clip_image002_ced86.jpg

عن مكتبة كل شيء في حيفا صدر عام 2016م كتاب  " في بلاد العم سام" ، يقع الكتاب 164 صفحة من القطع المتوسط.

 فإذا قال محمود عباس العقاد عن القراءة: حياة واحدة لا تكفيني، والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الانسان الواحد، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق.

فأن  القراءة في أدب الرحلات، يفتح آفاق فكرك على حضارات الغير، ويضيف خبرات وتجارب إنسانية  الى شخصك. 

وفي بلاد العم سام ، كأنك تسمع أغاني "البلوز"الشهيرة أغاني الحرية، وكأنك ترى القوارب السياحية في بحيرة " جنيفا" والقصور الفاخرة المقامة على شاطيء البحيرة، وكأنك تقف على الإنجراف الصخري عند شلالات" نياجرا" .

وتتخيل لاس فيجاس المدينة التي تشبه الصّحن وسط الجبال المرتفعة، بتربتها ونهرها الصناعيّة، وفنادها وماكنات القمار.

ومساجد بورتوريكو التي بنى اغلبها الفلسطيني إبن عنبتا"السيد عزت حسن بدران".

الإهداء

______

بالبداية كان الإهداء لباسل كنوع من المساواة بين الأحفاد، فلا فرق بين  الإبن أكان من ذكرا أو أنثى، وتكتمل المساواة حين يقدم إعتذاره للحفيديين كنان وبنان، " صفحة 11"  لأنه لم يوفر لهما المكتبة التي  كانت بحوزة  لينا وذلك ليس تقصيرا بل عدم معرفة بفائدة القراءة منذ الولادة، أضفت على الكاتب  لمسه شفافية في الروح والمشاعر.

تأتي الحفيدة لينا الطفلة التي سيحبها أترابها، كل ما حول الطفلة ينبيء ببزوغ نجمة تضيء محافل التميز، تتربى على الموسيقى والكتب،

شخص فلسطيني بإمتياز

____________

 يربط الكاتب تاريخ ميلادة، بتاريخ نكبات  هذا الوطن من حروب وتشرد، وينصهر في حزن الوطن ويعتبر أن هذا اليوم يشكّل عليه وعلى أبناء شعبه وأمته لعنة تاريخية، لا فرح معها.

يذكر أثر الحرب على الهجرة بسفر ابن عمه محمد موسى السلحوت، من السعودية للولايات المتحدة حين اندلعت حرب حزيران 1967م.

سفر الأخ احمد الى البرازيل وكان الكاتب بعمر 15 عام، ليلتحق بالأخ الأكبر محمد الذي ترك زوجته حليمة وابنه كمال عام 1960م. بسبب سنوات القحط التي كانت تعيشها البلاد.

الأخ الأصغر داود يرى ابنه علاء لأول مرة بعد أن بلغ 4 أعوام.

محاضرة يلقيها الكاتب حول معاناة القدس الأسيرة، تلبية من المجلس الثقافي الفلسطيني " صفحة 34".

أثر العرب بحكم اسبانيا، وإدخالهم للفخار، وهو شاهد على تراث الحضارات.

وكذلك العرب كانوا سادة العالم في مختلف أنواع العلوم، والاستشهاد بالفارابي وجابر بن حيان."صفحة 141".

اعتقاله فسجن الدامون عامي 1969-1970م.

عادات الشعوب

___

أولا الكاتب يتمسك بالعادات والطباع الإسلامية، يظهر ذلك بالدعاء عند تناول الطعام صفحة 19.

طبخ المشيمة 

خمسة وخميسة

قاريء الطالع والمشعوذين 

أكل الجلود مع اللحوم " مسلمين من الصومال واثيوبيا ونيجريا.

فاكهة الطيور،عادات ناتجة عن ترف العيش 

عدم الرغبة بأكل لحم الخراف من الامريكيين، فقط الأبقار والخنازير.

مصارعة الديّكة

أكل لحوم الحيوانات المفترسة والطيور الجارحة.

