مثلما تمرد الشاعر نزار قباني على أستاذه خليل مردم بك الممثل لشعراء الكلاسيكية الجديدة في سوريا..خرج زمرة من الشعراء الشباب من العباءة النزارية..ومن عباءة شعر التفعيلة..ليلتحفوا بقصيدة النثر التي أبحرت بعيدًا عن القصيدة العمودية، وودعت شعر التفعيلة بلطف، حيث وجدوا فيها بغيتهم من التعبير بدعوى أنّ كل شكل يُحيل إلى همس مُختلف للتاريخ، ومازالت النار مشتعلة الأوار بين كل فصيل واتهام الذين تبنّوا هذه القصيدة بالمباشرة تارة، وبالحرب على العربية لغةً ودين.. وإفساد الذوق العام .. لكن والحق يقال أن كل فصيل يتقدم بقوة في قصيدته.. وقصيدة النثر بين العمودي والتفعيلة تكسب في كل يومٍ أرضًا جديدة.

 هذا ما ذكرته إجابة على سؤال سبق في حوار طويل جرى في بلاط اتحاد الكتاب والمثقفين العرب بدعوة ورعاية كريمة من رئيسه الأستاذ الدكتور محمد حسن كامل، ووجه تلك الأسئلة الشاعر الجزائري ياسين عرعار، وسأذكر فقط ما يخص "قصيدة النثر" من أسئلته وإجاباتي عليها:

ــ هل قصيدة النثر ولادة جديدة لقصيدة لم نكتبها بعد .. أي على سبيل المثال "القصيدة الحلم" أم هي العولمة اقتضت ضرورة التغيير والبحث عن هوية جديدة لقوالب الشعر تبعًا لتكنولوجية العصر خاصة وأن قصيدة النثر ليست من فصيل العمودي أو التفعيلة؟

ــ وأبدأ من حيث أنهيتَ سؤالك: نعم، قصيدة النثر ليست من فصيل العمودي أو التفعيلة، وربما توسطت التفعيلة فيما يشبه الحركة الانتقالية المحرضة على إتيان النثر..ومن الذين يمثلون ذلك ــ بحسب اعتقادي، وقد أكون مخطئَا ــ شاعر السريالية الريفية "شوقي أبو شقرا" الذي يعد أحد أهم رواد قصيدة النثر ومن أبرز أركان مجلة "شعر" التي جمعت أنسي الحاج، ومحمد الماغوط، وأدونيس، ويوسف الخال، وهناك من ظل مركوزًا في التفعيلة لا يغادرها..

أما "القصيدة الحلم" فهيَّ القصيدة التي لم تكتب بعد.. وبالأحرى لن تكتب بعد .. مادام هذا المفهوم قائمًا وهو الذي يرتكن عليه وإليه أنصار قصيدة النثر ذاتهم في مواجهة منتقديهم من أن كل ثقافة تحتوي بداخلها على الفكرة ونقيضها، طبقَا للجدل الهيجلي، ولذا فإن صراع الظواهر الثقافية يتحكم فيه العوامل الذاتية والموضوعية، وماهو سائد في وقتٍ ما قد يكون هامشيًا في زمنٍ آخر.. ويقصدون به سيادة الوزن العروضي حتى منتصف القرن العشرين، وتنحيه أو تنحيته لصالح الظواهر الإيقاعية في النصف الأخير منه.

الواقع يؤكد أن ظواهر التمرد على القصيدة العمودية سابقٌ بكثير على دخول العولمة حياتنا الثقافية، ومن يقرأ تلك الظواهر يجدها قد تمردت على الشكل حينًا ثم المضمون ثم اللغة ..وأدبيات الشعر تذكر أوائل من دعا إلى كسر ارتباط الوزن بالشعر من مثل: إبراهيم اليازجي، ومصطفى لطفي المنفلوطي، ومن دعا إلى اللحاق بركب الشعر العالمي مثل الشاعر التونسي عبد العزيز المسعودي..ولم تكن مدرسة المهجر بعيدة عن النقد الدائم لأوزان الشعر وتشبيههم له بأنه كطقوس الصلاة والعبادة التي أرساها الفراهيدي.

ــ ما الجينات الوراثية التي تحملها قصيدة النثر خاصة وأنها فصيل جديد في الشعر وقلتم بأنها لم تعد حائرة بين العمودي والتفعيلة؟

ــ الجينات الوراثية لقصيدة النثر منبتة الصلة؛ إذ ولدت بعيدة عن رحم العروض الخليلي ــ إن جاز التعبير ــ الذي رأت فيه عائقًا كبيرًا في سبيل تطور الشعر العربي.. وهيَّ بهذا لم تكن مهادنة بل عاصفة، فربما كانت "التفعيلة" مهادنة .. بإتخاذها التفعيلة,كأساس عروضي للقصيدة وإن لم تتقيد بعدد من التفعيلات في السطر الواحد, والتزمت بالروي بيد أنها جعلته غير ثابت في القصيدة كلها. أما قصيدة النثر فلم تبق ولم تذر.. استخدمت النثر لغايات شعرية، مفارقةً لها عن النثر الشعري الذي سبقها في الوجود وكان نثرًا يستخدم الشعر لغايات نثرية خاصة.. وكما يسميها أحد أعمدتها أنسي الحاج بأنها لا قطعة نثر فنية أو محملة بالشعر، ومن هنا فقد جاءت تلك القصيدة محددة الملامح والقسمات في أنها أضافت جنسًا شعريًا مغايرًا.. رفض الانضواء منذ البداية .. أو حتى تقديم انحناءة الاحترام للخليل بن أحمد كما فعلت قصيدة التفعيلة .. وخطت لنفسها نهجًا جديدًا غير عابئةً بقول من قال أن التمسك بهذه القصيدة هو نوع من الهروب من نزال الوزن، أو ركوب أخطار العروض، وهيَّ نفس التهمة المعلبة التي واجه بها أعمدة القصيدة الخليلية من ركب موجة التفعيلة، ليتحد الفصيلان العمودي والتفعيلة في مواجهة أهل النثر بيد أنهم أكثر مضاءً وقوة.

