clip_image002_8a616.jpg

يعتبر أدب الرِّحلات نوع من أنواع الأدب الذي يصوِّر فيه الكاتب ما جرى له من أحداث ومواقف ممَّا صادفه أثناء رحلة قام بها لأحد البلدان. ولا نغفل عن أهميَّة  كتب الرِّحلات التي تعدُّ من أهمِّ المصادر الجغرافيَّة والتّاريخيَّة والاجتماعيَّة، لأنّ الكاتب يستقي محتوى تلك الكتب من المشاهدة الحيّة، والتَّصوير المباشر، مما يجعل قراءتها غنيَّة، ممتعة ومسليَّة. الكاتب جميل السلحوت يطرق هذا الباب في رحلة إلى أمريكا، فيبدأ بسرد تفاصيل تلك الرّحلة التي ذهب بها وزوجته قاصدًا بيت ابنه قيس وزوجته اللذين ينتظران مولودتهما – لينا. وهناك تبدأ السّرديَّة ليحكي لنا عن ذلك المكان يصفه جغرافيّا، واجتماعيّا، يتطرق للمظاهر المجتمعيّة والظواهر الاجتماعيّة، كأنَّه يشارك القارئ برحلته على متن سطر وكتاب.

المعلومات التي قدَّمها الكاتب جميل السلحوت كانت غنيّة، وفيرة، تدعو للتّأمل، والمقارنة الحيَّة مابين الحياة في المجتمع الأمريكيّ ومجتمعاتنا العربيّة ربما.. بدأ ذلك من خلال وصفه للمشفى التي ولدت به لينا، والرّعاية الصحيَّة التي تلقتها الأمّ الوالدة والبنت المولودة، ثمَّ الانتقال لبعض الجوانب التّربويّة التي لها الأثر، وتساهم في التَّنشئة خاصّة عندما تحدث عن رعاية أبويها وسماع الموسيقى منذ كانت جنينًا في رحم أمّها، واستمراريّتهما في قراءة القصص لها، ولا يغيب عن بال متابع البحوث الحديثة في وقتنا التي تدعو للاهتمام بالطفل في هذه المرحلة العمريّة المبكّرة التي تشكّل شخصيته المستقبليّة، كما تطرّق إلى مكتبة لينا التي جهزّت لها منذ أوّل يوم ولدت به، ودعا لأهميَّة تذويت قيمة المطالعة عند الأبناء منذ مراحل مبكّرة جدا وما همسته تلك إلا لأولياء الأمور: أن اعتنوا بالطفولة وحافظوا على أطفالكم منذ الولادة.

تطرّق لموضوع التعليم، طبيعة المدارس، النّظام التّعليميّ السّائد، وما كان غرض الكاتب سوى نقرة على الأبواب الصَّامتة، ليقول همسته لذوي الاختصاص بالقطاع التّعليميّ، لنطلِّع، لنبحث، ونتعلّم، لنبادر بالتّغيير للارتقاء بتعليمنا الفلسطينيّ، من ذاك الباب دخل أبوابا عديدة للمبادئ والأخلاق والانتماء، سواء كان بالنّظافة والمحافظة على الممتلكات العامّة والحدائق والشّوارع، لم يكن السلحوت ممجدا لالنِّظام الأمريكي، وموقفه منه واضح جدا، لكنّه رغب من مقارنته بتوسيع دائرة اطّلاع القارئ ليغنى بهذه الصّور المجتمعيّة التي توفّر للفرد الحياة بكرامة.

كانت للكاتب إضاءة على موضوع الهجرة، التي تخلق من الانسان الكادح والمكافح ملكا يسكن قصرا، ولم يهمل النَّقيض من ذاك الانسان الذي جرفته الغربة لدروب الرّذيلة والإدمان لينتهي به الأمر متسوّلا في شوارع أمريكا، فقير يجثوا على أبواب المساجد. وهنا همسته باعتقادي كانت موجهة للفئة الشَّابة التي تتلَّهف على مغادرة الأوطان، ويأخذها الحلم الأمريكي، وقد قدَّم تجربة ولده قيس كتجربة ناجحة سردها على لسان أب فخور بابنه وبتربيته، وقد تطرّق لاخوته ونجاحاتهم أيضا في تلك البلاد.

صوَّر لنا تجارب عديدة من شيكاغو، هيوستن، لاس فيجاس وكذلك شلالات نيجارا، وكيفيَّة استثمار هذه الأماكن لتصبح مراكز جذب سياحيّ، جعل من ذوي الأملاك فيها من الرّأسماليين الأقوياء، وكأنَّ همسته هنا كانت لرجال الأعمال في القدس، أن تحرّكوا واستثمروا ما يجعل وجودنا وصمودنا أقوى بعيد الإستغلال الذي تشهده المدينة من ارتفاع في العقارات والحياة عموما.

امتَّدت همسات الكاتب جميل السلحوت ليتطرق بها لأحداث تاريخيّة، واجتماعيّة، سياسيّة بعض الأحيان، وإنسانيَّة في حين آخر، واختتم تلك السرديَّة بسيادة القانون عندما حدّثنا عن ولاية أنديانا التي تمنع فتح " كازينوهات" القمار على أراضيها وهي دولة غير اسلاميّة، بينما تسجّل همسته الأخيرة لجميع قبور الفساد التي تنبش بأفضل شخصيّاتنا هنا لينتهي بهم الأمر في ملهى، كازينو، وبؤرة فاسدة تطيح بنا لأشدّ الأزمات الخانقة.

اللغة كانت بسيطة، سهلة، واضحة، رغم أنّني كنت أفضل لو صبغها الكاتب بألوانه الذَّاتية لغويّا وبلاغيّا، لتغدو تأمّلات الكاتب في المعلومات والمادّة أعمق وأشدّ تفاعلا، ويتخطى كون المادّة تقريريّة متواترة.

الأسلوب سلس لا يتصعّب القارئ الابحار في هذه الرّحلة والتّعرف على جوانب مكنوناتها الجغرافيّة، الإنسانيّة، والاجتماعيّة التّفاعلية النّاشئة من تلك العلاقات والرّوابط التي أثرت بالكاتب فرغب بتذويتها ودوّنها في كتاب.

أخيرًا بالنِّسبة للعنوان:" أبناء العمّ سام" من المتعارف عليه بأنَّ العمّ سام لقب ورمز شعبيّ يطلق على الولايات المتّحدة الأمريكيَّة، يعود اسم العمّ سام إلى القرن التاسع عشر إلى حرب سنة 1812 تحديدا. الاسم مأخوذ من اسم جزّار محليّ أميركيّ يدعى صموئيل ويلسون. كان هذا الجزّار يزوّد القوّات الأميركية المتواجدة بقاعدة عسكريّة بمدينة تروي الواقعة في ولاية نيويورك، بلحم البقر، وكان يطبع براميل هذا اللحم بحرفي (U.S) أي الولايات المتّحدة إشارة إلى أنّها ملك الدّولة. فأطلقوا لقب العمّ سام على التّاجر. فحرف U للرّمز إلى Uncle أي العمّ وS إلى Sam أي سام.

clip_image002_626f0.jpg

لنّوش عنوان لرواية جديدة لليافعين للكاتب جميل السلحوت، صدرت عن دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس، تخاطب الأطفال ولكنّها رسالة موجّه للآباء لكي يحسنوا تربية أبنائهم، وهي مفعمة بالعاطفة الجيّاشة حتّى لتكاد تلمس حبّ الكاتب للطفلة (لنّوش) بيديك.

هذه الرّواية تحوي العديد من الدّروس التربويّة التي قد يستفيد منها الآباء، وتعطي صورة لطفلة نموذجيّة تتّسم بالذّكاء الشّديد والقدرات الكبيرة مقارنة بأندادها، لأنّها حصلت على التّربية من أبوين مثاليّين، فغدت قدوة لغيرها من الأطفال، وأبهرت معلمتها التي التجأت إلى والديها كي تعلم كيف يربّيان ابنتهما، ولتستفيد منهما في تربية أبنائها وتلاميذها في المدرسة. من الدّروس التّربويّة في هذه الرّواية:

• اختيار الاسم الحسن للطفل، الذي يعطي روحا إيجابيّة لصاحبه طفلا وبالغا فيما بعد، وضرورة أن يكون للاسم معنى جميل، وأن يعلم الطفل هذا المعنى.