المقارنات

_________

 مقارنة بين أطفالنا وما يوفر لهم  وقت الميلادـ وأطفال العالم المتحضر،

مقارنة بين ناسا والتقدم العلمي، وبين تفوقنا نحن العرب بعدد الهزائم وبالإقتتال الداخلي والفتن، واعتقاد القتلة بأن دماء الأبرياء توصل للجنة " صفحة 32".

مقارنة بين  المهاجرين العرب والمهاجرين اليهود، وانغلاق العرب،  وانعزالهم عن الحياة السياسية، وتأثير انغلاقهم على مداخيلهم الإقتصادية،- مع وجود استثناءات- في حين أن اليهود منظمون، ولهم مؤسساتهم مثل"الايباك" التي تخدم مصالحهم وتحميهم، مما تجعلهم قوة مؤثرة على الانتخابات الأمريكية، " صفحة 55".

مقارنة بين أمريكا ذات التّعدّيدية العرقيّة والدّينيّة والعقائديّة واللغويّة  شكلت فسيفساء شعب يحترم بعضه بعضا، ويعرف كيف يبنى دولة عظمى ويحافظ عليها.

وبين العرب حيث لغة واحدة، دين واحد، عرق واحد، تاريخ مشترك، ولم نبن سوى تحالفات عشائريّة تتربّص ببعضها البعض. " صفحة 71".

مقارنة بين ما حصل للهنود الحمر بأمريكا وما يحصل مع الفلسطينيين من قبل اليهود." صفحة 158".

وبين دفّتي الكتاب الكثير من السفرات، ووصف لأماكن ومشاهدات لا تحصرها قراءة.

كلمة أخيرة "رغم الانبهار بالحضارة الأمريكيّة إلا أنّ الكاتب يذكر سبب تعاستنا كفلسطينيين، لدعمها لاسرائيل على حسابنا، ودمرت العراق العظيم عام 2003م."

clip_image001_ffd55.jpg

صدرت رواية مسك الكفاية للأسير الفلسطيني باسم الخندقجي عام 2014، عن الدّار العربيّة للعلوم ناشرون،وتقع الرواية التي صمّم غلافها سامح الخلف في 330 صفحة من الحجم الكبير، وقدّم لها الأديب محمود شقير.

" ان للسيوف وحدها الحق في العلو والسيادة " بهذه الكلمات أراد الكاتب الأسير باسم الخندقجي في روايته " مسك الكافية " أن يخبرنا عن حقبة دامية من تاريخنا العربي و الإسلامي، حقبة قال عنها بعض المؤرخين أنها العصر الذهبي للخلافة العباسيّة التي امتدت لأكثر من ثلاثة قرون. بيد أنّ السيوف لم تكن عربية فقط، فقد اعتمدت على الفُرس الناقمين على الأمويين لاستبعادهم من مراكز الحكم والسلطة وحصرها على العرب. نجح العباسيون من تجنيد سيف أبي مسلم الخراساني في اخضاع البلاد والعباد وانتزاع البيّعة عنوة لأبي العباس ومن بعده أبو جعفر المنصور الذي تخلص منه لاحقا. حقبة كان روادها لا يكترثون بإنسانية الإنسان، بل على العكس فإنّ سعيهم إلى السلطة والنفوذ قادهم إلى ممالك ركائزها جماجم العامّة وأولوا العلم.

استطاع الكاتب عمل تشريح اجتماعيّ وثقافيّ لتلك الفترة حين تحدث عن جناح الجواري في قصر المهدي والذي عج بالفارسيات والروميات والحبشيات والعربيات، حيث تعددت الثقافات في كنف الدولة، ومن جناح الجواري استطاع الكاتب أن يُقدم لنا تحليل سسيو- سياسي لما كان عليه حال الخلافة العباسيّة وهذا الحال مهدّ لحدوث ثروات سياسية لاحقا كثورة الأدارسة والفاطميين فحملت الحقبة في ثناياها بذور الفناء والأفول.

