البَطَلِ الشَّهِيدِ النَّابِغَةِ 

يُوسُفَ العَظْمَةِ

طَيَّبَ اللهُ ثَرَاهُ 

فِي الذِّكْرَى الثَّالِثَةِ بَعدَ المِئَةِ لِرَحِيلِهِ، ولِمَعْرَكَةِ مَيسَلُونَ

sdsdddd10441.jpg

مَلحَمَةُ:

قائِدِ مَيسَلُونَ وبَطَلِهَا الشَّهِيدِ النَّابِغَةِ الوَزِيرِ النَّقِيبِ

يُوسُفَ بنِ إبراهيمَ العَظْمَةِ

صُورَةٌ مُشرِقَةٌ مِن ماضِينَا القَرِيبِ المَجِيدِ

(1301- 1338هـ = 1884- 1920م)

سيد أحمد بن محمد السيد

1- لِجِلَّقَ فَانْطَلِقْ بِي يَا هَوَاهَا!       إلَى بَطَلٍ مُسَجًّى فِي ثَرَاهَا

2- لِيُوسُفَ نَجْلِ عَظمَةَ   نُقْرِئَنْهُ       سَلامًا - مُفعَمًا بِالعِزِّ- تاهَا

3- ليوسف نجلِ إبراهيمَ؛ مَن قد       تَيَتَّمَ   بَعدَ سِتٍّ ، قد عَلَاهَا

4- و قائدِ مَيسَلُونَ الحُرِّ من قد       بِهِ الأقوامَ افَاقَتْ مِن كَرَاهَا

********

5- هُوَ المِغْوارُ في ساحاتِ حَرْبٍ       ومِسْعَرُ نارِهَا حَامِي لِوَاهَا

1

6- وَزِيرٌ قائدٌ ، شَهمٌ ، شُجَاعٌ       ذَكِيٌّ   ألْمَعِيٌّ ، لَا يُضَاهَى

7- تقيٌّ   مُسلِمٌ ،   بَرٌّ   لِرَبٍّ       تحلَّى بِالفَضَائل   في عُلَاها

8- شَهيدٌ بَاعَ - لِلرَّحْمَنِ- نَفْسًا       بِجَنَّاتٍ ، و رِضْوَانٍ   حَبَاهَا

9- فَتَى سُورِيَّةَ المِقْدَامُ مَنْ قَدْ     فَدَى سُورْيَا الحَبِيبَةَ مَعْ ثَرَاهَا

********

10- ألَا حَيُّوا مَعِي البَطَلَ المُجَلِّي     - أبَا لَيْلَى -   بِثَوْرَةٍ ابْتَدَاهَا

11- على"غُورُو"اللَّئيمِ؛ على فِرَنْسَا

       عَدُوَّةِ حَقِّنَا ،   تَبَّتْ   يَدَاهَا

********

12- وفي"الشاغور"مَولِدُه، وفيه     رَعَتْهُ أسْرَةٌ ، كَرُمَتْ ذُرَاهَا

13- و بَعدَ وَفاة والِدِه ؛   لِسِتٍّ     رَعاهُ أخُوهُ بِالحُسْنَى مَدَاهَا

14- تعَلَّمَ الابْتِدَائيْ ، فِي دِمَشْقٍ   و"إعدادي العَساكِرِ" قد قَرَاهَا

15- وبعدَ العَشرِ معْ سِتٍّ فأمَّتْ     رَكَائبُهُ لـ "أسْتَانَةْ" ؛ أتَاها

16- لِيَدرُسَ عن عُلوم الحَربِ فيها   بِتَحضيري، وعالٍ؛ فاقتراها

17- تخرَّج - في دِرَاسته - نقِيبًا     نَقِيبَ ارْكَانِ حَربٍ قد دَرَاهَا

18- و بَعْدَئذ - لِألمانيا - ارسَلُوهُ

         لِدَرسِ اركانِ حَربٍ في حِمَاهَا

19- قَضَى في ربعها عامَينِ حَتَّى    تَخَرَّجَ مُحْرِزًا عِلْمًا ، و جَاهَا

20- و عادَ - لِآسِتَانَةْ - غِبَّ هذا   لِيَخْدِمَ - جيشَ أمَّتِهِ -   فَتَاهَا

21- لِيَعمَلَ كاتِبًا في أرضِ مِصْرٍ   لِمَندُوبِ الخِلافة   في ذَرَاها

2

22- وفي الحَربِ العَمِيمة سارَ حالًا

       إلى اسْتَنْبُولَ - طَوعًا- قَدْ أتَاهَا

23- وكان رئيسَ أركانٍ لِحَرْبٍ     ببلغارْيَا ، و غالِسْيا ؛ فَجَاهَا

24- و رُومانيا أخِيرًا كان فيها     يَقُودُ لِفِرْقَةٍ ؛ فِيمَنْ رَعَاها

25- و رافَقَ أنوَرَ الباشَا بِرَحْلٍ     بِتَطْوَافٍ لِمُدْنٍ ، مَعْ   قُرَاها

26- إلَى الأنَضُولِ سُورِيَّا ومَعْهَا     عِرَاقُ المَجْدِ مَرُّوا في رُبَاهَا

27- وكان رئيسَ أركانٍ لِجَيْشٍ     بِقَفْقَاسْيَا ؛ يُرَابِطُ في ثَرَاها

28- و كان رئيس أركان لحربٍ     لِجَيشِ الآسِتانَةِ ؛ في حِماها

29- وبعد دخول فيصلِ أرضَ سُورْيَا

تَرَأَّسَ جَيشَها ، وحَمَى إبَاهَا

30- و صار رئيسَ أركانٍ لِجَيشٍ   و نظَّمَهُ ، و صارَ بِهِ يُبَاهَى

31- بَنَى جَيشًا ؛ بِسُورِيِّينَ بُسْلٍ   بِعَشْرِ ألُوفِ -عِدَّتُه - حِذَاهَا

32- وأضحى فيصَلٌ مَلِكًا لِسُورْيَا     لِخَمسةِ أشهُرٍ دامَتْ عُرَاها

33- ومِن ضِمْنِ الحُكُومَة كان يُوسُفْ

وَزِيرَ الحَربِ يُعْلِي مِن بِنَاهَا

34- وغِبَّ دُخُولِ غُورُو أرضَ سُورْيَا

   و تَدْنِيسٍ لِجَيشٍ ، قد غَزَاهَا

35- تَلَقَّى   فَيصَلٌ   إنْذَارَ غُورُو   بِفَضِّ الجَيشِ مَن يَحمِي حِماها

36- و تَسْليمٍ   لِخَطٍّ   مِن   حَديدٍ     لِمُحْتَلٍّ لِسُورْيَا ، قَدْ   دَهَاهَا

37- وأن يرضَوا بِعُمْلَةِ غاصِبِيهِمْ     تَدَاوُلَهَا ، و أشياءً   سِوَاهَا!

3

38- و حَدَّدَ   مُدَّةً   يَوْمًا ، و إلَّا     سَيَفْتِكُ بِالأهَالِي   مَعْ بِنَاهَا!

39- فوافق فيصلٌ ، و مُنَاصِرُوهُ     عقيبَ فَوَاتِ مُدَّتِهِمْ ، مَدَاهَا

40- وفضَّ الجَيشَ والغازُونَ كَرُّوا   على جَيْرُونَ ؛ بُغْيَتُهُمْ ثَرَاها

41- وأمسى فيصلٌ مُستَنْجِدًا بِالـْ     أهَالِي؛ كَيْ يَصُدُّوا مَن غَزَاها

42- فَهَبَّ شَبابُها والشِّيبُ كَيْمَا     يُجَازُوا - بِالعَداوَةِ - مَن بَداها

43- يَقُودُهُمُو - أبُو لَيلَى - بِجُنْدٍ     و ضُبَّاطٍ ،   يَسِيرٍ   مُحتَوَاها

44- وكانت ميسلونُ المَجْدِ ساحًا     لِمَعْرَكَةٍ ؛ سَمَتْ عِزًّا و جاها

45- بأسلحةٍ - بَسِيطاتٍ - وجُندٍ     قِلَالٍ ،   مَعْ عَدُوٍّ قد تَبَاهَى

46- بآلاف   - مُؤَلَّفَةٍ -   أتَوهُمْ       بِدَبَّاباتِهِمْ ؛   يَدْوِي   صَدَاهَا

47- وجاؤُوا - بِالمَدَافِعِ- مُلْقَمَاتٍ     و طَيَّاراتُهُمْ - مَلَأتْ - سَمَاهَا

48- و بعدَ زُهَاءِ ساعاتٍ ثَلاثٍ     لِمَعْرَكَةٍ   - تَسَعَّرَ -   جانِبَاها

49- تَمَخَّضَتِ النتيجةُ عَنْ كثيرٍ     من الشُّهَدَا تَرَقَّوا في عُلاها

50- وعِدَّتُهُمْ زُهَاءُ الألْفِ مَعْهُمْ     أبُو ليلى ؛ تَطَهَّرَ في ثراها

51- و أربَعةٌ بِعَشْرٍ مِنْ عِدَاهُمْ     إلى سَقَرٍ، و تَعْسٍ   مُنْتَهَاهَا

********

52- و مِن شُهَدائها عُلَمَاءُ دِينٍ     نُجُومُ هُدًى تَهَاوَوا في حِماها

53- كَعَبدِ القادر الكِيوانِ شيخٌ     خَطِيبُ الجامِعِ الأُمَوِي فِدَاها

54- كَمالٌ نجلُ أحمدٍ الخَطِيبِ      و عبدُ اللهِ   كلَّاسٌ ،   حَمَاها

55- و نجلُ مُحمَّدٍ تَوفِيقِ   دَرَّا     مُحمَّدُ نُورٌ الحُصَرِي افْتَدَاها

56- ونَجلُ نَجيبِ ياسِينَ الكِوَانِي     و صادِقٌ الهِلَالِ رَوَى ثَرَاها

4

57- وأحمَدُ مَوصِلِي و سَلِيمُ دَرَّا

           صَلاحُ الدينَ ابُو الشاماتْ وَقَاها

********

58- و بعدئذ غزا غورو دمشقًا   و دنَّسَ أرضَها جَيْشٌ غَزاها

59- وأشعَلَ ثَوْرَةً في كل سُورْيَا     فما طَفِئَت ولا خَمَدَتْ لَظَاها

60- ودامَتْ رُبْعَ قَرْنٍ مَعْهُ عامٌ   فزَلزَلَتِ العُلُوجَ كَذَا قُواها

61- إلى أنْ غادَرَ المُحْتَلُّ   فَلًّا   علا وَجْهَ الجُنُودِ لَهُ شَقَاها

********

62- و أشرَقَتِ البلادُ بِنُورِ رَبِّي   وبالحُرِّيَّة - انتَعَشَتْ - رُبَاهَا

63- و تاهَت في كَرامَتها و عِزٍّ   و نِيرَ عُبُودَةٍ ، خَلَّتْ   وَرَاها

64- ولَقَّنَتِ الأعَادِي دَرسَ خِزْيٍ   و أمُّهُمُ الحَنُونُ   رَأتْ خَذَاهَا

65- بِأبْطالٍ - أشَاوِسَ- أثْخَنُوها   بِضَرْبَاتٍ ؛ دَرَاهَا   مَن قَرَاها

********

66- فيا رَبَّاهُ! "يُوسُفَ" فارْحَمَنْهُ     مَرَاحِمَ جَمَّةً ؛ تُعْلِي   فَتَاهَا

67- كذا أصحَابُهُ ؛ في مَيْسَلُونٍ     وأعلِ مَقَامَهُمْ عِزًّا و جاها

68- وأسكِنْهُمْ فَسِيحَ جِنَانِ عَدْنٍ     و نَعِّمْهُمْ بِمُلْكٍ لا يُضَاهَى

69- كذا أحْبَابُهُمْ ؛ أرْبَابُ صِدْقٍ     فأكْرِمْهُمْ   بِجَنَّاتٍ ، و ماها

********

من ديواني "في رِحَابِ العُظمَاء"

5

عَرْفُ الزَّيْزَفُون بِشَرْحِ قَصِيدَةِ قَائِدِ مَيْسَلُون

*غرائب العُنوان:

*الملحمة: القصيدة الطويلة التي تتكلم عن الحرب وتفاصيلها، وأبطالها. وهي: الحرب الشديدة، وموضعها، و: هي عمل قصصي له قواعد وأصول، يُشاد فيه بذكر الأبطال والملوك ...، وقد يكون شعرا مثل: "الإلياذة" عند الإغريق"، و"الشاهنامة" عند الفُرس"، وقد يكون نثرا كـ "سيرة عنترة"، و"الزير سالم"، وغيرهما. *"المعجم الوسيط" 819، بتصرف.

*قائد ميسلون: رئيسها. وميسلون: مكان شهير غربي دمشق قامت به المعركة الشهيرة بين السوريين بقيادة البطل الشهيد يوسف العظمة، والفرنسيين بقيادة الفريق غورو في 24/8/1920م؛ وهي موضوع القصيدة.

معركة ميسلون

هي المعركة الشهيرة التي قامت في 7/ذو القعدة/1338هـ = 24 تموز/1920م بين المجاهدين المسلمين في دمشق سورية، وكانوا نحو 8000 مقاتل بقيادة الشهيد البطل يوسف العظمة رحمه الله، وبأسلحة بدائية بسيطة، وبين القوات الغازية الفرنسية بقيادة الفريق هنري غورو، وكانوا نحو 9000 مقاتل، ومعهم الطائرات والدبابات والمدافع، وراح ضحيتها مئات السوريين.

*سبب المعركة: أن غورو أرسل إنذارا شفهيا إلى الأمير فيصل "ملك سورية" يطلب منه قبول الانتداب الفرنسي على سورية، وحل الجيش السوري، ومطالب أخرى؛ فرفض الشعب السوري تلك المطالب، فأرسل غورو إنذارا خطيا إلى فيصل لقبولها؛ فاضطرت حكومة فيصل أن تقبلها، وأمر فيصل بحل الجيش السوري المُدرَّب؟! فرفض القائد يوسف العظمة أن يحله، ثم أُكرِه على حَلِّه. ومع قبول حكومة فيصل بمطالب فرنسا، وحل الجيش، إلا أن غورو أصرَّ على ضرب دمشق، ولما قيل له في ذلك، تذرَّع بأن رَدَّ فيصل لم يصله إلا مُتأخِّرا؟! أو: أنه لم تصله برقية فيصل بسبب قطع أسلاك الاتصال.

6

*ليلة المعركة: وفي مساء 23/تموز/ قام يوسف العظمة بجولة على الوحدات المُتَرَكِّزة في منطقة "عقبة الطين"، ثم عاد إلى مركز قيادة الفرقة؛ حيث تناول العشاء مع قائد الفرقة، ثم التحف كل منهما بِبَطَّانية رغبة في النوم، ولكنهما لم يتمكَّنا من ذلك إلا حوالي مُتصف الليل، وقد ظلا مُستغرقين بالنوم حتى الساعة الرابعة صباحا، إذ استيقظا فيها فأدَّيَا صلاة الصُّبح، ثم بدأا بالاستعداد لخوض معركة ميسلون.

أما الشعب السوري فقد رفض هذا الإنذار، فأمر مُمثل فرنسة في لبنان الجيش الفرنسي بالزحف إلى دمشق صباح 21/7/1920م؛ فأعلن فيصل الجهاد، والتقى الجيش الفرنسي بكامل أسلحته بالمقاتلين السوريين بقيادة وزير الدفاع حينها يوسف العظمة في معركة بطولية غير متكافئة في 24/7/1920م. ودامت المعركة 3 ساعات أسفرت عن استشهاد يوسف العظمة و400 ممن معه من المقاومين السوريين، ونحو 1000 جريح، ومن الفرنسيين - حسب إحصائياتهم- 42 قتيلا، 154 جريحا.

*من أبرز العلماء المُقاتلين الشهداء في ميسلون:

ومن أبرز من قاتلوا واستشهدوا في معركة ميسلون علماء المسلمين الذين اعتقدوا أن الاشتراك في ميسلون فريضة جهاد مُقدَّسة يجب ان يؤديها المسلم ولو استُشهد هناك؛ ومن أولئك العلماء:

1- الشيخ عبد القادر كيوان: خطيب الجامع الأموي، العالم الصوفي، والسياسي الوطني، من كبار رجال الأمة المُشار إليهم بِالبَنَان.

2- الشيخ كمال بن أحمد الخطيب: هو الحافظ للقرآن الكريم والمتون العلمية، والمُجاز بالتدريس في الجامع الأموي الكبير بدمشق، وإمام وخطيب في بعض جوامع دمشق.

3- الشيخ محمد توفيق بن محمد سليم الدَّرَّا: الفقيه الصوفي، والعالم بالتفسير والحديث، ومُفتي الجيش الخامس، ذو الهمة، المجاهد.

4- الشيخ ياسين نجل العلامة الشيخ نجيب عميد آل كِيوان: هو تاجر ورِع، من خُطباء "مدرسة القلبقجية" بدمشق، الغيور المُتَّقِد غيرةً وحَماسًا.

5- الشيخ سليم الدرا. 6- الشيخ عمر الصباغ. 7- صادق هلال.

8- أحمد الموصلي. 9- محمد نوري الحصري. 10- عبده الصباغ.

11- أحمد القحف. 12- عبد الله الكلاس. 13- محمد نيروز: من "دُوما".

14- أبو الخير الجابي: قائد تشكيل الشيخ حمدي الجُويجاتي.

*ومِمَّن حضر ميسلون من العلماء ولم يستشهد:

15- العلامة الشيخ حمدي الجُويجاتي.

*ومن المجاهدين المسلمين في ميسلون:

16- أبو صلاح العرجا. 17- هاشم الأغواني. 18- صالح الصابوني.

19- أبو سليم العرجا. 20- مُستُو الأغواني. 21- عبدو المُرادي.

22- محمود قاروط ... . *رايَةُ ميسلون وعَلَمُها:

sdsdddd10442.png

الوجه الأول لِلعَلَم

sdsdddd104413.png

الوجه الثاني له

8

خرج المجاهدون العلماء وغيرهم، بقيادة يوسف العظمة، خرجو للجهاد في سبيل الله تحت راية موجودة في "المُتحف الوطني" بدمشق، وهي العَلَمُ العربي بشكله وألوانه ... . *ولكن حملت الراية على وجهها الأول:

- على اللون الأسود: بسم الله الرحمن الرحيم، (وجاهدوا في سبيل الله).

- وعلى اللون الأبيض: (إن الله معنا).

- وعلى اللون الأخضر: (إنا فتحنا لك فتحا مُبينا).

*وعلى وجهها الثاني: - على اللون الأسود: (لا إله إلا الله).

- وعلى اللون الأبيض: (محمد رسول الله).

- وعلى اللون الأخضر: (اللواء الأول سنة 1338 "المُشاة").

قال أستاذنا د. شوقي أبو خليل: "تحت هذا العلَم العربي، وما حمل من شعارات ومعان، جاهد المُسلمون في ميسلون، وقابلوا الموت بل خرجوا له؛ لأن الظروف الدوليَّة لم تكُن إلى جانبهم حينما قرَّروا الوُقوف في وجه فِرنا، إنهم يعلمون أن المعركة انتحارية وغير مُتكافئة، ولكنهم مع ذلك خاضوها تحت شِعار: المُحافظة على الشرَف والكرامة مهما كانت النتيجة، ولِيعلم العالَمُ أجمعُ أن دمشق عاصمة الأمويين ما كان ليدخُل مُحتلٌّ إلى على جُثَث أبنائها المُؤمنين". *الإسلام وحركات التحرُّر العربية" 153.

*موقف الملك فيصل بن الحسين من استشهاد يوسف العظمة ورفاقه:

ولما سمع فيصل بن الحسين باستشهادهم قال: "إني أحني رأسي احتِرامًا لجميع هؤلاء الذين ضَحَّوا بِحياتهم في سبيل الاحتجاج على اعتداء لم يَعرف له التاريخ مَثيلًا".

*دخول غورو الصليبي دمشق، وتوجهه بحقده إلى ضريح البطل الخالد صلاح الدين الأيوبي: ثم دخل غورو دمشق في أوائل /آب- أغسطس/1920م، وكان أول ما فعله بعد وصوله أنه توجَّه إلى ضريح السلطان البطل صلاح الدين الأيوبي؛ فدخل إلى مقامه الكريم بصورة عُنفٍ

9

وتَهكُّم وسيفه إلى جانبه، وعَمْرَتُه فوق رأسه، وقال بِشَمَاتة: "يا صلاحَ الدين! أنتَ قُلتَ لنا في إبَّان حُروبك الصليبية: إنكم خرجتم من الشرق ولن تعودوا إليه، وها قَد عُدْنا؛ فانْهَضْ لِترانا ههُنا، لقد ظَفِرنا باحتِلَال سُورية"؟!

وهي الحُجَّة نفسُها التي أثارت الحُروب الصليبية، مُدَلِّلًا بذلك على الروح الاستِعمارية الحديثة!! كما يقول أستاذنا شوقي أبو خليل 154.

*ما بعد ميسلون: كما تم احتلال مدينة دمشق، وإنزال العلم العربي ورفع العلم الفرنسي بَدَلَهُ، وفرض الحُكم العسكري، وإعدام جماعة من الوطنيين السوريين، وفرض جِزية كبيرة على المواطنين.

وبمعركة ميسلون انتهت الحكومة العربية الفيصلية المُستقلة في سورية، بعد حُكم دام 4 أشهر وبضعة أيام، وأجبر فيصل على مغادرة سورية مع بعض وزرائه في 27/7/1920م.

*ينظر: 1- "الإسلام وحركات التحرر العربية" د. شوقي أبو خليل 149- 154. 2- "الموسوعة العربية العالمية" 24/541. 3- "سورية في قرن" لمنير الغضبان 46- 48. 4- "الموسوعة الحرة ويكيبيديا".

*النقيب: رُتبة عسكرية. قائد معركة ميسلون الشهيد البطل يوسف العظمة:

يوسف العظمة

(1301- 1338هـ = 1884- 1920م)

*اسمه ونسبه: هو يوسف (بك) ابن إبراهيم بن عبد الرحمن العظمة، أبو ليلى، شهيد ميسلون، من الوزراء، ومن كبار الشهداء في سبيل استقلال سورية. وآل العظمة من الأسر المعروفة في سورية، استوطنت دمشق في أوائل القرن الحادي عشر للهجرة، ونبغ منها ضباط وإداريون وفضلاء.

*والدته: هي ليلى الشَّرْبَجِي، وقد سمَّى ابنته الوحيدة باسمها.

*مولده: ولد في حي "الشاغور بدمشق. ولما بلغ ست سنوات من عمره تيتم بفقد والده؛ فكفله شقيقه الأكبر.

*دراسته وتعليمه: تعلم الابتدائية في دمشق، وفي عام 1893م انتقل إلى "المدرسة الرشيدية العسكرية" في حي "البحصة" بدمشق فدرس فيها.

*في عام 1897م انتقل إلى "المدرسة الإعدادية العسكرية" في "جامع تنكز" من دمشق ليدرس فيها.

*في عام 1900م سافر إلى "الآستانة إستانبول" فأكمل دراسته في "المدرسة الحربية التحضيرية"، ثم "المدرسة الحربية العالية" ثَمَّة؛ فتخرَّج برتبة "مُلازم ثانٍ" سنة 1903م.

*في سنة 1907م، أصبح نقيبا (يوزباشي) أركان حرب بعد دورة أركان حرب محلية في إستانبول.

*ثم التحق بألمانية عام 1909م؛ لدراسة أركان حرب عُليا.

*كان يجيد اللغات من اللغات العربية، والتركية، والفرنسية، والألمانية، قراءة وكتابا وتكلما، كما كان يعرف بعض الإنكليزية.

*حياته العملية ووظائفه:

تنقل يوسف في الأعمال العسكرية بين دمشق ولبنان والآستانة. وأرسل إلى ألمانية للتمرن عمليا على الفنون العسكرية، فمكث سنتين، وعاد إلى الآستانة فعين كاتبا للمفوضية العثمانية في مصر. ونشبت الحرب العامة فهرع إلى الآستانة متطوعا، وعين رئيسا لأركان حرب الفرقة العشرين، ثم الخامسة والعشرين. وكان مقر هذه، في بلغارية، ثم في غاليسية النمسوية، ثم في رومانية. وعاد إلى ألآستانة فرافق أنور باشا (ناظر الحربية العثمانية) في رحلاته إلى الأناضول وسورية والعراق. ثم عين رئيسا لأركان حرب الجيش العثماني المرابط في قفقاسية، فرئيسا لأركان حرب الجيش الأول بالآستانة.

*مع الحكومة العربية بدمشق:

*لما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها التحق بالحكومة العربية في دمشق؛ لينخرط في القوات السورية، مع العِلم أنه كان بوسعه أن يبقى في تركية برُتبته نفسها؛ لأنه متزوج من فتاة تُركيَّة.

*اختاره الأمير (فيصل) مُرافقا له، ثم عيَّنه معتمدا عربيا في بيروت، فرئيسا لأركان الحرب العامة برتبة "قائم مقام" في سورية.

11

*وزير الحربية "الدفاع" ومُؤسس الجيش السوري، وقائد ميسلون:

*ثم ولي وزارة الحربية (سنة 1920) بعد إعلان تمليك الأمير فيصل بدمشق، فنظم جيشا وطنيا يُناهز عدده عشرة آلاف جندي. واستمر إلى أن تلقى الملك فيصل إنذار الجنرال غورو الإفرنسي (وكان محتلا سواحل سورية) بوجوب فض الجيش العربي، وتسليم السلطة الإفرنسية السكك الحديدية، وقبول تداول ورق النقد الفرنسي السوري، وغير ذلك مما فيه القضاء على استقلال البلاد وثروتها، فتردد الملك ووزارته بين الرضى والإباء، ثم اتفق أكثرهم على التسليم، فأبرقوا إلى الجنرال غورو، وأوعز فيصل بفض الجيش.

وفي حين كان الجيش العربي المرابط على الحدود يتراجع مُنفضا (بأمر الملك فيصل) كان الجيش الإفرنسي يتقدم (بأمر الجنرال غورو) ولمَّا سُئل هذا عن الأمر، أجاب بأن برقية فيصل بالموافقة على بنود الإنذار وصلت إليه بعد أن كانت المدة المضروبة (24 ساعة) قد انتهت؟!

وعاد فيصل يستنجد بالوطنيين السوريين لتأليف جيش أهلي يقوم مقام الجيش المنفض، في الدفاع عن البلاد، وتسارع شباب دمشق وشيوخها إلى ساحة القتال في ميسلون، وتقدم المُترجَم يقود جماهير المتطوعين على غير نظام، والى جانبهم عدد يسير من الضباط والجنود.

*كان يوسف قد جعل على رأس (وادي القرن) في طريق المهاجمين (ألغاما خفية، فلما بلغ "ميسلون" ورأى العدو مُقبلا أمر بإطلاقها، فلم تنفجر، فأسرع إليها يبحث، فإذا بأسلاكها قد قُطعت، فعلم أن القضاء نفذ، فلم يسعه إلا أن ارتقى ذروة ينظر منها إلى دبابات الفرنسيين زاحفة نحوه، وجماهير الوطنيين من أبناء البلاد بين قتيل وشريد، فعمد إلى بندقيته -وهي آخر ما بقي لديه من قوة- فلم يزل يُطلق نيرانها على العدو، حتى أصابته قنبلة، تلقاها بصدر رحب، وكأنه كان ينتظرها؛ ففاضت روحه في أشرف موقف، ودفن بعد ذلك في المكان الذي استشهد فيه، وقبره إلى اليوم رمز التضحية الوطنية الخالدة، تحمل إليه الأكاليل كل عام من مختلف الديار السورية.

*حدثت موقعة ميسلون يوم الأربعاء في: 7/ذي القعدة/1338هـ = 24/تموز يوليو/1920م.

12

*الأعلام" للزركلي 8/213- 214، "الإسلام وحركات التحرر العربية" د. شوقي أبو خليل 149، بتصرف يسير.

*مُشرقة: مُضيئة. *المَجيد: المُشَرِّف. *البطل: الشجاع من لا يهاب الموت.

sdsdddd10443.jpg

الشهيد البطل يوسف العظمة

(1) لِجِلَّق: إليها، وجلق: اسمٌ لمدينة دمشق عاصمة سورية. قال شوقي رحمه الله في قصيدته الشهيرة عنها:

قم ناج جلق وانشد رسم من بانوا     مشت على الرسم أحداث وأزمان

*انطلق بي: سِر بي مُسرعًا. *يا هواها: يا حُبَّها. *مُسَجًّى: مُغَطًّى، مدفون. *في ثراها: في تُرابها.

(2) نجل: ابن. عظمة: واحد العظم، وهو اسم أسرته؛ آل العظمة: من الأسر المعروفة في سورية، استوطنت دمشق في أوائل القرن الحادي عشر للهجرة، ونبغ منها ضباط وإداريون وفضلاء. *"الأعلام" 8/214.

*نُقرِئَنْهُ سلاما: نُسلِّم عليه. *مُفعمًا: مُمْتَلِئًا. *العز: الشرف. *تاه: افتخَرَ.

(3) إبراهيم: والد يوسف العظمة. *تيتم: أمسى يتيما. *بعد ست: أي وعمره ست سنوات. *علاها: تجاوزها.

(4) قائد ميسلون: أي: قائد معركة ميسلون الشهيرة ضد الفرنسيين الغزاة. *الحر: الأبي الشريف. *به الأقوام: السوريون. *أفاقت: صحت واستيقظت. *كراها: نومها.

(5) المغوار: المقاتل كثيرات الغارات على أعدائه. *"الوسيط" 666. *ساحات: ج ساحة، ميادين. *حرب: معركة. *مسعر نارها: مُوقِدُها ومُشعِلُها. *حامي لواها: المُدافع عن عَلَمِها رمز شرفها وكرامتها.

(6) وزير: كان وزير الحربية "الدفاع" في حكومة الملك فيصل بن الحسين، ملك سورية. *قائد: زعيم ورئيس. *شهم: أبي، كريم، شريف. *شجاع: جَسُور. *ألمعي: ذكي جدا. *لا يُضاهى: ليس له شبيه.

(7) تقي: يخاف الله تعالى. *بر لرب: مُطيع لله سُبحانه. *تحلى: اتصف. *بالفضائل: بالخصال والخِلال الكريمة. *عُلاها: رفعتها وشرفها.

قال أستاذنا د. شوقي أبو خليل - رحمه الله- عن يوسف العظمة: "كان متدينا، متمسكا بإسلامه، مؤديا صلاته، وصائما أيام الصوم، ومُزكيا متصدقا، ومحافظا على الشعائر الإسلامية كل المحافظة، مُتحليا بفضائل الدين الإسلامي، مسلما حقا بما في كلمة المسلم من معنى". "الإسلام وحركات التحرر العربية" 150.

(8) شهيد: استشهد يوسف العظمة رحمه الله يوم معركة ميسلون في 7/11/1338هـ = 24/8/1920م. *باع للرحمن نفسا: أي قدم روحه الطاهرة في سبيل الله تعالى، ودفاعا عن وطنه سورية. *بجنات: جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب؛ إنه كان وعده مأتيا. *رضوان: رضوان الله الأكبر على عباده المؤمنين الصالحين. *حباها: أعطاها.

(9) الفتى: السيد الكريم، الشاب. *المقدام: الجريء، والكثير الإقدام على العدو. *فدى سورية: ضَحَّى بنفسه من أجلها. *الحبيبة: المحبوبة.

(10) ألا: أداة استفتاح. *حَيُّوا: سلموا عليه. المُجَلِّي: السابق. *أبو ليلى: كنية الشهيد يوسف العظمة؛ وهي ابنته الوحيدة، وهي من مواليد 1912م، ووالدتها تركية اسمها: "مُنيرة"، ولدى استشهاده كان عمرها ثماني سنوات، وقد وصَّى بها قُبيل استشهاده بعض أصدقائه منهم الأستاذ ساطع الحُصَري. بعد استشهاد والدها سنة 1920م انتقلت مع والدتها إلى إستانبول بتركية، ثم تزوجت رجلا تاجرًا تُركيا اسمه: جواد أشار، وأنجبت منه سنة 1943م ابنا اسمه جلال أشار، وقد توفيت سنة 1947م. *رَ: مقالة: "متى وأين تُوفِّيت ليلى يُوسُف العظمة" لشمس الدين العجلاني، صحيفة "الوطن" 14/8/2018م، وستأتي كاملة في آخر هذا البحث.   *بثورة: بثورة السوريين على المحتلين الفرنسين لبلدهم.   *ابتداها: بَدَأهَا، قام بها أوَّلًا.

