مصطلح "إزدواجية الشخصية"

ابتكر الوردي - في سعيه لتأسيس قاموس عربي مقابل للمصطلحات والمفاهيم الحضارية الغربية - مصطلحات عربية موفقة لغويا ودلاليا . ولم يقتصر جهده هذا على مجال علم الإجتماع حسب بل امتد إلى الحقول المعرفية الأخرى ، فأول مصطلح اجترحه كان مصطلح ازدواجية الشخصية الذي جاء جديدا على القاموس التداولي في الثقافة العربية . وكانت المناسبة الأولى التي طرح فيها هذا المصطلح الجديد هو محاضرته الأولى : ( شخصية الفرد العراقي ) التي طرح فيها فرضيته الصادمة عن ازدواجية الفرد العراقي :

(( إني لا أنكر بأن ازدواج الشخصية ظاهرة عامة توجد بشكل مخفّف في كل إنسان حيث وجد الإنسان ؛ ولكني أؤكد لكم بأن الازدواج فينا مركّز ومتغلغل في أعماق نفوسنا . إن العراقي ، سامحه الله ، أكثر من غيره هياما بالمُثل العليا ودعوة إليها في خطاباته وكتاباته ، ولكنه في نفس الوقت من أكثر الناس انحرافا عن هذه المُثل في واقع حياته . زارنا من أحد الاقطار العربية كاتب ، ذات يوم ، وكان الوقت رمضان فعجب من شدة تمسّكنا بمظاهر الصوم من ناحية ، ومن كثرة المفطرين بيننا من ناحية أخرى . وربما لا نغالي إذا قلنا بأن المسلم العراقي من أشد الناس غضبا على من يفطر علنا وهو من أكثرهم إفطارا . وكذلك يمكن القول بأن الفرد العراقي من أكثر الناس حبا للوطن وتحمسا لخدمة العلم ، بينما هو في الواقع مستعد للتملص من خدمة العلم إذا آن الأوان . إنه أقل الناس تمسكا بالدين ، وأكثرهم انغماسا في النزاع بين المذاهب الدينية . فتراه ملحدا من ناحية وطائفيا من ناحية أخرى . وقد يلتهب العراقي حماسة إذا انتقد غيره في ما يخص المباديء السامية أو رعاية العدل والعفو والرحمة ، ولكننا نراه من أسرع الناس إلى الإعتداء على غيره ، ضربا ولكما ، حالما يرى الظروف مناسبة)) (550) .

ويؤكد الوردي على نقطتين أساسيتين : الأولى هي أن الازدواجية لا تعني النفاق أو الرياء وليس لها صلة بهما ، فالنفاق يشعر به صاحبه وهو يتقصّد القيام به عمدا من أجل كسب منفعة شخصية له ، أما الازدواج فهو بناء لاشعوري يعمل فيه الفرد بإحدى شخصيتيه وينسى لاشعوريا ما فعل بالشخصية الأخرى . أما الثانية فهي أن المفهوم الذي يطرحه عن الإزدواج في الشخصية لا علاقة له أيضا بمفهوم الإزدواج الذي يطرحه المختصون في علم النفس . ففي الأخير يعني الازدواج مرضا نفسيا ، أما في علم الاجتماع فهو ظاهرة اجتماعية تحدث في كثير من الناس الذين لديهم صراع ثقافي .

ويرى الوردي أن علماء الاجتماع الأجانب لم يهتموا بموضوع الازدواجية بصورة كافية لقلته في مجتمعاتهم . لكن علينا - والقول للوردي - أن لا نكون مقلّدين للباحثين الأجانب تقليدا أعمى .. لأن مجتمعنا يختلف عن مجتمعاتهم في كثير من النواحي ، والواجب العلمي يقضي أن ندرس مجتمعنا في ضوء ظروفه الخاصة به . وربما توصلنا في دراستنا إلى نتائج تختلف عما توصلوا إليه .

أسباب إزدواجية الشخصية

_________________

وللبحث في أسباب هذا الإزدواج في شخصية المواطن العراقي يحدّد الوردي ثلاث مجموعات من الأسباب :

1- الأسباب الحضارية ممثلة بصراع الحضارة والبداوة حيث نشأت في العراق أقدم الحضارات ، ولكنه كان يقع على حافة أعظم الصحارى التي صدّرت له أعتى الموجات البدوية .

2- الأسباب الإجتماعية : وتتمثل في " تجزّؤ " الجماعة الاولية ، أي العائلة العراقية ، في أدوار الرجل والمرأة والطفل .

3- الأسباب النفسية : وتعود إلى التربية المتزمّتة في العراق التي تخلق لدى الطفل شخصيتين : شخصية خانعة مؤدبة ، وأخرى ثائرة معتدية . وهذا يؤدي إلى شدة المكبوت في لاشعور الفرد العراقي .         

مصطلح "التناشز الإجتماعي"

____________________

وارتباطا بمصطلح " ازدواجية الشخصية " هناك مصطلح لفرضية الوردي الثالثة – الثانية كانت صراع الحضارة والبداوة – عن " التناشز الاجتماعي " الذي يقول عنه الوردي أنه اصطلاح لجأ إلى استعماله لتوضيح ما يقع في الريف العراقي من تناقض أو تصادم بين القيم البدوية التي حملتها القبائل القادمة إليه من الصحراء ، والظروف الواقعية التي تسيطر على تلك القبائل فيه " (551) .

يقول الوردي :

(إن التناشز الاجتماعي هو ترجمة للمصطلح الذي جاء به العالم الاجتماعي المعروف ( أوغبرن ) . وإني قد جئت بهذه الترجمة في عام 1965 عندما أصدرت كتابي : (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي) ، ثم عرضته على المجمع العلمي العراقي أملا في أن أحظى منه بجواب إيجابي أو سلبي - لاحظ معاناة الوردي مع المجمع وإهمال الأخير له فهو لم يحصل على عضويته حتى وفاته - فلم أوفق في ذلك مع الأسف الشديد . كان العالم "أوغبرن" يقصد بهذا المصطلح ظاهرة اجتماعية تُلاحظ في كل مجتمع يعاني من التغيّر ، فمن طبيعة التغير الاجتماعي أن أجزاء المجتمع لا تتغير كلها على وتيرة واحدة أو بسرعة واحدة ، فمنها ما يتغير بسرعة كبيرة ومنها ما يتغير ببطء . وهذا التفاوت في سرعة التغير يؤدي إلى ظهور بعض المشاكل في المجتمع . .. ولا حاجة بنا إلى القول إن هناك صلة وثيقة بين التناشز الاجتماعي وازدواج الشخصية في كثير من الأحيان ) (552) .

وفي هامش على الصفحة نفسها يذكر ( سلام الشماع ) الملاحظة التالية :

(( اعتبرت مجلة ( علوم إنسانية ) في الموسوعة التي خصصتها لعلماء الاجتماع العراقيين أن من أهم أطروحات الوردي هو (التناشز الاجتماعي) ، وذكرت الموسوعة أن الوردي حوّر مصطلح ( الفجوة الثقافية ) الذي جاء به العالم الاجتماعي ( وليم أوغبرن ) وعمّمه على المجتمع العراقي والعربي )) (553) .   

مصطلح "الخارقية"

_____________

ومن المصطلحات الهامة الأخرى التي نحتها الوردي هو مصطلح ( الخارقية ) كمقابل عربي للمصطلح الإنكليزي – parapsychology  . وقد تناولنا هذا المصطلح في موضع سابق.

مصطلح التراثيّة

______________

لنأتي الآن إلى مصطلح " التراثية " الذي اقترحه الوردي كمقابل عربي للمصطلح الغربي وهو " culture" . وقد جاء استخدام الوردي هذا متأخرا في الثمانينات بعد أن مر بمرحلة قلقة - إذا جاز التعبير - تجاه هذا المصطلح ، وهي المرحلة التي تحدث عنها في كتابه : ( دراسة في طبيعة المجتمع العراقي – 1965 ) حيث قال :

(( من المؤسف أن نجد المؤلفين العرب يختلفون في ترجمة هذا المصطلح [ = culture ] إلى اللغة العربية . فبعضهم ترجمه إلى " ثقافة " والبعض الآخر ترجمه إلى "حضارة". إني لا أميل إلى ترجمته إلى حضارة والسبب هو أن لفظة الحضارة استُعملت في اللغة العربية منذ قديم الزمان بمعنى " المدنية " . وعلى هذا جرى ابن خلدون وجميع المؤرخين والباحثين والأدباء العرب . فهم قد اعتادوا على تصنيف الناس إلى فئتين متناقضتين : البدو والحضر . ولهذا فإني أحب أن أحافظ على هذا المعنى القديم للفظة الحضارة ، فهي عندي بمعنى المدنية .. أما الثقافة التي يستعملها الآن كثير من المؤلفين في مصر فإني أميل إلى مجاراتهم فيها . ولكن هذه اللفظة لا تخلو من عيب . فهي قد شاع استعمالها في التداول العام بمعنى المعرفة أو التهذيب أو النضوج العلمي . فإذا وصف الناس شخصا بأنه " مثقف " عنوا أنه مهذب أو مطلع على المعرفة الحديثة اطلاعا ناضجا وعميقا . إن هذا التداول الشائع للفظة " ثقافة " قد يحدث التباسا وغموضا لدى القاريء عند استعمالها بمعناها العلمي . ولكي لا يقع مثل هذا الإلتباس سأحاول استعمال "الثقافة الاجتماعية" بمعنى " culture ". وبهذا يمكن التفريق بين المعنى العلمي والمعنى الشائع لهذا المصطلح المهم)) (554) .

ولكن قبل ذلك - وكما يقول الوردي نفسه - فإنه حاول أن يُطلق على الثقافة الاجتماعية اصطلاح "التركيب الاجتماعي" متأثرا في ذلك بنظرية "روث بيندكت" عالمة الاجتماع الأمريكية ، لكنه اضطُر إلى تركه أخيرا وفضل عليه اصطلاح "الثقافة الاجتماعية " .  

في الثمانينات اجترح الوردي مصطلح : " التراثية " كمقابل لمصطلح : culture  والذي أنقل هنا نصا كاملا عن الأستاذ (سلام الشماع) من مخطوطة كتابه الجديد عن الأحاديث التي أجراها مع الراحل علي الوردي يوضح فيه هذا المصطلح الجديد:                                               

((  أقصد بالتراثية ما يسمى في الاصطلاح العلمي (Culture) ، ومعناه مجموعة المعتقدات والقيم والتقاليد والعادات والمألوفات التي يتميز بها مجتمع عن آخر ، والتي ينشأ عليها الإنسان منذ طفولته . إن الإنسان حين ينشأ في تراثية معينة يصبح كالذي يقع تحت تأثير التنويم المغناطيسي ، فهو يعتقد اعتقاداً جازماً بصحة المعتقدات والقيم التي نشأ عليها حتى لو كانت هي في حد ذاتها سخيفة أو مضرة أو غير معقولة . وبعبارة أخرى : إن الإنسان تحت تأثير التراثية التي ينشأ فيها يخضع لتنويم يمكن أن نسميه (التنويم الاجتماعي) . خذ على سبيل المثال فرداً يعيش في قرية بدائية منعزلة ، فإن التنويم الاجتماعي فيه يكون على أشدّه ومن المستحيل أن تقنعه بصحة رأي أو عقيدة مخالفة للتراثية التي نشأ فيها مهما كان الدليل العقلي الذي تقدمه إليه واضحاً ، وهذا الفرد لو أُخذ من قريته فجأة وجيء به إلى مدينة كبرى من مدن العالم المتحضر لأصيب بصدمة نفسية هي التي تسمى علمياً "الصدمة التراثية -  “Culturel shock  . ومن الظواهر الاجتماعية التي تدلّ على تأثير التنويم الاجتماعي في عقل الإنسان هي مقاومة الناس للأنبياء والمصلحين ، وهذه ظاهرة تُلاحظ في كل زمان ومكان ولا يمكن أن يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات البشرية .                                                                                                                   والملاحظ أن الناس بعد أن يقاوموا الدعوة الجديدة ويضطهدوها في بداية أمرها يدخلون فيها أخيراً حيث تصبح جزءاً من تراثيتهم .                                                                              وعند هذا قد يظهر في الناس مصلح يريد تنقية الدعوة من التحريف الذي طرأ عليها، وهذا المصلح سيجابه من الناس مقاومة تشبه تلك التي جابهها النبي من قبل.. وهكذا يسير التاريخ مرة بعد مرة . إن الناس لا يقاومون الدعوة الدينية أو الإصلاحية فقط ، بل هم يقاومون كذلك كل نظرية علمية جديدة تخالف التراثية ، التي نشأوا عليها . إن ما فعله الناس تجاه غاليلو وبرونو وداروين وغيرهم أمر معروف لا حاجة بنا إلى ذكره. يُقال عن قبائل الأسكيمو، التي تسكن في شمال أمريكا بالقرب من القطب الشمالي إن لديهم عادة هي أن الضيف الذي ينزل في بيت أحدهم يجب أن ينام مع زوجة صاحب البيت ، وقد يغضب صاحب البيت إذا وجد الضيف يمتنع عن النوم مع زوجته ، ويعتبر ذلك إهانة له . إننا حين نسمع هذا الخبر عن الأسكيمو نعتبره غير معقول ولا يمكن أن يحصل في أي مجتمع من المجتمعات البشرية ، ولكننا لا ندري أننا لو كنا نشأنا في نفس التراثية التي نشأ فيها الأسكيمو لصرنا مثلهم . وفي هذا يظهر بوضوح مبلغ العجز أو الشلل الذي يُصاب به العقل من جراء تأثره بالتنويم الاجتماعي. إننا نستطيع أن نأتي بأمثلة واقعية كثيرة في هذا الشأن ، فنحن حين نسمع عن بعض المعتقدات الموجودة لدى بعض الشعوب، والتي هي سخيفة جداً في نظرنا ، كعبادة البقر عند الهندوس ، أو عبادة الحجر عند الوثنيين ، نتعجب منها ونتساءل كيف جاز لهؤلاء أن يتمسّكوا بمثل هذه المعتقدات؟.. أليس لديهم عقول يفكرون بها؟. نحن لا ندري أننا لو كنا نشأنا في مثل تراثية هؤلاء ولم نعرف غيرها لصرنا مثلهم تماماً . إن عقلنا الآن يعتبر هذه المعتقدات سخيفة لأننا نشأنا في تراثية تستنكرها، ولو كنا قد نشأنا في بيئتهم لكان عقلنا يفكّر على نمط آخر )) (555) .

clip_image001_1f62e.jpg

 ( 1361 - 1426 هـ)

(1942- 2005م )

هو الداعية الشيخ الشاعر المحامي أكرم خضر، أحد أبرز الناشطين في العمل الإسلامي، وفي مجالي الدعوة والإرشاد، ومن أبرز المدافعين عن القضايا الإسلامية، ولا سيما قضية الموقوفين في أحداث الضنية ومتفرعاتها .

لقد كان الشيخ أكرم خضر -رحمه الله- علماً من أعلام الجهاد والدعوة في طرابلس ولبنان، وقد كان له دور مميز في الدفاع عن قضايا المسلمين وحقوقهم وعلى رأسها دفاعه المستميت وقيامه بتنظيم مظاهرة ضمت مئات الآلاف ضد قانون الزواج المدني الذي وبفضل الله قد استطاع منعه ... 

المولد والنشأة :

الشيخ الراحل أكرم محمود خضر من مواليد اللقلوق في طرابلس شمال لبنان عام 1943، ونشأ في قضاء البترون، وترعرع في ظل أسرة مسلمة محافظة  .

دراسته :

وتلقى علومه في ثانوية المقاصد الإسلامية بجبيل، وتابع دراسته الثانوية في أزهر بيروت .

قصد القاهرة بغية استكمال تعليمه بالأزهر، وحصل على الإجازة في الفقه الإسلامي، ثم على الإجازة في الحقوق من جامعة بيروت العربية .

أعماله :

عمل بالتدريس في روضة الفيحاء بطرابلس، ثم عمل مدرساً في ثانوية المقاصد، ومن ثم مديراً لها في البترون عام 1973.

ومن ثم صار مديرًا لمدرسة الإيمان ببيروت 

اختير رئيسًا للجنة الوقف في البترون، ورئيسًا لبيت الزكاة وكافل اليتيم بطرابلس، وكان عضوًا في مؤتمر العلماء المسلمين في لبنان، ورئيسًا لجبهة الإنقاذ الإسلامية بطرابلس .