تتطرق الكاتب لحياة الصحراء ودورها في بناء الشخصية العربية من حب للحرية والكرامة والصبر والمثابرة والدفاع عن الذات من أجل البقاء، ناهيك عن التوحّد في إطار قيم تجمع الإنسانية وتمثل ذلك في قبيلة الأنهد بن الورد. قيمٌ صقلت شخصية الخيزران صاحبة الجمال وفصاحة اللسان فاستفادت منها في الوصول إلى منيتها في قصر المهدي، حملت من الصحراء رفضها للظلم والأنفة فأراحت الجواري من بطش الفارسية.

أما على صعيد تطور شخصية المقّاء ولاحقا الخيزران فإن كاتبنا قدم لنا شرحا حول قدرة الإنسان على الصمود وإصراره على الحياة مما يجعله قادرا على التأقلم مع الظروف والأحوال المتغيرة، مدللا على أنّ سيكولوجية الإنسان هي واحدة في رغبته بالعيش الكريم إذا ما تجردت من شوائب المُلك والسيطرة. فكانت الخيزران تجتاز الرمال المتحركة لتتراكم لديها الخبرة والمعرفة مما يسهل عليها اجتاز المستنقع التالي وتجاوز العقبات وصولا إلى ما سعت إليه.

قدمت لنا الرواية معلومات تاريخيّة هامة – اذا صحّت مصادرها- مما جعلها قريبة للقارئ بأسلوب مشوّق وتصاعدي. إلا أنّ المبالغة في سرد تفاصيل الفراش والمخدع والخلوات الماجنة قد يؤثر سلبا على المتلقي خاصة من فئة غير العارفين في خفايا الأدب الروائي ورسائله المبطنة.

وأخيرا يمكننا القول بأنّ هذا العمل اعتمد على السياق التاريخي في النشأة والتطور ومن ثم الفناء. وكأن الكاتب عمل اسقاطا تاريخيا على واقعنا المعاش المليء بالدماء وحدّ السيف الحامي لدولة الطغاة في مشرقنا العربي، واستخدامه لمصطلحات مثل ( أصحاب الرايات السود، قوم يأتون من الشرق، الاستشهاد بمراسلات أبي جعفر والنفس الزكية، وأموال آل العباس في شراء الفرس) خير دليل على هذا الاسقاط .

هي رسائل يوجهها إلينا وقد استنبطها من تاريخ بعيد علنا نبني مستقبلا ودولا ركيزتها الإنسان.

clip_image001_254ff.jpg

صدرت رواية مسك الكفاية للأسير الفلسطيني باسم الخندقجي عام 2014، عن الدّار العربيّة للعلوم ناشرون،وتقع الرواية التي صمّم غلافها سامح الخلف في 330 صفحة من الحجم الكبير، وقدّم لها الأديب محمود شقير.

في هذه الرواية، لم يكتف المؤلف بتناول سيدة الظلال الحرة، بل تناول تاريخ دولة لم تستتب لها الأمور إلا بالدسائس والمؤامرات والمعارك، سآتي إليه بعد إبلاء الخيزران حقها. هل نحن أمام سيدتي الجميلة، أوMy Fair Lady؟ التي أبدعها برنارد شو، من فتاة ريفية بسيطة، وأدخلها قصور المجتمع المخملي، سرعان ما كشفت نفسها بسذاجتها، في حين أن نجمتنا اتخذت المركب الصعب، كأنها تقول:

 فإذا كانت النفوس كبارا    تعبت في مرادها الأجسام      "وإذا سرقتَ فاسرق جمل"

