا لذلّ الإسلام: لا الجمعة الزه

راء نعمى. ولا الأذان جهير

كلّ دنيا المسلمين مناحات

وويل لأهلها وثبور

لبست مكّة السّواد، وأبكت

مشهد المرتضى ودكّ الطور

هل درى جعفر؟ فرفّ جناحاه

إلى المسجد الحزين يطير!

ناجت المسجد الطّهور، وحنّت

سدرة المنتهى وظلّ طهور

أين قبر الحسين؟ قبر غريب!

من يضمّ الغريب أو من يزور

أين آي القرآن تتلى على الجمع

وأين التهليل والتكبير؟

أين آي الإنجيل؟ فاح من الإنجيل

عطر وضوّأ الكون نور

أين روما؟ وجلّ حبر بروما

مهد عيسى يشكو ويشكو البخور

ألنصارى والمسلمون أسارى

وحبيب إلى الأسير الأسير

صلب الرّوح مرّتين الطّواغيت!

جراح كما يضوع العبير

يا لذلّ الإسلام والقدس نهب

هتكت أرضه فأين الغيور

قد تطول الأعمار لا مجد فيها

ويضمّ الأمجاد يوم قصير

من عذولي على الدّموع؟ وفي المروة

والرّكن والصفا لي عذير

وحرام عليّ أن ينزل البشر

بقلبي وأن يلمّ الحبور

كحلت بالثّرى الخصيب جفون

وهفت للثرى الحبيب ثغور

لا تشقّ الجيوب في محنة القدس

ولكنّها تشقّ الصدور

حبست أدمع الأباة من الخوف

ويبكي الشذا وتبكي الطيور

أنا حزن شخص يروح ويغدو

ومسائي مع الأسى والبكور

أنا حزن يمرّ في كلّ باب

سائل مثقل الخطى منهور

طردتني الأكواخ، والبؤس قربى

وتعالت على شقائي القصور

يحتويني الهجير حينا، ولا يرحم

أسمال فقري الزمهرير

وعلى الجوع والضنى والرّزايا

في دروبي أسير ثمّ أسير

نقلتني الصحراء حينا.. وحينا

نقلتني إلى الشعوب البحور

حاملا محنتي أجرّر أقدامي

ويومي سمح الغمام مطير

حاملا محنتي أوزّعها في

كلّ دنيا وشرّها مستطير

محنتي الغيث إن أرادوا وإلاّ

فهدير البركان والتدمير

حاملا محنة الخيام، فتزورّ

وجوه عنّي وتغلق دور!

ألخيام الممزّقات وأمّ

في الزّوايا وكسرة وحصير

وفتاة أذلّها العرى والجوع

ويلهو بالرمل طفل صغير

كلما أنّ في الخيام شريد

خجل القصر والفراش الوثير

خجل الحاكمون شرقا وغربا

ورئيس مسيطر ووزير

هيئة للشّعوب تمعن في الذنب

ولا توبة ولا تكفير

شارك القوم كلّهم في أذانا

ومن القوم غيّب وحضور

من قوانينها المداراة للظلم

ومنها التغريب والتهجير

ويقام الدستور، أضحوكة الساخر

منّا ويوأد الدستور

كلّ علم يغزو النجوم ويغزو

بالمنايا الشعوب علم حقير

والحضارات بعضهنّ بشير

يتهادى وبعضهنّ نذير

نعميات الشعوب شتّى، فنعمى

حمدت ربّها ونعمى كفور

لن يعيش الغازي وفي الأنفس

الحقد عليه، وفي النّفوس السّعير

يحرق المدن، والعذارى سبايا

وصغير لذبحه وكبير

دينه الحرق والإبادة والحقد

وشتم الأعراض والتشهير

صوّرته التوراة بالفتك والتدمير

حتى ليفزع التصوير

من طباع الحروب كرّ وفرّ

والمجلّي هو الشجاع الصبور

ليس يبنى على الفجاءات فتح

علمي في غد هو المنشور

تنتخي للوغى سيوف معدّ

ويقوم الموتى وتمشي القبور

عربيّ فلا حماي مباح

- عند حقدي – ولا دمي مهدور

نحن أسرى، وحين ضيم حمانا

كاد يقضي من حزنه المأسور

كلّ فرد من الرّعية عبد

ومن الحكم كلّ فرد أمير

ومع الأسر نحن نستشرف الأفلاك

والدائرات كيف تدور

نحن موتى! وشرّ ما ابتدع الطغيان

موتى على الدّروب تسير

نحن موتى! وإن غدونا ورحنا

والبيوت المزوّقات قبور

نحن موتى. يسرّ جار لجار

مستريبا: متى يكون النشور

بقيت سبّة الزمان على الطاغي

ويبقى لنا العلى والضمير

سألوا عن ضناي، محض تشفّ

هل يصحّ المعذّب الموتور

أمن العدل أيّها الشاتم التاريخ

أن تلعن العصور العصور؟

أمن النبل أيّها الشاتم الآباء

أن يشتم الكبير الصغير

وإذا رفّت الغصون اخضرارا

فالذي أبدع الغصون الجذور

إشتراكيّة؟! وكنز من الدرّ

وزهو ومنبر وسرير

إشتراكيّة تعاليمها: الإثراء

والظّلم والخنا والفجور

إشتراكيّة! فإنّ مرّ طاغ

صفّ جند له ودوّى نفير

كلّ وغد مصعّرالخدّ لا سابور

في زهوه ولا أزدشير

يغضب القاهر المسلّح بالنّار

إذا أنّ أو شكا المقهور

ينكر الطّبع فلسفات عقول

شأنهنّ التعقيد والتعسير

كلّ شيء متمّم لسواه

ليس فينا مستأجر وأجير

بارك الله في الحنيفيّة السمحاء

فيها التسهيل والتيسير

ورقيب على الخيال.. فهل يسلم

منه المسموع والمنظور؟

عازف عن حقائق الأمر لوّما

وكفى أن يلفّق التقرير

فيجافي أخ أخاه ويشقى

بالجواسيس زائر ومزور

لصغار النّفوس كانت صغيرات

الأماني وللخطير الخطير

يندر المجد، والدروب إلى المجد

صعاب، ويكثر التزوير

علموا أنّه عسير فهابوه

ولا بدع فالنفيس عسير

محنة الحاكمين جهل ودعوى

جبن فاضح ومجد عثور

نهبوا الشعب، واستباح حمى المال

جنون النعيم والتبذير

كيف يغشى الوغى ويظفر فيها

حاكم مترف وشعب فقير

مزّقوه، ولن يمزّق، فالشعب

عليم بما أرادوا خبير

حكموه بالنّار فالسيف مصقول،

على الشعب حدّه مشهور

محنة العرب أمّة لم تهادن

فاتحيها وحاكم مأجور

هنكوا حرمة المساجد لا جنكيز

باراهم ولا تيمور

قحموها على المصلّين بالنّار

فشلو يعلو وشلو يغور

أمعنوا في مصاحف الله تمزيقا

ويبدو على الوجوه السّرور

فقئت أعين المصلّين تعذيبا

وديست مناكب وصدور

ثم سيقوا إلى السّجون، ولا تسأل،

فسجّانها عنيف مرير

يشبع السوط من لحوم الضحايا

وتأبّى دموعهم والزفير

مؤمن بين آلتين من الفولاذ

دام، ممزّق، معصور

هتفوا باسم أحمد فعلى الأصوات

عطر وفي الأسارير نور

هتفوا باسم أحمد فالسّياط الحمر

نعمى وجنّة وحرير

طرف اتباع أحمد في السّماوات

وطرف الطاغي كليل حسير

عبرة للطغاة مصرع طاغ

وانتقام من عادل لا يجور

ألمصلّون في حمى الله يرديهم

مدلّ بجنده مخمور

جامع شاده في حمى الله يرديهم

أمويّ معرّق منصور

لم ترع فيه قبل حكم الطّواغيت -

طيور ولا استبيحت وكور

مطلق النّار فيه، في الجمعة الزهراء

شلو دام وعظم كسير

والذي عذّب الأباة رأي التعذيب

حتّى استجار من لا يجير

قدماه لم تحملاه إلى الموت

فزحف على الثرى لا مسير

وخزته الحراب وهو مسوق

لرداه، محطّم مجرور

ويجيل العينين في إخوة الحكم

وأين الحاني وأين النّصير؟

كلّ فرد منهم لقتل أخيه

يصدر الرأي منه والتدبير

وإذا يذبح الرّفيق رفيق

منهم والعشير فيهم عشير

يأكل الذئب، حين يردى، أخوه

ويعضّ العقور كلب عقور

إرجعوا للشّعوب يا حاكميها

لن يفيد التهويل والتّغرير

صارحوها فقد تبدّلت الدّنيا

وجدّت بعد الأمور أمور

لا يقود الشعوب ظلم وفقر

وسباب مكرّر مسعور

والإذاعات! هل تخلّعت العاهر؟

أم هل تقيّأ السكيّر؟!

