( الحوار .. دعوة للتعايش )

clip_image002_8c036.jpg

يأتي كتاب ( سياسة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات ) للباحث السياسي الشيخ مجاهد بن حامد الرفاعي  لحل الخلاف الوهمي بين المسلمين حول مشروعية وأهمية الحوار .. والذي لا مبرر له حسب قوله ، وإنما يعود لغياب الفهم المؤسس على تكامل النصوص القرآنية .. في إطار وحدة مقاصد الخطاب القرآني العام .. وأن الحوار منهج مقرر في الكتاب والسنة .. توجبه مهمة الشهود الحضاري على الناس .. وتحتمه أمانة تبليغ الهدى الرباني .. وتفرضه مسؤولية الإستخلاف في الأرض .. وإقامة العدل وتحقيق المصالح المشتركة بين العباد . مع التأكيد على توفر الكفاءة العلمية والمهارة والحجية والخبرة للمحاور المسلم ، ومع التأكيد على القاعدة القرآنية ( وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) .. وكذلك جاء الكتاب لتأسيس وتقديم لائحة تنفيذية لسياسة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات .

ويقول الشيخ مجاهد الرفاعي  .. إن المسيرة البشرية اليوم في خطر .. وإسلامنا يأمرنا ويحفزنا لأن نعمل ما بوسعنا .. من أجل ترشيد المسيرة البشرية .. لتكون مسيرة عدل وأمن وسلام .. تحل معها قدسية حياة الإنسان وكرامته ومصالحه  وتصان بها سلامة البيئة وتتطهر الأرض من الفساد والإفساد .. ويقوم التعايش الآمن والعادل بين المجتمعات .. فهل يعي المسلمون قبل غيرهم هذه الغايات الإنسانية النبيلة .. التي لا تتحقق إلا بالحوار مع الآخر ... فالحضارة البشرية إرث بشري تراكمي .. وإنها لمسؤولية مشتركة أن نحمي هذا الإرث المشترك من الفساد والدمار .. وعلينا أن نعمل معاً لكي نهزم ثقافة صراع الحضارات .. فثقافة الصراع تعني ببساطة تشجيع ثقافة الإرهاب .. علينا أن نعلن لا صراع بين الحضارات .. ولا نهاية للتاريخ .. وعلينا أن نؤكد إيماننا المطلق بثقافة التكامل بين الحضارات  وبالتعاون المخلص بين الثقافات .. آمل أن نستطيع الانطلاقة مرة ثانية لإعادة الثقة بين الحضارات .. وأن نفعّل ثقافتنا المشتركة .. من أجل تحقيق العدل , والسلام , والاستقرار , والتنمية المستدامة , والتعايش البشري الآمن.

ويأتي كتاب  سياسة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات .. ليطرح مبادرة ورؤية جادة وغير مسبوقة عن تأسيس لائحة تنفيذية لسياسة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات في المملكة العربية السعودية .. والتي لم يتطرق لها أحد من قبل نهائيا .. وتتكون هذه اللائحة التنفيذية من أربعة عشر مادة على النحو التالي :

المادة الأولـى ( تعريف الحوار ) المادة الثانية ( من نحن ) المادة الثالثة ( ثوابتنا العقدية ، والإنسانية في الحوار ) المادة الرابعة ( مواصفات المحاور المسلم ، وآداب الحوار ، وآلياته ) المادة الخامسة ( من الآخر ) المادة السادسة ( أهداف الحوار ) المادة السابعة ( منهج الحوار ، وضوابطه ) المادة الثامنة ( وسائل الحوار ) المادة التاسعة ( مجالات الحوار ) المادة العاشرة ( أسس الحوار و موضوعاته ) المادة الحادية عشر  ( منطلقات المشترك الثقافي البشري ) المادة الثانية عشر ( منطلقات الأداء البشري المشترك ) المادة الثالثة عشر ( الجهة المنفذة لسياسة الحوار ) المادة الرابعة عشرة ( المكافئات والجوائز ) .

وقد قدم للكتاب نخبة من المفكرين ، والسياسيين .. حيث قال معالي البروفيسور حامد بن أحمد الرفاعي - رئيس المنتدى الإسلامي العالمي للحوار رئيس المؤتمر الدولي للقيادات من أجل العدل والسلام رئيس لجنة الاتصال الإسلامي- الكاثوليكي(الفاتيكان)  الأستاذ في جامعة الملك عبد العزيز – سابقاً : أخذت أقلب صفحات الكتاب وأتأمل متونه ونصوصه وأفكاره  فوجدت - ولله الحمد- مادة الكتاب ثرية ودقيقة وعميقة .. فزال هميِّ وتلاشت حَيّرتي فيما أكتب ..حيث وجدت خيارات كثيرة وغزيرة .. وكم كنت مسروراً إذ وقع نظري على نصوص منها قوله : " فالحوار ليس غاية لذاته .. الحوار وسيلة حكيمة لتحقيق غاية جليلة ألا وهي التعارف  لقوله تعالى : " وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا" والتعارف عندما يقوم بين الأمم يفتح بابا رحبا للتفاهم  لقوله تعالى:" تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ"  والتفاهم عندما تتبلور قيمه ومبادئه وسلوكياته يكون منطلقا للتعاون  لقوله تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى" والتعاون يشجع ويعزز ثقافة التنافس في ميادين التنمية والإبداع والارتقاء لقوله تعالى :" فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ" ويومها تشمخ شجرة ثقافة التدافع والتضامن بين الناس  لصرف الفساد عن الأرض لقوله تعالى :"وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ " وبالتفاهم والتعاون والتدافع ..تصان المقدسات وتحترم الخصوصيات الدينية والثقافية لقوله تعالى :"ولَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا" ويوم تقوم صروح ثقافة التعارف والتفاهم والتعاون والتنافس والتدافع بين الناس.. يومئذ تبدأ مسيرة التعايش العادل والآمن بين المجتمعات . " ومنها : "ونحن امة تؤمن بالتنوع البشري ، والتنوع الديني ، والتنوع الثقافي ، والتنوع الحضاري .. وتؤمن بخصوصيات الشعوب والأمم وتحترمها .. وتتعامل معها بجدية وإنصاف .. وتؤمن أن الحضارة بشقها المادي ارث يشري تراكمي .. وان الثقافة مكون أساس في إشادة البناء الحضاري البشري .. وهي المصدر الأساسي في وجود ظاهر التنوع الحضاري .. وهي مصدر التمايز بين وحدات البناء الحضاري الإنساني على مدار التاريخ .ونحن امة مع إيمانها الراسخ بتميز خصوصياتها الدينية والثقافية والحضارية .. ومع اعتزازها بوسطية نهجها ومهمة شهودها الحضاري على الناس .. فإننا لشديدو الإيمان كذلك بأننا شركاء مع الآخر بكل تنوعاته الدينية ، والثقافية ، والعرقية ، واللونية ، والقومية ، والسياسية والاقتصادية ، والجغرافية .. من اجل النهوض بمهمة الإستخلاف  في الأرض .. واستثمار مكنوناتها .. وإقامة الحياة والعدل في ربوعها"ومما زادني إعجاباً بمادة الكتاب مقترحه النبيل بشأن رسم ملامح وقواعد ما سماه ( اللائحة التنفيذية لسياسة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات في المملكة العربية السعودية )..التي بتقديري تعتبر أمراً غير مسبوق .. أزالت الكثير من الغبش والتداخلات المخلة في مفاهيم مصطلح الحوار ، وغاياته ، وميادينه ، وأدبياته ، ووسائله ، وضوابطه ، ومعاييره ، ورسالته الإنسانية الحضارية الراشدة .. مما يؤكد أن الابن مجاهد - ما شاء الله تبارك الله- لديه رؤية جلية دقيقة وعميقة عن الحوار .. وأنه اكتسب خبرة واعية مقدرة راشدة بشأن الحوار .. من خلال دورات الحوار المركزة التي حضرها وأدار جوانب منها مع ممثلي الكنيسة الكاثوليكية – الفاتيكان .. وممثلي الكنيسة الأرثوذكسية - (مجلس كنائس الشرق الأوسط والمجلس العالمي للكنائس) ومشاركته في ندوات الحوار الإسلامي – الإسلامي ، وعدد من المؤتمرات الدولية الحاشدة .. وختاماً يمكنني القول أن الكتاب يقدم مادة ورؤية وتجربة جادة وعميقة تستحق التأمل والتدبر والاستفادة منها على أكثر من مستوى أكاديمي .. وفكري .. وثقافي .. وتربوي .. وإعلامي .. ولهذه الغايات النبيلة أنصح بترجمتها لعدد من اللغات العالمية .

أما سعادة الأستاذ الدكتور أيمن بن صالح فاضل عميد كلية الاقتصاد والإدارة - جامعة الملك عبدالعزيز فقد قال :  يمثل الحوار القاعدة الأساسية للعبة السياسية ، بل هو جوهرها الذي تنطلق منه وتنتهي اليه ، والحوار وتحديدا حوار الأديان هو احد أساليب التعايش ، وهذا ما يشدد عليه المؤلف من خلال هذا الكتاب القيم ، ولو كان الحوار حاضرا في عالمنا العربي المتعدد العرقيات والطوائف والأديان لما وصل لهذه الحالة من عدم الاستقرار والفوضى، بعد موجة ما عرف بالربيع العربي، وهذا نتاج عدم تغليب مفهوم الحوار الذي يجب أن يبدأ بالقواسم المشتركة قبل  مناقشة الاختلافات ... وبادرت المملكة العربية السعودية من خلال حكامها وحكوماتها على مر عقود في تبني نهج الحوار في الداخل والخارج بين شعبها المتعدد الثقافات وبين شعوب العالم ، وبين أتباع الأديان والمذاهب والثقافات والحضارات المختلفة ، وذلك بهدف احياء القيم الإنسانية وترسيخها في نفوس الشعوب والأمم .. بل يعتبر الحوار اليوم مرتكزا اساسيا واستراتيجيا في سياسة المملكة التي تؤمن به وتطبقه وتنتهجه من خلال قيادتها ومؤسساتها ... ويحسب للمملكة التي تمثل قلب العالم الإسلام باحتضانها للحرمين الشريفين تبنيها العديد من المبادرات  واللقاءات والفعاليات ، التي تدعوا لعالم يغلب مفاهيم الحوار وينبذ العنف والتطرف والإرهاب ، وما تبنيها لحوار الأديان الذي ينادي بالتعايش السلمي بين اتباع الأديان ويخفف من الارتياب المتبادل وخاصة ما تعرض له الإسلام مؤخرا بسبب جماعات وفرق لا تمثله إلا دليل على أن المملكة دولة تؤمن بالحوار بل وتنتهجه.

و يسعى الكاتب الأستاذ مجاهد بن حامد الرفاعي ـ وهو أحد خريجي الدراسات العليا - قسم العلوم السياسية - بجامعة المؤسس والذي تفخر به كلية الاقتصاد والإدارة ـ في الحديث عن هذه التجربة وما تحقق وما يجب أن يتحقق . وإبراز مثل هذه الجهود هي  ما يسعى الكاتب لإيصاله من خلال هذا المؤلف القيم الذي شرفت بتقدمته والتعريف به .. وتظل المكتبات بحاجة لمثل هذه لنوعية من المؤلفات التي تعزز هذه المفاهيم وتسعى لغرسها في الجيل الجديد ، متمنين للمؤلف مزيدا من التألق ولكاتبه القيم أن يأخذ حقه في التوزيع والنشر.