المقاء بنت عطاء بن سبأ صبية في عمر الورد، تعيش في شبوة من اليمن، حيث الخوارج الخارجون على سلطان العباسيين كما الأمويين قبلهم. يأسرها أمير الجند على أنها ترسل الطعام للعصاة، ليأخذها هدية لمولاه الخليفة. تتعرض لمحاولة اغتصاب ينقذها منه فارس شهم، هو الأنهد بن عروة بن الورد، الذي يهم بإعادتها لأهلها، ولكنها تصر على الذهاب إلى بغداد سبية تباع في سوق الجواري. يبدو أنها أصيبت بعقدة السبي، فأرادت استكمال دورها، أو بالأحرى أن المؤلف رتب ذلك في سياق الرواية، مع أن الأنهد حاول ثنيها بإطلاعها على حياة الجواري وبيعهم المذل في سوق النخاسة. لجمالها وعذريتها ، ترسلها راعية الحريم بعد تفحصها في الخان إلى الري، حيث القصر الزينبدي للمهدي ابن الخليفة المنصور، وتطلق عليها اسم الخيزران، الذي علمت فيما سبق أنه من أسماء الأضداد، لأنها لم تكن بهذا القدر من الرشاقة غير المرغوبة. فالشاعر البدوي يصف الجمال هكذا:

فهي هيفاء هضيم كشحها (أي خصرها)     ضخمة حيث يُشد المؤتزر

تُنجب للمهدي ولي عهده الهادي، وهي جارية أم ولد، لم ينادها حتى باسمها، فلم تتقبل ابنها لأنه ابن فض، وتنجب هارون فتتقبله وتنتقل من قصر إلى آخر، من الزينبدي إلى قصر الخلد فالرصافة وعيسباد، إلى أن يبني لها المهدي قصر الخيزرانية، لأنه أحبها وأعجب بها لسداد رأيها ونصحها له. ولكنها لم تبلغ ذروة الكفاية، فهي تصبو إلى الانعتاق والتحرر، الذي تفضل عليها به المهدي، لأن ولي العهد موسى الهادي يجب أن يكون ابن حرة.

حياة القصور في بغداد حافلة بالمكائد والعزل والقتل، وهي تشارك فيها لتعزيز مكانتها، وعندما يموت المهدي عام 169 هجرية، يخلفه الهادي الذي كان بطاشا بالعلويين، متعجرفا ضيق الصدر يبيح الخمور في مجلسه. لم يعجب الخيزران تخبطه ومجونه، كما لم يعجبه انفتاح أمه على العباد وأولي الأمر، فحاول تسميمها بوليمة عامرة، مات بعدها مختنقا تحت جوار ثلاث قويات البنية سنة 170.

أخيرا أصبح ابنها الحبيب هارون الخليفة، الذي سئم من الفتنة المشتعلة بين أمه، التي تفضل حفيدها المأمون ابن الجارية الرومية مراجل، على الأمين ابن زوجته زبيدة، فآثر النأي بنفسه عن قصر خلافته، لاجئا إلى برية سلطانه، واثقا بقدرة وزيره البرمكي وأمه من ورائه، على إدارة شؤون الحكم والرعية، واثقا أيضا أن الغمامة أنى ذهبت فخراجها يعود إليه. وهنا تصل الخيزران إلى مسك الكفاية، فهي تتربع على عرش الدولة العباسية الشاهق، وكل ما واجهته وانتصرت عليه، يقبع أسفلها في هاوية انتقامها. تمضي إلى جناح الحريم في القصر بطولها الفارع، قائلة للحواري:      انهضن واذهبن فأنتن حرائر.

قدم لنا المؤلف رواية متنوعة مستفيدا من وقته في الأسر، ومن الكتب والمراجع المتاحة، لتكون  شاملة للأدب والتاريخ، والاجتماع والسياسة وحتى نواحي العشق والغرام، كما كان ينوع في سرده بين مسيرة الخيزران، كسبية من الكوفة للري فبغداد، ليعيدنا بين آن وآخر إلى الصحراء مع الأنهد ورقية وسيدة القبيلة، حيث يحدثونا عن سكان الصحراء، بأنهم أحرار يخدمون بعضهم بعضا ولا سيد عليهم، وعن الصعاليك وقصص من التاريخ، عن سبأ وخزاعة وزرقاء اليمامة، والحب بين توبة بن الحمير وليلى الأخيلية، والجواري ومصادرهن وأصنافهن، فأضاف لنا الكثير. وقد أحبت المقاء بهذه المناسبة فارسها الأنهد، وحافظت على ذكراه بعباءته السوداء المخبأة بصندوقها الخشبي، فقد كان رجلها الأول، ولكنها لم تكن أنثاه الأولى التي هي رقية.