صارحوها.. ولا يغطّ على الصدق

ضجيج مزوّر وهدير

واتّقوا ساعة الحساب إذا دقّت

فيوم الحساب يوم عسير

يقف المتّهمان وجها لوجه

حاكم ظالم وشعب صبور

كلّ حكم له – وإن طالت

الأيّام – يومان: أوّل وأخير

كلّ طاغ – مهما استبدّ – ضعيف

كلّ شعب – مهما استكان – قدير

وهب الله بعض أسمائه

للشعب، فهو القدير وهو الغفور

يبغض الظّلم ناصحيه، وإنّي

لملوم في نصحكم معذور!

يشهد الله ما بقلبي حقد

شفّ قلبي كما يشفّ الغدير

وجراحي ينطفن شهدا وعطرا

أدمعي رحمة وشعري شعور

يرشف النّور من بياني فإنّ

غنّيت فهو المدلّه المخمور

وطباعي على ازدحام الرزايا-

لم ينلها التبديل والتغيير

مسلم.. كلّما سجدت لربّي

فاح من سجدتي الهدى والعبير

ومع الشيب والكهولة قلبي

- كعهود الصّبا – بريء غرير

بي حرّيتي وإيماني السمح

فحلمي هان وجفني قرير!

لم أهادن ظلما وتدري اللّيالي

في غد أيّنا هو المدحور!

لم أهادن ظلما وتدري اللّيالي

في غد أيّنا هو المدحور!

لم أهادن ظلما وتدري اللّيالي

في غد أيّنا هو المدحور!

الكعبة الزهراء:

     يحمل شعره تلك النبرة القوية وتلك الجزالة التي لاتجدها إلا في شاعر مطبوع، ولا يخفى على القارئ تأثره بالمتنبي، وكل المعاني التي تناولها فيها روح الشاعر القوي المتمكن من لغته المعتز بشاعريته، يحلق بك في سماء الخيال حينما تقرأ له، وله تمكن من اللغة يمد تلك المعاني المتألقة فلا يكاد ينقطع نفسه في قصيده، يقول الشاعر عمر أبو ريشة عن شعر البدوي: (ديباجة مشرقة، وأسلوب متين، وإحساس مرهف يقف في الصف الأول من شعراء العالم العربي) وقد صنف هو والأخطل الصغير وعمر أبو ريشة والجواهري بأنهم رموز الشعر العربي الكلاسيكي.

   ومن شعره الاسلامي قصيدته المشهورة (الكعبة الزهراء):

     فإن هذا هو عنوان القصيدة التي كتبها الشاعر، يتشوق إلى بيت الله الحرام والكعبة المشرفة، سرة الدنيا ومغناطيس المحبين وقطب رحى العالم الإسلامي، حيث يفيض النور على تلك القلوب والأرواح، فتغتسل من أوضار الدنيا وأوحال الذنوب، وكأنها ولدت من جديد ولادة روحية خالصة، إنها شعائر الله المعظمة، ورموز الدين التي ارتضاها لعباده، فالكعبة والحجر والركن والمقام وزمزم وعرفات ومنى، أية معان تغمر الروح وهي تتنقل بين هذه المقدسات العظيمة؟ ياله من شعور يعيد للحياة نقاءها، ويعيد للمؤمن تلك الصلة بخالق الكون جل جلاله، لأن الجسم يطوف بالكعبة والفم يقبل الحجر واليد تلمس الركن والعقل يتأمل في معانيها ولكن القلب متعلق بخالق الكون وبرب البيت جل جلاله ومتوجه إليه متجردا ملبيا مستجيباً لأمره : (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، وسواء حج الشاعر أو لم يحج - وهو الراجح- فقد صور شوقه للأراضي المقدسة بقصيدة من مطولاته شرح فيها كل أشواقه وتأملاته عنوانها (الكعبة الزهراء) قال فيها:

بنور على أم القرى وبطيب

غسلت فؤادي من أسى ولهيب

لثمت الثّرى سبعا وكحّلت مقلتي

بحسن كأسرار السماء مهيب

وأمسكت قلبي لا يطير إلى (منى)

بأعبائه من لهفة ووجيب

     وكأن ذلك الوادي، وادي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، والمدينة التي احتضنت ذلك النور، لاتغيب عن خيال الشاعر وهو يذكر هذه المشاعر، ولعله أراد أن ينبه تلك المهجة الغارقة في هيامها حتى تتمتع بدار الحبيب صلى الله عليه وسلم، ويقول لها: إن الخصب الحقيقي هو خصب الهدى وما سواه دنيا فانية:

فيا مهجتي : وادي الأمين محمد

خصيب الهدى : والزرع غير خصيب

   وقبل أن يطول التفاته يعود إلى الكعبة الغراء لتذوب الروح في سنا ضيائها:

هنا الكعبة الزّهراء . والوحي والشذا

هنا النور. فافني في هواه و ذوبي

ويا مهجتي : بين الحطيم وزمزم

تركت دموعي شافعا لذنوبي

وفي الكعبة الزهراء زيّنت لوعتي

وعطّر أبواب السماء نحيبي

      إنها مشاعر الشوق وناره المضطرمة تتراكم على ذلك الخيال المتوثب فتراه يتنقل بسرعة بينها، وكأني به بعد أطفأ لوعة الشوق من تلك الأماكن، عاد يتلمس أسراراً أخرى من تلك الفريضة فريضة الحج:

وردّدتِ الصحراء شرقا و مغربا

صدى نغم من لوعة ورتوب

تلاقوا عليها، من غني ومعدم

ومن صبية زغب الجناح وشيب

نظائر فيها: بُرْدهم بُرْدُ محرم

يضوع شذا: والقلب قلب منيب

أناخوا الذنوب المثقلات لواغبا

بأفيح – من عفو الإله – رحيب

وذلّ لعزّ الله كلّ مسوّد

ورقّ لخوف الله كلّ صليب

     وليت! ولكن هل تنفع شيئا (ليت) ليت هناك بقية للشباب ليخف ذلك العاشق فيقف في ظل كل حِجْروحَجَر، وعند كل عين ماء، فيخاطبه ويبثه لوعته:

ولو أنّ عندي للشّباب بقيّة

خففت إليها فوق ظهر نجيب

ولي غفوة في كلّ ظلّ لقيته

ووقفة سقيا عند كلّ قليب

هتكت حجاب الصّمت بيني و بينها

(بشبّابة) سكرى الحنين خلوب

     ثم يتتبع الشاعر بخياله تلك الخطى المباركات، وهي ترسم معالم هذه الحضارة على صفحة الصحراء الجرداء، وتلك الخيام التي ضربت أطنابها في عمق تلك الرمال، وحمحمات الخيول وتكبيرة الفجر، والملائكة وهي تتنزل بل وهي مرابطة على كل ثغر، ورائحة الرمل ومنظر المغيب،وناراً أوقدت لملهوف، يالها من لوحة شعرية، تتراكض فيها الصور، تعجز عنها يد أمهر عباقرة الفن،

أرى بخيال السّحب – خطو محمد

على مخصب من بيدها وجديب

وسمر خيام مزّق الصمت عندها

حماحم خيل بشّرت بركوب

ونارا على نجد من الرمل أوقدت

لنجدة محروم وغوث حريب

وتكبيرة في الفجر سالت مع الصّبا

نعيم فياف واخضلال سهوب

أشمّ الرمال السمر: في كلّ حفنة

من الرّمل ، دنيا من هوى وطيوب

على كلّ نجد منه نفح ملائك

وفي كلّ واد منه سرّ غيوب

    وبهذه الترنيمة الخاشعة يقف الشاعر خاضعا لخالقه، راجياً عفوه، هارباً منه إليه:

ويا رب: لم أشرك و لم أعرف الأذى

وصنت شبابي عنهما ومشيبي

وإنّي – و إن جاوزت هذين سالما

لأكبر لولا جود عفوك حوبي

وأهرب كبرا أو حياء لزلّتي

ومنك ، نعم ، لكن إليك هروبي

وأجلو عيوبي نادمات حواسرا

وأستر إلاّ في حماك عيوبي

وأيّ ذنوب ليس تمحى لشاعر

معنّى بألوان الجمال طروب

ولو شهدت حور الجنان مدامعي

ترشّفن في هول الحساب غروبي

   وهل ينسى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو بابنا إلى الله تعالى؟

مدحت رسول الله أرجو ثوابه

وحاشا الندى أن لا يكون مثيبي

وقفت بباب الله ثمّ ببابه

وقوف ملحّ بالسؤال دؤوب

صفاء على اسم الله غير مكدّر

وحب لذات الله غير مشوب

وأزهى بتظليل الغمام لأحمد

وعذب برود من يديه سروب

فإن كان سرّ الله فوق غمامة

تظلّ و ماء سائغ لشروب

ففي معجز القرآن والدولة التي

بناها عليه مقنع للبيب

    ولابد من سفح الدمع عند ذلك القبر الشريف والدعاء لهذه الأمة الضائعة التائهة، وكأنه يعايش ماتمر به بلاده الآن:

ويا رب عند القبر قبر محمد

دعاء قريح المقلتين سليب

بجمر هوى عند الحجيج لمكّة

ودمع على طهر ( المقام ) سكوب

بشوق على نغماه، ضمّ جوانح

ووجد على ريّاه زرّ جيوب

ترفّق بقومي واحمهم من ملمّة

لقد نشبت أو آذنت بنشوب

وردّ الحلوم العازبات إلى الهدى

فقد ترجع الأحلام بعد عزوب

وردّ القلوب الحاقدات إلى ندى

من الحبّ فوّاح الظلال عشيب

    وما حيلة المشوق إن أقعده الضنى، وما وسيلة العاجز إن حالت دون الوصول إلى حبيبه العوائق إلا أن يبعث نفثات من ذلك الفؤاد المحترق، تتنسم أطياب الحبيب، تسترشد بها لتحط رحالها بساح جوده:

وأقعدني عنك الضّنى فبعثتها

شوارد شعر لم ترع بضريب

وترشدها أطياب قبرك في الدجى

فتعصمها من حيرة ونكوب

وعند أبي الزهراء حطّت رحالها

بساح جواد للثناء كسوب

   تلك هي مشاعره التي أراد أن يجلوها قصيدا على وادي العقيق:

جلوت على وادي العقيق فريدتي

ففاز حسيب منهما بحسيب

تتيه حضارات الشعوب بشاعر

وتكمل أسباب العلى بأديب

مصادر الدراسة:

١_ الموسوعة التاريخية الحرة.