فيما قال سعادة الدكتور وحيد بن حمزة عبد الله هاشم - أستاذ العلوم السياسية المشارك - جامعة الملك عبد العزيز بجدة : تبدو مناهج الحوار الفكري وساحاتها بخلفيتها الثقافية والحضارية  في واد ، وما تحقق بالفعل منها على أرض الواقع من نتائج وثمار الحوار الانساني الايجابي المتمدن في واد آخر .. فالحوار الذي يعتبر إجلال واحترام وتقدير لعقل الإنسان ودليل على نمو وعيه  بذاته وبحقوقه وأيضا بحقوق الآخرين ، لم يصل بعد إلى مرحلة النضوج في عالمنا الإسلامي على الرغم من وجوده بأصالة في تعاليم الدين الإسلامي الحنيف .. لذلك يعرض المؤلف الأستاذ مجاهد بن حامد الرفاعي في هذا الكتاب لحقائق واقعية إنسانية عن جهل الكثيرين بمنطق الحوار وسياسته ومناهجه خاصة بين أتباع الأديان السماوية ، فالكثير لا يعلمون أن الحوار بين أتباع الأديان السماوية وليس فيما بينها نظرا لوحدة مصدرها ، وأن القيم الدينية الربانية هي المصدر الأساسي لحياه إنسانية مستقرة أيا كان موقعها الجغرافي نظرا لأن الحقائق الإلهية مطلقة لا تتعدد بينها ، فيما تتعدد مفاهيم ومن ثم فهم البشر لها بتفسيراتهم المختلفة لمعانيها ... أخيرا  لكون الإختلاف  في الإعتقاد هو منشأ تعدد الأديان بسبب تعدد الأتباع .. لذا فإن الأهم من نتائج ما سبق كله هو الإعتراف  بوجود الآخرين وحقوقهم الإنسانية  والدينية الذي لا يعني بالضرورة الإعتراف بما يعتقدون من كونه الأفضل والأصح .

الكتاب محاولة جادة غير مسبوقة  لإلقاء الأضواء على حقائق سياسة الحوار بين أتباع الأديان وما نتج عنها من أزمة ثقة وسوء فهم وتقدير ,  بعد أن فشل المسلمون في إقناع الغرب بحقيقة الدين الإسلامي الذي يضع الحوار بين الأديان كغاية في حد ذاته وليس كوسيلة لتحقيق غاية كما هو الحال في واقع العالم الغربي .. حدث هذا بعد أن الصقت تهمة الإرهاب  في الإسلام والمسلمين بعد أحداث الحادي عشر من شهر سبتمبر من العام 2001م ... من هنا هذا الكتاب محاولة مختصرة وجادة ، بالطبع قابلة للتطوير ، في تفسير أزمة الثقة بين أتباع الديانات المختلفة التي تسببت بدورها في تفعيل أزمة تقبل لغة الحوار وتواصله ... كما وأن الكتاب وان كان لا يطمح لإقتراح إطار نظري تركيبي ليجمع بين مختلف المناظير الفكرية في مضمار الحوار بين الحضارات والأديان ، فانه يدعو إلى التفكير في المنطق الفكري والإنساني في سياسة الحوار بين أتباع الأديان السماوية الثلاثة بمصدرها السماوي المشترك .

إحتل الأستاذ نجيب محفوظ مكانا بارزا في تاريخ الأدب الروائى وقد كان لجائزة (نوبل) الأثر المباشر فى الاهتمام غير المسبوق بأدب الرجل الذي لم يتح لغيره من أمثال الدكتور طه حسين رغم صلته القوية بالغرب أيام شبابه ودراسته وزواجه من سوزان التى لازمته حتى رحيله، وكان الأستاذ نجيب محفوظ من رواد صالون الدكتور طه وكثيراً ما نوه الدكتور عن العبقريه الفنيه للاستاذ نجيب محفوظ كما كان لحديثه الدائم عنه أن تشكلت قاعدة محفوظ الشعبية والتى أطلق عليها (الحرافيش) وكان لقاء الرجل بهم شبه يومى فلا يرى إلا معهم ولا يبرم فى أمور الحياه الأدبيه أمراً إلا وهم على علم به.

ولما كان الرجل تخرج في كلية الآداب قسم الفلسفه فقد شغلته إلى حد بعيد قضايا الفلسفة ومحاولة الإجابه على أسئله من عندياته كما يفعل (الفلاسفه) رغم إنغماسه فى الواقع ومجالسه الحرافيش ومخالطه الناس مخالطه يوميه كما رأيناه وشاهدناه يقطع الطريق من بيته على شاطى النيل بالعجوزة إلى ميدان التحرير يومياً سيراً على الاقدام ليرى ويتمتع وينقل فى أسلوب لغوى ماتع وخيال بارع حوادث يومية أو حوادث ماضيه تلح عليه من خلال ذاكره حديديه كان يتمتع بها فكتب وابدع عوالم روائيه غايه فى الجمال.

والكتابه عن أدب الأستاذ نجيب محفوظ محفوفه بالمخاطر لانه يمثل قيمه أدبيه كبيرة لدى مجموعه الحرافيش أولاً ثم يمثل بالنسبة لوطنه كله الأديب الذى قدم الاعمال الأدبيه عاليه الجمال والدقه الفنيه مما دعا البعض فى الداخل والخارج يضع أدب الرجل ضمن آداب الأمم الغربيه لانه يكاد أن يكون صوره منه أو لأنه كتب الروايه الغربيه كما قال الاستاذ الدكتور حلمى القاعود فى كتابه (النثر الفني) وكذا الأستاذ الدكتورعماد الدين خليل فى كتابة (فى النقد الإسلامى المعاصر) ونتعرض فى هذه الدراسه المتواضعة إلى محاوله الاجابه عن بعض الأمور قد يجد إجابتها القارئ المحترم فى ثناياها الدراسه.

التكوين الأدبى وعلاقه محفوظ بالجيل الذى سبقه.

السمات العامه لأدب نجيب محفوظ

الواقعيه الإيجابيه والواقعيه الجديدة

عُرف نجيب محفوظ يوم أن قدمه سلامه موسى، وساعده الحظ بالقرب من الدكتور طه حسين فتشجع الرجل وكتب ما كتب وكان المجتمع المصرى قد تجمع فيه رجالات كثير من أنحاء العالم العربى خاصه من لبنان أو الشام كما كان يطلق، وظهرت جرائد ومجلات خاصه عديدة كل له اتجاه حيث سادت المفاهيم القومية والليبرالية والاشتراكيه وكل ما تفتق عنه ذهن الغرب..

وانشغل الناس بفلسفات نيتشه وبرجون وكايم وغيرهم من فلاسفه أوربه وقد ساعد حب جيل ما قبل محفوظ للثقافه الغربيه ان تسيطر على أدمغنه الأمه فأحتل (دارون) و(ماركس) و(دور كايم) أدمغه الناس وتوارت الثقافه العربيه بل حاول الكثير الردم عليها وإهالة التراب على كل كلمه واختل التوازن بما قدمه الدكتور طه حسين من أعمال فى مقدمتها (الشعر الجاهلى)، كما كان الشيخ (على عبد الرازق) قد أصدر كتابه (الإسلام واصول الحكم) وهاجت الدنيا وماجت ..

عاش الاستاذ نجيب محفوظ فى هذا الجو وتشكلت ثقافته على النحو الذى اراده له سلامه موسى وطه حسين فتغذى على أفكار فلاسفه الغرب وشجعه على هذا الأمر كونه طالباً فى قسم الفلسفه.

والحقيقه أن كل مجتمع له خصائصه التى تميزه فنجيب محفوظ هو ابن الأرض العربيه ولا يستطيع ان يمثل غيرها مهما حاول هو أو أجبره البعض على الانفصال عن ارضه ولكن الرجل كان منتمياً ولاشك حتى انتهى من كتابه بعض رواياته الأولى.

لقد عاش الاستاذ نجيب محفوظ فى ظل الجيل الذى سبقه والذى عرف بجيل طه حسين أو كتاب البعث كما أطلق عليهم.

وقد عرف معظم هذا الجيل برفضه للثقافه العربيه وفضل عليها (المنجزات) الثقافيه الغربيه التى شغلت الناس واصابتهم بالدوار واكدت لديهم انهم فى غياهب الظلمات واخذ (ميخائيل نعيمة) يسخر من الشعر الجاهلى وكذا جبران وأنبرى العقاد يسفه شعر أحمد شوقى ومعه المازني فقد سيطر عليهم جنون الشهره كما علمهمالغرب واتلف (دارون) عقولهم مع ان (اليوت) وصف داره بالارض الخراب!!

والحقيقه كما أرها هى أن الاستاذ نجيب محفوظ ومعه كثيرعاشوا هذا الجو السام فنسج من نسج على منوال الغرب ومنهم من تمسك بالقديم وكان محفوظ من الذين نسجوا على منوال الغرب وانسحب وترك منواله القديم وقد استطاع سلامة موسى أن يلفت محفوظ إلى فلاسفه أوربه يجعله الناطق الرسمى بكل فلسفات أوربه من الوجوديات والعبثيات واللاأدريه واللامعقول... فبدأ الرجل مرحلة جديدة من حياته الأدبيه وانتقل إلى الواقعية الجديدة  ليعبر في لغة عربية فصيحة وجميلة عن مآسي الإنسان المعاصر الذي أصبحت تشغله القضايا الفلسفية بعد أن تنازل عن (واقعه) وعاش في الافتراضيات!!

لقد ظن الأستاذ نجيب محفوظ أن طرحه للأسئلة الفلسفية سينهى على الحيرة التي ينطق بها كل شخص من شخوص رواياته. لا والله سيظل هو والشخوص على حيرتهم لأنه لا إجابة! وانتأمل معاً هذا النص عن حكاية الفلسفة :

"إن الفلسفة تمثل الضمير الإنساني ، أو الفطرة البشرية ، في حالة غياب الدين الصحيح. أما في حالة وجود الدين الصحيح ، ومنهاجه وقياسه العلمي الكلي ، فلا مكان ولا دور للفسلفة بمفهومها الحالي. فهي قاصرة عن تقديم أي شئ ذى نفع حقيقي لا من جانب الوجود، ولامن جانب المصير، ولا من الجانب الخاص بفكر الخالق وغاياته من الخلق كما وأن الجانب الأخلاقي في الفلسفة هو عادة فكر غير قياسي وناقص أو بمعنى آخر هو فكر قاصربدرجة واضحة وملحوظة لأن هذا يستلزم الإحاطة الكاملة والدقيقة بالفكر البشري وطبيعة الإنسان وهذا لا يتأتى إلا من خلال الدين الصحيح وعموعاً لم تؤد الفلسفة ـ حتى الآن ـ بالإنسان إلا إلى الشعور بالاغتراب وهى تسمية يتبناها فلاسفة اليوم ولا تعني أكثر من (الشعور بالضياع) وهو الشعور الذي يمر به إنسان اليوم والذي يوحى معناه بأن الإنسان يكاد يصبح شيئاً ـ تافهاً ـ من بين أشياء أخرى في هذا الكون وبهذا يكاد يفقد الإنسان معنى وجوده على نحو مطلق"

الحقيقية المطلقة د.م. محمد الحسيني إسماعيل مكتبة وهبه ص 570/571 ويستطرد المؤلف قائلاً:

"ففي الواقع ، أن الفكر الفلسفي منذ نشأته وحتى الآن ـ إذا ما استثينا بعض النظم الوضعية والبحث عن السعادة ـ يمكننا من القول بأن الفكر الفلسفي يدور في فلك الصراع بين المعرفة العقلية (والتي يطلق عليها المعرفة الميتافيزيقية) وبين المعرفة الحسية (التي سيطلق عليها المعرفة العلمية) ويقف الفلاسفة الآن ـ وكل متشيع لرأيه ـ ليتساءلوا هل تأتى لنا المعرفة بطريق العقل وبمنهاج عقلي أم بطريق الحس وبمنهاج حسى؟ أما أنها تأتي إلينا بالحدس أم بالتجربة أم من خلال المادة ولا يزال الفلاسفة يعتقدون أن التفكير الفلسفي هو طريقة بحث ومنهاج للوصول إلى معرفة الحقيقة المطلقلة وهذا يعني أن الفلاسفة لم تكفهم ثلاثة آلاف سنة (أي منذ نشأة الفكر الفلسفي حتى الآن) من المحاولات العبثية الفاشلة ومن إضاعة الوقت فيما لا يفيد حتى يفيقوا أوينتبهوا إلى أن هذه الاتجاهات الفكرية والجدل لن يقودهم إلى معرفة ما عن الإنسان أو  الخالق!!)