ــ هل ترى فعلًا أن قصيدة النثر حققت هويتها الأدبية بعيدًا عن النخبة والملتقيات العالمية التي ـ ربما ـ ألبست قصيدة النثر ثوبًا قد يكون أكبر منها؟ كيف؟

ــ صارت للقصيدة النثرية نخبها.. أو بالأحرى صار من أسسوها هم نخبتها وأعمدتها.. وصار لها مجلاتها ومنتدياتها..بل صارت حتى المجلات التي كانت تتأفف منها، أن أعدت لها قسمًا خاصًا بها.. وأنشأت لها نقدًا خاصًا منبثقًا عن دراسات تأسيسية لهذه القصيدة التي لم تصبح وليدة.. وصرتُ أدافع عنها وقد كنت من أشد الساخطين عليها.. ولكنها اليوم خرجت من إهاب الغموض لتكون أقرب للمتلقي الذي مجها لغلظتها الفكرية.. واستئثارها بالرمز.. وهذه الكيفية هيَّ التي ضيقت الفجوة .. وجعلها تتزيا المقاس المناسب بعد أن كانت تستورد بعض الصور المقحمة على النص وعلى الذهنية التي لم تتهيأ بعد لحفر المجرى المناسب لمرور وعبور سفينة النثر في تلافيفها.

ــ ما تصوركم لمستقبل الشعر العربي في غمار تعدد الأجناس في الموروث الشعري الواحد خاصة وأن العديد من الأقلام تمتهن قصيدة النثر أومحاولة التعبير عن الشعور أو ربما الهروب من موسيقى الخليل دون الوصول إلى قصيدة النثر الحقيقية التي جعل لها كبار الشعراء والباحثين أرضًا جديدة صلبة دون قطيعة للموروث الشعري الشعري القديم وفنياته؟

ــ في إطار الواقعية الجديدة لهذا الجوار المتعدد من الأنساق الشعرية لايستطيع فصيل الاستعداء على زميله بالاتهام بالهروب من الوزن ــ كما أشرتُ آنفًا ــ أما الموروث فقد لفظوه وزنًا وقوافٍ.. والإيقاع هو ما يحاولون اللعب على وتيرته.. وأنصار "النثر" يحذرون ذلك القادم إليهم من وعورة الطريق الذي قد يظن امتشاقه سهلاً..فقد أثبتت التجربة أنهم شعراء بحق .. بل أن أدونيس نفسه مازال يتعاطى المتنبي ويعشقه .. ليس هذا فحسب بل أنهم مشهود لهم بترجمة بعض دواوين الشعر الغربي مثلما فعل أدونيس وأبي الشقرا..

 أما الأرض الجديدة التي يبغون الوصول إليها فهم مازالوا يحاولون..وهم يحاولون رغم انقطاعهم الوراثي بالعروض .. إلا أن ماضي تجربة أمتهم نابض فيهم وكأنما وهم يحاولون الإفلات من تبعة الماضي يحملونه بكل مفارقاته معهم..

- قصيدة النثر في حد ذاتها شهدت تيارات عديدة واتجاهات متباينة، و ربما نجد الشاعر العملاق (الماغوط) أبدع فيها كل الإبداع! وله جمهوره العريض الواسع، و هو في تياره أقرب إلى العامة، بينما نجد هناك تيارًا بالتوازي أقرب إلى النخبة مثل الأديب المفكر المنظر أدونيس ..هل باعتقادكم أن هذا التوازي الداخلي بين تيارين والتعارض في الأبعاد في آنٍ واحد سيحقق أهداف قصيدة النثر أم سيفقدها أرضها الصلبة .. أم ترون غير ذلك؟ كيف؟

 ــ هذا التصنيف الرائع ..هو بعينه قراءة للواقع ..لماذا تلقى الشارع الشعري العربي الماغوط وتجاوب معه .. بينما استأثر أدونيس بالنخبة بل بالتأثير في جيل الستينات والسبعينات إلى حدٍ ما.. ربما تسلل الماغوط ذاكرة الذهنية العربية عبر مسرحيته الإجتماعية الكوميدية السياسية "كاسك يا وطن".. وعبر عفويته .. وألفته .. وربما وهذا هو الأهم لم يصادم الماغوط المجتمع بمطارحات فكرية استهدفت ثوابت الدين .. نعم، جاء الماغوط بقادومه ليهدم تقليدية القصيدة .. ولكنه انكفأ على مشروعه الشعري، تخلى عن الوزن والقوافي ولكن شعره ما تخلى عن موسيقاه التي تحسها في كل ثنايا الكلمات ..ولكن يبقي أدونيس هو رائد التجريبية في الشعر الحديث بحسب وجهة نظر محمد إبراهيم أبو سنة .. فالجدلية هيَّ السمة المؤسسة لقصيدة أو بالأحرى لتجريب أدونيس الدائم .. ولذلك فالقصيدة عنده تندرج تحت مفهوم الرؤيا..بينما القصيدة عند الماغوط ورفاقه أو بعضهم تتسم بالشفوية التي تهتم بالوقائع والجزئيات..