٢_ ديوان الشاعر بدوي الجبل.

٣_ موقع الجزيرة نت .

٤_ مقالة محمد عبد الشافي القوصي .

٥_ موقع أحباب الكلتاوية : إبراهيم حمدو العمر .

٦_ مواقع إلكترونية أخرى.

ربما خطر لمحلِّل الجملة أنها إنما تكونت من كلمها (انضافت الكلمة فيها إلى الكلمة؛ فتكوَّنَتْ)، وغفل عن أنها تنقسم على قسمين كبيرين تتعلق بهما الفائدة: المسند إليه المحكوم عليه المتحدث عنه (المبتدأ، أو الفاعل، أو ما بمنزلتهما)، والمسند الحُكْم الحديث (الخبر، أو الفعل، أو ما بمنزلتهما) -وربما تكوَّن من أكثر من كلمةٍ أحدُهما أو كلاهما!- يتلقاهما المتلقي قسمًا قسمًا، لا كلمة كلمة؛ فيكون فيهما عندئذ أحدِهما أو كليهما، شيءٌ بين الكلمة والجملة، لا هو الجملة المستقلة التي استحقت العناية السابقة، ولا هو الكلمة الواحدة التي تستحق العناية اللاحقة!

هذا الكيان الوسط "تعبيرٌ" مركبٌ يستحق عناية خاصة، من حيث يراعي المتلقي تَركُّبه هذا، فيفهمه عليه قبل أن يميز كلماته بعضها من بعض- مفتوحٌ على احتمالات كثيرة جدا، بحسب أسلوب كل معبِّر: فمرةً يكون مضافًا ومضافا إليه، ومرةً يكون مميَّزًا وتمييزا، ومرةً يكون متبوعًا وتابعا...، ومرة يكون جُملةً!

وإن هذا التعبير الجُمْليّ لَأَولى تلك الاحتمالات بالعناية -وبحسبه أنه لو أُفرد من جُملته لَناصاها، ولَاستحقَّ من العناية فيما يأتي مثلَ ما استحقَّت هي فيما سبق- ومن ثم أقتصر فيما يأتي على تحليل التعبيرات الجُمليّة؛ لعلني أقف على جانب خفيٍّ من مسلك الجملة غيرَ معتبرة، لو ظهرَت للاعتبار ما سلَكتْه!

ولا ريب في أن التعبيرات تتداخل، فيستولي بعضها على بعض، ولا في نزول أهمية المستولى عليه عندئذ عن أهمية منزلة المستولي، ولكن لا ريب أيضا في أنني ينبغي لي بعد الذي بذلته فيما سبق للجملة المستقلة المعتبرة، أن أعتني بالتعبيراتِ الجُمْليّة غير المعتبرة كلها عنايةً واحدة، اجتزاء بما سأخصها به من المواقع ثم من الأصناف التي يتميز فيها المستولى عليه من المستولي -وكلاهما معتبر معدود- عسى أن تَسلَم لي في الأمر كله كلمةٌ من التحليل السديد المفيد.

تَعْبِيرَاتُ النَّمُوذَجِ الْمُثَلَّثِ الْأَوَّلِ (أَصْوَاتِ الْجَزَاءِ)

في خمس جمل فقط من نص سورة "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" القرآني ذي ثماني الجمل، كانت الاثنان والعشرون تعبيرا جُمليًّا المحددة فيما يأتي بالأقواس المعقوفة:

-        وَاللَّيْلِ إِذَا [يَغْشَى] وَالنَّهَارِ إِذَا [تَجَلَّى] وَمَا [خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى]

-        أَمَّا مَنْ [أَعْطَى] وَ[اتَّقَى] وَ[صَدَّقَ بِالْحُسْنَى] فَـ[سَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى]

-        أَمَّا مَنْ [بَخِلَ] وَ[اسْتَغْنَى] وَ[كَذَّبَ بِالْحُسْنَى] فَـ[سَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى]

-        مَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا [تَرَدَّى]

-        أَنْذَرْتُكُمْ نَارًا [تَلَظَّى] [لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي [كَذَّبَ] وَ[تَوَلَّى]] وَ[سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي [يُؤْتِي مَالَهُ [يَتَزَكَّى] وَ[مَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ [تُجْزَى] إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى]] وَلَـ[سَوْفَ يَرْضَى]]

في ثمانية المواقع النحوية الآتية مرتبةً بأنصبتها من التعبيرات ثم بمواردها في النص:

1)"معطوف على صلة اسم"، وفيه خمسة تعبيرات: اتَّقَى، صَدَّقَ بِالْحُسْنَى، اسْتَغْنَى، كَذَّبَ بِالْحُسْنَى، تَوَلَّى.

2)"صلة اسم"، وفيه أربعة تعبيرات: أَعْطَى، بَخِلَ، كَذَّبَ، يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى.

3)"مضاف إليه"، وفيه ثلاثة تعبيرات: يَغْشَى، تَجَلَّى، تَرَدَّى.

4)"نعت"، وفيه ثلاثة تعبيرات: تَلَظَّى، لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى،  تُجْزَى.

5)"خبر مبتدأ"، وفيه تعبيران اثنان: سَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، سَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى.

6)"معطوف على نعت"، وفيه تعبيران اثنان: سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى، سَوْفَ يَرْضَى.

7)"حال"، وفيه تعبيران اثنان: يَتَزَكَّى، مَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى.

8)"صلة حرف"، وفيه تعبير واحد: خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى.

ثم في ثلاث عشرة جملة فقط من نص حديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ ذي الأربع والثلاثين جملة، كانت الواحدُ والثلاثون تعبيرا جُمْليا المحددة فيما يأتي بالأقواس المعقوفة:

-        إِنِّي [حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي] وَ[جَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا]

-        كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ [هَدَيْتُهُ]

-        كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ [أَطْعَمْتُهُ]

-        كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ [كَسَوْتُهُ]

-        إِنَّكُمْ [تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَ[أَنَا [أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا]]]

-        إِنَّكُمْ [لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَـ[تَضُرُّونِي]] وَ[لَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَـ[تَنْفَعُونِي]]

-        أَنَّ [أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ [كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ]]

-        أَنَّ [أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ [كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ]]

-        أَنَّ [أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ [قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ] فَـ[سَأَلُونِي] فَـ[أَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ]]

-        مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا [يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا [أُدْخِلَ الْبَحْرَ]]

-        إِنَّمَا هِيَ [أَعْمَالُكُمْ [أُحْصِيهَا لَكُمْ] ثُمَّ [أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا]]

-        مَنْ [[وَجَدَ خَيْرًا] فَـ[لْيَحْمَدِ اللهَ]]

-        مَنْ [[وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ] فَـ[لَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ]]

في الأحد عشر موقعا نحويا الآتية مرتبةً بأنصبتها من التعبيرات ثم بمواردها في النص:

1)"خبر حرف ناسخ"، وفيه ستة تعبيرات: حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ.

2)"صلة حرف"، وفيه ستة تعبيرات: تَضُرُّونِي، تَنْفَعُونِي، أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ.

3)"صلة اسم"، وفيه أربعة تعبيرات: هَدَيْتُهُ، أَطْعَمْتُهُ، كَسَوْتُهُ، عِنْدِي.

4)"خبر مبتدأ"، وفيه أربعة تعبيرات: أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، أُحْصِيهَا لَكُمْ، وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.

5)"معطوف على خبر حرف ناسخ"، وفيه ثلاثة تعبيرات: جَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، لَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، سَأَلُونِي.

6)"شرط"، وفيه تعبيران اثنان: وَجَدَ خَيْرًا، وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ.

7)"جواب شرط"، وفيه تعبيران اثنان: لِيَحْمَدِ اللهَ، لَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.