الحقيقة المطلقة 572 مرجع سبق ذكره.

نعم لقد نبهنا الله عز وجل ـ وهو أعلم بنا منا إلى أنه خلق الإنسان محب للجدل (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) القرآن المجيد (الكهف) ولابد من الذهاب إلى المنهاج الإلهي لمن أراد الهداية .. إنه الخيار الوحيد.

قد أكون أطلت ولكن كان علينا أن نوضح أن الفلسفة لم تقم إجابات لأسئلة الأستاذ نجيب محفوظ!!

ويبدو أننا لا نزال مع الدكتور مهندس محمد الحسيني إسماعيل، يقول سيادته: عن رواية (أولاد حارتنا) للأستاذ نجيب محفوظ. ((وهي رواية رمزية عن : الخالق والأنبياء والرسل، تعكس التصور الواضح في فكر هذا الكاتب لفهمه للدين والتدين على وجه مطلق ..!!

كما تؤكد هذه القصة ـ من جانب آخر ـ على أن الكاتب قد فشل تماماً في فهم دور الدين في حياة الإنسان ولوعلى وجه نسبي" الدين والعلم ، مكتبة وهبه ص 152 – 153.

وبالمناسبة إن رواية (أولاد حارتنا) تقع ضمن المرحلة الثانية من تطور أدب الأستاذ نجيب محفوظ وأعنى بها الواقعية الجديدة كما سماه الناقد (رجاء النقاش) وهو من كبار نقاده ومعروف باتجاهه اليساري الذي يخفقه البعض بوصفه بالقومي!! وعلى كل حال كان الرجل على قدر كبير من الاحترام والجدية.

ولو أضفنا ما قاله الدكتور عبد الوهاب المسيري وهو "ولا توجد الأعمال الأدبية إلا ولها قاعدة فكرية تقوم عليها وإلا يكون المجتمع  فاقداً للخصوصية التي تميزه عن غيره من المجتمعات" البذور والجذور والثمر، مكتبة الشروق.

ولقد كانت القاعدة الفكرية للأستاذ نجيب محفوظ هي نفس القاعدة التي ارتكز عليها أدب ديستوفسكي ، وكامي ، وكافكا كما قال الدكتور عماد الدين خليل في كتابه (في النقد الإسلامي المعاصر) مرجع سبق ذكره.

نحن لا نقلل من قيمة أعمال الرجل مطلقاً لكننا نذكر فقط أنها ترتكز على ما أرتكزت عليه كتابات الغربيين على اختلاف أفكارهم وتوجهاتهم. إنه كتب الرواية الغربية كما أوضح الدكتور حلمي القاعود في كتابه (النثر الفني) وقد سبق ذكره.

وهل القواعد التي ارتكز عليها كتاب الغرب هي قواعدنا لكى يرتكز عليها أديب مثل الأستاذ نجيب محفوظ؟ نقول بوضوح لا ليست هي من قريب أو بعيد ولكن دفع به ـ على الأرجح ـ إلى محاكاة كتاب الغرب ليصل إلى مقام ترضى عنه الدوائر الغربية ثم يطلق اللقب المعروف كما أطلق على الدكتور طه حسين لقب عميد الأدب العربي وهو الذي كذب الإخبار الإلهي عن وجود سيدنا إبراهيم! وليرجع من يشاء إلى كتب الرافعي (تحت راية القرآن) وكما أطلق على أحمد لطفى السيد أنه (أستاذ الجيل) المجرد أنه ترجم لأرسطو!!

وأعتقد أن الأستاذ نجيب محفوظ لم يستطع إلا أن يكون جزءاً من هذا  (النظام الثقافي!!) فاستطاع أن يحيا وسط كل هذا الظلام وبهروب ذكي إلى الرمزية استطاع أن يقدم (السمان والخريف) و (الطريق)   و (ميرامار) و (الشحاذ) وغيرها من روايات الأسئلة الفلسفية التي جنت على جيلين كاملين أو أكثر وكانت (رواية حارتنا) عملاً ضد الدين بلا شك وهي رواية ستظل محل نقاش لأن قوى التحيز لنجيب محفوظ لا تزال تتوالد !! وستظل ولكن لكل شئ نهاية.

لقد أفسد أدب الأستاذ نجيب  محفوظ الحياة الأدبية كما ساعده تحيز نقاده على الاستمرار في تقديم الأعمال التي تمجد لحظات الهبوط والتدني كرواية (الطريق)!! واسأل نفسى والغير ماذا قدمت رواية (الطريق)؟ ومذا قدم الفيلم السينمائي المأخوذ عنها بالمقارنة مع العمل القصصى العبقري (شئ من الخوف) للأستاذ ثروت أباظة والذي انتج سينمائياً أيضاً وكان رائعاً.

ماذا تعني رواية مثل (الشحاذ)؟! والذي يتطاول فيها البطل على الذات الإلهية؟

الفلسفة فشلت في الإجابة على أسئلة محفوظ وكامي ودستوفسكي وسارتر ونيتشه وكل من ذكرهم (سلامه موسى) في كتابه (هؤلاء علموني)!!

لا إجابة. الإجابة على الأسئلة لدى المنهاج الإلهي المرفوض شكلاً وموضوعاً في أدب الأستاذ نجيب محفوظ هو مقبول فقط على طريقة المجاذيب في رواية (درب المهابيل)!!! ولا أدرى كيف كتب الدكتور محمد حسن عبد الله كتاباً عن (الروحية) في أدب نجيب محفوظ!! أي روحية كان يقصد أستاذنا الناقد الكبير؟

دنيا المجاذيب ليست هي دين الإسلام.

دنيا اللاأدرية والعبث ليست دين الإسلام.

إن  دنيا مجاذيب نجيب محفوظ هى صورة غاية في الغرابة وتصل أحياناً إلى حد السخف ، صحيح أنها حالة واقعية ولكن لا يصح أن يسلط عليها الضوء لتصبح حالة مشهورة ما تلبث أن تكون أنموذجاً حياً للمسلم المعاصر!! ويقول الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت في شأن الروحية: "وإذا كان الإسلام يحارب علاقة الإنسان بالحياة الروحية البحتة كما حارب المادة البحتة، ورأى أن الروحية البحتة سبيل التعطل وإهمال لقوى العمل المودعة في الإنسان ولقوى الإنتاج المودعة في الكون وأن المادية البحتة سبيل لقتل المعاني الفاضلة، وتدفع بالإنسان إلى جوانب الطغيان، المفسدة للحياة، كان من ضرورة ذلك، أن يدعو إلى المزاوجة بين حظوظ الجسم المعتدلة، وحظوظ الروح المعتدلة ويبني منهجه في ذلك على الواقع الطبيعي للإنسان" ص 32 من كتابه (منهج القرآن في بناء المجتمع) محلق مجلة الأزهر رمضان 1436 / 2015 م.

أضيف أن الشخصيات الدينية التي قدمها محفوظ من نوعية المجاذيب الذين لا علاقة لهم بصحيح الدين وربما أكثر فالرجل كما ذكر صاحب كتاب (الحقيقة المطلقة) قد فشل تماماً في فهم دور الدين في حياة الإنسان وقد ذكرناه قبل قليل.

أما عن تصوير محفوظ لواقع الحياة المصرية في رواياته الأولى مثل الثلاثية، وخان الخليلي، وزقاق المدق، فقد جاءت موفقة رغم بعض الهجوم على مفردات منظومة القيم الواضحة التي تبديها شخصياته في كل مفرده.

ووصلت السخرية من منظومات القيم إلى الحد المرفوض شرعاً بل يمكن محاسبته عليه لأن الأعمال الأدبية تعبر عن خصائص الأمة ولا تعتدي عليها ولا تتجاوز المساحة التي حددها الدين للعمل ولنتأمل معاً ما كتبه الدكتور عماد الدين خليل في هذا الشأن:

"وصحيح أن الإسلام قد وضع معالم وحدود ومساحات وألزم أدباءه وفنانية بعدم تخطيها لئلا يقعوا في الحرام لكن هذه المعالم والحدود ليست سوى إشارات تحذير للفنان المسلم كيلا يلصق بالمستنقعات ويتحول إلى أداة رخيصة ، مبتذلة، تافهة .. بالأحرى إلى إمعة تقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت ، وإن أساؤوا أساءت .. إمعه تمدح مع المادحين لغير سبب ، وتهجوا مع الهجائين لغير ما سبب .. إمعة تكتب عن العفن والتفسخ لا لكي تنفر الإنسان من مستنقعاتها القذرة وتدفعه إلى أن يرتفع إلى فوق ولكن تكتب عنها محببة مغرية ، داعية أكبر قدر من الناس لكي يخوضوا في أوحالها إلى إعناقهم .. إمعة تصدر عنها الكلمة أو التعبير أو الصورة ، أو الصوت مبتذلة رخيصة، دونما إحساس غامر أصيل ، ودونما اعتزاز إنساني بأن هذا الذي صور إنما هو قطعة من وجدان الفنان" من كتابه (فى النقد الإسلامي المعاصر) ط 3 بيروت 1404 / 1984. والذي يقرأ رواية (الطريق) لنجيب محفوظ يشعر أنه في مدينة القحاب!! ليست هذه هي الواقعية أنها الواقعية المنحرفة وليس هذا هو الواقع الذي نحياه كشعب مسلم. والكاتب مولع بالساقطات من (زوبة) إلى (بسيمة عمران) !! نعم إنها موجودة ولكنها رغم (التعامل) معها فهي منبوذة ومرفوضة من المجتمع ككل وقد حكى لنا (رجاء النقاش) في كتابه عن نجيب محفوظ بخصوص هذا الأمر ما لا محل لعرضه هنا رغم نشره في جريدة (أخبار الأدب) أيام رئاسة تلميذه (جمال الغيطاني) عفا الله وعنه.