وانتسب إلى نقابة المحامين في طرابلس, وعمل بالمحاماة عام 1978م .

أسهم في تأسيس (اتحاد الحقوقيين المسلمين).

 تولى الإمامة والخطابة في المسجد الحميدي بطرابلس عدة سنوات، بتكليف من دار الفتوى في الثمانينات.

 جهاده :

نشط في العمل الإسلامي الجهادي، إلى جانب رفيق دربه أمير حركة التوحيد الإسلامي الراحل الشيخ سعيد شعبان.

دافع عن العديد من القضايا الإسلامية، ونجح في الحصول على رخصة لإذاعة <<صوت الحق>> إذاعة التوحيد الاسلامي. ودافع عنها بنفسه، عند اقتحامها لإغلاقها، في العام 1997.

وعمل بعد ذلك على تأمين رخصة لها دفاعاً عن حقها بالبث وفي إيصال صوت الإسلام . 

عرفته المنابر خطيباً وشاعراً في مناسبات عديدة، حرّك خلالها الشارع الإسلامي، ولا سيما في القضية الفلسطينية، وحرب البوسنة، وغزو أفغانستان والعراق.

شارك في عدد من المهرجانات السياسية والشعبية والأمسيات الشعرية في مختلف أنحاء لبنان، وخاصة طرابلس، والجامعة اللبنانية .

 كما شارك في عدد من الأمسيات الشعرية في عدد من المدن والأقطار العربية، منها: دبي، والشارقة، والكويت

شارك في مؤتمر اتحاد المحامين العرب بالكويت في الثمانينيات من القرن العشرين، وكان له نشاط اجتماعي في بلاده . 

اطمأن الشيخ خضر إلى انتهاء ملف موقوفي أحداث الضنية، الذي شغل كل وقته طيلة السنوات الخمس الماضية.

 وبعد مشاركته في المهرجان التكريمي الذي أُقيم لهم في الميناء، عقب خروجهم من السجن .

مرضه ووفاته :

 استسلم للمرض الذي أقعده، الى أن وافته المنية في1-12-2005

رحم الله الشيخ أكرم، وجزاه الله كل خير عن كل مظلوم دافع عنه، وانتصر له.

الإنتاج الشعري :

 له قصائد نشرت في عدد من الدوريات اللبنانية، منها:

 - قلب الأم - جريدة النهار - بيروت 17 من مارس  1983

 - ومن تراب القدس لا نعطي حُصية - اللواء الإسلامي - 7 من جمادى الآخرة 1404هـ/ 1983م .

-ويموت عالم، وينهض مئات - مجلة الولاء - العدد 103 - 1998، وصيدا - جريدة النشرة - طرابلس 1982

 وله ديوان مخطوط – في حوزة أسرته . 

الأعمال الأخرى :

«1-الفريد في فن التجويد» بالاشتراك مع محمود حبال - دار لبنان للطباعة – بيروت .

2-«الشعر ودوره في العمل الإسلامي» (ندوة في الجامعة اللبنانية بطرابلس .

شاعريته :

غلب الطابع القومي والديني على نتاجه الشعري، واتسمت قصائده بالنبرة الخطابية واللغة التي تناسب لهجة الخطيب ومقتضيات دوره الديني والسياسي والاجتماعي، واعتمدت على مخزون من الحكمة والأقوال المأثورة والعاطفة المتوهجة، محافظًا على العروض الخليلي والقافية الموحدة، له عن القدس والانتفاضة غير قصيدة

لقب بشاعر الإسلام، وشاعر الأقصى .

أقيم له حفل تأبين في طرابلس شارك فيه عدد من رجال السياسة والمجتمع والثقافة

نتعرف على الداعية الشيخ الشاعر  ((أكرم خضر

نتعرف عليه بداية من شعره الإسلامي الذي لم يترك موضعاً من جراحات الأمة وانتصاراتها إلا، وكان له سهم رائع فيه . 

قالوا عن الشاعر الثائر والمحامي الداعية :

كتب الداعية فتحي يكن مقالة في مجلة الأمان يقول فيها : 

قد لا أجد من هو أولى بالكلام مني على الراحل الكبير الأستاذ أكرم خضر، أمير المنابر، ونجم المهرجانات، والصارخ دائماً في وجوه الطغاة، والثائر دوماً على أعداء الأمة، والمدافع أبداً عن المظلومين والمحرومين، رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته .

تعود معرفتي بالأخ أكرم الى أواخر الخمسينات مع من تعرفت عليهم من شباب الإسلام في قضاء البترون، كما في قمم جبال «اللقلوق»، وأذكر منهم الأستاذ فوزي خضر، والدكتور محمد خضر، والكثير الكثير ممن كان لهم شرف وفضل السبق في ابتعاث الوعي الإسلامي في تلك المنطقة .

كان للأخ الشيخ سعيد شعبان، رحمه الله، الفضل الأكبر في عقد آصرة الأخوة الإسلامية بين أبناء الفيحاء وأبناء البترون، حيث كان يدعونا بين الحين والآخر إلى رحلات صيد في جوار بستان الموز والليمون الذي يملكه والده «الحاج أبو خالد» -رحمه الله

وهنا أجد لزاماً عليّ أن أشير الى أن الشيخ سعيد كان واحداً من القلائل الذين شاركوا في تأسيس وإطلاق العمل الإسلامي في لبنان، عبر «جماعة مسلمون» فجماعة عباد الرحمن فالجماعة الإسلامية، وصولاً إلى حركة التوحيد الإسلامي التي قام بتأسيسها في العام 1982

كانت أولى محطات العمل في حياة الشيخ أكرم قيامه بالتدريس في مدارس المقاصد، ثم توليه إدارة مدرستها الوحيدة في بلدة البترون، التي أقيمت على طريق بيروت القديمة، كما كان خطيب مسجدها المتاخم للمدرسة، التي يعول عليها الآمال الكبار في احتضان وتكوين جيل إسلامي جديد في بلدات المنطقة .

لم يتحقق الحلم الذي كان يدغدغ نفس الشيخ أكرم خضر، حيث عصفت الحرب الداخلية بلبنان، مخلفة الكثير من بصمات الفرز الطائفي والديمغرافي، وكان نصيب الراحل العزيز منها أن يرتحل عن البترون الى طرابلس، ليؤدي فيها - وعلى امتداد لبنان - دوراً آخر ما كان يمكن أن يؤديه لو بقي في البترون .

في محطة انطلاقته الثانية أنجز الشيخ أكرم دراسة الحقوق، وانتسب إلى نقابة المحامين في مدينة طرابلس، وتالياً أسهم في تأسيس (اتحاد الحقوقيين المسلمين) الذي لعب دوراً فاعلاً في النشاطات النقابية بما فيها الدفاع عن حقوق المستضعفين والمظلومين والبائسين، وكان ملف موقوفي الضنية من أبرز ملفاته ...

شهدت الثمانينات بداية مرحلة لافتة في حياة الأخ الراحل، حيث تفجرت طاقاته النفسية والشخصية والعلمية، مع انطلاق حركة التوحيد الإسلامي.. فإذا به شاعراً جهادياً استشهادياً لا يجارى في التصدي للطغاة والظالمين والمتآمرين على الأمة وقضاياها المختلفة، وفي مقدمها القضية الفلسطينية ...

قد لا يتسع المقام هنا لتقديم نماذج من قنابل الشيخ أكرم خضر الشعرية غير المسبوقة، وأكتفي بهذه القطوف للتأكيد على ما أقول

في احتفال بذكرى الانتفاضة خطب الراحل :

لن يُرجع القدسَ مرتدٌ ولا بــــــــــــــــــــــــطرٌ ** لن يرجع القدس جيش يرفض الدينا

لن يُرجع القدس والأقصى أبو لهبٍ ** مــــــــــــــــــــن دون ربي لن نُرجعْ فلسطينا

وفي مهرجان لتكريم مجاهدي غزة وجيل الحجارة قال الشاعر :

شباب غزة قد قــــــــــــــــــــــــــالوا قصيدتهم **  وبالحــــــــــــجارة قــــــــــــــــــد خــــــــطوا الدواوينا

إن يصدق الشعب يهزم كل طاغية **  فالشــــــــــــــــــــــــعب يهزم شـــــــــــــــاميراً ورابينا

لن نستكين ولن تهـــــــــــــــــــدأ حجارتنا ** سنرفع الراي لا نخشى الســــــــــــــــــــــــلاطينا

أحجــــــــــار غزة للمشروع قد رفضت ** ستلقم المشــــــــــــــــــروع زقوماً وغســـــــــــــــلينا

لن يُرجع القـــــــــــــــــدس عربيد ولا بطر ** لن يرجع القدس حكم يرفض الدينا

هذه جوانب يسيرة وقصيرة من حياة الأخ الداعية المجاهد الشاعر أكرم خضر، وددت أن أفتح من خلالها الباب، وأشحذ الهمم لتناول حياة الراحل الكريم بالدراسة والتقويم، بين يدي احتفالات ونشاطات تأبينية تتناول الجوانب المختلفة المتعددة من حياته وشخصيته، جعل الله مقامه في عليين مع النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أكرم خضر في ذمة الله:

كتب الأستاذ أواب إبراهيم متحدثاً عن (المحامي.. الشاعر.. الشيخ.. الرجل) : (( مشكلتنا نحن البشر، المسلمون منهم على وجه الخصوص، أننا لا نعرف قيمة من هو قائم بينَنا إلا بعد أن نفقده، لنقوم حينها باستذكار محاسنه، وفضائله، ونشعر بالفراغ الذي خلّفته وفاته. هي تجربة عاشها المسلمون في لبنان مع كثيرين من رموزهم ودعاتهم.. وهذا ما نشعر به اليوم بعد وفاة الأستاذ أكرم خضر رحمه الله.

قد لا أكون الشخص المناسب للحديث عن الشيخ أكرم خضر، فقد كنت مجرد فرد من بين مئات الناس الذين يتسابقون لحضور احتفال أو مهرجان ما، حين ندرك أن للشاعر أكرم خضر فقرة فيه، لنستمتع ليس بكلمات شعره فقط، بل بطريقة إلقائه للشعر التي تفرّد بها فقيدنا، فكانت علامة مميزة في شخصه. لذلك لا أدّعي أن معرفتي الشخصية بالمحامي أكرم خضر طويلة ولا حميمة، نظراً لبعد المسافة (طرابلس- بيروت) وفارق العمر بيني وبينه، ولكنني أزعم أن لقاءات قليلة فزت بها للقائه كانت كافية - على الأقل بالنسبة لي- كي أتحدث عن جوانب عرفتها في شخصه، الكثير من القراء يعرفها، ولكن لم يفطنوا إلى عظمتها.

ملاحظة: واجهتني مشكلة خلال كتابة هذه الكلمات، ألخصها في أنني احترت بالصفة التي أربطها باسم أكرم خضر، هل هو الشاعر، أم المحامي، أم الشيخ.. وربما ألقاب أخرى لا أعرفها، لكنني مدرك أن صفة «الرجل» يمكنها استجماع معظم الخصال التي تمتع بها الشاعر الشيخ، في زمن أضحت فيه الرجولة (بمعناها المعنوي وليس إنجاب الأطفال) عملة صعبة يندر وجودها.

بعض الأشخاص يصعب حصرهم بتيار معين أو فئة محددة، أو نسبتهم إلى حركة أو جماعة أو تنظيم بعينه، فهم بحركتهم وأدائهم وعطائهم أكبر من هذا الحصر وأوسع من هذا التحديد، إلى هذه الفئة ينتمي أكرم خضر. فالمعروف أن شاعرنا المرحوم كان أحد مؤسسي العمل الاسلامي في لبنان، في عباد الرحمن والجماعة الاسلامية وأخيراً حركة التوحيد الإسلامي في طرابلس إلى جانب الشيخ المرحوم سعيد شعبان رحمهما الله في أوائل الثمانينات، ولكن أحداً منذ ذلك الحين لا يمكنه حصر الأستاذ خضر بهذه الحركة، ولا اعتباره منحازاً إلى فئة دون أخرى، لذلك تجد جميع الجمعيات والحركات الإسلامية في لبنان تكنّ للفقيد كل احترام ومحبة، ومن الملفت أنه كان يلبي الدعوة - للحديث أو لإلقاء الشعر- لمعظم التيارات على الساحة الإسلامية، في لبنان وخارجه.

لقائي الأخير بالشيخ أكرم خضر كان في منزله  بطرابلس منذ أشهر، حيث جهدت للقائه والوقوف على رأيه في التحقيق الذي سبق أن كتبته حول موقوفي الضنية في «الأمان»، ولا سيما أنه الأكثر دراية وإحاطة بهذه القضية. تكبدت الكثير للقائه، فهو لا يحمل هاتفاً خلوياً، على الرغم من أن الخلوي بالنسبة للمحامي ضرورة في عمله. أصرّ خلال هذا اللقاء على أن يجول بي ومن معي في حديقة منزله الخلفية المتواضعة، التي تنقلك إلى القرية بخطوات قليلة، والتي يحرص بنفسه على الاعتناء بنباتاتها وحيواناتها. وأذكر أن الشيخ خضر قطف بنفسه المشمش من الشجرة وغسلها وقدمها لنا، كما أنه قام عند وداعنا بقطف زهرة «اللورة» المعطرة وأهدانا إياها بعد أن أعطانا نبذة عن فوائد هذه النبتة.

برز  اسم المحامي أكرم خضر لبنانياً في قضية مقتل الشيخ نزار حلبي، حين كان وكيلاً عن المتهمين، ثم لاحقاً في وكالته عن الموقوفين في أحداث الضنية، مع ملاحظة أن المحامي خضر حين كان يرفع الصوت عالياً رفضاً للمظالم التي يتعرض لها الشباب المسلم الملتزم، كان معظم الناس يخشون سطوة الظالم ويلوذون بالصمت، لذلك لم يكن مستغرباً استغناء جميع الموقوفين في أحداث الضنية عن خدمات معظم المحامين الآخرين والاكتفاء بتوكيل المحامي أكرم خضر، مع الإشارة إلى أن فقيدنا لم يكن يتقاضى مالاً لقاء جهده وتعبه الذي بذله في هذا الشأن.

ملاحظة أخيرة: كان المحامي أكرم خضر مقداماً ومتفرّداً في الدفاع عن القضايا الإسلامية والمظالم التي يتعرض لها المسلمون، وآخرها قضية الضنية ومجدل عنجر، أما وقد توفي المحامي خضر، فإنني أخشى أن أيّ ظلم قد يلحق بالساحة الإسلامية في هذا البلد، وأن أي تهوّر قد يقوم به أحد المسلمين، فإنه لن يجد خلفه أحداً ليدافع عنه..

كنت سأستشعر الذنب لو أنني لم أتطرق إلى وفاة الشيخ الشاعر، واستعضت عن ذلك بالحديث عن دلع أو هروب ديتليف ميليس في تنحّيه عن التحقيق باغتيال الرئيس الحريري، أو أن أفرد زاويتي للحديث عن المقابر التي اكتشفت في عنجر قرب المركز السابق للاستخبارات السورية. علماً أنه مهما كتبنا، وقلنا عن (الشاعر الشيخ المحامي) فإننا لن نوفيه بعضاً من حقه. فهنيئاً له الانتقال إلى الحاكم العادل، فهو كفيل بإعطاء كل ذي حق حقه..}

وكتب أحد أولاده يقول :

إنها قرابة الثالثة فجراً من يوم الخميس الموافق للأول من شهر كانون الأول عام 2005،

رنّ هاتف منزلنا فهرعت أمي مستيقظة لتجيب على الهاتف للمرة الثانية على التوالي خلال عشر دقائق: "ألو، إيه.. طيب.. إيه.. إيه"،

ثم أغلقت الهاتف، والتفتت إليّ قائلة: "جهّزوا الكفن، مات أبوكم..".

كنا نتحضّر للخبر منذ فترة لكن وقع الحدث يبقى أكثر جللاً ورهبة..

مرّت لحظات من الصمت المهيب في أروقة البيت، والكل يتصرّف كآلة صماء جامدة..

انطلقنا إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت ووطئناها قرابة السادسة مع بعض الأقارب والأصحاب..

ما إن وصلت حتى توجهت فوراً إلى غرفة والدي في الطبقة الرابعة..

كانت فارغة.. فارغة تماماً إلا من تلك الذكريات والآهات التي تعالت، والدموع التي انهمرت هناك هناك..