 وانطلاقًا من تحليل المفكر السوري جمال باروت كُتبت الهيمنة لهاتين القصيدتين..ولن يؤدي تضادهما الظاهر إلى تفتيت الأرض الصلبة التي يقف عليها هذا الصرح المئوي لقصيدة النثر .. والذي يدفعني دومًا إلى الإذعان بقبوله بالرضا أو السخط لأنه صار يشكل نافذةً إبداعية ثالثة.. وإن رفض شعراء النثر هذه التراتبية، كما يرفضون التواجد كفصيل واحد بصوت واحد، لأنهم في الواقع أصوات متعددة موزعة في تضاريس الخريطة العربية الثقافية .. ولن يكلوا أو يملوا من أجل ارساء مفهوم قصيدة النثر حتى تحتل مكانتها في المناهج المدرسية، ويبحثون لها عن الألحان المناسبة حتى يُتغنى بها..

وفي الختام أظن أن السؤال الجوهري الذي يظل مطروحًا ويجب أن يُستـثار هو:كيف ترقى قصيدتنا اليوم؟ أو كيف نؤسس شعرية متطورة بحق وألفة؟!

 الذي استدعى أسئلة وإجابات ذلك الحوار هو حوار آخر تم بيني وبين الأديب صلاح جاد سلام نائب رئيس الاتحاد العالمي للثقافة والآداب، والشاعر والعروضي الأستاذ خشان محمد خشان مؤسس العروض الرقمي، في هجوم مباغت من الأستاذ صلاح يستنكر وجود تلك "الأزعومة" أي "قصيدة النثر" التي يراها هجينًا بين الشعر والنثر، ويرى أن الجهود يجب أن تتضافر لوأدها باعتبارها مسخ ممنهج ومغرض، وهذا عين ما يراه الأستاذ خشان من أن مصطلح "قصيدة النثر" لا يمكن تصوره في العربية إلا ذو عقلٍ مشروخ اختلط فيه حابل الشرق بنابل الغرب، اللغة العربية بأصالتها نبع جمال، متفاعلن = م 1 ت 1 فا 2 علن 3 = 1 3 3؛ إذ للشكل تداعياته حول تعبير "قصيدة النثر" ذات الشاعرية، الذي يقابله تعبير "الوردة المبعثرة" ذات العطر. الرائحة الزكية لكل من قارورة العطر وقطعة القماش المبللة بالعطر لا يجعل أيًا منها وردة. فكيف في حال لم تكن رائحة منهما كذلك! البلاستيك المصنوع على شكل وردة لا عطر له، لابد من العطر والشكل في الوردة الطبيعية، تعبير "قصيدة النثر" يناظره من حيث الشكل تعبير الوردة المبعثرة، وللجوهر أو المضمون شرفهما في نثر كان أو في شعر.

 كان ردي في أكثره إحالة على ما ذكرته في إجاباتي في حوار الاتحاد والذي صدر في كتاب لي بعنوان "حاورتهم وحاوروني" عن دار حروف منثورة للنشر، والذي أكدتُ فيه على فكرة تجاور الأجناس الأدبية، وأن الاعتراض على جنس أدبي لا يأتي بالسعي لمحوه، وأسلوب الإقصاء ثبت فشله، وأقله في تلك اللعنات التي يصبها ليل نهار الذين يزودون عن العربية الفصحى ضد العامية التي ينعتونها بأوصاف لا تقل في شناعتها من تلك التي يسمون بها قصيدة النثر وأكثر، ومع هذا فلم يزحزحونها قيد أنملة عن مكانها، وقد تناولت هذا في مقالي "فزاعة العامية"، ذلك إيمانًا مني بالتعددية الثقافية داخل المنظومة والهوية الثقافية والمعرفية للمجتمع.

 ومثلما أفلحت قصيدة التفعيلة في الامتداد على سطح الإبداع الشعري، صار لقصيدة النثر اليوم مساحتها المعترف بها، وصار لها مجلاتها، ومكانها في المجلات الشعرية والأدبية، وصار لها نقادها وجمهورها، ومهرجاناتها التي بدأت في 2007 في سوريا في المركز الثقافي الروسي، وبعده بعامين انطلق من القاهرة 2009 الملتقى الأول لقصيدة النثر، وبعده بعام انطلق مهرجان قصيدة النثر ضمن فعاليات "كركوك" عاصة للثقافة العراقية لعام 2010، وفي الأردن أطلق عام 2011 عامًا للثقافة في "محافظة درعا" لتكون باكورة هذه الانطلاقة "مهرجان اليرموك الشعري الأول للقصيدة النثرية"، وبعده بعام فازت بمدينة طنجة بالمملكة المغربية الأديبة المصرية ميمي قدري بوسام العرب الخاص عن قصيدة النثر ضمن فعاليات مهرجان القلم الحر للإبداع العربي، وفي نفس العام انطلقت بالبصرة العراقية فعاليات "ملتقى قصيدة النثر الثاني، دورة السياب"، تحت شعار "قصيدة النثر مستقبل الشعر العربي الحديث"، وبعده بعام انطلق مهرجان قصيدة النثر في مراكش المغربية لعلم 2013، وبعده بعام أي في 2014 افتتح مؤتمر قصيدة النثر المصرية دورته الأولى، بمشاركة 30 صوتا شعريًا مصريًا من شعراء قصيدة النثر، بـ (أتيليه القاهرة)، وفي عام 2015 أقيم مهرجان قصيدة النثر ولأول مرة في مدينة "المحمرة" الأحوازية المحتلة بحنوب غرب إيران، كما انطلق في نفس العام أكبر مهرجان لقصيدة النثر في السعودية من خلال مهرجان بيت الشعر الأول بفرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام، وأخيرًا، وفي نفس العام شارك الشاعران المصريان أمجد ريان ومحمود خيرالله في مهرجان الشعر المتوسطي الأكبر، الذي يقام كل عام تحت اسم "الشعر ــ أصوات حرة"، في مدينة "سيت" الفرنسية، وهو المهرجان الذي يجتمع فيه شعراء وفنانون من جميع ضفاف المتوسط، يشاهدهم ويتفاعل معهم جمهور عريض، ومن المعلوم أن أمجد ريان أحد أبرز شعراء جيل السبعينيات في القصيدة المصرية، ومن أوائل الذين كتبوا قصيدة النثر الجديدة، كما أن محمود خيرالله أحد شعراء قصيدة النثر المصرية، وفي عام 2016 الحالي وتحت شعار "في الإبداع متسع للجميع" انطلقت في السابع عشر من يناير فعاليات الدورة الثانية من مؤتمر قصيدة النثر المصرية، والذي شارك فيه باقة من الشعراء والباحثين المصريين على مدى ثلاثة أيام في أتليه القاهرة.