• الاعتناء بالطفل حتى قبل ولادته، فالأب والأمّ يكلمان ابنهما مذ أن يكون جنينا في رحم والدته، ويسمعانه الكلام الطّيّب والقرآن الكريم والموسيقى الهادئة، وهذا يؤثّر في هذا الطفل وينشئه قادرا على التّعبير بلغة سليمة ومحبّا للموسيقى الهادفة والأدب.

• سرد القصص والحكايات المعبّرة للطفل منذ صغره وقبل أن يتعلّم الكلام، والقراءة له وتعويده على القراءة منذ نعومة أظفاره.

• تربية الطفل في بيئة آمنة وغمره بالحبّ والحنان، وتبادل الأدوار وتكاملها بين الأب والأمّ.

• دور الجدّ والجدّة الإيجابي في العناية بالطّفل وتربيته.

• تشجيع الطفل والتكلّم معه بإيجابيّة، ومراعاة أحاسيسه ومشاعره وعدم إحراجه.

• عدم التّفريق في المعاملة بين الأبناء.

• التّواصل بين المدرسة والعائلة من أجل الطفل.

قد تبدو الطفلة لينا في رواية (لنّوش) مثاليّة خارقة، لكنّ المواهب التي تبديها هذه الطفلة هي في مقدور الأطفال كافّة إذا ما حظوا بالرّعاية والتّربية المثلى التي توفّرت لها.

clip_image002_37ce0.jpg 

 تجتمع خصلتان في كتاب (في بلاد العمّ سام) للأديب المقدسيّ جميل السلحوت، والصّادر عن مكتبة كلّ شيء الحيفاويّة، أوّلهما أنّه يصف بلادا واسعة متنوّعة الثّقافات، وفيها من المتناقضات ما لا يمكن إحصاؤه، والأخرى أنّ الكاتب هو الشيخ جميل السلحوت، الذي يتميّز بسعة الاطّلاع والخيال، والقدرة على إدراك ما هو حوله وتحليله بطريقة رائعة، وربط الأحداث ببعضها ثمّ سردها بلغة الحكاية البسيطة التي تقرّبها إلى قلب القارئ وعقله. فالكاتب الذي ألّف العديد من الرّوايات التي ركّزت على عنصر المكان، وجعل مسرحها بلدة السّواحرة ومدينة القدس، ووصف الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة فيها بدقّة متناهية وبأسلوب شيّق، لتغطي فترة زمنيّة تمتدّ لعشرات من السّنوات، كتب أيضا في أدب الأطفال وأدب الرّحلات، ووصف البلدان التي زارها بدقّة، وتحدّث عن الحياة الاجتماعيّة والثقافيّة فيها.

 في هذا الكتاب وصف شامل لرحلات المؤلّف إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة على مدار ثلاثة عقود، ويعطي فيه صورة حيّة للحياة الاجتماعيّة، ويصف العديد من الأماكن الجغرافيّة في أنحاء الولايات المتّحدة، أو بلاد العمّ سام كما أحبّ أن يسمّيها. والقارئ لهذا الكتاب يرافق الكاتب في رحلاته ويتعامل مع شخصيّاته وكأنّه يعرفهم ويعيش معهم، ويرى المدن والقرى والغابات والسّهول والجبال في أمريكا، وكأنّه يعيش فيها، ويفوق شعوره بها وتصوّره لمعالمها الاطّلاع على أيّ فيلم مصوّر؛ فهو يشعر باللمسة الإنسانيّة في هذا الوصف، ويرى الأشخاص والأشياء وكأنّه يرقبها عن قرب بعينيّه المجرّدتين، وليس من خلال عدسة كاميرا.

 والكاتب في وصفه يشبه أولئك المغامرين الذين ذهبوا لاستكشاف البلدان لأوّل مرّة دون أن يعلموا أين وجهتهم، وإلى أين ستقودهم أقدامهم؛ فبخلاف السيّاح أو حتى كتّاب الرّحلات أو المستكشفين الذين يسافرون في رحلات منظّمة لها خطّة موضوعة قبل مغادرتهم، ومسار محدّد للأماكن التي سيرتادونها، فإننّا نجد الكاتب ينتقل في أمريكا بعفويّة من مكان إلى آخر حيث يوجد أقرباؤه أو أصدقاؤه، وحيث تسوقه عادات الكرم العربيّ الأصيل، فينتقل بصورة عشوائيّة وفي مدن وأحياء وبيئات مختلفة، وتتذبذب رحلاته في أمريكا بقدر شتات الشّعب الفلسطينيّ فيها، والذي يوجد في كلّ مكان، ويعمل في مختلف المجالات ويتواجد في كلّ البيئات: من أدنى درجات الفقر إلى أعلى درجات الغنى، ومن مزالق الجريمة والإدمان إلى المراكز المهمّة في المؤسّسات العلميّة والاقتصاديّة. لذلك فإنّ هذا الوصف يبدو كالفسيفساء التي تجمع الألوان المختلفة، ويخرج منها نسيجا ملوّنا متناسقا، يعطي فكرة متكاملة عن هذه البلاد المترامية الأطراف.

 والكاتب يعطينا صورة واضحة عن الحياة الثقافيّة في أمريكا، فهو يزور المتاحف والمسارح المختلفة والمكتبات، ويشاهد الحفلات الموسيقيّة وعروض الأوبرا. ويزور وكالة ناسا ويصف التقدّم العلميّ الذي وصل إليه الأمريكيّون في هذا المجال. فنلحظ الاكتظاظ في المسارح في أمريكا حتّى أن الشّخص المهتمّ بعرض ما عليه أن يحجز مقعدا قبل شهور أحيانا.

 والكاتب يحطّم كثيرا من الصّور النمطيّة التي تكوّنت في ذاكرة الشّعوب العربيّة للأمريكيّين، والتي مصدرها الأفلام الأمريكيّة التي لا تعطي الصّورة الحقيقيّة للحياة في أمريكا، وكذلك صورة الأمريكيّ العدوّ التي نشأت بسبب مواقف الولايات المتّحدة السّياسيّة الداعمة للصهاينة، ومناصرتها للحكومات الدكتاتورية في العالم العربي ضد إرادة الشعوب وسعيها للحريّة، وأيضا من خلال ما يقصّه كثير من المهاجرين الذين يعودون من أمريكا ولم يروا منها إلا جانبا واحدا وزاوية عاشوها لسنوات طويلة، دون أن يطّلعوا بشكل فعليّ على الثّقافة الأمريكيّة. ففي هذا الكتاب نلحظ البعد الاجتماعيّ والإنسانيّ للثّقافة الأمريكيّة، بعيدا عن مواقف أمريكا السّياسيّة. فهنا نرى الأمريكيّ الكريم المضياف، وذاك الذي يهتمّ بجاره وأصدقائه، ونرى الأمريكيّ المتواضع الذي يعامل طلابه معاملة الأبناء ويدعمهم ويساندهم، والأمريكيّ الذي يهتمّ بتربية أبنائه وتعليمهم، ويقرأ لهم منذ نعومة أظفارهم، وحرص الأمريكيّين على التعلّم حتّى ولو في سنّ متقدّمة، واحترام الأمريكيّ للآخرين وثقافاتهم مهما اختلف معها، والأمريكيّ الذي يعتني بالحيوانات والطيور يخصّص جزءا من أشجاره للطيور ولا يأكل منها، وثقافة الحرّيّة والنّظافة والنّظام حتّى في أكثر الأحياء فقرا، والحفاظ على الممتلكات العامّة. فهو يظهر هنا الثّقافة الأمريكيّة بشكل واقعيّ حقيقيّ، ويبيّن مدى الرقيّ الأخلاقيّ عند فئات من المجتمع الأمريكيّ وتفوّقه على كثير من الشّعوب، وخاصّة في البلدان العربيّة التي تعاني من التخلّف والجهل.