(11) على غورو: بالثورة عليه، وهو الذي كان قائد الفرنسيين الغزاة لسورية، في معركة ميسلون، وهو:

sdsdddd10444.jpg

هنري غورو

(1867- 1946م)

هو هنري جوزيف أوجين غورو، ضابط فريق "جنرال" فرنسي. قاد الحملة الفرنسية على مضيق الدردنيل عام 1915م حيث فقد ذِراعه اليُمنى. ثم عُين مندوبا ساميا في سوريا ولبنان ما بين (1919- 1923م)؛ فكان قائد الاحتلال الفرنسي فيهما. وهو الذي قاد عدوانه على الشعب السوري يوم معركة ميسلون الشهيرة في دمشق.   *ومما ذكرته كتب التاريخ: أن الشيخ بدر الدين الحسني رفض مقابلة الفريق والمندوب السامي الفرنسي هنري غورو، - أول ما دخل دمشق- ومنع الناس من التعامل مع الفرنسيين، أو دفع الضرائب لهم. *"معجم أعلام المورد" منير البعلبكي 305، "الإسلام وحركات التحرر العربية" لشوقي أبي خليل 148.

ثم قابل المندوبَ الفرنسي لما جاءه؛ فقام المندوب للشيخ احتراما له، فطلب منه المندوب تهدئة الأوضاع في دمشق؛ فأجابه الشيخ بدر رحمه الله بعنف قائلا: "لا تهدأ الثورة إلا بخروجكم، فقد تَمَدَّنَّا، جئتم حسب رأيكم لتمديننا، لقد تمدنَّا!! وما سمح للمندوب السامي أن يُكثر معه الحديث؟! *"الإسلام وحركات التحرر العربية" 148.    

*اللئيم: الخسيس. *عدوة حقنا: المعتدية على حقنا باغتصابها بلدنا سورية. *تبت يداها: هلكت وخسرت.

(12) الشاغور: حي مشهور من أحياء دمشق. *مولده: مكان ولادته. *رعته: رَبَّتْه ونَشَّأتْه. *كَرُمَت: كانت كريمة الأصل.

*ذَرَاها: كَنَفها، وفي "المعجم الوسيط" ص 312: الذَّرَا: ما استُتِر به، ويُقال: أنا في ذَرَا فُلان، في كنفه.

(13) رعاه: كَفَلَه ورَبَّاه. *بالحُسنى: باللُّطُف والمعاملة الحسنة. مداها: إلى آخرها، في غاية الإحسان.

(14) الابتدائي: المرحلة الابتدائية. *إعدادي العساكر: في المدرسة الإعدادية العسكرية. *قراها: قرأها، درَسَها.

(15) بعد العشر مع ست: في السادسة عشرة من عمره. *أمَّتْ: قَصَدَت. *ركائبه: جِمالُه؛ سافَرَ. *الآستانة: إستانبول عاصمة الخلافة العثمانية، وأشهر عواصم الدنيا في ذلك الزمان. *أتاها: جاءها.

(16) علوم الحرب: العلوم العسكرية، وفن الحرب والقتال. *التحضيري: الصف الأول. *عال: الدراسات العُليا. *اقْتَرَاها: قرأها، وفي "الوسيط" ص 722: اقترأ القرآن والكتاب قرأهما.

(17) تخرج نقيبا: تخرج في المدرسة الحربية في إستانبول برتبة "نقيب أركان حرب". *دراها: فهم العلوم العسكرية التي درسها ثَمَّة.

(18) بعدئذ: من بعد ذلك. *لألمانيا أرسلوه ... : أرسلته الدولة العثمانية على حسابها ليدرس في ألمانيا العلوم العسكرية وفنون الحرب. *حِماها: أرضها.

(19) قضى في ربعها عامين: ظل في ألمانيا سنتين. *مُحْرِزًا علما وجاها: حاصِلًا على علم ومرتبة عالية.

(20) عاد: رجع. *غِبَّ هذا: بعده مُباشرةً. *ليخدم جيش أمته: ليخدم جيش الدولة العثمانية، وأمته الإسلامية.

(21) ليعمل كاتبا: موظفا بوظيفة كاتب. *مندوب الخلافة: وكيل الدولة العثمانية في أرض الكنانة مصر.

(22) الحرب العميمة: الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م). *سار حالًا: ذهب فَوْرًا. *طَوْعًا: مُخْتَارًا.

(23) رئيس أركان حرب: قائد. *غالسيا: غاليسيا Galicia  منطقة ذات حكم ذاتي، تكون جزءًا من الإقليم الشمالي الغربي في إسبانيا. تبلغ مساحتها 29153كم2، أي ما نسبته 5.8% من مساحة إسبانيا، وهي تتمتع بواجهة بحرية، تُطِلُّ على المحيط الأطلسي. *"الموسوعة العربية" 13/734.

*جاها: جاءها، حُذفت الهمزة لضرورة الشعر.

(24) يقود: يكون قائدًا. فرقة: قطعة عسكرية. *رعاها: أشرف عليها.

(25) رافق: كان رفيقا وصاحبا.

sdsdddd10445.jpg

*أنور باشا: هو:                 أنور باشا

(1881- 1922م)

*هو إسماعيل أنور باي أفندي بن أحمد، وهو المعروف لدى الغرب بـ "أنور باشا" قائد عسكري عثماني، وأحد أبرز زعماء حزب "تركيا الفتاة".

*ولد في إستانبول. تخرج في "الكلية الحربية" ضابطا، وعين في الفيلق الثالث في "سلانيك"، ثم عين رئيس أركان الفيلق الثالث في مانيستر.

*في مانيستر انضم إلى "جمعية الاتحاد والترقي"، وجذب إليها الفريق محمود شوكة.

*شارك في ثورة 1908م ضد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.

*شارك في حرب طرابلس ضد الإيطاليين.

*أصبح وزيرا للحربية "ناظرًا" في الدولة العثمانية.

قام بدور بارز في دخول تركيا الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا عام 1914م؛ فقاد الجيش الثالث العثماني ضد الروس في القوقاز، ومُني بهزيمة مُنكَرة، ثم تصدَّى للحملة البريطانية في العراق؛ فقاد القوات العثمانية في العراق، ونجح في صد هجوم الجيش البريطاني ومنعه من دخول بغداد عام 1916م، ولكنه سرعان ما تراجع وفرَّ، واستطاع الإنجليز احتلال بغداد عام 1917م. وبعد هزيمة الأتراك في هذه الحرب شخص إلى آسيا الوسطى حيث استَعْدى بعض الأوزبكيين على الدولة

السوفييتية، وشارك في الثورة عليها عام 1921م، ثم قتل في بُخارى خلال القتال ضد السوفييت وحكومتهم البلشفية. *"معجم أعلام المورد" لمُنير البعلبكي 70، "موسوعة المعرفة"، و"موسوعة عريق"، و"ويكيبيديا"، على الشابكة، منها جميعا بتصرف.

*برحل: في سفر. *تطواف لمدن: تَجَوُّل فيها. والمُدُن: ج مَدينة. *قُراها: ريفها، وضِياعها.

(26) الأناضول: أراضي تركية. *مروا: عبروا منها. *رُباها: مُرتفعاتها، والمقصود أراضيها.

(27) قفقاسيا: بعض المدن والبلاد الإسلامية في روسيا الاتحادية؛ كشركسيا، والشيشان، وأنغوشيا، وقبردينيا وداغستان، وأوسيتيا الشمالية، وبعضها استقل عن روسيا وهي: أبخازيا، وأوسيتيا الجنوبية، وقرَه باغ. *"ويكيبيديا". *يُرابط: يخدم عسكريا في تلك الثُّغُور.

18

(29) فيصل: هو ملك سورية فيصل بن الحسين، وهو:

sdsdddd10446.jpg

فيصل الأول

(1303-1353هـ =1885-1933م)

*هو فيصل بن "الشريف" الحسين بن علي الحسني الهاشمي، أبوغازي، ملك سورية ثم العراق، ومن أشهر سياسي العرب في العصر الحديث، ومن أقطاب "الثورة العربية" على الحكم العثماني بمُساعدة الإنجليز؛ إذ قام بدور بارز وخطير فيها حتى سقوط الدولة العثمانية، وخذلان الإنجليز له ولأبيه في جعل أبيه "خليفة" على العرب ومركز خلافته الحجاز.

*ولد في "الطائف"، ونشأ وتربى في خيام "بني عُتيبة" ببادية الحجاز وحفظ القرآن، وتوفي بالسكتة القلبية، في "فندق بل فو" في "برن بسويسرا" التي قصدها مُستَجِمًّا، ونُقل جُثمانه إلى بغداد فدفن فيها.

*في عام 1891م أُبعِد والده إلى "الآستانة" فرحل معه إليها وهو طفل، ودرس فيها الابتدائية، وبقي معه ثمة حتى عادا سنة 1909.

*في 1913 اختير نائبا عن "جدة" في "المبعوثان؛ مجلس النواب العثماني".

*أقسم يَمين الإخلاص" في دمشق لما زارها عام 1916م لـ "جمعية العربية الفتاة" السرية القومية العربية، وثار والده على العثمانيين تلك السنة؛ فتولى

19

ابنه فيصل قيادة الجيش الشمالي، ثم أصبح قائدا عاما للجيش العربي" في فلسطين المقاتل للعثمانيين فيها مع القوات البريطانية ثمة.

*في سنة 1918 دخل سورية عقب ذهاب الترك العثمانيين منها، فاستقبله أهلها كأنه مُنقذ لهم.

*حضر "مؤتمر الصلح" في باريس يناير عام 1919 نائبا عن والده، واستغرق المؤتمر سنة، لأنه توقف بضعة أشهر. *أصبح "ملكا دستوريا" على سوريا لبضعة أشهر في 8/3/1920م.

*عقب طرد العثمانيين منها بدعم الإنجليز، ثم هرب في السنة نفسها من سورية، بعد غزو الفرنسيين إياها واحتلالهم لها، وتهديدهم له، ففرَّ إلى أوربا ليقيم في إيطاليا مدة، ثم في إنجلترة.  

*في سنة 1921 وبينما كانت الثورة على الإنجليز في العراق مضطرمة نَصّبه الإنجليز ملكا على العراق- بعد مؤتمر عقدوه في القاهرة برئاسة تشرشل - وظل ملكها حتى وفاته. *في عهده تحرَّر العراق من الانتداب البريطاني عام 1932.   *زار العواصم الفرنسية والبريطانية والتركية.

*في حكمه للعراق عمل على الإصلاح الداخلي للبلاد؛ فوضع دستورا لها، وأسس "مجلس الأمة"، وأقام علاقات بين العراق وبريطانيا من خلال معاهدات "1922، 1926، 1927، 1930"، وأصلح ما بين دول الجوار العراقي إيران والسعودية وتركية.

*من أقواله العُنصرية المَقِيتة المشهورة: "إننا عرب قبل كل شيء، والعرب هم عرب قبل عيسى وموسى ومحمد؟!".

*رَ: "الأعلام" 5/ 165- 166، "معجم أعلام المورد" 339- 340، "الأعلام الشرقية" لزكي مجاهد 1/ 34- 35 برقم 31، "نهر الذهب" للشيخ كامل الغزي 3/660، "موسوعة المعرفة" على الشابكة، "فتح الكريم المجيب بشرح ديوان أبي الطيب الخطيب" لي 358، من جميعها بتصرف.

20

sdsdddd10447.jpg

*ترأَّسَ جيشها: أصبح رئيس الجيش السوري، بعدما قام بتأسيسه. *حمى: حفِظ. *إباها: عِزَّتها وكرامتها.   (30) نظمه: رَتَّبَه. *يُباهى: يُفتخرُ بِه.

(31) بنى جيشا: أسَّسَهُ. *بُسْل: ج باسل، شُجاع. *عِدَّته: عَدَدُه. *حِذَاها: حَوَالَيها، قريبًا مِنها.

(32) أضحى: أصبح، صار. *دامت عُرَاها: استَمّرَّتْ. والعُرَى: ج عُرْوَة، ما يدخل فيه الزِّرُّ، ما يُتَمَسَّكُ بِه.

(33) من ضمن الحكومة: من بين أعضائها. *يوسف وزير الحرب: من بين حكومة الملك فيصل كان الشهيد يوسف العظمة؛ فقد كان وزير الدفاع. *يُعْلِي: يَرْفَع. *بِناها: بناءَها؛ بناء الدولة السورية يومئذ.

(34) غب دخول غورو ... : بعدما دخل القائد الفرنسي هنري غوري سورية مُحْتَلًّا لها. *تدْنيس: تَنْجِيس. *لجيش: هو الجيش الفرنسي الغازي لسورية والمحتل لها. *غزاها: جاءها مُعتديًا عليها.

(35) تَلَقَّى فيصل: استقبل وأخذ ملك سورية حينها فيصل الأول. *إنذار غورو: تَهْدِيدَهُ له. *فَضُّ الجيش: حَلُّه وتسريحُه. *يحمي: يحفظ.

(36) تسليم: إعطاء. *خط الحديد: خط سكة الحديد؛ طريق القِطار. *دهاها: أصابها مُصيبةً كُبرَى.

(37) يرضوا: يقبلوا. *بعملة غاصبيهم: بِعُمْلة مُحتَلِّيهم، وهي الليرة الفرنسية، والفِرَنْك الفِرَنسي. *تَدَاوُلها: استِعمالها، التعامل بها.

21

*وأشياء سواها: وأمور أخرى. وما سبق ذِكْرُه: هي شروط فرنسا المُذِلَّة للملِك فيصل والشعب السُّورِيّ.

(38) حَدَّد مُدَّة: عَيَّن غُورُو اللَّعِين زمانا مُحَدَّدًا، وهو 24 ساعة لتنفيذ مطالبه سالفة الذكر. *وإلا: وإن لم يفعل السوريون وملكهم فيصل تلك الشروط. *سيفتك بالأهالي ... : سيقتل أهالي دمشق، ويُدَمِّر عليهم بيوتهم؟؟ّ!!

(39) فوافق فيصل: قبل شروط غورو المُذلة والمُهينة هو وبعض مُؤيِّدِيه خوفا من تهديد غورو، لكن الشهيد يوسف العظمة رفض فض الجيش، لكنه أجبر على ذلك. *عقيب فوات مدتهم: بعد ذهاب الزمن الذي عَيَّنه غورو. *مداها: زمانها.

(40) الغازون كَرُّوا: المحتلُّون الفِرِنسيُّون الغُشْم هَجَمُوا على دمشق قادمين من بيروت. *جيرون: من أسماء دمشق. *بُغيتهم: هَدَفُهم.

(41) مُستنجدا: طالبا النجدة، وهي المُساعدة السريعة. *بالأهالي: سكان دمشق المدنيين. *يصدوا: يمنعوا ويحموا غُزاة دمشق الصليبيين الجُدُد.

(42) هب شبابها: ثار وانتفض شُبَّانُها. *الشِّيب: ج شائب، كبار السن. *كيما: لِأجل أن. *يُجازُوا: يُقابِلُوا. *بالعَداوة: الخُصومة. *مَن بداها: الذي بدأ تلك العداوة، وهم الفِرَنسيُّون.

(43) يقودهم: يتزعمهم. *أبو ليلى: يوسف العظمة. *بِجُند: بجنود. والجند ح جُندي. *صباط: ج ضابط: كبار العساكر ذوو الرُّتَب المتوسطة والعالية. *يسير مُحتواها: قليل عددها، قِيَاسًا إلى عدد أعدائهم الفرنسيين.

(44) ساحًا: ج ساحة، ميادين. *المعركة: الحَرب والقِتال. *سَمَتْ: ارتَقَت. *عِزًّا: شرَفًا. *جاها: رِفْعَةً ومَنْزِلَةً.

(45) بأسلحة بسيطات: بنادق كثير منها قديم، مُنذ الحرب العالمية الأولى، ورُبَّما قبلها؟! *قِلال: ج قليل. *مع عَدُوٍّ قد تباهى: مع أعدائهم وخُصومهم الذين تفاخروا بِكثرة عَدَدهم وعُدَدهم.

(46) بآلاف مُؤلَّفة: بنحو 13 ألف جندي وضابط. *دباباتهم: ج دبَّابة، وهي آلة كبيرة معروفة يُقذف بها القذائف الثقيلة إلى مسافات بعيدة. *يَدْوِي: يُحْدِث صَوتًا. *صداها: صوت قذائفها عند إطلاقها.

(47) المدافع: ج مِدْفَع، هو آلة معروفة أصغر من الدبَّابة تقذف القذائف إلى مسافات بعيدة. *مُلْقَمَات: مُمْتَلِئة بالقذائف جاهزة لضرب الناس بها.

*طياراتهم: ج طَيَّارة المَركَبة المُقاتِلة التي تقذف بِحُمَمها وقذائفها من الأعلى في جو السماء. *ملأت سماها: غطت بعض سماء دمشق لكثرتها.

(48) زهاء: نحو، تقريبًا. *تَسَعَّر: اشتَعَل. *جانباها: طرفا الحَرب.

(49) تمخضت: نتج عن معركة ميسلون. *الشهداء: ج شهيد. *ترَقَّوا: ارتفعوا إلى الدار الآخرة. *في عُلاها: في أعالي الجِنان.

(50) تَطهر في ثراها: تمرَّغ في تراب دمشق الطاهر المُبارَك؛ إذ بلاد الشام كلها مباركة، والشام قسم منها.

(51) أربعة بعشرين: أي عدد قتلى أعدائنا الفرنسيين في ميسلون كان 24. *عِداهم: ج عَدو، أعداء المُسلمين السوريين في ميسلون. *إلى سقر: إلى جهنم مصيرهم ونهايتهم؛ فهي أمهم، وهي أولى بهم. *تعْس: نَحْس وبُؤس وشَقاء. *مُنتهاها: نهايتها، مَصيرها.

(52) من شهدائها: كان بعض شُهداء معركة ميسلون المَجيدة. *علماء دين: بعض علماء الدين الإسلامي، وطُلَّاب العِلم الشرعي. *نُجوم هدى: سُرُج هِداية للناس. والنجوم: ج نجم. *تهاووا: سَقَطُوا في أرض معركة ميسلون.

(53) عبد القادر كيوان: هو الشيخ عبد القادر كيوان: خطيب الجامع الأموي، العالم الصوفي، والسياسي الوطني، من كبار رجال الأمة المُشار إليهم بِالبَنَان. كان ذا هِمَّة مُتوقِّدة، ونفس شاعرة، عالما مُفكِّرًا، مَيَّالًا إلى الأعمال لا الأقوال.   *فداها: فِدى دمشق وسُورِيَة.

(54) كمال بن أحمد الخطيب: هو الشيخ كمال بن أحمد الخطيب: كان من حفَظَة القرآن الكريم والمتون العلمية، كما كان مُجازًا بالتدريس في الجامع الأموي الكبير بدمشق، وإمامًا وخطيبًا في بعض جوامع دمشق.

*عبد الله كَلَّاس: من شهداء أهل العلم في ميسلون.

(55) توفيق بن محمد الدَّرَّا: هو الشيخ محمد توفيق بن محمد سليم الدَّرَّا: الفقيه الصوفي، والعالم بالتفسير والحديث، ومُفتي الجيش الخامس، ذو الهمة،

23

المجاهد. كان يلهج في مجالسه بالاستقلال، وجمع كلمة العرب، على غاية من الهِمَّة والجِهاد. *محمد نوري الحُصَري: من شهداء العلماء في ميسلون.

*افتداها: فَداها بروحه.

(56) ياسين بن نجيب الكيواني: هو الشيخ ياسين نجل العلامة الشيخ نجيب عميد آل كِيوان: كان من أسرة مشهورة بالتديُّن والعلم، وهو تاجر ورِع، من خُطباء "مدرسة القلبقجية" بدمشق، الغيور المُتَّقِد غيرةً وحَماسًا. كان طَمُوحًا إلى العَلاء.   *صادق الهلال: من شُهداء العلماء في ميسلون.

*روى ثراها: سقى أرض دمشق بدمائه الزَّكِيَّة الطاهرة.

(57) أحمد الموصلي: من شهداء أهل العلم في ميسلون.

*سليم الدَّرَّا: من شهداء علماء ميسلون.

*الشيخ صلاح الدين أبو الشامات: كان تاجِرًا عَطَّارًا، ترك التجارة، وعكف على طريقة الشاذلية الصوفية المُختصَّة بأسرته. كان ذا روح شبابية مُتوثِّبة، ممتلئًا حماسة وحميَّة.   *وقاها: حمى دمشق.

(59) أشعل ثورة: أوقد نار الثورة السورية الكبرى على الغزاة الفرنسيين. *طفئت وخمدت النار: خبا لهبها. *لظاها: نارها المُتَأجِّجة المُشتَعِلة.

(60) دامت ربع قرن ... : أي استمرت الثورة السورية 26 سنة حتى خرج المحتل الفرنسي من سورية مَذْؤومًا مَدْحُورًا باللعنات والسخط. *زلزلت الثورة السورية الفرنسيين: جعلتهم يهتزُّون ويضطربون ويُجَنُّ جُنُونُهم. *العلوج: ج عِلْج، الكافر الغليظ الجافي. *قُواها: ج قُوَّة، عزائمها، قُواتها.

(61) غادر المُحتلُّ: خرج الفرنسيون من بلدنا سورية وتركوه. *فَلًّا: مُنْهَزِمًا. *علا وجه الجنود: ظهر على وُجوهِ الجنود الفرنسيين الشقاءُ والغبَرة والقتَرة والذُّل والهَوَان.

(62) أشرقت البلاد: أضاءت الأرض السورية بنور الإيمان والإسلام والحرية بجلاء أعداء الله والرسول والمسلمين الوحوش الفرنسيين عنها. *بالحُرِّيَّة: بعَبَق الحرية ونسماتها العَطِرة. *انتعشت: حَيَّت ونَشِطت.

24

*رُباها: مُرتفعات سورية الحبيبة الأبية العَصِيَّة على كل غازٍ ومُحْتَلًّ ومُعْتَدٍ أثِيم. والرُّبَى: ج رَبْوَة: المكان المُرتفع.

(63) تاهت: افتخرت ورفعت رأسها. *كرامتها: عزتها ومجدها وشرفها. *نير: طوق الحديد في عنق العَبْد. *عُبُودة: عبودية وإذلال. *خَلَّتْ: ترَكَتْ. *وراها: وراءها، خَلْفَها.

(64) لَقَّنَت: أعطت وعَلَّمَتْ. *الأعادي: جمعُ جَمْعٍ لِأعداء. *درس خِزي: ذُل وصَغار. *أمّهم الحنون: أمهم العاطفة عليهم الرحيمة بهم، وهو مصطلح ساخِر يُقصد به فرنسا المُحتلة؛ فقد كان يُسميها الخَوَنة أعوان المحتل الفرنسي "الأم الحنون"؛ قال الشاعر الكبير محمد سليمان الأحمد "بدوي الجبل" شامِتًا بفرنسا وهزيمتها على يد هتلر في أوائل الأربعينات، لِلَّه دَرُّه:

إن الامَّ الحَنُون ذاقَت جَزَاها             إذ أتَاها مِن هِتْلَرٍ ما أتَاها

*خَذَاها: ذُلَّها وهَوَانها باحتلال هتلر لها في الحرب العالمية الثانية.

(65) أبطال: ج بطل: الشجاع جدا. *أشاوس: لا يخافون، ج أشْوَس.

*أثخنوها: أنهكها الثُّوَّار السوريون بضرباتهم الموجِعة خلال ثورتهم المُباركة في ربع قرن. *دراها: علمها حقَّ العِلم والمعرفة. *قراها: قرأها؛ أي: عرفها مَن ذاقها منهم.

(66) يا ربَّاه: أسأل يا الله! *مراحم: ج مرحمة، رحمة ومغفرة. *جَمَّة: كثيرة. *تعلي فتاها: ترفعه في جنات النعيم.

(67) كذا أصحابه في ميسلون: وكل شهداء ميسلون الذين استُشهدوا مع يوسف العظمة.   *أعل مقامهم: ارفع درجاتِهم.

(68) أسكِنهم: اجعلهم يُقيمون. *فسيح جنان عدن: واسع جنات الإقامة الدائمة. *نَعِّمْهم: اجعلهم يَتَنَعَّمُون. *بِمُلْك: بأراض شاسعة واسعة في الجنة؛ قال تعالى: (وإذا رأيت ثَمَّ رأيتَ نَعِيمًا ومُلكًا كَبيرا*). سورة الدهر.

(69) كذا أحبابهم: ومثلهم: أحبابهم وأهلهم المُسلمون ألحقهم بهم في جنات النعيم المُقيم. *أرباب صِدق: أصحاب صِدق؛ المُؤمنون الصادقون.

*فأكرمهم: اجعلهم مُكْرَمِين. *وماها: وماءها؛ (تجري من تحتها الأنهار).

25

مقالة مهمة جدا عن ميسلون وقائدها، وبعض مُلابساتها وتفاصيلها، وحقيقة ساطع الحُصَري؛ بعنوان:

صفحات مشرقات وحقائق تاريخية

عن معركة ميسلون

 

sdsdddd10448.jpg

لشيخنا المؤرخ والمحدث الدمشقي الشيخ د. محمد مطيع الحافظ

من الواجب علينا أن نتعرف حقائقَ تاريخنا المجيد في القديم والحديث لنستفيد منه في مستقبلنا.

وإن معركة ميسلون كانت عنوان الفداء والتضحية والعزيمة، فيها الدلالة الواضحة بأن شعبنا قدَّم الكثير في سبيل الدفاع عن استقلالنا وعزتنا، فبذل أعز شيء عنده؛ الأرواح والأموال لتحقيق هذه الغاية.

 وبعد:

فهذه وقائع معركة ميسلون التي استُشهد فيها يوسف العظمة أردت إظهار حقائقها برواية الثقات وشهود العِيان، وذكرت أهم الأحداث التي يجب معرفتها وذلك من خلال:

1- ترجمة الشهيد يوسف العظمة بقلم أخيه الأكبر عبد العزيز.

2- وصف للمعركة واستشهاد العظمة بقلم أخيه أيضاً من كتاب: (التحديث بالنعمة في تاريخ بني العظمة). 3- ترجمة عبد العزيز العظمة.

4- وصف للمعركة بقلم شاهد العِيان، وهو الفريق حسن تحسين الفقير قائد الفرقة الأولى النظامية في معركة ميسلون: نقلاً من مذكراته.

5- ترجمة الفريق حسن تحسين الفقير.

6- ساطع الحُصْري وآراء معاصريه فيه.

7- ترجمة ساطع الحُصْري من كتاب الأعلام.

26

يوسف العظمة

 يوسف بك ابن إبراهيم بن عبد الرحمن العظمة، شهيد ميسلون، من الوزراء ومن كبار الشهداء.

ولد في منتصف رجب عام 1301هـ - 9 نيسان 1884م، في دار أبيه بحي الصمادية (الشاغور) بمدينة دمشق، ولما ترعرع دخل المدرسة الابتدائية في الياغوشية بالقرب من دار أبيه، ثم دخل المدرسة الرشدية العسكرية في جامع يلبغا بحي البحصة، ثم انتقل إلى المدرسة الإعدادية العسكرية في جامع تنكز، وبقي فيها عاما واحدًا واضطر للسفر إلى الآستانة لإجراء عملية جراحية في فكه الأسفل، وتابع تعليمه العسكري

في مدرسة (قله لي) على شاطئ البوسفور، ثم بعد اجتيازه المدرسة

الإعدادية دخل المدرسة الحربية، وتخرج منها برتبة ملازم ثان، انتقل بعدها لمدرسة الأركان حرب مدة ثلاث سنوات، وكان الأول بين رفاقه المتخرجين، وأعطي المدالية الذهبية التي أحدثها السلطان عبد الحميد رحمه الله، لمن يكون الأول في المدارس العالية وخرج برتبة (يوزباشي) أركان حرب سنة 1324هـ.

وهو يُجيد اللغات العربية والتركية والفرنسية والألمانية قراءة وكتابة وتكلما.

وتنقل في الأعمال العسكرية بين الآستانة وبيروت ودمشق، وأُرسل إلى ألمانيا للتمرن عملياً على الفنون العسكرية زهاء سنة ثم عاد إلى استانبول، ثم عين كاتباً للمفوض السامي العثماني المشير الثاني أحمد مختار باشا في مصر، وعندما أعلنت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م ترك مصر وتطوع في خدمة الجيش في الآستانة فعين معاوناً لرئيس أركان حرب الفيلق الأول، ثم رئيساً أصيلا له.

ثم التحق بجبهة القافقاس، واشترك بالحرب في جبهات مكدونيا وغاليسيا، ورومانيا، ونال بذلك رتبة قائد بكباشي، ثم عاد إلى الآستانة فرافق أنور باشا (ناظر الحربية العثمانية) في رحلاته إلى الأناضول وسورية والعراق.

وعندما عقدت الهدنة بين المتحاربين سنة 1918 قدم إلى دمشق بعد دخول الأمير فيصل بن الحسين إليها، فعين مرافقاً له، ثم معتمداً عربياً لدى المفوض السامي الفرنسي في بيروت.

ولما عاد الأمير فيصل من أوروبا واجتمع مع الجنرال غورو المفوض السامي الفرنسي في بيروت شكا له غورو من يوسف الذي أصبح ذا نفوذ عظيم في الساحل وأصبح مرجعاً محترماً للأهلين، وقال له غورو: إن يوسف رجل ممتاز جداً، وأقدر ضباط الأركان حرب في سورية لماذا

27

لا تستفيد منه في الداخل، وكان قصده أن يبعده عن بيروت، ونتيجة لذلك نقل يوسف إلى دمشق وعين رئيساً لمرافقي الملك فيصل بعد إعلان الملكية.

*قبل المعركة:

وعندما اتضح لحكومة الملك فيصل نيات الفرنسيين في سورية اضطرت لإيجاد جيش قوي فعُين يوسف العظمة رئيساً لأركان حرب الجيش العربي برتبة قائم مقام، ثم وزيرًا للحربية برتبة زعيم (أميرالاي). بعد البيعة لفيصل بالملك على سورية.

كان يوسف العظمة يلتهب غيرة على الوطن واستقلاله، وكان يعتقد أن بإمكان سورية إذا نظمت دولتها وجيشها بملكية فيصل أن تكون نواة لدولة عربية كبرى تجمع حولها جميع الأقطار العربية، ولهذا بدأ يعمل في سبيل الدفاع عن سورية وإعلاء شأنها. على أن فرنسة كانت تبث الدعايات ضده بواسطة بعض الخونة المتآمرين مع فرنسة الذي دفعت لهم ثلاثة ملايين من الفرنكات الفرنسية اشترت بها ضمائرهم (ذِمَمَهم).

إثر ذلك بعث غورو إنذارا إلى الحكومة السورية تضمن تسريح الجيش وعدة مطالب أخرى، وبعد اجتماع الحكومة قررت الموافقة على ما تضمنه الإنذار وبدأت التنفيذ، بعدها هاج المتحمسون من الجيش والأهلون، وحاولوا دخول القلعة وأخذ السلاح.

ثم إن الجنرال غورو ادَّعى بأن برقية الموافقة على الإنذار الذي بعثه إلى الحكومة بدمشق لم تصله، وأمر حملته التي يقودها الجنرال (غوابيه) بالتقدم نحو دمشق ولما وصلوا إلى مجدل عنجر كان الجنود على أهبة الانسحاب إلى دمشق، حسب أوامر الملك، فتسلط عليهم الفرنسيون وجردوهم من سلاحهم وذخائرهم وأسروهم.