خرجت، وتوجهت برفقة محمود وأسامة إلى قسم الوفيات في المستشفى..

طلبنا من الموظف أن يكشف لنا عن جثمان والدي المسجى داخل ثنايا براد مقيت..

"أحاول جاهداً الآن إكمال كتابة ما حدث لكن قشعريرة تتلمسني فتمنع عبراتي كي تكون عبارات"..

عوداً على بدء، وبعد أن طلبنا من الموظف أن يكشف لنا عن الجثمان، جذبني أسامة نحوه، وبدأ يبكي، وتبعه محمود في البكاء لكني لم أبكِ، وكنت أنظر إلى هامة والدي ومحياه بصمت وسكون..

خرجنا، وانتظرنا عدة ساعات في البهو حتى استطعنا أن نعود إلى طرابلس تلك المدينة التي وجدتها حزينة حقاً على وداع شاعرها وأمير منابرها..

كان العديد من السيارات تنتظرنا عند مدخل المدينة، وترافقنا سوياً إلى المنزل الذي عجّ بالمعزّين..

بدأ الأخ المغسِّل بغسل الشيخ الشاعر المحامي أكرم خضر، وبدأت أنا بالبكاء..

من ثم نقلناه إلى "الصالون" لتودعه أخواتي الأربع المفجوعات برحيل البطل..

كانت لحظات أليمة ممزوجة بالحزن والشوق لذاك الأب الصالح القدوة..

بعيد ذلك، انطلقنا والجثمان إلى المسجد المنصوري الكبير في ساحة النجمة عقب أذان العصر..

كان المسجد يعجّ بالمصلّين، وكأننا في ليلة رمضانية..

صلينا صلاتي العصر والجنازة، وبدأت رحلتنا سيراً على الأقدام إلى مدافن الميناء قرب مسجد عثمان بن عفان..

كانت الأعداد المشاركة غفيرة جداً مما أثلج قلبي بعض الشيء ، وأسكن خلدي المفجوع..

هممت لأحمل النعش خلال المسير فما كان من أحدهم إلا أن دفعني، وسابقني على النعش، فقلت له: أنا ولده، فقالها مدوية في أذني: كلنا أولاده..

فتركته يحمل النعش، ومشيت..

"قدّموني قدّموني" حتماً هكذا نادى أبي حينها..

لا أبالغ حقاً إن قلت أنني كنت أهرول لكي ألحق بالنعش الذي لُفّ براية توحيد سوداء.

وفعلاً لم تمضِ بضع دقائق حتى كنا قد وصلنا المقبرة..

ودفن حينها في ثرى طرابلس من دافع عن شبابها وشيبها بكل صدق دون أي مبتغى..

دفن في ثرى طرابلس من كان صادق القول والفعل شامة وهامة وأسداً في الحق والموقف..

دفن في ثرى طرابلس من تفتقده الساحة الإسلامية جمعاء..

مات الموجّه والمرشد والفيصل..

رحمك الله، وغفر لك، وأسكنك فسيح جنانه..

سلامي إليك يا والدي..

"شعر أكرم خضر : دراسة موضوعية :  clip_image003_1362e.jpg

تعددت مصادر الثقافة عند الشاعر الإسلامي اللبناني أكرم خضر، فهو إنسان مثقف ، وحقوقي ناشط في مجال حقوق الإنسان ، ومحام يتلمس قضايا المسلمين الاجتماعية، ويسعى في علاجها، وهو مجاهد ومؤسس في حركة التوحيد الإسلامي في لبنان ، وهو خطيب مفوه، ومرب فاضل ، وهو سياسي تهمه، وتقلقه قضايا الأمة وتعذبه جراحها ......لذلك نجد تعدد الموضوعات الشعرية عنده، حيث نجد لديه الشعر الوجداني، إلى جانب البعد الوطني ، والقومي، والإسلامي، والإنساني :

الشعر الوجداني عند أكرم خضر :

تفاعل الشاعر أكرم خضر مع قضايا الأمة ومعاركها الساخنة وصراعها مع المستعمرين والطواغيت المستبدين، ولكن بقيت بعض المساحات الصغيرة يتغنى فيها بهمومه الخاصة ومشاعره الوجدانية والعاطفية .

إلى ولدي :

فهو ها هنا يوصي ولده، بأن يتمسك بأهداب هذا الدين العظيم، الذي هو دين المستقبل، فيقول :

فلا تنسَ أيا ولدي ... بدينك دائماً فاجهر

وأعلنها مدوّية ...         بلا قلم ولا دفتر

بغير الله لن نُنصر ...    بغير الله لن نُنصر -"ديوان المحامي أكرم خضر" ص124

حوار مع صغيري :

ويحاور الشاعر المعلم المربي ولده مازن، فيقول :

صغيري مازن دوماً ... يحبّ السيف والخنجر

يلاحقني بأسئلة ...    ويسأل كلّ من أبصر

لماذا القدس يا أبتي ...  لماذا احتلها العسكر

لماذا أضحى شامير ...  عليها اليوم قد سيطر

لماذا القدس باكية ...       وحيفا ثوبها أغبر

وفي الجولات أنّات ...    وفي صيدا دمٌ أكثر

لماذا قلها يا أبتي ...        لماذا العزّ قد أبحر

"ديوان المحامي أكرم خضر" ص120

فن الرثاء :

فقد الشاعر بعض أحبابه من العلماء والمجاهدين فكتب فيهم شعر الرثاء ، وتوزعت قصائده بين الندب والبكاء ، وبين التأبين والثناء على أخلاق الأحبة الراحلين ...

مثل الصحابة

فهذه قصيدة كتبها الشاعر أكرم خضر رحمه الله في رثاء المجاهد خليل عكّاوي "أبو عربي" ، أحد القادة المؤسسين لحركة التوحيد الإسلامي في لبنان، الذي اغتيل في إحدى شوارع لبنان، وتشير أصابع الاتهام إلى أجهزة حافظ أسد الإجرامية في لبنان، وها هو الشاعر أكرم خضر يعدد صفاته، ويثني عليه، ويشبه الصديق الراحل بالصحابة وعمر الفاروق، وكيف كان يقضي ليله بحثاً عن الأيتام والأرامل ومساعدتهم :

مثل الصحابةِ في الأخلاقِ والأدبِ ــــ كأنما عمرُ الفاروق لم يغبِ

يطوفُ ليلاً على الأيتام يطعمُهم ــــ ويحمل الخبز للجوعى بلا تعبِ

قد عاشَ في غرفةٍ ضاق المجالُ بها ــــ ولو أرادَ لكان البيتُ من ذَهبِ

يجوعُ إن جاع أهلوهُ وصحبته ــــ لا يأكل اللحمَ والأيتام في سَغَبِ

قد قاتل البغيَ والطاغوتَ منفرداً ــــ كلّ الطواغيت خافت من أبي عربي

هذي المساجد بالإيمان قد زُرعت ــــ إن تقتلونا سينموا الزرع عن قُرُبِ

ستشرق الشمس في لبنان قاطبةً ــــ ستشرق الشمس رغم الرعد والسحبِ

وينصر الحق بالأرواح نبذلها ـــ ويهزم الكفر رغماً عن أبي لهبِ

إن هذا المجاهد زلزل أركان الطواغيت العرب فدبروا لاغتياله وقتله ليصفو لهم الجو، وسوف تشرق شمس الحق في لبنان وفي جميع الأقطار والأمصار فروح الشهيد ستطلع فجر الحرية وسوف يهزم الكفر ويتخلص الناس الأحرار من قبضة أبي لهب

 رثاء أبي ربيع كردية :

 ورثى الشاعر أكرم خضر رفيق دربه  الشهيد المظلوم المغدور أبا ربيع كردية ورغم ما حدث لم ييأس، وتابع طريق النضال:

فإنا اليوم يحكمنا ثعالبُ لونها أحمر

ويحكمنا طواغيت بلا وجه ولا منخر

ووجه تحته وجه ووجه فوقه يظهر

صَدِيْقُ العُمْرِ …

ألقى الشاعر الإسلامي المحامي أكرم خضر رحمه الله قصيدة  رثى فيها العلامة الشيخ سعيد شعبان -رحمه الله- كتبها بتاريخ 1998يقول فيها :

صَدِيْقُ العُمْرِ وَدَّعَنَا وَغَابَا          وَكُلُّ الشِّعْرِ لاَ يَصِفُ المُصَابَا

-لأَوَّلِ مَرَّةٍ نَحْيِ احْتِفَالاَ                وَلا أَلْقَاكَ تَقْتَحِمُ العُبَابا

-وَلا أَلْقَى عَصَاتَكَ يَا صَدِيْقِي     عَصَاةُ الشَّيْخِ لَيَّنَتِ الصِلابا

-فَبِالإسْلامِ قَاوَمَ كُلَّ ظُلْمٍ           وَبِالإسْلامِ قَدْ جَمَعَ الشَّبَابا

-لأَّوَّلِ مَرَّةٍ شِعْرِي حَزِيْنٌ            فَقَدْ فَقَدَ الأَحِبَّةَ وَالصِّحَابَا

-فَبَيْنَ الجَمْعِ لاَ أَلقَى سَعِيْدَاً       وَفِي الفَيْحَاءِ لاَ أَجِدُ العُقَابَا

-مَنَابِرُنَا سَتَبْكِي دُوْنَ شَكٍّ        سَتَبْكِي كُلَّمَا سَمِعَتْ خِطَابا

-مَنَابِرُنَا تَحِنُّ إلَى شُجَاعٍ           جَرِئْ القَوْلِ مَا للمَوْتِ هَابَا

وكان ولده الشيخ بلال يحذره من تجاوز الخطوط الحمراء فالطغاة له بالمرصاد ولكن الشيخ الشجاع كان دوماً لا يهاب الحراب ولا يأبه بالطغاة :

-يَقُوْلُ لَهُ بِلالٌ فِي حَيَاءٍ            أَبِي أَرْجُوْكَ احْتَرِسِ الذِّئَابا

-خُطُوْطَ الحُمْرِ لاَ تَقْرَبْ فَإِنِّي    أَخَافَ عَلَيْكَ أَنْظِمَةً غِضَابَا

-وَيَجْتَازُ الُخُطْوَط الحُمْرَ دَوْمَاً       خُطُوْطُ الحُمْرِ صَيَّرَهَا يَبَابَا

-حِرَابُ القَهْرِ يَسْكِرُهَا وَيَمْشِي      رِجَالُ اللهِ مَا خَافُوا الحِرَابَا

-فَقُلْ لِلخَائِفِيْنَ عَلَى حَيَاةٍ     رَحِيْلُ الشَّيْخِ قَدْ أَعْطَى الجَوَابا

-فَلا الإقْداَم  يُوْدِي فِي رِقَابٍ   وَلَيْسَ الجُبْنُ قَدْ حَفِظَ الرِّقَابا

فهو يشيد بأخلاق الشيخ وسجاياه الحميدة حيث كان كثير الحركة والحيوية والنشاط لا يدع مناسبة إلا، ويشارك فيها ومعه عكازته وكان الشيخ رحمه الله خطيباً مفوهاً يهز المنابر والقلوب بسحر بيانه وقوة تأثيره وكان يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم ويتجاوز الخطوط الحمراء وكان ولده الشيخ بلال يحذره وينصحه ولكن الشيخ كان قوي الإيمان لا يعرف المداهنة وأسلوب المداراة والنفاق ، ولا نعتب عليه في خلق ولا دين ..ولا نتلمس له العيوب ولكننا نتحفظ على علاقته بإيران ذلك الموقف الذي جاء بعد أن اقتحمت قوات الردع السورية أيام حافظ أسد مدينة طرابلس عام 1984م ثم جاءت الأيام بعدها فكان الشيخ يرد الجميل لإيران لأنها أنقذته وتشفعت له، وأحب أن أقول هنا لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة ..كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه ...ويسترسل شاعرنا أكرم خضر في رثاء الشيخ وتعداد محاسنه، فيقول :

-صَدِيْقَ العُمْرِ قَدْ صِرْنَا يَتَامَا     كَمَا أَخْبَرْتَ لاَ مَامَا وَبَابَا

وَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُم وَقَالُوا        بأَنَّ الشَّيْخَ قَدْ قَصَدَ السِبَابَا

إذَا الأَحْقَادُ تحَكْمُ فِي شُعُوْبٍ      فَنُوْرُ الشَّمْسِ تِحْسِبُهُ ثِقَابا

لقد قلب الأحقاد موازين القيم فنور الحق يصبح باطلاً، ويكرر نداءه للشيخ بصديق العمر ليؤكد على قرب الشيخ من قلبه :

-صَدِيْقَ العُمْرِ حُكَّامِي عَبِيْدٌ       وَظَنُّوا القَهْرَ يَجْعَلُهُم غِلابَا

-وَظَنُّوا أَنَّ صَوْتَ الحَقِّ رَقْمٌ         وَفِي اغْلاقِهِ رِبِحُوا الحِسَابَا

-وَمَا عَرَفَ العَبِيْدُ بِأَنَّ شَيْخِي        إِذَاعَتُهُ شَبَابٌ قَدْ أَنَابَا

-إذَاعَتُهُ أُلُوْفٌ بَاكِيَاتٌ           وَقَدْ مَلأُوا الشَّوَارِعَ وَالشِّعَابَا

ويتحدى الشاعر طواغيت لبنان، والعالم فليقتلوا منا :

-فَلَوْ قَتَلُوا الشَّبَابَ بِكُلِّ حِقْدٍ    وَلَوْ مَنَعُوا الإذَاعَةَ وَالحِجَابَا

-وَلَوْ قَالُوا أُصُوْلِيُّينَ عَنَّا            وَلَوْ سَجَنُوا العَدَالَةَ وَالقِبَابَا

-فَقُلْ اللهُ أَكْبَرُ لاَ تَخَفْهُمْ       عَلَى جَسَدِي تَقَدَّمْ خُذْهُ بَابا

-فَبِسْمِ اللهِ نِغْلِبُهُم جَمِيْعَاً          فَسَمِّ اللهَ وَاقْتَحِمِ الِحــــــــــــــرَابَا

وَيَحْكُمُنَا ضَعِيْفٌ أَوْ عَمِيْلٌ      كِلا الاثْنَيْنِ قَدْ جَلَبَ الخَرَابَا

-إذَا حَكَمَ البِلادَ عَمِيْلُ يَهْوَا   فَلا سَهْلاً سَتَقْطَعُ أَوْ هِضَابَا

فَبِالإسْلامِ نَهْزِمُ بِيلْ كِلِيْنتُوْن        وَبِالإسْلامِ نَجْتَازُ الصِّعَابَا

-وَبِالإسْلامِ طِفْلُ اليَوْمِ أَضْحَى  كَمَا العِمْلاقُ مَرْهُوْبَاً مُهَابَا

وبالإسلام نهزم الامريكان واليهود والطواغيت :

-فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَمْثِلَةً فَسَجِّلْ       فَفِي لُبْنَانَ قَدْ تَجِدِ الجَوَابَا

-فَسَلْ بَيْرُوْتَ سَلْ صَيْدَا وَصُوْرَا سَلِ الَمارِيْنزَ كَمْ وَجَدُوا عَذَابَا

-وَسَلْ أَبْطَالَ أَقْصَانَا فَفِيْهِمْ    تَرَى الإِسْلام أَيْنَعَ وَاسْتَطَابَا

-خُذِ الإسْلامَ أَسْلِحَةً وَنَهْجَاً      وَحَتْمَاً فِيْهِ نَحْتَلُّ السَّحَابَا

صَدِيْقُ العُمْرِ…يَا أَحْلَى وَفِيٍّ       تَزُوْرُ الكُلَّ تَحْرِمُنَا العِتَابَا

قَرِيْبٌ أَنْتَ مِنْ قَلْبِي وَنَفْسِي          وَكَمْ بِالوُدِّ تَجْعَلُنَا قِرَابَا

-وَعِنْدَ الحَوْضِ مَوْعِدُنَا جَمِيْعَاً  فَجُدُّوا السَّيْرَ وَانْتَظِرُوا الشَّرَابَا- "ديوان المحامي أكرم خضر" ص126

صبراً آل ياسر :

- وكتب المحامي الشاعر أكرم خضر قصيدة دافع فيها عن الشباب المسلم في لبنان ، واشتهر اسمه في لبنان كمحامٍ تولى الدفاع عن الشباب الذين اغتالوا زعيم الأحباش نزار الحلبي..ومطلع هذه القصيدة :