 وبالمقابل فإنّه يعرّج على بعض السلبيّات في المجتمع الأمريكيّ، مثل التمييز العنصريّ ضد السّود، واضطهاد السكّان الأصليّين الذين يسمّونهم هنودا حمرا، والذين يعيشون في محميّات مغلقة، وانتشار الفقر والجريمة والإدمان على الكحول والمخدّرات في بعض الأحياء، ووجود الشّعوذة وتقنينها.

 ولا يقتصر الكاتب على وصف الثّقافة الأمريكيّة، بل يتعداها إلى ثقافات الأقليّات التي تعيش في أمريكا، فهو يستغلّ كلّ حدث أو مشاهدة للتّعريف بهذا الثقافات التي تتعايش وتتفاعل فيما بينها، لتشكّل المجتمع الأمريكيّ. فيصف موسيقى البلوز التي هي جزء من تراث الأمريكيّين الأفارقة، ويستغل زيارته لمطعم أرجنتيني للحديث عن ثقافة الأرجنتينيّن، وكذلك المهاجرين من الصّومال وأثيوبيا ونيجيريا ومن الرّيف الإيطالي، والحياة في بورتوريكو ذات الثّقافة الإسبانيّة.

 ويصف الكاتب الطبيعة بشكل جميل وتفصيليّ، ولا يقتصر على الأماكن السّياحيّة مثل شلالات نياجرا، بل يصف كلّ ما يشاهده حتّى الجزر التي تتوسط الشّوارع والمنطقة المحيطة بالمستشفى والسّاحات العامّة. وكذلك يعطي معلومات عن جغرافيّة ومناخ كلّ منطقة زارها.

 والكاتب يزور خلال رحلاته العديد من المهاجرين العرب من أقربائه وأصدقائه، والذين يعيشون في أماكن متعدّدة، ويعملون في مهن مختلفة، والذين يعطون صورة عن حياة الأقليّة العربيّة في أمريكا وتشرذمها وانغلاق الأقليّات العربيّة وابتعادها عن الحياة السياسيّة، ممّا أدّى إلى عدم قدرتها على التّأثير في السّياسة الأمريكيّة. فهناك من العرب من يتبوّأ مكانة علميّة عالية ويعمل في الجامعات والشركات ومراكز الأبحاث، ولكن بالمقابل فإنّ الأكثريّة يعيشون على هامش المجتمع الأمريكيّ منغلقين مبتعدين عن معين الثّقافة الأمريكيّة، منشغلين في مشاريع تجاريّة صغيرة غير مجدية في الأحياء الفقيرة، فهم بعيدون عن معترك الحياة ولا يعايشون الحضارة والتّقدم والازدهار في أمريكا. وكثير من العرب انخرط في المجتمع الأمريكيّ، ولكنّه لم يكتسب إلا القيم السلبيّة وتخلّى عن قيمه العربية الأصيلة، فلا هو لحق بركب المجتمع الأمريكيّ ولا حافظ على بقية كرامة وخلق من مجتمعه العربيّ.

 والكاتب يربط دائما بين العادات الموجودة في أمريكا ويقارن بينهما وبين ما يدور في المجتمعات العربيّة. وهو يقسو على المجتمع العربيّ أحيانا حين يرى مستوى النّظام والنّظافة واحترام الآخرين في أمريكا، ويقارنه بما يرى من انعدام هذه الأخلاق الحميدة في بلادنا، مع أنّنا لا نفتأ نتشدّق بها ونرمي الأمريكان بانعدام الخلق والحياء لديهم. ويستخدم أحيانا لغة تهكّميّة، مثل أن يصف العرب بِ (العربان) أو الذين (يشربون بول الأبل ويتعطّرون بها)، وأن يصف أمريكا بِ(بلاد الكفّار). أعتقد أنّ هذا الأسلوب كان إمعانا في جلد الذّات وتعريضا بالثّقافة العربيّة الإسلاميّة، ولا يمكن أن يؤدّي إلى النتيجة التي يريدها الكاتب، ألا وهي عودة المجتمعات العربيّة إلى ما يليق بها من الخلق النّابع من هذه الثّقافة الإسلاميّة المثلى.

 ولم ينفصل الكاتب خلال رحلاته عن الهمّ الفلسطينيّ والقضايا العربيّة، وقد استغلّ الكثير من الأحداث ليربطها بما يدور في فلسطين والعالم العربي، فتحدّث عن شتات الشّعب الفلسطيني وعن حرب عام 1967، حتّى أنّه استغلّ الحديث عن زيارته لمركزّ طبّيّ في هيوستن للحديث عن الشّاعر محمود درويش الذي توفي فيه.

 يبدو أنّ الكاتب كان يدوّن كلّ ما يرى على شكل مذكّرات ويصف ما يشاهده أولا بأوّل، لذلك نلحظ أن الكاتب كرّر بعض المعلومات أكثر من مرّة بطريقة غير مقصودة، مثل وصفه للشّوارع والجسور المركبة على بعضها، وذكره للحيوانات البريّة التي تعيش في المدن كالأرانب والسناجب، وغير ذلك.

 كتاب (في بلاد العم سام) رحلة ممتعة في أرجاء أمريكا، بعين خبيرة ناقدة، لا ترى ظاهر الأمور فحسب، بل تتعمّق في الثّقافة والمجتمع، وتعطي صورة متكاملة لشعوب عديدة تعيش معا على أرض واحدة في تقدّم علميّ وحضاريّ فائق دون نزاع أو خصام. إنّها رحلة جميلة يعيشها القارئ بكلّ تفاصيلها، وإضافة مهمّة إلى أدب الرّحلات.

 clip_image002_fc03b.jpg 

حاتم جوعيه مع سهيل عيساوي

clip_image004_740a2.jpg

مقدِّمة :  تقع هذه القصَّةُ ( قبطان في قلب العاصفة ) في 35 صفحة من الحجم الكبير - من تأليف الأستاذ  سهيل عيساوي، إصدار دار الهدى - ع - زحالقة - كفر قرع . وضع رسومات الكتاب الداخلية وصور الغلاف الفنانة التشكيليَّة " فيتا تنئيل " وراجعهُ لغويًّا  الأستاذ صالح زيادنة .