بعد ذلك قرر الملك والوزراء العدول عن قرارهم ورفضوا مطالب الجنرال غورو جميعها، وقرروا الدفاع ثانية مؤملين المقاومة بما تعهد به وجهاء البلاد من ألوف المتطوعة، مما جعل الملك والوزراء يحمسون يوسف العظمة بأن الوقت الآن وقت حمية وفداء لإنقاذ الوطن فوافقهم على تقديم روحه ونفسه في سبيل ذلك.

وأما الملك فذهب بنفسه إلى الجامع الأموي وخطب بالناس حاثاً على الجهاد، وقال لهم: ها أنذا ذاهب أمامكم، فازداد الحماس، وبدأ الناس يتطوعون، وأخذ المتطوعون يفدون بالمئات إلى الثكنة، ويطوفون في الأسواق مدججين بالسلاح والذخائر، ولكن الدعاية الفرنسية التي نشرها المتآمرون كانت لهم بالمرصاد، فرجع كثير من المتطوعين جراء ذلك.

28

ذهب يوسف العظمة حسب أمر الملك إلى ميسلون، وأخذ يعد العدة للدفاع بهمة عظيمة، ووصلت إليه النجدات التي وُعد بها، وبلغ عددها ثلاث مئة فارس من محلة الميدان، ومن أحياء دمشق الأخرى مع الشهيدين الشيخ عبد القادر كيوان والشيخ كمال الخطيب؛ بحيث أصبح عدد القوات مع العظمة ألفَ جندي تقريبا.

يوم ميسلون

في اليوم الثاني وهو يوم 24 تموز وصل الفرنسيون ميسلون وتبادل الفريقان نيران المدافع فعطلت المدفعية العربية دبابة فرنسية، وأصابت إحدى الطائرات وردَّتها، ثم أخذ جنود السنغال الفرنسيين يحملون على ميسرة الجيش المؤلف معظمه من المتطوعة، وسقطت خلال ذلك قذيفة من إحدى الطائرات على المتطوعة مما أدى إلى تفريقهم.

ثم إن أحد الخونة هاجم ميسرة الجيش من خلفها، وقضى على كثيرين، وسلب منهم أسلحتهم.

لم يعبأ يوسف بهذه المصائب، وبقي بهمته وثباته وعزيمته، وكان قد بث الألغام على رؤوس وادي القرن وهو ممر الجيش الفرنسي آملاً بأنه عند صعود الدبابات تنفجر الألغام، إلا أن الخونة قد سبقوا وقطعوا أسلاك الألغام، وقد قُبض على بعضهم وهم ينفذون خيانتهم، ولكن سبق السيف العذل، فلما اقتربت الدبابات أمر العظمة بإشعال الألغام، فلم تشتعل وتقدم ففحصها بنفسه فرأى أكثرها معطلة تماماً وأسلاكها مبتورة، ثم سمع ضجة من خلفه فالتفت فرأى أن الكثيرين من الجيش والمتطوعة قد ولوا الأدبار على أثر قنبلة سقطت من إحدى الطائرات فلم يسعه إلا أن عمد إلى بندقيته وهي آخر ما لديه من قوة فلم يزل يطلق نيرانها على العدو حتى سقط شهيداً يوم الأربعاء 7 ذي القعدة 1338هـ -24 تموز 1920م، تغمده الله برحمته.

وقد دفن في المكان الذي استشهد فيه، ومنع الفرنسيون بوساطة جندهم الدنو من قبره، فكتب أخوه عبد العزيز إلى الجنرال غورو يخبره بعزمه على إقامة ضريح له فوافق بشرط أن لا يكتب على الضريح شيئا مهيجا،

وكان الأمر كذلك فأقيم الضريح من قبل أسرته وبمالها الخاص كقبور المسلمين، وكتب على شاهدة قبره بالعربية فقط: يوسف العظمة وزير الحربية في 7 ذي القعدة 1338هـ.

هذا ما كتبه السيد عبد العزيز العظمة باختصار، وهو أخو يوسف العظمة الأكبر، ونورد فيما يلي ترجمته للاطلاع على شخصيته ومكانته.

29

ترجمة عبد العزيز بن إبراهيم بن عبد الرحمن العظمة

إداري فاضل مؤرخ. ولد بدمشق في 20/رجب/ سنة 1275هـ/ 1856م، وتعلم بمدارسها حتى المدرسة الرشدية ثم تقلد عدة وظائف، وبقي يترقى حتى رئاسة كتاب دائرة أركان الحرب سنة 1892هـ، وعهد إليه بالاشتراك في تحرير "جريدة سورية" الرسمية لمدة خمسة عشر عاما، ثم عُيِّن مديرا للشعبة الأولى في إدارة الجيش العثماني السابع في اليمن، وبقي فيها أربع سنوات، ثم عُيِّن مُتصرفا للواء العمارة في ولاية البصرة، فمتصرفا للواء نابلس، وأخيرا متصرفا للواء طرابلس الشام، حيث طَلب إحالته إلى التقاعد، وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى كلف برئاسة جمعية المدافعة الملية التي كلفت بتجهيز المستشفيات، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عاد إلى داره في المزة؛ حيث اعتكف وانكب على المطالعة والكتابة، ثم انتقل في أواخر عمره إلى منزل آخر في محلة الحبوبي، حيث وافته المنية في 7 ذي القعدة سنة 1362هـ ودفن بمقبرة الباب الصغير.

له كتاب (التحديث بالنعمة في تاريخ بني العظمة) مخطوط، و(مرآة الشام: تاريخ دمشق وأهلها) مطبوع.

*أولاده الذكور خمسة وهم: إبراهيم وحيد، وأحمد خالد، وحسن هاني، ومحمد نبيه، وعمر عادل.

  • •••

 *معركة ميسلون كما وصفها الفريق حسن تحسين الفقير:

-(وكان إلى جانب وزير الحربية يوسف العظمة عند استشهاده)- :

عند صباح 24 تموز 1920م حوالي الساعة السادسة قبل الزوال، أي قبل انتهاء الهدنة بنصف ساعة نظرنا إلى جبهة الفرنسيين، فرأيناهم يعبئون مدافعهم من قمة الجبال ورشاشاتهم من سفوحها، فتأثر يوسف العظمة من تصرفات العدو وعدم محافظتهم على العهود، وأمرني أي أمر (حسن تحسين الفقير) أن أخرج مدافعي من أماكنها المستورة، مقابل مدافعهم، وأن أرميهم بها وأصرَّ على ذلك، فأخرجت مدفعين فقط امتثالًا لأمره، وذلك بالتشاور مع قائد لواء المدفعية العقيد صدقي بك الكيلاني.

وفي تمام الساعة السادسة والنصف من يوم 24 تموز 1920م بدأت الحرب، وانطلقت بآن واحد طلقة من العدو وطلقة منا، وكان مقر القيادة ومعي وزير الحربية رحمه الله، وقائد اللواء الأول للمشاة، وقائد (لواء المدفعية) فوق

فوق قمة تل الشراطيط، وأمامنا صخرة بارتفاع متر تسترنا بها، ومركز

30

الهاتف بقربنا، وكنا على بعد 50 مترا من الخط الأول تشجيعاً للجند، وأمرت فوراً أن توجه المدفعية نيرانها على مدافع العدو الأربعة، ولم تمض نصف ساعة على بدء المعركة حتى استطعنا القضاء على مدافعه، ولقد سر وزير الحربية أيما سرور لهذه النتيجة، وكان يفقش بيده اليمنى من شدة سروره، ويقول: برابو برابو ...

ثم حمي وطيس القتال وفي الجناح الأيسر انسحب المتطوعة الخيالة، وأما الجناح الأيمن فلم يظهر منه أدنى قتال، وأما جبهة القلب فثابرت على القتال بشدة لإسكات مدافعه ورشاشاته، وحوالي الساعة التاسعة والنصف ظهرت علينا من وادي القرن أربع دبابات فرميناها بالمدافع وكسرنا الأخيرة، وتقدمت الثلاث الباقية، وعندها التفت إلي يوسف بك وقال: لقد اقتربت الدبابات الثلاث ولم تُصَب، فأجبته: إن لدينا ألغاماً ثلاثة متتابعة سنكون لها بالمرصاد، غير أنه خاب ظننا عندما اقتربت من الجسر، ومرت عليه لم تنسف وهكذا بقية الألغام.

وتألم يوسف بك من تهاون ضابط الاستحكام الذي قصر بواجبه، ونزل باتجاه مكان الألغام نحو المدفع الجبلي السريع وأمر النائب الذي كان بينه وبين الدبابات العدوَّة مسافة لا تزيد على الخمسين متراً أن يوجه المدفع نحو الدبابات، واتجهت الدبابات نحونا، ووقف رحمه الله مشيراً بيده إلى الدبابات وهو يقول: ارمِ هذه ولكن المنية عاجلته حيث وجهت الدبابات نيران رشاشاتها عليه فأصيب بصدره ورأسه، وخَرَّ شهيداً كما أصيب نائب المدفع وخر شهيداً إلى جانبه، وكان رحمه الله عند سقوطه سند ظهره للمحرس وأدار وجهه نحوي، وفيه بقية من الحياة، والدم يتدفق من فمه، فحالًا أمرت الصدّاح (المُبَوِّق) النائب محمد الترك أن يذهب بسيارتي ليأخذ وزير الحربية قبل أن يصل إليه العدو، ولما أرادت السيارة أن تدور أصابتها قنبلة مدفع أذهبت بابيها الخلفيين، وعاد سائقها ولم يتمكن من أخذ الوزير الذي أمال رأسه وسقط مسلِّما رُوحه الطاهرة. 

  • •••

هذا ما ذكره الفريق حسن تحسين الفقير عن معركة ميسلون واستشهاد يوسف العظمة باختصار.

*ونورد فيما يلي ترجمته للاطلاع على شخصيته العسكرية وإخلاصه.

الفريق حسن تحسين باشا ابن صالح الفقير:

قائد عسكري، من أبطال معركة ميسلون، أصله من عشيرة الفقير في جوار مدائن صالح، ولد بدمشق عام 1297هـ/ 1880م، وتعلَّم بها بالمدرسة

31

الثانوية، ثم التحق بالكلية الحربية في استانبول وتخرَّج بها برتبه ملازم ثان، ثم أصبح ضابط ركن، واختير مدرساً في الكلية الحربية العثمانية.

وبعد إعلان الحرب العالمية الأولى نقل للعمل في وحدات الجيش العثماني المقاتلة، ورقي إلى رتبة قائم مقام (عقيد)، وقاتل مع الفرقة العربية العاملة في الجبهة الأوربية في البلقان ورومانيا، واخترق بقواته نهر الدانوب ثم أصبح قائداً للفرقة العربية، وأعطي وسام القيادة الألمانية، وعدة ميداليات، ثم عاد إلى دمشق سنة 1918م، وكان من رؤساء الضباط العرب السوريين الذي أسسوا الجيش العربي السوري الأول في عهد الملك فيصل ابن الشريف حسين، وعُيّن قائداً للفرقة النظامية الأولى في الجيش المكلفة بالدفاع عن لواء دمشق.

شارك في معركة ميسلون وكان من قوادها، وبعد استشهاد وزير الحربية يوسف العظمة تابع قيادة المعركة مع عدد قليل من المقاتلين.

 بعد معركة ميسلون حكم عليه الفرنسيون بالسجن غيابياً لمدة 7 سنوات حيث اضطر لمغادرة سورية والتجأ إلى شرق الأردن محتفظاً بعلم معركة ميسلون.

 وفي الأردن كلّفه الشريف حسين بتشكيل قوات من السرايا للدفاع عن أراضي الحجاز.

 ثم عمل في الأردن أيضاً مع عدد من الضباط العرب على إنشاء الجيش العربي الأول في شرق الأردن، وأصبح قائداً للجيش في معان وعمّان، ورُفع إلى رتبة أمير لواء (جنرال) ومنحه الملك عبد الله لقب "باشا"، ثم كُلف بالسفر إلى جُدة لمساعدة علي بن الحسين بالدفاع عن الحجاز، وبعدها عُين وزيراً للحربية سنة 1342هـ في حكومة الحجاز، وفي سنة 1930م طلبه إمام اليمن للاستعانة بخبرته في تطوير الجيش اليمني، واستمر في هذا العمل حتى سنة 1944م، صنف خلالها كتاب "التربية العسكرية" وطبعه في صنعاء، ثم عاد إلى دمشق وحضر احتفالات عيد الجلاء.

قام بتسليم علم معركة ميسلون (العقاب (في عام 1946م إلى وزير الدفاع نيابة عن رئيس الجمهورية السيد شكري القوتلي، وذلك في احتفال أمام مدخل المتحف الوطني بتاريخ 28/ 9/ 1946م.

خلال 1946-1948م راعه ما تقوم به الصهيونية من اغتصاب للأراضي الفلسطينية فقام بالتداول مع الرئيس شكري القوتلي بإنشاء جيش وفرقة نظامية تحت إمرته وتزويد المجاهدين على رأسهم الزعيم فوزي القاوقجي بخبرته العسكرية.

32

*توفي يوم الأربعاء 14 رمضان 1367هـ 21/ 7/ 1948م بعد إعلان الهدنة الأولى بين الدول العربية ودولة العصابات الصهيونية.

ويقول أبناؤه: أمر وفاته يُثير التساؤل، وذلك أن هذه الوفاة حصلت نتيجة زيارة اثنين من الأوربيين بدعوى أنهما طبيبان قدِما من ألمانيا لزيارته وعيادته، وبعد قيامهما بفحصه ادعيا أنه أصيب بنوبة دماغية نتيجة لارتفاع ضغط دمه، وبناء على هذه الدعوى قاما بحقنه بإبرة خاصة، إلا أنه فارق الحياة بعد حقنه بقليل، وذلك بعد أن اختل توازنه عند دخول الحمام، ووقع على الأرض وتفجر الدم من فمه وأنفه وغادر الرجلان المنزل بعد أن فحصوه ثانية وهو مستلق على أرض الحمام وتأكدا أنه فارق الحياة.

دفن رحمه الله في مقبرة الباب الصغير بعد أن صلي عليه في الجامع الأموي بجنازة رسمية بمشاركة وحدات من الجيش والشرطة والدرَك.

قال الأستاذ خير الدين الزركلي في وصفه:

."كان طيب القلب، فيه نزعة صوفية"

  • •••

 أما ساطع الحُصْري فقد ذكر في كتابه " يوم ميسلون" ما حدث فقال:

إن بدء اليوم الرابع والعشرين من تموز كان موعد انتهاء الهدنة التي عقدناها مع الجنرال غورو، فكان من الطبيعي أن يبدأ هجوم الفرنسيين على ربى ميسلون في فجر ذلك اليوم.

وأخذت تتوارد علينا بعض الأخبار – عن المعركة التي بدأت فعلاً – في الوقت المذكور، منذ الصباح الباكر.

وما كنت أستطيع أن أمنّي نفسي بأي أمل في الانتصار، بعد أن علمت ما علمت من أحوال جيشنا، وشاهدت ما شاهدت من عُدد الجيوش الفرنسية، وما كنت أجد مجالاً للشك في النتيجة الأليمة التي ستنتهي إليها المعركة، ولكني مع هذا كنت أتمنى أن تطول المعركة على قدر الإمكان، أمنّي نفسي بمعركة عنيفة تُساعد على حفظ شرفنا العسكري على أقل تقدير.

ولكن النتيجة لم تبطئ كثيراً: فقد وردت الأخبار قبل الساعة العاشرة بانكسار الجيش واختراق الجبهة.

وقالوا: يوسف العظمة قُتل في ميسلون.

فقلت: بل إنه انتحر هناك!... واستشهد؛ على كل حال.

هذا ما قاله ساطع الحصري.

  • •••

33

*يقول محمد مطيع: الذي يظهر لي أن الحُصري أساء التعبير، ويمكن أن نُفسِّر كلامه بأنه عندما بدأت المعركة أدرك أن المعركة لم تكن مُتكافئة بين الطرفين، ولذلك كانت هذه النتيجة؟!

ولكن يوسف العظمة أثبت أن أمتنا لا يمكن أن تستسلم دُون مقاومة مهما كانت الظروف والتضحيات وبلغت النتيجة، ودخل المعركة وهو مؤمن بأنه ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ﴾

  • •••

لا بد لي هنا من الإشارة إلى بعض الأمور عن ساطع الحُصْري ومواقفه:

1- ذكر الأستاذ علي الطنطاوي في ذكرياته: وهذا الرجل سابق من السابقين من الموجهين والمربين من العرب، وإن عاش حياته الطويلة جدا، ومات وهو لا يُحسن العربية لا نطقا ولا كتابة، مفكر ممتاز كان شيخ المُشتغلين بالتربية من عام 1908 في تركيا، ثم في الشام على العهد الذي أتحدث الآن حديث ذكرياته، ثم في العراق، وقد تسلّم المعارف) من بابها إلى محرابها)، وأصدر يومئذٍ مجلة كانت أولى مجلاتها، ثم أشرف على المعارف في سورية بعد الاستقلال، وهو نسيب الزعيم سعد الله الجابري، ثم عمل في مصر في جامعة الدول العربية.

هذه مزاياه، أما: هل أحسن أم أساء؟ وماذا كان موقفه من الإسلام؟ الجواب لا يرضيه لو كان حيًّا، ولا يُرضي تلاميذه ومُحبِّيه، ولكنه الحق، ولا يضر الحقَّ إن كثر أعداؤه وكارهوه.

كان العقل المُفكر لفتنة القومية، التي لم يأت منها إلا أننا كُنَّا أمة واحدة هي (أمة محمد صلى الله عليه وسلم)؛ فصرنا جمعية أمم، وكنا إخوة يجمعنا الحب في ظلال الإيمان، فصرنا أعداء، تُفرِّقنا هذه الدعوة الجاهليَّة، ولقد أفسد مناهج التعليم في سورية لمَّا دعا بعد الاستقلال لإصلاحها.

2- ذكر لي الدكتور شكري فيصل رحمه الله أن الأستاذ سعيد الأفغاني

رحمه الله لما زار الجامعة العربية بالقاهرة شاهد أحد أساتذة قسم اللغة العربية خارجا من غرفة ساطع الحصري فنظر إليه نظرة قاسية تدل على غضبه واستيائه.

3- في أحد لقاءاتي مع الأمين العام لمجمع اللغة العربية بدمشق الدكتور عدنان الخطيب أعلمني أنه يعمل على إخراج دراسة عن ساطع الحصري وأعماله وخفاياها التي أساءت للأمة، وأنه بعد البحث قال: يجب إعادة النظر في أصوله والتحقيق في أعماله وما أراد بها.

34

4- وقال المُشرف على طباعة كتاب "الأعلام" بعد وفاة مؤلفه الزركلي رحمه الله: "للاطلاع على خطر الدور الذي قام به ساطع الحصري، والمُهمَّات التي اضطلع بها أثناء العهد الفيصلي في سورية انظر كامل

كتابه "يوم ميسلون"، وخاصة المقدمة.

  • •••

ترجمة ساطع بن محمد هلال الحُصْري (أبو خلدون)

قال الزركلي في ترجمته: كاتب باحث، من علماء التربية تترَّك ثم تعرَّب، ولد بصنعاء سنة 1300هـ - 1388هـ، وتعلم في استانبول، وتنقل في التعليم والإدارة ووضع 12 كتابا بالتركية.

ولما انفصلت سورية عن الحكم العثماني 1918م دعته إليها حكومة الشريف (الملك فيصل بن الحسين) فجاءها وجدّد عهده بالعربية، وعُين وزيراً للمعارف. ولما احتل الفرنسيون سورية سافر إلى بغداد، فكان مديراً لدار الآثار ورئيساً لكلية الحقوق، وأجبر على مغادرتها سنة 1941م، فعاد إلى حلب، ودعي مستشاراً فنياً في وزارة المعارف بدمشق فزاولها 1944-1946م، وانتقل إلى مصر فعهدت إليه جامعة الدول العربية بإنشاء معهد الدراسات وإدارته، وصنف أكثر من 50 كتابًا عربيًّا، كان أصدقاؤه يُساعدونه في إصلاح لُغتها قبل الطبع، بعضها عن ابن خلدون، وبعضها عن القوميَّة العربية، وبعضها في التربية والتعليم، تُوفي ببغداد سنة 1388هـ-1968م.

  • •••

*خاتمة:

وأختم البحث معرفا عظمة المعركة ونتائجها، وبطولة يوسف العظمة، وذلك كما قال د. إحسان هندي وعلى كل حال فإن هذه المعركة لم ينظر إليها المسؤولون السياسيون والعسكريون السوريون في ذلك الوقت كمعركة لصد وإيقاف الوحدات الفرنسية، وإنما نظروا إليها كرمز فقط، رمز يجسد معنى الفداء في سبيل الوطن، المعنى الذي يمثله بيت الشعر العربي المحفور على قاعدة تمثال يوسف العظمة، القائم في موقع حديقة نادي ضُبَّاط دِمشق:

تقضي الرجولة أن نَمُدَّ سيوفنا           جِسْرًا ، فقُل لرفاقنا: أن يَعْبُرُوا

ويقول:

ومع ذلك فقد كانت الإصابات الفرنسية أكثر مِمَّا كان متوقعا، ولكنَّ الإصابات العربية كانت أكثر، ومن بينهم العظمة الذي سقط شهيدا.

35

ميسلون ويوسف العظمة في الشعر العربي

للأستاذ محمود محمد أسد

 

sdsdddd10449.jpg

خاضت سوريا معركة الرفض وتأهّبَتْ لحماية شرف استقلالها الوليد الذي راح يهدِّده إنذار غورو… وشعَّ في الأفق موقف الشهيد يوسف العظمة. هذا الموقف الرافض بإباء وعزّة لشروط غورو والاستسلام له. فكان أمام يوسف العظمة طريق المواجهة وهذا ما كان في روابي ميسلون قرب دمشق. وكان له شرف الاستشهاد مع رفاقه الأباة. وما استشهاده إلاّ ثمرةٌ غُرِسَتْ في نفسِ كلِّ أبيٍّ فكانت بذرةَ الجلاءِ فراحَتْ تنمو في النفوس وتُثْمِرُ في المواجهات وتجنى في الجلاء.

من هنا بدأت رحلة الجلاء المسطّرة بالدم والفداء والرفض فلم يعرف المحتل البغيض طعم النوم ومذاق الهناء في بقعة من الوطن العربي حتى نالت استقلالها في القرن العشرين. هذا الجلاء وراءه رجالٌ ومجاهدون أحرار وحَّدوا النضال الوطني في كلِّ الوطن والأقاليم بعيداً عن كلِّ حساسيّة، ولذلك انخرطَتْ الجماهير بعفويتها وإيمانها للذود عن حياض الوطن.

وكانت معركة ميسلون واستشهاد المجاهد يوسف العظمة المحرِّك المدوِّى لنفوس الشعراء فألهَبَ قرائحهم والَّبهم على أعدائهم. فانخرطوا في صفوف النضال واعين رسالتهم.

وحفل الشعر في ذكر ميسلون ويوسف العظمة. واستلهم الشعراء الكثيرَ من المعاني النبيلة.

فهناك قصائد وأبيات خلّدت ميسلون وشهيدها وفيها الكثير من الصدق والعفوية فالشاعر سليم الزركلي نظّم نشيدًا خاصا لطلاب مكتب عنبر وقد لحَّنَهُ الموسيقي المرحوم فائز الأسطواني وجاء فيه:

يا  روابي   ميسلون             يا روابي   ميسلون‏

بالضحايا       ذكِّرينا             غالها الدهرُ الخؤون‏

يا   رياحين     البلاد             يا أزاهير   الجنان‏

جرِّدوا   سيف الجهاد             و  تنادوا     للطعان‏

جدَّدوا العهد الأمينا             لزعيم       الشهداء‏

وانصروا الحقَّ المبينا              بالتآخي ، و الولاء

هذه المقاطع من النشيد تقترب من نُفوس الفتيان، فتشحذ هِممهم.

وفي معركة ميسلون قيل الكثير وبقيت مرسومة بصفاء في نفوس الشعراء الذين عايشوها عن قرب. فالشاعر خير الدين الزركلي يذكر ذاك اليوم البغيض الذي حلَّ على الشعب الغاضب الثائر:

الله   للحدثان !   كيف     تَكِيدُ؟!           بردى يغيض و قاسيون يميدُ

تفد الخطوبُ على الشعوب مغيرةٌ           لا الزجرُ يدفعها ، ولا التنديدُ

بَلَدٌ   تبوَّأه   الشقاء ؛   فكلَّما           قدم استقام له ، به تجديدُ

لهفي على وطنٍ يجوسُ خلاله           شُذَّاذُ آفاقٍ - شراذمُ - سودُ !

وأشاد الشاعر خليل مردم بك ببطولات معركة ميسلون الباسلة وأبدى حزنه لما آل إليه أمرها:

إنّي أرى (بردى) تفيض عيونه             بدموعها حزنا على ماضيكِ

وأرى هضابك كالقبور، عذابها             من كلِّ غصن نادبٍ يرثيك

                      

في ميسلون أسى يطول وحسرةٌ           عانيهما ؛ ما كان بالمفكوك

وللشاعر خليل مردم بك أكثر من قصيدة يحيي فيها ذكرى ميسلون فيقول في إحداها مخاطباً الشهيد يوسف العظمة:

أيوسف و الضحايا اليوم كثرٌ       ليهنكَ كنت أوَّل من بداها‏

مصيبة ميسلونٍ وإن أَمَضَّتْ       أخفُّ  وقيعةً  ممَّا    تلاها‏

فما من بقعة – بدمشق - إلاّ          تمثِّلُ ميسلونَ ، وما دهاها‏

37

ومن الطبيعي أن تكون ميسلون مبعث اعتزاز وموقع ثقة لدى الشعراء فالشاعر بدر الدين الحامد يتغنَّى بصمود يوسف واستشهاده ويندِّد بوعود الغرب الكاذبة:

نحنُ قومٌ من الممات اتَّخَذْنا       عن يقينٍ ، إلى الحياة سبيلا‏

يوسفٌ خرَّ في الشآم صريعا     و كفانا   - به - شهيدا   نبيلا‏

أخذونا بالانتداب ، و قالوا:      نحن أقوى يدا، وأسمى عقولا‏

سنريكم دنيا الحضارة تزهو     وَعْدَ صدقٍ كالصبحِ معنى وكيلا

وتوقَّف الشاعر عمر أبو ريشة عند ميسلون وهو في نشوة الفرح بالجلاء واعتبرها حَجَرَ أساسٍ في نهوض أمَّتنا وثباتها، رغم عاتيات الزمان. واعتبرها معارك أمّة خاضتها عبر تاريخها، وناضَلَتْ بشرف لنيل مُبتغاها:

كم لنا من ميسلون نفضت      عن جناحيها ، غبار التعبِ‏

كم نبتْ أسيافُنا في ملعبٍ        و كبَتْ أجيادُنا في ملعبِ‏

من نضال عاثرٍ مصطخبٍ       لنضالٍ    عاثرٍ   مصطخبِ‏

شرفُ الوثبة أن ترضي العُلى     غلبَ الواثبُ ، أم لم يغْلَبِ‏

فمعركة ميسلون وما جرى فيها كانَتْ مجالاً رحباً وأفقاً واسعاً للشعراء منها ينهلون، ويسكبون فيها بنات أفكارهم وآرائهم فالشاعر عبد الله يوركي حلاّق تغنّى من خلالها بالوحدة والتراث وجسّد معاني الانتماء:

في ميسلونَ ينامُ كوكبُ يعربٍ   يا للغرابة كيف يغفو الكوكبُ‏

ما مات يوسفُ فهوَ في تاريخنا     و قلوبنا ، حيُّ البسالةِ طيِّبُ‏

الخلدُ يعرفُهُ ، و يعرف أنَّهُ     نَغَمٌ على شفةِ الإباءِ و مُطْرِبُ‏

والباحث في طيِّ الدوريات والدواوين يجدُ عقداً ثميناً من القصائد والأبيات التي توقفت عند هذا الحدث الجليل فالشاعر فارس قويدر يهدي قصيدته  (قبس من ميسلون) إلى الشهيد يوسف العظمة وذلك في مجلة "الجندي العربي":

38

غورو هناك، وشعبي في انتفاضتِهِ   نهرٌ من النارِ ، لم تسمعْ به النارُ‏

فأرجفَ البغيُ مذعورا لصرختهم:      "يفديكَ يا وطن الأحرارِ" أحرارُ‏

أيعبرونَ ، و قتلانا جدارُ دمٍ ؟!       و نحنُ في زحمةِ الأقدارِ .. أقدارُ

ولكنَّ اللافتَ والرائع أن ميسلون وشهيدها لا مَسَتْ وجدان الشعراء العرب في الأقطار العربية والمهجر. وهذا معهودٌ لدى شعراء العربية فالإحساسُ القومي نابضٌ وحارٌّ. فالآلام توحِّدُ مشاعرهم والآمالُ تشدُّ من أزرهم. فمن مصرَ ارتفع صوت أمير الشعراء أحمد شوقي:

سأذكر ما حييتُ جدارَ قبرٍ         بظاهرِ جلَّقٍ ركبَ الرِّمالا‏

مقيمٌ    ما أقامَتْ ميسلونٌ           يذكِّرُ مصرعَ الأسدِ الشِّبالا‏

ترى نورَ العقيدةِ في ثراهُ            و تنشقُ مِنْ جوانبهِ الخلالا‏

مشى ومَشَتْ فيالق من فرنسا            تجرُّ مطارفَ الظفر اختيالا‏

سلوهُ: هل ترجَّلَ في هبوبٍ            من النيرانِ أَرْجَلَتِ الجبالا

في القصيدة يعلو وجدان الشعر وتبرز الصور الفنيَّة الموحية، وتغنّى الشاعر المصري على محمود طه بميسلون ففي ديوانه قصيدة "شهيد ميسلون"، والشاعر معروف بروحِهِ الثورية الوثَّابة، وهو صاحب القصيدة الرائعة ومطلعها:

أخي جاوز الظالمون المدى             فحقَّ الجهادِ ، و حقَّ الفِدا

يقول الشاعر في شهيد ميسلون:

لو قِستَهم بعدوِّهم و سلاحِهِ         أيقنْتَ   أنَّهمو   فريسةُ جارحِ‏

يا ميسلونُ شهدْتِ أيَّ روايةٍ           دمويَّةٍ ، و رأيتِ  أيَّ مذابحِ‏

و وقفْتِ مُثْخنةَ الجراحِ بحومةٍ           ماجَتْ بباغٍ في دمائكِ سابحِ‏

يا يُوسُفَ العظماتُ غَرسُكَ لم يَضِعْ

   و جَناهُ أخلَدُ مِن نِتاج قرائحِ 

هذه القصائد تبرز عمق الارتباط القومي ومتانته. هذا الارتباط الوثيق الذي عبَّر عنه الشعراء بمشاعرهم الفيَّاضة الصادقة. وهذا ليس بغريب عن أدباء العربية المنتمين الى أرومتهم انتماء صافياً كصفاء نفوسهم.

فالرصافي يهزأ من غورو، ويُخاطبه غاضبا من إنذاره وتصرفاته الرعناء:

رويدك غورو أيّها الجنرال!       فقد آلَمَتْنا - من خطابك - أقوال‏

أسأتْ إلينا  بالذي قد ذكرته       من الأمرِ فاستاءت عصورٌ وأجيال‏

إليك صلاح الدين نشكو مصيبة       أصيبَ بها قلبُ العلا فّهْو مقتال

والشاعر هنا يُشير الى مقولة غورو عندما دخل دمشق غازيًا؛ فتوجَّه الى ضريح صلاح الدين وقال له: "ها نحن عُدْنا يا صلاح الدين".