في الرواية يبدو لنا الوجه غير المشرق، للعصر العباسي الأول، الذي حسبنا أنه أزهى عصور الدولة العربية الإسلامية. فهذه عاصمة الرشيد، التي بناها المنصور بسخاء، مع أنه كان يعرف بأبي الدوانيق لبخله، كما كنا نعتز بأن الخليفة الأول، أخذ لقب السفاح لأنه استعمل الشدة معذورا لضبط الأمن في دولته الجديدة، مغفلين أنه سرق الخلافة من محمد بن عبد الله بن الحسين بن علي، المشهور بالمهدي أو النفس الزكية، حيث كانت الدعوة له في أواخر عهد الأمويين، فخذله المنصور والسفاح، كما قضى المنصور على أبي مسلم الخراساني، قائد جيش العباسيين ضد مروان بن محمد، وقضى على عمه عبد الله بن علي، ثم نقض ولاية العهد لعيسى بن موسى ابن أخيه لمصلحة ابنه المهدي. تبع ذلك محاولة الهادي نقض ولاية أخيه هارون لمصلحة ابنه جعفر، ومحاولة الخيزران نقض ولاية الأمين كما مر سابقا.

 كل هذه الدسائس والمؤامرات تحدث في أقل من أربعين عاما من عمر الخلافة العباسية، يقابلها الانتقال السلس في ولاية العهد في بريطانيا مثلا، خلال أكثر من خمسة قرون، خلال حكم ثلاث أسر منذ نهاية القرن الخامس عشر، حيث تداول السلطة ملوك وملكات، حسب أحقيتهم في ولاية العرش، بدون إقصاء أي منهم لتولية وريث أخر. هذا الأسلوب الذي استنه المنصور ومن بعده ظل سائدا خلال حكم العباسيين، الذي أصبح اسميا بعد المتوكل 247 هجرية، وانتقل حتى للدولة العثمانية. كما يلاحظ أن ترك أمور الدولة للوزير البرمكي من قبل الرشيد، أصبح تقليدا اتبعه الخلفاء من بعده، حتى أصبح الحكم بعد المتوكل أيضا، بيد القادة الأتراك والبويهيين والسلاجقة، الذين كانوا السلاطين في الدولة، وأصبح الخليفة العباسي صورة فقط لشرعنة الحكم، كما كان يقال:

  خليفة في قفص   بين وصيف وبغى       يقول ما قالا له    كما تقول الببغا

clip_image001_70cb9.jpg

clip_image003_e78f3.jpg

clip_image005_cba47.jpg

كان الأستاذ سهيل ابراهيم عيساوي قد اصدر في السنوات الأخيرة عدة كتب للأطفال والناشئة تتضمن قصصاً شائقة ممتعة لجيل الطفولة والناشئين حيث أهداني مشكوراً كتابين من هذه الكتب صدرا له عام 2016 , الأول بعنوان " جدِّي يعشق أرضه " , والثاني يحمل عنوان " في ضيافة رجال الفضاء " , وقد أبدى الأستاذ عيساوي رغبةً في استطلاع رأيي في هذين الكتابين من خلال كتابة تعليق عليهما يعكس انطباعاتي عمّا ورد فيهما من موضوعات تثير اهتمام القارئ .