من خلال هذا العرض التاريخي لبعض مهرجانات وملتقيات وفعاليات ومؤتمرات "قصيدة النثر" التي لم يكد يخلُ منها عام بل أحيانًا ما يحتوي العام الواحد أكثر من فعالية ونشاط في أماكن متفرقة من الوطن، أعتقد أن فكرة "وأد" تلك القصيدة ضربٌ من خرافة، وأن العمل على محاربتها وطردها من المشهد الثقافي والإبداعي العربي صار عملًا مستحيلًا بعد أن ارتبطت بالحضور العالمي في المحافل الدولية، والذين يصرون على محاربتها لم يتكاتفوا ويتعاضدوا تجاه "قصيدة الومضة"، و"شعر الهايكو"، وفات أستاذنا خشان أن السوق يتسع الآن للورد الطبيعي والورد البلاستيكي، ولم يطرد أحدهما الآخر ولا هو بمستطيع إن فعل، وكل ما توافقا عليه هو حسن الجوار المشترك في فاترينة العرض تاركين مهمة الانتقاء والاختيار لذائقة المتلقي.

clip_image002_e7d6c.png

أدب الأطفال شكل من أشكال التّعبير الفنيّ بالكلمة، قد يأتي قصص أو قصائد أو حكايات أو ما شابه ليُحقق رسالته الجماليّة، ويُنمّي في الأطفال الإحساس بالجمال وتذوّقه. هذا الأدب يُعتبر وسيطًا تربويًا يفتح للأطفال بابًا واسعًا من المعرفة، ويزيد من المواهب الابداعيّة، وكذلك تجسيد حلم الطفولة وتحويلها إلى قيم أخلاقيّة عالية.

أمّا قلم الأديب المقدسيّ "جميل المسلحوت" فلم يبخل على الفتيان والفتيات من مؤلّفاته العديدة والهادفة، والتي ترمز جميعها إلى دروس وعِبر ترويّة وتعليميّة، ناهيك أنّها تتأصّل داخل الذّاكرة، وتبقى متوارثة عبر الأجيال ومن الآباء إلى الأبناء. إنَّ الرّغبة لدى المؤلِّف في الكتابة للصّغار لها وازع شخصيّ ونفسيّ تسكن قلبه وهواجسه، ويعيش أوج العاطفة الإنسانيّة المفطور بها. إنّها غريزة جميلة وعطِرة يتمتّع بها كاتبنا جميل السلحوت، فكانت له الكتابات المُثيرة والمُشوّقة التي تتحدّث في عمق وأصول التوجيه والتّربيّة، وذلك من خلال خبرته وباعه الطّويل في الحياة وشغف حبّه لالصّغار.

"الأحفادُ الطّيْبوُن" قصّة للأطفال من منشورات جمعيّة الزّيزفونة عام 2016 وتقع في 24 صفحة وتتخلّلها صور ملوّنة مُعبّرة عن أحداث القصّة. إنّها قصّة تتعلّق بتلك العلاقة التربويّة القائمة على إحترام الوالدين، وكذلك خدمة ومحبّة الجدّيْن والتّواصل معهما بالدّقائق والسّاعات؛ لاسعادهما ونيل رضاهما، والسّماع لحكاياتهما المُسلّية والمفيدة. الكاتب "السلحوت" أظهر بشكل مباشر بعضًا من الحِكم والأمثال التي لن ينساها الطفل، خاصة وأنَّ أفكاره ومخيّلته ما زالت خصبة.

يبقى الدّين هو المعاملة، سواء بين الكبار أو بين الصّغار، أو بين الكبير والصّغير أيضا، وعليه كان لا بدّ من أن يدعم قصّته ببعض من التّناص الدّينيّ، فكانت هناك الآيات القرآنيّة والأمثال المناسبة موجودة، وقد إتّسمت القصّة باللغة الفصحى البسيطة جدًا والمفهومة للصّغار. بإعتقادي أنَّ هناك شريحة من الكبار فاتتهم قصص الطّفولة، فلا ضَيْر من قراءتها دون إستخفاف، فهناك معانٍ قد نفهمها جيّدا بعد خوض تجارب الحياة.