إن القول أن نجيب محفوظ كتب الرواية بالمعني الغربي وهو قول للأستاذ الدكتور حلمي القاعود ، قول في غاية الدقة  والتحديد والوضوح ليس لأنه وقع من نفس موقع الإعجاب ولكنه قول كشف حقيقة أدب الرجل وأنه صورة من الآداب الغربية كما قال أستاذنا الدكتور عماد الدين خليل ، نعم قدم أعمالاً فنية رائعة ولكنها لا تحمل رسالة بل تدعوا إلى الفوضى مثل أعمال كافكا وكامي وغيرهما من كتاب العبث.

إن تمجيد لحظات الهبوط ينزل بالعمل الأدبي إلى مستوى قصص الإثارة الجنسية كما أن تمجيد لحظات التسامي يصعد به إلى مستوى الوعظ المباشر.

العمل الأدبي لا يمجد لحظات الهبوط إنما يذكرها فقط العمل الأدبي لا يمجد لحظات التسامي إنما يذكرها فقط.

دلونى على رواية نجيب محفوظ لم يمجد فيها لحظات الهبوط ولم يسخر فيها من الموروث! ماذا قدم محفوظ لأمته؟!

الفن هو رسالة الجمال في طريق الحياة كما يقول أستاذنا الدكتور عماد الدين خليل فهل من رسالة جميلة قدمها الأستاذ نجيب محفوظ من خلال ما كتبه؟

إن وظيفة الأدب هي أن يعلوا بالجماعة لا أن يهبط بها، وهو قول منسوب إلى الدكتور طه حسين.

هذه ليست محاصرة لأدب نجيب محفوظ الذي أساء (لخصائص أمته..) بشكل مباشر أو حتى بشكل رمزي فأقبل على ترجمة أعماله (الأب قنواتي) رئيس دير الأباء الدومنيكان بالقاهرة بمعرفة (ج جوميه) وأتيح له ما لم يتح لغيره من الذين استمدوا فكرهم من دينهم وكانت إساءات محفوظ وتصويره للنماذج البشرية الشاذة والتعدي على حق الله من أسباب حصوله على جائزة (نوبل) !! ويمكن مراجعة ما كتبه الدكتور محمد الحسيني إسماعيل في كتابه (الدين والعلم) مرجع سبق ذكره ص 152.

لا شك أنه كاتب صاحب موهبة أدبية كبيرة ، ولكن أبالسة العصر الذي نشأ فيه استطاعوا أن يديروا رأسه إلى الغرب تماماً فأصبح وكأنه منهم، فقد تشبع الرجل بفلسفتهم الفاشلة فلم يدركه منها إلا خسارة الدنيا والله أعلم بالآخرة.

ولا حول ولا قوة إلا بالله.  

clip_image002_690df.jpg

 

clip_image004_5f495.jpg

 أقامَ نادي حيفا الثقافي والمجلس المِليّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ- حيفا "أمسيةً عُكاظيّةً شِعريّةً"، في قاعة مار يوحنا المعمدان الأرثوذكسيّة في حيفا، وذلك بتاريخ 29-10-2015 وبحضورٍ كبيرٍ وواسعٍ مِن حيفا والجليل والمثلث، ضمّتْ أدباءَ وشعراءَ ومُهتمّينَ وذوّاقينَ للكلمةِ الشعريّة، وهذه هي الأمسيةُ العُكاظيّةُ الفصليّةُ الثانية، وقد استضافتْ كلّا مِن المُشاركين: إياس يوسف ناصر، ليليان بشارة منصور، حسين جبارة ودانا بشارة، وتولّتْ عرافةَ الأمسيةِ كوليت حدّاد، وأضفت الفنّانة روزان بولس بصوْتها العذب الشّجيّ لمسةً شعريّة إضافيّة، لتكتملَ الكلمةُ بالنغمة، وبصوتٍ واحدٍ غنّى الحضورُ مُهنّئين ليليان منصور بميلادِها، خلالَ التقاط الصور التذكارية!   

مداخلة العريفة كوليت حدّاد: إياس يوسف ناصر من قرية كفرسميع شاعر ومحاضر للّغة العربيّة في الجامعة العبريّة في القدس. أنهى بتفوُّق دراسته للّقب الأوّل، وللّقب الثّاني في الأدب العربيّ والأدب المقارن في الجامعة العبريّة، وهو على وشك إتمام رسالة الدّكتوراه في الشّعر العربيّ القديم. حصل على تسع جوائز لتفوُّقه الأكاديميّ، مِن بينها جائزة رئيس الجامعة العبريّة.

صدر ديوانه الأوّل "قمحٌ في كفّ أنثى" عام 2012، عن المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر- بيروت. وقد كتب عن الدّيوان غير واحد من النّقّاد المحلّيّين. أقامَ أمسياتٍ شعريّةً عديدةً، وشارك في لقاءاتٍ أدبيّةٍ كثيرة، في مختلف النّوادي والمراكز الثّقافيّة في البلاد. يكتبُ القصيدةَ العموديّةَ والشّعرَ الحُرَّ أيضًا، ويتناولُ شعرُهُ موضوعاتٍ اجتماعيّةً مُهمّةً، كمكانةِ المرأةِ واضطهادها في المجتمع الشرقيّ، والانتماء إلى الوطن، وقداسةِ الإنسان وحرّيّتِهِ، هذا إلى جانب قصائد غزليّة كثيرة، يحاولُ فيها أنْ يتّخذَ الحُبَّ دواءً للأوجاع الإنسانيّةِ على مستوياتٍ مختلفة. صدر له قبلَ أيّامٍ ديوانَهُ الثاني "قبلةٌ بكامل شهرزادها"، عن منشورات مؤسسة الأفق- حيفا.

حيفا/إياس يوسف ناصر: حيفا الحبيبةُ.. أيَّ شِعرٍ في فمي/ أهدي إلى عينيكِ بعدَ غيابي؟!/ قد ذقتُ من شفتيكِ أطيبَ قبلةٍ/ وشَمَمْتُ في كفّيكِ عطرَ شبابي/ ونثرتُ شَعرَكِ فوق نهرِ قصائدي/ فتخمّرتْ في كرْمِها أعنابي/ فلتعذريني.. إنْ هجرتُكِ مرّةً/ من لي سواكِ بعودتي وذهابي! 

كمان/إياس يوسف ناصر: في غابةِ الموتِ الدّغيلةِ/ لستُ أطلبُ/ غيرَ ما يحكي الكمانْ!/ لا أقرأُ الأخبارَ/ عن جسدي ولا/ أرمي شِباكَ الـحدسِ/ كي أصطادَ جرحي/ في صُداحِ البرلمانْ!/ لا شيءَ يعنيني/ سوى لغةِ الكمانْ/ في الحزنِ مهتمٌّ أنا/ في نشوةِ الهذيانِ مهتمٌّ أنا/ في بيدرِ القتلى/ المحاصرِ بالمكانْ/ في الرّيحِ إنْ شَبِعَتْ/ نُواحًا/ عند نافذة الثّكالى/ في انصداعِ الرّوحِ/ مهتمٌّ بأن أرتادَ قلبي/ مرّتينِ/ لأطمئنَّ عن الطّفولةِ/ في ترانيم الكمانْ/ هيهاتَ نصغي/ لو هنيهاتٍ/ إلى لغةِ الكمانْ!/ هيهاتَ نَعلمَ أنّ/ أعماقَ السَّكينةِ/ في دواخلِنا/ رهينةُ إمتحانْ!/ هيهاتَ نَعرفَ أنّ/ في أعماقِنا/ شيئًا طفوليًّا/ رفيفًا/ أو وريفًا/ مثلَ ظلِّ السّنديانْ/ لا شيءَ يعنيني/ سوى وطني/ أنا وطني/ صديقي/ أو قريبي/ أو غريبي/ لا فرقَ عندي/ حين أسمعُ/ صوتَ قلبي/ في مناجاةِ الكمانْ!/ لا يبقَ شيءٌ/ قد يراودُني/ إذا ناجيتُهُ/ غيرُ الحقيقةِ/ أنّني إنسانْ!

صورة الله/إياس يوسف ناصر: وطني.. ليس ترابًا وحجرْ!/ وانتسابي.. لا لبَكْرٍ أو مُضَرْ!/ كلُّ ما في الأمرِ أنّي شاعرٌ/ ريشتي قلبي.. وأوراقي البَشَرْ!/ وبلادي.. رحلةٌ لا تنتهي/ مع صدى الإنسانِ في كهفِ القدرْ/ ربّما كنتُ حزينًا مرّةً/ ربّما كنتُ سفيرًا للقمرْ/ ربّما عشتُ طويلًا مع فتًى/ يَرضعُ الشّمسَ.. ويغتالُ المطرْ/ ربّما قد أخبَرَتْني حلوةٌ/ عن صديقٍ كان شكلًا للأثرْ/ ربّما صادقتُ ظلّي حينما/ يُورِقُ القيظُ على خدِّ الشّجرْ/ وطني.. ليس خطابًا عاقرًا/ من سياسيٍّ.. ولا محْضَ خبرْ!/ وطني.. ليس حدودًا بعدَها/ تنتهي الدّنيا.. وينسدُّ النّظرْ/ وطني الكونُ.. وأهلي كلُّهم/ صورةُ اللهِ.. وأصنافُ البشرْ!

لستُ يوسُفَ يا أبي!/ إياس ناصر: همّتْ.. هَمَمْتُ.. فغلّقتْ أبوابَها/ وتمايلتْ نحوي تحدِّثُ: "هيتَ لكْ"!/ تلك الصبيّةُ.. إذ رأيتُ عيونَها/ حدّثتُ قلبي.. أنْ أتى من كمّلَكْ/ من أين تبتدئُ الأنوثةُ يا تُرى؟!/ مِن وجهِها؟! مِن كحلِها؟! ما أجهَلَكْ!/ في كلِّ شبرٍ.. ألفُ لغمٍ للهوى/ فارأَفْ بنفسِكَ.. ليس يَرجعُ من هَلَكْ!/ شفتانِ غارقتانِ في عسلَيْهما/ ونوارسُ النهدينِ.. تَصدَحُ في الفَلَكْ/ وعليهما نافورتانِ كحربةٍ/ في الدربِ قد وقفتْ لتطعنَ مَن سَلكْ/ سارتْ إليَّ.. وأسقطتْ فستانَها/ فتطايرتْ فوقي النيازكُ في الحَلَكْ!/ بل أفرغتْ كلَّ الأنوثةِ في فمي/ وتفوّهتْ: "إني أحبُّ مُقبَّلَكْ"/ "أشعِلْ فتيلَ الحبِّ في أعماقِنا/ مرِّرْ على كلِّ الحدائقِ أنمُلَكْ!"/ "وابذُرْ عليَّ.. بذورَ قمحِكَ كلَّها/ وابعثْ إلى حقلِ السنابلِ منجلَكْ"/ "لم تَبقَ في هذا الوجودِ مساحةٌ/ إلّا لتبنيَ.. فوق صدري منزلَكْ"/ أينَ النبوءةُ؟! لا أراها يا أبي/ ما جاءَ يَصرِفُني عن الحبِّ الملَكْ!/ برهانُ ربي.. كان وجهَ حبيبتي/ يا وجهُ.. إني فيكَ أعبُدُ مُرسِلَكْ/ بل إنها كانت ملاكي يا أبي/ ونبوءةً حلّتْ عليَّ بــ"هيتَ لكْ"/ عانقتُها.. قبّلتُها.. وأضأتُها/ والحبُّ يَفعَلُ بالقلوبِ بما مَلَكْ/ مِن إحدى عَشْرةَ قُبلةً قد ذقتُها/ أشعلتُ بالشوقِ الكواكبَ في الفلكْ/ فرأيتُ أني كنتُ مع معشوقتي/ قمرًا وشمسًا ساجدَينِ على الحلَكْ/ هذا قميصي.. لم يُقَدَّ.. وشاهدي/ أني سُئلتُ بُعَيْدَها: مَن قَبَّلكْ؟/ إني أحبُّ.. ولستُ يوسُفَ يا أبي!/ رؤيايَ أخرى.. غيرُ ما قد قيلَ لكْ..