8)"حال"، وفيه تعبير واحد: أَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا.

9)"معطوف على معطوف على خبر حرف ناسخ"، وفيه تعبير واحد: أَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ.

10)                  "مضاف إليه"، وفيه تعبير واحد: أُدْخِلَ الْبَحْرَ.

11)                  "معطوف على خبر مبتدأ"، وفيه تعبير واحد: أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا.

ثم في سبع جمل فقط من نص حديث "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ" النبوي ذي تسع الجمل، كانت السبعة عشر تعبيرا جُمْليا المحددة فيما يأتي بالأقواس المعقوفة:

-          سَبْعَةٌ [يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ [لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ]]

-          شَابٌّ [نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ]

-          رَجُلٌ [قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ]

-          رَجُلاَنِ [تَحَابَّا فِي اللهِ] [اجْتَمَعَا عَلَيْهِ] وَ[تَفَرَّقَا عَلَيْهِ]

-          رَجُلٌ [دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ] فَـ[قَالَ [إِنِّي [أَخَافُ اللهَ]]]

-          رَجُلٌ [تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ] فَـ[أَخْفَاهَا حَتَّى [لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا [تُنْفِقُ يَمِينُهُ]]]

-          رَجُلٌ [ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا] فَـ[فَاضَتْ عَيْنَاهُ]

في عشرة المواقع النحوية الآتية مرتبةً بأنصبتها من التعبيرات ثم بمواردها في النص:

1)"نعت"، وفيه ستة تعبيرات: نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ، قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، تَحَابَّا فِي اللهِ، دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا.

2)"معطوف على نعت"، وفيه ثلاثة تعبيرات: قَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ، أَخْفَاهَا، فَاضَتْ عَيْنَاهُ.

3)"خبر مبتدأ"، وفيه تعبير واحد: يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ.

4)"مضاف إليه"، وفيه تعبير واحد: لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ.

5)"بدل"، وفيه تعبير واحد: اجْتَمَعَا عَلَيْهِ.

6)"معطوف على بدل"، وفيه تعبير واحد: تَفَرَّقَا عَلَيْهِ.

7)"مفعول به (مقول قول)"، وفيه تعبير واحد: إِنِّي أَخَافُ اللهَ.

8)"خبر حرف ناسخ"، وفيه تعبير واحد: أَخَافُ اللهَ.

9)"صلة حرف"، وفيه تعبير واحد: لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ.

10)                  "صلة اسم"، وفيه تعبير واحد: تُنْفِقُ يَمِينُهُ.

تَعْبِيرَاتُ النَّمُوذَجِ الْمُثَلَّثِ الثَّانِي (أَصْوَاتِ الْوَلَايَةِ)

وفي جملة واحدة فقط من نص سورة "وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى" القرآني ذي الخمس عشرة جملة، كان التعبيرُ الجُمْليُّ المحدد فيما يأتي بالقوسين المعقوفين:

-        وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا [سَجَى]

في موقع "مضاف إليه".

ثم في خمس جمل فقط من نص حديث "مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا" القدسي ذي الإحدى عشرة جملة، الخمسة عشر تعبيرا جُمليًّا المحددة فيما يأتي بالأقواس المعقوفة:

-        مَنْ [[عَادَى لِي وَلِيًّا] فَـ[قَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ]]

-        وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا [افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ]

-        وَمَا يَزَالُ عَبْدِي [يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى [أُحِبَّهُ]]

-        فَإِذَا [أَحْبَبْتُهُ] كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي [يَسْمَعُ بِهِ] وَبَصَرَهُ الَّذِي [يُبْصِرُ بِهِ] وَيَدَهُ الَّتِي [يَبْطِشُ بِهَا] وَرِجْلَهُ الَّتِي [يَمْشِي بِهَا]

-        وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ [أَنَا فَاعِلُهُ] تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ [يَكْرَهُ المَوْتَ] وَ[أَنَا [أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ]]

في عشرة المواقع النحوية الآتية مرتبةً بأنصبتها من التعبيرات ثم بمواردها في النص:

1)"صلة اسم"، وفيه خمسة تعبيرات: افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، يَسْمَعُ بِهِ، يُبْصِرُ بِهِ، يَبْطِشُ بِهَا، يَمْشِي بِهَا.

2)"خبر مبتدأ"، وفيه تعبيران اثنان: عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ.

3)"شرط"، وفيه تعبير واحد: عَادَى لِي وَلِيًّا

4)"جواب شرط"، وفيه تعبير واحد: قَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ

5)"خبر فعل ناسخ"، وفيه تعبير واحد: يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ.

6)"صلة حرف"، وفيه تعبير واحد: أُحِبَّهُ.

7)"مضاف إليه"، وفيه تعبير واحد: أَحْبَبْتُهُ.

8)"نعت"، وفيه تعبير واحد: أَنَا فَاعِلُهُ.

9)"حال"، وفيه تعبير واحد: يَكْرَهُ المَوْتَ.

10)                  "معطوف على حال"، وفيه تعبير واحد: أَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ.

ثم في جملة نص حديث "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ" النبوي الواحدةِ، كانت الأربعة عشر تعبيرا جُمْليًّا المحددةُ فيما يأتي بالأقواس المعقوفة:

-        لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ [يَتُوبُ إِلَيْهِ] مِنْ أَحَدِكُمْ [كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ] فَـ[انْفَلَتَتْ مِنْهُ وَ[عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ]] فَـ[أَيِسَ مِنْهَا] فَـ[أَتَى شَجَرَةً] فَـ[اضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا [قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ]] فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ

في الأحد عشر موقعا نحويا الآتية مرتبةً بأنصبتها من التعبيرات ثم بمواردها في النص:

1)"حال"، وفيه ثلاثة تعبيرات: كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ.

2)"مضاف إليه"، وفيه تعبيران اثنان: يَتُوبُ إِلَيْهِ، هُوَ كَذَلِكَ.

3)"معطوف على حال"، وفيه تعبير واحد: انْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ.

4)"معطوف على معطوف على حال"، وفيه تعبير واحد: أَيِسَ مِنْهَا.

5)"معطوف على معطوف على معطوف على حال"، وفيه تعبير واحد: أَتَى شَجَرَةً.

6)"معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على حال"، وفيه تعبير واحد: اضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ.

7)"معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على حال"، وفيه تعبير واحد: بَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ.

8)"معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على حال"، وفيه تعبير واحد: أَخَذَ بِخِطَامِهَا.

9)"معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على حال"، وفيه تعبير واحد: قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ.

10)                  "مفعول به (مقول)"، وفيه تعبير واحد: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ.

11)                  "بدل"، وفيه تعبير واحد: أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ.

تَعْبِيرَاتُ النَّمُوذَجِ الْمُثَلَّثِ الثَّالِثِ (أَصْوَاتِ التَّدْرِيجِ)

وفي جملتين اثنتين فقط من نص سورة "أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ" القرآنيّ ذي سبع الجمل، كان التعبيران الجُمليّان المحددان فيما يأتي بالأقواس المعقوفة:

-        وَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي [أَنْقَضَ ظَهْرَكَ]

-        إِذَا [فَرَغْتَ] فَانْصَبْ

في الموقعين النحويين الآتيين مرتَّبَيْنِ بمورديهما في النص:

1)"صلة اسم": أَنْقَضَ ظَهْرَكَ.

2)"مضاف إليه": فَرَغْتَ.

ثم في جملتين اثنتين فقط من نص حديث "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي" القدسيّ ذي الاثنتي عشرة جملة، كان التعبيران الجُمليّان المحددان فيما يأتي بالأقواس المعقوفة:

-        أَنَا مَعَهُ إِذَا [ذَكَرَنِي]  

-        أَتَانِي [يَمْشِي]

في الموقعين النحويين الآتيين مرتَّبَيْنِ بمورديهما في النص:

1)"مضاف إليه": ذَكَرَنِي.

2)"حال": يَمْشِي.

ثم في جملة واحدة فقط من نص حديث "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ" النبويّ ذي ست الجمل، كان التعبيرُ الجُمْليّ المحدد فيما يأتي بالقوسين المعقوفين:

-        لَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا [غَلَبَهُ]

في الموقع النحوي "نعت".

تَعْبِيرَاتُ النَّمُوذَجِ الْمُثَلَّثِ الرَّابِعِ (أَصْوَاتِ التَّرْغِيبِ)

وفي جملة واحدة فقط من نص سورة "وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ" القرآني ذي الجملتين، كانت أربعة التعبيرات الجُمليّة المحددة فيما يأتي بالأقواس المعقوفة:

-        إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ [آمَنُوا] وَ[عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ] وَ[تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ] وَ[تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ]

في الموقعين النحويين الآتيين مرتَّبَيْنِ بنصيبيهما من التعبيرات ثم بمورديهما في النص:

1)"معطوف على صلة اسم"، وفيه ثلاثة تعبيرات: عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ، تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.

2)"صلة اسم"، وفيه تعبير واحد: آمَنُوا.