شبــــــــــــــــــــــــــــــــــابُ محمّدٍ خطبوا الجنانا.......... جنان الخلدِ ما رَضيت سوانا

لنا الجنّــــــــــــــــــــــــــــــــــاتُ نخطبُها عروساً......... وغيرُ شبابنا خطَبَ الهــــــــــــــــــــــوانا

ومن خطب الجنانَ يمـــــــــوت شهماً.......... عزيز النفسٍ يرفضُ أن يُهانا

ويستذكر الشاعر من صور البطولة والفداء التي ضمخت التاريخ الإسلامي بالعطر والأريج ، قصة خبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة وصبر آل ياسر الذين عذبوا وصلبوا، وقتلهم المشركون في التنعيم ، وفي بطحاء مكة ، فخاطبهم رسول الله بذلك الخطاب الندي المدوي : صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ، فصاروا قدوة للشباب المجاهدين في العصر الحاضر :

تزوّجن الجنان فسَــــــــــــــــــــــــــل خُبَيباً ............ وسَلْ زيد الدثِنَة عـــــــــــن لوانا

وصبراً آل ياسر قــــــــــــــــــــد وعينا..........  رســــــــــــــــــــــــــــول الله حتماً قد عنانا

ويتحدى الشاعر المجاهد قوى الطغيان والجبروت، ويصرّ على الصمود والثبات، فالمؤمن لا يخاف من الاستبداد، ولا يرهب أعواد المشانق، ولا يخاف العملاء، ولا يركع إلا لله :

فلا الطاغوت أرعبنا قــــــــــــــــــــــــــــديماً ......... ولا العـــــــــــــــــملاء قد هزموا قوانا

ولا هذي المشـــــــــــــــــــــــــانق أرهبتنا .......... حبال الشنق قد دعمت خُطانا

وكبّر «خـــــــــــــــــــــــالدٌ»: الله أكبر.............وجلاّدوه قـــــــــــــــــــــــد ملأوا المكانا

و«أحمد» صوته دوّى وعلا ............   وها «عبّود» قد رفع الأذانا

شبابٌ ليس تُرعبُهم سجونٌ................. رســـــــــول الله ما ربّى جبانا

فلو نصبوا المشانقَ كلَّ يومٍ .............  ولو أحــــــــــــــقادهم نتفت لحانا

ويفضح جريمة تلك الأجهزة المخابراتية العميلة التي راحت تدعم الأحباش، وتجعل منهم صقوراً، وتدربهم بينما سجنت أولئك المجاهدين الأطهار :

ولو جعلوا من "الأحباشِ" صقراً .......... ولو نقـــــــــــموا وزادوا في أذانا

ولو ملأوا السجون شبابَ عِزٍّ ............ ولو مــــــــــاسونُهم ربحَ الرهانا

ويتسلح الشاعر بالأمل والتفاؤل فالفجر يولد من وسط الظلام، وإذا تمسك المؤمن بحبل الله المتين فلن يُهزم :

فلـــــــــــــــــــــــــــــن نرضى بغير الله ربّاً .............ولن ندع الرجولةَ والطِّعَانا

سيــــــــــــــــأتي الفجر يغمرنا ضياءً ...........ويأتي الفــــــــــــــــــــجر يملأنا أمانا

فقــــــــــــــــــل للزاحفين على بطونٍ: ........بزحف البطنِ لن تَصِلوا مكانا

ضمان النصر حبل الله فاعلم: ......... بغير الله لن نجــــــــــــــــدِ الضّمانا

كفانا فرقة وهـــــــــــــــــــــــــوى وذلاً ............كفانا الذلَّ ويحكموا، كفانا

فمن زرع السفوح بذار شوكٍ ............سيحصد دونما شكٍّ ذؤانا

ومن رضي الخنوع يعيش عبداً ......... ذليلاً خـــــــــــــــــانعاً دوماً مــــــــهانا

صلاح الدين أسرجها خيولاً ............خيـــــــــــول اليوم انقلبت أتانا

قياداتي عميل أو بسيط ............كلا الشخصين قد جلب الهوانا

نريد قيادةً لا ضُعف فيها.............ولا تخــــــــــــــــــــشى فلاناً أو فلاناً

فلا تخدعك شرعة بيل كلينتون ........ ولا مكيالهم حمـــــــــــل الأمانا

فبالإسلام نقهر بيل كلينتون ....... وبالإســــــــــــــــــــــــلام نلوي من لوانا

وبالإسلام طفل اليوم أضحى ....... كما العملاق يمتشق السنانا

وإنْ في الغرب تسمع صوت عدلٍ. فهذا الصوت حتماً من صدانا

طرابلس قلعة الإسلام :

ويعلن الشاعر حبه وعشقه لمدينته طرابلس قلعة الإسلام، فيقول :

وأنت أنت أيا فيحاء قلعتنا ...        بالروح بالدم بالأبناء نفديك

فأنت قد صرت بالإسلام شامخةً ...   ولن يضيرك أبناءُ الصعاليك

هذي اللحى والقبابُ الشمّ صائحةٌ ... لبّيك يا قلعة الإسلام لبّيك

"ديوان المحامي أكرم خضر" ص144

وصف جمال الطبيعة في لبنان :

وكتب الشاعر أكرم خضر شعراً وجدانياً حول وصف الطبيعة وبين مشاعره تجاه البيئة لجميلة التي يعيش فيها، وينعم بظلالها الوارفة :

ذكرى وفـي ذكْرهـا لهـوي وأشجـانــــــــي            عـند الأحـبَّة بـيـن الصخر والـبـــــــانِ

يـومَ انحدرنـا وشمسُ الأفْق قـــــــد أفِلَتْ        فأشـرقت فـي ثرى «اللقـلـوق» شمســــــان

هـذي مـن الـحُور ويلـي مـن غدائرهــــــا    وتلك فـاقت ظبـاء الإنس والجــــــــــان

لكـنَّ قـلـبـي وإن جـار الغرام بــــــــه          أخٌ «جـمـيلٌ» و«قــــــــــيسٌ» وابن مطران

أخذت أمشـي ولـولا الـحـبُّ يـدفعـنــــــي             والسّهـم تـرغمـنـي مـا سـرتُ والجـانــــي

ثـم انـتحـيـنـا إلى صخرٍ غَفـا ثـمـــــلاً                 مـن وجـد رابـيةٍ مـاتت ببستـــــــــــان

فَرُحتُ أسبح والأفكـارُ تدفعـنــــــــــــي           والـدّمع فـي مدّه قـد ضرَّ أجفـانـــــــــي

حتى نسـيـت بأن الـحـور تلـحظنـــــــــي                وندَّ عـنّيَ أنـي بـيـن نســــــــــــــوان

لكـنَّ سهـمًا أبى إلا يصـوِّبنـــــــــــــي                    إن حِدْتُ يـتبعـنـي أو درتُ يلقـانــــــــي

ثـم الفضـاءُ بنـارٍ راح يـمطرنــــــــــي             فـالـحُور قـد غضبتْ والشهـبُ فــــــــي آن

عجـبتُ مـنـي فأنَّى رُحْتُ يـقصدنـــــــــــي             مـن نـبعهـنَّ شظايـا ذات إتقـــــــــــان

فعُجْن بـالقـلـب يرمـيـنَ الظّبــــــا كرمًا          وقـلنَ سهـمٌ فقـال القـلـب سهـمــــــــان

«ندى» وكـم فـي الندى لـو تعـلـمـيـن أذًى           لكـنَّ رقَّتَه لهْوي وسلـوانــــــــــــــــي

أهـنِّئ الزَّهـر لا يـدري هـوًى وجــــــــوًى        لـيـت الكريـم الـذي أعطـاه أعطـانـــــي

فهو يجسد الطبيعة،  ويحسد الزهر لأنه لا يحس بألم الحب والفراق ولا يعاني من حرقة الأشواق ..

الاتجاه السياسي في شعره :

صدق الذي قال : إن السياسة خبز الشعب حيث لا يستطيع العاقل أن ينفك عن هموم السياسة والوطن ، فالهمّ السياسي العام لا يقل أهمية عن الهمّ الاجتماعي والاقتصادي الخاص، وهناك تداخل عجيب بين الخاص والعام ....

مصير الطغاة :

وفي قصيدة له تحت عنوان (( مصير الطغاة )) يحدد فيها أن نهاية الطغاة الذين يسحقون شعوبهم هو السحق، ويضرب مثالاً لهؤلاء بشامير الذي أحرق غزة، ثم أحرق بنيرانها، فذهب إلى مزابل التاريخ :

سَلْ مـاء بـدرٍ سلِ الـيرمـوك إن نطَقــــــا         سل نهـرَ دجلةَ والأبحـار والأفقـــــــــا

فكل نهـرٍ كتبنـا فـيـه مـلـحــــــــــمةً                      وكل طـاغـيةٍ فـي بحـرنـا غرقـــــــــــا

سل مـاء بـدرٍ أبـو جهلٍ سـيـخبركــــــــم         كـيف الطغاة عـلى بعـدٍ بـدَوْا مِزَقـــــــا

وكـيف أن ابن مسعـــــــــــــــودٍ تسنّمَه                 واجتزَّ رأسَ عـدوِّ الله وانطلقــــــــــــا

فكل طـاغـــــــــــــــــيةٍ للشعب يسحقه           يـومًا تـراه بأيـدي الشّعب قـد سُحِقــــــا

لقد انهزم شامير، وقتل رابين، وانتصر أطفال الحجارة، فالحق منتصر لامحالة :

أطفـالُ غزة والأحجـار فـي يـدهـــــــــم         أضحت قنـابـلَ «شـامـيرٌ» بـهـا احتـرقـــا

قـد يصـبح الـحجـر الرمـلـيُّ قنـبــــــلةً                  إن كـان قـاذفُهُ بـالله قـد وثقـــــــــا

شبـاب أحـمدَ لن يـخشَوا أذيَّتكـــــــــــم         مـن يركب الـبحـر لا يـخشى إذا غرقـــــا

لن نستكـيـن ولن تهدا حجـارتـنـــــــــا             سنرفع الرايَ هـذا الرايُ قـد خـفَقـــــــا

أمـواجُ شعبـيَ قـد ثـارت وقــــــــد هدرتْ       قـد غطّتِ السّوق والأحـيـاءَ والطرقـــــــا

قـد يحجز السدُّ مـوجَ الـبحـر فـي بـلــــدٍ         وكلُّ سدٍّ بـمـوج الشّعب قـد خرقـــــــــــا

قـولـوا لشـامـير إن تـنفدْ حجـارتـنــــا           أسنـانُ شعبـيَ فـيـهـا الـمـوتُ قـد برقــا

أطفـالُ غزَّةَ بـالـمقـلاع قـد كتبـــــــوا               أحـلى القصـائد شعـرًا دافقًا لـبقـــــــا

كتـابةُ الشعـر بـالـمقـلاع مـوهـــــــبةٌ              لا تعـرف الـحـبر والأقـلام والـورقــــا

إن كـان قـد قـيل أحـلى الشعـر أكذبــــه   فإن فـي الشّرع أحـلى الشعـر مـا صدقــــا

فإن نفذت حجارة فلسطين، وإن فقدت المقاليع فإن أسنان أبناء غزة سوف تمزق زمرة الطغيان .

كرامة الأمة :

لقد فقد العرب عزهم وكرامتهم يوم تخلوا عن رسالة الإسلام، فلم يعد فيهم سعد وسمية وخالد ...وأصبح الذئب راعي الغنم، وانقلبت موازين الحق والعدل، وها هو الشاعر أكرم خضر يؤلمه هذا الواقع المرير، فيقول :

لم يعد في العرب عز ... أو قليل من حمية

لم يعد في العرب سعد ... لم تعد فيهم سمية

لم يعد خالد فينا ... قد أتى عصر الدنية

إن رأيت الذئب راع ... فانتظر ذبح الرعية

حكام وأقزام :

وويل لأمة يتحكم في رقابها الأقزام :

ليالي السعد قد ولّت ... وما يبكيكِ يبكيني

فقد ضاعت فلسطينٌ ... وضعنا في فلسطين

وقد صرنا بلا مجدٍ ...       بلا عزّ بلا دين

إذا الحكام أقزامٌ ...     يصير الرأس في الطين

"ديوان المحامي أكرم خضر" ص40

صدقت أيها الشاعر الفحل : فإن بلاء أمتنا جاء من قبل حكامها، ولن تنهض هذه الأمة حتى تتخلص من شرورهم .

اﻻستقلال غير الناجز :

بمناسبة ذكرى الاستقلال "غير الناجز بعد" وتزامنها مع اعتقالاتٍ شتى للشباب المسلم، نورد الآتي:

لبنان بالرأي لا بالأرز خُضـــــــــــــــــرَتُه ... حرّية الرأي تبـــــــــــــــقي أرزَنا خضرا

إن البلاد التي بالظلم قد حكمت ... لا تعرف العزّ بل لا تعرف الظفرا

"ديوان المحامي أكرم خضر" ص113

اليهود ..اليهود :

ويقارن بين حكام إسرائيل وحكام العرب، فيقول :

بيغن تقدّم من مبكاه محتضناً ... توراة صهيون في اليوم الذي انتُخِبا

هاتوا رئيساً من العربان منتخباً ...      صلّى إلى الله يوم الفوز مقترِبا

باعوا البلاد وباعوا النفط معذرة ...   بالنفط نستوردُ الأفلام والطربا

"ديوان المحامي أكرم خضر" ص171

إن حكام إسرائيل إذا فازوا بالانتخابات فإنهم يقبلون التوراة، أما حكام العرب فإنهم يتخلون عن رسالة القرآن قبل أن يصلوا إلى الكراسي، ويهجروه بعد الانتخابات وقبلها، وقلما نرى فيهم من يصلي في المسجد إلا في لأعياد والمناسبات

صحافة الرأي :

ويشيد الشاعر أكرم خضر بأقلام الصحافة الحرة التي تقف مع قضايا الشعوب وحقوق الناس، ويفضح الأقلام المأجورة ، فيقول :

صحافة الرأي لا حبراً ولا خبرا ...     ولا مطابع قلّ الطبع أو كثرا

صحافة الرأي أقلام محابرها ...       دمٌ ودمعٌ يصدّ الظلم إن خطر

فكاتب الرأي جيش لا يخوّفه .. وكاتب العار يخشى الشمس والقمر

"ديوان المحامي أكرم خضر"

حكام من الكرتون :

ويفضح عمالة حكام العرب، الذين صاروا مثل كومة القش يحرقهم عود من الثقاب ، بل أصبحوا دمى وأحجار شطرنج يلعب بهم الغرب والصهاينة، فيقول :

إذا حكامنا كشفوا القناعا ...    ترى بيريز يحكمهم تباعا

فصهيونٌ بمكة قـــــــــــــــــــــــــــد تراه ... وفي عمّانَ إن قال استطاعا

وفي مصر يحرّكُ حقد حسني ...  فحسني حقدُه زاد اتساعا

فقد أضحى مليكاً في بلادي ...     وأنّى راح تنظُرُه مُطاعا

وحكامي من الكرتون يوماً ... ترى الكرتونَ قُربك قد تداعى

وحكامي بيادقُ في رقاع ... شعوبُ العُرْب قد أضحت رقاعا

وشتّان ..شتّان ما بين الزحف على ظهور الجياد وما بين الزحف على البطون والانبطاح :

فقل للزاحفينَ على بطون ... بزحفِ البطنِ ما اجتزتم بقاعا

سلوا التاريخَ خيبرُ قد تجبكم ... على الصهوات جئناها سراعا

فزحفُ الخيل فيه العزّ دوماً ... وزحفُ البطن منه الذلّ شاعا

"ديوان المحامي أكرم خضر" ص30

ويقول الشاعر معلناً ثباته وصموده وتحديه لكل الأعداء من الداخل والخارج :

فمن مروانَ في شامٍ ...  إلى كل الثعابين

إلى الحجّاج يقصفنا ... ويذبحُ بن تسعين

سنبقى أمة وسطاً ...  سنبقى كالرياحين  - "ديوان المحامي أكرم خضر" ص46

حكام العرب :

إن حكام العرب العملاء انقسموا بين العمالة والغباء، بينما الأمة تريد قيادة مسلمة فذة لا ضعف فيها ولا خور :

ويحكمنا غبيّ أو عميل ...   كلا الشخصين قد جلبا الهوانا

نريد قيادة لا ضعف فيها ...    ولا تخشى فــــــــــــــــلاناً أوفـــــــــــــــــــــــلانا