ومن المَهاجر الأمريكية تواصل الأدباء العرب مع هذا الحدث الجلل وهذه المواقف البطولية الرائعة فأبو الفضل الوليد يشيد بصمود يوسف العظمة في ميسلون:

تربَّصَ إحدى الحسنيين تبسُّلا   فما عابه   ألَّا يكون المظفَّرا‏

وأيقن أن النصرَ في جنبِ خصمِهِ   ولكن رأى حظَّ الشهيدين أفخرا‏

على أشرف الميتات وطَّن نَفْسَهُ   فشدَّ لكي يلقى الردّى لا لينصرا‏

و ما ذاك إلاَّ من إباءٍ ، و عزَّةٍ     يزيدان - نفس المستميت- تكبُّرا‏

أيُوسُفُ يا بنَ العظمة استعظم الورى

شهادتك المُثلى ، و مثلكَ لم يُرا‏

فنم في ثراها مطمئنا  مكرّما       فذاك الثرى قد صار مسكا و عنبرا‏

سلامٌ على الأبطالِ إنَّ دماءَهم        ستُحيي شعورا لن يموت و يُقبرا‏

فالأبيات تنبض بالتقدير والإعجاب وتتعامل مع الشهادة من خلال صراع يعيشه الإنسان وبقي مع شعراء المهجر الذين ابتعدوا جسداً عن الوطن الأم، وارتبطوا روحاً تتألم لأوجاعِ الأمة، وتفرح لفرحها.

فهذا إلياس فرحات يحسِّد معنى الشهادة والثبات والتنديد لسياسة الاستعمار:

قولوا  لغورو كلّما لَمَعَتْ         أزرارُهُ ؛ فاختالَ و ابتسما‏

مَيْتُ العُلى  حيٌّ   بمبدئهِ         و عدوُّه مَيْتٌ و لو سلما‏

مجد الشآم   بميسلونَ بدا         غرسا سقوهُ دماءَهمْ فنما‏

يا ميسلون سُقيتِ كلَّ ضحىً         دمعَ الغمامِ كما سُقيتِ دما‏

ويعود الشاعر الى ذكرى ميسلون مع ابتهاجه في إعلان نار الثورة السورية الكبرى فلا يجد مانعاً في اختيار عنوان " يا ميسلون " فيتوجه إليها:

يا ميسلون ! تجدَّدَ العملُ       لعُلاك ؛   فليتجدَّدِ   الأملْ‏

يا ليْتَ غورو حاضرٌ ليرى       ضربا تميدُ لهولِهِ القُلَلْ‏

أبني الشآم اليومَ يومكمو        للمجدِ هذا الحادثُ الجلل‏

مرحى بني معروف إنَّ لكم       جيشا تضيق بخيلهِ السبل‏

يا سائلي عنهم! أتجهلهمْ؟!        وهمُ الذين على العلى جُبلوا

وللشاعر إلياس فرحات أكثر من قصيدة يشيد فيها بميسلون ويوسف العظمة وقد قال يوم احتفل المغتربون في البرازيل بوضع تمثال بطل ميسلون:

شاعر الأحرار في هذي المهمّه   محفِلُ الأحرارِ يبغي أن نؤمّه‏

إن يقلْ : ما ميسلونٌ ؟ جاهل   قلْ: مثارُ الفخر في تاريخ أمّه‏

وللشاعر القروي حصَّة عظيمة في ذكر ميسلون وقد أشاد بها وذكرها في قصيدته "عيد الأضحى" وقد جاء العيد بعد ميسلون:

إنَّ بالعظمةِ  أعلى مثلٍ           للفدى ، تنشده النفسُ الأبيَّة‏

ودَّعَ الغوطة يبغي جنَّةً           غيرها تحتَ ظلالِ المشرفيّة‏

يا مُعيدًا مجدنا الضائعَ، نَمْ            مُسْتريحا في ظلال الأبديّة

هذا الاحساس القومي الرائع ينبض في ثنايا كلِّ حرف وبيت، وهنا تكمن عظمة الكلمة النابعة من الأعماق وهذا ما بدا في قصيدة " جورج صيدح " في ذكر الجلاء:

زغردي يا حرائرَ الشامِ ، هذا        مهرجانٌ ؛ لأختك   الحرّيّة‏

خطبوها - في ميسلون- فأدّى       "يوسفُ" المهرَ بالدماءِ الزكيّة

41

وانطلق صوت الشاعر إيليا أبو ماضي مُشيدا بيوسف العظمة وراسِمًا عظمة رسالته ودوره في قصيدته "تحية الشام":

ما كان يوسفُ واحدًا بل موكبا       للنور غلغل في الشموسِ فغابا‏

هذا الذي اشتاق الكرى تحت الثرى

كي لا يرى في جلَّق الأغرابا‏

و إذا نبا العيشُ الكريمُ بماجدٍ           حرٍّ رأى الموتَ الكريم صوابا‏

إنّي لأزهى بالفتى ،   و أحبُّهُ           يهوى الحياةَ مشقّةً ، و صعابا

ورد ذكر ميسلون ويوسف العظمة كثيرا وخاصة في قصائد قيلت بمناسبة الجلاء وذكرى ميسلون وهي مطوَّلة تستحقُّ دراسة متأنيّة فيها الكثير من الدقة والتحليل. فكانت ذكرى الجلاء باعثة للذكريات واسترجاحِ قيم النضال ولذلك كان الجلاء من ميسلون. وميسلون أوَّل لبنة من لبنات الجلاء العظيم الذي جاء ثمرة التضحيات فيقول الشاعر زكي قنصل:

كلُّ شبرٍ من أرضِها ميسلونٌ            يجثم العزُّ حولها و الوقارُ‏

و إذا   كلُّ ربوةٍ ميسلونٌ           و إذا كلُّ ساحةٍ مِضمارُ‏

ونبقى مع الشاعر زكي قنصل الذي أنشد قصيدة رائعة في الذكرى الخمسينية لموقعة ميسلون وعنوانها (مواكب الشهيد):

هتكوا حماكَ وأنتَ لم تثبِ         أولَسْتَ من عدنانَ يا عَرَبي‏

أين الحميَّةُ، هل هي انطفأت         أم أنَّها ذهبت مع السلبِ؟‏

مثواكَ مِحرابي أطوفُ به         وأحومُ بالنجوى على النُّصُبِ

وهناك الكثير ممَّا قيل في ميسلون وبطلها يوسف العظمة الذي ضَرَبَ مثلا في الرفضِ والإباء والعزّة. وهذا ما ألهب نار الثورة من بعده.

فما الثورات والنضال الوطني الذي أدّى إلى الجلاء إلَّاَ من سعير ميسلون وهداها. وتبقى ميسلون مجالًا رحبًا للدراسة مع معارك تاريخيه أخرى خاضتها أمَّتنا العربية؛ كحطين وعين جالوت والمنصورة... وهي دعوة فيها الكثيرُ من العمل والفائدة.

42

متى وأين توفيت ليلى يوسف العظمة؟

شمس الدين العجلاني

صحيفة "الوطن" 7/2018م

منذ فترة زمنية ابتدأت خطة مُبرمجة تطول شخصياتنا الوطنية، ومن هذه الشخصيات، الشهيد البطل يوسف العظمة، فقد تطرق أحدهم كذبا إلى زوجته وجذور عائلتها، وآخر تحدث عن ليلى ابنة الشهيد يوسف العظمة الوحيدة، بأنها عاشت مشردة وعمياء في إستنبول، وأنها عاشت طيلة حياتها عزباء من دون زواج، وليس لها ذرية.

وآخر قال إن ليلى وأمها لم تحصلا على أي مساعدة مادية أو معنوية من الحكومات السورية المتعاقبة!

وكنا قد تطرقنا في صحيفة «الوطن» للحديث عن ليلى ابنة الشهيد يوسف العظمة يوم الثلاثاء 5-8-2014 تحت عنوان: «في رحاب يوسف العظمة أعيدوا ليلى لحضن الوطن» وذكرنا في تلك المقالة: «المعلومات حول ليلى قليلة أو نادرة، بل ربما تكون متضاربة»، لكن ذلك لم يمنعنا من البحث وتقصي الحقائق حول ليلى وأمها زوجة يوسف العظمة إلى أن اجتمعت بشاهد عيان زار حفيد يوسف العظمة «ابن ليلى» في استنبول في عام 2013، وبمساعدة بعض الأصدقاء استطعت الحصول على وثائق ومعلومات مهمة عن ليلى. سنورد كل ما لدينا من معلومات معتمدين على الوثائق والصور التي تنشر للمرة الأولى، للرد على كل من يتطاول على قامة عملاقة وطنية، وشهيد من شهداء وطننا الغالي؛ الذي أبى أن يدخل المحتل الفرنسي إلى دمشق من دون مقاومة، ومن دون أن يكون دمه الطاهر فداءً لسورية.

*قالوا عن ليلى العظمة: ليلى العظمة ابنة الشهيد يوسف العظمة، والدتها تركية الأصل اسمها منيرة، وليست كما يشيع المغرضون أنها ابنة جمال باشا السفاح.

رويت قصص وحكايا عن ليلى من أقربائها وعدد من المهتمين، منهم من أصاب كبد الحقيقة ومنهم غير ذلك، يقول د. موفق أبو طوق في زاوية آفاق

43

في صحيفة تشرين يوم الأربعاء 13 تموز 2005 والحديث عن ليلى: «وتذكرت الفنان ياسر العظمة، وتذكرت أنه قد سبق أن ألقى مرة كلمة «آل الفقيد» في احتفال أقيم بمناسبة ذكرى ميسلون.. وعلى الرغم من وجود بعض المعرفة بيني وبينه، إلا أنني آثرت اللجوء إلى زميلي الأديب نور الدين الهاشمي، على اعتبار أنه شريك له في كثير من فقرات مسلسله التلفزيوني «مرايا»، وبالفعل، لم يرفض الأستاذ الهاشمي طلبي، إذ اتصل بي من حمص بعد أيام من توجيه سؤالي ليخبرني بأن ياسر العظمة قد أعلمه بأن ليلى يوسف العظمة قد توفيت قبل عشر سنوات تقريبا، وأنها عاشت طيلة حياتها عزباء من دون زواج، وليس لها ذرية!» والعماد أول مصطفى طلاس يقول في صحيفة تشرين يوم الإثنين19 تموز 2005 إنه رفع قيمة التعويض الذي كانت تتقاضاه ليلى: «رفعت التعويض الشهري إلى 2000 ليرة صوناً للأمانة التي وضعها الشهيد في أعناقنا، وإيماناً بالشهادة الرائعة التي قدمها والدها البطل الشهيد يوسف العظمة الذي نراه مؤسس السياسة الكفاحية في وطننا…»، ولكن لم يشرح العماد طلاس كيف تم رفع التعويض وهل هو راتب أم تعويض، وفي أي عام، وكم كان مبلغ التعويض قبل الزيادة، وهل هو تعويض تتقاضاه من الدولة أم من وزارة الدفاع بشكل شخصي؟ «أي لا يخضع للقوانين والمراسيم، لأنه لو كان كذلك فهو يزيد وفق مراسيم زيادة الرواتب. وحين ذكر ذلك العماد طلاس، كانت ليلى متوفاة منذ سنوات طويلة.

يقول توفيق قربة في تهجم على البرلمان والحكومة، من دون مبرر، ومن دون أي وثيقة يذكرها: «بعد أن أوقفت الحكومة راتبه» المقصود "راتب يوسف العظمة" وبعد أن توقفت معونات «أهل الخير» أصيبت ابنته بشلل الأطفال والعمى، تشردت زوجته التي استجدت الناس حتى استطاعت أن تؤمن كلفة السفر إلى إسطنبول حيث يعيش أخوها… الفقير أيضا… أغلقت بيتها المتواضع… وسافرت تاركة وطنا يئن تحت رزح الاحتلال، وقسوة قلوب أبنائه…. توفيت تاركة ابنتها تصارع الموت، على حين كان مجلس الشعب السوري عام ١٩٥٢ يتشاجر لإعادة راتب زوجها الشهيد، بعد أن قدم السيد شكري العسلي مذكرة بوضع عائلة الشهيد البطل؛ الذي ملأت تماثيله البلاد بعد أن بلغه أمرها!!!».

ويتابع توفيق قربة هرتقاته البالية بالقول: «وماتت الفتاة عمياء مشلولة من دون أن يرف جفن الكرامة لدى من يتغنَّى ببطولات يوسف العظمة من السوريين أو حكوماتهم المتتالية».

*من هي ليلى العظمة؟

ليلى جميلة المحيا، أنيقة، طويلة القامة، ذات شعر فاتح، وعينين جميلتين من مواليد دمشق عام 1912م، ليلى يوسف العظمة سميت بهذا الاسم تيمنا بوالدة يوسف العظمة ليلى الشربجي. على أغلب الظن غادرت دمشق إلى إستنبول مع والدتها عام 1920م، وكان عمرها ثماني سنوات، درست في المدرسة الفرنسية في إستنبول وتعلمت عدة لغات إضافة للعربية والتركية، عاشت في إستنبول في كنف أهل والدتها، وتعرفت على أحد التجار الأتراك في إستنبول وتزوجت منه وهو جواد أشار «كما وردت الكنية في المرسوم رقم 43 لعام 1948م» رزقت ليلى بولد وحيد هو جلال من مواليد عام 1943م حسبما روى لي شاهد عيان التقى جلال، وجلال لم يزل إلى الآن مقيما في استنبول، وهو متزوج وله ابنتان «سنتحدث عنه لاحقا»، كانت ليلى دائمة التواصل مع دمشق وفي عام 1946م وبمناسبة عيد الجلاء، أرسلت برقية تهنئة إلى المجلس النيابي السوري، كما كان آل العظمة على تواصل معها وكان عدد من آل العظمة على تواصل مع ليلى، ويقومون بزيارتها في إستنبول منهم نبيل وعادل العظمة، مع زوجاتهم.

كانت ليلى تعاني المرض، قيل شلل أطفال، ولكن أعتقد غير ذلك؛ لأن الحكومة السورية «بعكس ما يشيعون تماما» تكفلت بإعطاء مبالغ كبيرة وكبيرة جدا لعلاجها.

*فيصل بن الحسين يخصص راتبا لليلى

يقال إن الملك فيصل بن الحسين ملك سورية عام 1920 قد خصص لابنة الشهيد يوسف العظمة «ليلى» مرتباً شهريًّا قدره 200 ل. س آنذاك أو 20 دينارا، كان يصلها بانتظام حتى آخر أيامه، ويؤكد ساطع الحصري ذلك في كتابه "يوم ميسلون"؛ فيقول: «شاءت الظروف أن أؤدي الأمانة التي وضعها يوسف العظمة في عنقي بعد مرور ثلاث ليال على تلك الليلة الأليمة. وقد ذهبت إلى بيته برفقة كبير الأمناء إحسان الجابري فواجهنا هناك زوجته الثكلى وابنته ليلى، وأبلغنا الأم عزاء الملك فيصل من جهة، ووعد جلالته بتخصيص راتب شهري وقدره 20 دينارا لليلى من جهة أخرى، وقلنا لها: إن الملك فيصل سيرسل هذا الراتب مهما تغيرت الأمكنة التي سيذهب إليها…… وقد قدر لي أن أتولى مواصلة الإشراف على تنفيذ هذا الوعد في بغداد أيضا حتى آخر أيام الملك الراحل».

*الحكومة السورية تُساعد ليلى

لم تألُ الحكومات السورية المتعاقبة جُهدًا في تقديم يد العون لابنة الشهيد ليلى فقد صدر المرسوم رقم 288 تاريخ 9 آذار عام 1947 م ينص على: «منحت كريمة شهيد ميسلون الكبير المغفور له يوسف العظمة المريضة إعانة مقدارها2000 ل. س…».

وبعد عدة أشهر صدر المرسوم رقم 982 تاريخ 20 أيلول عام 1947م ينص على: «بموجب المرسوم رقم 982 تاريخ 20-9-1947 م منحت السيدة ليلى كريمة شهيد ميسلون المغفور له السيد يوسف العظمة المريضة إعانة مقدارها2000 ل. س وذلك علاوة على المبلغ الممنوح إليها بموجب المرسوم المؤرخ في 9-3-1947…».

وبناء على اقتراح وزير الداخلية محسن البرازي صدر عن رئيس الجمهورية شكري القوتلي ورئيس مجلس الوزراء جميل مردم بك المرسوم رقم 1073 تاريخ 19-10-1947 يرسم ما يلي: «يخصص للسيدة ليلى بنت شهيد البلاد الكبير المرحوم يوسف العظمة مبلغ مقطوع قدرة ثمانية آلاف ليرة سورية…».

وبعد صدور هذا المرسوم بفترة زمنية قليلة، هنالك احتمالان إما أن تكون ليلى يوسف العظمة قد توفيت، أو أنها كانت تعاني المرض الشديد ما منعها من أن تتقاضى هذا المبلغ الذي نص عليه المرسوم، والاحتمال الأول هو الأرجح لأن ليلى توفيت على أغلب الظن يوم 15 تشرين الثاني 1947، فقامت الحكومة السورية آنذاك بتحويل المبلغ وقدره 8 آلاف ليرة سورية إلى ولدها جلال؛ حيث صدر المرسوم رقم 43 تاريخ 15-1-1948م الذي نص على: «يلغى المرسوم رقم 1073 م تاريخ 19-10-1947 م» وفي مادته الثانية نص على: «يخصص للسيد جلال أشار ابن السيدة ليلى العظمة ثمانية آلاف ليرة سورية».

وهنالك ملاحظتان حول ذلك الأولى: إن كان كما ورد سابقا أن جلال من مواليد عام 1943م، فإن عمره حين خصص بمبلغ 8 آلاف ليرة سورية بحدود 4 سنوات!؟

46

والمُلاحظة الثانية: أن هذه المبالغ التي خصصت لليلى يوسف العظمة مبالغ كبيرة جدا بعرف تلك الأيام..

… كانت آخر كلمات الشهيد يوسف العظمة: «إني أعرف ما يجب عليّ، وسأقوم بواجبي، ولست آسفا على نفسي، بل أسفي على الأمة التي ستظلّ سنوات كثيرة أو قليلة هدفا لكل أنواع المحن والمصائب، وإني مطمئنّ إلى مستقبل الأمة، لما رأيته وخبرته بنفسي من قوة الحياة الكامنة فيها، وواثق من عطف أصدقائي على طفلتي (ليلى)، فسأذهب مستريحَ البال، مطمئنّ القلب في طريق الواجب المفروض عليّ».

- شُكرًا لكل من مد يد المساعدة لتوثيق حياة ليلى يوسف العظمة.

 صحيفة الوطن عدد 14/آب/2017، المقالة بعنوان:

(«الوطن» تنفرد بالحديث عن ليلى ابنة الشهيد يوسف العظمة)

sdsdddd104410.jpg

47

مما قيل في ميسلون من قصائد وأشعار

sdsdddd104411.jpg  

*رائعة أمير الشعراء أحمد شوقي ت 1932م، في سورية وأهلها، ومعركة ميسلون، وقائدها الشهيد البطل يوسف العظمة:

حَياةٌ ما نُريدُ - لَها - زِيالا                 وَ دُنيا لا نَوَدُّ - لَها - اِنتِقالا

وَعَيشٌ في أُصولِ المَوتِ سَمٌّ                 عُصارَتُهُ وَإِن بَسَطَ الظِلالا

وَ أَيّامٌ  تَطيرُ - بِنا -   سَحابا                 وَإِن خيلَت تَدِبُّ - بِنا نِمالا

نُريها في الضَميرِ هَوىً وَحُبّا                 وَ نُسمِعُها التَبرُّمَ ، وَ المَلالا

قِصارٌ حينَ نَجري اللَهوَ فيها                 طِوالٌ  حينَ نَقطَعُها  فِعالا

وَ لَم تَضُقِ الحَياةُ بِنا وَلَكِن                 زِحامُ السوءِ ضَيَّقَها مَجالا

وَ لَم تَقتُل - بِراحَتِها - بَنيها                 وَ لَكِن سابَقوا المَوتَ اِقتِتالا

وَ لَو زادَ الحَياةَ الناسُ سَعيًا                 وَ إِخلاصًا ؛ لَزادَتهُم جَمالا

كَأنَّ اللَهَ إِذ قَسَمَ  المَعالي                 لِأَهلِ الواجِبِ اِدَّخَرَ الكَمالا

تَرى جِدّا وَلَستَ تَرى عَلَيهِم                   وُلوعًا بِالصَغائِرِ وَ اِشتِغالا

وَ لَيسوا أَرغَدَ الأَحياءِ عَيشا                   وَ لَكِن  أَنعَمَ الأَحياءِ بالا

إِذا فَعَلوا  فَخَيرُ الناسِ فِعلا                   وَ إِن قالوا فَأَكرَمُهُم مَقالا

وَإِن سَأَلَتهُمو الأَوطانُ أَعطَوا               دَما حُرّا ، وَ أَبناءً ، وَ مالا

بَني البَلَدِ الشَقيقِ! عَزاءَ جارٍ               أَهابَ بِدَمعِهِ شَجَنٌ ؛ فَسالا

قَضى بِالأَمسِ لِلأَبطالِ حَقّا                 وَأَضحى اليَومَ بِالشُهَداءِ غالى

يُعَظِّمُ    كُلَّ  جُهدٍ  عَبقَرِيٍّ                أَكانَ السِلمَ ، أَم كانَ القِتالا

وَ ما زِلنا إِذا دَهَتِ الرَزايا                 كَأَرحَمِ ما يَكونُ البَيتُ آلا

وَقَد أَنسى الإِساءَةَ مِن حَسودٍ                 وَلا أَنسى الصَنيعَةَ وَ الفِعالا

ذَكَرتُ المِهرَجانَ وَقَد تَجَلّى                 وَ وَفدَ المَشرِقَينِ وَ قَد تَوالى

وَ داري بَينَ أَعراسِ القَوافي                 وَ قَد جُلِيَت سَماءً لا تُعالى

تَسَلَّلَ في الزِحامِ إِلَيَّ نِضوٌ                 مِنَ الأَحرارِ تَحسَبُهُ  خَيالا

رَسولُ الصابِرينَ أَلَمَّ وَهْنًا                 وَ بَلَّغَني التَحِيَّةَ ، وَ السُؤالا

دَنا  - مِنّي - فَناوَلَني كِتابا                 أَحَسَّت راحَتايَ لَهُ  جَلالا

وَجَدتُ دَمَ الأُسودِ عَلَيهِ مِسكا               وَكانَ الأَصلُ في المِسكِ الغَزالا

كَأَنَّ أَسامِيَ الأَبطالِ   فيهِ                 حَوامِيمٌ - عَلى رِقٍّ -   تَتالى

رُواةُ قَصائِدي قَد رَتَّلوها                 وَ غَنَّوها  الأَسِنَّةَ ، وَ النِصالا

بَني سورِيَّةَ ! التَئِموا كَيَومٍ                 خَرَجتُم تَطلُبونَ  بِهِ  النِزالا

سَلوا الحُرِيَّةَ الزَهراءَ  عَنّا                 وَ عَنكُم ، هَل أَذاقَتنا الوِصالا

وَ هَل نِلنا كِلانا  اليَومَ إِلّا                 عَراقيبَ المَواعِدِ ، وَ المِطالا

عَرَفتُم مَهرَها ؛ فَمَهَرتُموها                دَما صَبَغَ السَباسِبَ وَ الدِغالا

وَ قُمتُم دونَها حَتّى خَضَبتُم               هَوادِجَها الشَريفَةَ ، وَ الحِجالا

دَعوا في الناسِ مَفتونا جَبانًا               يَقولُ: الحَربُ قَد كانَت وَبالا

أَيُطلَبُ حَقَّهُم - بِالرُّوحِ- قَومٌ               فَتَسمَعُ قائِلا رَكِبوا الضَلالا؟!

وَكونوا حائِطا لا صَدعَ فيهِ               وَصَفّا ،   لا يُرَقَّعُ بِالكُسَالى

وَعيشوا في ظِلالِ السِلمِ كَدّا                 فَلَيسَ السِلمُ  عَجزًا وَ اِتِّكالا

وَ لَكِن أَبَعدَ اليَومَينِ مَرمًى               وَ خَيرَهُما  لَكُم نُصحا وَ آلا

وَلَيسَ الحَربُ مَركَبَ كُلِّ يَومٍ               وَ لا الدَمُ - كُلَّ آوِنَةٍ- حَلالا

سَأَذكُرُ ما حَيِّتُ جِدارَ قَبرٍ               بِظاهِرِ جِلَّقَ رَكِبَ الرِمالا

مُقيمٌ    ما أَقامَت مَيسَلونٌ                 يَذكُرُ مَصرَعَ الأُسْدِ الشِبالا

لَقَد أَوحى إِلَيَّ بِما شَجاني                 كَما تُوحي القُبورُ إِلى الثَكالى

تَغَيَّبَ عَظمَةُ العَظَماتِ فيهِ                 وَ أَوَّلُ  سَيِّدٍ    لَقِيَ   النِبالا

كَأَنَّ بُناتَهُ   رَفَعوا   مَنارا                 مِنَ الإِخلاصِ أَو نَصَبوا مِثالا

سِراجُ الحَقِّ في ثَبَجِ الصَحارى               تَهابُ العاصِفاتُ لَهُ ذُبالا

تَرى - نورَ العَقيدَةِ- في ثَراهُ               وَ تَنشَقُ في جَوانِبِهِ الخِلالا

مَشى وَمَشَت فَيالِقُ مِن فَرَنسا               تَجُرُّ  مَطارِفَ الظَفَرِ اِختِيالا

مَلَأنَ  الجَوَّ  أَسلِحَةً   خِفاقا               وَ وَجهَ الأَرضِ أَسلِحَةً ثِقالا

وَ أَرسَلنَ الرِياحَ عَلَيهِ  نارا                فَما حَفَلَ الجَنوبَ وَلا الشَمالا

سَلوهُ ؛ هَل تَرَجَّلَ في هُبوبٍ               مِنَ النيرانِ أَرجَلَتِ الجِبالا

أَقامَ  نَهارَهُ  يُلقي ، وَ يَلقى               فَلَمّا زالَ قُرصُ الشَمسِ زالا

وَ صاحَ نَرى بِهِ قَيدَ المَنايا               وَلَستَ تَرى الشَكيمَ وَلا الشِكالا

فَكُفِّنَ بِالصَوارِمِ ، وَ العَوالي               وَغُيِّبَ حَيثُ جالَ وَحَيثُ صالا

إِذا مَرَّت بِهِ الأَجيالُ تَترى               سَمِعتَ لَها أَزيزا ، وَ اِبتِهالا

sdsdddd104412.jpg

*قصيدة الشاعر الدمشقي الكبير خليل مردم بك ت 1959م:

أدالَ  اللهُ (جلَّقَ) من عداها               وَأحسنَ - عن أضاحيها- عزاها

فكم حملتْ عن العربِ الرزايا               كذاك الأُمُّ ؛ تدفعُ عن حماها

مضتْ عشرٌ عليها حالكاتٍ               كقطعِ الليلِ لم يكشفْ دجاها

أعادتْ عصرَ (تيمورٍ) إليها               فظنتْ  مرةً  أُخرى    غزاها

وَما شابتْ لها الأطفالُ لكنْ               بشرعِ طغاتِها  وَردتْ رداها

عرفنَا يومَ (يوسف) مبتداها               فهلْ مِنْ مخبرٍ عن منتهاها؟

(أَيوسفُ) والضحايا اليومَ كُثرٌ               ليهنكَ ، كنتَ أولَ مَن بداها

زكا نبتُ البلادِ وَ ليس بدْعا               زكيّاتُ الدما   كانت حياها

فديتُك   قائدا  حيّا ، وَ ميْتا               رفعتَ - لكل مكرمة - صُواها

غضبتْ لأُمةٍ ، منها  معدٌ               فأرضيتَ  العروبةَ ، و الإِلها

فيالك راقدا ! نبّهتَ شَعبا               و أيقظتَ النواظرَ مِن كراها

وَ يا لك ميِّتا ! أحييتَ منا               نُفوسا ، لا تقرُّ  عَلَى أذاها

سمتْ بك للمعالي نفسُ حرٍ               لقدْ كانت   - منيّتها -  مناها

هَوَيتَ عَلَى المنيةِ لا تُبالي             كما تهوي الثواقبُ من سماها

فِدًا لك ، بل لنعلك  كلُّ تاجٍ               تُصرّفه الطغاةُ   عَلَى هواها

مصيبةُ (ميسلون) وَإن أَمضّتْ             أخفُّ وَقيعة ،   مما    تلاها

فما  مِن بُقعةٍ   بدمشق  إلَّا               تمثل  ميسلونَ ، وَ ما دهاها

فروعُ النارِ قد طالتْ ذراها             وَ بالدمِ لم يزلْ رطْبا ثراها

فسلْ  عمّا تصبّبَ  من دماءٍ               تُخبّركَ - الحقيقةَ - (غوطتاها)

وَ لم أرَ جنّةً  أمسى بنُوها               وقودَ النارِ - فائرةً -   سواها

وَما زالتْ بقايا السيفِ منهم               تُعاني  غربةً ؛ شطّتْ  نواها

هُمُ كتبوا صحائفَ خالداتٍ               أرى صدرَ الزمانِ لقدْ وَعاها

وَ مِحنتُهمْ عَلَى مرِّ  الليالي               يَرِنُّ - بمسمعِ الدنيا - صداها

عشقتُ دمشق إِذْ هِيَ دارُ خلدٍ               مُقيمٌ    سعدُها ،   دانٍ  جناها

و كان - تمامَ  محنتِها- أمورٌ               لقد ضحكَ الزمانُ بها سفاها

بهزلِ الدهرِ تاه بها وضيعٌ               كما إبليسُ في الفردوس تاها

وَشرذمةٌ تسابق في المخازي               عجبتُ - لربنا - أنّى براها؟!