clip_image002_cdec1.jpg

هذا عنوان الكتاب الصادر مؤخرا عن دار الصدى، ويقع الكتاب في (182) صفحة، ويوزع مجانا مع مجلة دبي الثقافية/ العدد (129) لشهر شباط/ 2016، قدم له بمقدمة تحليلية الناقد والمترجم المغربي د. رشيد بنحدو، وتتشكل مادته من استفتاء قامت به مجلة (Caracteres) الفرنسية وهي مجلة دولية للشعر، ونشرت إجابات الشعراء أو أجزاء منها باللغة الفرنسية في المجلة، ويوضح المترجم أهمية نقل الاستفتاء "للقراء العرب الذين تعوزهم اللغة الفرنسية" لما يعكسه الاستفتاء من "محاور التفكير والجدل السائدين راهنا حول فن الشعر في الغرب"، كما ويراهن المترجم على أنّ هذا الكتاب "سيجعل شعراءنا العرب الشباب حصريا ينظرون إلى الشعر نظرة واقعية وموضوعية، تقطع مع اعتقاد بعض أسلافهم الراسخ بأن قوله (أي الشعر) هبة أو امتياز وقف على العرب".

يتيح هذا الكتاب لواحد وأربعين من الشاعرات والشعراء الفرنسيين أن يعبروا عن وجهة نظرهم تجاه الشعر، من خلال حوار ممتد وطويل جاء ضمن عشرة أسئلة متنوعة، وناقش هؤلاء الشعراء علاقة الشعر بالمجتمع، وواجبات المجتمع تجاه الشاعر والشعر، والنزعة الفردية والجماعية في كتابة الشعر وإبداعه، وعلاقة الشعر بالسياسية وبالوجود والأفكار الوجودية الكبرى، وعلاقة الشاعر والقارئ من جهة وعلاقة الشاعر بالناشر من جهة ثانية، وموقف الشعراء من اللغة والسوريالية، وتوسيع الإمكانيات الروحية للغة الشعرية.

لقد جاءت آراء الشعراء متباينة فيما قدموه من إجابات، متعارضة أحياناً من النقيض إلى النقيض، مطولة حينا وحينا مبتسرة، جادّة مرات، وساخرة مرات أخرى، ولكنهم بوصفهم شعراء فقد تحدثوا عن مسائل في غاية الحساسية، وكشفوا عن مشاكل معقدة في تلقي الشعر، الذي صار مهملا ومُعْرَضاً عنه من القارئ والناشر على حدٍّ سواء، وأكد كثير منهم تلك "المكانة الوضيعة" للشاعر في المجتمع، مع أن الشاعر أحيانا يتحمل جزءا من المسؤولية من وجهة نظر بعضهم، والبعض يرى أن "النزعة الاستهلاكية المادية" السائدة في المجتمع أدت إلى تقهقر منزلة الشاعر، ذلك الكائن المعقد الروحي الذي "يعطي الحياة حياة أخرى". كما انتقد كثير من الشعراء المناهج المدرسية وطرق التدريس التي لا تعامل الشعر بالطريقة التي يجب أن تؤثر في الطلاب، ما رسخ هذه النظرة المستقرة في المجتمع تجاه الشعراء وأشعارهم. لقد كشف الحوار عن أزمة في الشعر لأن هناك أزمة أخلاقية وروحية، دفعت العديد من الشعراء إلى الوحدة والانعزالية والغوص في الذاتية والانغراس في غموض القصيدة كنوع من هروب الشاعر من مواجهة الحقيقة المتمثّلة بهذا العزوف الحاطّ من شأن الشاعر والشعر.

ومع أن هذا الكتاب الحواري المهم يشخص المشكلة ولا يضع حلولا إذ لا حلول يمكن أن تكون صالحة لترميم صورة "الشعر في زمن اللا شعر"، ورغما عن ذلك استطرد بعض الشعراء للحديث حول زيادة مقروئية الشعر، ولعل أول تلك الحلول يتمثل في أن يكون الشاعر نبض المجتمع والنَّاس ويتحسس مشاكلهم، ويتخذ مواقف دون أن يخضع خضوعا آليا للسياسة ويصبح خادما لها، كما أن على الشاعر أن يخفف من ذاتيته وتهويماته الغامضة ليستطيع المتلقي التواصل الفعّال معه، وكذلك على السياسة والمجتمع أن يخدما الشعر والشاعر ويعيدا له مكانته، وعلى المنابر الإعلامية المختلفة من تلفزيون وصحافة منح الشعر فرصة للظهور والتعريف به، مشيرا بعضهم إلى أهمية الشبكة العنكبوتية في الانفلات من تلك الأزمة المستفحلة.

إن ما كشف عنه الشعراء خلال هذا الاستفتاء حريٌّ أن نتوقف عنده مليّا، فقد تقاطع الحديث مع مسائل تخصّ الشعر العربي الراهن، فالزمن ليس زمن الشعر العربي عموما كما هو حال الشعر الفرنسي أو الغربي، فالعزوف عن الشاعر وشعره أصبح ظاهرة كونية، عدا أن ما يعانيه الأدب العربي من انفجار الرواية في المشهد الثقافي العربي وتهافت الناشرين لنشر الروايات وتوسل الشاعر بالرواية وتراجعه عن الالتزام بقصيدته والإخلاص لها، له ما يماثله في المشهد الثقافي الغربي، والفرنسي هنا كحالة مدروسة ولكنها ليست خاصة، فقد أظهر الكتاب أن مأزق الإبداع إنساني، وهذا ما يمنح الكتاب أهمية مضاعفة.

"رحلة عقل فى دروب الفكر والأدب" صدر مؤخّرا من مكتبة جزيرة الورد للدكتور محمد يوسف عدس الذي اتسمت كتاباته بأسلوب عرض يجعلها مصدر نفع ومتعة عقلية لقارئها.