هجرة الأحرار :

ويتحدث الشاعرة بمرارة وسخرية عن هجرة العقول ومغادرة الأحرار لأوطانهم بسبب تسلط الاستبداد وتحكمه بمفاصل الحكم والقرار ، ومطاردته للشرفاء والعلماء ، والعباقرة ..واتباع سياسة تكميم الأفواه، فمن نطق بالحق، وضع المستبدّ حذاءه في فمه الطاهر :

إذا الأوطان أمَّرت العبيدَ ...      فإن الحرّ يهجرها بعيدا

لأن الحرّ لا يرجو بلاداً ...   بها الديوث قد أضحى عميدا

إذا الديوث أصبح ذا نفوذٍ ...   فلا وطناً يصون ولا عهودا

لقد حاول الغرب استنساخ حاكم خائن كالسادات يوقع معاهدة الذل والخيانة ويبيع الأرض والعرض :

أرى السادات يبعث من جديد . وينشر فوقنا "كمباً" جديدا

فتحت عباءة الحكام يبدو ..  وخلف خطاه قد ساق العديدا

ويحكمنا رجال دون بيضٍ ...    خصاهم بوش فانقلبوا عبيدا

فبوش اليوم يحكمنا جميعاً ...          ويخدعنا ويغرقنا وعودا

ويركب ظهرَ حكامي نهاراً ...       وليلاً ثم أخجل أن أزيدا

وحكامي بيادق في رقاع ...             يحرّكها ويلعبها وحيدا

إذا منحتك أمريكا وروداً ...      فحتماً فخخت فدع الورودا

فأمريكا هي الشيطان فاحذر . من الشيطان خذ حذراً شديدا

وأمريكا حضارة عاهرات ...           وتحشيش وخمر ثم سِيدا

وأمريكا بغال راكضات ...         وفوق ظهورها تجد اليهودا

وأمريكا تقسّمنا حدوداً ...        وإن شاءت تقسّمنا جدودا

إذا حكم البلادَ رجالُ بوش ...    فلا سهلاً قطعت ولا جرودا

ويشكو إلى رسول الله حال الأمة التي أصبحت أمماً متفرقة يقاتل بعضها بعضاً :

حبيبي يا رسول الله عدنا ...          قبائل نقتل العار الوحيدا

قبائل قد غزا بعضنا بعضاً ...      كويت العُرْب تخبرك المفيدا

وتخبر كيف قد ذُبحت صباحاً ...     وكم قابيل قد حزّ الوريدا

وفي بغداد يخبركم جياع ...          بأنّ الطفل قد فقد الثريدا

يحاصرهم صليبيون جاؤوا ...        بكل الحقد لا تأمن حقودا

ولا تأمن يهودياً بتاتاً ...            فإن الغدر قد ملك اليهودا

يهود من بلاد الكفر جاؤوا ...  من السوفيات قد بعثوا العديدا

دعوا كل اليهود بكل أرض ...       ليأتوا ها هنا هاتوا المزيدا

وهاتوهم جميعاً حيث كانوا ...      حذار حذار أن تبقوا وليدا

من السوفيات قد جاؤوا فأهلاً ...   فيوم مجيئهم قد بات عيدا

فيا شارون إزرعهم بأرضي ...       وقُدّ صخورها وازرع يهودا

فيوم حصادهم قد حان حتماً ...  ونحن الحاصدون ولن نحيدا

ويذكر اليهود في فلسطين بمصيرهم الأسود، فيقول :

رسول الله أخبرنا بأنّا ...            سنقتلهم وإن كانوا عديدا

وأخبرنا بأن الصخر يحكي ...          ويرشدنا ويخبرنا المزيدا

يهودي ورائي فاقتلوه ...         وكيف أجيب إن كانوا بعيدا

وكيف يتم قتلهم جميعاً ...           إذا لم يجمعوا جمعاً فريدا-"ديوان المحامي أكرم خضر" ص26

الاتجاه الإسلامي في شعره :

وشاعرنا المجاهد يمتزج عنده الشعر الإسلامي بالشعر السياسي ، والهمّ العام بالخاص ، فهو يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم ويمجد شجاعة أصحابه ، ويتناول حادثة الإسراء والمعراج ، ...إلى غير ذلك من الموضوعات الإسلامية :

يوم أحمد :

كتب الشاعر هذه القصيدة بمناسبة ذكرى المولد النبوي يقول فيها :

في يوم أحمد سجّل أيها القلم

     سيهزمُ الروسُ والأمريك كلهم

كسرى وقيصرُ والأفيال قد هزمت

        كلّ السلاح أمامَ الله ينهزم

كلاهما الروسُ والأمريكُ طنجرةٌ

   غطاؤها واحدٌ إن راقوا أو اختصموا

فلا يغرّك إن شاهدتَ معركةً

        بين الذئاب فهذي سرّها الغنم

- "ديوان المحامي أكرم خضر" ص131

فملة الكفر كلها واحدة ...ومعركة الروس والأمريكان معركة على المصالح .

عذراً يا رسول الله :

ويعتذر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويشكو له هوان الأمة وقعودها على حياة الذل والهوان :

حبيبي يا رسول الله عذراً      ففي ذكراك نجلس مقعدينا

وفي ذكراك يضربنا كساحٌ      كساحُ الفكر أخّرنا سنينا

حبيبي يا رسول الله عذراً        بغير هداك صرنا تائهينا

بغير هداك صرنا دون شطٍّ     بغير هداك صرنا دون مينا

رسول الله قائدنا وإنا       على مبدئه أقسمنا اليمينا

حزينٌ صدقوا أني حزينٌ    شقاق الصفّ صيّرني حزينا

أرى الأعداء ضدي في اتحاد    ووحدة صفنا صارت دفينا

حبيبي يارسول الله عذراً    لغير الله لم نخفض جبينا

ولا أهوى القصائد في زمان     به الأطفال قد فقدوا الحنينا – ديوان أكرم خضر : ص 71 .

إن الأمة حين تخلت عن خطها الرسالي تاهت، وضاعت، وتفرقت صفوفها ، وتنازعت، ففشلت، وذهبت ريحها .

ما قلّ ودلّ :

وفي قصيدته الأخرى يواصل بث شكواه إلى رسول الإنسانية وهادي البشرية ، فيقول :

رسول الله معذرة وعفواً             ففي ذكراك اختصر المقالا

فما نفع القصائد مع شعوب   إذا ما الشعب قد رفض النضالا

وما نفع القصائد في بلادٍ           إذا حسبوا الحمار بها غزالا

وكيف أقول والأقصى أسيرٌ     وكيف أقول إن سمحوا السؤالا

فيا جيل المساجد دمت جيلاً           فبالإيمان نقتلع الجبالا

وفي الأقصى وقل الله أكبر           هناك هناك اختتم المقالا – ديوان أكرم خضر : 88

فالأمة إذا تركت الجهاد ، وتبعت أذناب البقر ، ورضيت بالزرع فإن الله سوف يسلط عليها ذلاً لا يرفعه عنها حتى ترجع إلى دينها، ويؤكد الشاعر أن القصائد لا تجدي نفعاً في مثل تلك الأمة التي انقلبت فيها الموازين فأصبح الحمار غزالاً، والحرّ مستعبداً، والعبد معبود ، ولكن شاعرنا يبقى متفائلاً ، ولا يفقد الأمل في رواد المساجد والشباب المؤمن .

جيش أبرهة :

ويذكرنا شاعرنا كيف أباد الله جيش أبرهة الأشرم ..وهذه سنة الله في كل طاغية يحارب الله :

في يوم أحمد لا تشغلك أشعارُ

فجندُ أبرهة الحبشيّ قد ساروا

أفيالُ أبرهة الحبشيّ قادمةٌ ..

هل يوقفُ الفيلَ أبياتٌ وأشعار

في الشوف في مصرَ في الفيحاء أبرهةٌ

وفي الجزائر أفيالٌ وأخطار

لا تُخدعنّ بألفاظٍ منمّقةٍ

كلّ الطغاة سواءٌ حيثما داروا

كل الذئاب سواءٌ في خطورتها

وفي القرابة أعمامٌ وأصهار

لا تأمننّ ذئابَ الناس معذرة

فالذئبُ ذئبٌ وابن الذئب غدار

"ديوان المحامي أكرم خضر" ص135

ويجعل الشاعر أكرم خضر الأعداء جميعاً في سلة واحدة ، فهم ذئاب متساوون في الخطر على أمة الإسلام، وغدرهم يوحدهم ، ويجب على الأمة أن تحذرهم ولو لبسوا جلود الضأن .

أرض الإسراء :

ويكتب الشاعر أكرم خضر قصيدة في 7 آذار 1988م متذكراً حادثة (( الإسراء والمعراج )) حين صلى سيدُ الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم - إماماً بالأنبياء، ويبكي لحال أرض الإسراء والمعراج (( القدس الشريف )) الذي عاث فيه اللئام وشذاذ الآفاق، فلنستمع إليه، وهو يقول :

في القدس صلّيت يا خير النبيينا ...   وقدسُنا اليوم نبكيها وتبكينا

إليك مني رسولَ الله معذرة ...       ماذا أقول وقد ضاعت أراضينا

ماذا أقول بيوم الأرض يا عرباً ...قد ضيّعوا الأرض في عكا وفي سينا

ماذا أقول إلى غزة التي انتفضت ...   ماذا أقول وحيفا تستحي فينا

ويستحي الشاعر من واقع الأمة الذليل وضياعها، ويطرق الرأس خجلاً من ضعفها فهي تريد أن تواجه اليهود بالطبل والزمر والفنون والرقص.. فتعساً لجيل أعده الطواغيت وحراس الحدود، وأضاعوه ، وباعوا، وضيعوا كرامته :

بالطب والزمر كم أسقطنا طائرة ...    بالشعر والنثر حرّرنا فلسطينا

إليك حيفا اعتذاري إنني خجلٌ ...     ماذا أقول وقد صرنا ملايينا

لكننا كغثاء السيــــــــــــــــــــل يحكمنا ... كلّ الطواغيت فيك مثل ما فينا

لقد أصبحت الأمة غثاء كغثاء السيل يتحكم اليهود بها، وأعداد المسلمين عدد الجراد ، ويوجه الشاعر رسالة إلى المجرم إسحاق شامير، يقول فيها :

شاميرُ عندك، عندي ألفُ طاغية ... قد أطعموا الشعب زقوماً وغسلينا

أنا وأنت أيا حيفا يذبّحنا ...             كل الطواغيت فلنشبك أيادينا

الله أكبر قوليها أيا رفح ...                     الله أكبر قوليها أيا سينا

الله أكبر باسم الله نعلنها ...                رغم الطغاة وكلّ المستبدينا

لقد انخرط شاعرنا في ثورة الحجارة رغم الطغاة والمستبدين، ويشيد بشباب غزة المجاهد الذي دوّن أروع أناشيد الجهاد والخلود :

شبابُ غزة قد قالوا قصيدتهم ...         وبالحجارة قد خطّوا الدواوينا

وفي فلسطين أمّ الفحم انقلبت ...            للنور أماً وللأعدا براكينا

قولوا لشامير إن تنفدْ حجارتنا ...   اظافرُ الشعب قد تمسي سكاكينا

ولئن نفدت حجارة فلسطين فإن أظافر شباب غزة سوف تصبح خناجر يقاتلون بها، ويحرّض الشاعر جيوش العرب النائمة لكي تهب من غفلتها :

قل للجيوش التي نامت مخدّرة ...        قل للهلال وأيقظ فيه حطينا

إن يصدق الشعبُ يهزم كل طاغية ...    فالشعب يهزم شاميراً ورابينا

إنّ البنادق في أيدي الطغاة عصاً ... خرساءُ أعجز من ضعف المسنينا

أمّا الحجارة في أيدي التقاة فقد ...  تغدو رشيْشاً وقد تغدو هواوينا

الله أكبر لا تخشى جحافلهم ...     سيهزم الجمع، سل بدراً وحطينا

أنّا سلاحك يا ابن القدس يا بطلاً   نموت دونك لا تخشى السلاطينا

أنّا فداؤك لا يحزنك كثرتهم ...           بالروح نفديك يا أغلى المحبينا

لن نستكينَ ولن تهدى حجارتنا ...  سنرفع الراي لن نخشى السلاطينا

هيّا اقتلونا فلن تحنى عزائمنا ...           ولن نلين ولن ننسى فلسطينا

ويتحدى شباب الإسلام جميع الطواغيت والأعداء فهم قد تسلحوا بالإرادة الصلبة والعزيمة القوية ، ويحذر المجاهدين من مؤتمر السلام في مدريد الذي ذهب إليه ياسر عرفات ليبيع ما تبقى من كرامة الأمة :

شبابُ أحمد لن يخشوا عساكركم .. من يطلب الموتَ لا يخشى الثعابينا

أحجارُ غزة أمريكا ستسرقها ...    منها سترفع "كمب ديفيد" لتؤذينا

يا أرضَ غزة لا يخدعك مؤتمر ...           سمّوه للسلم تضليلاً وتزيينا

جلوسُ يعرب مع صهيونَ واحدة ...  جلستَ مع بيغنٍ أو زرتَ رابينا

هذي القيادات السادات سيّدها ...       هو الإمام به ائتموا مصلّينا

جيوشُ يعرب أرموا كلّ أنجمكم ...    أرموا السراويل وابتاعوا الفساتينا

أحجارُ غزة للأعداء قد قهرت ...         أذاقت القومَ زقوماً وغسلينا

لن تُستردّ فلسطين بطاغية ...            لن تستردّ بجيش يرفض الدينا

لن تُستردّ بتصفيق وجعجعة ...         من دون ربي لن نلقى فلسطينا

ويبشر شباب الأمة بوعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم - الذي بين فيه أن اليهود سيهزمون ..وسوف ينطق الحجر والشجر، فيفضح اليهود ، فيقتلون جميعاً، وتتبعهم لعنة التاريخ والأجيال إلى يوم الدين :

الله الله بُشرى أحمد صدقت ...             أنّا سنقتل صهيوناً بأيدينا

وأنّ صهيونَ بالأشجار مختبئ ...            وأنّ أحجارنا حتماً تنادينا

يا مسلمُ اقتله حتماً سوف نقتلهم ... سنرجع القدسَ والأقصى وجنّينا

ما قال أحمدُ قاتلهم فقد رُويَت ...         تعال فاقتله عن خير النبيينا

تعالَ فاقتله تعني أنت منتصرٌ ....          هم القتيلُ وإن كانوا ملايينا

إن كان إبليسُ شرّ الجن قاطبة ...            فإنّ صهيونَ شرّ الآدميينا

غار ثور :

ويقتبس الشاعر من السيرة النبوية دروساً منها : حراسة الله لنبيه في غار ثور، فعين الله إذا لاحظت إنساناً فلينم هانئاً ؛ لأن المخاوف تصبح كلهن أماناً :

فرسانُ مكة عند الغار يفصلهم ... عن الرسول خيوطٌ حاكها القدر

في الغار نورٌ وبابُ الغار يغلقه ... بيتُ العناكب لا صخرٌ ولا شجر

لن يطفئ النورَ طاغوتٌ وعاصفةٌ ... من كان يحرسُه الرحمنُ لا خطر

"ديوان المحامي أكرم خضر" ص61

اﻻمة الرحمة :

ويشيد بأمجاد الأمة المسلمة التي أرسلت رحمة للعالمين، فيقول :

يكفنا مجداً بأنّا ...    في سجلّ الخالدينا

يكفنا أنّا بُعثنا .. .       رحمــــــــــــة للعالمينا

ما شنقنا الشيخَ كلّا ...     أو قتلناه جَنينا

فسل التاريخ عنّا ... عن جدودي الصالحينا

فتحوا مكّة لكن ...      قد تحدّوا الفاتحينا

كتب التاريخُ أنّا ...       من أجلّ الراحمينا

ما قتلنا الناس كلّا ...       أو نبشْنا الميتينا

ما سلبنا الناس مالاً ...   أو وُصفنا سالبينا

قد فتحناها ولكن ...     نتحدّى الفاتحينا

إنه ديني فحدّث ...        عنه كلّ العالمينا - "ديوان المحامي أكرم خضر" ص100

إنه دين الإسلام الذي شهد له المؤرخون المنصفون من الشرق والغرب حتى قال أحدهم : ما رأى التاريخ أرحم فاتحاً من العرب .