أظنُّ  مقاطعَ المأساةِ    تمّتْ               بمهزلة تَظرَّفَ  من رواها

إذا ما ليلةٌ  حلكتْ وَ طالتْ               فأجدِرْ أن يكونَ دنا ضحاها

وَ عاقبةُ الشدائدِ ،   و الرزايا               إلى فرجٍ ، إذا بلغتْ مَداها

سَأُقْصِرُ فالقوافي اليومَ جمرٌ               أخافُ على المسامعِ من لظاها

********

52

sdsdddd104413.jpg

*قصيدة "يوم الجلاء" للشاعر الكبير بدر الدين الحامد؛ شاعر العاصي ت 1961م "بلغت ثأرك يا شام":

بلَغتِ ثأرَكِ ،   لا بغيٌ و لا ذامُ           يا دارُ ثغرُكِ منذ اليومِ بسَّامُ
ولّت  مصيبَتُكِ الكبرى مُمَزّقةً           وأقلعتْ عن حِمى مروانَ آلامُ
لقد طويتِ سجوفَ الدّهرِ صابرةً           السّيفُ منصلتٌ ، و الظّلمُ قوّامُ
على روابيكِ   أنفاسٌ مطهَّرةٌ           و في محانيكِ أشلاءٌ و أجسامُ
هذا الترابُ دمٌ  بالدّمعِ ممتزجٌ          تهبُّ منه -على الأجيالِ- أنسامُ
لو تنطق الأرضُ قالت: إنني جدَثٌ          فيَّ الميامينُ آسادُ الحمى ناموا
ستٌّ وعشرونَ مرّت كلما فرغتْ      جامٌ من اليأسِ صِرفًا أترعَتْ جامُ
لولا اليقينُ ولولا اللهُ ما صبرتْ         على النّوائبِ في أحداثها الشّامُ
يومُ الجلاءِ  هو الدنيا  و زينتُها           لنا ابتهاجٌ ، و للباغين إرغامُ
وجهُ الغرابِ توارى وانطوى علَمٌ       للشّؤمِ مذْ خفقَتْ للعينِ أعلامُ
يا راقدًا في روابي ميسلونَ أفِقْ       جلتْ فرنسا فما في الدّارِ هضَّامُ
لقدْ ثأرنا و ألقينا السّوادَ و إنْ         مرَّتْ على الليثِ أيّامٌ وأعوامُ
غورو يجيءُ صلاحَ الدين منتقمًا         مهلًا ؛ فدنياكَ أقدارٌ و أيَّامُ
هذي الديارُ قبورُ الفاتحينَ  فلا         يغرُرْكَ ما فتكوا فيها وما ضاموا

مهدُ الكرامةِ    عينُ اللهِ تكلؤها           كم في ثراها انطوى ناسٌ وأقوامُ

تجرُّ  ذيلَ التّعالي في مرابعِها           المجدُ طوعٌ لنا و الدهرُ خدّامُ
فيا فرنسا ارجعي بالخزيِ صاغرةً         ذكراكِ في صفحةِ التّاريخِ آثام
دارُ النّيابةِ في التّمجيدِ كعبتُنا         يأتي حطيمَ علاها منكِ هدّامُ
يا ويحَ مَن يدّعي التّمدينَ عن كذبٍ         وحشٌ له من ثيابِ النّاسِ هندامُ
ألقى السِّلاح أمامَ الأقوياءِ و لم           يخجلْ ، ولكنّهُ في الشّامِ مقدامُ
تمرُّ بي صورٌ لو رحْتُ أرسِمُها           لما شفتنيَ أوراقٌ ، و أقلامُ
شتّى مآثرُ من نبلٍ و من شرفٍ          الحقُّ يجمعُها ، و الدّهرُ رسّامُ

لو يذكرونَ على العاصي هزيمتَهم         و للمذاويدِ - في الميدانِ- إقدامُ
الطّائراتُ رميناها ،   و جيشُهُمُ           من رعشةِ الخوفِ أشتاتٌ وأقسامُ
يومٌ بيومٍ قضينا وِترَنا و كفى         اليأسُ في الخلفِ و الآمالُ قُدّامُ

ذكراهُمُ كَرَسِيسِ الداءِ إنْ خَطَرتْ           في القلبِ ثارتْ جراحاتٌ وأسقامُ

الحمدُ لله ولَّوا و انقضى زمَنٌ     شؤمٌ مَطالِعُه في الدّهرِ إظلامُ
هُنا التقينا - بلادَ العربِ قاطبةً           في دارةِ المجد- أخوالٌ وأعمامُ

يا طالعينَ على الدّنيا بنصرِهِمُ             في كلّ قطرٍ لهم نقضٌ وإبرامُ
وفاؤنا البِكرُ، لا تأتيهِ منقصَةٌ           في عرفنا العهدُ تقديسٌ وإعظامُ

العُرْبُ في كلّ دارٍ أمّةٌ ثبتتْ             لها بساحِ العُلى و الفضلِ أقدامُ

مُوحَّدونَ كبيتٍ واحدٍ جَمعت           -شتّى لُباناتِهِ في العيشِ- أرحامُ

ناموا طويلًا فلمّا صاحَ صائحُهم         أصغوا إليه ومن مهدِ الكرى قاموا

مشارفُ الشّامِ تهتزّ العراقُ لها           وتنتشي طربًا في مصرَ أهرامُ
وفي الرّياضِ وبطحاءِ الحجازِ وما

       تضُمّ  صنعاءُ ؛ آمالٌ و أحلامُ

أمّا فلسطينُ فالأقدارُ ترمقها         فهل يكونُ لها  للعيدِ إتمامُ
وفي حمى المغربِ الأقصى لنا وطنٌ

     أهلوه يرجونَ والمُرجَوْنَ ظلاّمُ

عاثَ الفِرَنسيسُ في أمجادهم وبغَوا         فهم على الرَّغم ساداتٌ وحكّامُ
ويح الزّمان! أمغلوبٌ الوغى ملكٌ         مسلَّطُ الذّئبِ و الأبطالُ أغنامُ
لا بدَّ للعمرِ  من يومٍ    نُخلّدهُ         أغرُّ يبلغُ فيه العُربُ ما راموا
هي العروبةُ ، و الأيّام شاهدةٌ         يحمي حِماها من الأفذاذ أفهامُ
يا منكرَ الشّمسِ هذي الشّمسُ قد طلعت

     دُنيا الهناءةِ عامٌ ، بَعدَهُ  عامُ

***********

sdsdddd104414.jpg

*قصيدة الشاعر الكبير عمر أبي ريشة ت 1990م "يا عروسا":

يا عَــرُوسًا تـنامُ مِلءَ المَحاجِـرِ      شَيّعي الحُلمَ و الطّيُوفَ السّواحِر ْ

آن أن تـفتحي العـيـون َ إلى النـو       رِ وتـلقـي على الظّلامِ السّتائـرْ

يا بلادي! و أنـت ِ نهـلةُ ظـمآ      نَ و شبّابـة ٌ عـلى فـمِ  شاعــرْ

كيفَ مالـت بـكِ اللّيالي و ألْوَتْ       بالبـقايـا من العُـهـود الغوابـرْ

ما حملنا   ذل الحياة و في القو       سِ نِبالٌ ،   و في الأكُفِّ بواتر

يصفع الذئب جبهة الليث صفعًا       إن   تلاشت   أنيابه ،   و الأظافر

كم مشينا على الخُـطـوب كِرامًا      والــرّدى حاسِـرُ الـنّواجذِ  فاغرْ

والـزّغـاريـد في شفـاه ِالـغــواني       تـدفـعُ  الحـرَّ لاقتحام ِ المخاطرْ

و بـقـايا    آثـارِنـا ،   شـاهِـدات ٌ     لو سألـتـم في مـيسـلـونَ الـمقابرْ

********

*كتاب "الباقة" ص 16- 17، موقع "أسواق المربد".

55

المراجع

*أولا- الكتب:

1- "الإسلام وحركات التحرر العربية". د. شوقي أبو خليل ت 2010م، ط1، دار الفكر- دمشق، 1395هـ - 1975م. وط1، دار الرشيد- دمشق، 1396هـ - 1976م.

2- "الأعلام". لخير الدين الزركلي ت 1396هـ، ط 15، دار العلم للملايين - بيروت، 2002م.

3- "الأعلام الشرقية في المئة الرابعة عشرة الهجرية". للأستاذ زكي محمد مجاهد، ط2، دار الغرب الإسلامي - بيروت، 1994م.

4- "الباقة". كتاب أدب وقراءة مدرسي، من مناهج وزارة التربية السورية، مُديرية المطبوعات والكتب المدرسية، 1975- 1976م.

5- "سورية في قرن: من بداية القرن إلى العهد الطائفي". د. منير محمد الغضبان، ط 1، 2006م، دون دار نشر؟!

6- "فتح الكريم المجيب بشرح ديوان أبي الطيب الخطيب". لي، مطبوع على الحاسوب.

7- "معجم أعلام المورد". لمنير البعلبكي ت 1992م، ط1، دار العلم للملايين - بيروت، 1992م.

8- "المعجم الوسيط". لنخبة مؤلفين مصريين، "مجمع اللغة العربية" بالقاهرة. ط2، 1392هـ - 1972م.

9- "الموسوعة العربية". لنخبة باحثين، سورية، ط10، دمشق - 2008م.

10- "الموسوعة العربية العالمية". لنخبة باحثين، ط2، مؤسسة أعمال الموسوعة، بتمويل وتوجيه الأمير سلطان بن عبد العزيز، الرياض -السعودية، 1419هـ - 1999م.

11- "نهر الذهب" للشيخ كامل بن حسين الغزي البالي الحلبي ت 1933م، ط1، المطبعة المارونية حلب، 1345هـ - 1926م.

56

12- "الواضح في الإملاء العربي". لمحمد زرقان الفرخ، ط1، دار هبة مهدي، دمشق؟ - 1413هـ- 1993م.

13- "معلوماتي الخاصة".

*ثانيا- مواقع الشابكة:

14- "أسواق المربد" قصيدة "يا عروسا" للشاعر عمر أبو ريشة.

15- "الألوكة" مقالة عن ميسلون وقائدها يوسف العظمة للمؤرخ الشيخ د. محمد مطيع الحافظ؛ بعنوان: "صفحات مُشرقات وحقائق تاريخية عن معركة ميسلون"، بتاريخ 12/12/1435هـ = 6/10/2014م.

16- "الديوان" قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي ت 1932م، عن سورية وبنيها وميسلون وقائدها، ومطلعها: "حياة ما نريد لها زيالا"، وقصيدة الشاعر الدمشقي خليل مردم بِك ت 1959م، عن ميسلون ويوسف العظمة التي مطلعها: "أدالَ اللهُ جِلَّقَ مِن عِدَاها".

17- "ديوان العرب" مقالة "ميسلون ويوسف العظمة في الشعر العربي" للأستاذ محمود محمد أسد، نشرت يوم الأحد 17/6/2012م.

18- "الموسوعة الحرة ويكيبيديا": أنور باشا.

19- "موسوعة عريق": أنور باشا.

20- "موسوعة المعرفة": أنور باشا.

21- صحيفة الوطن 14/آب/ 2017، المقالة بعنوان:

(«الوطن» تنفرد بالحديث عن ليلى ابنة الشهيد يوسف العظمة).

--------------------------------------------------------------------

يوم الخميس في 23/محرم الحرام/1445هـ - 10/آب- أغسطس/ 2023م.

gfsg1044.jpg

   بعد أن تبين أنّ العصر هو عصر السّرد خلافاً لبقية الأجناس الأدبيّة الأخرى، يسعى الرّوائي المعاصر عن طريق التجريب إلى خلخلة النسق الروائي دلالة وصياغة وتشكيلاً، وبالمحصلة ينتج عنه بزوغ مستجدات على تلك الحقبة، بل وكان انعكاساً لما آلت إليه الكتابة الروائية في شكلها التجريبي فيما يسمى –تسريد المستقبل- والمشكّلة للخطاب الروائي سرداً- ونقداً، وقد تمثل ذلك في رواية "أعشقني".

   أقول وبما أنّنا في العولمة عصر الشك ولا يقين، وهذا الشك ملمح بارز في حركة الرواية الجديدة، جعل من الكاتب والقارئ منظومة وعي معرفية تواصلية لقراءة أحجية ما يجري لحاضرنا, فالقارئ لم يعد ساذجاً لتقبّل كل شيء يقال له، وبالتالي بات يتساءل عن كل ظاهرة جديدة وهي بالتالي تقلقه وتهز كيانه إن لم يجد لها حل.

إنّ الروايات التي تُـعْـرَفُ بروايات «الخيال العلمي» مثلاً، تَنهض على حدثٍ رئيس يدور حول التنبؤ بنتائج الظواهر العلمية في حياة البشر، وقد تجلّى لقراء الرواية صحة تنبؤات عديدٍ من هذه الروايات، تلك الروايات التي هيّأتْ مداركَهم لتقبلها، والتوقع بوقوعها، كرواية (عالم جديد شجاع) لـ ألدوس هكسلي، الصادرة عام 1932م التي تنبأتْ بما سيخسره الإنسان كلما تطورت التكنولوجيا، ونظراً لكون الرواية بطبيعتها فناً طليعياً يَـرُودُ المستقبلَ مستكشفاً آفاقه، بل إنها لا تُعبّـرُ بأحداثها عن الماضي أو الحاضر إلا لأجل رؤيةٍ مستقبلية تنطوي عليها بين هذه الأحداث، وتَغُورُ في بواطن شخصياتها؛ فالروايةُ فـنٌ زمنيٌ بامتياز ينبني على رؤيةٍ خاصة للزمن، ويوظف عنصرَ (الزمن النفسي) توظيفاً جيداً، ذلك الزمنُ الذي تعيشه شخصياتُه المرسومةُ وتحيا فيه.

إنّ التطور في التقنية السردية المعتمدة في الرواية الجديدة، شكل مقدمة ثورية بغية التخلص من تقنيات الرواية التقليدية، علاوة على إضافة جديدة في البناء الفني للرواية، التي تقوم على إخراج القارئ من سلبيته، لذا صار لزاما ترسيخ مفهوم الذات في زمن الهوية الرقمية، التي تعدّ أكثر سيولة، إذ لا يمكن التثبت منها، فثمة القدرة على التقنع الدائم، وخلخلة منطق المكان والزمان، الذي يمكن أن يعاد تشييده رقمياً، بل اختلاقه دون مرجعية.

روایة "اعشقني" للأديبة د. سناء الشعلان، وقد صدرت في ثلاث طبعات، الطبعة الأولى صدرت في عام 2012، وهي  فائزة بجائزة دبي الثقافية للإبداع للعام 2010/2011 في دورتها السابعة، والطبعة الثانية صدرت في عام 2014، في حين صدرت الطبعة الثالثة منها في عام 2016. تتكون الرّواية من (217) صفحة من الحجم المتوسط، تمثل هذه الرواية نموذجاً سردیاً یجسد مسعى کاتبتها الهادف إلى الاستفادة من بعض تقنیات ما بعد الحداثة، وأن استثمار ما يسمى بـ"تسريد المستقبل"، وتوظیفها في روایتها هذه، جعلها بهذا التمیز.

الرواية قبل هذا كله هي رواية الفرق الجوهري بين الرجل والمرأة، وهي رواية القدر المحكم الذي يربط مصير كل منهما بالآخر، ويربط وعي كل منهما بالآخر. فلم يكن الوعي كما يقول جيل ديلوز "في يوم من الأيام وعيا بالذات، لكنّه وعي الأنا بذات هي نفسها غير واعية.

   الوعي ليس وعي السيد، لكنه وعي العبد في علاقته بسيد ليس من خصائصه أن يكون واعيا". هذه الحقيقة المرة هي التي تشد كل من الوعيين إلى الآخر، وهي التي تصوغ شروط العلاقة الحتمية بينهما. وهي علاقة تبدو لنا في هذه الرواية غير مفصولة بأي حال من الأحوال عن السياق الاجتماعي والسياسي الذي تدور فيه أحداث الرواية في عالمنا العربي.

زمن الرواية تدور أحداث الرواية في عام (3010م)، أمّا المكان فقد اختارت الكاتبة (مجرّة درب التبانة) مكانا لروايتها.

الشخصيّات:

باسل المُهري: رجل مخابرات عسكري، مفرط في تفانيه في خدمة حكومة مستبدة، وهو رمز لدولة القمع والعنف والاستبداد، فقد جسده في حادث إرهابي بسبب تفانيه المفرط في عمله، إلا أنّ رأسه بقي سليما نابضا بالحياة، نصحه الأطباء- أطباء مجرة التبانة- بإجراء عملية جراحية، ينقل فيها رأسه السليم إلى جسد امرأة توفيت تواً وإن لم يجرِ هذه العملية سيموت، وأمام رغبة الحياة والفرار من الموت يقبل بإجراء العملية ليتحول الى رجل خنثي فاقد للرجولة، وعلى الرغم من ندمه على إجراء العملية يبرر فعلته بقوله: "لكنّني جبان ضعيف أمام رغبتي المتشبثة بالحياة، لا زال طعم الحياة الحلو ينخر إرادة الرّفض والاستعلاء على الضعف في نفسي ويلحّ عليّ بإصرار لعين لأتشبّث بالحياة ولو في جسد آخر، ولو كان جسداً مسروقاً من امرأة

شمس: امرأة مناضلة سياسية ومعارضة للسلطة متمردة وثائرة وهي زعيمة وطنية مرموقة في حزب الحياة الممنوع والمعارض، وأديبة وكاتبة مشهورة، وهي حبيبة خالد رامي، فتاة قتلت من قبل أجهزة المخابرات.

خالد رامي: حبيب شمس وعشيقها وقد جرى بينه وبين شمس عشرات الرسائل الغرامية التي تصف العشق الملتهب بينهما.

ورد: الجنين الذي تحمله شمس من حبيبها خالد، مازال حياً في رحم القتيلة شمس، ينتقل مع جسد أمه الى أحشاء الرجل العسكري باسل المُهري، وهذا الاسم اختاره خالد، إذ تقول شمس: "اسمكِ سيكون ورد، هذا الاسم اختاره لكِ خالد، منذ الآن أكاد أشمّ رائحتك الوردية تنبض في أمومتي الوليدة...الورد يا حبيبتي الصغيرة هو جمع وردة، والوردة نبات جميل له روائح زكية، وملمس مخملي، وألوان جميلة، والورد كذلك اسم لحيوان منقرض ينتمي إلى زمن ما قبل الألفية الثالثة، اسمه الأسد أيضاً، وهو حيوان مفترس ومتوحش وقوي، ونبيل كذلك، يعيش بكبرياء، ويرفض الجيف، ويعتز بقوته، ولذلك أسميناك ورداً لتكوني منذورة للجمال والقوة ولحبّنا.

في هذه الروایة بالتحدید، ابتداءً من العنوان، والعجائبیة، والتعدد والتشتت عوض الوحدة والانسجام، والتخلي عن الحبکة، واللابطل، والشعور بالحنق والروایة الوهمیة، ونفي السببیة.

نبدأ بتحلیل العنوان بما أنه یمثل العتبة الأولى لفهم مضمون الروایة، ویثیر هذا العنوان لدى القارئ إلى الأبعاد الدلالية لمفهوم الحب والعشق والهيام ، وإکساب بنیة مخالفة لما هو مألوف، ومعروف، أسس غرابة العنوان، وإیحاء ملغز لمفهوم هذه العلاقة, وکأنّ الکاتبة ترید أن تقول للقارئ إن ما تعرفه من الأمور التي تتصف بها طقوس العشق والحميمية موجودة طلاسمها في روایتي.

   تبدأ الروایة تبدأ الرواية بكلام امرأة عاشقة اسمها شمس، من مجرة درب التبانة، تقول فيه: "وحدهم أصحاب القلوب العاشقة من يدركون حقيقة وجود بعد خامس ينظم هذا الكون العملاق، وهو الحب، وإن الحب هو البعد الخامس الأهم في تشكيل معالم وجودنا، وحده الحب هو الكفيل بإحياء هذا الموات".

ما یهمّنا هنا التأکید على أننا نبحث عن ما تريده الكاتبة وما تقصد به من المظاهر العجائبية الموجودة في النص الروائي ردّ فعل مضادا على موت الحب وطغیان ظاهرة موت الإنسان والانتصار للتكنلوجيا التي تحاول التغلب على معطیات الواقع بطریقة غیر منطقیة، والحدث فعل، وتأتي الأفعال مألوفة وعادیة فی الغالب، أما إذا خرجت عن مألوفیّتها أصبحت مثیرة للعجب والغرابة، ویقع الحدث الغریب والعجیب.

تتجلى غرابة الحدث الروائي في عدة صور نشیر إلى أبرزها: افتتاح الروایة بتقدیم محکي غرائبي:

هذا المحکی الغرائبيء وضع القارئ منذ بدایة المحکی في الحالة المأساویة التي ألمت بالبطل، وخلق وضع یتسم بالاضطراب الذي هزّ کیانه تداخل رجل بامراة لتكوين جسد واحد، وإشعاره بغرابة هذا العالم اللامألوف، وأیضاً إحساسه بالحزن والخوف طوال الروایة بسبب انشطار شخصیته؛

 هذا الأمر یدل انه في الإمكان على تمکن الطبیعة العدوانية للانسان وتغلبها على الطبیعة الإنسانیة أو العكس؛ فالتحول یأتي مفاجئاً –نتيجة حادث-، ولم یکن إشارات وعلامات تشیر إلى حدوثه.

   تكمن في نقل رأس باسل المُهري بطل الرواية إلى جسد امرأة هي ( شمس) نقل عقل رجل فاعل ومؤثر في دعم السلطة إلى جسد امرأة مناضلة سياسية وقفت ضدّ الفساد في بلدها مما حدا بالمخابرات العسكرية إلى الإمساك بها، ورميها في السجن، ثم قتلها بعد أن فشلوا من أخذ أي اعتراف منها، ويشاء القدر أن يتعرض (باسل المُهري) لحادث اغتيال في نفس اليوم، أدّى به إلىى أن يفقد جسده كله إلا الرأس، وفي الوقت نفسه فقدت (شمس) رأسها، وبقي جسدها سالماً نابضاً بالحياة، فاجتمع الأطباء "وأكدوا له إن هذا الجسد الأنثوي المنسرح في أحضان الموت بابتسامة قرمزية مترعة بالسلام والرضا هو الجسد الوحيد الملائم جينيا وأنسجة وخلايا لجسده... لذلك عليه أن يقبل أن يدسّ روحه ودماغه في هذا الجسد الصغير على كره أو رضا حتى ينجو بحياته، وإلا سيموت، وعليه أن يقرر وبسرعة فالتأخير ليس في صالحه" رغبة في النجاة من الموت يقبل بإجراء العملية،

فالفعل الدرامي، حفزنا، وقام باستفزازنا لننظر فی مصائرنا، ونفکر فی حیاتنا، من موت المشاعر ودفنها ونبه إلى الخطر الذي ینتظرهم وهذا ما نعتقد أن الكاتبة أرادت توضيحه الغاية - إقلاق القارئ، و إصابته بالقلق والتساؤل والتردّد. فنجد الالتباس في الروایة هذه؛ إذ تسیطر على رؤیة البطل التهویمات الذهنیة، والتخیلات المشوشة لامتزاج الحقیقة وعدمها، وتستمر الرواية, الكاتبة تحاول هنا الاستنجاد بالرسائل.

   للرسالة ما أسلفنا ذكره من أهمية وسحر ودور تواصلي كبير، فيخلق بذلك عوالم متخيّلة, وبوصفها وثيقة تتنافذ مع الجنس الروائي كتلبية نفسية وكبتا تعبيريا تعاني منه الشخصيات المعنيّة، وهي تروم بذلك أن تطلق العنان لنفوسها الحبلى بالأحاسيس الفياضة والاعترافات الحارقة وغيرها من الأمور التي يصعب عليها التعبير عنها في حضرة المتلقي سواء كان حبيباً أم قريباً أم حتى عدواً.

إنّ لجوء باسل المهري إلى قراءة مذكرات شمس في رحلة التعرف قد أوقعته في مطب وجداني لم يكن يتوقعه، لقد قلبت كلّ قراراته وتوعداته بالانتقام منها ومن جسدها، إنها لحظة المكاشفة، لحظة الاعتراف بوجود الآخر، فبعد أن عرف باسل المهري حقيقة هذا الحب بينهما شعر بشيء من تأنيب الضمير فقال: "كم كنت صغيرا في تلك اللحظات! ولصاً أيضاً!.....{ويقول للجنين}: كم كنتَ محظوظاً لأنك تملك أمّاً بهذا الجمال وكلّ هذا الحبّ"، فالجنين الذي يحمله جسدها أو جسده هو ثمرة حبّ فريدة من نوعها اقترفها خالد وشمس في مخالفة قانونية لقوانين المجرة.

   بعد محاولات جادة حصل باسل المهري على حزمة ضوئية فيها معلومات عن شمس في إطار يوميات كتبتها إلى حبيبها خالد والى جنينها (ورد)، مع مجموعة من رسائل الحب التي بعثها لها خالد، وإن الرسائل التي كتبت على لسان شمس وخالد تنم عن حب حقيقي، إذ وجد باسل المهري في أول صفحة فقرة واحدة فقط مكتوب فيها "وحدهم أصحاب القلوب العاشقة يدركون حقيقة وجود بعد خامس ينتظم هذا الكون العملاق"، وفي رسالة يقول خالد لشمس: "هل تعلمين لماذا أكرر كلمة أحبك ألف مرة لأنها تختزل الانسانية كلها في ممارسة الحب، أحبك وأشتهيك".

أقول: الكاتبة د. سناء الشعلان تحاول دائماً في سرديّاتها أن تغوص في عوالم شخصياتها بحرفية عالية وبدرجة كبيرة من الحياد تطمح من خلاله إلى طرد الكليشيهات والأحكام المسبقة عن الآخر فلا المجرم القاتل عندها شيطان تماماً، و لا العاشق الولهان هو ملاك. هذه النسبية في تناول القضايا تمثل أحد أعمدة مشروعها السردي الإنساني.

   هذه العلاقة بين الآنا والآخر هو أحد تجليات الرواية وتكاملها وسعيها لبلورة عالم خاص، يقدّم لنا بعض مفاتيح القراءة المهمة فيها؛ لأنّه يتحقّق كذلك على مستوى أعمق حينما تتراسل الرؤى والمصادرات التي تنطوي عليها لتكشف لنا عن مفتاح آخر من مفاتيح القراءة الأساسية في نصوص الكاتبة.

     رمزية "شمس" هي تجل من تجليات المرأة الثائرة والمتحررة، وهي هاجس الكينونة والهوية والزمن والموت والشوق إلى التحقق المستحيل.

في الحقيقة ما تقوله الرواية هو العالم الواقعي المحض، العالم المتشكل من المزج بين الواقع الخارجي والواقع النفسي للشخصيات، والواقع الفكري أو الفلسفي للرؤى والأفكار التي تتراءى لها وتستحوذ على بعض اهتماماتها، فاللحظة لا ديمومة لها، لأنها بطبيعتها لحظية، لكن الأهم من ذلك سردياً أنه لا يقين في لحظيتها ذاتها. وبالتالي لا أمل في استعادتها ناهيك عن استرجاعها. فالنص السردي الناقم والناقد ينأى عن الإفصاح عن المضمر حتى لا تفسد التباساته المغوية.

   يبقى سادراً في التباساته، ولكنها في الوقت نفسه ستكون الكاتبة مسئولة عن ديمومة هذا المضمر حتى النهاية مدفوعة بقدر حتمي لا فكاك منه على التستر على خصوصية شخصياتها حتى النهاية ـ

   في ختام الرواية يولد العشق بين القاتل والمقتول( القتيلة)، فبعد أن وجد البطل نفسه في جسد اغتاله يقع في عشق جسد الذي كان يوما هو جسد المرأة التي اغتالها، بعد أن تعرف عليها من خلال دفتر يومياتها، فيؤمن مثلها بالعشق، فيعشق بعمق وصدق ويقرّر أن يبدأ حياة جديدة بجسده الأنثوي الذي يضم رجولته العاشقة لتلك المرأة التي تركت جنينا في جسدها، فينتصر خيار العشق والحياة على الموت والفناء، فيتحول باسل المهري إلى مناضل ومؤيد للثوار بعد أن كان يدا قمعية بيد حكومة المجرة تبطش بالثائرين على علمانيتها وعلى قوانينها الوضعية المضللة، فيؤمن باسل المهري بأن الحبّ هو الطريق لخلاص البشرية من الشقاء الذي تعانيه ، فيقول: "لكي يكون هناك خالد، يجب أن تكون هناك شمس، لكي يكون هناك، معنى لوجود شمس يجب أن يكون هناك خالد هذه هي المعادلة السهلة الصعبة، هما دون شك البعد الخامس للأشياء، ثم الحب هو البعد الخامس للوجود ومفتاح كل طاقاته وأسرار وجوده ونمائه وفنائه"، ومن هنا قرر باسل المهري أن يتصالح مع ذاته، بأن يكون جسد شمس فضاءه الأخير الذي سَيُسْجَنُ فيه باختياره، في إشارة نسوية الى هزيمة الخطاب الذكوري واندحاره ، فيتحول باسل المُهري من الإلحاد إلى الإيمان، ويصبح مستعداً للمخاطرة بحياته من أجل أن ينجب الجنين(ورد)، وبذلك ينتصر خيار الحبّ والعشق في نهاية الرواية، مبشرا بولادة جيل جديد آخر من البشرية يحمل لواء المحبة والإخاء والعدل والمساواة بعيدا عن الظلم والتعسف.

أخيراً، أقول: "أعشقني" رواية جميلة وشيقة بالرغم من صعوبتها البادية، تشفع لها لغتها الشاعرية الشفيفة وكثافتها الدلالية المعطاء، فهي التي تغري القارئ بمتابعة القراءة من تداخل الشخصيات، وهيمنة أسلوب التشويق السردي الذي يجعل من الحدث محورا للعمل الروائي، وتحث القارئ على اللهاث خلفه وملاحقة فصوله.

   للتعرّف على هذا الكوكب الغامض المسمى بالمرأة، وهي من هذه الناحية من أكثر الروايات إخلاصاً في فهم المرأة، وصدقاً في التعامل معها، فهي تسعى لسبر أغوار المرأة من الدّاخل. شمس رمزية هي لعبة أفلاك ومجرات، وأن جسدها متورّط منذ البداية في لعبة كونية خالصة.

رحيل الشاعر زكريا محمد. صدر له ثمانية دواوين شعرية منذ 1980 وحتى رحيله، منها هذه الدواوين الثلاثة الأخيرة التي عرفته فيها بعد أن عرفته من خلال مجلة الكرمل: "كشتبان" و"علندى"، و"زرواند". عمل في مجلة الكرمل وشغل منصب سكرتير تحريرها بعد عودة محمود درويش إلى رام الله. باحث في التراث الكنعاني، وله عدة كتب وأبحاث متاحة للقراءة والتحميل المجاني في منصة أكاديميا.

في منشور مثير للجدل صرح زكريا محمد عن كيفية تعامل درويش مع المواد التي كانت ترد للمجلة، وعدم موافقة درويش عليها، لكن زكريا محمد دائما في الواجهة، فيحتمل غضب الكتاب وحردهم ليظل درويش بأمان.

وفي منشور آخر، شهادة إبداعية تتعلق بشعره، شرح زكريا محمد كيفية تأثير درويش في لغته، فكان يحظر على نفسه الاقتراب من أية لفظة استخدمها درويش وشاعت في قصائده. واعتبر أن هذه الألفاظ خاصة بدرويش، ومع مبالغته في هذا إلا أنه حريص على ألا يقع عند القراء في الدائرة الدرويشية من اللغة والتصوير. لذلك شاعت في دواوينه ألفاظ أخرى، وشكلت معجما مغايرا تماما لمعجم درويش الشعري. معجم يقوم على مفردات الطبيعة في بكارتها الأولى، بأعشابها البرية وحيواناتها غير الأليفة.

لم يكن زكريا محمد كثير التردد على الفعاليات الثقافية. ربما هي مرة أو مرتين، رأيته فيهما من بعيد، ولم أتحدث معه. أقدّر أنه لا يحب التعرف على أحد، وليس معنيا بأحد، كنت أراه صامتاً، يحدق في المتحدثين، ثابت الملامح، لا يعطيك انطباعا بالارتياح أو عدم الرضا، لا تدري ما يجول في رأسه. لا يفصح عنه إطلاقاً، فلا تراه يعلّق على الحدث، ولا يتفاعل معه، ولا يكتب وجهة نظره، منشغل بالشعر. كأنه لم يسمح لأحد أن يقترب من شخصه.

عندما قرأت دواوينه الأخيرة تفاجأت بشعرية مختلفة، لا تفصح كثيرا عن موقف سياسي أو فلسفي تجاه ما يحدث، يغوص في الذات الملتحمة مع الوجود البدائيّ الفطريّ الطبيعيّ، يكدّ لحم القصيدة ومفرداتها من عالمٍ، من شدة قربه منا لم نلتفت إليه. لم أكتب عن هذه الدواوين، وإن استمتعت بها، وإلى الآن لا أدري ما السبب؟ هل القراءة النقدية لهذه الأعمال ستصيب النقد بآفاتها وفخاخها الحادة؟

يعجبني في شاعرية النصوص "الزكروية" أنها نصوص مكثفة غارقة في جمالية الأبكار التي لم تفضّ بعد. أعتقد أن هذه النصوص لا تدفعك أن تكتب عنها. إنما تدفعك لتقرأها مرة بعد أخرى. ربما من أجل هذا السبب لم أكتب في تلك النصوص ولم أقاربها.

عرف عن زكريا محمد، رحمه الله، أنه كان يضيق ذرعا بالمنتقدين شعره أو مواقفه أو من يخالفه في الرأي، وكما وصفه أحد النقاد، فقد كان "لديه قدر كبير من المزاجية، وقد يحبك الآن لرأي، ويعاديك بعد ساعة لرأي آخر". وليس هذا طبعه وحده، بل إن آلاف المبدعين لهم المزاجية نفسها، وإن لم أجرب مزاجية زكريا محمد، على الرغم من أنني كتبت أنتقده في مقال سابق حول عمله في مجلة الكرمل، إلا أنني جربت مزاجية عشرات الكتاب غيره؛ تعسّفوا في الحبّ والكره، ولم يكونوا يتمتعون بأي أفق من احترام الرأي الآخر. بالضبط فإنهم "يعادونك بعد ساعة" وقد أحبوك قبلها، وكانوا حريصين على أن تكون ناقدهم وقارئهم.