هذا الكتاب سياحة فى أعماق الحياة والكتب ؛ إنها تجربة عقل نَهِمٍ لا يتوقف عند الأشكال والظواهر البرّانية ، وإنما يغوص إلى الجذور والأعماق باحثًا عن حقائق الأحداث والشخصيات الإنسانية . ولأن مؤلّفه لا يزال مؤمنا بأهمية الكتب فى تحصيل المعرفة الإنسانية- سترى فى استعراضه ومصادره عشرات الكتب ، على جانب كبير من الأهمية . 

بعضها ينطوى على قصص بالغة الغرابة -ربما- تلفت نظرك بالصياغة الأدبية لمضمونها؛ فتحسبها قصة من صنع الخيال ، ولكنك ستكتشف أنها تتناول وقائع وأحداث ، وشخصيات حقيقية ، غير أن كاتبها قد آثر استخدام أسماء مُنتحلة لهم : إمَّا تجنُّبًا للمساءلة القانونية- كما فى قصة "زنبقة النهار" التى يتحدث كاتبها عن علماء منخرطين فى بحوث وانتاج أسلحة سرية لحساب البنتاجون لأمريكي .. وإمَّا لأن الشخصيات الواردة -أغلبهم- ينتمون إلى أسرة الكاتب نفسه .. كما فى رواية "العالم الذى خلّفه وراءه" وهي رواية لأديب مصري فى المهجر الأسترالي ..

فى إطارالأدب والنقد الأدبي يطرح الكتاب قضية مثيرة للجدل ؛ فقد دأب بعض كبار الكتاب على الاستدلال بالأعمال الأدبية لتأكيد أو تفنيد قضايا سياسية معينة يسعوْن لترويجها ، وبعضهم يستتر باصطناع الأدب للنيل من شخصيات ورموز إسلامية .. متعلّلًا بحجة أنه يكتب قصة أو شعرًا ؛ ومن ثم فهو أو هي غير ملتزميْن بالحقائق الموضوعية أو التاريخية؛ لذلك يحاول هذا الكتاب الإجابة على هذا السؤال: هل يصِحُّ أن يتحول العمل الأدبي إلى وثيقة تاريخية..؟! وهو هنا لا يناقش القضية من الناحية النظرية فحسب وإنما يضرب الأمثال من الواقع ؛ حيث يستعرض أخطاء كُتَّاب مرموقين مثل محمد حسنين هيكل ، ويفنِّد مزاعمهم ..

ولأن بعض الانتاج الأدبي المتميّز يلقى من أجهزة الدولة الرسمية فى الثقافة والصحافة والإعلام إعراضًا وإهمالا ملحوظًا ، حرص هذا الكتاب على أن يستعرض بعض الأعمال الأدبية التى جنَى عليها النظام القمعي فغيّبها عن نظر المثقفين المتشوّقين لأعمال جادة فى الإبداع الفني .. فى الوقت الذى سمح للأعمال الهابطة بل التافهة أن تملأ الفراغ الأدبي . ومن ذلك أن تتولى أجهزته الثقافية الترويجَ لأعمال أدبية صادمة لعقيدة الأمة مجدّفة فى دينها ومقدّساتها .. لذلك ستجد نقدًا لرواية "وليمة لأعشاب البحر" وكتبًا أخرى أصدرتها وزارة الثقافة فى سلاسلها المشهورة مثل: كتاب "المختار من الأغاني للأصفهاني" .

أما نموذج الأدب الرفيع الذى تمّ حظر تداوله فوْر نشره ، فستجده فى عرض الكتاب لمسرحية شعرية بعنوان: "البعث ..." للدكتور صلاح عدس.. علمًا بأن مؤلفها قد تم اختياره مِنْ قِبَلِ وزارة الثقافية لتأليف مسرحية فى موضوع متّفقٍ عليه ، وبناء عليه منحته الوزارة "منحة تفرُّغ" لمدة عام لإنجازها ، ولكن المؤلف قدّم رؤيته الخاصة فى الموضوع ، التى لا تتفق مع تصوّرات الوزارة وتوقُّعاتها ، فأهالت عليها التراب.. وسيتضح للقارئ أسباب هذا وتفاصيله ..

ولأن الإنصاف فضيلة تكاد تكون مهجورة فى هذا الزمن الذى اضطربت فيه القيم الأخلاقية، واختلطت فيه معايير الخير بالشر ، حرص هذا الكتاب على أن يزيح بعض الالتباسات الفكرية التى أحاطت ْ بشخصية الأديب الكبير نجيب محفوظ ، وألصقت به صفة الإلحاد .. وسيندهش القارئ أن يطّلع –ربما لأول مرة- على حقائق موثّقة اكتشفتُ بعضها بالصدفة المحضة ، وبعضها الآخر بالبحث الدقيق ، تنفي عن نجيب محفوظ تهمة الإلحاد ، وترفع عنه شيئًا من الظلم وسوء الظن الذى تسبّبَ فيه أصدقاؤه العلمانيون، قبل أعدائه الإسلاميين. 