مداخلة العريفة كوليت حداد: ليليان بشارة منصور: وُلدت في ترشيحا الجليليّة، حيث أنهت تعليمَها الابتدائيَّ والثانويَّ فيها. تعيش مع عائلتها (د. جوني منصور) في حيفا. نالت الدرجة الأولى في موضوعَي اللغة الإنجليزيّة والأدب المقارن من جامعة حيفا، والدرجة الثانية في الكتابة الإبداعيّة من جامعة ليدز، وتحملُ شهادة معلمة مؤهّلة لتدريس اللغة الإنجليزيّة، وتعمل مدرّسة للغة الإنجليزيّة في مدرسة شعب الثانويّة والكليّة العربيّة للتربية بحيفا. وأيضا تعمل مدربّة في التنمية البشرية. من مؤلفاتها: * كلمات على حافة الدائرة الذهبية (شعر)، الناصرة، 1994. *الندى والتين (شعر)، الناصرة، 2002. *عندما يغتسل التراب (شعر)، بيروت، 2006. *الذاكرة الفلسطينيّة في رواية بنت الغول (دراسة)، رام الله، 2009. *صديق سامي (قصة للأطفال)، حيفا، 2006.

ليليان بشارة منصور/ هفوة نسيان: قبلَ رحيلِكَ/ فاتَكَ/ أنْ تغسِلَ رِجْلَيْكَ/ في بَحرِ حيفا/***/ لِنُحْضِرْ إناءً/ ما دامَ وُصولُكَ/ إليْنا ربّما.. مُستحيلا/ لِنَغرُفْ مِن بَحرِنا ماءً ورملًا/ قصائدُنا في الظّلام/ في غرفةٍ/ يَتسلقُها/ خيطُ نورٍ/ تنتظرُ حمّامًا ساخنًا/ لترتويَ/ مِن أصابِعِكَ/ وإبريلُ في الدّربِ قادمٌ/ ويومُ القيامةِ حتمًا آتٍ.

ليليان بشارة منصور/ دائرة النبيذ: وحلمَ يومًا/ أنْ  يَسكُبَ زجاجةَ نبيذٍ/ مِن قِمّةِ رأسِها/ حتّى أصابع رِجْلَيْها/ وفي الحُلم/ يَرشفُ الحُبيْباتِ/ على مَهلٍ/ رشفةً تِلوَ رشفةٍ/ فيتكاثرُ النّبيذُ/ ويُولدُ بحرٌ/ مُتلاطِمُ الأمواج.

ليليان بشارة منصور/ رقصةُ النّوارس: وبينَ الأزقّةِ السّاكتةِ/ يَتهامسون/ بوَشوشةٍ رقيقةٍ/ عن خطايا الماءِ والتراب/ ويَعلو صوتُ الحُبِّ/ ويَتكاثرُ الإغواءُ/ على زبدٍ طائشٍ/ في ليلةٍ ليلاء/ تستيقظُ الشّمسُ/ لسفر تكوينٍ/ لسفرٍ مُتجدّدٍ بينَ الأمواج/ ورقصةُ النّوارسِ/ في الفجرِ/ احتفاليّةٌ/ طقسُ الولادةِ.. أنشودُةُ الإخصابِ/ على رِمالِها خطّتْ/ وامْتدّتْ بجسمِها/ مَدينةُ الأُنثى/ تلُفُّ ذراعَيْها/ بشالِ الصّنوبَرِ/ وتتعطّرُ بشقائقِ النّعمانِ/ تَزهو مُنتصِبةً/ تَشربُ مِن ماءِ وادٍ/ تقطّرتْ بهِ جداولُ السّماء/ وتُلامسُ العتبات/ فتنهضُ البيوتُ بقصصِها/ على الشّبابيكِ الخشبيّة/ ندًى يُحاكي الفراشاتِ/ وهنا.. في محطّةِ الكرملِ/ مَمالِكُ قدِ اعتزلَتْ/ ولمْ يَبقَ بَعدَها/ سوى مناديلِها المُشتهاة/ ووادي الصليبُ/ يَنزفُ دمًا / بَعدَ فرَحِ الولادة/ ناقوسُ الحزن/ موتُ الفرحِ/ وفي الدرب أشلاء عمامات وفصولٌ/ من حكايات/ أقفلَ الستار/ قبل أن تنهض الأنثى/ من فراشها/ وتبتسم لجسدها/ ويفرش الندى غطاءً يحمي بيتها/ وتُمسك بيدِها المفتاح/ وفي دهشةٍ.. ينثرُ الغبارَ على شمسِ الصّباح/ ويَفرشُ العنكبوتُ/ أجنحةَ البقاءِ/ هذه حيفا/ أُنثى الإغواءِ وختراقُ/ حكايةِ عِشقٍ/ بينَ الأزقّةِ السّاكتةِ/ ووشوشاتِ الصّمتِ/ وعلى أكفِّ النّوارسِ/ حيثُ يَستكينُ الاغترابُ/ وحيث تستكينُ بصمتٍ/ عذوبةُ الإغواء..

مداخلة العريفة كوليت حدّاد: دانا بشارة تبلغ من العمر 24 عاما، وُلدت لعائلة بسيطة في مدينة الطيرة، لأب وأم مُحِبّيْن وداعِمَيْن جدًّا، حَرِصا على تعليما الفنونَ من سِنٍّ صغيرة، كالرّسم والموسيقا، وعندما بلغت الرابعة عشر، كانت ترتادُ مكتبة المدرسة كثيرًا، لأقرأ الروايات بالعربيّة والإنجليزيّة، ومِن ثمّ صارت تحملُ دفترًا بشكل دائم، كمُحاولة منها لرسم ما يدور حولها بالكلمات، وفي نهاية كلّ يوم تمزّق ما كتبت لعدم رضاها! في سن السابعة عشر.. طلب أستاذ اللغة العربيّة الأديب والشاعر والمُحلّلُ الأدبيّ عبد الرحيم شيخ يوسف، كتابة ما يجولُ في الخواطر، فدُهِشَ بكتابتها، وصارَ يدعمها ويُشجّعها على الكتابة، إلى أن أصدرتْ ديوان "جرعة من الجرأة" عام 2009، وفوْر إنهائها المدرسة الثانويّة التحقتْ بمعهد التخنيون في حيفا، لدراسة الهندسة المعماريّة، وعام 2013 أنهتْ لقبها الأوّل مع رتبة امتياز. وإيمانًا منها أنّ البحثَ العلميَّ قد يُثمرُ عن "مباني ذكيّة"، قرّرتْ أن تُواصلَ دراستها للدكتوراه في مجال "المواد الذكيّة-smart materials". وما زالت تدرس وتغرق في البحث العلميّ حتّى اليوم، وبعلاقةٍ وطيدةٍ بالأدب والقراءة والموسيقا. وتكتبُ مِن حينٍ إلى آخر.

دانا بشارة/مَهلًا صَديقِي: مَهلًا صَديقِي/ اِرفِق بِالنَّجْمِ عَلى وِشاحِي/ أيْقَظْتَهُ فَجْرًا/ تَوَسَّدتَ آلامَه/ أضْحَكْتَهُ طِفْلاً/ أبكَيْتَ المَطَر/ هَدَمْتَ قِلاعَ الحُزنِ/ وأنا مِن حِجارَتِها أستَكين/ لِشموخِها الموجِعِ بِرُقِيِّ الوَجَعِ أدين/ مَزَّقْتَ عَلى أهدابِي الصُّور/ نُورُكَ اجْتاحَ خَاصِرَةَ الكَلِماتِ/ أطْرَبَها/ تَمايَلَت كَعَروسِ نيسان/ اخْتالَت.. تَكَبَّرَت.. قَبَّلَتِ المعانِي/ بِضوءِ روحِك عَانَقَت الحِبْرَ حُبًّا/ نَقَشَتْكَ شِعْرًا عَلى ضِفَافِ القَمَر/ يَسْتَعِرُ شَعْرُكَ عَلى جِباهِ لَيْلِي/ لَهُ ليْلٌ فِي القَلْبِ مَسْكَنُهُ/ يَطْبَعُ عَلى خَدّي قُبْلَةً  ويَنْطَوي/ لا تَنامُ سَماءُ قَلْبي تَحْرُسُهُ.. وَينامُ البَشَر..

مَهْلاً صَدِيقي/ ابتسامَتُكَ تَنْهالُ عَلى رأسِي مُحَمَّلَةً بِطَهارةِ الشُّطآن/ تَقْلِبُ مَوازِينِي/ تَبْتَلُّ ذاكِرَتِي بِك/ تَمْضِي الأجمَلَ مُنْذُ تاريخٍ/ والأعْمَقُ.. مِن سِرِّ البَحَر/ مَهلاً صَدِيقي/ ضَاقَتِ الأرضُ بِوُرودِها/ ولِصَدْرِكَ رَحَابَةُ الخُلْجَانِ/ وأنا المَوْجُ تائِهٌ فِي صَدْرِهِ عِقْد فُلٍّ منذ أعوامٍ/ أَنْهَكَهُ السَّفَر/ خُذ بِيَدِي/ تَسَمَّرَت عُروقِي بِدَمِها/ وأنتَ للروحِ شعشاعٌ ودِفءٌ/ وللعَينِ قُرةٌ ولَيلُ السَمَر/ خُذ بِيَدِي/ كالأطفالِ عَلِّمني المَشيَ/ أُهَرْوِلُ إلَيْكَ/ دُلَّني.. كَيْفَ المَسير/ فأنا مُنذُ أعوامٍ/ تُمْطِرُ الأفكارُ خاطِري/ تُثْقِلُ كاهِلي/ تَتَساقَطُ مِن جَبيني/ تَمحو مِن خارِطَتي الطريق/ خُذ بِيَدي/ يَنهَمِرُ وَجْهُكَ القَمَريُّ في صَدري/ تَتَلَعثَمُ قَدَمي/ تَتَكَسَّرُ الخُطى/ تَهجوني الرِّمال.. أبعثِرُها/ على صَفحاتِ كِتابٍ عَتيق/ خُذ بِيَدي/ فلا مَسقطُ رأسي يَعرِفُني/ ولا التاريخُ/ ولا مواطِنُ المياه في الشِّتاء/ تُنْكِرُنِي حُروفُ إسمي/ وتَتَنَكَّرُ لِي اقتِباساتُ الرَّناء/ غَريبةٌ عنها.. وغريبةٌ عني كل الأشياء/ خُذ بِيَدي/ البلابِلُ لا تَشدو هُنا/ يَأتي الربيعُ ولا تُزهِر الرِّياضُ/ مُكفَهِرَّةٌ سُحُب الحنين/ باكٍ وَجه السَّماء/ خُذ بِيَدي/ أرى التيهَ فِي الأمْسِ فاجِعَتي/ أشْتَمُّ فِي أنسامِهِ الهَباء/ ساعِدْني/ طالَ البَرْدُ/ أطرَقَت رأسَها على كَتِفي مُتْعَبَةٌ مواسِمُ الجَفاء/ تَصْفَعُني الرِّياحُ/ توقِظُ حواسي/ تَرْتَجِفُ أطرافِي/ أخافُ الإعياء..