على أية حال، هذا شأن شخصيّ تقريبا، حسب الزعم النقدي؛ غير موضوعي، كما رأى البعض، متعلّق وجوده بظروف كثيرة، ساهمت في جعل المبدع العربي على هذه الشاكلة من الدكتاتورية الفكرية. ربما لأنه يرى ما لا يراه المنتقدون، لكنه لا يستطيع أن يقول كل شيء، فيلجأ إلى هذا الأسلوب "الفظّ". أحيانا- وقد جربت بلادة الكتاب والنقاد وهمجية القراء- أقول إن ذلك مبرر، فليس جميعنا ذوي مقدرة ليحتمل كل ذلك الغباء الذي يفاجئك به الآخرون، فالمبدع يرى الأشياء، ويحسّ الأفكار من مكان لا يستطيع الآخرون أن يكونوا فيه. هنا أنا أصف الأشياء كما جربتها، ولا أدافع عن أحد، حتى عن نفسي، إنما لا بد من أن يوطّن المبدع نفسه على أن يتقبل الآراء الأخرى، ويمارس الهدوء ولو مصطنعا، فالناس ليسوا تلاميذ على مقاعد الدرس في حضرة المبدعين.

أرى أن زكريا محمد- الحائز بكل جدارة على جائزة محمود درويش للإبداع عام 2020- كان يعاني من "عقدة قتل الأب"، فاستطاع أن يقتل شعريا كل شاعر كبير، جايله أو سبقه، وخاصة محمود درويش، ليخلق لنفسه موقعا متميزا في خريطة الشعر العربية المعاصرة، لكنه للأسف غائب عن الأجيال الجديدة، ولا يعرفونه، ولا تدرّس نصوصه في المدارس، وربما في الجامعات لم يلتفت إليه الباحثون والأكاديميون الفلسطينيون إلا قليلاً جداً، فظلّ بعيدا عن متناول النقد المنهجي، ولم تضئ له إلا فراشات حقوله الشعرية التي تغنى بها.

زكريا محمد عاش شاعرا في بريته، لكنه فرّ من البرية إلى فضاء العالم خالقاً قصيدة لا تشبه إلا شاعرها، ولن يستطيع أحد أن يكونها لأنها محصنة بمتاريس ثقافية خاصة بمصادر استثنائية، تجعل من تكرار التجربة "الزكروية" مسألة صعبة، بل تكاد تكون مستحيلة، فهو شاعر له صوتٌ، لا يحسن أن يكرره الصدى المشتقّ والمنشقّ والمبتعد والمقترب في آنٍ معاً عن اسم ولادته الأولى "داود محمد عيد"، لذلك كله سيظل سيد شعريته وشاعريته، محافظا على معجمه من التداول إلا في قصائده ودواوينه وأبحاثه الأنثروبولوجية، وحافظا للتاريخ اسمه ولادته الثانية "زكريا محمد" ليشير إلى ما يعنيه هذا الاسم من ظاهرة ثقافية مميزة وفريدة.

fdfdff1042.jpg

على الرغم من أن الكتابة حول هذا الديوان لن تفيَه حقّه، وسيظل هناك قصائد كثيرة نغلق عليها التأويل، إذ من العسير علينا لملمة انفعالات الشاعر التي ميزت شخصيته وأسلوبه ووجدانياته المتفردة بمزاجه العاصف، وروحه المليئة بالتوتر، إلا أنني حاولت.

حين يكون الإهداء "إلى من مروا على لغتي وأقاموا فيها صلاتهم"، فهل يكون علينا المرور على لغة متخيّرة الألفاظ، عذبة المعاني، منتخبة جيدة السبك مرور الكرام؟

بالطبع لا. فحين نقف بين يدي لغة فراس حج محمد نقبل عليها بأفعال وأعمال التذوق، والتفسير، والتعليل، والتحليل، وبخشوع لنقيم صلاة، والصلاة تحتاج طهارة، وطهارة القلب هي المرادة، فاغمس قلبك بالحب وأقبل.

"على حافة الشعر ثمة عشق وثمة موت"[3]، والعشق والموت واحد، ففي تعريف للعشق قال محيي الدين ابن عربي "العشق التفاف الحب على المحب حتى خالط جميع أجزائه" [4] ، والعشق هو الإفراط في الحب والشغف بالمحب، تُفقد فيه السيطرة على العقل ليجمح ثورة القلب. وفي سيرة لابن العربي كتبها محمد حسن علوان "موت صغير" [5] عنى به العشق.

وللمرور إشارة تضاء ليدخل بها الشاعر ديوانه، قصيدة (إشارة مرور) ص11.

في زحمة عاطفية

أكتب كي أمرّرني بين خطوط ملتوية

فثمّة امرأتان ونصف كائن بشريٍّ هناك

امرأة أحبّها وتصمت

وأخرى تحبّ أنايَ فأصمت

وأنا أخلع في الفراغ كياني وأمرّ...

الشاعر في هذا الديوان يكتب القصيدة خارجاً عما ترسخ في الأذهان أن القصيدة هي التي تكتب الشاعر... والشعر إلهام، والشاعر يوحى إليه...

أول ما يعثر عليه المتلقي في هذه القصيدة الألم وملامح شكوى تشير إلى نفس حساسة مرهفة الشعور، وهذا جانب من جوانب الشاعر، له بواعثه ومقدماته، ونتائجه، على طول صفحات هذا الديوان.

في المجموعة الأولى من الديوان "من غمسة الريشة" يتدفق حبر الإبداع وينسجم بين الخيال واللغة المدققة المنمّقة، وقوة الديباجة وزهو الزهور والورود بين أبيات الشعر:

الشّعر سيّدةٌ زهراءُ هائمةٌ

           تختالُ زهوتُها بينَ البساتينِ

تمشـي بأحْرُفِها في غُنْجِ فاتنةٍ

           تسقي الورودَ بأقداحِ الحساسينِ

وتعزِفُ الفردَ من ألحانِ نشْوَتِها

           جَذْلى يعانقُها بوْحُ الأَفانينِ

شمّاءُ فرعاءُ لا تلهو بأَظْفُرِها

           نَجْوى الجَلالِ بأفياءِ الرَّياحينِ

من قصيدة (الشعر سيدة لسيدة الشعر) ص15.

ست قصائد في هذه المجموعة تفوح مفرداتها برائحة الورد والياسمين والرياحين والنرجس.

في المجموعة الثانية "منمنمات" ليس هناك شك في صدق العاطفة وحرارة الانفعال التي تصل إلى المتلقي. (منمنمة على شغاف القلب) ص29:

أتت على فرعين من لغةٍ

محمّلةً بوهجٍ

مثل موجٍ

طائراً غنّى على برْجٍ

وهاجْ

حطّت على فرعي

ومعي معي

وتسرّبت في أضلعي

مثل ألسنة السّراجْ

قطفت من الشّفتين كِلْمةْ

ومن القلب المضمّخ شمّهْ

ومن العناقِ على العناق أمتعَ ضمّةْ

مثل ماء الوصلِ في صفو امتزاجْ

قصيدة (على صهيل الحب ) ص31 يحلق الشاعر بروحه وشاعريته إلى السماء بإنشادة رائعة:

أحبّك قدر ما في الكون من حبٍّ

ومن مطرٍ

ومن ذكْـرٍ ومن شعرٍ ومن نثْرٍ

ومن شهوةْ

ومن شمسٍ ومن ليلٍ

ومن أملٍ ومن يأسٍ

ومن ضعف ومن قوّة

أحبّك قدر سمائنا بنجومها

وبضوئها

وخيالها

شغفا بصهيل المهرة الحرّةْ

وقدر الأرض كلّ الأرضْ

بمحبّة نافت عن القدرةْ

وقدر ما في الزّهر من عطرٍ

وما في الغيم من قطرةْ

أحبّك قدر ما في لوحنا المحفوظ من قدَرٍ

أتى يشدو الغرامَ بقمّة النّشوةْ

قصيدة لها لحن خاص يصعد ويهبط، يرسم لوحة تتسع بالضوء وتضيق بالظل، وحرف العطف الذي لا يكاد مطلع سطر يخلو منه وإن غاب أحضر الشاعر مفردة أحبك. يفعم قلوبنا بالحب والتعاطف معه وهو مؤمن بالقدر المكتوب باللوح المحفوظ.

في اعتقادي استطاع الشاعر أن يعبر عن عمق شعوره وصدقه ويسجل همسات قلبه بكل ما فيها من ضعف وقوة ويأس وأمل بأنغام، وألوان متكاملة شجية وفي قطع موسيقية لا تخلو من الإبداع والتميز.

في هذا الديوان أيضا ظاهرة وسعت الشعر والنقد، يبحث في العلاقات انسجاما بين الخيال والواقع، فنجد فراس الناقد الاجتماعي والفني والأدبي والمفكر، بعين الناقد يقرع طبولا كثيرة وبإحساس الشاعر يصوغ قصيدة تعكس البعد الثقافي لشخصيته.

المجموعة الثالثة- إللات: محاولة في القفز على حواجز اللغة

القصيدة الأولى في هذه المجموعة (إلى الحفيدات : عن الفتيات اللواتي لا يعرفن جدّهنّ)

قصيدة تنساب من شعور يتفق ومزاج أصيل يدركه المتلقي ويعايشه، فتنساب الكلمات بلا تكلف ولا صنعة ولا اختلاف، ينطلق بالقصيدة ودون زخرفة يرسم لوحة حسبما يتفق وذكرياته وذوقه يحصي فيها خسارة الحفيدات دون أجداد.

يكتب الشاعر إلى أصدقاء وصديقات يكنّ لهم الوفاء، وإلى شعراء وأدباء نقدا وتقديرا، وإلى نساء يجهر أو يرمز إليهن، ولهن مكانة خاصة لديه، يقودنا إلى عالمه الخاص فنقف أمام صور شعرية ندرك فيها شعورا إنسانيا ينمّ عن مدى العمق والشمول، في الاتصال بالكون والحياة ويرسل تعابيرَ موحية لنقف على الدلالة المعنوية والذهنية للألفاظ والعبارات. كقصيدته إلى الشاعر أشرف فياض (كيف أنجو من الأيديولوجيا؟) ص100، وقصيدة ( إلى ايرما جارسيا من زوجها جو) ص111، وقصيدة (إلى ابراهيم نصر الله روائيا: الصعود إليّ قَبلا) ص103، والتي سبق وتناولها فراس حج محمد في إحدى مقالاته النقدية، ويتناول في القصيدة شخصيات الرواية ويدخل في مكوناتها. وكما فعل في قصيدة (إلى جاد عزّت :كأنه "الناقص مني" أنا أيضا) ص83، وانغماسة روحية في ديوان الشاعر جاد عزّت.

و(إلى الشاعر العباسيّ أبي تمّام باحثا عن وصْل الشعر) ص135.

هذا الشاعر الذي شغل القدماء والمحدثين في تناول أشعاره ونال شهرة في حياته وبعد مماته، ذلك لأنه عني بمفهوم الشعر انشغالا بوظيفته، لقد سيطر على عقله مفهوم الشعر بشكل غير مسبوق فكان يدعو إلى التأني إليه ومن ذلك قوله [6]:

ولكنه صوب العقول إذا انجلت                       سحائب منه أعقبت بسحائب

والصوب هنا المطر ، وهذا البيت يعني أن دلائل الشعر لا نهاية لها، ومعانيه لا يحجزها فضاء، فالشعر ليس وحيا فقط، إنما هو العقل والثقافة وسحائب متتابعة.

أما البيت الذي اختاره فراس حج محمد فهو بيت عجيب يأتي به أبو تمام بوعي صريح مباشر قاطع (الشعر فرْج) [7] إنه لا يوارب ولا يقارب، يقول لك صراحة إن الإبداع هو هذه العلاقة من التداخل والتمازج والمتعة، وكل متعة تحتاج إلى رعاية واجتهاد، فلا معنى دون معرفة، ولا معرفة دون بحث وتعمق وتأمل، وأبو تمام يرى القصيدة امرأة حلوة لا يسهل على العابرين إتيانها، وفراس حج محمد يأتي ببيت أبي تمام، بقصيدة يقودنا إليه ويعبر عنه، يهتك أسرار بيت الشعر ويمزق حُجبه.

هذا الديوان بشكل عام معرضا لتفنن الشاعر وتنوع موضوعاته، ولهذا كان من الصعب على القارئ تناول الديوان دفعة واحدة، إذ من الصعب جدا خلق جو نفسي عام لتلقي تنوع الموضوعات فعلى القارئ الخروج من حالة ذهنية إلى حالة ذهنية أخرى، ومن نقلة نفسية إلى أخرى. ولكن أيضا في هذا الديوان ما يطرد السأم من النفس، فتتركه برهة لتعود إليه بشوق محدثا فيك المتعة والدهشة.

يمضي الشاعر في قصائده إلى صوفي ، مهداة إلى امرأة لا تمل من الحب، تنوع هنا أيضاً بين الشعر المقفى وشعر التفعيلة وقصيدة النثر يسرد انفعالاته وأحاسيسه ويصور جزيئات شعوره حينا وعاطفته الملتهبة، وثورة جسده حينا آخر، يغرق في الغزل وتفوح القصائد بالحب، الذي لا يخلو من الوجع والمعاناة كما في قصيدة (مشهدان لوجع يدعى الحب) ص170

(يا كلّ صبـــحٍ ناقضٍ متــــناقضٍ         هلا اتَّقيتَ الله في القلبِ الشّقيْ)

(1)

الحبّ أنّك موجعٌ دون سببٍ ظاهرٍ

تُعجزُ الطبّ والأدوية

وتفسد اختراع الطمأنينة والهدوءْ

تلغي قوانين الطبيعةِ

والشتاء الطويل الكثيفُ يصبح أقصرَ من فروع الشجرةْ

الحبّ لغة تسبح في بياض القلبِ

صمتِ الشفاهِ

احتدامِ التأمّلِ

اضطراب المنطقِ المعتلّ أصلاً

الحبُّ حبّة قمح فاسدة تستقرّ في قعر تربةِ القلبِ

تفسده عن آخره

تجعله هشّاً كقبضة قطنٍ

طرياً مثل الزغبْ

شائكا كجملة رعويّة المعنى تماماً

مائعاً كالهواء ساعة الفجر الأوليّ

الحبّ تعثّرٌ، وتلعثمٌ، وتغرّبٌ، وتبعثرٌ

وإضاءةٌ فضّاحةٌ لمجرى الدمْ

الحبّ هذا الكلامُ الذي يوجع الوقتَ

ويكتب الحدَّ

يقتل اشتهاءات المجاز في سلّة الذاكرةْ

(2)

ثمّةَ ما أعددْتُه لامرأةٍ أخلفت موعدَها الوحيدَ معي

ولم تأتِ

فصارت كالحجرْ

ونَسيتُها، ونسيتُ ما شكلُ الكلامِ

قصيدةً وبريةً المعنى تنام على يديّ كوهج نارْ

ونسيتُ موعدَها.....

فيطلق هنا بواعثه النفسية ولوعة الحب وما يصيب المرء به من الإطراق والصمت والشرود.

في المجموعة الرابعة "في مديح النهد" وهذا ورد في المجموعة الثالثة أيضا، قد يضيق صدر بعض المتلقين من زاوية أخلاقية بشعر فراس ويسقطونه في هوة لا قرار لها، ويتبرمون ويتحرجون منه في المقاييس النقدية، ويعتبرونه متهتكا مستهترا، ويعتبرون شعره لا يصح للناشئة أن تطلع عليه، لما قد يحدثه من أثر رديء في نفوسهم ويضر بأخلاقهم.

هنا الشاعر ليس واعظا أخلاقيا، وهذه المادة ليست تربوية، فالشعر هنا يرتبط باللذة الجنسية، ويبدع في منحها طاقة تصويرية هائلة، والجميل أن فراس كان صادقا مع نفسه وهو يكشف ما يختلج فيها، صادقا في تجربته وبالخبر الذي يقدمه، صادقا في أمور قد يتهم فيها بخلقه وتدينه، ومخلصنا في القضاء على مسافة ما يشعر به وما يقوله. وإن كان الشعر قائما على التخيل وليس لنا عليه البرهان الصادق، فألذ الشعر أكذبه، إلا أنه ينهض بمخيلة السامع.

يقول الناشئ الأكبر وهو أبو العباس عبد الله بن محمد في تعريف للشعر ووصفه: "الشعر قيد الكلام، وعقال الأدب، وسور البلاغة، ومجال الجنان، ومسرح البيان، وذريعة المتوسل، ووسيلة المترسل، وذمام الغريب، وحرمة الأديب، وعظمة الهارب، وعذر الراهب، وفرحة المتمثل، وحاكم الإعراب وشاهد الصواب" [8].

المجموعة الأخيرة: في حبسة الكوفيد التاسع عشر

يتناول الشاعر الانقطاع عن العالم، وما أحدثه هذا الفيروس من تغيرات في حياة الناس وأمزجتهم، وإحساس الشاعر بالضجر والملل والكآبة والملل، يضع الشاعر القارئ بين فكي الإحباط والتخبط، والانتظار والترقب بلغة شعرية وصور مبتكرة، كما في القصيدة الأولى من هذه المجموعة (رسائل الشبح الصغير) ص204

ماذا حلّ بالحداثة يا ولدي؟

يقولون إنها أضحت في مأزق وجوديّ كبير

يقف الشبح الصغير المحتال ضاحكا من بارودة الجنديّ في مشهدٍ عبثيّ لطيف؛ مؤلم في الحالتينْ

الشبح الصغير يحقّق انتصاراته دون عناء يذكر

يجلس مرتاح البال يلتقط الضحايا في كلّ مكان

يحاصر المحاصرينْ

هذا الشبح الذي سبب الخوف والهلع وأدخل العالم طلاسم الخروج من هذه الجائحة. يختم الشاعر قصيدته

حتما "هذا الوقت سيمضي" ويكون للعالم وجه آخرْ

(هذا الوقت سيمضي) مقولة لوزير هندي يصل إليها الشاعر في نهاية القصيدة، ولهذه الجملة قصة معروفة، وهي جملة ذات قيمة في الحياة بإمكانها أن تعيد التوازن للنفس البشرية بأنْ لا شيءَ دائم.

الهوامش:

[1] مداخلة خاصة لندوة دار الفاروق الخاصة بمناقشة الديوان، نابلس، 15/7/2023.

[2] كاتبة من القدس، صدر لها العديد من الروايات، وعضو لجنة دار الفاروق الثقافية.

[3] صدر الديوان عن دار بدوي للنشر، ألمانيا، 2022، وهو الديوان الثامن للشاعر.

[4] الفتوحات المكية، ابن عربي، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، المجلد الثالث، ط1، 1999، ص484.

[5] رواية "موت صغير" للروائي السعودي محمد حسن علوان. صدرت الرواية لأوّل مرة عام 2016 عن دار الساقي في لندن. حازت على الجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2017، المعروفة باسم "جائزة بوكر العربية". (الويكيبيديا)

[6] شرح ديوان أبي تمام، الخطيب التبريزي، دار الكتاب العربي، ط2، 1994، ج1، ص118.

[7] السابق، ص413.

[8] البصائر والذخائر، أبو حيان التوحيدي، ت: وداد القاضي، دار صادر، بيروت، 1988، ج5، ص218.

ghhgdhfgd1041.jpg

كان من أبرز تلاميذ الإمام حسن البنا، وممن تربوا على دعوته، وشبوا عليها، وشاخوا، وهو من رجالها، فضيلة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي.

وقد عرف القرضاوي أول ما عرف بالشعر، فكان يقال له: القرضاوي الشاعر، وهو رغم اشتهاره بالفقه والفتوى الا انه لم يترك الشعر، فقد اصدر ثلاثة اعمال شعرية: يوسف الصديق (مسرحية شعرية) ونفحات ولفحات (ديو ان شعر)، والمسلمون قادمون (ديوان شعر).

لهذا كان جديراً بنا أن نستقرئ شعر القرضاوي حتى نعرف حسن البنا ودعوته، وحتى نرى أثر استشهاد الامام في شعره.

يقول القرضاوي في قصيدة له بعنوان ""يا مرشداً" قبل استشهاده بقليل، موضحاً أثر دعوة الإخوان المسلمين في الأرض:

يا مرشداً قاد بالإسلام إخوانا ***  وهز بالدعوة الغراء أوطانا

يا مرشداً قد سرت بالشرق صيحته *** فقام بعد منام طال يقظانا

فكان للعرب والاسلام فجر هدى*** وكان للغرب زلزالا وبركانا

ثم يتحدث عن أثر دعوة البنا في الأمة:

ربيت جيلاً من الفولاذ معدنه    ***   يزيده العسف إسلاماً وإيمانا

أردت تجديد صرح الدين إذ عبثت ** به السنون فهدت منه جدرانا

ترسي الأساس على التوحيد في ثقة***وترفع الصرح بالأخلاق مزدانا

ثم يبين موقف المعادين للإسلام من البنا ودعوته:

وثلة الهدم في السفلى مواقعهم*** صبوا عليك الأذى بغياً وعدوانا

ترميك بالإفك أقلام وألسنة ***    خانت أمانتها، يا بئس من خانا

وتنشر الزور أحزاب مضللة ***    تغلي صدورهم حقدا وكفرانا

فماذا كان موقف البنا ممن نصب له العداء وسام أتباعه مر العذاب:

آذوك ظلما فلم تجز الأذى بأذى*** وكان منك جزاء السوء إحسانا

وكنت كالنخل يُرمى بالحجارة من***   قوم فيرميهم بالتمر ألوانا

قد أوسعوك أكاذيبا ملفقة       *** وأنت أوسعتهم صفحا وغفرانا

ويعلق الشاعر على هذه المواقف النبيلة التي وقفها البنا من خصومه، فيقول:

ومن تكن برسول الله أسوته كانت خلائقه روحا وريحانا

والقرضاوي الذي عاصر الامام في دعوته، وعاش اللحظات الأليمة في يوم استشهاده، وأودع السجن لأنه من رجاله، ظل يحمل في أحنائه هذا المخزون الهائل المتراكم من الظلم الذي حاق بالإمام ودعوته ورجاله، فكثف كل ذلك في أبيات جعلها إهداء للإمام البنا بمناسبة ظهور ديوانه الثاني (المسلمون قادمون)، والقرضاوي في إهدائه يشير إلى موقع البنا الإصلاحي وارتباطه الوثيق بالدعوة الأولى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لك يا إمامي يا أعز معلم *** يا حامل المصباح في الزمن العمي

يا مرشد الدنيا لنهج محمد  ***      يا نفحة من جيل دار الأرقم

أهديك نفسي في قصائد صغتها***تهذي وترجم، فهي أخت الأنجم

ليس مجال هذا المقال تحليل القصائد، وإلا فإن قول القرضاوي ""أهديك نفسي "" يحتاج الى وقفة نحلل فيها شخصية هذا الشاعر الملتحمة بشخصية البنا التحاماً كاملاً، فكأنهما نفس واحدة.

ثم يعرج الشاعر على استشهاد البنا، ويؤكد أن استشهاده لا يعني أنه غاب عن ميدان الدعوة، فهو قد ترك وراءه رجالاً يحملون الدعوة التي حملها، ويسعون لبلوغ الهدف الذي سعى إليه:

حسبوك غبت، وانت فينا شاهد ** نجلو بنهجك كل درب معتم

شيدت للإسلام صرحا لم تكن ***  لبناته غير الشباب المسلم

وكتبت للدنيا وثيقة صحوة    ***    وأبيت إلا أن توقع بالدم

إذن فإن الصحوة الاسلامية الحاضرة نتيجة لدعوة الإمام وثمرة من ثمراتها، هذه الدعوة التي بذل البنا روحه في سبيلها، والدعوة التي تراق  في سبيلها الدماء لا بد أن تنمو وأن تزهر وأن تثمر.

لقد كتب البنا للأجيال "وثيقة"" هي مرشدهم لهذه الصحوة، ""ووقع "" عليها بدمه حتى لا تمحى أو تزول أو تتلاشى.

ويختم القرضاوي إهداءه بمخاطبة البنا الذي يرقد (مطمئنا) في جوار "الرسول الهادي " جواراً فكرياً دعوياً، وكيف لا يكون مطمئناً، وهو قد شيد بناءً لم يستطع أن يهدمه العتاة الظالمون والكفرة الملحدون.

نم في جوار زعيمك الهادي فما *** شيدت يا ""بنّاء"" لم يتهدم

سيظلُّ حبُّكَ في القلوبِ مُسطَّرًا وَسَناكَ في الألبابِ واسمُكَ في الفَمِ

إلى روح إمامنا الشهيد حسن البنا:

وكتب الشاعر الداعية جمال فوزي قصيدة رثاء أهداها إلى روح إمامنا الشهيد حسن البنا يقول فيها:

ذكراك يا مرشد الإخوان نحييها     تعلو لها الرأس إكبارا لماضيها

خرجت للناس بالقرآن تعلنه           دستور حكم وفي شتى مناحيها

سيرة المصطفى درساُ تلقنه           كتائب الحق في صدق وترويها

كانت دعواته خالصة لله، وهدفه نشر رسالة القرآن الخالدة، وإحياء دروس السيرة النبوية العطرة، فأثمرت هذه الدعوة المياركة مما أرعب الأعداء:

وأثمر الغرس واجتاحت قوافله     شتى الحواجز فارتاعت أعاديها

وبرهنت صدقك الأيام فارتفعت             لدعوة الحق آيات تزكيها

وكان سيرة الإمام خير دليل على صدق دعوته، لقد أخرس المحلدين، وذلت له رقابهم، فأصبح جبروتهم تحت قدميه:

كفى بها مخرساً للجاحدين كفى         برهان حق أذلت هام شانيها

وكنت ترقب أشواك الطريق فما         غفلت يوما وفي حزم تنحيها

أعلنت يا مرشدي في صدق داعية       أن الدعاة سيلقون الأذى فيها

سجن وبطش وتشريد بساحتها           قتل الكرام وفي أقسى لياليها

لكنه الصقل إعداداً لقافلة           بالنفس والروح والأموال تفديها

ولكن الأعداء لم يهدأ لهم بال، فكادوا للدعاة كيداً تزول منه الجبال، وأقدموا على اغتيال القائد، وظنوا أن قد أخمدوا الدعوة...

رأى الذئاب لواء أنت رافعه         فهالهم ما رأوا من عزم بانيها

ودبروا في ظلام الليل مذبحة             فكنت فيها شهيداً لا يباليها

قد أطلقوها رصاصات وفاتهموا   أن الرصاصات لن تمحو مراميها

فدعوة الحق لا تخبو مسيرتها           لا تستطيع جيوش أن تواريها

مهما تعملق أقزام بساحتها                 مهما تطاول إجرام يجافيها

مهما تفر عن أغرار فرايتها             تظل تدحر في الدنيا أفاعيها

وكيف تموت الفكرة، وكيف تسحق الدعوة، والله من ورائها، وهو يحميها:

فالله صاحبها والله ناصرها                 والله حافظها والله مبقيها

والله أرسى قواعدها معمقة             في قلب أجنادها والله موحيها

والله برأها من كل ما وصموا           تبارك الله مجريها ومرسيها

أينكرون على الإخوان دعوتهم     شاهدت وجوه العدا شلت أياديها

ماذا جناه دعاة الحق من قدم       هل حللوا الخمر وارتادوا ملاهيها

هل عطلوا شرعة الرحمن في صلف ألغوا حدودا وجابوا أرضا تيها

لقد عطلوا الحدود الشريعة والدستور الإسلامي، وأسسوا حزباً لليساريين الملاحدة، الذين اتهموا الدين بالتخلف والرجعية:

هل أنشأوا حزب الحاد يمارسها       حرباً على ديننا مسخا وتشويها

هل صوروا الدين رجعيا يؤخرنا           عن التقدم إنكارا وتمويها

هل خربوا كل تشييد أقيم بها             هل حرقوا في حماقات مبانيها

يا دولة العلم والإيمان إن صدقت             إني وفي صيحة لله أبديها

من ذا الذي مكن الإلحاد في سفه     من ذا الذي ملك الحمقى نواصيها

من ذا الذي حارب الإخوان في قحة حتى ظننتم قرار الحل يرديها

ظنوا المشاعر ماتت فألهبها         عمى القلوب ضرام الحقد يكويها

ها قد جنيتهم ثمار الالتواء فمن       يغرس بساحتها الأشواك يجنيها

الله غايتنا تلقى عداوتكم             وبات ماركس يعبث في أراضيها

المنكرون لذات الله بات لهم                 حزب يحطم أمجاداً ويفنيها

الاشتراكية العرجاء مذهبهم       والدعر والفسق والإسفاف يكسوها

وتحت سمع من الحكام في بلد       باتت تعانى من الفوضى مآسيها

يا دولة العلم هذا العلم مهزلة           ما دام من شأنه الحمقى يواليها

شاركتموا من قريب صنع نكستها     حين احتضنتم حثالات بواديها

دعوا التشدق بالإيمان وانتبهوا         إن لم يفيقوا فغرقى في دياجيها

دعنى على صفحة التاريخ أرصدها       لكل جيل يروم الحق أحكيها

لمن أراد لدين الله عزته                   لينصر الحق دانيها وقاصيها

دعني أقص على أسماعهم صوراً       تندى الجبين وتدمى من مآقيها

وبعد أن فضح الشاعر مقولة الملحدين، وكشف حماقتهم، وأنذر الأمة بالفناء إذا هي انساقت وراءهم، ثم التفت ليناجي فضيلة المرشد الراحل الحاضر، وراح يخبره عما فعله جمال عبد الناصر بالدعاة:

يا مرشدي وتوالت بعدها محن     زاد الرجال بها صقلا ينميها

فالناصرية قد باتت تكيد لهم   سلوا السجون تحدث عن ضواريها

جاءوا بأحقر جلادي الطغاة لكى     ترى السجون رجالات تعانيها

جاءوا بحمزة فاندفعت قوافله       من الكلاب لتنهش أو لتدميها

جاءوا بسفاحها بدران فامتلأت         رمالها بدعاة الحق تطويها

جاءوا بجلادها الروبي يعلنها       مذابحها كانت الأحقاد تعلوها

لفد سلط عليهم الكلاب، وأذاقهم ألوان العذاب، ولكن شباب الإسلام بقوا صامدين، ثم يواصل الشاعر قوله:

يا مرشدي نم رعاك الله مرتقباً     في كل أجوائها زحفا يلبيها

لا السجن يرهبها لا الحل يحجبها   ولا المشانق والتقتيل يثنيها

الله أكبر دوت رغم أنفهموا       فالموت في ساحها أسمى أمانيها

وكتب الشاعر عبد اللطيف العيلي مندوب جوالة الإخوان بشعبة ملوى قصيدة بين فيها أركان البيعة في دعوة الإخوان:

بيعة الإخوان أسسها       عشرة فاحفظ في الفؤاد

تضحية، وفهم، وأخوة           والتجرد والجهاد

والعمل، وثبات، وطاعة   والثقة، وإخلاص متين

بالله بايع لأجل تبقى           من جنود المسلمين

وفي هذه الأبيات استطاع الشاعر ببراعة وعفوية، أن يضمن أبياته الأركان العشرة التي شرحها الإمام حسن البنا في رسالة التعاليم، وهي: الفهم، والإخلاص، والعمل، والجهاد، والتضحية، والطاعة، والثبات، والتجرد، والأخوة، والثقة.

لقد عاش حسن البنا مرشداً وقائداً للجماعة، وهم يجمعون على حبه والاعتزاز به، والإشادة به، في كل مناسبة ومن ذلك قول الشاعر:

النسيم عمال يهفهف   على كل الأرض جنة

والقلوب في الكون بتهتف   مرحباً أهلاً يا بنا

البلد نالت مناها

لك درر في الحق غالية   لك عمل فوق الكلام

يا حسن لك همة عالية     أمضى من حد الحسام

في السما ساكنة في علاها

مهما أمدح مش هاوفي   وابقى يا مرشد ظلمتك

يا حسن اسمك ذا يكفي   في الدلالة على عظمتك

بنا للإخوان بناها

البناء مرشد الإخوان:

كتب الشاعر إبراهيم عبد الفتاح قصيدة مطلعها:

الشمس تعلم أن الليل جلاها         فأرجعته نهاراً من محياها

قد داعبت أعين الوادي أشعتها       فأيقظتها وكل النوم غشاها

فلا نرى في بلاد النيل أجمعها   عيناً تلاقي على الأقذاء جفناها

ثم بخلص الشاعر بعد ذلك مباشرة إلى الحديث عن البناء مرشد الإخوان وعن دعوة الإخوان ومبادئها:

شمس تسلمها البناء مشرقة   وفي سماء الهدى للناس أعلاها

هداية وضياء سنة وسناً             وديعة الله للإخوان أهداها

شمس بلا فلك في راحتي ملك   مبارك حسن الأخلاق بناها

إذا بنى فمن الإسلام بنيته         ومن مبادئه بالحق أنشاها

دستوره من كتاب الله متخذ    كل الدساتير وحي الله ألغاها

ونلاحظ أن أغلب هذه الاستهلالات تعرض مشاهد الطبيعة، وتخلص منه ببراعة إلى المضامين الفكرية التي تمثل الغرض الأساسي من القصيدة.