ثم في جملة واحدة فقط من نص حديث "مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي" القدسي ذي الجملتين، كان التعبيران الجُمْليّان المحددان فيما يأتي الأقواس المعقوفة:

-        إِذَا [قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا] ثُمَّ [احْتَسَبَهُ] (...)

في الموقعين النحويين الآتيين مرتَّبَيْنِ بمورديهما في النص:

1)"مضاف إليه": قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا.

2)"معطوف على مضاف إليه": احْتَسَبَهُ.

ثم في جملة واحدة من نص حديث "وَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ" النبوي ذي الجملتين، كان التعبيرُ الجُمْليّ المحدد فيما يأتي بالقوسين المعقوفين:

-        أَنْ [يَهْدِيَ اللَّهُ بِهُدَاكَ رَجُلًا وَاحِدًا] خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ

في الموقع النحوي "صلة حرف".

تَعْبِيرَاتُ النَّمُوذَجِ الْمُثَلَّثِ الْخَامِسِ (أَصْوَاتِ التَّخْيِيلِ)

وفي جملتين اثنتين فقط من نص سورة "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ" القرآنيّ ذي أربع الجمل، كان التعبيران الجُمْليّان المحددان فيما يأتي بالأقواس المعقوفة:

-        إِنَّا [أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ]

-        إِنَّ شَانِئَكَ [هُوَ الْأَبْتَرُ]

في الموقع النحوي "خبر حرف ناسخ".

ثم في جملة واحدة فقط من نص حديث " أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي" القدسيّ ذي الجملتين، كان التعبير الجُمْليّ المحدد فيما يأتي بالقوسين المعقوفين:

-        الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ [لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي]

في الموقع النحوي "مضاف إليه".

ثم في جملة نص حديث "يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ" النبويّ الواحدةِ، كان التعبير الجُمْليّ المحدد فيما يأتي بالقوسين المعقوفين:

-        يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ [أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ]

في الموقع النحوي "نعت".

تَعْبِيرَاتُ النَّمُوذَجِ الْمُثَلَّثِ السَّادِسِ (أَصْوَاتِ الْمُوَازَنَةِ)

وفي جملة نص سورة "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ" القرآنيّ الواحدةِ، كانت الاثنا عشر تعبيرا جُمْليّا المحددة فيما يأتي بالأقواس المعقوفة:

-        قُلْ [[يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ] [لَا أَعْبُدُ مَا [تَعْبُدُونَ]] وَ[لَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا [أَعْبُدُ]] وَ[لَا أَنَا عَابِدٌ مَا [عَبَدْتُمْ]] وَ[لَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا [أَعْبُدُ]] [لَكُمْ دِينُكُمْ] وَ[لِيَ دِينِ]]

في خمسة المواقع النحوية الآتية مرتبةً بأنصبتها من التعبيرات ثم بمواردها في النص:

1)"صلة اسم"، وفيه أربعة تعبيرات: تَعْبُدُونَ، أَعْبُدُ، عَبَدْتُمْ، أَعْبُدُ.

2)"معطوف على استئناف"، وفيه أربعة تعبيرات: لَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، لَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لِيَ دِينِ.

3)"استئناف مقول"، وفيه تعبيران اثنان: لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، لَكُمْ دِينُكُمْ

4)"مفعول به (مقول)"، وفيه تعبير واحد: يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ.

5)"ابتداء مقول"، وفيه تعبير واحد: يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ.

ثم في جملتين اثنتين فقط من نص حديث "إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً" القدسيّ ذي ثماني الجمل، كانت سبعة التعبيرات الجُمْليّة المحددة فيما يأتي بالأقواس المعقوفة:

-        إِذَا [أَرَادَ عَبْدِي أَنْ [يَعْمَلَ سَيِّئَةً]] فَـ[لَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى [يَعْمَلَهَا]]

-        إِذَا [أَرَادَ أَنْ [يَعْمَلَ حَسَنَةً]] فَـ[لَمْ يَعْمَلْهَا] فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً

في ثلاثة المواقع النحوية الآتية مرتبةً بأنصبتها من التعبيرات ثم بمواردها في النص:

1)"صلة حرف"، وفيه أربعة تعبيرات: يَعْمَلَ سَيِّئَةً، يَعْمَلَهَا، يَعْمَلَ حَسَنَةً، يَعْمَلْهَا.

2)"مضاف إليه"، وفيه تعبيران اثنان: أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً.

3)"معطوف على مضاف إليه"، وفيه تعبير واحد: لَمْ يَعْمَلْهَا.

ثم في جمل نص حديث "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ" النبويّ الأربع، كانت خمسة التعبيرات المحددة فيما يأتي بالأقواس المعقوفة:

-        مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ [مِنْ حَيْثُ [أَتَتْهَا الرِّيحُ] كَفَأَتْهَا]

-        إِذَا [اعْتَدَلَتْ] تَكَفَّأُ بِالْبَلَاءِ

-        الْفَاجِرُ كَالْأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى [يَقْصِمَهَا اللَّهُ]

-        إِذَا [شَاءَ]

في ثلاثة المواقع النحوية الآتية مرتبةً بأنصبتها من التعبيرات ثم بمواردها في النص:

1)"مضاف إليه"، وفيه ثلاثة تعبيرات: أَتَتْهَا الرِّيحُ، اعْتَدَلَتْ، شَاءَ.

2)"حال"، وفيه تعبير واحد: مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ كَفَأَتْهَا.

3)"صلة حرف"، وفيه تعبير واحد: يَقْصِمَهَا اللَّهُ.

تَعْبِيرَاتُ النَّمُوذَجِ الْمُثَلَّثِ السَّابِعِ (أَصْوَاتِ التَّهْوِينِ)

وفي جملتين اثنتين فقط من نص سورة "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ" القرآني ذي ثلاث الجمل، كانت أربعة التعبيرات الجُمْليّة المحددة فيما يأتي بالأقواس المعقوفة:

-        إِذَا [جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ] وَ[رَأَيْتَ النَّاسَ [يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا]] فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ

-        إِنَّهُ [كَانَ تَوَّابًا]

في أربعة المواقع النحوية الآتية مرتبةً بأنصبتها من التعبيرات ثم بمواردها في النص:

1)"مضاف إليه"، وفيه تعبير واحد: جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ.

2)"معطوف على مضاف إليه"، وفيه تعبير واحد: رَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا.

3)"حال"، وفيه تعبير واحد: يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا.

4)"خبر حرف ناسخ"، وفيه تعبير واحد: كَانَ تَوَّابًا.

ثم في جملة واحدة من حديث "أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي" القدسيّ، ذي الجملتين، كانت ستة التعبيرات الجُمْليّة المحددة فيما يأتي بالأقواس المعقوفة:

-        أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي [خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِي ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي] [ضَمِنْتُ لَهُ أَنْ [أُرْجِعَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ] وَ[أَنْ أَغْفِرَ لَهُ] وَ[أَرْحَمَهُ] وَ[أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ]]

في أربعة المواقع النحوية الآتية مرتبةً بأنصبتها من التعبيرات ثم بمواردها في النص:

1)"صلة حرف"، وفيه تعبيران اثنان: أُرْجِعَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ، أَغْفِرَ لَهُ.

2)"معطوف على صلة حرف"، وفيه تعبيران اثنان: أَرْحَمَهُ، أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ.

3)"نعت"، وفيه تعبير واحد: خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِي ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي.

4)"خبر مبتدأ"، وفيه تعبير واحد: ضَمِنْتُ لَهُ أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ أَجْرٍ وَأَنْ أَغْفِرَ لَهُ وَأَرْحَمَهُ وَأُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ

ثم في جمل نص حديث "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" النبويّ الثلاث، كانت أربعة التعبيرات الجُمليّة المحددة فيما يأتي بالأقواس المعقوفة:

-        رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا [عَلَيْهَا]

-        وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا [عَلَيْهَا]

-        وَالرَّوْحَةُ [يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] أَوِ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا [عَلَيْهَا]

في الموقعين النحويين الآتيين مرتَّبَيْنِ بنصيبيهما من التعبيرات ثم بمورديهما في النص:

1)"صلة اسم"، وفيه ثلاثة تعبيرات: عَلَيْهَا، عَلَيْهَا، عَلَيْهَا.

2)"حال"، وفيه تعبير واحد: يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

تلك أربعة وخمسون ومئة تعبير جُمْليّ، سبعة وأربعون منها في النصوص القرآنية المختارة ذات الأربعين جملة، وأربعة وستون في النصوص القدسية المختارة ذات الإحدى والسبعين جملة، وثلاثة وأربعون في النصوص النبوية المختارة ذات الست والعشرين جملة؛ فمن ثم يكون متوسط نصيب الجملة الواحدة من التعبيرات الجُمْليّة في النصوص القرآنية المختارة تعبيرا وبعض تعبير (1.17)، وفي النصوص القدسية المختارة تعبيرا إلا قليلا (0.90)، وفي النصوص النبوية المختارة تعبيرا وأكثر قليلا من نصف تعبير (1.65).