مع الله :

ويوم كانت الأمة متمسكة بالعروة الوثقى، فتحت العالم ،ودانت لها الدنيا :

بالأمس كنّا مع الرحمن فانهزمت ... حصونُ خيبر سلها عندها الخبر

ويوم صرنا مع الدولار يا عرباً ... بنو قريظة في بيروتَ قد سهروا

عودوا إلى الله إنّ الله منتصرٌ ... من ينصر الله لا تظفر به البشر - "ديوان المحامي أكرم خضر" ص64

ليعود صوت للمؤذن هادراً ( الله أكبر ) يا مآذن عيّدي:

وهذا النشيد الذي نقدمه نظمه الشاعر المسلم أكرم خضر، وألقاه في احتفال الجماعة الإسلامية في بيروت بذكرى الإسراء والمعراج عام 1384هـ.. دعا فيه المسلمين إلى العمل على تحرير مسرى النبي صلى الله عليه وسلم من أيدي الغاصبين، وإنقاذ المسجد الأقصى من اليهود :

انهض فدينك لا يلين

انهض أريدك ثائراً متمرداً ........... أنا لا أريدك كالكسيح المقعد

أنا لا أريدك أن تظلّ مقيداً ........... بالذل في مسرى النبي محمد

يأمر الشاعر الشباب العرب بالثورة والتمرد على الطغيان وتحطيم الحدود والقيود لتحرير المسجد الأقصى ومسرى الرسول عليه الصلاة والسلام :

انهض ففي الإسراء آمال لنهضتنا جديدة

ما زلتَ تنثر ثم أشعر منذ أعوام بعيـدة

وأنا وأنت بقربنا كم طفلة ماتت شريـدة

النثر لا يُغني، ولا يُجدي فلسطين القصيدة

مزّق صفوف الحاقدين

انهض فـدينك لا يلين

وفلسطين لن تعيدها الأشعار الحماسة ولا الخطب الرنانة بل الجهاد هو السبيل وأن يكون الموت في سبيل الله أسمى أمانينا :

سرق اليهود بلادنا.................وأرى اليهود بمـأمنِ

لو كان قومي وحدة................ما ضاع يوماً موطني

تسعون مليوناً، فلو................ بصقوا بنهر الأردن

غرق اليهود بكل بصـ.............    قة يعـربيّ مؤمـن

حطم صفوف الحاقدين

انهض فدينك لا يليـن

لقد عاش اليهود بأمن واستقرار حين ضعف المسلمون، وتفرقت كلمة الأمة، فلو بصق المسلمون على إسرائيل لأغرقوها :

سبحان من أســرى بأحمد إنــه رب مجيـد

لم يجعل المسرى دمشق ولا الرياض ولا الصعيد

ما ذاك إلا كي نقدّس تربــة الوطـن الشهيـد

انهض نهدّ خيــامنا، انهض فلسنا بالعبيـــد

أيقظ جموع النائمين

انهض فدينك لا يلين

يؤكد الشاعر على أهمية القدس فهي أرض الإسراء والمعراج قد خصها الله بهذه المكرمة دون غيرها من البلدان :

أتريد غسل العار، قل لي، في فلسطين السليبة؟

أتريد حيفا والخليـل ودير ياسـين الحبيبـة؟

هذا سلاحك إنـه القرآن فانهض يا ربيبــه

فبدون هذا المصحف الروحي لن تجلو مصيبة

ارفع شعار المؤمنين

انهض فدينك لا يلين

ولن يكون نصر بدون العودة إلى القرآن، فإذا بقي القرآن مهجوراً على الرفوف ونقرأه على الأموات ..فلن يكون هناك نصر ..فليكن القرآن دستورنا حتى تتنزل علينا ملائكة الله، وتثبت الأقدام وما النصر إلا من عند الله .

قضية فلسطين في شعر أكرم خضر :

تحتل قضية فلسطين مكانة سامية ومنزلة رفيعة في قلب شاعرنا وفي عقله وشعره، فهي بوابة السماء، وأرض المعراج والإسراء، وأولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين ...ولا يهدأ للشاعر بال، ولا يطمئن له خاطر حتى تعود الأرض إلى أصحابها الشرعيين ودحر اليهود الملاعين ..

الإسراء والمعراج :

وتأتي مناسبة الإسراء والمعراج لتذكر المسلم بأرض فلسطين الطاهرة حيث يكتب الشاعر الإسلامي أكرم خضر هذه القصيدة بمناسبة الإسراء والمعراج ، ويقسم أن الأقصى سوف يعود إلى أهله مهما طال الزمان :

يا يوم إسراء النبي محــــــــــــــــــــــــــــمد ...... قسماً سنرجع في الغداة لمسجدي

ويعود صوت للمؤذن هادراً ...           ((الله أكبر)) يا مـآذن عيّــدي

أبطال الحجارة :

والشاعر المسلم أكرم خضر وقف إلى جانب ثورة أهلنا في فلسطين لذا نراه يسارع إلى تمجيد ثورة أبطال الحجارة، التي اندلعت شرارتها عام 1987م، وبقيت عشر سنوات، فيقول :

قد يصبح الحــــــــجر الرملي قنبلة ...  إن كان قــــــــــــــــــــــــــــــــــــاذفه بالله قد وثقا

قل للطواغيت لن نخشى تآمركم ... لن نرهب السجن والدولاب والفلقا

شباب أحمد لن يخشوا عساكركم ... من يركب البحر لا يخشى إذا غرقا

اﻻقصى يناديكم :

ويرسل الشاعر رسالة على لسان المسجد الأقصى الأسير في أيدي اليهود، يقول فيها :

أنا الأقصى أحييكم ...  فمن سجني لكم قبلي

أحدّثكم من السجن الذي ... قد غاص في البلل

واشكركم بلا خوف ...       واشكركم بلا وجل

واشكر كلّ قادتكم ...       ملوك العار والدجل

فهم باعوا عروبتهم ...        إلى العزّى إلى هبل

وهم باعوا فلسطيناً ...       بخمسين من النكل

وباعوني أنا الأقصى ...     إلى يهوى بلا خجل

إذا الأقزام قد حكمت ...    عن الأمجاد لا تسل

ويسترسل الشاعر في حديثه عن المسجد الأقصى الذي لم يبق له أمل سوى هذا الأمل في ثورة أطفال الحجارة، فيقول :

أنا الأقصى أحييكم ...     حريماً دونما رجل

أهنئكم بأطفالي ...     حجارتهم غدت أملي

حجارتهم هي الأقوى ...      ففيها قوّة الجبل

حجارتهم هي البركان ...   يا أحجار فاشتعلي

حجارتهم ستغسل ما ...  أتاه العرب من فشل

أنا في السجن منتظر ...   قدومكم على عجل

أنا في السجن منتظر ...  قدومكم على عجل - "ديوان المحامي أكرم خضر" ص 59

فالأقصى ينتظر قدوم جحافل الفتح المظفرة ، ويزين جدرانه وسواريه انتظاراً لفرحة النصر المبين .

القدس في العيون :

ويخاطب الشاعر أكرم خضر القدس الشريف التي هي قرة عين لكل مسلم يوحد الله، فيقول :

يا قدس يا مهبط الإسراء سيدتي

في غيرك الشعرُ يبدو باهتاً كدرا

لن أنظمَ الشعر في ليلى وإخوتها

لن أنظمَ الشعر بيضاً كنّ أم سُمُرا

شعري إليك إلى الأبطال سيدتي

أحلى القصائدِ صاروخٌ إذا انفجرا

أحلى القصائد أبدان نفجرها

بين اليهود فأحلى الشعر ما انتشرا

"ديوان المحامي أكرم خضر" ص179

ويعيب الشاعر أكرم خضر على الشعراء الذين أنفقوا طاقاتهم وصرفوا أوقاتهم في تصوير وجدهم وتعلقهم بليلى، وسعاد، وهند، ودعد، ونسوا أن الجهاد فريضة ، وأن القدس محتلة، وأن العرض مهان ، وأن الشرف مدنس، وأن الكرامة مسلوبة لذلك قرّر شاعرنا أن يهب شعره وروحه لهم .

بين الحرب والمفاوضات :

ويرفض الشاعر المفاوضات العبثية مع إسرائيل لأن العدو لا يعرف لغة سوى لغة القوة والجهاد، ويطلب من عرفات وزمرته أن يهجروا لغة الاستسلام والاستجداء :

يـا قـدسُ يـا مهـبط الإسـراء سـيّدتـــــي           الرأيُ رأيك لا يُحـزنْك مـــــــــــا نُشِرا

فلا اتّفـاقَ مع الأعــــــــــــداء ننظره                 غـيرُ القتـال مع الأعـداء مـــــــا نظرا

أوامـرُ الـحـرب لا تُلغَى بـمؤتـمــــــــرٍ              ومـجلس الأمـن لا نرضى بـمـا أمـــــــرا

أوامـرُ الـحـرب فـي القـرآن ثـــــــابتةٌ             فكـيف يلغـي الرعــــــــاع الآيَ والسُّوَرا

أرضـي وأرضك تستجـدي إعـادتهـــــــــــا      مـن اللصــــــــــوص، حذار اللصَّ إن قَدِرا

فـاللصُّ يسـرق لا يعطـي طـواعــــــــــيةً        وسـارق الأرض لا يعطـيك لـو حجــــــــرا

إن الـذلـيل مع الأمـوات مــــــــــوضعُهُ        ولا يـمـــــــــــــــــــــــــوت عـــــــــــــــــــــــزيـزٌ أيـنمـــــــــــا قُبِرا

يـا كلَّ مستكبرٍ يـا كلَّ طـاغــــــــــــيةٍ         يـا كلَّ مـــــــــــــن عذَّب الإنسـان أو قهــــــــرا

إن كـنـت مـا زلـت خـوّافًا ومـرتعــــــدًا       فـاذهـبْ إلى غــــــــــــــــزةٍ أمعِن بـهـــــــا النظرا

وانظرْ جنـود بنـي صهـيـونَ كـيف بـــــدَوْا     وكـيف كـيف غدا الرّشـاش مــــــــــندحِرا

تـرى الـحجـارةَ قـد هدّت عزيـمتهــــــــم       وكلُّ آلَتِهِمْ قـــــــــــــــد خـافتِ الـــــــــــــحجَرا

فكل جبان ومرتعد عليه أن يذهب إلى غزة الصمود ليتعلم من أطفالها الشجاعة والثبات كيف ينتصر الدم على السيف والحق على الباطل والنور على الظلام .

الحكام ..أضاعوا القدس :

وهؤلاء الحكام لا خير فيهم، ولا نصر ينتظر منهم، فالقدس لن يعيدها أبناء الخنا والزنى :

لن يرجع القدس حكام أبالسة ... لن يرجع القــــــــــــــــــدس مرتد ولا بطر

لن يرجع القدس والأقصى أبو لهب ... من دون ربي لا أقصى ولا ظفر

"ديوان المحامي أكرم خضر" ص20

ياسر عرفات :

لقد أبطل ياسر عرفات جهاده، وباع القضية، وراح يركض وراء المفاوضات الهزيلة ، فما كان من شاعرنا إلا أن فضحه، فقال :

أبو عمّار ثعبان رموه ...  ليلدغ كلّ من سكنَ القطاعا

إذا الأوطانُ يحكمها عميلٌ ...   فلا متراً نحرّر أو ذراعا

ولا يخدعك حكّام تربّوا ...   على ألبان صهيونٍ جياعا

حليب الذلّ يشربه عميل ... حليبُ السبع نشربه سباعا

خذ الإسلامَ أسلحة ونهجاً ... وحتماً فيه تزداد ارتفاعا

"ديوان المحامي أكرم خضر" ص31

فرسان أحمد :

وانفجر البركان الإسلامي في فلسطين، واندلعت الانتفاضة الباسلة، وتزلزلت الأرض تحت أقدام اليهود الغزاة :

واستيقظت أمّتي من عمق غفوتها ... على هديرٍ من الأمواج انتشرا

يفجّر الأرضَ صيحاتٌ يردّدها ...  الله أكبر ركبُ الخيل قد ظهرا

فرسانُ أحمدَ قد عادت ركائبهم ...  رأيت سعداً وها إنّي أرى عمرا

إنّ الحصاة مع المظلوم قنبلة ...     فقنْبل الأرضَ فجّرها وكن شررا

فقنْبل الأرض يا مظلومُ في حذر ... وفجّر الظلمَ والطغيانَ والبطرا

دمُ الشهيد يروي الأرض يخصبها ... وينبت الزرعَ والأمجادَ والظفرا

بدون أحمدَ ليلُ الظلمِ يغمرنا ...    بدونه لن نرى شمساً ولا قمرا

"ديوان المحامي أكرم خضر" ص18

كبرياء :

ويصور كبرياء المجاهدين الذين رفعوا شعار : الجوع ولا الركوع، والموت ولا المذلة فقال:

لن نحني الهامَ لن تهدا جحافلنا ... سنرفع الراي باسم الله رغمهم

النصرُ في الله يا شعباً بلا هدفٍ ... إن تنصروا الله ينصركم وينتقم

"ديوان المحامي أكرم خضر" ص162

جراح الأمة :

ويتناول الشاعر الإسلامي أكرم خضر قضايا الأمة المصيرية، ويصور جراحها ونكباتها والمصائب التي حلت بها، فمن فلسطين، إلى أفغانستان ، إلى مأساة البوسنة والهرسك ، مروراً إلى مأساة الشيشان والصومال إلى سقوط بغداد ...إلى كشمير وبورما .....وهلم جراً ..

بغداد عاصمة الرشيد :

ويقف الشاعر المجاهد أكرم خضر مع قضايا أمتنا المجيدة العادلة، وبعد احتلال بغداد وتدمير العراق كتب الشاعر الإسلامي أكرم خضر هذه القصيدة يشيد فيها ببغداد التاريخ والبطولات، ويبكي سقوطها في مخالب الطغاة والبغاة ، ويعلن وقوفه مع أهل بغداد في مواجهة الأعداء، ويمجد صمدها ضد التتار وقوى الاستعمار الجديدة، فبلد الرشيد سوف تبقى صامدة، ولن تهزم، فالنصر لها مهما طال الزمان  ، فيقول :

أم الــعــواصــم يــــــا بـــغـــداد مـــعـــذرة مـا        أسقـطـوك ولـكـن أسقـطـوا العـربـا

فــأنــت أنــــت أيــــا بــغـــداد راســيـــةٌ        لا يـسـقــط الـجـبــل الـعـالــي إذا ثـقـبــا

وأنـــت يــــا بــلــد الـرشـيــد كـصـخــرة         أقـدامـهـا تـسـحـق الأمـــواج والـنـوبـا

     مـــــــــن أجل عينيك والإسلام سيدتي...     سنبذل الروح والأبدان لا كذبا

مــن أجـــل عيـنـيـك أمطـرنـاهـم لـهـبـاً      يـا مـن لعينيـك غـنّـى الشـعـر والتهـبـا

أبـكــي عـلـيـك أيـــا بـغــداد يـــا وطـنــاً       قــد صــار مـرعـى لأمـريـكـا ومنتـهـبـا -"ديوان المحامي أكرم خضر" ص23

إن سقوط بغداد مدرسة يجب على العرب حكاماً وشعوباً أن يتعلموا منها الكثير :

ســقــوط بــغــداد لـلـعـربـان مــدرســـةٌ      لن ينصرَ العـرب جيـش يرتضـي الذنبـا

لـن ينـصـرَ الـعـرب جـيـش كــل غايـتـه  أن يذبـح الشعـب أو أن يحمـي النصبـا

بــــدون ربــــيَ لا جــيــش سـيـنـصـرنـا           بـدونــه لـــن نـــرَ شـمـسـاً ولا شـهـبــا

الله أكــبــر فــــي الـفـلـوجـة ارتـعــبــت          جـيـوش بــوش وحـتـى الهـمـر ارتعـبـا

سـعـد وخـالـد فــي الأنـبـار قــد ظـهــرا        وفـــي ديــــالا أرى فـرسـانـنـا الـنـجـبـا

فـــي كـــلّ يـــوم لـهــم صـيــد وأثـمـنـه      صيـد الأبتشـي فـهـذا الصـيـد قــد طلـبـا

صـيـد العصافـيـر قــد يـــؤذي حدائـقـنـا  صيد الأميركان يحمي الأرض والسحبا

وقد توج هذا الجهاد برحيل القوى الغربية عن العراق، وبقي الأذناب وهم لاشك سيرحلون مهما طال الليل، وامتد الظلام .