مرشد الإخوان:

وكتب الأستاذ وليد الأعظمي ثلاث قصائد في ذكرى استشهاد الإمام البنا (رحمه الله)، منها قصيدة تحت عنوان (لينام أصحاب الكروش):

اشخص إلى البـــناء أكــرم باني ... "حسن " السريرة مرشد الإخوان

قم حي ذكـــراه العزيـــــــزة إنها ... للقـــلب مثل الـــري للظــــــــمآن

واهتف بدعوتك الكريــــمة عالياً ... رغم الأعـــــادي، رغم كل جبان

واحمل مصـابيح الهـــداية واتخذ ... من نــــورها نـــــوراً لـكل أوان

واصــبر إذا نزلت حمـاك نوائب ... أوما علـــمت تقــــلب الأزمــــان؟

وبهذه الذكرى والمناسبة الحزينة يتذكر الشاعر وليد الأعظمي أخلاق الإمام المرشد:

يا مرشـــدي ذكراك مرت بينــنا ... والقلب من ذكراك في خفـــــــقان

قد كنت يا حسن الســـريرة شعلة ... وقّـــادة بــــالنـــور والإيــمـــــان

كالدرة البيضاء يســــــطع نورها ... فيبـــــدد الظلــــــماء باللمـــــعان

أحييت مصر، ومصر قبلك ميتة ... لا يرتجــى منها نهـــــوض ثاني

فبعثت روح العـــز في أبنــــــائها ... وأعدت حب الدين للشـــــــــبان

ناديت "حي على الجهاد" بكل ما ... أوتيـــت من حـق ومن إيــقـــان

فتجاوبت أصداء صوتك في ربى ... نجد، ورن الصــــوت في بغدان

وعلى ربوع الشـــام رايات الهدى ... خفــــاقــــة تـــبدو بكــل مــكان

وتصافحت تلك القـــلوب، ولم يعد ... فضل لمصـــــري على إيراني

وكانت لدعوة الإمام أصداء واسعة في العالم، فاستجاب الأحرار لدعوته، ويذكر الشاعر دور الإمام الجهادي ضد الإنجليز وقوى الاستعمار...

تدعــــــو لطـــرد الانجـــليز لأنهم... أصل الفســـــاد ومصدر البهتان

وسعـــيت لم تهـــدأ بكل قضـــــية ...  مثل الهزبر تصول في الميدان

ومظاهرات صاخــبات خضــــتها ... للحق، لا لمناصــــب وأمـــــاني

وفضــــــــحت اوروبا وما تدعو له ... من باطــــل، بالحق والبرهان

وصرخت في وجه الطغاة ولم تخف ...أحفاد فرعــــــــون ولا هامان

لقد واجه الإمام السلاطين وفراعنة العصر، ونطق بالحق ولم يخش في الله لومة لائم:

هــددت فاروقاً بكل صـــــــــــراحة ... وسواك لم ينــــبس ببنت لسان

ظنوا بقتــــلك تنــــطفي أنــــــوارنا ... ويعود عهد الظلم والخســران

هيـــــهات نور الله لا يطــــفيه كيـد ... عصابة حمقى من الصبــــيان

سيعود عصـــــر النور رغم أنوفهم ... ويخيب كل منافق خـــــــــوّان

وللشاعر وليد الأعظمي قصيدة ثانية تحت عنوان (ذكرى الإمام)

ومطلعها (قف يا زمان معي بالله وانتحب)، وعدد أبياتها: 38 بيتاً:

قف يا زمان معي بالله وانتحب     واهتف لدمعك من عينيك ينسكب

قف يا زمان ولا تعجب فليس بما       أقوله لك ما يدعو إلى العجب

ذكراك يا مرشدي مرت ودعوتنا     بالنصر ترفل في ثوابها القشب

إن كنت يا مرشدي فارقتنا جسدا   ازهار نقص فإن عنا قط لم تغب

عشرون عاما بها يا خير داعية قد صغت للمشرق تاج العز من ذهب

دعوت للحق والأيام شاهدة         ما كنت تنشد غير الحق من طلب

فما قصدت بما تدعو لمنفعة           ولا دعوت إلى جاه ولا نشب

بل كنت ترجو من الباري مثوبته والأجر عن كل ما قدمت من تعب

يا منقذ الشرق من خطب ألم به     لولاك كاد يكون الشرق في لهب

دعوت والناس أخلاط منوعة    ما بين ذي جشع منهم وذي سغب

فما سئمت لما لاقيت من عنت           ولا وهنت أمام الدهر النوب

يا مرشد الناس نحو الجد في زمن   به نفوس الورى مالت إلى اللعب

يا باعث النهضة الكبرى وقائدها     بعثت روح التقى والعلم والأدب

في نفس جيل نأى عن كل مكرمة عار عن الصدق ميال إلى الكذب

لم يدر ما الدين من جهل ومن سفه   وإن دعاه دعاة الخير لم يجب

كأنه عن نداء الله في صمم     حتى اشتكى الصم شعبان إلى رجب

بعثت في الشرق روح العز ثانية     والعز لم يأت عفوا دونما سبب

فكنت للشرق حقا قطب نهضته   وهل تدور الرحى إلا على القطب

وتحدث شاعر الدعوة وليد الأعظمي عن جهاد الإخوان في فلسطين الذي أوشك على القضاء على اليهود هناك لولا تدخل بعض القادة العرب وخيانتهم...

يا قوم هذي فلسطين تحدثنا         حديث صدق الاخوان ذا عجب

بالله يا ثبة الاخوان كيف غدا         فيك اليهود أمام الخيرة النجب

يا قوم عشرون في الميدان ما وهنوا ولا استكانوا أمام الجحفل اللجب

يا قول عشرون جنديا قد اقتحموا معسكر الكفر حتى صاح واحربي

والله أكبر في الميدان تدفعهم     للانتصارات في ركض وفي خبب

لسان حال فلسطين يقول لنا             لله ما فعل الاخوان في النقب

ساروا لتطهير بيت الله ثانية         كما إليه سرى من قبل خير نبي

فمنبر المسجد الأقصى يهيب بهم         وظنه في جنود الله لم يخب

يا قوم عشرون في الميدان وحدهم والخصم منسحب في إثر منسحب

وتحدث الشاعر عن نبوغ الإمام وفطنته منذ الصفر، وكأن الله هيأ هذا الشاب لأمر جلل تنتظره الأمة..

سئلت في صغر كالناس مسألة         عن خير ما تتمناه من الأرب

وكنت بين رفاق قال أكثرهم         إني لأطمع في عال من الرتب

فكان همك إحياء الشريعة من         نوم فكنت أخا قلب وأنت صبي

ورحت تدعوا لما يدعو الرسول له   فكنت حقا إمام العجم والعرب

ظنوا بقتلك يخبو نور دعوتنا         فيستريحون هذا ظن كل غبي

كم من أبي جهل لاقي الموت مندحرا أمام دعوتنا كم من أبي لهب

أيحسبون بأن الله تاركهم           كما يشاؤون في لهو وفي طرب

من يبغ إطفاء نور الله به نقص     حتف ويرم به الجبار في اللهب

وما هزيمة فاروق بخافية             عنا وكيف غدا في شر منقلب

هذا حمى الله يا باغي وحرمته     والله يرقب من يعصيه عن كثب

أعد ربك ناراً لا مثيل لها               لكل دان له بالسوء مقترب

وكتب وليد الأعظمي متحدثاً عن مبادئ، وشعارات الدعوة التي جاء بها الإمام حسن البنا، وهي الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا:

هذي دعائم دعوة قدسية *** كتب الخلود لها مدى الأزمان

هذي مبادئنا التي نسعى لها *** في حالة الإسرار والإعلان

الله غايتنا وهل من غاية *** أسمى وأغلى من رضى الرحمن

وزعيم دعوتنا الرسول وما لنا *** غير الرسول محمد من ثان

دستورنا القرآن، وهو منزل *** والعدل كل العدل في القرآن

وسبيل دعوتنا الجهاد وإنه ***إن ضاه ضاعت حرمة الأوطان

والموت أمنية الدعاة فهل ترى *** ركناً يُعاب بهذه الأركان

وهذه المبادئ النبيلة لا ينكر عاقل أنها من لب الإسلام، وجوهر الدين.

الإمام حسن البنا، والشاعر عمر الأميري:

لقد كانت شخصية حسن البنا آسرة، لا يقابله رجل، ويستمع إليه إلا أقنعه بما يدعو إليه، أو أثار إعجابه واحترامه، يشهد على ذلك كتابات الذين اتبعوه وآمنوا بدعوته والذين استمعوا إليه، ولم يدعوا بدعوته، كلهم أجمع على احترامه والإشادة بأخلاقه وسحر بيانه.

وممن قابل البنا وأحبه ونادى بدعوته الشاعر الكبير عمر بهاء الدين الأميري، فقد حمل هذا الشاعر الكبير فكر الإمام البنا إلى القطر السوري، ونادى به وعمل له.

ولأن الأميري شاعر تسبق العاطفة إلى وجدانه فقد دفعه حبه للإمام إلى الإشادة به شعراً، وقد نشر قصيدته التي أشاد فيها بالإمام الشهيد ودعوته في العدد الثاني من مجلة "المسلمون" التي صدرت عام 1948م، وكان صاحب امتيازها الإمام الشهيد ومدير تحريرها الداعية سعيد رمضان، وقد توقفت هذه المجلة عن الصدور بمصر باستشهاد صاحب امتيازها.

القصيدة لا تجدها في دواوين الأميري المطبوعة، لهذا فهي تعد من نواد القصائد الإسلامية المعاصرة، وأحب هنا أن أثبتها كاملة كوثيقة تاريخية من وثائق الدعوة الإسلامية المعاصرة، لا بد أن تعرض على من يعمل على كتابة التاريخ الأدبي لهذه الدعوة التي أمتد تأثيرها إلى كل الأقطار على امتداد الكرة الأرضية.

يقول الشاعر عمر بهاء الدين الأميري واصفاً الإمام البنا([1]):

أنت لو أبصرت في       غور همِّ بسمته

أو لمست عقله           وهو يهدي حكمته

أو سمعت جرسه       وهو يدعو دعوته

أو رأيت خلسة           في صلاة وقفته

مشفقاً مستبشراً         كم يغالب عبرته

فالشاعر يصور إشراقة البسمة في وجه الإمام، وتثني على عقله وحكمته، ويشيد بصلاته وخشوعه وتضرعه وتبتله، ويسترسل الشاعر في الوصف، فيقول:

أو تأملت على         أهل خطب عطفته

من كريم عاثر           جد يمحو عثرته

ومصاب بأذى         راح يأسو كربته

لعشقت روحه         صاغ منها رحمته

وكان الإمام يقيل العثرات، ويغفر الزلات، ويأسو الجراح، فلكل فارس كبوة، ولكل عالم هفوة، ولكل سيف نبوة...

ثم لو شمت إذا           جد جد عزمته

وإذا الداعي دعا            لجهاد همته

وعلى الباغي على     أي حق غضبته

قلت هذا قسور     هاج يزجي ضربته

وهو في الواقع شهم   ثار يحمي أمته

وكان الإمام كالأسد الهصور يثور كالسيل إذا رأى الطغاة ينالون من كرامة الأمة.

واتخذ الإمام من السلف الصالح قدوته، فصاح بالأمة أن تنهض من كبوتها، وأن تستأنف مسيرتها لتكون خير خلف لخير سلف..

صيحة الأجداد في       الأحفاد حاكت صيحته

وأنين المجد في الأصفاد         أورى ثورته

إنه صورة شعب               هب يغزو وثبته

إنه جيل من الإسلام               يبني نهضته

أنت لو أبصرته                   لقدرت قدرته

بشر من ملك                     قد تلقى فطرته

فالإمام البنا يبتسم حين تشتد المحن وتتعاظم الهموم، إنه ابتسام الواثق من ربه، ومن قدرة الله على تفريج الكروب وجلاء الهموم.

والإمام البنا – على صغر سنة- ذو حكمة بالغة، أنضجها مبكراً هذا العقل الكبير الذي وهبه الله له .

ولقد وهب الله الإمام البنا صوتاً ساحراً متقبلاً، يدفع السامعين إلى الإنصات له، وهو يدعو إلى ما آمن به.

وكان البنا كثير الصلاة كثير القيام، إذا نظرت إليه في صلاته وجدته خاشعاً باكياً، يغالب العبرات وهو متفكر في قدرة الله، داعياً أن يعينه على المهمة التي حملها لبعث أمة الإسلام من مرقدها .

ثم إن البنا لا يشغله شاغل عن مواساة ذوي الخطوب والنوازل، فهو مع أهل الكرم الذين تصيبهم العثرات، يقيل عثراتهم ويقف إلى جانبهم، وهو إذا رأى مصاباً (بأذى) راح يواسيه ويعمل على مداواة جراحه ومآسيه.

هذه الصفات التي تحلى بها الإمام هي التي تحبب الخلق به، وتدفعهم إلى الإيمان بدعوته.

أو تأملت على     أهل خطب عطفته

من كريم عاثر   جد يمحو عثرته

ومصاب بأذى     راح يأسو كربته

لعشقت روحه   صاغ منها رحمته

هذا الرجل العابد، وهذا الرجل المواسي، أسد إذا جد الجدّ واشتد الخطب، لا ينام على ضيم ولا يسكت على بغي، إنه الأسد الهصور في حماية أُمته وفي الدفاع عن حقوقها:

ثم لو شمت إذا       جد جد عزمته

وإذا الداعي دعا         لجهاد همته

وعلى الباغي على     أي حق غضبته

قلت هذا قسور     هاج يزجي ضربته

وهو في الواقع شهم     ثار يحمي أمته

إن دعوة الإمام ما هي إلا دعوة الأجداد في الأحفاد، تجسمت في هذا الرجل الرباني، وما هي إلا صدى هذا الأنين الذي ينطلق من أولئك الذين صفدوا حتى لا يهبوا أو ينطلقوا لأهدافهم النبيلة، إنه آمال شعب تجسمت في شخصه.... في دعوته، إنه يمثل جيلاً كاملاً من هذه الأمة التي انطلقت تبني نهضة الإسلام المعاصرة.

إنك لو تمثلت مجموع هذه الصفات التي تحلى بها الإمام لأدركت أن هذا الإنسان قد صيغ في أخلاقه وصفاته صياغة ملائكية جعلها الله فطرة في نفسه وخلقه وجهاده.

صيحة الأجداد في         الأحفاد حاكت صيحته

وأنين المجد في الأصفاد           أورى ثورته

إنه صورة شعب                هب يغزو وثبته

إنه جيل من الإسلام                 يبني نهضته

أنت لو أبصرته                  لقدرت قدرته

بشر من ملك                     قد تلقى فطرته

إن الذين أجهدوا أنفسهم في وصف الإمام نثراً قد بزهم الأميري في وصف الإمام شعراً، وقد أصاب هذا الشاعر العبقري صفة الإمام الذي حمل هم الأمة وراح في شهامة يدافع عنها ويدفع بها نحو المجد.

وما لبث الإمام بعد هذه القصيدة الرائعة في وصفه أن استشهد، امتدت إليه يد البغي فأرسلت إلى قلبه رصاصات أوقفت نبضه، ولكنها ما أوقفت تأثيره ، فهيهات ، لقد أطلق البنا روح الإسلام في وجدان أمته ، فحمل هذه الروح رجال مضوا بها صعدا، ولا بد لهذه الروح أن تبلغ مداها.

كان وقع استشهاد البنا على الأميري أليما، فصاغ هذا الألم في قصيدة نشرتها جريدة الشهاب السورية، أحب أن أوردها أولاً كاملة لأنها أيضاً قصيدة عزيزة قلما تجدها معروضة لعشاق الشعر والأدب، وهي أيضاً ليست منشورة في دواوين الشاعر المطبوعة:

رثاء

كبلوا من حوله أبناءه   ورموه بين أشداق الأفاعي

جردوه خلسة في خسة     وتنادوا، وهو فرد، للنزاع

وذئاب البغي حامت، ونضى كل نذل حوله سيف القراع

والجماهير التي من ذاته   بذل الرفد لها دون انقطاع

حوقلت في خور وانطلقت     لا تبالي بجهاد وصراع

والألى كانوا يقولون له   ملقا، قد جئت بالأمر المطاع

خذلوه وبدت أوجههم     في الملا سوداء من غير قناع

وشرى الباغون منهم ألسنا   بذلوها ما دعا للمال داع

في بيوت الله سبوا فنداً     خير داع للهدى فيها وراع

هكذا فعلوا ، كبلوا أنصاره وتركوه وحيدا ،وأطلقوا خلفه أفاعيهم.

وصورة ثانية: جردوه من كل حماية، وقد وصف الأميري هذا الفعل بالخسة، ثم تنادوا ، نادى بعضهم بعضاً، هيا نازلوه ونازعوه!

وصورة ثالثة: هؤلاء البشر الذئاب حاموا حوله وقد شرعوا سيوفهم وأغمدوها في قلب الإمام!

وماذا كانت ردة فعل الجماهير التي بذل الإمام نفسه في سبيلها:

والجماهير التي من ذاته   بذل الرفد لها دون انقطاع

حوقلت في خور وانطلقت     لا تبالي بجهاد وصراع

هذه من الأميري نفثة غاضب، نعم لم تبد الجماهير غضبتها لأن السيوف كانت مشرعة للإطاحة بأي رأس يرتفع صوته محتجاً، ولكن هذه الجماهير التي بذل الإمام نفسه لها قد أخلصت له وأقبلت على دعوته.

ثم ماذا فعل هؤلاء (الألُى) الذين كانوا يقولون للإمام: قد جئت بالأمر المطاع؟!

والألى كانوا يقولون له           ملقا، قد جئت بالأمر المطاع

خذلوه وبدت أوجههم           في الملا سوداء من غير قناع

وشرى الباغون منهم ألسنا           بذلوها ما دعا للمال داع

في بيوت الله سبوا فنداً             خير داع للهدى فيها وراع

وكشف الحاقدون الذين كانوا يتملقون الإمام عن حقيقتهم السوداء، فبذلوا أموالهم لشراء الألسن التي انطلقت تسب الإمام حتى وصل بهم الحقد أن أمروا أتباعهم بسب الإمام على منابر الرسول في بيوت الله.

لست أدري لماذا ينتابني شعور بأن القصيدة لم تقف عند ما وقفت عليه كما هي منشورة في صحيفة الشهاب السورية، وأن لها أبياتاً تكمل المشاهد الناقصة، ولعل ثورة الأميري قد جمحت به إلى أبيات رأت المجلة أن لا تنشرها.

هذا شعور قد تكشف عن حقيقته مذكرات الأميري لو نشرت.

وعمر بهاء الدين الأميري شاعر كبير، وإذا أردت أن تصنفه في الهرم الشعري الإسلامي وضعته على قمته، وهو له من اسمه نصيب، بل أنصبة، فهو عندي وعند الدارسين غيري، أمير الشعر الإسلامي المعاصر.

وما قرأت نثراً لشاعر مهما كانت منزلته في الشعر إلا وجدت نثره دون شعره، إلا ما كان من الأميري ، فإنه حتى وهو يكتب نثراً يسمو بنثره إلى آفاق الشعر، فإذا قرأت نثره قلت: هذا ناثر يكتب شعرا .                                                                              

وحتى أدلل على صدق ما أقول أورد هنا نصين نثريين يصف فيهما الإمام البنا، الأول يصف فيه حقيقة الإمام، ويرسم له صورة متكاملة، فتشعر وأنت تقرأ هذا الوصف كانك تشاهد الإمام وتجالسه، والثاني يتحدث فيه الأميري عن الإمام كداعية يعشق دعوته ويتفاني في سبيلها.

ويقول الأميري واصفاً الإمام البنا كأنك تراه([3]):                        

"سمعت عنه كثيراً، ورأيت له في مرايا قلوب محبيه صوراً لامعة رائعة، فتراءى لعقلي عملاق هدى ورأي وحكمة ،وتخيلته أمام عيني عملاقاً في جسمه أيضاً جباراً في قسماته وسماته ،ولما رأيته بين صحبه، أول ما رأيته، ما ظننت أنه هو، ثم قدمت إليه فتلقانى في بشاشة، لا تكلف فيها ،ورحب بي ، منساقاً مع فطرة رحبة.

لم أجد له في مشاهدتي، صورته في مخيلتي..... كان أقرب إلى القصر منه إلى الطول ،وأدنى إلى الوداعة منه إلى الجبروت ، في صراحته إباء، وفي جرأته إغضاء ، لا يكاد يطالع الناظر إليه من الحزم الذي سمعت عنه إلا تقطيبة بين الحاجبين تصغر معها عين وتكبر عين، كلما تحدث في أمر هام.

زرته في بيته، فوجدته زاهداً بسيطاً، وأكلت في مائدته، فوجدته فقيراً كريماً, وصحبته في أسفاره ، فلم أر أكثر منه أنساً وإيناساً في مواطن الراحة ولا أكثر منه فناء في العمل ، وقت العمل.

ولزمت حياته أياماً، فوجدتها دأباً مستمراً، وجهداً مرهقاً، كلما اشتدت عليه زادت بشاشة روحه، فبدا أشد انهماكاً في السعى، وأكثر إمعاناً في التسليم ، وأقوى تآلفاً بالاستبشار .

ما رأيته مرة إلا زدت له إكباراً وبه تعلقاً وعليه إشفافاً وفيه أملاً.

ويقول الأميري متحدثاً عن البنا كداعية([4]):

"شاهدته يتكلم بين أفراد، فلم أجد صوته يتطاول على الأصوات ، ولاح لي أميل إلى الإصغاء منه إلى إبداء الآراء ، فإذا دخل الحديث طور المراء ، صمت في إعراض ، أو أقبل في ابتسام ، هو بين الإشفاق والشفقة ، حتى إذا انتهى الأمر إلى زبدته، كانت كلمته هي الفاصلة .

وأصغيت إليه وهو يخاطب ملأه فخيل إلي أنه يحاول أن يسكت لسانه، وينطق قلبه ،بل وكل جوارحه ،وإذ ذاك كان يمعن النظر في من أمامه، وكأنه يحدق في أفق بعيد فينبعث من عيونه شبه نور وهاج ، يتصل شعاعاً بقلب فقلب فقلب وإذا بالملأ تحت تأثيره المطلق ، قد أسلموا إليه عقولهم يهديها، وقلوبهم يخفق فيها، وسواعدهم وكواهلهم ، يحملها ما يرى من أعباء ، أعباء رسالته ورسالتهم ، وسمعته يخاطب الجماهير فوجدته الطب الخبير، يبدأ ويبدو معهم في أكثر الأحيان ، واحداً منهم محدثاً أكثر منه خطيباً.

يكثر من سوق التشابيه والأمثال ، يبسط بها فكرته ، فتتلقفها الأذهان بيسر، وقد يعالج في ثنايا حديثه شئوناً من صميم حياة المستمعين حتى ليظن أحدهم أنه كوشف بخويصة مشكلته، وأخذ يصف له الدواء فإذا آنس أن القوم قد ركنوا إليه ، اشتد عليهم في موعظته وبادرهم بإهابات خطابية وجلجل بصيحات الحق، تتخلل حديثه الدفاق ، المرصع بآى الله، فيضعون أنفسهم منه، دون اختيار ، موضع الرعية من الراعى.

وهكذا، يبلغ منهم لدعوته ما يريد وينتهي غير مملول، محبوباً مرهوباً.

كيف يسري النغم السائغ في الآذان نشره

هكذا من قلبه المؤمن يزجي الهدي دعوه

زاخر الأعماق بالإيمان في دعوته

منكر الذات حكيم السير في وجهته

طب أرواح، فلا تخفى عليه خافية

باسط الصدر بعيد الغور شهم داعية

هاتان القصيدتان، وهاتان القطعتان النثريتان جزء من تراث الإمام، وأنا قد اطلعت على التراث الذي نشر للإمام البنا، فلم أجد فيما نشر اهتماماً بالشعر الذي قيل في الإمام.... وهو غزير وبليغ يستحق الاعتناء به.

أقول: اطلعت على ما نشر من تراث الإمام البنا، ولم أجد ذكراً للتراث الأدبي الذي قيل في الإمام ولم أجد ذكراً للمواقف الأدبية التي وقفها الإمام، وللإمام رحمه الله مقدمات لبعض الكتب الأدبية وبعض دواوين الشعر التي أصدرها شعراء الدعوة في حياته.  

صحيح أننا كتبنا قبل ثلاثين عاماً كتابنا الموسوم "شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث" في عشرة أجزاء صغيرة الحجم، وكان ذلك جهد المقل مع ندرة المادة المتوفرة بين أيدينا ومع شح المصادر آنذاك، إلا أننا شرعنا حديثاً في إعادة صياغة الكتاب من جديد وقد توافرت المادة وتوافرت المصادر، وقد صدر منه مجلدان، والمجلد الثالث في طريقة للصدور ، ومن المقدر أن يصدر الكتاب في ثلاثين مجلداً، تتراوح صفحات المجلد بين أربعمائة وخمسمائة صفحة من القطع الكبير.

ومع ذلك فأنا أرى أن تراث البنا وتراث الدعوة الإسلامية الأدبي لازال بحاجة إلى المزيد من الجهد ، والمزيد من العناية ،والمزيد من الدراسة)[1].

([4] ) مجلة "المسلمون" العدد 63 .

الذكرى المئوية لميلاد الإمام:

وفي الذكرى المأوية لميلاد الإمام المجدد حسن البنا - رضوان الله عليه-، كتب الشاعر اليمني ( حسن بن يحيى الذاري ) قصيدة، يقول في مطلعها:

كوَّن الله القـــــائد البنَّاء               وحـــباه تفوقاً وضَّاءَ

حسن أحسنَ الإله اصطفاه             قائداً رائداً فنال ارتقاءً

فاض منه العطا فأعطى ببذل       للذي فضّله أفاض العطاء

صاغ منه القرآن أطهر روح       نور اشراقها تساما بهاءً

كوَّن الجيل وفق منهج رب           ومضى قائداً يبث النقاء

لقد اختار الله هذا الإمام، واصطفاه، وصنعه على عينه التي لا تنام، ورعاه بكنفه الذي لا يرام، ومنحه التفوق، وصاغه القرآن، وطهر روحه من الأدران، فكوّن جيلاً من الشباب المؤمن، الذين طهرت قلوبهم، وزكت نفوسهم، فكانوا رهباناً في الليل، فرساناً في النهار .

لقد جاءت دعوة البنا في عصر عجَّ بالذنوب والموبقات، وقامت فيه دول تعادي الإسلام ودعوته، وهدمت الخلافة وأصبحت رسماً بعد عين، وتولى شؤون البلاد الأقزام والعملاء، وصار الرويبضة يتكلم في شؤون عامة المسلمين:

جاء به العصر وهو عصر مليء   بشــــرور تلطخ الأجــواءَ

فيه للكفر دولة ونفـــوذ              كيد عدوانه طغى استعلاءَ

همه محو أمـة كوّن الله                  هـداها فطـالت الأنحاءَ

هُدم الصرح للخلافة حتى         شتت الشمل واحتسينا البلاءَ

وتولى شئوننا كل قزمٍ               من قطيعٍ لا يعرف الأجراء

كانت دعوة الإمام البنا إكمالاً لمشوار المصلحين والمجددين من أمثال الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، والحاج أمين الحسيني، وشكيب أرسلان، ....

وبوسط الطوفان دكت قلاع          لم تجد حامياً يصد اعتداءَ

غير فتيان دعوةٍ مِنْ أباةٍ                 قاوموا باطلاً فذاقَ العناء

من قوى الصادقين لله وعداً             بانطلاق لهم أثار رجــاءَ

كالحسيني* من تصدى بعزمٍ           أتحب الرائدين والأوفيــاء

ورشيد وشيخه وشــكيب                  إنهم قــوة أقامت بنـاءَ

وسار الإمام على درب الهداة الدعاة، وتسلح بعزيمة الإيمان، وربى الأجيال، وتصدّى لقوى الكفر والضلال، فتوالت عليه المحن، ونزلت على المصائب والنازلات، ولكنه بقي شامخاً كالجبل في وجه العواصف:

وعلى نهجهم مضى فارس الميدان         من أحرز النجاح ارتقاءَ

حسن من بعزمه هب جيل                 قاوم الكفر صامداً مضّاءَ

فأغارت عليه من كل صوبٍ               محن تقذفُ النكالَ اعتداءَ

غير أن الصمود كان مهيباً                 يتحدى المصاعب النَّكراءَ فتهاوى الطاغوت في كل قطر             وغدا الحق شامخاً معطاءَ

وقوة المؤمنين تستمد العون من الله سبحانه وتعالى، كما تستمد قوة الحجة من كتابه الكريم:

قوة الله في كتاب مبين                 روح اشراقه أقامت بناءَ

سوف يبقى مهيمناً باعتلاءٍ             نور اشراقه يذيب افتراء

هو أقوى القوى محالُ يصفى            من نفوسٍ تنفذ الأجراء

حسن البنا: إمام الجهاد:

ويقول في الإمام البنا الذي يعتبره حامل لواء الجهاد، وإمام الدعوة ورائد الإصلاح الذي بذل حياته لتحرير العالم المفتون بالمغريات:

ففقدنا البنـا إمــام جهـادٍ         حمـل العـبء ماضـياً في التزامِ

وأراد التـحرير للعـالم المفتو       ن بالـمغـريـات والأوهــــــــامِ

تحية المرشد والشباب:

وممن أدركوا اهتمام البنا بالشباب وعنايته بهم الشاعر أحمد حسن الباقوري، وقد أعجبه ذلك من الإمام، وقد أشار إلى ذلك في مذكراته في أكثر موضع.