دانا بشارة/ لا تَسَل ثانِيَةً: لا تَسَل ثانِيَةً/ فَلَرُبَّما تُنكِرُني كلماتِي/ الإجاباتُ كثيرة/ مُعَقدة وبسيطَة/ كَبذورِكَ في قَلبي تَنمو/ جَعَلتني طِفلَةً/ وَجَعَلَتك أميرا/ لِأنَّ الشَّمسَ لَم تَمُت/ لِأنَّ القَمَرَ لَم يَخفُت/ ولأن البحر لم يَجِف/ وَسماء حَيفا أنجَبَت روحَك أثيرا/ أراكَ تَدُقُّ/ أبواب القصيدة/ لِأن الكونَ صاخِبٌ/ لِأنَّ الكون ساكِنٌ/ لأنَّك الكون/ يبدو في عيني جميلًا ومثيرا/ لِأنَّ للرَّملِ يدٌ/ تَمتَدُّ نحوي/ تدعو لرَقصةِ السَّحاب/ لأنَّ للموجِ كَفٌ/ على كتف الأرضِ يُلقيها/ تَمحو العذاب/ لِأنك هُنا.. وأنا فِي هُناك/ أشتم قصِيدَةً بِطَعم الزعتر/ ورائحة الليلكِ/ وَتفاصِيل الجوى في سَناك/ لِأنَّ العشبَ أخضَرٌ/ يَستَحِمُّ بالنورِ/ تَرتَشِفُهُ قَدَماك/ لِأنِّي أقطِفُ السُّكَر/ وأُداعِب الفراشَ/ في غاباتِ الشِّعرِ/ كلما اعترتني عَيناك/ لِأنَّكَ طَقسِي/ وَهطولَ أعماقِي/ وَجُنونٌ/ شَيَّعَنِي أسيرَةَ حِماك/ لِأنَّك هُنا في قلبي/ وأرانِي في قلبك هُناك/ دَعني أتوَرَّطُ وحدي/ لا تُتعِب السؤال/ لِأنَّك في مِرآةِ قلبي/ آيات الجمال/ لِأنَّك هُنا/ وأنا حبيسَةٌ في هُناك/ لِأنَّ دونك/ تبكي القصيدةُ دَهرًا/ ويخبو الرجاء/ لِأن الجِبال شامِخةٌ/ يُحاصِرها المدى/ تُقَبِّلُ شِفاه السَّماء/ لِأنّ الحروفَ راكِعَةٌ/ تبتَهِلُ بِدَمعي/ عَلى سُطورِ العزاء/ ولِأنَّك تأتي مِن/ خلف الصوتِ/ تداهمني اللغة/ أكتَمِلُ أنا وأنت والمطر/ ونخيلُ بِلادي بيننا/ جميلُ الكبرياء/ ولربما لأن/ مِن قَبلِكَ/ لَم أكن حَواء..

دانا بشارة/ ضُيُوفُكَ نَحْنُ أيُّهَا اللَّيل: ضُيُوفُكَ نَحْنُ أيُّهـا اللَّيل/ فَتَحَمَّلنا وَتَجَلّد/ كَفانَا نَهــارنَا تَسَهَّد/ سَقَط غصْنُ الزَّيْتُونِ مِن مِنقَارِ حَمَامَةٍ/ وَمَا مِن أخْرَى حَمَلَتْه/ جَفَّ.. والطَّيْر تَلَبَّد/ ضُيُوفكَ جِئنا/ مُكَفَّنِين بِيوْمٍ ماضٍ/ بِصَلَوَاتِنَا ومُوسِيقانا/ بِتُقــَانا وعصيَانِنا/ بِأفْراحِنا ودمــاء شُهدائنا/ بِجنونِنـا واتِّزانِنا/ نَسألك الضُّوءَ مِن نَجْمٍ/ مُتَحاشينَ سِتْركَ الأسوَد..!/ ضُيــوفك نحْنُ أيها الليل الشجِيّ الفَرح/ المُخْتـال بِسِرَاجه.. المتزَهِّد بعتْمَتِه/ وَقَد لَا نَحِلُّ غَداً ضُيُوفـا/ فارفِق بِنَا.. إيَّاكَ نَتَوَسَّد..!/ ضيوفك نحن أيُّها الليل وابتِهـالات/ ما زالت تترنم في جوفي/ على ذات الايقاع/ تَعْتَريني/ وَيَعتَريها الحنين/ تكتبني بجَرَّةِ قلم/ تُمَجِّدُ عروبتي بأوَّلِ السَّطْرِ/ تَسْتَنْكِرُنِي مضيًـا/ تمحوني بعنفوانها/ وتقتل صرخة الصمت/ دونَ أنين/ تَتَناثَرُ.. تتبعثر/ كبنفسجةٍ في موسمها/ تتطاير.. تُحَلِّق/ كفراشةٍ ترقص في عرس الربيع/ وَتَتْرُكُنِي على أعتاب يومي/ أناجيها/ كَيْفَ لَها أن/ تَخلو مني/ تَتركني بلا ملامح/ بلا وطن/ تتركني وشحوب فلسطين..!

ابتِهـالات/ تُعانِقُ الوَقْتَ عنوَةً/ ولَا تَمتَثِلُ لِسِواه/ تَرجُو/ والرَّجاء في حُروفِها قَصيدَةٌ/ مَطْلَعُها مُهَشَّمٌ/ مَتْنُها مُهَمَّشٌ/ وَخِتامها جَريح/ فِي صَلَواتِي تداهِمِني/ كَسَيْلِ دُمُوعٍ/ تَمْسَحُ الغبارَ عن زُجاجِ قَلبي/ دُونَ رِفقٍ تَرْشِقُنِي/ تَجْرِفُ قَوْلِي/ تَترك على الشفَّاهِ نَغَمٌ كسيح/ كَيفَ أمضى الحُبُّ على الأرضِ عِبئًا؟/ مَتى رَحَلَ مِن أعماقِنا الإنسان؟/ وأصبحنا كُهولًا نندِبُ عُروبتنا/ ونجتَرُ كُلَّ مَساءٍ كَلأَ اللغَةِ من وجع الأوطان؟/ ما بالَ ريقُ الأرضِ علقَميٌّ من دَمٍ/ ولكأنما مِن بعدِ نوحٍ في الأرضِ طوفان؟/ كيف تُصلَبُ الطفولةُ كل يومٍ/ وَتُعدَم البراءةُ في ميادينِ الأديان؟/ تتسعُ هوةُ الصمتِ حِدادًا/ لا أجراسُ الكنائِس فَرِحَةٌ/ ولا خاشِعٌ صوتَ الآذان/ في سوريا ذئبٌ/ يغرسُ براثنه في لَحمِ كبشٍ باكٍ/ ومِصرُ خَلفَ قناع الحضارةِ/ وجهُ جهلٍ دامٍ/ والعراقُ شلالات دِماءٌ/ ما انفكت تنسكب منذ أعوام/ وفلسطين مُذ فُكَّت ضفائرها/ قُدسُها مُنتَهَكَةٌ/ كيف أمضت عروبتي تحت الركام؟!

حسين جبارة/سوفَ آتي: أنتِ بحرُ الشِّعْرِ/ بحرُ الحبِّ أمواجُ الليالي/ فانظُريني/ سوفَ آتي/ أنتِ إيقاعٌ ببالي/ قدْ ركبْتُ الريحَ/ أجتازُ تْسُنامي/ لنْ أبالي 

حسين جبارة/إنَني أُمُّ الوليد: وأفقْنا في صَباحٍ باكرٍ/ نقصدُ السجنَ الكبيرْ/ فيهِ أشْبالٌ كِبارْ/ دَفعَتْ أحلامَها/ من أجلِ حلمِ الآخرينْ/ سَنُعاني بازدحامٍ وانتظارْ/ بمكوثٍ وَوُقوفٍ وَتَلقٍّ  للأوامرْ/ في طريقي لِأَسيرٍ باتَ حُبَّا/ مثلَ أسرانا جميعًا/ يستحقّونَ النَّهارْ/ ووَصلنا ساحةَ السجنِ البغيضْ/ ورأينا كلَّ أطيافِ الوطنْ/ مِن شتاتٍ واحتلالٍ/ مِن جليلٍ أو نقبْ/ شعبُنا في الأسرِ واحِدْ/ لا حُدودٌ أو حواجِزْ/ لا خلافٌ أو تَشَرْذُمْ/ كلُّنا في الأصلِ شعْبٌ/ شعبُنا في "الهَمِّ" واحدْ/ وَبِساحِ السِجنِ صمْتٌ/ مِن خلالِ الصمتِ صوتٌ/ صوتُ أُمٍّ/ يَتَعالى مِن بعيدْ/ هاتِفًا اللهُ أكبَرْ/ صوتُ أُمٍّ تتباهى/ راحَ منّا يقترِبْ/ راحَ يدنو صارِخًا/ إنَّني أُمُّ الوليدْ/ أرفعُ الرأسَ افتخارًا/ بِأسيرٍ وسَجينٍ/ أتَغنَّى مِن جديدْ/ وَإباءٌ قامتي/ مَعْدِنُ السجنِ الرِجالْ/ ووليدي في المُؤَبَّدْ/ نغمةً  أشدو أُعيدْ/ شَحَنَ الصوتُ الحضورْ/ وَدَخَلْنا في الغياهبْ/ أُطرقُ الرأسَ مليًّا/ وبدربي باحثًا/ عن أسيرٍ وحبيبٍ خلفَ قضبانِ الظلامْ/ في حلكةِ الليلِ الشديدْ/ يرتئي الأسرى العبيدْ/ فجأةً صوتٌ ينادي/ وَسَمِعتُ الصوتَ أُستاذي ينادي/ فالتَفَتّْ/ ورأيتُ الشبلَ قُدامي وقوفا/ خلفَ شُبّاكِ العبوديَّةِ صلبًا كالحديدْ/ كلُّ رِمشٍ فيهِ سَهمْ/ كلُّ جَفْنٍ حارسٌ يحمي البريقْ/ جبهةٌ تعلو شموخًا/ أنفُهُ كِبْرٌ عنيدْ     