جراح البوسنة :

ويتفاعل الشاعر أكرم خضر مع جراح المسلمين في البوسنة والهرسك، فيقول مصوراً مخاطبة البوسنة لحكام العرب والمسلمين :

أنا البوسنة أناديكم ...     أيا كلّ السلاطين

أنا البوسنة أنا الهرسك ... أنا مُرّغتُ في الطين

فلا العذراءُ عذراءٌ ...     ولا دمعي سيكفيني

أنا حبلى أيا فهدٌ ...      ببطني ألفُ سكّين

أنا حبلى أيا حسني ...        لماذا لا تهنّيني

أنا حبلى بكلّ العار ...       يا كلّ الملايين

إذا الحكامُ فئرانٌ ...        سنُؤذى بالجراذين

لقد نادت الفتاة المسلمة في البوسنة والهرسك حكام العرب، واستنجدت بنخوتهم ولكنها نسيت أن المعتصم قد مات، وبسبب حاجتها إلى الأمن والإيمان راح تؤكد وتكرر، فتقول :

أنا البوسنة أناديكم ...     أيا كلّ السلاطين

أنا البنت التي اغتيلت ...  على مرأى القوانين

أنا البوسنة أنا الهرسك ...    أنا فجر الملايين

أنا إسلامُ أوروبا ...           فأوروبا تناديني

ومن فرعونَ لن أخشى ...    فقولوا للفراعين

ويربط الشاعر بين الخندقين في فلسطين والبوسنة والهرسك؛ لأن معركة المصير واحدة ، فنحن في معركة وجود لا حدود، فيقول :

سراييفو لك الأشواقُ ...     من حيفا وجنّين

ليالي السعد قد ولّت ...   وما يبكيكِ يبكيني

فقد ضاعت فلسطينٌ ...  وضعنا في فلسطين

وقد صرنا بلا مجدٍ ...        بلا عزّ بلا دين

إذا الحكّام أقزامٌ ...     يصير الرأس في الطين

ملوكُ العُرْب تلقاهم ...       بأمريكا وبرلين

وتلقاهم على الشطآن ...      مع فيرا ونيفين

فإن ضيّعت من فيهم ...  فلن تلقاهُ في الصين

ولن تلقاهُ في يوم ...       شهيداً في فلسطين

ولكن سوفَ تلقاهُ ...   لصيقَ الكاف والسين- "ديوان المحامي أكرم خضر" ص37 .

ولكن صيحة فلسطين المسلمة والبوسنة قد ذهبت أدراج الرياح، وضاعت سدًى؛ لأن الحكام العرب كانوا على شاطئ البحر يسهرون ويرقصون مع الفنانة فيرا ونيفين وهيفاء وهبي، ونانسي عجرم ...

وبعد :

إن شاعر الدعوة الإسلامية يستحق وقفة نقدية أفضل من هذه الوقفة السريعة التي تأتي في زحمة الأشغال والنزوح والهجرة والبعد عن المكتبة ...ولئن كان في العمر بقية سوف أعود إليها تنقيحاً وزيادة وتصحيحاً ...

ورحم الله امرءاً أعان أخيه الفقير المقصر على البر بقسمه ...والوفاء بعهده ووعده .

وسلام على شاعر الإسلام أكرم خضر في الخالدين .

مصادر الدراسة:

- 1- مقابلات أجراها الباحث محمود سليمان مع أفراد من أسرة المترجم له – طرابلس عام 2006م .

2-مجلة الأمان- الصادرة عن الجماعة الاسلامية في لبنان .

3-من كتاب أناشيد الدعوة الإسلامية – المجموعة الرابعة – الطبعة الأولى 1410-1990صادر عن دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع – المنصورة

ودار الضياء للنشر والتوزيع – عمان – العبدلي

4-"شعراء الدعوة الإسلامية" للجدع وجرار

5- ديوان المحامي أكرم خضر – منشور على صفحة الشاعر أكرم خضر على الفيس بوك .

6-معجم البابطين .

كان قبل الإسلام  في الشرق تقويمان:

الأول ذلك المتبع في المجتمعات الحضرية التي تعتمد على الزراعة المرتبط نضوجها بالشمس، وقد سُميّ  هذا التقويم بالتقويم الشمسي المكوّن من 365 يومًا وربع اليوم.

والثاني المتبع في المجتمعات الرعوية التي كانت الرعاية فيها تتم في الليل على ضوء القمر إتقاء حر الصحراء، وقد سمي هذا التقويم بالتقويم القمري، ومنذ عهد عمر بن الخطاب بالتقويم الهجري المكون من 354 يومًا. وعليه فإن الفارق بين التقويمين هو 11 يومًا وربع اليوم. في أواخر العصر الجاهلي تعلم العرب من اليهود الكبس بإضافة شهر كل ثلاث سنوات على سنتهم القمرية ليثبتوا الشهور، فلما جاء الإسلام ألغي نظام النسيء بنص قرآني(إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عامًا ويحرمونه عاما/سورة التوبة آية 37)، فصار الحج يأتي تارة في الشتاء وتارة في الصيف، وهكذا كان موعد الأشهر يتغير على مدار السنة.

نحن نرى أن كلمة (سنة) تشير إلى التقويم الشمسي، بينما كلمة(العام) تشير إلى التقويم القمري فالهجري، فإذا رجعنا إلى القرآن الكريم نجد أن هناك آيات تدل بوضوح على أن كلمة(عام) تطلق على السنة القمرية مثل قوله تعالى في سورة التوبة آية 129(فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) ومعلوم أن الآية تتحدث عن الحج وهو مرتبط بالسنة القمرية، كما أن الآية التي تنص على إلغاء النسيء تتحدث عن تلاعب المشركين بترتيب الأشهر الحرم وهي أشهر في السنة القمرية.

أما قوله تعالى في سورة الكهف آية 25(ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا) فيفسره بعض العلماء على أن أصحاب الكهف  لبثوا 300 سنة شمسية بما يعادل 309 عامًا قمريًا. يقول سبحانه وتعالى في سورة العنكبوت آية 14 في حق نوح عليه السلام(فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا) وهذا يدل على أن مفهوم (سنة) يختلف عن مفهوم(عام)، ويرجح أن تكون السنة شمسية والعام قمريًا أي أن نوحًا لبث 951,5 سنة شمسية.

وقد لجّ بعض العلماء في تفسير الكلمتين وذهبوا في ذلك مذاهب شتى منها أن السنة ترد في القرآن الكريم لتدل على الشدة والشر بينما العام جاء ليدل على الخير والبركة والرخاء لكنهم نسوا أن كتب التاريخ القديمة تذكر تحت حوادث 18 للهجرة أنه أصابت الناس مجاعة شديدة ولزبة وجدوب وقحوط وذلك هو العام الذي يسمى عام الرمادة.  في عهد عمر بن الخطاب .(تاريخ الرسل والملوك لمحمد بن جرير الطبري، ج4، ص 96).

أما الحول فهو عشرة أشهر ونصف الشهر. قال تعالى في سورة الأحقاف آية 15(حمله وفصاله ثلاثون شهرًا)، وبما أن مدة الحمل هي تسعة أشهر صارت مدة الرضاعة 21 شهرًا، وهذ الأشهر تساوي حولين كاملين (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين/سورة البقرة آية 233)، فصار الحول يساوي 10,5 شهرًا.

أما الحجة فهي الموسم، ولها علاقة بالحج، والحجة اتفاق ملزم لصاحبه عند حلول وقت معلوم، قال الله تعالى  في سورة القصص آية 27 عن شعيب وموسى عليهما السلام(على أن تأجرني ثماني حجج)، وعادة ما كانوا يكتبون بينهم الحجج أي الاتفاقيات الملزمة بعد مرور موسم معين.  

(( في صدر هذه الأغلال التقليدية نقرأ هجوما أقل عنفا ولكنه أكثر حنكة في كتابات العالم الاجتماعي العراقي علي الوردي . ففي هذه الكتابات يهدف الوردي في الأساس إلى تحذير الإنسان العادي من الأساطير التي هي في أصلها قد وضعت لتجسيد قيم خلقية غير أنها فقدت كل معانيها بمرور الزمن ))

الدكتور مجيد خدوري )

الشقاوات "ساموراي" العراق

في كتابه : (من النهضة إلى الردة - تمزقات الثقافة العربية في عصر العولمة ) يشير جورج طرابيشي إلى دور مهم للمبدع الكبير ( نجيب محفوظ ) وذلك حين تناول في أعمال روائية كثيرة آخرها ( ملحمة الحرافيش ) ، (( تلك الفئة الإجتماعية المتميزة التي لعبت في تاريخ مصر المملوكية دورا يشابه من بعض الوجوه دور الفرسان المحترفين في أوروبا قبل الثورة الصناعية أو دور الساموراي في اليابان في العهد الإقطاعي ، والتي عُرفت في مصر باسم "الفتوات" مثلما عُرفت في المشرق العربي باسم "القباضايات"، والتي مالت وجوديا إلى الانحلال والإضمحلال طردا مع توطد السلطة المركزية للدولة الحديثة . فقد انفرد نجيب محفوظ دون سواه من الروائيين بإحياء تراث الفتوة وتقاليدها ودستور سلوكها وجدليتها الطبقية الخاصة ( فتوّات / حرافيش ) حتى باتت ميثولوجيتها علامة فارقة لأدبه ، ابتداء من " أولاد حارتنا " وانتهاء بـ " ملحمة الحرافيش " .. ولعلنا لن نفهم الوظيفة الدلالية لميثولوجيا الفتوات والحرافيش كما أعاد نجيب محفوظ بناءها ما لم نقارن بينها وبين مثال أكثر معاصرة وأدخل في الخيال المشترك للإنسان الحديث هو ذاك الذي تقدمه السينما الأمريكية ، العظيمة التأثير على هذا الخيال، من خلال ميثولوجيا "راعي البقر". فالفتوة ، بمعنى من المعاني ، هو كاوبوي الرواية المحفوظية ، ولكنه ليس ذلك الكاوبوي المسطح المنمط الذي يكرّر نفسه في نسخ لا عدّ لها كرجل مسدس وصائد هنود ، بل ذلك الكاوبوي المتفرد القسمات ، المتعدد الأبعاد ، المشحون بالدلالات الإنسانية والرمزية والميتافيزيقية والراسم علامات استفهام حول مسلّمات الوجود )) (540) .

دراسة ظاهرة الشقاوات لفهم التوازن الإجتماعي في المدينة العراقية

___________________________________________

 

وفي مجال علم الإجتماع العربي يمكننا القول إن لواء الريادية يُعقد للدكتور علي الوردي في دراسة ظاهرة "الشقاوة" كما تُسمى ظاهرة الفتوة في العراق . بدأ ذلك في كتابه : (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي- 1965) حيث اعتبر دراسة شخصية "الأشقياء" مدخلا أساسيا لفهم الطبيعة الإجنماعية للمدينة العراقية :

( لكي نفهم طبيعة التوازن الاجتماعي في المدينة العراقية ندرس شخصية "الأشقياء". فهؤلاء كانوا يمثلون القيم الاجتماعية السائدة ، المحمودة منها والمذمومة . إنهم كانوا يحترفون اللصوصية في كثير من الأحيان، ويفاخرون بسفك الدماء والإعتداء والسطو ، ولكنهم كانوا في الوقت نفسه ذوي نخوة وشهامة لا تُضاهى . فهم يحمون أبناء محلتهم ويدافعون عنهم ولا يسرقون منهم شيئا ، وإذا استنجد بهم أحد فتلوا شواربهم وأسرعوا إلى مواطن النجدة دون مبالاة بالخطر ) (541) .

ثم يذكر الوردي جانبا من القصص "الأسطورية" التي كانت تحيكها الذاكرة الشعبية عن الأشقياء وسلوكهم الأخلاقي العالي . فهناك قصة تحكي عن شقي حاول سرقة بيت وغفل عن نفسه وذاق شيئا من الملح ، وترك البيت دون أن يسرقه لأنه أصبح مرتبطا بأهل الدار بحق "الزاد والملح". وهناك قصة عن مجموعة من الأشقياء سطو على بيت امرأة وحين سمعة حركتهم قالت لابنها الصغير قم وساعد أخوالك. فتركوا البيت لأنهم صاروا بمثابة إخوة لها . ويعلق الوردي على هذه القصص بالقول :

(( إن هذه القصص تصوّر لنا طبيعة التوازن الاجتماعي الذي كان سائدا في المدن آنذاك . فقد كان الناس يقدرون " الشقي " اللص على شريطة أن يكون ذا شهامة ورجولة ، وهم لا يكترثون عندئذ لما يقترفه من سفك للدماء وسطو على البيوت وتخويف للآمنين ولعلهم يعتبرون ذلك منه دليلا على شجاعته وشدة بأسه )) (542) .

ظاهرة "التغالب" في المجتمع العراقي

_________________________

 

وتنطلق دراسة الوردي لشخصية الشقاوات من منطلق آخر هو أن الشقي صار مثالا يُحتذى من قبل الكثيرين الذين كانوا يحاولون تقليده، حتى أننا كنا نرى بعض الأغنياء يقومون بالسطو على البيوت ليلا ليس بقصد السرقة ولكن لإثبات شجاعتهم و"شقاوتهم". والأهم أن هذه القيم السلوكية امتدت إلى العامة ، حيث مايزالون يحترمون " السبع " المخيف ويحتقرون " المخنث " .

ويعتبر الوردي أفضل مثال على روح التغالب هذه هو عدم قدرة العراقيين على الوقوف المنضبط في أي صف طويل عند الإزدحام على أي شيء . فسرعان ما يخترق بعضهم النظام ويتدافعون حد الإحتكاك الجسدي العنيف حيث يحاول كل منهم الحصول على الشيء قبل غيره ، ويعدون ذلك من علامات القوة والغلبة . كما انتقلت روح الشقاوة إلى المجاملات بين أهل المدن :

(( مما يجدر ذكره أن المجاملات الشائعة بين أهل المدن لاتزال تحتوي على بعض المعاني المستمدة من روح " الشقاوة " القديمة . فإذا مررت بأحد منهم وتقدمت نحوه بالتحية الحسنة ، رد عليك بتحية أحسن منها ... أما إذا شمخت بأنفك عليه ، وتوقعت أن يبدأك هو بالتحية ، فسوف لا تحصل منه إلا على العبوس والحقد )) (543) .

والوردي مقتنع بأن شخصية الشقاوة كامنة تحت جلد الشخصية "الحضارية" الظاهرة لدى المواطن العراقي، وأن المواطنين، حتى المثقفين منهم، يسترون "شقاوتهم" بطلاء من الفذلكة والمصطلحات الحديثة ، وهم قد يستخدمون تلك المصطلحات الحديثة أسلحة ضد خصومهم مثلما يستخدم الشقاة الهراوات والأحجار.  

في الجزء الأول من موسوعته الاجتماعية : (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) ، وفي باب "ظاهرة الشقاوة" يعد هذه الظاهرة الاجتماعية من أهم الدلائل على سيطرة الروح البدوية على العراق في العهد العثماني ، ويرى ضرورة دراستها بالتفصيل لأنها تعطينا صورة واضحة لما كان عليه المجتمع العراقي آنذاك من تركيب وقيم . فـ :

(( الشقي من الناحية القانونية يُعتبر مجرما ، غير أنه من الناحية الاجتماعية يُعد من الابطال الذين تفتخر بهم المحلة ويُشار إليهم بالبنان. إنه كان في الغالب يمتهن اللصوصية والسطو على البيوت وفرض "الخاوة"- أي الاتاوة - على الأغنياء، ولكنه في الوقت نفسه لا يخالف القيم المحلية السائدة فهو في محلّته شهم مغوار يحمي جاره ويراعي تقاليد الدخالة والنجدة .. أما سلوكه الإجرامي فهو موجه ضد الحكومة من ناحية ، وضد الأفراد الذين لا ينتمون إلى عصبيته من الناحية الأخرى )) (544) .