وإذا ذكرنا أن متوسط طول الجملة (عدد كلماتها)، كان في النصوص القرآنية المختارة خمس كلمات وبعض كلمة (5.20)، وفي النصوص القدسية المختارة خمس كلمات أيضا وبعض كلمة (5.21)، وفي النصوص النبوية المختارة ثماني كلمات تقريبا (7.96)- احتجَجْنا بالنصوص القرآنية والنبوية المختارة، لوثاقة علاقة طول الجملة بتشقيق التعبيرات الجُمْليّة، لولا النصوص القدسية التي قل متوسط نصيب الجملة من التعبيرات الجُمْليّة فيها عنه في النصوص القرآنية، وهي التي كان متوسط طول الجملة فيها مثله في النصوص القرآنية!

وإذا راعينا أن الجمل التي اتسعت للتعبيرات الجُمْليّة كانت في النصوص القرآنية المختارة أربع عشرة فقط من الأربعين -أي بنسبة 35%- وفي النصوص القدسية المختارة خمسا وعشرين فقط من الإحدى والسبعين -أي بنسبة 35.21%- وفي النصوص النبوية المختارة ثماني عشرة فقط من الست والعشرين -أي بنسبة 69.23%- عدنا إلى ذلك الاحتجاج، لولا أن التعبيرات الجُمْلية التي في الأربع عشرة جملة قرآنية كانت سبعة وأربعين، بمتوسط ثلاثة تعبيرات وبعض تعبير (3.35)- والتي في الخمس والعشرين جملة قدسية كانت أربعة وستين، بمتوسط تعبيرين ونصف (2.56)- والتي في الثماني عشرة جملة نبوية كانت ثلاثة وأربعين، بمتوسط تعبيرين وبعض تعبير (2.38)!

وفي ذلك ما يقتضينا أن نعترف بأثر الأساليب المركبة التي تنسلك فيها الجمل، حتى لقد كانت زيادة التعبيرات الجُمْليّة للنصوص القرآنية على غيرها في النماذج الثلاثة الأول والرابع والسادس، ولم تكن للنصوص القدسية إلا في النموذج الثاني، ولا للنصوص النبوية إلا في النموذج السابع! ولعله يزيد الأمر بيانا أن نصنف مواقع التعبيرات الجُمْليّة الأربعة والخمسين، على الأصناف الآتية مرتبةً بأنصبتها من التعبيرات ثم بمواردها في النص:

-        الصنف الأول ما اشتركت فيه النصوص القرآنية والقدسية والنبوية:

1)صلة اسم

2)مضاف إليه

3)صلة حرف

4)نعت

5)حال

6)خبر مبتدأ

7)خبر حرف ناسخ

وفيه دلالة على أفضلية هذه المواقع في زيادة البيان، أفضلية عامة.

-        الصنف الثاني ما اشتركت فيه النصوص القرآنية والقدسية:

1)معطوف على مضاف إليه

وفيه دلالة على تفرد رب العالمين بمضاعفة شروط الأحداث.

-        الصنف الثالث ما اشتركت فيه النصوص القرآنية والنبوية:

1)معطوف على نعت

2)مفعول به (مقول)

وفيه دلالة على أثر طبيعة المشاركة الحيوية في معالجة الوقائع.

-        الصنف الرابع ما اشتركت فيه النصوص القدسية والنبوية:

1)معطوف على حال

وفيه دلالة على أنه إذا احتمل بيان رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- زيادة التركيب، اكتفى في نقل المعاني الربانية (القدسية)، بأول درجة من درجات هذه الزيادة!

-        الصنف الخامس ما انفردت به النصوص القرآنية:

1)معطوف على صلة اسم

2)معطوف على استئناف مقول

3)استئناف مقول

4)ابتداء مقول

-        الصنف السادس ما انفردت به النصوص القدسية:

1)معطوف على خبر حرف ناسخ

2)شرط

3)جواب شرط

4)معطوف على صلة حرف

5)معطوف على معطوف على خبر حرف ناسخ

6)معطوف على خبر مبتدأ

-        الصنف السابع ما انفردت به النصوص النبوية:

1)بدل

2)معطوف على بدل

3)معطوف على معطوف على حال

4)معطوف على معطوف على معطوف على حال

5)معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على حال

6)معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على حال

7)معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على حال

8)معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على معطوف على حال

وفيها دلالة على اختلاف مصادر النصوص الثلاثة، في أثناء مؤدَّياتها- اختلافا يشهد على صدق رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- فيما نقله لفظا ومعنى أو معنى فقط، مثلما يشهد على صدق ما ارتجله!

ومن ألطف ما ينبغي التنبيه عليه، أن النصوص القرآنية التي زاد متوسط ما في جملها الأربع عشرة ذوات التعبيرات الجُمْليّة، على ما في مثيلتيها من النصوص القدسية والنبوية- نقصَ ما انفردت به تعبيراتها من المواقع النحوية عما انفردت به مثيلتاها، دلالةً على أنه إذا كان المقامُ لتعديد صفات السرائر الخفية -وفيه موقع "معطوف على صلة اسم"- أو لتحديد فصول العهود الوثيقة -وفيه مواقع أجزاء المقول المفصلة آنفًا- فللحق -سبحانه، وتعالى!- المقال لفظه ومعناه!

صدر مؤخّرا عن مكتبة كلّ شيء في حيفا كتاب "وجه آخر للهويّة-دراسة انثروبولوجيّة في تاريخ تطوّر قبيلة بدويّة، عرب السّواحرة (1703-1967)"، للدّكتور محمّد شحادة، ويقع الكتاب الّذي صمّمه شربل الياس في 520 صفحة من الحجم الكبير.

قرأت هذا الكتاب قراءة متمعّنة وباهتمام بالغ من الغلاف إلى الغلاف، كوني أحد أبناء عرب السّواحرة موضع الدّراسة، واتّضح لي أنّ الكاتب قد بذل جهدا كبيرا في إعداد هذا الكتب، الّذي استغرقت كتابته أكثر من عشر سنوات. ورغم أنّ الكاتب عاد إلى بعض المراجع المكتوبة والّتي لها بشكل وآخر علاقة من قريب أو من بعيد بموضوع الدّراسة، إلّا أنّ ما لفت انتباهي هو اعتماده على بعض الخرافات الّتي سمعها من هنا أو هناك، وسجّلها كتاريخ لهذه البلدة، وكم تمنّيت لو أنّ الكاتب عاد إلى المهتمّين من أبناء البلدة أو من غيرهم، وإلى بعض العارفين من أصحاب الرّأي والمشورة في البلدة؛ للتّأكّد من صحّة بعض الأمور والحكايات والتّقسيمات العائليّة والعشائريّة الّتي أوردها في كتابه؟

اسم الكتاب: تورّط الكاتب في العديد من الأخطاء الّتي لا يمكن القفز عنها بدءا من عنوان الكتاب المرسوم على غلافه الأوّل، فقد ورد في العنوان "دراسة انثروبولوجيّة في تاريخ قبيلة بدويّة" وورد استعمال "قبيلة" مئات المرّات في صفحات الكتاب عند الحديث عن حمايل وعائلات البلدة. وهذا استعمال خاطئ تماما، فالقبيلة تعني حسب موسوعة أوكوبيديا:" جماعة من النّاس تنتمي في الغالب إلى نسب واحد يرجع إلى جدّ أعلى، أو اسم حلف قبليّ يعدّ بمثابة جدّ، وتتكوّن من عدّة بطون وعشائر. وغالبًا ما يسكن أفراد القبيلة إقليما مشتركا يعدّونه وطنا لهم، ويتحدّثون لهجة مميّزة، ولهم ثقافة متجانسة أو تضامن مشترك (أي عصبيّة). وقد وردت قبائل وهي جمع قبيلة في القرآن الكريم في الآية 13 من سورة الحجرات" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير".ٌ

وتعني كلمة قبائل التي وردت في الآية المجموعات التي تنقسم إليها الشّعوب مثل غطفان، وسبأ، وقريش، فهذه إحدى القبائل العربيّة، كما أن للأتراك والرّوم قبائل، وتتجزّأ القبيلة إلى بطون، وكلّ بطن ينشق منه العديد من الأفخاذ، وكلّ فخذ ينشقّ منه العديد من الفروع.

ومعروف أنّ الشّعوب تتكوّن من مجموعة قبائل، والقبيىة تتكوّن من مجموعة عشائر، والعشائر تتكوّن من مجموعة حمايل، والحمايل تتكوّن من مجموعة عائلات.