مدخل : تتحدَّثُ القصَّةُ عن قبطان اسمهُ ( ماجد) يعيشُ في مملكةٍ  اسمها ( البيادر)حاكمها انسان طيِّب القلب ويحبُّ الخير.وقد ساد هذه المملكة الفقرُ والجوعُ  بعد أن  كانت خصبة  وكثيرة الموارد  فقد اجتاحت البلاد  غزواتُ الجراد  المتكررة  فأكلت الأخضر اليابس  فأصبحت  الحياةُ  صعبة  وقاسية  وسئمَ الناسُ الفقرَ والوضعَ المزري الذي عمَّ البلاد . وكان حاكم البلاد طيب القلب ونظيف الطويَّة  ولكن كانت  تحيط  به بطانةٌ  ومجموعة من الوزراء والأمراء وعمال فاسدون فلم يستطع هذا الحاكمُ المغلوبُ على أمره أن يفعلَ شيئا  فكان مقيَّدًا  بكلِّ معنى الكلمة  وَمُسَيَّرا حسب رغبةِ وإرادةِ  مستشاريه الذين  فرضوا الضرائب الباهضة على الناس  فأثقلوا  كاهل الشعب .. فقرَّرَ الكابتن ماجد ( بطل القصَّة ) ترك البلاد  والرحيل إلى  بلاد  أخرى  إلى ما وراء البحار والشَّمس علهُ  يجد حظّا  أوفرَ وَيُبَدِّل حظهُ العاثر فهنالك فرصٌ للعمل متوفرة،ولا يوجد  ظلم  وعسف واضطهاد على عكس ما  هو الوضع في  بلاده ووطنه.وهو بدوره قبطان ماهر خبير بخبايا البحر والجزر وتذكّر  بلادا عديدة  كان  قد  زارها  محمولا على  ظهر سفينتهِ " العنقاء"  فهو منذ نعومة أظفارهِ يعشقُ البحر. فقرَّرَ نهائيًّا أن يسافرَ ويتركَ البلادَ فبدأ بإصلاح  وإعداد سفينتهِ  الراسية  في الميناء القروي الصغير، وكانَ الحنينُ  والشّوقُ  يَشُدَّانه  لرحلاتِ أيام الشباب حين كان  يبحرُ بجسارة .  وقد  حاول القبطان ماجد التكتمَ على نيَّتهِ وقرارهِ بالهجرة إلى جزيرة الموز العملاقة لكنَّ الخبر تسرَّبَ  وانتشرَ بين المعارف والأصدقاء  بسرعة غير متوقعة  فطلبوا  منه  مرافقته في  هذه  الرحلة والمغامرة الجديدة المحفوفة  بالمخاطر .  وقد  بلغ ووصلَ عددُ الرّاغبين في الهجرة ومغادرة البلاد  مع القبطان  ماجد خمسين شخصا من رجال ونساء  واطفال .  وكان لدى القبطان ماجد وأصحابه  قلقٌ وخوفٌ من أن يصلَ  خبرُ رحيلهم  وهجرتهم  إلى  قائد الشرطة عن طريق العيون والجواسيس  فأخفوا  خبرَ سفرهم فاحتفظوا بموعد الإبحار في  طيِّ الكتمان، حتى لا يعلم المقرَّبون من الحاكم فيعاقبونهم  ويلقى بهم في غياهب السجون .  وكان موعدُ  سفرهم في الليل الدامس  حتى لا يراهم  ولا  يشعر بهم أحد .  وصعدَ الركابُ إلى سفينة العنقاء  بحلتها  وشكلها الجديد  وكانت مشاعرُ المسافرين ممزوجة بالفرح والحزن حيث يتركون ذكرياتهم الجميلة ويتركون الأصدقاء والأهل  والمعارف والأحباب  بلا وداع . فركبوا البحر الهائج  على أمل البحث عن حياة أفضل  وأجمل  وأرقى في  بلاد مجهولة .   وكان للقبطان  ماجد مساعد اسمه ( سامي )  فأشارَ  للجميع انه  حان موعد السفر  والرحيل  فليستعدُّوا .    فأبحرت السفينةُ  وعلى متنها القبطان  ماجد  ومجموعة من الأصدقاء والمعارف مع أولادهم  ونسائهم  بسرعة  ورشاقة. وبعد يومين من السفر المتواصل في وسط البحر تغيَّرت حالةُ الطقس بشكل مفاجىء فانخفضت درجةُ الحرارة  وبدأت الرياحُ والعواصف  تهبُّ بسرعة  جنونيّة والأمطار تهطل بغزارة  والبرق يلمع والرعود تهدر وتدوي  فبدأت السفينة  تهتزُّ  بعنف  وكانت السفينةُ في عرض البحر بعيدة عن بلاده وعن أقرب  جزيرة  وفي عنق القبطان ماجد خمسون نفرا  وثقوا بحكمتهِ وخبرتهِ وتجربتهِ الغنيَّة مع البحر والسفن . ومع حلول الظلام اشتدَّ  طغيانُ العاصفة   وأصبحت السفينةُ   كأنها ريشة في مهب الريح  فتمزَّقت أشرعتها  وتحطّمَ  حيزومُها  (جزؤُها الأمامي)  وتناثرت أغراضُ الركاب في كلِّ مكان  وبدأ الصراخ يعلو  والفزعُ والهلعُ  يتجوَّلُ ويصولُ  في عيون الاطفال .  وعويل  النساء  وبكاؤهن  يختلط  بقصف  العواصف .  وكانت جميعُ الأنظار  تتجهُ صوبَ القبطان  ماجد  الذي كان يتحرَّكُ ويتنقلُ بسرعة  وبمسؤوليَّة  ويتفقدُ الركاب  ويحصيهم  ثمَّ يشجّعُهم  ويشدُّ  أزرهم  ويطمئنهم .      وأما مساعد القبطان ماجد  واسمه سامي  فسألَ ماجد قائلا : أشر علينا يا  قبطان ..كيف النجاة من براثن العاصفة  الهوجاء؟؟  .  فأجابه القبطان ماجد :  سنبتهل  لله الرحيم ليسدِّدَ خطانا ويرأف بنا وبصغارنا فيجب علينا أن نبقى مؤمنين بالله  ولنضع كلَّ ثقتنا واتكالنا عليه في هذا الموقف العصيب . وينشأ حوار طويل بين  سامي والقبطان ماجد، وكان  سامي  في  قمَّة اليأس  والإحباط   فيقولُ لماجد: الخوف يمتلكُ الجميع  يا قبطان -هل من حلّ ؟ أغثنا . فيجيبهُ القبطانُ ماجد : قل للرجال ، أن يشعلوا الأضواءَ  لطلب النجدة العاجلة . 

       ومع اقتراب الفجر دنت سفينة ٌمنهم  فخشي الركابُ الذين مع ماجد أن تكون سفينة قراصنة  .  وأما سامي فكان قد فكَّ  قارب النجاة  الذي كان في السفينة وتسللَ تحت الظلام  ليفرَّ وينجو بروحه ولينعم ويتمتع وحده بجزيرة الموز دون الركاب. وعندما رأى ماجد أن القاربَ غير موجود على السفينة تيقن أنَّ سامي قد  فكَّهُ  وأبحرَ به لوحدهِ  وتركَ رفاقهُ على السفينةِ يواجهون المخاطر .   وعندما اقتربت منهم السفينة ُ القادمة ، عند مطلع الفجر، عرفها ماجد  أنها  سفينة  تجاريَّة  وطمأن  رفاقه  وتعرَّف على قبطان السفينة  فهو صديق قديم وحميم لماجد فعانقه بحرارة ووعدَ  بتقديم  يدَ العون  والمساعدة لهُ وأن يصلحَ سفينته لكي يكملَ رحلتهُ وأغدقَ على الركاب الطعام والماء .. وبعد ساعات  تمَّ  إصلاح العطب وَرُفعَت الأشرعة  شامخة من جديد لتبحرَ سفينته العنقاء  صوب جزيرة  الموز .  وعادَ الأملُ  لركاب السفينة  بعد أن كانوا  في قمّة اليأس  وقابَ  قوسين وأدنى  من الموت  والهلاك .   وعادت الإبتسامة العريضة تصافحُ محيَّاهم بحرارة ( حسب تعبير الكاتب ) .

      وفي اليوم السابع من إبحارهم  وصلوا إلى جزيرة الموز  وكان جزيرة خصبة وكأنها بساط أخضرعلى خاصرتها تميلُ أشجارُ الموز الباسقة  وكلُّ أصناف الفاكهة والنبات، وأصوات  طيور النورس  تشقُّ عباب السماء  وفي هذه  الجزيرة  ألقوا الرحال  ولم  يعكر صفوهم  سوى عثورهم على  قارب سامي  مساعد القبطان ماجد  الذي تتقاذفه الأمواج  .   فأراد أن  يسبقهم إلى جزيرة الموز لكنه ضلَّ الطريق  ووصلَ إلى جزيرة أخرى فقيرة، والبعض التمسَ له عذرا  على أنه  أرادَ النجاة  بروحه ، والبعضُ استشاط غضبا من أنانيته  المفرطة  حيث  تركهم  يصارعون الموت  في عرض  البحر، وأما القبطان ماجد  فقد طلب  منهم  بصوت خافت أن  يتركوا موضوع  المساعد سامي للزمن.. وقد  ترقرقت الدموع  بعينيه  .     هذا وقد انتشر الركابُ في الجزيرة  يبحثون عن رزقهم  ولقمة عيشهم وحظهم ولينعموا بخيراتها. وعلى الرغم  من  خيرات هذه  الجزيرة وخصبها  وكنوزها  إلا أن  قلة من السكان يستوطنونها  ويقطنونها ، وذلك  لبعدها وللمخاطر الكبيرة  المحتملة في طريق الوصول إليها .  فهم وصلوا إليها بفضل القبطان ماجد  الذي كان قد زارها في إحدى رحلاته  قبل عشرة سنوات .  

        ويمرُّ عامٌ على المستوطنين الجدد ( ماجد  ورفاقه )  فتمتعوا بخيرات الجزيرة  وكنوزها  ومناظرها الخلابة ، فالبعض امتلكَ  مساحات كبيرة من الأراضي  التي ليس لها أصحاب وصار يفلحها ويزرعها . والبعضُ مارسَ مهنة التجارة ، والبعض مارس مهنة صيد الأسماك . وآخرون  اعتاشوا من مهنهم وحرفهم التي أتقنوها في بلادهم قبل سفرهم .  وتتوثق عرى وروابط الصداقة  بين المهاجرين الجدد والسكان المحليّين القلائل وكلّ ذلك يعود إلى القيادة  الواعية  والحكيمة  من الجانبين ... وكذلك إلى ثراء الجزيرة  وغنى مواردها  .