كان الشقاة " مقاومين " ضد سلطة الحكومة القائمة آنذاك . وحين يُعتقلون يكون ذلك مبعث فخر لهم ولأبناء محلتهم على أساس القاعدة التي يتداولونها والمتمثلة في أن " السجن للرجال " . أما حين يُقتلون فإن تشييع جنازتهم يكون مهيبا . وقد حصل هذا حين قتلت الجندرمة أحد شقاة بغداد المشهورين وهو " عباس السبع "- وبالمناسبة فإن هذا الشقي كان يحترم ويحمي والد علي الوردي ويفتديه - وقد خرجت الجماهير تبكي عليه والنساء يلطمن ويندبن . . وقد ربطت الجندرمة جثة عباس وزميل له بذيل حصان وسحبوهما في الطرقات لكي يكونوا عبرة لغيرهما من الشقاة . وبالمناسبة أيضا وفي لقاء تلفزيوني مع المبدع الراحل ( نجيب محفوظ ) قال فيه إن آخر فتوة في القاهرة وكان اسمه "عباس" قد تعرض للإهانة وللضرب المبرح واقتيد ليعرض على الناس شبه عار .

الشقاوات ليسوا تاشطّاروالعيّارين

______________________

 

ويرى الوردي - بخلاف ما يعتقده الدكتور مصطفى جواد من أن تقاليد الاشقياء تعود إلى أخلاق العيارين والشطار وأهل الفتوة في العهد العباسي - أن الشقاوة يغلب عليها الطابع الفردي بينما كان العيارون وأضرابهم يخضعون لتنظيم جماعي يشبه تنظيم الجنود أحيانا ويشبه تنظيم " الأصناف " المهنية - أي النقابات-  أحيانا أخرى . يقول الوردي :

(( يخيل لي أن العيارين وأضرابهم إنما نشأوا في محيط متحضر ويمثلون ثورة الفقراء على الأغنياء ، أي أنهم ظهروا من جراء التمايز الطبقي الذي كان المجتمع البغدادي يزخر به في ذلك الحين حيث يعيش الأمراء والأغنياء في أقصى درجات الترف ويعيش الفقراء والكسبة في أقصى درجات الحرمان .... ولهذا ظهرت في بغداد قصور باذخة تحتوي على أعظم ما وصلت إليه الحضارة آنذاك من وسائل اللذة والعيش الرغيد ، كما ظهرت فيها تجمعات بشرية يسودها الفقر والقذارة وتعشعش فيها عصابات اللصوص والعيارين والشطار ومن لفّ لفهم .. وكان العيارون واللصوص حين يقطعون الطرق على القوافل وينهبونها يحتجون بأنهم إنما يأخذون حقهم في الزكاة التي امتنع التجار عن دفعها لهم طوعا ، فهم يزعمون أنهم فقراء يستحقون أخذ الزكاة شاء أرباب الأموال أو كرهوا لأن الزكاة صدقة تؤخذ من أغنياء المسلمين وتفرّق في فقرائهم )) (545) .

ويرى الوردي أن الوضع الاجتماعي لبغداد في العهد العثماني يختلف عن العصر العباسي ، فقد كان هم الوالي العثماني الأساسي هو جمع أقصى ما يستطيع من أموال الجباية لكي يرسل حصة الأسد منها إلى اسطنبول ويستحوذ على الباقي منها . كان موظفوا الحكومة أسوأ من اللصوص  حيث كانوا يسلبون من الناس أي شيء ثمين لديهم .. ولذلك اعتاد الناس أن يتشاءموا من اي مظهر للنعمة يظهر عليهم ويتكتموا في أمر ثرواتهم لكي لا يعلم بها أحد فتصبح عرضة  للمصادرة من قبل الحكام ، أو للسرقة من قبل اللصوص . وهذا- حسب الوردي - هو الذي جعل التمايز الطبقي بين الناس غير واضح المعالم أي أنه لم يكن مثل ما كان عليه في العهد العباسي. وقد كان الوعي الجماعي في العهد العثماني أكثر شيوعا من الوعي الطبقي، حيث كان الفرد يتعصب لعشيرته ومحلته أكثر مما يتعصب لأبناء "طبقته". وهذا الوعي الجماعي التعصبي هو من مظاهر سيطرة المد البدوي على العراق في العهد العثماني :

( فالناس لا يتركون الوعي الجماعي ويأخذون بالوعي الطبقي إلا بعد ما يظهر عليهم التحضّر وهم عندئذ يشعرون بأن المال هو عصب الحياة وأنه هو الذي يرفع مكانة الإنسان أو يخفضها . أما في البداوة - أو في المجتمع الذي يسيطر عليه المدّ البدوي - فالناس لا يقدّرون المال إلا بمقدار ما يدعم عصبيتهم الجماعية ويرفع من مكانتهم فيها، وليست له فيها سوى ذلك قيمة كبيرة . ومعنى هذا أنهم يطلبون المال لا من أجل أن يتنعموا به بل من أجل أن يتكرموا به ) (546) .      

ولهذا- كما يؤكد الوردي - يشكّل المال عند الأشقياء وسيلة لا غاية . فهم لا يهتمون بجمعه وادخاره ولكنهم يقومون بتوزيعه على المحتاجين من ناحية ويصرفونه على ملذاتهم من ناحية أخرى . ومن خلال تناوله لأنموذج "حسن كبريت" كبير شقاة بغداد في أواخر العهد العثماني يبين أن أغلب الشقاة يمتلكون عقلية خرافية تقوم على أساس أن إنقاذهم للناس المستضعفين سوف يكتب لهم الشفاعة ويجعل الله يغفر لهم ذنوبهم المترتبة على الجرائم التي اقترفوها حتى لو كانت جرائم قتل . فالشقي "حسن كبريت" كان يعتقد أن الله سيغفر له جرائم القتل الكثيرة التي ارتكبها بشفاعة فاطمة الزهراء بنت النبي ، وذلك لأنه أنقذ ذات ليلة فتاة بقتله شخص كان يحاول اغتصابها في مقبرة ، وكانت هي تستغيث وتتوسل بفاطمة الزهراء . والغريب أن حسن كبريت هذا كان قد انضم إلى المجاهدين وشارك في معركة " الشعيبة " خلال الحرب العالمية الأولى . ولم يكن يكتفي بقتل جنود الأعداء بل كان يقوم بقطع رؤوسهم رغم رفض القادة من رجال الدين لسلوكه هذا .

أسطورة "عبد المجيد كنّة"

_________________

 

وفي الجزء الخامس من (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) يذكر الوردي قصة إعدام "عبد المجيد كنة" الذي كان من مغاوير بغداد الذين ساعدوا الحركة الوطنية مساعدة كبيرة وقد ألف عصابة لهذا الغرض ، وأخذ يهدّد من يتعاون مع الانكليز من وجهاء بغداد بالقتل . يقول الوردي :

(( جرى لجنازة عبد المجيد تشييع عظيم جدا . وقد اشترك فيه الشيعة وأهل السنة معا ، فأخرج الشيعة في التشييع أعلام مواكبهم الحسينية . كما خرج المتصوفة بدفوفهم يكبرون الله . وحمل بعض الشبان الشموع بأيديهم إشارة إلى أن الفقيد كان شابا وهذا يوم عرسه . وفيما يلي نبذة مما ذكرته جريدة " الاستقلال " البغدادية حول التشييع :

(( .. حُملت الجنازة من داره قبيل الظهر ومرت في الشوارع يتقدمها صفوف من أهل الدفوف والأعلام وهم يهللون ويكبرون ويتبعهم ألوف من الرجال والشبان وفي أيديهم الشموع تضيء والكل تضج ضجيجا عاليا . ثم يأتي بعد ذلك النعش وقد رُفع على رؤوس الأصابع . ولا أبالغ إذا قلت تحمله مئات من الأيدي والناس تتزاحم لكي تحظى بحمله ولو برهة . وقد ألقي على الصندوق رزمة نفيسة من الحرير الغالي وعُلق فوق رأسه الطربوش الذي كان يلبسه في الحياة . ويتبع النعش من الخلائق والأعلام أضعاف من تقدمه . والجميع خاضعة الرؤوس . ثم تأتي بعد ذلك أفواج النساء زمرا وقد حثين الرماد والطين على رؤوسهن )) (547) .

أسطورة "إبن عبدكه"

______________

 

أما أنموذج الأشقياء المحيّر الأكبر الذي يتناوله الوردي فهو أنموذج ( ابن عبدكة ) الذي كان أشهر شقي عرفه المجتمع العراقي خلال الفترة التي امتدت بين أواخر العهد التركي وتأسيس الحكومة العراقية، وكان كردي الأصل . وقد عجزت الحكومة التركية عن إلقاء القبض عليه فوضعت مكافأة مالية كبيرة لمن يأتي به حيّا أو ميتا . وكان من المعروف عنه أنه كان ذا مروءة لا يعتدي على الضعفاء والفقراء والنساء . وقد استمر في عصيانه على الحكومة في عهد الاحتلال الانكليزي، وعجز الانكليز عن إلقاء القبض عليه مثلما عجز الأتراك قبلهم. وقد قتل من الجنود الانكليز أكثر مما قتل من جنود الأتراك. ومن الحوادث الفريدة في مسيرة هذا الشقي هو أنه حين اقتحم "بعقوبة" مع الثوار ثائرا على الانكليز وشرّد جنود المحتل وانتقل إلى شهربان أتيح له أن يعثر على السيدة "زتون" - وهي زوجة أحد الضباط البريطانيين - في بستان خلف القشلة وأنقذها من الاغتصاب وأوصلها إلى بيت أحد الشيوخ بكل أمانة . وبعد أن أعيى ابن عبدكة الإنكليز - بعد فشل الثورة - عن إلقاء القبض عليه، وقع صريع الحمّى إثر بلوغه نبأ قتل ابن عمه على أيدي أقرباء المدعو "نجم بن زهو العزاوي" الذي كان ابن عبدكة قد قتله من قبل. وفي أثناء مرضه هذا ألقت الشرطة القبض عليه . وقد تحولت محاكمته التي استمرت أربعة أشهر إلى مناسبة شعبية تحضرها الناس الذين تمتليء بهم ساحة المحكمة، وقد نقلت وقائعها الصحف التي كانت تنقل تفاصيل تصريحات ومواقف محامي المتهم. وقد حكمت المحكمة عليه بالإعدام وقالت الصحف إن ابن عبدكة واجه القرار بكل هدوء وجلد. وكان " سليمان فيضي " واحدا من القضاة في محكمة التمييز التي نظرت في قضية ابن عبدكة وقال عنها في مذكراته :

(( ابن عبدكة ثائر شعبي من عامة الأكراد . اشتهر بالشجاعة والإقدام . وكان له في أثناء الثورة العراقية مواقف مشرّفة ضد الإنكليز في لواء ديالى .. فلما نشبت الثورة العراقية وأخلى الإنكليز بعقوبة دخلها ابن عبدكة ، ونصب نفسه مديرا للأمن فيها . وبطش بالجواسيس ، فقتل بعضهم وأحرق دورهم . مما اثار حقد الإنكليز ونقمتهم عليه . وفي عهد الحكومة الوطنية ألقي القبض على ابن عبدكة ، وسيق إلى المحكمة الكبرى في بغداد .. فحكم عليه بالإعدام شنقا .. وعارضته أنا ورشيد عالي ... وكانت تأتينا التوصيات المتكررة من المندوب السامي بتصديق الحكم فلم نأبه لها .. وقد شغلت هذه المحاكمة الرأي العام .. فكنت ترى قاعة المحاكم وفسحتها مكتظة بآلاف الناس.. صدر الحكم بتصديق قرار الشنق بأغلبية الأصوات ... فلما اطلع جلالة الملك عليها امتنع عن تصديقه وأمر بتخفيف العقوبة إلى الحبس خمس عشرة سنة )) (548) . 

وعندما خفض الملك الحكم سرت شائعات منها أن المس بيل هي التي حرضت الملك على ذلك، وذلك لأن الناس اعتقدوا خطأ بأن المس بيل هي المرأة البريطانية التي أنقذها ابن عبدكة من الإغتصاب في شهربان ولذلك أرادت مكافأته على عمله النبيل ذاك .

(مكث ابن عبدكة في السجن حتى عام 1936 حيث أطلق سراحه وعين مراقبا للآثار في بابل .. وهناك ، وفي مساء 5 أيلول1954 وبينما كان يمشي في أزقة الحلة وهو يتحامل على نفسه لإصابته بالشلل النصفي قتله "سهيل" ابن نجم العزاوي وكان آخر ما قاله قبل أن يلفظ أنفاسه هو : ليش احنه ما توافينا ؟ أنا قتلت أبوه .. وأعمامه قتلوا ابن عمي ..) (549) .

"فن الموت،وأدب الخراب ، هو خلاصنا أُكرر"

-محمود عوّاد-

clip_image002_d199a.jpg

 

clip_image003_ebc82.jpg

 

 

الشّاعر ابن بيئته و لحظته التاريخية  منصهر في واقعها ، منغمس في حيثياتها ،هوامشها

 ، مشغول بتفاصيلها اليومية،يحترف النظر الى قروحها  ، الشّاعر حين  ينبش حاويات القمامة لا يبحث فيها عن "عظمةأخرى لكلب القبيلة " بل يشتهي فضيحته الكبرى " لا وجود لحداثة في الادب ،طالما الفضيحة لم تُكتشف بعد ،فالكتابة التي لاتجرؤ على امتـــلاك مشـروع فضيحتها المعاصرة ، يجب أن لايعول عليها ولو بتلمـــيحٍ عابر ،أمّا الكاتب المُتخفي عن مستقبله فهو غير فضّاحٍ بالمرة " على حدّ قول شاعرنا محمود عوّاد، و برغم هذا الانغماس

و الانصهار الشّاعر خلّاق او لا يكون ، لو يممّنا وجوهنا شطر نصّه لادركنا قدرته العجيبة على الخلق ،لان مهمّة الشّاعر هي اعادة تشكيل الواقع جماليا و من فشل في هذا لا يحقّ لنا ان نقول عنه شاعر ، الجمالية هنا قد تكون في قحبها ،في جنائزيتها، في فضحيتها المدوية و عوراتها المربكة.

 الشاعر العراقي محمود عوّاد شاعر فضّاح قد يكون تاثّره بالواقع العراقي تاثّرا جليّا في طيّات النصوص الشعرية الصادرة بديوانه "أكزيما" :فضيحته المدوية ، غسيله المنشور ، امراضه المعلنة لم تسقط اسقاطا على الشعر فقد نجح في تحويل كل تلك الادران ،الاوجاع ، القروح الى مشاهد شعرية مدشهة برغم جنائزية المعاجم المعتمدة وسوداوية الصور الملتقطة بكاميرا الشاعر:

الجنائزُ جيوب المدن

المدينة التي

ليست بحوزتها على الأقل عشر سفرات للمقبرةِ في اليوم ، لاتمتلك جيباً ،

هذه اﻷيام أصبحت جيوبُ المدنِ كثيرةً ، ومتنوعةً

جيبٌ عن الكاتم ،وعن القناص ،وعن الذبح ،وعن الفيروسات، وأخرى عن التهجير ، وفي الآونة الأخيرة أضافوا جيباً للقنابل الحرارية ربما يقول البعضُ ثمّة

استخافٌ واستهانةٌ،بالجيوب الصغيرة حين تضعونها تحت التراب أبداً ، أبداً ، نسلمهم إلى أخيهم الأكبر

ديوان "أكزيما" بقروحه و جراحه المفتوحة ، رحلة وجع لم تغب فيها المشهديّة المبتكرة

و الواعية في آن فالشاعر لا ينقل مآسي واقعه المحموم و المحكوم بالتناقض الصارخ بل يفكك البنى السببية ممجدّا الخراب ،محتفيّا بالموت لان الخلاص في تحدّيه الم يقل قبله مظفّر النواب " هذه الامة تحتاج دروسا في التخريب " ، هذا الخراب المشتهى لم يكن دعوة فوضوية عدمية بل هو سبيل خلاص هذا ما يؤكده محمود عوّاد في احدى تغريداته على موقع التواصل الاجتماعي : "فن الموت،وأدب الخراب ، هو خلاصنا أُكرر"

.

الملاعقُ

ديدانٌ

تنمو بين أصابعنا

بحجةِ إيصالها الطعامَ ، تدخلُ الفمَ ،تلتقطُ صورةً لقبورنا الداخلية ِ

تخرجُ

تضعُ اللقطةَ

في الصحونِ َ

تطعمُنا إياها من دونِ أن نعلمَ

أعمارُها متفاوتةٌ كما المخلوقاتِ فملاعقُ الشاي والحليبِ يمكنُ عدَها دوداً صغيرةً أما ملاعقُ الأكلِ

فهي دودٌ كبيرة ٌ

ثمة دودٌ متوسطةٌ يتناول بها المرضى أدويتهم

المزيد من المقالات...