وعرب السّواحرة ليسوا قبيلة ولا مجموعة قبائل، بل هم عشائر، أو هم بالأحرى عشيرتان هما:" الجعافرة والهلسة". وهذا ما عُرفوا به عبر التّاريخ رسميّا وشعبيّا" عشائر عرب السّواحرة"، وكلمة "عرب هنا لا تعني القوميّة، وإنّما هي مأخوذة من الأعراب وتعني البداوة، ومع التّأكيد أنّ "السّواحرة" ما عادوا "أعرابا"، فقد انتقلوا من البداوة إلى الحضارة والتّمدّن، وذلك منذ ما يقارب المئة عام، ساعدهم في ذلك قربهم من مدينة القدس، مركز الإشعاع الحضاريّ في المشرق العربيّ، فهم يبعدون عنها أقلّ من خمسة كيلو متر. ونسبة التّعليم الجامعيّ في مختلف التّخصّصات عندهم مرتفعة جدّا، وجميعهم يعيشون في بيوت حجريّة، تتوفّر فيها كلّ متطلّبات الحياة الحضريّة، وهم إحدى مكوّنات النّسيج الاجتماعيّ في مدينة القدس. وما تربطهم بالبداوة سوى معرفة البعض منهم بالأعراف والعادات العشائريّة الّتي توارثوها عن الآباء والأجداد؛ لحلّ الخصومات الّتي تحصل، وذلك بسبب عدم لجوئهم للمحاكم، ولهذا أسبابه أيضا ومن أهمّها عدم وجود دولة وطنيّة بسبب الاحتلالات المتلاحقة، ونحن في هذه العجالة لن نخوض بتفصيلات هذه الجزئيّة.

والسّواحرة يعودون في أصولهم إلى العمر من جذام من لخم وهي إحدى القبائل العربيّة التي تعيش جنوب الجزيرة العربيّة وخصوصا في عُمان. وأصول السّواحرة في فلسطين تعود إلى أكثر من عشرة قرون، وقد استخرج المؤرّخ محمّد هاشم غوشة من سجلّات المحكمة الشّرعيّة، وثيقة تتحدّث عن الشّيخ سعد أحد أمراء الأندلس الّذي جاء القدس لنصرة صلاح الدّين الأيّوبيّ في حروبه ضدّ الفرنجة عندما حرّر القدس من احتلالهم عام 1187م، وقد توفّي ودفن جنوبيّ القدس على جبل يحمل اسمه حتّى الآن". وهو أحد أحياء السّواحرة.

والسّواحرة ينقسمون إلى عشيرتين رئيستين هما " الجعافرة والهلسة"، وكل عشيرة تنقسم إلى حمايل كالتّالي:

عشيرة الجعافرة: الجعافرة، العويسات، المشاهرة، الخلايلة، السّراوخة، الخلايلة، الجعابيص وعائلة بشير.

عشيرة الهلسة: الهلسة، العبيدات، الشقيرات، الزّعاترة والزّحايكة.

وكلّ حامولة تنقسم إلى عائلات، وقد جانب الكاتب الحقيقة في تقسيم الحمايل إلى عائلات، فعلى سبيل المثال، جاء في الكتاب صفحة 163:" فحامولة الشّقيرات تنقسم إلى عائلتين اثنتين" الأولى وتضمّ علاء الدّين ومشعل ومطر، والثّانيّة تضمّ شقير وسلامة وحسن وعلّان وعليّان". ولم ينتبه الكاتب أنّ علّان وعليّان هما أخوان الأوّل توفّي عام 1982 القرن العشرين والثّاني توفّي عام 1963م.

والتقسيم الصّحيح لعائلات حامولة الشّقيرات هو أنّهما ينحدران من أخوين هما علي ومعالي، وأبناء عليّ ينقسمون إلى ثلاث عائلات هي: شقير، سلامة والسّلحوت، وأبناء معالي ثلاث عائلات أيضا هي: علاء الدّين، مطر ومشعل. ولزيادة المعلومات فإن عائلة "شقير" هي أكبر عائلات الشّقيرات وتضم: حسن، عليّان، الحاج خليل وأبو صبيح. أيّ أنّ الشقيرات ستّ عائلات فقط.

ومن الأخطاء التّاريخيّة الّتي وردت في الكتاب:" ففي العام 1938م كان الشّيخ عليّان شقير شيخا لعشيرة الشّقيرات وعشيرة الهلسة وعشائر السّواحرة، وفي العام 1940 وقع الاختيار على علي حجازي ليكون مختارا على الهلسة" ص93. والصّحيح أنّ الشّيخ عليّان شقير، خلف الشّيخ ابراهيم حسن شقير الّذي توفيّ في حادث طرق عام 1932م، وكان كلّ منهما شيخا لـ "جال الهلسة" والمقصود هنا عشيرة الهلسة المكوّنة من حمايل: الهلسة، العبيدات، الشّقيرات، الزّعاترة والزّحايكة، وتنازل الشّيخ عليّان شقير عن "المخترة" لابنه عبد والد الأديب المعروف محمود شقير عام 1949م، وتنازل عبد عليّان شقير عن "المخترة" عام 1951م للشّيخ حسين ابراهيم حسن شقير.

ومن المغالطات الّتي وردت في الكتاب:" تخبرنا السّجلّات أنّ عائلة حسن من الشّقيرات امتلكت عبيدا، وكذا عائلات من الجعافرة" ص123، والصّحيح أنّ الحاجّ خليل شقير وشخص آخر من الجعافرة هما من امتلكا العبيد.

ومن المغالطات الّتي وردت في الكتاب أنّ" المرحوم الشّيخ حسين أحمد حسين سرور، مختار حامولة المشاهرة ولد عام 1930" والصّحيح أنّه ولد في بدايات القرن العشرين، وابنه متعب مولود عام 1936. 

ومن المغالطات الّتي وردت في الكتاب أنّ المئات من أبناء السّواحرة قد شاركوا في معركة القسطل الّتي استشهد فيها عبدالقادر الحسيني قائد الجهاد المقدّس في نيسان 1948م، والصّحيح أنّ من شاركوا في معركة القسطل من أبناء السّواحرة هم اثنان لا ثالث لهما، وهما الشّهيدان عامر محمّد عليّان وأبو احمد أبو دهيم قائد جنوب القدس في الجهاد المقدّس. والأوّل استشهد مع آخرين بنيران صهيونيّة عام 1948م عند منطقة الجثمانيّة ما بين راس العامود وباب الأسباط من نيران أطلقت عليهم من قلعة النّبيّ داود.

لقد أحسن الكاتب في استشهاده من بعض الكتب التّوثيقيّة لمؤلّفيها مثل: عارف العارف، عبدالله التّلّ وبهجت أبو غربيّة، لكنّه ابتعد كثيرا عن الرّواية التّوثيقيّة الشّفويّة لمن شاركوا في معارك جبل المكبّر، وليته استمع لكثيرين ممّن عاشوا تلك المرحلة أو ممّن سمعوها من آبائهم وأجدادهم؛ ليغني بها دراسته.

في الكتاب إيجابيّات عديدة، وفيه مغالطات وخرافات ومبالغات كثيرة، تحتاج إلى دراسات مطوّلة للرّد عليها.

fdfddf1078.jpg

صدرت رواية المائق  للفتيات والفتيان للأديب المقدسيّ جميل السلحوت عن مكتبة كلّ شيء في حيفا، 2024، تنسيق شربل إلياس، وتقع في 149 صفحة.

الكاتب جميل السلحوت روائيّ غزير الإنتاج، يطرق مواضيع مختلفة في رواياته، وهي في معظمها تتمحور حول العادات والتقاليد والأفكار النمطيّة السائدة في المجتمع العربيّ، وقد خصّ المرأة وما تتعرّض له من تميّيز وإجحاف في حقوقها، في الكثير من رواياته منها: رواية الأرملة(2023)، وهي رواية مشتركة مع الروائيّة المقدسيّة ديمة السمّان،  رواية المطلّقة(2020)، رواية الخاصرة الرخوة(2020) كما أنّه لم يغفل حياة البداوة وعاداتها وتقاليدها، فذكرها في العديد من رواياته، ومنها رواية المائق.

والمائق هو الطفل الذي يتأخّر في الحبو. تدور أحداث الرواية في العهد العثمانيّ في البادية في عشيرة الشيخ مسعود،  التي تقطن في منطقة" الطّبق" قريبا من مقام النبي موسى-عليه السلام- في فلسطين في الطريق الواصل بين القدس وفلسطين. وكان ماجد الملقّب" بالمائق" ابن الشيخ مسعود، ووالدته صفيّة.

طرح الروائيّ السلحوت مواضيع عديدة في روايته منها:

  • تعريف الناشئة بحياة البداوة: العادات والتقاليد، منصب المشيخة وأهميّة الشيخ للقبيلة، مصادر الرزق، الكرم والسخاء عند قبائل البدو، وقد ظهرت هذه الصفة بشكل خاصّ لدى الشيوخ، الذين يكرمون ناسهم وضيوفهم، فتبقى  مضافتهم مفتوحة، ونارهم موقدة.
  • أهميّة إنجاب الذكور: بيّنت الرواية تفضيل الولد على البنت، وخاصّة شيوخ العشائر، "فالأولاد عزوة"، والولد الذكر هو من يرث المشيخة عن والده. لذا كان الشيوخ يتزوّجون العديد من النساء؛ ليلدن لهم الكثير من الأبناء الذكور، وكانت الأفراح تعمّ العشيرة برمّتها عندما تنجب نساء الشيخ أولادا، في حين لا يكترث أحد لولادة البنت. وقد بيّن الكاتب أنّ لا علاقة للمرأة في تحديد نوع الجنين، فجاء بآية من القرآن الكريم تبيّن ذلك:" الله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور". ص 46.
  • خضوع المرأة للرجل ووجوب طاعته: بيّنت الرواية مدى خضوع الزوجة لزوجها، وعدم الاعتراض على زواجه من امرأة أخرى، أو توجيه أسئلة له عن الأماكن التي يذهب إليها، والاهتمام بجمالها حتى تبدو دائما جميلة في عين زوجها. وتلعب الأمّ دورا هاما في تقديم النصائح لابنتها وفي الحفاظ على جمالها خاصّة إذا كانت زوجةً لشيخ العشيرة. ومن نصائح زبيدة لابنتها صفيّة زوجة الشيخ مسعود ما يلي:" ضعي الولد في حدقتي عينيك، تجهّزي لتحملي ولتلدي كلّ عام طفلا أو توأمين، فالشيوخ يحبّون العزوة، فكوني للشيخ مسعود فراشا؛ ليكون لك غطاءً. لا تظهري أمامه إلا وأنت كما يُحبُّ، تجمّلي له؛ لتقنعيه أنك المرأة الوحيدة على الأرض كي لا يأتيك بضُرّة".(ص 10).        