    أقام الكابتن ماجد وليمة  عشاء للسكان الجدد ( زملائه الذين  جاؤوا معه على متن السفينة )  بعد  عام  من  مكوثهم  واستيطانهم  في الجزيرة  ليتفقد أحوالهم وظروف معيشتهم  فلبَّى الجميع الدعوة ولم يتخلف أحد منهم .    وبعد أن  تناولوا أشهى المأكولات  تبادلوا  أطراف  الحديث، وشعرَ القبطان ماجد بنسمات الحنين إلى للوطن من بريق عيونهم .فسألهم  إذا كانوا يحبُّون أن يعودَ بهم إلى الوطن . فأجابهُ أحدُ الحاضرين:على الرغم من رغد العيش هنا لكنَّ الحياة في بلادنا احلى وأجمل . وقال آخر: أتوقُ إلى بيتي وجيراني وتراب بلادي .    وقال آخر : إكتسبنا هنا تجربة عميقة ومالا وفيرا، يمكننا أن نبدأ من جديد في إعمار ديارنا  .    وقال آخر :عُدْ  بنا  يا قبطان ، يا اسدَ البحر، إلى أرضنا ، ونحنُ  أحقُّ بها .  وغيرهٌ قالَ :  بتنا نشعرُ بأنين الغربة هنا ، أتوق لنسيم  بلادنا العليل على الرغم  من شحِّ مواردنا .   قالت أخرى نحنُ ثروة الوطن وعماد اقتصاده .وقالت أخرى: نحنُ نسمات التغيير، نحنُ   أشرعةٌ لسفينة المجد .     فأجابهم القبطان ماجد  بصوت جهوريٍّ : احزموا امتعتكم ، وأموالكم ، سنغادر إلى مملكة  البيادر، ونبنيها لبنة  لبنة  من جديد  لتشرق  شمسها  ساطعة  تبدِّدُ  الظلام ، ولنبحر بعيدا عن  شواطىء الخمول والإذلال ، وبمعول الجدّ  والعزم ، نرفع راية العطاء والإخلاص خفاقة في ربوع بلادنا الميمونة ...   وتنتهي القصَّة هذه النهاية المفتوحة .

تحليل القصَّة :     هذه القصَّةُ كتبت لجيل  الطفولة المتقدم ( فوق جيل 10 سنوات )   وللكبار أيضا  وليس لجيل الطفولة  المبكر  ونسجت صفحاتها وفصولها بلغة أدبيَّة جزلة جميلة ومنمَّقة وساحرة وبأسلوب وطابع  شعريٍّ  أخَّاذ .     وتترع القصَّة الكثير من الكلمات  الفصحى والصَّعبة التي لا يفهم معانيها حتى الكبار، مثل :  بطانته   (صفحة 2  ) .          الطغمة الحاكمة (صفحة 2 )   .   تداعبها  ( صفحة 2 )   .   ليشحذ الهمم  ( صفحة 13 ) .

الزفرات الحارة  ( صفحة 18 )    .      براثن  ( صفحة 18 )  .             العسجديَّة  ( صفحة 21 ) .  محيَّاهم  ( صفحة 25 ) .     يتنفسُّون الصعداء   ( صفحة 27 ) . عُرَى الصداقة ( صفحة  32 ) . الميمونة ( صفحة 35 ) .  أغدق (  صفحة  24  )  .        أصلح العطب  ( صفحة 24 ) .

         وهنالك الكثير من الصورالمصطلحات والتعابير البلاغية التي تحلي القصَّة وتضيف إليها جمالا ورونقا  وبهاء، مثل :

أثقلت كاهل الشَّعب ( صفحة 2 ) .    تتراقص بخياله البلاد العديدة ( صفحة 3 ) .    مغامرته الجديدة المغموسة بالمخاطر ( صفحة 6 )  .       اجهاض أحلامهم في مهدها ( صفحة 8 ) .    ليشحذ  الهمم  ويبدِّدَ الخوف المعشعش في  حجيرات قلوبهم ( صفحة 31 ) .    قصف العواصف ( صفحة 17 )  .    براثن العاصفة الهوجاء  ( صفحة 18 ) .        أحلامهم العسجديَّة ( صفحة 21 )  .   قاب قوسين وادنى ( صفحة 25 ) .  أحلامهم المزهرة ( صفحة 25 ) .       وعادت الإبتسامة العريضة  تصافح مُحيَّاهم ( صفحة 25 ) .      تتلألأ أرضها كأنها بساط اخضر على خاصرتها تميل أشجار الموز الباسقة ،وكل أصناف الفاكهة والنبات، وأصوات طيور النورس تشقُّ عباب السماء ( صفحة 26 ) .    الشمس ضاحكة وساطعة تلسع الوجوه المرهقة ( صفحة 27 ) .  ترقرقت الدموع من مقلتيه (صفحة 28 )  .   توثقت عرى الصداقة (صفحة 32 ) .  نسمات الحنين (صفحة 33) .  أنين الغربة (صفحة 34 ) .    نسمات  التغيير ( صفحة 34 ) .    نحنُ أشرعة لسفينة المجد ( 34 ) .    شواطئ الخمول والإذلال ( صفحة 35 )  .     معول المجد ( صفحة 35 ) .  راية  العطاء والإخلاص  ( 35 ) . 

  وهذه القصَّة  تذكرنا ببعض روائع القصص العالمية للأطفال التي ترجمت للعربيَّة،مثل:قصَّة جليفر في بلاد الأقزام والعمالقة*1 وقصة روبنسن كروزو  وقصص الرحالة ماركوبولو في بلاد  الصين  والهند التي يشوبها الكثير من الأحداث الخياليَّة وقصص السندباد*2 وقصة حي بن يقظان،وقصص الرحالة العربي ابن جبير والرحالة ابن بطوطة التي فيها الكثير من الواقع والأحداث الحقيقيَّة  فهما  قد زارا الكثير من  البلدان والأقطار والجزر النائية  واختلطا بالكثير من الشعوب والأمم  والناس والأغراب، ولكن ابن بطوطة يدخل في كتابه  الذي  ألفه عن رحلاته وتنقلاته الكثير من الأساطير والأشياء الخيالية غير الواقعيَّة ( كتبهُ شخص آخر أديب  ولكن  ابن  بطوطة  هو الذي  أملى عليه ما يكتب حسب ما كان يرويه له من عجائب وغرائب*3). فمثلا يتحدث عن سفره إلى جزيرة بعيدة لم تطأها قدم إنسان من قبل  ملئية بالأغنام التي ليس لها أصحاب  ولكن الغنم  الذي  فيها  لحمه مرٌّ جدا لا يصلح  للأكل  .. وهذه القصة والحكاية طبعا خيالية وغير واقعية  ولا يوجد نوع من الأغنام على كرتنا الأرضية بهذه الصفات ( لحمها مر ) .  ويروي أيضا عندما كان في منطقة في بلاد الصين إنَّ هنالك نوع من البطيخ  يقدَّدُ ويجففُ مثله  مثل التمر والعنب والتين ويخزن للشتاء. وهذه القصة أيضا غير واقعيَّة. وهنالك الكثير من الحكايات والأخبار الخياليَّة التي على منوالها .