يتمحور موضوع الكتاب الأول " جدي يعشق أرضه " حول حب جد الراوي لأرضه وتعلّقه بها وبترابها ورفضه القاطع لبيعها رغم ما عرضه عليه رجل غريب من ثمن مرتفع مُغرٍ لبيعها . وكما هو واضح في هذه القصة , فإنَّ الغرض منها بيان مدى تمسّك الإنسان القروي الأصيل المُتّسِم بالعراقة بأرضه ِ رغم كل المغريات المادية المعروضة ثمناً للأرض العزيزة والغالية على قلب هذا الجدّ الشيخ الذي يرى في أرضه ِ مصدراً لمعيشته ِ ومعيشة أولاده ِ وأحفاده من بعده ِ , فهي في نظره ِ جزءٌ لا يتجزأ من حياته وكيانه ووجوده مع عائلته ِ التي سيورثها هذه الأرض . وقد كان رد الجدّ على جارهُ السمسار عدنان المرافق للشاري خير مثال على هذا القصد حيث جاء في ردّه ِ : " أعتاش وسوف يعتاش الأبناء والأحفاد من بركة الأرض "

( ص 11 ) . وهنا يحضرني ما قاله جبران خليل جبران مبلوراً معاني فضل الأرض على الإنسان وخيراتها على بني البشر بما تمنحه لهم من كرم وعطاء لا ينضب.

وفي ذلك يقول جبران :

" ما أكرمكِ أيتها الأرض وما أطول أناتك ِ . نحنُ نُجَدِّف وأنت ِ تباركين , نحن نًنّجِّس وأنت تُطَهِّرين . نحن نهجع ولا نحلم , وأنت ِ تحلمين في سهرك السرمدي , نحن نكلّم صدرك بالسيوف , وأنتِ تغمرين كلامنا بالزيت والبلسم . نحن نستودعكِ الجيف , وأنتِ تملئين بيادرنا بالأغمار ومعاصرنا بالعناقيد " .

وتوحي لنا القصة أنّه على الأبناء والأحفاد أن يتشبّثوا بأرض وتربة آبائهم وأجدادهم وأن لا يفرِّطوا بها مهما كانت الإغراءات السخيّة مادّياً لأن فيها بركة الحياة وأرزاق الناس تعطيهم خير الثمار والطعام , وقد ورد في قول النبي العربي الكريم ( ص) في هذا الصدد : " التمسوا الرزق في خبايا الأرض " .

لقد أراد الكاتب في هذه القصة أن يكون ما ورد فيها من السرد الحكائي مثالاً طيّباً كي َيحتذي به ِ الناشئة ليتمسكوا بما أورثه السلف الصالح من أرضٍ وأن لا ينقادوا وراء أهوائهم ببيع الأرض التي تزودهم بالخيرات وتشكّل سنداً لهم في هذه الحياة على المدى القريب والبعيد ايضاً , وقد صدق الشاعر أميّة بن أبي الصلت حين قال واصفاً الأرض في هذا الشأن :

هي القرار , فما نبغي لها بدلاً

                        ما أرحم َ الأرضَ , إلّا أننا كُفُرُ .

وإذا انتقلنا الى قصة الأستاذ عيساوي الثانية : " في ضيافة رجال الفضاء " نجد أن الكاتب يطرق باب الخيال العلمي ( science fiction ) كنموذج يستهوي الأطفال والناشئين حيث يصف رحلة فضائية برفقة مخلوقات فضائية اختطفوا ولداً يافعاً وهو في طريقه ِ الى مدرسته ِ ليأخذوا عينة ً من دمه وخصلة من شعره ِ وكذلك حقيبته المدرسية كي يدرسوا لغة وأفكار وكتب الجنس البشري للتواصل مع البشر في المستقبل .

ويخبرنا الولد راوي القصة أنَّ هذه المخلوقات الفضائية قد أرجعوه في نهاية المطاف سالماً الى الكرة الأرضية والى بيته في اليوم نفسه ِ .

في هذه القصة , يتوخى الكاتب ويعمد الى انتقاد أهل الكرة الأرضية بشكل غير مباشر متخذاً وسيلة ً من الرسالة الشفهية التي حمّلوها للولد المخطوف كي ينقلها لسكان المعمورة , والتي مفادها أنَّ هناك ثلاثة أمور تؤدّي الى زوال الكرة الأرضية وتثير غضب هذه المخلوقات الفضائية , وهي أصوات الانفجارات وحروب البشر مما يمنعهم من النوم الهادئ , وكذلك ظلم المستضعفين في الأرض وصرخات آلامهم , وأخيراً التلوث البيئي .