      وقد  وضعت زبيدة والدة صفيّة بصمة من الحنّاء على جبين صفيّة، وبصمة أخرى على منتصف لحيتها، طلبت منها أن تتمدّد على الفراش وترفع ثوبها، ليظهر بطنها  وصدرها، وضعت دائرة من الحنّاء حول سُرّتها، رسمت بالحناء وردتين على نهديها، ووردتين على منتصف فخذيها وهي تقول: "عندما يرى الزّوج هذا على جسد زوجته فإنه يهيم بها، ثم رسمت وردة على ظاهر وبطن كفّيها وذراعيها".( ص 19-20). مع ذلك فإن المرأة البدوية كانت تعتبر من الحرائر، ولا تعيش حياة الحريم، وهذا يعني أنها كانت تتصرّف بعفوية دون حرج كما الرجال، وتتحدث معهم دون خوف، وقد تمتّعت المرأة برشاقة الفرسان، وكانت فارسة تركب الخيل وتتعلّم الفروسيّة.

  • الفروسيّة: تطرّق الرّواية إلى أهميّة ومعزّة الخيول العربيّة الأصيلة لدى البدو، وخاصّة الشيوخ، فكانت الخيول الأصيلة ملكا لشيوخ العشائر، مخلصة لصاحبها، تبكيه إذا مات، وبعضها يموت حزنا بعد وفاة صاحبها.
  • موضوع ختان الأولاد الذكور: بيّنت الرّواية حكم الشّرع فيه، فالختان من السّنة ولم يُذكر في القرآن:" اتّفق أهل العلم على مشروعيّة الختان، واختلفوا في حكمه، فقال بعضهم بوجوبه، وقال البعض بسُنّيتهِ".(ص 36).
  • حريّة التنقّل في الأقطار العربيّة: ففي العهد العثمانيّ لم تكن هناك حدود بين الدول العربيّة، فالشيخ مسعود  تزوّج زوجته الأولى والثالثة من بادية الشام، أمّا ابنه ماجد فبعد أن طرده والده ذهب للعيش في تبوك في السعوديّة.
  • تربية الأولاد وعدم الإفراط في تدليلهم: ولعلّه الموضوع الأهمّ في هذه الرواية، فقد بيّن الكاتب أن الدلال المفرط يسيء إلى الولد، وقد ظهر ذلك في تدليل  صفيّة وأمّها لماجد ابن الشيخ مسعود، حتّى أنّه تأخّر في الحبو حتى بلغ عاما، في حين حبت أخته في عمر أربعة أشهر. وبعد أن أخذت صفيّة ابنها ماجد لفحصه عند إمام المسجد، أخبرها أن زواج الأقارب هو السبب في ذلك؛ فصفيّة ابنة عمّ الشيخ مسعود، وجاء بقول لابن قدامة:" اغتربوا لا تضووا" يعني أنكحوا الغرائب كي لا يضعف أولادكم. ص 29.

     ورغم محاولات الشيخ مسعود تعليم ابنه الفروسيّة منذ طفولته، إلا أنه لم يفلح بذلك، فماجد لم يكن نبيها، ولا يسأل ليتعلّم، وكان منطويا لا يخالط أحدا، ممّا أغضب ذلك الشيخ وآمن أن ابنه ماجد لن يغدو شيخا في المستقبل.  وقد استاءت صفيّة من ذلك، وخشيت أن يتزوّج الشيخ مسعود بامرأة أخرى، ورغم أنّ صفيّة أنجبت ولدا آخر (سلطان) وقد كان نبيها ذكيّا بعكس أخيه، إلا أنّ الشيخ مسعود تزوّج بفتاة أخرى، وأحضر ضرّة لزوجته صفيّة التي اغتاظت وبكت، لكنّ والدتها نصحتها بالتظاهر بالرضا ومباركة هذا الزواج.

       لم يحتمل الشيخ مسعود بلاهة ابنه وسذاجته فطرده من العشيرة رغم أنه كان متزوجا منذ فترة وجيزة، وقد ترك زوجته حاملا دون أن يعلم بذلك. فهام ماجد على وجهه في البراري حتى التقاه صدفة أعرابيّ فأخذه إلى عشيرته في تبوك في السعوديّة، وقد احتضنه شيخ القبيلة( الشيخ سعيفان) وعرف من ماجد أنه ابن الشيخ مسعود، وجعله يرعى الماشية مع أولاده، وعلّمه الفروسيّة، فشعر ماجد برجولته؛ فصار يتنبّه لأمور ويدركها، تحسّنت قدراته بشكل لافت، وبعد مرور خمس سنوات صار يشارك في سباقات الخيول وفاز في إحداها، كما صار يجالس الرجال في ديوان الشيخ، وإذا ما جاء متخاصمان فإن ماجد يستمع مع الشيخ لحجّة كل ّ منهما.

     بعد خمسة عشر عاما قرّر ماجد العودة إلى عشيرته،  فنصحه سعيفان ثلاث نصائح تنجيه من الموت إن اتّبعها، وبالفعل نفّذ ماجد نصائح الشيخ سعيفان ونجا من الأخطار التي واجهته في طريق العود،  وحين وصل ماجد سالما إلى عشيرته تفاجأ الجميع من شخصيّته ولم يصدّقوا أن هذه هو ماجد الذي كان أبلها بسيطا وقد اعتقدوا أنه مات، وها هو يعود رجلا واثقا بنفسه ومعه كميّة كبيرة من الذهب وجدها في طريقه عند السيل الجارف. ثمّ ما لبث الشيخ سعيفان أن زار الشيخ مسعود وسلّمه ثلاثمائة رأس من الغنم البيّاض، هي أجرة ماجد من عمله بالرعاية. وهكذا اشترى الشيخ مسعود الكثير من الأراضي الزراعيّة في مدينة أريحا، وبنى البيوت لأولاده، وانتقلوا الى العمل في الزراعة.

       كتبت الرواية بأسلوب شائق ولغة جميلة، تكثر فيها الأمثال الشعبيّة  والأقوال المأثورة، والأغاني والمهاهاة، الأحاديث النبويّة والآيات القرآنيّة، ممّا يرسّخ هذا التراث الهام في نفوس فتياتنا وفتياننا. ومما ورد في الرواية ما يلي:" "النساء أكثر من الهمّ على القلب"(ص 11). "إكرام الميّت دفنه"( ص 42). :" فرحنا للأقرع حتى يونّسنا، كشف عن قرعته وخوّفنا"(ص 29). :" الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"(ص 48).:" التعارف من السُنّة"( ص 71).:" إذا كان صاحبك عسل لا تلحسه كلّه"(ص 76).:" بين حانا ومانا ضاعت لحانا"(ص 92). ومن المهاهاة ما يلي:"

أويها يا شيخ بيتك مشرّع بفتيخه

آويها شِقْ بيتك مقعد للشيخه

آويها يا شيخ بيتك مشرّع بالخاتم

آويها وشِقْ بيتك مقعد للحاكم". (ص85).

هاي ويا بيّ ماجد يا عامود رجالنا

هاي ويا صاحب الهيبة وامشِ قدّامنا

هاي ويا بيّ ماجد يا عامود أهالينا

هاي ويا صاحب الهيبة وامشِ على هوانا"(ص 85).

يمكن اعتبار رواية المائق، رواية تعرّف الناشئة بحياة البدو، وهي زاخرة بالقيم العربية الأصيلة عند البدو، كالكرم واحترام الضيف وتقدير شيوخ العشائر، والاهتمام بالفروسيّة ونجدة المستغيث، ومساعدة المحتاج، إضافة إلى أهميّة تربية الأطفال تربية صالحة دون الإفراط في تدليلهم، وتربيتهم على القيم والاعتماد على النفس، وإغداق الأطفال بالحبّ والصبر عليهم في التربية، والايمان بهم وبقدراتهم، ولعلّ ايمان الشيخ سعيفان وحبّه لماجد ورعايته الصالحة له، ساهمت في صقل شخصيّته وجعلته رجلا بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معنى.

المزيد من المقالات...