       لقد اختار سهيل عيساوي اسم المملكة التي كانت مركزَ ومحور القصة  والمكان  الجغرافي  الأول  ومسقط  رأس  البطل ( مملكة البيادر)... وكلمة البيادر ترمز وتشير إلى الخصب والغلال والخير والعطاء والحياة ولكل  ما هو إيجابي  ومثمر ( بيادر القمح والغلال ). ولكن هذه المملكة مع كلِّ غناها وخيراتها   ومواردها  الطبيعية  الكثيرة   كان  يحكمها  ويسيرها  مجموعة  وطغمة  من الأشرار والمارقين  الذي  سيطروا على حاكم  تلك البلاد طيب القلب  الذي  لا  حول  له  وقوة  وكانوا  يحركونه  ويسيرونه  كما  يشاؤون  وفرضوا الضرائب الباهضة على الناس ، وقد ضاق  أهل البلاد  ذرعا  من سوء المعاملة  ومن ظلم وقسوة هؤلاء الأجلاف الطغاة . وبالإضافة إلى هذا فقد   تكبدت  البلاد  خسائر مادية  فادحة   حيث  أجتاحتها  غزوات  الجراد المتكررة فأكلت الأخضر واليابس  وساء الوضع كثيرا وأصبح لا يطاق .  وكان  سكان  البلاد  المغلوب  على  أمرهم   والمنكوبين  ينتظرون  الرجاء والخلاص  من أية جهة كانت  ليرتاحوا من هذا الظلم  والألم والمعاناة .  إنَّ حال هذه البلاد في هذه القصة هو نفس حال وأوضاع الأمة العربيَّة والبلدان العربيَّة الآن  فالبلدان العربيَّة معظمها خصبة وبلاد خيرات ومليئة بالموارد الطبيعيَّة، وحتى البلاد القاحلة والصحراويَّة يوجد فيها كنوزٌ طبيعيَّة أهم من الأراض الخصبة كالنفط وغيره . .. ولهذا فهي غنيَّة  ولكن الحكام  والطبقة المقربة منهم  يسيطرون ويستولون على كل شيىء ويملكون كلَّ شيىء وأما شعوبهم فمعظمها  تعاني من الحرمان  والفقر والجوع  والقهر .      والقبطان ماجد في هذه  القصَّة يرمز  إلى كل  إنسان  وشاب  عربي وطني ومثقف وثائر  له رؤيا بعيدة  وطموح يرفض الظلم  والضيم المحدق بشعبه وأمته وأهلهِ ويريد تغييرالوضع  والخروج من المأزق والجحيم الذي يعيشه فيجد في الهجرة والرحيل حلا لو مؤقتا  لمعاناته وآلامه وفقره وتقييد حريته ... ولهذا   قرَّرَ  أن يرحل إلى جزيرة  اسمها الموز  بمرافقة  مجموعة  من الأصدقاء  والمعارف  الذين  علموا  برحيله ، وذلك  ليتخلصوا  من  فقرهم وعذابهم  وليعيشوا خارج الوطن حياة أفضل من دون قيود ومعاناة . وينجحُ القبطان في السفر سرًّا والوصول إلى تلك الجزيرة مع رفاقه وعائلاتهم  بعد معاناة طويلة عرض البحر ويعيشون في جزيرة الموز سنة كاملة  ويقيمون علاقات حسنة مع سكان الجزيرة الأصليين الذين هم قلة لان معظم أراضي الجزيرة  الخصبة  كانت غير مأهولة  بالسكان .  وكل  شخص من أصدقاء ماجد  عمل في مهنة معينة مناسبة له . فالبعض عمل بالزراعة حيث أصلح  الكثير من الأراضي  التي لا  أحد يملكها  ،   والبعض في صيد الاسماك  ، والبعض عمل في التجارة .. والبعض في المهن والحرف العديدة  كالحدادة والنجارة وغيرها..وخلال سنة  كان وضعهم على أحسن ما يكون وأصبحوا أغنياء وعاشوا في رغد وبذخ .  ولكنهم لم ينسوا  لو للحظة واحدة  وطنهم الأول  ومسقط  رأسهم  مملكة  البيادر...  وازداد  حنينهم  وشوقهم  لبلادهم  ولأصدقائهم  وأقربائهم في الوطن  .  وشعروا وتيقنوا أنَّه  لا  شيىء  يعادلُ الوطن  ويحلُّ مكانه  فالوطن هو كل شيىء  للإنسان ..هو الهويَّة  والإنتماء وهو الأم وهو المهد وهو اللحد. 

  ولقد صدق أمير الشعراء أحمد شوقي حين  قال :

( وطني  لو  شُغلتُ  بالخُلدِ   عنهُ         نازعتني  إليهِ  في  الخُلدِ  نفسي  )

   وفي نهاية القصة ( كما ذكرتُ سابقا) يعمل القبطان ماجد  وليمة  ويدعوا إليها جميع الأصدقاء الذين جاؤوا على متن سفينته، وفي الوليمة يحدث حوار مطول  بين الجميع  والكل  يعبّرُ عن  حُبِّهِ  وحنينه  وشوقه  الحار  والعارم والقاتل إلى  بلاده  ووطنه  وأن الغربة هي  منفى  حتى لو كانت مغرية من النواحي المادية ، فيقرِّرُ الجميع العودة إلى الوطن. 

إنَّ نهاية القصَّة تذكرنا بنهايات بعض المسرحيات التي مثلها الفنان السوري العربي الكبير ( دريد لحام )، مثل :مسرحية غربة وكأسك يا وطن  وضيعة تشرين..التي تتحدَّث عن الغربة  وآلامها  وعن الوطن  وأهميته للإنسان ... وتنتهي هذه القصة ( قبطان في قلب العاصفة) نهاية مفتوحة حيث لم يستمر الكاتب في مجرى الأحداث بعد أن قرِّر الجميع العودة والرجوع إلى الوطن ...  وكان بإمكانه أن  يستمر في القصَّة  ويذكر عودة  المتغرِّبين  على  متن السفينة  ووصولهم   ورجوعهم   بسلام   لبلادهم  ولقائهم  بأحبابهم  وأهلهم والمصير الذي سيلاقونه من المسؤولين والبطانة المحيطة بحاكم البلاد..إلخ.

              والجدير بالذكر أنَّ معظم قصص سهيل عيساوي تنتهي على هذا

الشكل ( نهاية مفتوحة ) مثل معظم القصص العالميَّة .     وكما هو معروف ان معظم  القصص العربية سواء للأطفال أو للكبار ا تنتهي نهايات مفتوحة  ولا تنتهي أيضا نهاية تراجيديَّة  مأساويَّة  إلا نادرا  بل  يتزوَّج  فيها  البطل والبطلة أو تنتهي نهاية سعيدة  كالأفلام والمسلسلات العربية .

  ومما يميِّزُ هذه القصَّة عن معظم القصص المحلية التي كتبت للأطفال أنها غنيَّة  بفحواها وأبعادها :الإنسانية والفكريَّة والإجتماعيَّة  والوطنيَّة  والأدبيَّة  والفنيَّة .. إلخ  .      فالقصص المحليَّة معظمها  تهتم فقط  بالجانب الترفيهي ( التسلية ) ..أي تسلية الطفل . والذين يكتبون قصصا للأطفال معظمهم غير مثقفين  وغير  متمكنين  من  أدوات  الكتابة   ولا  يعرفون  حاجات  الطفل  ومتطلباته ونفسيته وتفكيره  وخياله  وعواطفه وطموحاته .  فيركزون  فقط على هذا الجانب فقط ( الترفيه والتسلية ) وقصصهم تكون سطحية  وسخيفة في أغالب الأحيان ولا يوجد فيها  فحوى ومضمون  وهدف  ولا  تحمل  أية رسالة: إنسانية، أدبيَّة ، تثقيفيَّة .. إلخ . وتكون محصورة في حيز ضيق جدا  ومحدود،مثلا: تتحدث عن الطابة والقط والكلب والعو والمو والعنزة والماع  والدبدوب .. ولا تتحدث عن الوطن والأرض والجمال والطبيعة  الإخلاص والوفاء والمحبة الإنسانية ، وتفتقر للجماليَّة وللمستوى الأدبي  والفني وللغة الأدبية المنمقة  وللأسس الأولى والرئيسيَّة التي يرتكز عليها النسيج  والبناء القصصي  للأطفال. إنَّ معظم القصص المحليَّة للأطفال  وحتى التي تصدر  خارج البلاد على  مستوى  العالم  العربي  نجد  معظمها  على  هذا  الشَّكل والنمط  والإنحطاط في المستوى الفني والموضوعي والادبي ... وقبل أكثر من خمسين عام لم يكن عندنا أدب اطفال على الصَّعيد المحلي .. وربما كان شخصان  أو ثلاثة فقط  يكتبون أدبا وقصصا للأطفال وهم ( الشاعرالدكتور جمال  قعوار  الرائد  الأول  في  هذا   المجال    والدكتور  محمود  عباسي ومصطفى مرار ) .   وفي العالم العربي أيضا كان الوضع  قبل  خمسين أو سبعين مشابها لدينا ومعظم القصص التي كانت متداولة في الأقطار العربية للأطفال  كانت  قصصا  أجنبية  ترجمت  للعربيَّة ... ومن أشهر المترجمين العرب الذي عملوا في هذا الحقل (ترجمة قصص الأطفال ): كامل الكيلاني  الذي ترجم قصص  سيلفر  وروبنسن كروزو   وغيرها ....    وأما  الأستاذ سهيل عيساوي ففي هذه القصة الرائدة الطويلة والعريضة  نسبيا في أبعادها وتموجاتها وآفاقها  ركز على  جوانب  وأمور عيدة  هامة  تجعل من  قصة هذه  عملا  أبداعيا  راقيا   يحق   له  أن يدرج  في  مصاف الأدب  العالمي  ومع القصص العالمية التي كتبت للأطفال . ومن أهم الجوانب التي يعالجها سهيل عيساوي في هذه القصَّة :