تُهتُ في بحرِ العيونْ/ يا عيوني، مَن تكونْ/ أنتَ أُستاذي ب"وردٍ"، وَأَنا كنتُ الوليدْ/ ما اقترفتُ "الذنبَ إثمًا"/ غيرَ أنّي/ عن حقوقي ما صَمَتّْ/ لستُ في الأسرِ الوحيدْ/ خلفَ قضبانٍ تراني/ في شراييني الأماني/ أهزمُ اليأسَ وأحيا/ في فضاءات ِ المعاني/ وزنازيني أُرَوِّي عشقَ أوطاني ضياءً/ في طعاني لا أُعاني/ وحقوقي قَبَسٌ/ في المدلهمّاتِ الدليلْ/ عنهُ يومًا لا أَحيدْ/ إصبعي بينَ الشِباكْ/ وعيوني في المحيطْ/ شِحنةٌ خضّتْ كياني صرتُ تلميذَ الأسيرْ/ وهوَ أُستاذي أنا/ بكلامٍ واثِقٍ ولسانٍ لاهِجٍ/ مفرداتي تمتمتْ/ كلُ شيءٍ يتغيّرْ/ وقوانينُ الدُوَلْ 

رُحتُ في الدهليزِ أمشي قاصدًا شِبْليَ الحبيبْ/ لم تُفرّقْ خَلَجاتي بينَ تلميذٍ وفيّْ/ أو حبيبٍ بالزياراتِ الجديرْ/ صارَ كلٌّ في اعتباراتي صَفيّْ/ تهتُ في سينٍ وجيمْ/ صحتُ في نفسي عميقًا/ حيِّ جيلاً صاعدًا/ لا تَخَفْ/ ما دامَ في القلبِ الإلهْ/ ما علا صوتُ النبيّْ/ أُمَّهاتٌ، رُحنَ يُرضعْنَ الصبيّْ/ بِغذاءٍ وانتِماءٍ ، وبِحسٍّ وافتداءٍ/ بِمِثالٍ/ يتغنّاهُ الأبيّْ/ بِإِلهٍ وَنَبيٍّ/ وَبِأُمٍّ وَصَبِيٍّ/ وانتماءٍ وافتداءٍ/ كلُّ أُمٍّ في بلادي ، قلعةُ الحبِّ النَّقيّْ/ كلُّ طفلٍ في ثراها، في الميادينِ العصيّْ 

الاسير وليد دقة من سكان باقة الغربية يرزح في غياهب السجن الامني منذ  ثلاثة عقود ويعتبر احد الرموز البواسل في عتمة الليل الطويل، صلبا متمرسا ويحيا لقضية مقدسة صامدا كصخر بلادي متجذرا كالزيتون. (حسين جبارة 18-12-2013)       

حسين جبارة/ العاشقونَ لشهرزاد: في الحيِّ عاشت شهرزادُ/ حَكتْ مِثالًا في الجَمالْ/ كانت عروسًا في الشَآمِ/ بَدتْ ملاكًا في الكمالْ/ ميزاتُها سِحرٌ غَمَرْ/ أوصافُها تَسبي الرجالْ/ فتقاطر الُعُشّاقُ في طُرُقاتها/ عشقوا الهلالْ/ عشقوا العيونَ/ كَما الضفائرِ زيَّنتْ/ قدَّ الغزالْ/ بعثوا اللِحاظَ رسالةً/ بالوُدِّ تخطُبُ والوصالْ/ قطعوا الدروبَ لأجلها/ جازوا السواحلَ والرمالْ/ قطفوا الورودَ قلادةً/ تُهدَى لفائقة الدلالْ/ الحيُّ اضحى قِبلَةً/ ثمَّ المزارَ بكلِّ حالْ/ جاءَ القريبُ أتى البعيدُ/ مُحَمَّلاً ماسًا ومالْ/ كلٌّ سعى للفوزِ بالحسناءِ/ تَرضَى بامتثالْ/ يا شهرزادُ بِحَيْرَةٍ/ ما تفعلينَ بذي السلالْ/ وصلَ المليكُ برهبةٍ/ يُلقي على الحيِّ الظلالْ/ مِن خلفِ بحرٍ هادرٍ/ خطبَ المليحةَ بالسِجالْ/ بالعرشِ يسكنُ شهريارُ/ رمى عروسًا بالحلالْ/ بالمالِ أو ذهبِ الدُّنا/ بالقسرِ حتى بالضلالْ/ هذي العروسُ تمنَّعتْ/ تأبى عريساً واحتلالْ/ تَرمي غريبًا آتِيًا/ يدعو لعُنفٍ واعتقالْ/ يبغي الأميرةَ عُنوةً/ والعاشقينَ الى ارْتحالْ/ الحيُّ يعشقُ شهرزادَ/ غدا جُنودًا للقتالْ/ وانضمَّ رهطٌ مِن جنوبٍ/ يَلتَقي حشدَ الشَمالْ/ خرج الورى في نخوةٍ/ لم يركعوا، حملوا النصالْ/ والعاشقونَ تشَمَّروا/ رَصدوا القصيدةَ للنضالْ/ قذفوا الحجارةَ صلبةً/ في وجهِ مَكرٍ واحتيالْ/ رفعوا الأسِنَّةَ والقنا/ طربوا على وقعِ النزالْ/ عانوا السُجونَ وقهرَها/ زُفُّوا لِمَوْتٍ واغتيالْ/ رصُّوا الصُفوفَ لِشحنِها/ والصوتَ يَبعثُهُ المقالْ/ درويشُ يعشقُ بالقصيدِ/ سميحُ يلهبها اشتعالْ/ غسّانُ يغمرُهُ الحنينُ/ جَمالُ يشدو بابتهالْ/ زيّادُ رمشٌ يَفتدي/ ناجي العليْ رسم المحالْ/ هذا الدسوقيْ مغرمٌ/ دحبورُ يرشُقُ بالنِبال/ يا راشدًا يا عاشقًا/ يا صالحًا، أطلِقْ عقالْ/ كلٌّ تغنَّى بالحبيبِ/ زها التّغنّي بارتجالْ/ والعاشقونَ لشهرزادَ/ شَدَوا لها، دفعوا الوبالْ/ هذي المليحةُ للخُلودِ/ غَدَتْ نِضارًا في المجالْ/ وقوافلُ العُشّاقِ تزحفُ/ في النهارِ وفي الليالْ/ كلٌّ رمى وَلِهًا بِها/ للفوزِ يسعى والنوالْ    

حسين جبارة/ نسيجُ الشِّبلِ والنِّمرِ: أحبّيني/ بِعزمِ السيْلِ إذ يجري/ بشوقِ النهرِ للبحرِ/ بوعدِ الغيمِ محمولا/ تَسوقُ الريحُ بالقطْرِ/ أجيبيني/ بِعذبِ البوْحِ في الفجرِ/ بهمسِ الدوح مشغوفًا/ بِطيبِ الضَوْعِ والعِطْرِ/ أيا حلمي/ أضيئي الحبَّ بالزهرِ/ وميضًا فاحَ بالعذري/ أغيثي لهْفةَ الصادي/ بِرِيقٍ فاضَ مِن ثَغْرِ/ فأنتِ النّبضُ يا قلبي/ حنينًا هاجَ في الصدْرِ/ وأنتِ الحبُّ توّاقًا/ بيومِ الوصلِ والهجرِ/ أغيثي لهْفتي بَدري/ ألستِ الدفءَ في القرِّ/ ألستِ رِحابَ شُطآنٍ/ نسيمَ البحرِ في الحرِّ/ ضَفائرُكِ التي أهوى/ حريرٌ ناعمُ الشَّعْرِ/ حريرٌ ماجَ في غنجٍ/ رشيقَ القرطِ والنَّحْرِ/ وَليْ أَصغي/ أنا عِشقٌ/ يتوهُ بغابةِ السِّحْرِ/ أنا شبلٌ بميدانٍ/ وَصَلْبُ الكِتْفِ والظَّهْرِ/ أبُثُّ إليكِ تنهيدًا/ يَهيمُ بِرقَّةِ الخصْرِ/ أضُمُّ القدَّ ملهوفًا/ أعيشُ الوَجْدَ يا عمْري/ أذيبيني بِفِنجانٍ/ مِنَ البلّورِ والتّبْرِ/ كحبّاتٍ مِنَ الحلوى/ مِنَ الأعنابِ والتَّمْرِ/ كمشروبٍ يُعافينا/ يُماهي الشَّهْدَ بالخمْرِ/ يُسيلُ الرّيقَ تِرياقًا/ أعاقرُهُ بلا حَظْرِ/ يُميلُ الرّوحَ في جسمي/ مِنَ الإعجابِ والسُّكْرِ/ أنا ثَمِلٌ/ وما أدري/ أداعبهُ إذا أوحى/ لقاءَ السِّترِ والجهرِ/ أنا الولهانُ يا روحي/ فَضُمّيني!/ بموجِ المدِّ لا الجزْرِ/ وناغيني بِإحساسٍ/ فتاخُذَني/ ورودُ العشقِ بالنثرِ/ حروفُ الشمسِ بالشعْرِ/ تَلُفُّ ملاكَ أحلامي عباءآتٍ/ نسيجَ الشِّبلِ والنّمرِ 

حسين جبارة/ جدارُ الفصلِ العنصري: يا جِدارًا يتلوّى مثل أفعى/ ووصالاً بينَ أهلي راحَ يَنْعى/ باحتيالٍ ودهاءٍ شقَّ أرضًا/ راحَ يجري/ سالبًا حقلًا وزرْعا/ يحرمُ الفلّاحَ كَرْمًا/ يمنعُ الأغنامَ مرعى/ في الروابي/ ينفُثُ السُّمَّ زُعافَا/ حينَ يسعى/ رافِعًا سدَّا وحدَّا/ فاصلاً ظِلّاً وجذعا/ بفؤادي/ يصرعُ الحلمَ ويطغى/ ويحيلُ السَّفكَ قانونًا وشرعا/ يُرسِلُ الآلاتِ مكرًا/ يُطلقُ النيرانَ لسعا/ يا جدارًا عنصُريًّا/ يسرقُ الشمسَ نهارًا/ يخطِفُ الدفءَ بلمحٍ/ يزرعُ الظلماءَ شمعا/ يتمطَّى/ مانعًا حضنًا وعشقًا/ مُبْعدًا بعلًا وزوجًا/ فاصلاً زهراً وضوْعا/ يتهادى/ ضاربًا سجنًا كبيرا/ داخلَ السجنِ حصارٌ/ ثمَّ طوْقٌ إثرَ طوقٍ/ فارضًا قمعًا فردعا/ موجعًا صفعًا فسفعا/ حائطُ العزلِ اعتداءٌ/ ثمَّ تكريسُ احتلالٍ/ حارمٌ غيثاً ونبعا/ يرتضي الأفنانَ قطعًا/ يشتهي الزيتونَ قلعا/ يُسْقطُ الغربُ جِدارا/ يحتفي فتحاً فوصلا/ يُرْجعُ الألمانَ جمعا/ في فلسطينَ يُحابي/ يمنحُ التقسيمَ عطفاً ثمَّ ضِرْعا/ يزرعُ البُستانَ تكسيرا فجرحى/ يُسقطُ الأحرارَ صرعى/ يمنحُ المُحتلَّ تقطيعاً وضمَّا/ مُلقيًا بالقمعِ روعا/ يحرمُ المحتلَّ بيتاً مستقلا/ كاسرًا في الصدْرِ ضِلْعا 

أرفضُ الأطواقَ إرهاقًا وقهرا/ حاجزَ الفصلِ أُعادي/ تهدمُ السورَ الأيادي/ إنَّني بالعزمِ أقوى/ بتُّ بِالإصرارِ أوعى/ صرتُ طيرا/ ضوعَ زهرٍ/ يعبرُ الحائطَ شوقا/ يجعَلُ الإذلالَ طاقاتٍ ودرعا/ ويحيلُ الحبَّ نسرًا/ ينقرُ السورَ بصبرٍ/ يتهاوى السورُ صدعًا/ يَتَلاشى الصُلْبُ هزعا.

clip_image002_437a1.jpg

القدس: 5-11-2015 عن دار الجندي للنشر والتوزيع– القدس  صدرت رواية" " غفرانك قلبي" للرّوائية المقدسية " ديمة جمعة السمّان.