ولا تعجب أن تجد –على نفس المنوال- محاولة لإنصاف شخصية أخرى فى مجال آخر وزمن آخر ، هي شخصية الفقيه والداعية والمجاهد "ابن تيمية" الذى توفّر على تشويه صورته عند الناس بعض الإسلاميين المعاصرين ؛ الذين نسبوا إليه كل الفتاوى والآراء المتشددة فى الدين ، وشاركهم فى تشويه صورته فقهاء السلاطين فى عصره ، والزنادقة المارقون فى عصرنا . لقد وصمه بعض معاصريه بالكفر فى كتاباتهم وأشاعوا مقولتهم بين العوام ..؟! حتى ليحتاج الأمر إلى أن يؤلف فيه أحد تلامذته المسمَّى "ابن ناصر الدمشقي" كتابًا يبرِّئه من تهمة الكفر بعنوان " الرَّد الوافر على من زعم أن شيخ الإسلام ابن تيمية كافر". ستقرأ تفاصيل هذه القصة فى "ابن تيمية المفْتَرَى عليه".

وهكذا يطوف بك هذا الكتاب فى مختلف القضايا الفكرية والأدبية والسياسية طواف المتأمل المحلل المتأنّى ، الحريص على تجلية الحقائق وإزالة ما لحق بها من زيف وتحريف .. 

ويفتح عينيك على قضايا وطنية وإسلامية وإنسانية قد تبدو لك غير ذات أهمية ، ولكنك ستكتشف بعد اكْتِناهِ حقائقها أنها ألزم ما تكون للمثقف المعاصر؛ وهل يمكن أن ينكر مثقف جاد معنيٌّ بهموم أمته فى هذا العالم الذى تصْطَخِبُ فيه الأفكار والقوى لتشكّل واقعنا العالمي الذى نتحرّك فيه ، ونريد أن يكون لحياتنا ووجودنا معنى وفاعليه..؟! هل يمكن أن نتجاهل أسئلة حيويّة كهذه:

- هل الصدام حتمي بين الإسلاميين والعلمانيين..؟

- الأموال المنهوبة من مصر.. هل يمكن استردادها..؟

- الديمقراطية البريطانية كأعظم وأعرق ديمقراطية: كيف نشأت وكيف تم تفكيكها.. وما هي الأسباب والدوافع التى تقف وراء هذا وذاك..!

- كيف تم بناء الاتحاد الاتحاد السوفييتي ، وكيف انهار..؟ وما العبرة فى هذا بالنسبة لنا..!

- وكيف تمكنت دولتان مسلمتان من العالم الثالث هما: تركيا وماليزيا أن تحققا نهضة مرموقة رغم الأنواء والمعوّقات .. وكيف استطاعتا الوقوف على أقدامهما بين الدول المتقدمة معتمدتين على مواردهما الخاصة ، وسواعد أبنائهما..؟

وقضايا أخرى كثيرة من هذا القبيل تطالعك فى ثنايا هذا الكتاب .. أرجو أن تتحقق الفائدة منها للقارئ الجاد ؛ الباحث عن الحقيقة وعن المتعة العقلية فى آنٍ واحد ..

هل كلمة "مناورة" عربية؟

جاء في قرار لجنة الألفاظ التابعة لمجمع اللغة العربية بالقاهرة أن لفظ (مناورة) يشيع في لغة الجيش وغيره مثل قولهم: " قام الجنود بمناورة حربية"، ومثل ما يتردد في لغة السياسة من قولهم: "هذه مناورة سياسية". وقد يُعْتَرض على اللفظ واستعماله المعاصر بعدم وروده بالمعنى العسكري أو السياسي في معجمات العربية.

ودرست اللجنة هذا، ثم انتهت إلى إجازة استعمال لفظ (المناورة)، بدلالته الحربية والسياسية على أحد وجهين:

الأول: أن اللفظ منقول من الكلمة الفرنسية Manoevre، أو من الكلمة الإنكليزية Maneuver. وقد أشار المعجم الوسيط في طبعته الثانية إلى أنه معرّب.

الثاني: أن للمناورة معنى آخر هو الدهاء، فهي من مادة (نور) التي تحمل معنى الخداع والحيلة. ومعلوم أن وزن المفاعلة شائع في العربية مثل: المداورة، والمراوغة، والمشاورة، والمحاورة".

وجرت مناقشات حادة أسفرت عن انقسام في الرأي حول ترجيح أحد الوجهين اللذين استندت إليهما اللجنة. وكان من أهم التعليقات إشارة الدكتور محمد أحمد سليمان إلى أن الكلمة، وهي معربة عن الفرنسية، ذات معنى حقيقي هو (العمل اليدوي) ثم انتقل هذا المعنى مجازاً إلى المعنى العسكري ثم السياسي. وانتهى النقاش بموافقة المؤتمرين على تقرير اللجنة، تاركين ترجيح أحد الوجهين إلى جهد علمي مستقل.

أخطاء لغوية

-يقولون: عَرِفَ الشيء بكسر الراء، والصواب عَرَفَ الشيء بفتح الراء.

- يقولون: أصغى الحضور للخطاب، والصواب أصغى الحضور إلى الخطاب؛ لأن أصغى إليه: مال بسمعه نحوه . والآية 113 من سورة الأنعام تقول: (ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة) أي ولتميل. - يقولون : ينبغي عليه أن يفعل كذا ، والصواب ينبغي له ؛ قال تعالى: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر) سورة يس آية 40، وقوله: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) سورة يس آية 69. - يقولون: اعتذر منه ، والصواب: اعتذر إليه ، قال تعالى: (قالوا معذرة إلى ربكم). سورة الأعراف آية 146. - يقال: أعتذر عن عدم حضوري الحفل ، إذ تستخدم كلمة (عدم) بكثرة بسبب الجهل بالكلمة المضادة المعبرة عن المراد ، ومثله: أعتذر عن عدم معرفتي بالخبر ، والصواب: أعتذر عن غيابي عن الحفل ، وأعتذر عن جهلي بالخبر . - يقولون: لا يخفى عن العاقل، والصواب: لا يخفى على العاقل؛ لأن الفعل (يخفى) يتعدى بحرف الجر (على) ، وهذا ما ورد في القرآن الكريم: (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء) سورة آل عمران آية 5 . - يقولون: لا زالت السماءُ تمطرُ ، والصواب: ما زالت السماءُ تمطرُ ؛ لأن ما زال من أفعال الاستمرار الماضية التي تُنفى ب (ما) ، ودليله قوله تعالى: (فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدًا خامدين) سورة الأنبياء آية 15، أما (لا) فينفى بها فعل الاستمرار إذا كان مضارعاً ، كقوله تعالى: (ولا تزالُ تطلعُ على خائنةٍ منهم) سورة المائدة آية 13.