1 )  الجانب الوطني : هذا الجانب  والموضوع  يظهر بوضوح   في معظم أحداث القصَّة. ويلمِّحُ الكاتب في الكثير من الأحيان إلى وضع الأمة العربية ككل (في الدول والبلدان العربية) وعلى الصعيد المحلي ( عندنا في بلادنا ) وكيف أن الكثير من الشبان وخاصة شريحة المتعلمين والمفكرين والعقول والعلماء  يفكرون في الهجرة إلى الخارج وترك البلاد من أجل  مستوى حياة  أفضل وأحسن  ولجمع المال وبناء القصور واقتناء أحسن السيارت .. ولكن يجب على الانسان ألا  يترك  وطنه  وبلادة  بل  يبقى متسكنا ومتشبثا بأرضه   ووطنه  ويعمل  ويضحَّي  ويضع   كل  طاقاته   ومواهبه  وعلمه وامكانياته من أجل بناء  وطنه وعمرانه وتطويره  .   فهذه الطاقات الكثيرة والعقول  الموجودة في الدول العربية وعندنا أيضا على الصعيد المحلي  لو بقيت  في  بلادها  فبإمكانها  أن تعملَ  الكثير وتحقق  الكثير من  الإنجازات الخارقة على جميع الأصعدة  لبلادها  ولشعوبها  .  وحتى  لو  كان  الوضع السياسي والإجتماعي  والإقتصادي  صعبا  ويوجد والظلمُ  والعسف  وكبت الحريَّات  فيجب  على المواطن  العربي  وكل مواطن  مهما  كانت  جنسيته وقوميته  ألا  ييأس  ويصاب  بالإحباط   بل  يبقى  في  بلاده  ووطنه  رغم الخطوب  العجاف  ويعمل  المستحيل  ويستمرّ  في  أداء  رسالته  الإنسانية والوطنية  تجاه  بلاده  وشعبه وأهله .. وهذا يذكره الأستاذ  سهيل  عيساوي بتوسع  من خلال  سرد القصة .   ويظهر هذا الجانب  والموضوع ( رسالة القصة والفحوى) بوضوح وبشكل مباشر في نهاية القصة من خلال  الحوار المتبادل بين شخصيات القصة وبطلها ( القبطان ماجد ) عندما يدعوهم إلى وليمة  لكي  يعرفَ  أحوالهم   وظروفهم   ويسمع  رأيهم  بالنسبة  لوضعهم وحياتهم في الجزيرة .

2 ) العنصر والجانب الأدبي  والفني : هذه  القصة  مستواها  الأدبي والفني راقي جدا  ومميز .

3 ) عنصر الإيمان :  ويظهر بوضوح عندما يتغير الطقسُ  وتهبُّ العاصفةُ ويكفهرُّ الجو وتهطل الأمطار ويتعرض المسافرون على متن السفينة لخطر الموت . فيسلمون أمرهم للخالق جل جلاله  وأن على الإنسان في الضيقات  ألا يفقد أمله ورجاءَهُ بإلهه. وكيف ان الذي يفقد أمله وإيمانه  يندم في النهاية ويلاقي بئس المصير(كما حدث مع سامي مساعد  القبطان ماجد الذي حاول الهرب على زورق النجاة  سرًّا  وترك أصدقاءه  يعاركون الموت) .. ولكنه لاقى المصير المشؤوم   وتاه  عن الطريق ولم  يصل  لجزيرة الموز، بينما رفاقه مع القبطان ماجد فرجت عليهم وخرجوا  من الخطر المحدق ووصلوا للجزيرة بسلام وأمان بعد معاناة وذلك بفضل صبرهم  وإيمانهم  وتعاضدهم وتكاتفهم وتعاونهم المشترك .

4 ) الجانب الأخلاقي  والتثقيفي والتعليمي .. تعلمنا القصة أن ننتهج الصبر والجلد وأن تمسك بالإيمان  في الظروف الصعبة  ونتصرف بروية  وحكمة وتعقل وألا نيأس ونفقد أملنا ورجاءنا وإيماننا بالخالق جل جلاله لأنه في كل لحظة قد تتغير الأوضاع وتنقلبُ الأمور رأسا على عقب لصالحنا فالله على كل شيىء قدير .. وتعلمنا القصة بالإضافة إلى ذلك القيم والمبادئ والمحبة والإخلاص  والوفاء  للغير وللأصدقاء ، فالشخص الوفي والصادق والامين والمحب هو الذي  سيكسُب  ويربح  في النهاية ..  وأما الذي  ينسى الصداقة والزمالة ويتنكر لأقرب المقربين  له  ويتخلى عنهم  ويخونهم  ويتركهم  في الضيقات   والمواقف  الصعبة   يواجهون  الأخطار  ويهرب   ليسلم  بجلده وبروحه  ويتصرف  بشكل  أناني  وحيواني  هو الذي  سيخسر  في  النهاية ويلاقي بئس المصير كما  حدث مع سامي مساعد القبطان ماجد . 

5 ) الجانب الترفيهي ( التسلية) وموجود في جميع صفحات وأحداث القصة فالقصة كلها جميلة وممتعة ومسلية  للصغار  وللكبار .

6 ) عنصر المفاجاة والتشويق  :  نلتمسُ  هذا الموضوع  والجانب (عنصر المفاجأة )  عندما تهبُّ العاصفة  بشكل مفاجىء والسفينة  تكون مع  طاقمها في  عرض  البحر  فالكاتب  يصور هذا  المشهد  بشكل  دقيق ومثير  فينقل القارىء الذي يتصفح القصة بشكل مفاجىء  إلى وضع  وحال  من  الخوف والقلق والتوتر دون أن يشعر فكأنه هو مع الركاب على متن السفينة يلاقون الخطر والهلاك .  وحتى الشخص الكبير والمتزن وليس الطفل فقط  عندما يصل إلى  هذا  الفصل  وهذا  المشهد ( هبوب  العاصفة  وهطول  الأمطار وازدياد  الأمواج  عندما  تكون السفينة   في عرض  البحر  وتحطم  جزئها الأمامي وتمزق أشرعتها وخوف طاقمها  وتوشك على الغرق مع طاقمها ) فسيصاب بالخوف والقلق بشكل تلقائي وسيعيش هذا الوضع وهذه الحالة .  وأما عنصر التشويق فموجود في كل صفحات وفصول القصة من أولها إلى آخرها فالقصة جميلة ومشوقة ومحفزة للقارىء للإستمرار في قراءتها . .