 تقع الرواية في 224 صفحة من القطع المتوسط، جاءت رواية الأديبة  ديمة السمان بلا مكان أو زمان، ربطت الماضي بالحاضر .. مستوحاة من روح وعادات وتقاليد المجتمعات العربيّة على مرّ العصور.. أهدافها مأخوذة من طبيعة الأرض العربيّة، ومن أساليبٍ عُرف بها الإنسان العربيّ منذ الأزل، تطرق الرواية بأسلوب أدبيّ قضية جوهرية  تعاني منها المجتمعات العربيّة، من ظلم الحكومات المتتابعة التي وصلت الى سدّة الحكم-قديما وحديثا- بالفتن والدّسائس، فما أشبه الخريف العربي قديما بالرّبيع العربي في يومنا هذا، فلن تنتهي هذه الرواية بانتهاء صفحاتها.. فجاءت رواية "غفرانك ربّي"  شاهدة على الماضي.. تخلّد الحاضر.. وتستقرئ المستقبل. وبالرّغم من أن الرواية تطرح قضايا سياسية ومجتمعية، إلا أنها تطرقت من خلال أبطالها إلى الجانب الإنساني والعاطفي، إلى لوعة الغرام واللهفة على المحبوب، تجلت بوضوح في مناجاة الحبيب "خذني إلى الدّنيا.. إلى الحياة.. إلى الشّمس والقمر والنجوم والزهور.. فالبستان في الانتظار.. خذني إلى الماضي لننسى أنّه مرت مثل تلك الأيّام.. ولنوهم أنفسنا أنّ الأيام غفت.. والزّمن توقف عن المسار.. وأنّنا ما زلنا منى ووحيد.. وأنّ الماضي لم يكن سوى أضغاث أحلام..

هاك يدي.. خذني عصفورة تطير على الأفنان..

تغّرد كلّ الألحان.. جناحي أنت..

وأنت الهوى الذي يرفعني فوق الغمام.

لوحة الغلاف " الربيع العربي" للفنانة المغربية د. أم البنين سلاوي.

ولا بد من الذكر بأن غفرانك قلبي هي الجزء الأول لثنائية ديمة اسمان حيث سيتبعها الجزء الثاني لاحقاً برواية عنوانها" هذا الرجل لا أعرفه".

ممّا يذكر أنّ الأديبة المقدسيّة ديمة جمعه السّمان، لها باع طويل في عالم الرّواية، فقد سبق وأن صدرت لها بضع روايات، ولا تزال في قمّة عطائها.

د. عبدالله بن أحمد الفَيْفي

رُؤى ثقافيّة 183

(31- شهادة العاديّات المِصْريَّة- 1)

يذهب بعض المؤرِّخين إلى أن (بني إسرائيل) هبطوا (مِصْر) في إثر سيطرة (الهكسوس) عليها، وأن هؤلاء الآسيويِّين الساميِّين- العراقيّين فيما يبدو- قد وفّروا للإسرائليّين بعض الحماية.  ويُرجَّح أن هبوطهم مِصْر كان عام 1650ق.م، وأن خروجهم كان 1220ق.م، استنادًا إلى ما وردَ في التوراة من أن إقامتهم في مِصْر استمرّت 430 سنة.(1)  وهذا ما سنبحث أمره لاحقًا.  ولعلّ هذه الخلفيَّة تفسِّر لنا اضطهاد العبرانيّين من قِبَل المِصْريّين بعد تحرير مِصْر من الهكسوس، عادِّينهم جزءًا من أولئك الغزاة، أو متعاونين معهم، أو أنهم كانوا يحظون في عهدهم برعاية ومكانة.

ونقلَ المؤرِّخ اليهودي (يوسيفُس، -100م) عن المؤرِّخ المِصْري (مانيثون، الذي عاش في القرن 3ق.م)، أن موسى كان كاهنًا مِصْريًّا.  قال: وكان قد فشا بين بني إسرائيل، المستعبَدين المملقين، وباءُ الجُذام، فخرج الكاهن موسى مبشِّرًا فيهم، ومعلِّمًا لهم قواعد النظافة المتَّبعة لدى الكهنة المِصْريّين.  وهو يفسِّر سبب خروج بني إسرائيل من مِصْر برغبة المِصْريِّين في نفيهم من أرضهم اتقاءً لذلك الوباء الذي أصابهم.(2)

في حين ينقل (ديورانت)(3) عن (جارستانج)، عضو بعثة (مارستن Marston)، التابعة لـ(جامعة ليفربول)، أنها كُشفت في مقابر (أريحا) المَلَكيَّة أدلَّة تُثبت أن (موسى) قد أنجته(4) الملِكَة (حتشبسوت)، عام 1527ق.م، وتربَّى في بلاطها، وفرَّ من مِصْر حين تولى المُلْكَ (تحوت موسى الثالث)، عدوّ حتشبسوت.  وجارستانج يذهب إلى أن الخروج كان في عام 1447ق.م.(5)  ولقد أشير في "التوراة" و"القرآن" إلى أن موسى تربَّى في القصر المَلَكي فعلًا، وأنه كان تحت رعاية ابنة فرعون، حسب التوراة(6)، وامرأة فرعون، حسب القرآن: "وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ، لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ."(7)  وجاء كذلك: "وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ: رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ."(8)  وحتشبسوت هي ابنة الفرعون (تحوت موسى الأوَّل)، من المَلِكة (أعح مس)، وامرأة الفرعون (تحوت موسى الثاني)، والوصية على الفرعون (تحوت موسى الثالث)، الذي حكمتْ باسمه، لصِغر سنّه، بوصفها مَلِكة.

غير أنه لم يُعثر لموسى على ذِكر في الآثار المصريّة المكتوبة.  وهذا غير مستغرب؛ لأمرين: أوّلهما، أن المِصْريّين ما كانوا ليحتفلوا بذِكر رجلٍ يعدّونه من العصاة المتمرّدين، وإنما كانت أثارهم وكتاباتهم تحتفي بالملوك وعظماء القوم وما يفتخرون به من أحداث.  الأمر الآخر، كان من المألوف في التاريخ المِصْري طمس ما لم يكن مَرضيًّا عنه لأسباب دِينيَّة أو سياسيَّة.  ولقد حاولوا طمس آثار (أخناتون)، مثلًا، لمّا خرَج عن تقاليدهم الدِّينيَّة.  وكان هو قد فعل ذلك بمحاولته طمس آثار سلفه وهدم تماثيلهم ومعابدهم لأسباب دِينيَّة كذلك.  فكيف بموسى، وهو الابن الغريب والعاقّ؟!

على أنه قد جاء في كلمات الفرعون المِصْري (مرنبتاح، الذي حكمَ من 1213 إلى 1203ق.م)- وهو ابن الفرعون (رمسيس الثاني)- التي سجّلها على لوحته الشهيرة بـ"بلوحة بني إسرائيل"، ذِكر لبني إسرائيل، في قوله: "يسرائر/ يسرائل/ إسرئيل ضائعة، وبذرتها عقيم".  وذلك في نصٍّ منه:

"لقد غُلب الملوكُ وقالوا: سلامًا!

وخربت تحينو،

وهدّمت أرض الحثيّين،

وانتهت كنعان، وحلَّت بها كل الشرور، ...

وخربت إسرائيل، ولم يعُد لأبنائها وجود،

وأضحت فلسطين أرملة مِصْر،

وضُمّت كلّ البلاد، وهُدِّئتْ،

وكلّ من كان ثائرًا قيَّده الملك مرنبتاح."(9) 

  فهل كان مرنبتاح يعيش في (المصرامة)، التي اكتشفها (د. كمال الصليبي) بين (أبها) و(الخميس)؟! 

أم كان يقصد بني إسرائيل الذين يعيشون في (عسير)؟!

كلّا، لا هذا ولا ذاك.  بل كان يسجِّل انتصاراته على الشعوب المجاورة لمِصْر، ومنها انتصاراته على أرض كنعان وإسرائيل، مستكملًا انتصارات أبيه.  وهي المرَّة الأولى التي تظهر فيها كلمة (إسرائيل) في أَثَرٍ مِصْريّ.  يُذكر أن اللوحة كانت في الأصل للفرعون (أمنحوتب الثالث، -1353/ 1351ق.م)، لكن مرنبتاح استخدمها.  وقد اكتشفها عالم المِصْريَّات الإنجليزي (ويليم فليندرز بتري)، في معبد مرنبتاح الجنائزي، عام 1896م، وهي محفوظة اليوم بالمتحف المِصْري.

وفي المقال الآتي سنتوقف بالتفصيل عند هذا الأثر، وعند أخناتون وعلاقته بالعقيدة الموسويَّة، والمراسلات التي عَثر عليها كذلك ويليم فليندرز بتري في (تلّ العمارنة) بصعيد مِصْر، وكانت بين الكنعانيّين في (فلسطين) وأخناتون في مِصْر، وشكوى الكنعانيّين من غزو بعض الشعوب، ذاكرين من بين الغزاة: العبرانيِّين.  لكن أخناتون لم يُوْلِ شكواهم اهتمامًا.  وكيف نفهم هذه النصوص والآثار؟  وسنرى أنها تدحض في جملتها كلّ المزاعم- السابحة خارج التاريخ والجغرافيا- الذاهبة إلى أن العبرانيّين كانوا في شِبه الجزيرة العربيّة، بل إن مِصْر و(الشام) كانتا في شِبه الجزيرة العربيَّة!

ومَن لم يجعل الله له نورًا، فما له من نور!

________________________________

(1) انظر: ديورانت، وِل وايريْل، (1971)، قِصَّة الحضارة- الشرق الأدنى، ترجمة: محمَّد بدران (بيروت: دار الجيل)، ج2 م1: 324- 325. 

(2) انظر: م.ن، ج2 م1: 326. 

(3) انظر: م.ن. 

(4) في الكتاب: "أنجبته".  ووَفق (القرآن الكريم)، الصواب: "أنجته" من القتل، وانتشلته من اليَمّ.

(5) انظر: ديورانت، م.ن. 

(6) انظر: سِفر الخروج، الإصحاح الثاني.

(7) سورة القَصص، الآية 9.

(8) سورة التحريم، الآية 11.  ويَرِد في التراث الإسلامي أن اسم امرأة فرعون هذه: (آسية).

(9) انظر: ديورانت، ج2 م1: 324. 

.................................................................

* [الكاتب: أ.د/ عبدالله بن أحمد الفيفي، عنوان الموضوع: «العابثون بالتاريخ!: (31- شهادة العاديّات المِصْريَّة- 1)»، المصدر: صحيفة «الراي» الكويتية،  الثلاثاء 3 نوفمبر 2015، ص27].

المزيد من المقالات...