أنَّ المغزى الذي نستنتجه من أحداث هذه القصة يكمن في أن الكاتب يهدف الى انتقاد سلبيات وعيوب المجتمع البشري في هذا العالم من خلال إيراده ِ لما تضمنته الرسالة الشفهية للمخلوقات الفضائية , مشيراً بالإيحاء الى أنه قد يكون هناك عوالم أخرى مختلفة عن عالمنا , وربما تكون أكثر علماً وتطوّراً من العالم أو الكون الذي نعيش فيه , وهذه الإشارة أو الإيماءة الموحية من الخيال العلمي , تحفِّز الأطفال والأولاد على إعمال خيالهم وفكرهم , والتحليق فكرياً في تصوّرات علمية تدغدغ حب الاستطلاع فيهم وتعمل على تنمية عنصر الابتكار الذهني المؤدي الى الرغبة في الاستزادة من قراءة هذه النوعية من القصص بمستوى سردي يتلاءم مع أعمارهم في المستقبل حين يبلغون سناً يثير فيهم روح التخيّل والإبداع .

مما تقدّم , نستخلص أن الأستاذ سهيل ابراهيم عيساوي قد أبلى بلاءً حسناً , وأجاد في تقديم هاتين القصتين للأطفال والناشئة بغية طرح أفكار ومعان ٍ حياتية يستفيد منها القرّاء في هذه الأعمار للوصول الى المغزى المنشود في كل قصة , مما يدعونا الى الإشارة بالجهد المحمود الذي بذله الكاتب في صياغة مضمون القصتين , متمنين له دوام التوفيق , والمزيد من الإبداع والعطاء . 

في أصل كلمة أستاذ

كلمة أستاذ أعجمية، دخيلة على اللغة العربية، ومعناها بالفارسية الماهر بصنعته، وغلب إطلاقها على الحاذق في عمله.

وهي اليوم تطلق على المعلم والعالِم، ودرجة أستاذ من درجات المحاضرين في الجامعة،  وأيضًا من درجات المنتهين من دراستهم في الجامع الأزهر، وتطلق على المحامي والوكيل في المحاكم.

وعن دخول الكلمة إلى لغة أهل العراق يقول الجواليقي المتوفى سنة 540ﻫ في كتابه المعرّب من الكلام الأعجمي: "فأما الأستاذ فكلمة ليست بعربية، يقولون للماهر بصنعته: أستاذ، ولا توجد هذه الكلمة في الشعر الجاهلي، واصطلحت العامة إذا عظّموا الخصي أن يلقبوه بالأستاذ، وإنما أخذوا ذلك من الأستاذ الذي هو الصانع لأنه ربما كان تحت يده غلمان يُؤدبهم فكأنه أستاذ في حسن الأدب ولو كان عربيًا لوجب أن يكون مشتقًا من الستذ وليس ذلك بمعروف".

انتقلت الكلمة إلى الجزيرة والشام ثم منها إلى سائر البلدان، قال أبو البقاء العكبري في شرح ديوان المتنبي: "الأستاذ كلمة ليست بعربية، وإنما تقال لصاحب صناعة كالفقيه والمقريء والمعلم، وهي لغة أهل العراق، ولم أجدها في كلام العرب. وأهل الشام والجزيرة يسمون الخصي أستاذًا".

وذكروا أنه لا يستحق أن يُلقب بالأستاذ إلا من جمع اثني عشر علمًا، أو ثمانية عشر علمًا منها: النحو والصرف والبيان والبديع والمعاني والآداب والمنطق والكلام والهيئة وأصول الفقه والتفسير والحديث. 

الجواليقي، المعرب من الكلام الأعجمي، تحقيق أحمد محمد شاكر، ط2، القاهرة، 1969.

أبو البقاء العكبري، شرح ديوان المتنبي، ج1، ص 170.(المكتبة الشاملة).

المزيد من المقالات...