7) عنصر الخيال ( الفانتازيا ) :    جميع قصص سهيل عيساوي التي كتبها للأطفال يترعها ويملؤها الجانب الفانتازي الخيالي .. وهذا العنصر هام جدا في هذا المجال ..( قصص الأطفال ) لأن  الطفل  بحدّ  ذاته  يحب القصص المزوجة والمضمَّخة  بالخيال  الفانتازي والاساطير .  وحتى من ناحية فنية فالطابع  الفانتازي  يضيف  إشراقة  وجمالا  لكل قصة  تكتب  سواء  كانت للصغار أو للكبار. وأما في هذه القصة فالجانب الفانتازي غيرمكثف ومتسع كثيرا  من  ناحية  المسافة ، ويظهر هذا الجانب  في عدة  مواضع وأماكن ، مثل :  اسم مركز ومحور أحداث القصة ( مملكة البيادر )   فلا يوجد مملكة وبلاد على  وجه  الكرة  الارضية  منذ  قديم  الزمان  إلى الآن اسمها مملكة البيادر فهذه مملكة اسطورية من وحي الخيال .     والقصة  أيضا  لم تحدث على أرض الواقع .     وجزيرة  ( الموز) التي رحل إليها القبطان ماجد مع أصدقائه هي جزيرة خيالية  وأسطورة  ولا  يوجد على هذه الأرض جزيرة بهذا الإسم .. ولكن معظم أحداث القصة   ممكن أن تحدث  بل  حدث الكثير من  القصص  الحقيقية  ما  يشابهها  في الزمن  الغابر  مع   بعض  الرحالة  والملاحين .  فالكثير من  البحارة    تعرَّضوا  للعواصف  والأمطار الشديدة  وهم على متن سفنهم في عرض البحر  ونجوا بإعجوبة  ووصلوا  إلى شط الأمان وإلى جزر مجهولة وغير مأهولة بالسكان  .

        وأريدُ الإشارة إن سهيل عيساوي  اختار اسم  "القبطان ماجد"  لبطل القصَّة بشكل مقصود  وليس عفويًّا  فهذا الإسم قريب  لاسم القبطان العربي المشهور (أحمد بن ماجد ) الذي كان معاصرا  للملاح  والرحالة  البرتغالي المعرف (فاسكو ديغاما )  الذي اكتشف طريق رأس الرجاء الصالح  جنوب أفريقيا  ومنه يتم السفر عن طريق البحر إلى الهند .  وكان القبطان أحمد بن ماجد  قد ساعد  فاسكو ديغاما  كثيرا في أعماله ومهماته وسفره .

8 ) الطابع والجانب الأنساني والأممي :  هذه القصة  لم تكتب لشعب ولأمة ما أو لجهة  وفئة معينة فققط ..بل هي قصة أممية كتبت لجميع أمم وشعوب البشر  تتجلى  فيها  العاطفة  والروح  الإنسانية  الشمولة  وتدعوا إلى روح التعاون والتعاضد بين الناس والبشر والأصدقاء وتدعوا للمحبة والإخلاص والوفاء والمسامحة وللقيم والمبادىء المثلى فهي تخاطب الضمير الإنساني في كل  مكان وزمان  وفي كل  بقعة على هذه الأرض ....تدعو وتحثّ  إلى  التعاون المشترك بين المجتمع والأصدقاء   ويجب  أن يكونّ  الجميع جسما واحدا،  وأيُّ  شخص يفصلُ  نفسَه عن مجتمعه  فبالتأكيد  سيلاقي الصعابَ  والمصير المشؤوم كما حدث مع القبطان سامي مساعد القبطان ماجد. وتدعو القصة إلى  نبذ الأنانية  وحب الذات  فيجب على الإنسان أن يضحِّي ويقدم النفيس  وكل شيىء  لوطنه ومجتمعه وللإنسانيَّة  وللبشريَّة، ولكن قبل كل هذا يجب عليه أن يبقى متشبِّثا ومتمسِّكا بتراب أرضه وبلاده  ولا يغادر وطنه ويهجره لأجل الماديَّات حتى  لو كانت الحياة خارج  البلاد في الغربة مغرية ومستوى المعيشة أحسن بكثير.  وهذه القصة ومجرى أحداثها  تذكرنا بالبيت الشعري المشهور :

( بلادي وإن جارت عليَّ عزيزة     وأهلي وإن ضنوا عليَّ  كرامُ   )

    وأخيرا:      إنَّ هذه القصة من أجمل وأحسن ما كتبهُ الأستاذ سهيل عيساوي للأطفال..وقد كتبت بأسلوب  جميل متقن  وبلغة أدبيَّة جزلة  منمَّقة وسلسة وقوية  وبطابع سردي يشوبه في الكثير،من المواقع، عنصر الحوار ( ديالوج )  بين شخصيات وأبطال القصة .  وهذه القصَّة  تصلح  أن  تكون  عملا دراميًّا تمثيليًّا  كمسلسل أو فيلم سينمائي .. ويحق لها أن  تأخذ  دورَها ومكانها  في مصاف الأدب العالمي  ومع القصص والروايات العالمية التي كتبت للأطفال .     وأنا  أعتبرها أحسن قصة كتبت للأطفال حتى الآن على الصعيد المحلي وعلى امتداد  العالم  العربي أيضا  ويحقُّ لها أن  تترجم إلى معظم اللغات الأجنبية  وتدرَّس للأطفال في المدارس في جميع بلدان العالم  .... فقصص  ماركوبولو  وجليفر   وروبنسن كروزو  وغيرها  التي  كتبت للأطفال  ليست بأجمل وأحسن منها على الصعيد الأدبي  والفني  والإنساني والتثقيفي والتعليمي . 

 ( بقلم : حاتم جوعيه - المغار  - الجليل )

............................................................................................

1 ) * قصة جليفر في بلاد الأقزام  - ترجمة كامل الكيلاني ( بتصرف ) .

2 ) * قصص السندباد البحري  ( كتاب ألف ليلة وليلة ) .

3 )* رحلة إبن بطوطة  - سلسلة منشورات الروائع - فؤاد افرام البستاني .

4 )*  رحلة إبن بطوطة ( تحفة النظار في غرائب الأمصار ) -  دار الكتب العلمية .

في الدورة الثالثة للمكتبة الشاطئية:

clip_image002_8baa2.jpg

في لقاء مفتوح معه قال الكاتب والإعلامي ياسين عدنان، عن روايته "هوت ماروك" الصادرة عن دار الفنك بالرباط 2016، أنها رواية تعبر عن التلفيق الذي يعيشه المغرب، بل إنها تعبر عن التدليس الإعلامي والسياسي والثقافي الذي أصبح يغرق فيه البلد. حيث تحدث عن شخصيات روايته المتعددة والتي تعبر عن العديد من النماذج البشرية في المجتمع.

وفي إطار إجابته عن أسئلة المنشطة الشاعرة مليكة فهيم، وذلك خلال اللقاء الذي أقيم بمناسبة افتتاح الدورة الثالثة للمكتبة الشاطئية التي تنظمها المكتبة الوسائطية إدريس التاشفيني وجمعية أصدقائها، تحدث ياسين عدنان عن أهمية الشخصية الروائية في نصه، وأهمية الاحتفاء بها لأنها مغيبة في العديد من النصوص الروائية التي يكتبها المغاربة بالخصوص. كما عبر عن أسفه على ما آلت إليه مدينة مراكش وعن الحالة الترييفية التي تتعرض لها يومياً، حيث تغيب ملامح المدنية فيها وتتلاشى يوماً عن آخر، معتبراً هذا الأمر بمثابة تلفيق عمراني، ينضاف إلى التلفيق السياسي والإعلامي والثقافي.

وتأتي أهمية هذا اللقاء المفتوح، بعد افتتاح هذه الدورة من طرف عامل المدينة، من كونه لقاء يحاول من خلاله المنظمون أن ينفتحوا على مبدعي ومثقفي المغرب وعلى مبدعي الإقليم ومناقشة وتقديم كتبهم وإصداراتهم الجديدة، حيث يحفل برنامج الدورة بالعديد من الأنشطة الثقافية والفنية واللقاءات الأدبية والثقافية والفنية المختلفة.

لقد برعت منشطة اللقاء في استمالة الكاتب إلى الحديث عن أهم مواضيع الرواية وعناصر البناء الروائي فيها، من خلال حديثه عن المكان وأهميته وعن الشخصيات الروائية المختلفة، وأهمها شخصية "رحال العوينة" الذي يمثل بحق شخصية الملفق والمدمر للثقافة والفن والناس، حيث يتحول من النقيض إلى النقيض، من كونه في البداية رجلاً جباناً منبطحاً، إلى رجل منحط ومدمر لكل حلم بشري، وموقف سليم...

المزيد من المقالات...