كم الاستفهامية وكم الخبرية

جاء في قرار مجلس مجمع اللغة العربية في القاهرة عن كم الاستفهامية وكم الخبرية ما يلي: " يرى المجمع الاكتفاء في باب كم (وهي من كنايات العدد) بأنها إذا كانت استفهامية تُميزُ بمفرد منصوب، نحو: كم كتاباً قرأت؟ "، وإذا سُبقت بحرف جر يضاف المميز إليها نحو: بكم قرشٍ اشتريت الكتاب؟، وإذا كانت خبرية (للكثرة) فتمييزها مفرد أو جمع مجرور بالإضافة نحو: كم بطلٍ استشهد في المعركة، وكم أبطالٍ استشهدوا في المعركة!، وقد يسبق تمييزها بحرف جر نحو قوله تعالى (كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئة كثيرة بإذن الله)." وجاء في قرار آخر أنه يجري في الاستعمال حذف تمييز كم استفهامية أو خبرية في مثل قولهم: " كم بقي من الشهر؟ " "وكم نصحت لك". وقد ورد ذلك في الفصيح كقوله تعالى: " قال قائل منه كم لبثتم، قالوا لبثنا يوماً أو بعضَ يوم". ويكون ذلك بتقدير التمييز المحذوف.

الفرق بين ماتع وممتع

لفظ (ماتع) اسم فاعل من الثلاثي (متع)، و(ممتع) جاءت من غير الثلاثي (أمتع). ومنهم من ذهب إلى أن ما جاء على فَعَلتُ وأفْعَلتُ بمعنى واحد، ولكن الأولى التفريق بينهما على الوجه التالي: إذا قيل كتابٌ ماتعٌ أي جيّد محكم فهو وصفٌ له، وإذا قيل كتابٌ ممتعٌ فيكون أمتع القارئ فاستمتع به فهوَ ممتع .

فذلكة لغوية في يوم المرأة العالمي

قرأت في عدد من المواقع على الإنترنت الفذلكة اللغوية التالية:

يقال إن الـلغة العربيـة غدرت بـالمرأة في خمسة مواضـع، وهي: الأول : إذا كان الرجل ما زال على قيد الحياة يقال عنه إنه "حي"، أما إذا كانت المرأة على قيد الحياة، فيقال إنها "حيـّة". الثانـي: إذا أصاب الرجل في قوله وحديثه يقال عنه إنه "مصيب"، أما إذا أصابت المرأة في قولها فيقال إنها "مصيـبة". الثالـث: إذا تولى الرجل منصب القضاء يقال عنه " قاض"، أما إذا تولت المرأة نفس المنصب فيقال إنها " قاضية"، والقاضية هي المصيبة العظمى التي تنزل بالشخص فتقضي عليه. الرابـع: إذا كان للرجل هواية يتسلى بها يقال عنه " هاو"، أما المرأة فيقال عنها "هاوية" (والهاوية هي أحد أسماء جهنم). الخامـس : إذا دخل الرجل البرلمان أو المجلس النيابي يقال عنه "نائب"، أما المرأة فيطلق عليها " نائبة " (والنائبة هي أخت المصيبة..).

في معنى المرء والمرأة والمروءة

ورد في نقش نمارة المؤرخ في سنة 328 ميلادية، وهو كتابة على قبر امرئ القيس بن عمرو ملك الحيرة ما يلي:"تي نفس مر القيس.." أي : "هذه روح امرئ القيس" ما يدل على أن كلمة (امرئ) في اللغة العربية القديمة قد خلت من الهمز. كثر استخدام كلمة (مر) في التلمود للدلالة على شخص مهم وأحيانًا للدلالة على كاتب التلمود نفسه، وهو لفظ يتضمن الاحترام وأحيانًا المحبة، أما في اللغة الآرامية السريانية فإن كلمة (مار) تعني (سيد أو رب)، ومن نفس الجذر جاءت كلمة مار للدلالة على القديسين حيث يقال مار جرجس، مار بطرس؛ ومنه مريم أو ماريم: وهو اسم علم عبري، سرياني، شائع وموجود في العهدين القديم والحديث ويعني "السيدة" أو "سيدتي". وفي اللغة العربية المروءة هي كمال الرجولة والإنسانية ومجمل الصفات المثالية التي يتصف بها السيد من خلق جميل، وأدب رفيع، وحلم وأناة، ورجاحة عقل، ونخوة وشجاعة، وكرم وسخاء...إلخ من الصفات المحمودة التي امتاز بها العربي الأصيل أي المَرْء؛ وامرأة، أو مَرْأة أو مَرَة مشتقة من المروءة بمعنى السيدة الكاملة، وهناك من يلفظ الهمزة واوًا في كلمة مُرُوءَة فتصبح بعد الإدغام مُروّة.

المزيد من المقالات...