بل إن الباقوري نفسه كان من بين الشباب الذين أولاهم الإمام عنايته، ووضع فيه ثقته، وكلفه بإنجاز عدد من المهمات المتعلقة بدعوة الإخوان، وكان ا شاهداً على اهتمام البنا بالشباب، وها هو يؤلف قصيدة رائعة في مدح المرشد ومن حوله من الشباب بقوله:

أيها المرشدُ الكريمُ شباـاً           تفتديه العلا وأنت إمامــه

عشت للحق مذ نشأت غلاماً     فببرديك شيخه وغلامـــه

فهو جندٌ إذا دعوت سميعــاً     يمنع الحق أن يُحَل حرامــه

بايع الله أن يموت وفيــاً           وعلى عهده استقر مقاـه

أسلمتك الأيام إياه غضـــاً       فانجلت عنه بالهدى أوهامه

فإذا نفحة النسيم رضاه           وإذا وقدة الجحيم ضرامه

وفي قصيدة متميزة ألقاها الشيخ أحمد حسن الباقوري في إحدى الاحتفالات، ويطلق عليها القصيدة العصماء، وفيها يمتدح الإمام البنا والإخوان وشبابهم، ويجعل من هذا الشباب المخلص جندًا تربى على السمع والطاعة، والإمام البنا مرشدًا لهذا الجند ينتظر الشاعر منه أن يرفع به الضيم والظلم،وقد نشرت فى جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية العدد (28)، السنة الثانية، 13رجب 1358ه 29أغسطس 1939م، ص(10)، وقد ألقاها في حفل الإخوان المسلمين بالواسطى في الصعيد. يقول الباقوري:

أذن النصر والتقت أعلامه وانجلى الكفر حين ريع ظلامه

أي ركب مظفر أينما را         ح ففي قبضة الإله زمامه

كلما حلّ واديًا راح يجري   في رباه الندى وفاض غمامه

وإذا صاح منشدًا رجّع الكو ن وأصغى في غابه ضرغامه

أي ركب وأي صحب كرام     بعدما جانب الزمان كرامه

إنهم سادة الشباب تلاقت       في ربا المجد والعلا أحلامه

فهم الخير فيضه وجناه           وهم الحق سيفه وحسامه

* *

أيها المرشد الكريم شبابًا           تفتديه العلا وأنت إمامه

عشت للحق مذ نشأت غلامًا فببرديك شيخه وغلامه

فهو جند إذا دعوت سميع يمنع الحقّ أن يُحل حرامُه

بايع الله أن يموت وفيًّا       وعلى عهده استقر مقامه

أسلمتك الأيام إياه غضًّا فانجلت عنه بالهدى أوهامه

فإذا نفحة النسيم رضاه     وإذا وقدة الجحيم ضرامه

ويخاطب في نهايتها شباب الإخوان مذكّرًا إياهم بالأمجاد الأولى، ويحثهم كذلك على العمل والاجتهاد:

يا شباب الهدى وقد جمعتكم   في رياض من التقى أرحامه

أي مجد لكم وأي فخارٍ       أن يُرى الدين حكّمت أحكامه

يا شباب الإسلام هزوا قناكم     صافحوا المجد إنكم قوّامه

وبعد أن يعرض العديد من الصور التي تعبر عن هذا التكالب وهذه المآسي، يرى أن النجاة الحقيقية في الصحبة الصالحة التي تعتصم بالله ودينه وكتابه –وبالطبع يقصد بهذه الصحبة الإمام البنا وإخوانه– فيقول:

ليس إلا فئة قد     رضيت حكم الكتابِ

زودوا النفس بطهرٍ     وأمانيٍّ عذابِ

محاربة الفساد:

إذا كان الإخوان حملوا على عاتقهم الإصلاح ومحاربة الفساد في كل الميادين وبجميع الوسائل، فقد جاء الباقوري ليكافح أيضا الفساد بشعره، وينتقد شيوع الرذيلة ومحاربة الفضيلة، وهو يرى أن فساد الأخلاق أدى إلى هوان الأمة وهزيمتها، وحمل كل ذلك إلى الرعاة الذين رعوا الرذيلة وحاربوا الفضيلة!

هي الأخلاق لا يرجى سواها

رعاة لم تنشئهم رباهــا

محاربة الفضيلة في حماها

لإنقاذ الشعوب ، وقد رعاها

وحكام رأوا جهلاً مناهــا

فساموها الهوان و أوبقوها

وبطريقة متميزة في التعبير الشعري يهدي أحد الإخوان قصيدة إلى الإمام البنا بعنوان: "النور المذاب"، وفيها يستعرض مآسي الحياة، وأنها كالمذبح، أو الغابة بسبب الانقضاض على الشهوات والملذات والمغانم الزائلة:

أ حياة هذه أم مذبح باسم الرغابِ؟!

كل من يشعر بالقوة يمسي كالذئابِ

كُتَلُ الإنسانِ تلقى كُلَّ يومٍ في العذابِ

أغرم القوم بدنيا هم وظلوا في انكبابِ

حسبوها طعمة الخلد فجدوا في انتهابِ

قصيدة بعنوان (تحيتي) نشرتها جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية في العدد (2) 28من صفر 1352هـ الموافق 22من يونيو 1933م، وهي للأستاذ أحمد حسن الباقوري أحد شعراء الإخوان الموهوبين، فهو يحيي جريدتهم بهذه القصيدة العصماء، وعدد أبياتها تسعة وثلاثون بيتًا يقول في مطلعها:

متى هتفنا طويلاً في مغانيها وافت توازن بالدنيا وما فيها

ويقول:

تكاد تنطق بالبشرى مظاهرها والبشر ينشر طورًا ويطويها

كأنا حين لاحت في نواظرها   صحيفة المبدأ السامي تحييها

مرحى بها وبيوم كان مطلعها       وبالحياة وقد وافت أمانيها

وبالشباب الذي يرى مبادئها ويطلب الموت إن طاشت مراميها

ويقول:

لسان جمعية الإخوان لا برحت   بك الحياة طهورًا من مخازيها

لا كان عز يرد اليوم دعوتها             ولا تمتع بالدنيا معاديها

ويختم بقوله:

روح النبي أطلى فانظري فئة   تفدي تراثك بالدنيا وما فيها

قد بايعتك على عيش تقر به أو إن تمت دفاعًا عن مباغيها

قصيدة بعنوان (شاعر الإخوان في اجتماع طما) للأستاذ أحمد حسن الباقوري، وهي من سبع عشر بيتًا وقد نشرتها جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية في العدد (26) 20من رجب 1355هـ الموافق 6من أكتوبر 1936م مطلعها:

مجد تراءى للمجد أثيلج   رقصت له مصر وغنى له النيل

ويقول:

يا أيها الرجل الذي جنت به   همم الصعيد بقبول حين يقول

أعلن مبادئ لا يزال لها إلى   همم الرجال المخلصين سبيل

من ذا الذي يستجيب لدعوة     سيف النبوة سيفها المسلول

وفي آخرها يقول:

لا يطمع المخدوع إن دنا له     أنا نعد الأمر ثم نقول

مصر بغير شعارنا مقتولة والشرق إن لم يستفق مقتول

وله قصيدة (نحو النور) للأستاذ أحمد حسن الباقوري وأبياتها تسعة عشر بيتًا، وقد نشرت بجريدة الإخوان المسلمين في العدد (24) 17من رمضان 1355هـ الموافق ديسمبر 1936م.

تحية دعوة الحق في عامها العشرين:

وكتب الشاعر الكبير علي أحمد باكثير قصيدةً عن الإمام الشهيد قال فيها:

عشرون عامًا بالجهاد حوافل     مرَّت كبين عشية وضحاها

ما كان أقصرها وأطول باعها في الصالحات إذا يقاس مداها

هي دعوة الحق التي انطلقت فلم   تقوَ الموانع أن تعوق خطاها

لله "مرشدها" فلولا صدقه         لم يغزُ آلافَ النفوس هداها

في قلبه وريت فشبّ ضرامها   بلسانه حتى استطار سناها

بالأمس نجوى في فؤاد واحد   واليوم في الدنيا يرنُّ صداها

أضحت عقيدة مؤمنين بربهم         ومبلغي أوطانهم رجواها

متسابقين إلى الجهاد ليحفظوا     عز البلاد ويكشفوا بلواها

ولينهضوا من طويل خمولها     ويقطفوها من عميق كراها

ويطِّهروا أرض العروبة كلها     من كل باغٍ يستبيح حماها

ويوحِّدوا الإسلام في أقطاره       ما بين أدناها إلى أقصاها

زعموا السياسة ذنبه يا ويحهم!!   ما فضل دين محمد لولاها؟!

دين الحياة تضيع أخراها على        أبنائه إن ضيَّعوا دنياها!

فليمضِ عند الهادمون فإنه         "بناء" نهضة قومه وفتاها

تكلمي يا كتائب:

وكتب محمود غنيم قصيدة بمناسبة جهاد كتائب الإخوان في فلسطين وفي قناة السويس:

غَضَّ المفاوضُ صوتَه، فتكلَّمي     بلسانِ نارٍ، يا كتائبُ، أو دمِ

لم يفهم المحتلُّ من خُطَبائنا           فلتُفْهموا المحتلَّ ما لم يَفْهَم

ما أيَّد الحقَّ المُضاعَ كمنطقٍ       تُدلي به شَفَةُ السلاح الأبكم

تتحرَّرُ الأوطانُ بالدم وحدَهُ       إن الخطابةَ رأسُ مال المُعْدم

اليومَ قد وضَحَ النهارُ لمُدلجٍ   ومَشَى الدليلُ على السبيل الأقوم

قل للشبيبة: أنتِ مصباحُ الحِمى     وصباحُهُ في كلِّ داجٍ مظلِم

قد دقَّ ناقوسُ الجهاد، فأنْصِتِي     ودعا الحمى أبطالَه، فتقدَّمي

مَنْ قال: أنِّيَ أعزلٌ وبكفه         حَجَرٌ فليس إلى الكنانة ينتمي

صِدْقُ العزيمة دِرعُ كلِّ مدرَّعٍ     عند اللقاء، ولأُمةُ المستَلْئِم

وأحَدُّ من سيف الجبان ورمحِهِ يومَ الوغَى، سوطُ الشُّجاع المُعْلَمِ

سَيفُ الكميِّ إذا تثلَّم أرهفتْ     يمناه غاربَ سيفه المتثَلِّمِ

من قاوم الأُسْدَ الغِضَابَ مسلَّحًا       بيقينه وبحقِّه، لم يُهْزَم

ما الضعفُ إلاَّ ما توهَّمَهُ الفتى ضعفًا، وبئس توهُّمُ المتوهِّم!

ما أضعَفَ «المكروبَ» في تكوينه لكنَّه يفري أديمَ الضَّيغَم!

لا يَنعَمُ المحتلُّ بين ظهوركم     بالاً، وكيف يقيمُ إن لم يَنْعَم؟

بثُّوا له الأشواك إذ يمشي، وإنْ   يشرَبْ، فشُوبوا ماءه بالعلْقَم

ودعوه إن يَيْقَظَ يعشْ فَزِعًا، وإنْ   يرقُدْ بغارات الكتائب يَحْلُم

حتى يظنَّ النار حشْوَ رغيفه         فإذا تناوله، تفجَّرَ في الفم

ما ضرَّ مصرَ ومصرُ دارُ الخلد لو صارت على المحتلِّ نارَ جهنَّم؟

المستبدُّ بمصرَ يَلقى حتْفَه         والضيفُ إنْ يَنزلْ بِمِصِرٍ يُكْرم

يا مصرُ، قد طار الإسارُ، فحطِّمي بيمينك الأغلالَ، أو فتحطَّمي

لا تحتمي من غاصبيك بهيئةٍ         دوليَّةٍ، لكنْ بنفسكِ فاحتمي

الذئب ليس على القطيع بحارسٍ والفأرُ ليس على القِرَى بمُحكَّم

سبعون عامًا، كان من أهوالها:   أن يهرَمَ الهَرَمُ الذي لم يَهْرَم

قالوا: القناةُ فقلتُ: إنْ تَكُ حُجَّةً       لخلودهم في مصرَ، فلتَتَهَدَّم

هم دنَّسوا بشهِيقهِم وزفيرِهِم         جوَّ الكنانة، وهْو مثلُ البَلْسَم

هم سمَّمُوا نيلَ الحمى بثغورهم     فمتى نذوقُ النيلَ غيرَ مسمَّم؟

يا مصرُ، وجُهك أين كنَّا قبلةٌ        فيها المسيحيُّ التقى بالمسلم

الكلُّ بعد الله حُبُّكِ دينُهُ                مَنْ كان حُبُّك دينَه، لم يأثَم

لا تندُبي شهداءَكِ الأبرارَ، بل      غنِّي على أجداثِهم، وترنَّمي!

لا تعصِبي جُرحَ الجريح، فإنه         في جسمه مثلُ الفم المتبسم

ما صال في المَيْدان منَّا صائلٌ وأصيبَ، إلا قال: يا مصرُ، اسلمي!

الإمام الشَّهيد / حسن البنــا:

وكتب الشاعر الداعية شريف قاسم قصيدة يقول فيها:

سلسلي من عطائِـه المدرارِ   يا مغاني التحنانِ في الأمصارِ

وانفحينا أطيابَه في ربوعٍ        قاحلاتٍ من عابقِ الأزهــارِ

فلنجواه في القلوبِ لَشَــوقٌ            يتثنَّى بالحبِّ والإكبارِ

قامَ من غفوةِ الشعوبِ ربيعًـا         يتهادى ببردِه المعطارِ

فاشرأبَّتْ له العيونُ وفاضتْ        بدموعِ الأفراحِ بعدَ عثارِ

يومَ أشجَتْهُ غُمَّـةٌ في بني مصرَ . وفي سائرِ الورى والديارِ

فالمغاني تباشرتْ عبقاتٍ       بانبعاثٍ الإسلامِ في الأقطارِ

(حسنُ البنـا ) يا إمامَ اعتدادٍ        بالمثاني وسُنَّةِ المختارِ

فالأماني بدريَّــةٌ مزهراتٌ   في وريفِ الشريعةِ المحبارِ

قمتَ والقومُ في الظلامِ حيارى بين زيفٍ وخيبةٍ واندحارِ

وفنونٍ تُقامُ مُمْتَهَناتٍ          بين فحشِ الأهـواءِ والمزمارِ

فكشفتَ الغطاءَ إذ أسفرَ الحقُّ .    ولاحتْ مشارقُ الأنوارِ

هجرَ النُّورَ قومُنـا فتهاووا        في دياجي كبائرِ الأوزارِ

يعبدون الأهـواءَ غيرَ مبالينَ . .       بيومٍ أُعــدَ للفجـارِ

حسبُهم من حياتِهم أيُّ لهـوٍ من حرامٍ وسقطةٍ في شَنَارِ

وفسادٍ في الحكمِ بين طغاةٍ واضطرابٍ على عروشِ الصَّغارِ

الخياناتُ طبعُهم وفلسطينُ . .    على ذلٍّ قد طمى والعارِ

هدموا صرحَ أمَّــةٍ ما توانوا عن خسيسِ التزويرِ في الأعذارِ

وتمادوا بالإثمِ في غلس البغيِ . ولجُّـوا بمذهبِ استكبارِ

واستظلوا بفلسفاتِ فسادٍ            جلبتْها مكائدُ الكفَّـارِ

لليمين المقيتِ نادى أُناسٌ     والأذلاءُ قد مشوا لليسارِ

وهُدى اللهِ منهمُ لَبَريءٌ حيث تاهوا على صحارى البوارِ

تلك أسماءُ غيِّهم حفظوها    في حنايا الآراءِ والأفكارِ

فشيوعيةُ الرعاع دمــارٌ     وعُلُـوُّ استعبادِها لانهيارِ

واشتراكيةُ الجياعِ ضـلالٌ وانكبابٌ للناسِ في الأمصارِ

والرزايا في عالَمٍ عربيٍّ بين موجِ الخطوبِ والأوضارِ

ويــدُ المصلحين في كلِّ قطرٍ بترتْهـا مُـدى الذئابِ الضَّواري

يومَ هبَّ الإمامُ كانت شتاتا    فكرُ المخلصين بالأوطارِ

فاستوى باللقاءِ فيهم منارا   بالرشادِ المبين في ألأسفارِ

وتنادى من حولِـه كلُّ حُــرٍّ   فيدُ البِــرِّ في يــدِ الأبرارِ

وتدلَّت آمالُ فجرِ رجاءٍ      بجهـادِ الشبابِ والأنصارِ

(حسن البنَّـا) أنشأ اليومَ مجدًا وأعادَ الفخارَ بعدَ اندثارِ

وحمى شرعةَ النبيِّ شجاعا وكصنديدِ موكبٍ مـغوارِ

حملَ الخيرَ مؤمنا لا يبالي       برياحٍ عتيَّـةٍ ومــرارِ

ودياجيرِ محنةٍ خاض فيهـا ــ مشمخرًا ــ بعيدةِ الأغـوارِ

جــدَّدَ الدِّينَ والفضائلُ جَدَّتْ وهْـوَ يدعو ربَّ الورى لانتصارِ

وتبدَّى مُجَدِدًا في زمانٍ        دمــرتْهُ عقائدُ الأغيارِ

فَعَلا بالإسلامِ فعلا وقولا       وتخطَّى مكائدَ الأشرارِ

ومضى ينصحُ الذين تعاموا عن ضياءِ الهُدَى بوجهِ النَّهــارِ

ويعاني من الأذى ما يعاني  ثابتَ الجأشِ هازئًا بالغمارِ

إنَّـه صوتُه الكريمُ يُدوِّي  في البرايا بالنُّصحِ والإنــذارِ

وأفاضتْ رسائلُ الشيخِ نورا    في بلادٍ تموجُ بالإنكارِ

وأقامَ الجهادَ فارتفعَ البنــدُ . . خفوقا ورفَّ تحتَ الشعارِ

في فلسطين زحفُه لقتالٍ      ودفاعٍ عن أهلِهـا الأخيارِ

وجهادٍ عن المقدسِ والدِّينِ . وردعٍ لصولةِ الإعصـارِ

يومَ باعَ الشبابُ عمرَهم اليومَ . . بجناتِ خالقٍ غفَّــارِ

جلَّ ربي سينصرُ الدينَ مهما قد تداعتْ حشودُهم في الديارِ

كم شهيد مضى بسابق فضلٍ وكميٍّ يدوسُ هـامَ العــارِ

قد تلظَّى معنى البطولة في عهدٍ . .عهدِ الساحِ .. كعهدِ الأشاوسِ الأحرارِ

وعلى مصرَ في القنالِ جهادٌ ليس تخشى ضراوةَ الإعصارِ

روَّعَ المؤمنون جندَ احتلالٍ           بعثتْهُمْ إنكلتَرا للدمارِ

فأفاقَ النيامُ من غفوةِ الذُّلِّ .     وهبُّوا في الموكبِ الكرّارِ

وعلا بالنداءِ كلُّ حفيٍّ            بانتصارِ الإسلامِ بعد إسارِ

وتقاضى الطغاةُ من ثمنِ البيعِ . سرابَ الوعودِ خلف ستارِ

وتنادوا في ليلةٍ مَكَرَ الشيطانُ .     فيهـا للغدرِ بالأبــرارِ

وعــدا منهم الشَّقيُّ بِطَلْقٍ    من رصاصِ على يّدّيْ غــدَارِ

فاستوى في قرارِ صدرِ إمـامٍ    ضمّختْهُ من الدمش الفوَّارِ

فتثنَّتْ على الضياءِ ورفَّتْ       روحُــه فوقَ عالَـمِ الأكدارِ

رفعتْهـا ملائكُ اللهِ إذْ للملأ .      الأعلى غادرتْ في وقـارِ

حيثُ فردوسُ ربِّهـا نُزٌلُ المؤمنِ .    في ظـلِّ رحمةِ الغفَّـارِ

واختفى الغادرُ اللعينُ ولكنْ     ليس تخفى شريعةُ المختارِ

واختفى المجرمُ الخسيسُ ولكنْ ليس تخفى جرائمُ استعمارِ

فرحَ المجرمون ساعةَ قتلِ الشيخِ في الغربِ يالـه من عــارِ

وأقاموا أفراحَهم رغم ذُلٍّ          يعتريهم وخسَّةٍ وانكسارِ

وبدا ( البَنَّـا ) شمسَ أُفْقٍ فخارٍ     يستثيرُ القلوبَ بالأذكارِ

وبإيمان جيلِ عهدٍ جديدٍ                لا يبالي بغلظةِ الكفارِ

وينادي الأجيال أن لايهابوا          أو يهونوا لمجرمٍ جـزَّارِ

إنَّ عرسَ الشهيدِ ومضةُ رضوانٍ . من اللهِ فوحُهـا من غــارِ

وإذا السجنُ فُتِّحتْ لأولي العزَّةِ .   يومــا أبوابُــه من شِرارِ

وإذا ضاقت البلادُ بخطبٍ       من شواظ الأضغانِ والإنكارِ

 

وعلى حبل رفعةٍ علَّقَ الظلمُ . رؤوس الأبرارِ مثل الدراري

فاعلموا أنَّ موعدَ الفتحِ وافى      بخلاصٍ مؤكَّــدٍ وانتصارِ

ومن الركبِ (سيِّدٌ ) ورجالٌ       من أساطينِ عـزِّنا الزخَّـارِ

والسباعي بشامنا والهُوَيْدي وأبو الأعلى في مدارِ الفخارِ

والهضيبي وللمقامِ رجالٌ لم يبالوا في السعي في المضمارِ

جلَّ ربي هـمُ الأماجدُ عاشوا     في ليالي الشِّدَّاتِ كالأقمارِ

ذكرُهم بات فوقَ كلِّ لسانٍ        إنْ تباهى الحديث بالأطهارِ

ها همُ المسلمون في هدأةِ الفجرِ .   قيامٌ مع الأذانِ الساري

يتنادون للجهادِ وهـاهم             يتخطونَ وطأةِ الأسوارِ

لـم تغبْ عن مدارجِ الحقِّ نفسٌ    حضنتْهـا مساحبُ الأقمارِ

فالشبابُ الوثَّابُ في كلِّ حَدْبٍ    يرفعون الراياتِ دونَ الثَّــارِ

وتراهـم لايسأمون بليلٍ          ونهــارٍ عن صيحـةِ الإنذارِ

عيشُهم للــهِ الذي يجتبيهم من بني الأرضِ للنهوضِ المُثَارِ

حملوا في سبيله رايةَ الزحفِ .  ولـم يعرفوا طريقَ الفرارِ

ذاك مسعى شهيدِنا (حسنِ البنا) .   وهذا الطريقُ للأبــرارِ

إنهـا سُنَّةُ الإلـه بدنيـا                  ملأتهـا مكائد الكفَّـارِ

وسبيلٌ للأنبياءِ ومَن آمنَ .        بالدّيِنِ بعدهــم في الديارِ

سيلمُّ الشتاتَ نـورُ المثاني      ليس فيهم من يائسٍ خــوَّارِ

ويعودُ التوحيدُ بالقبسِ القدسيِّ . يحــدو بالموكبِ الجــرَّارِ

ويسودُ الإسلامُ دانيةَ الأرضِ .   وقاصي رحيبِهـا كالنَّهـارِ

ويعودُ الزمانُ بالعدلِ والخيرِ .   ويُعلي من مجدِه المنهـارِ

ويزيلُ السجونَ، إنَّ طغاةً      عمروهـا للقهرِ في إصرارِ

 

حـذَّرَ البنَّـا من أذاهـا وأوصى مَن تآخوا بالصَّبرِ من ذي الضَّواري

فعلى المؤمنين أن لايهونوا             رغـم حقدِ السَّفاحِ والخمَّـارِ

ويوالوا ماجاءَ في الذكرِ بعدًا        عن كذوبٍ لهم وعن سمسارِ

بين ليل الأسى وبين الأماني              رحمــةُ اللهِ القاهرِ الجبارِ

وكأني بالصبحِ يجلو كروبا              بعظيم التأييدِ في الأمصارِ

لن تنامَ الجراحُ فالغدُ آتٍ                   بدمارِ السجونِ والأوكارِ

فعيونُ المرابطين الرواني                     تتملَّى مطالعَ الأقـدارِ

آهِ يا مرشدَ الشبابِ تآخوا           رغم طوقِ الأذى بهذا الغمارِ

ما قعدنا عن الجهادِ ولكنْ             نتهادى كالنسر حين انتظارِ

نرمقُ الصبحَ والوغى باشتياقٍ          ورفيفَ البنودِ عبرَ القفارِ

فالميادين أهلُهـا ماتخلوا              عن جهادٍ على مدى الأدهارِ

وتميسُ الأرواحُ حبًّـا وشوقا               للجِنـانِ النَّديَّـةِ الأشجارِ

حائمات حينا تناجي وحينا                تتحرَّى الدُّنُوَّ في الإبكارِ

لك طوبى يا أيُّهـا الشيخُ هاهم          جندُ إسلامنا حـذاءَ المنارِ

يرقبون الميعادَ في يوم فتحٍ            ولأهـلِ المنارِ أحلى جِـوارِ

خيرةُ الخلقِ في زمانٍ تولى          عنه ما في أيامِه من قرارِ

قد بذلنا قلوبَنا سالماتٍ             داعياتٍ للخيرِ جمعَ الشِّرارِ

وسقاها الكريمُ كأسَ وفاءٍ               لـم تُصَرَّمْ حبالُه بالمرارِ

تعبدُ اللهَ في النهـارِ وترجو          رحمة اللهِ في سنى الأسحارِ

لم تهبْ رشقةَ الرصاصِ ولم تخشعْ .   لأسيافِ طغمةِ الجــزَّارِ

واشمخرتْ تقاتلُ الكفرَ تبًّـا             لفسادِ الكفارِ بالأحجارِ

في فلسطيننا الرجالُ تنادوا               لثباتٍ فليس من إنكارِ

 

شوقُنا أن نرى الأذانَ يدوِّي          لا كأشواقِ رنَّــةِ القيثارِ

حين داست على الفسادِ وألقتْ        للمهاوي بقيَّةَ الأوتارِ

هي لولا الإيمانُ أضرمتِ النارَ .         وألقتْ ديوانَه للنَّــارِ

أنا بالشعرِ كافرٌ إن تناسى          دعوةَ اللهِ أو شــدا للعــارِ

يإ إمامَ الهداةِ في عصرِنا الواجمِ . مهـلا فليس من أعـذارِ

لـم نكنْ إن تملَّكتْ هفواتُ الزيغِ .  نبراسَ جمعِنـا الجــرَّارِ

سيُدوِّي أذانُنــا ذاتَ يومٍ         ويعودُ الهُدَى بإذنِ الباري

فزتَ يا سيِّدي بجنةِ خلدٍ          وأعاديك في لظى من نارِ

وتساميتَ بالمزايا حِسانًا        وتهاووا في أسفلِ الأغـوارِ

عشتَ ترجو نجاتَهم من عذابٍ وتجافوا بئسَ الجفا من شعارِ

وبكلِّ الظروفِ وجهُـك يبدو     باسما مشرقا كوجـهِ النهـارِ

وعليك السلامُ من كلِّ قلبٍ         قد تغنَّى بالجودِ والإيثــارِ

قد تركتَ الميثاقَ يُرجَى لقومٍ  وهـُمُ الأوفياءُ أهـلُ النِّجــارِ

وقصيدة شريف قاسم *نشرت في مجلة المجتمع الكويتية ــــ العدد 659 ــــ وتاريخ 1404 هـ ، على ماكنت أتذكر منها من خلال بعض الأوراق التي كانت معي . ثم وصل أصل القصيدة الذي كُتب في ديرالزور ، مع بعض القصائد الأخرى التي يحتفظ بها أحد الأحباب ، وأرسلها إليَّ ــ فجزاه الله خيرا ــ وذلك منذ بضعة أيام ، وأما بقية الدواوين وجميع مافي المكتبة من كتب فقد أُخذت ، وتم تدمير البيت بالكامل . وهذا أصل القصيدة .

باتت مسهدة الأجفان:

رأى الأستاذ "بدر الدين الجارم "، وهو نجل الشاعر الكبير المرحوم "علي الجارم"، وقد قال هذه القصيدة سنة 1947هـ، وقد قالها لمَّا رأى تكاثر الناس والمريدين حول الإمام "البنا" بعد إحدى صلوات الجمعة.

باتت مسهدة الأجفان ترتقب تشكو الصبابة والمحبوب مقتربُ

هو الحياة التي أحيا بنسمته      هو الحبيب ومالي دونه أربُ

ودعت أنس شبابي بعد فرقته وكيف تصفو حياتي وهو محتجبُ

لما ذهلت أشاروا بالنحيب عسى يخفف الدمع ما بالنفس يصطخبُ

أين الدموع فأدعوها لتسعفني  ضنت علي بها الأجفان والهدبُ

حتى بدا مرشد الإخوان فابتهجت به النفوس وكادت قبل تلتهبُ

هو الشهاب الذي نرنو لطلعته هو الدواء لمن قد مسه وصبُ

إذا تحدث فالقرآن عدته     وإن تحدى سرى في ركبه الغلبُ

فليبق كل حسود ما بجعبته     بدا اليقين وزال الشك والريبُ

بيضاء ناصعة في الكون صفحته قد زانه الدين والأخلاق والأدبُ

بسعيكم أمة الإسلام قد نهضت تبغي الجهاد وبالأحداث ترتقبُ

فسر بها اليوم والرحمن يكلؤها أرى السفينة بالأمواج تضطربُ

لأنت أول مَن يرجى لنصرتها فيُنْصَرُ الحقُّ والإسلامُ والعربُ

المصدر :إخوان اون لاين

في مئوية الإمام المجدد حسن البنا:

وبهذه المناسبة كتب الشاعر الإسلامي مأمون فريز جرار يقول:

الخالدون     مع    السماء    سماء

يمضي الزمان وهم شهود في الورى

هم     للقلوب     منائر     وضّاءة

رسل    مضوا    فيه    بهدي   نبوة

في   كل   عصر   كوكب   متلألئ

يا  باعث  الإيمان  في  زمن طغت

جددت  أمر  الدين  في  هذا الزمان

حسن   وبالإحسان   عمرك  عامر

نوراً     أتيت     وللظلام     معاقل

لا   همة   تعلو   بهم   نحو   العلا

أسرى    هوان،    والهوى    ميزانهم

فحملت    هم   الدين   ترجو   بعثه

وجعلت    عنوان    الأخوة    واحة

لله     درك    في    حياتك    عبرة

أعجزت  من جاراك في سبل الهدى

مئة  مضت  وطوى  الزمان زمانها

ومضى  الزمان  وما  طواك مضيّه

هذي  (  الرسائل  )  للمسيرة  منهج

وإذا    الخطا   تاهت   وتاه   دليلها

درب   الشهادة   قد   دعاك  فجزته

قتلوك  ،  واعتقلوا الدموع ، وسلسلوا

قرعوا    الكؤوس    وأترعوها   نشوة

نفضوا     أياديهم     وقرّت    أنفس

قتلوك  ،  ما  قتلوك  ،  لكن أوقدت

قتلوك  وانفلق  الصباح  على المدى

في    كل    ركن    للأخوة   شعبة

ما   ينقمون  من  الدعاة  ؟  أحبُّهم

هم    أنبتوا    فيهم   بذور   تطرف

واستكبروا      وتجبروا      وتفرعنوا

كم   في   السجون  شواهد  مكتومة

يا   قائد   الشهداء   ما  زال  المدى

لا   وحدة   بنيت   ولا   وطن  علا

شيعا  غدا  صف  الدعاة  فأين من

يا   حاملي   الإسلام   كونوا   أهله

وشفاء     أمراض    الورى    لكنما

ضاقت    عقولهم   فضاق   سبيلهم

مُدّوا   الجسور   فلستم   حزباً   فلا

في   صفّ  بيت  الله  سوّوا  صفكم

أنتم     طليعة     نهضة    منشودة

والوعد     وعد    رسولنا    بخلافة

والفجر    آت    لا    يكذب    نوره

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في      أفقهم     تتلألأ     الأضواء

مثل    الرواسي   ما   لهنّ   مضاء

والدرب     من     أنوارهم    وضّاء

والصالحون   على   خطاهم  جاؤوا

يُجلى     الظلام     بنوره    ويُضاء

فيه     العقول     وعمّت    الأهواء

فصحَّ      وصفك     أنك     البناء

فالدرب     طيب    والمدى    أنداء

والمسلمون   على   الدروب   غثاء

فهم      عبيد      مطامع     وإماء

وديارهم      من      فرقة     أشلاء

في    أمة    هي   للخلاص   رجاء

يأوي     إلى     أفيائها    الصلحاء

عمر   قصير   ،   والحصاد   نماء

وامتد     في     خطواته    الإعياء

مذ    لاح   نجم   قد   علاه   بهاء

فالذكر    بعد    الموت   فيه   بقاء

ومن ( الوصايا ) في الدروب ضياء

فضياء    فكر    ك   للمتاه   جلاء

وتتابعت     من    بعدك    الشهداء

الأحزان   ،  واحتمل  الشهيد  نساء

لما    استطارت    بالردى   الأنباء

منهم     فهذي    الطعنة    النجلاء

من   وهج   جرحك   شعلة  شهباء

وترددت    في    العالم    الأصداء

وبكل      أرض      للدعاة     لواء

لهداهم       أم      أنهم      شرفاء

لما    استحلّوا    عرضهم   وأساؤوا

وتنمردوا     وتوهموا     ما    شاؤوا

أخفى    بشاعة    وجهها    الرقباء

وطنا     تغشي    وجهه    الظلماء

وتحكمت      بمصيرنا      الأعداء

عين   الدعاة   محجة   بيضاء   ؟

فالدين     درب     هداية     وعلاءُ

بعض  الدعاة  – وسامحوني – داء

والدين      مما      يهرفون     براء

تأسركم        الحزبية        العمياء

بجماعة        للمسلمين       سواء

في      بعثها     للعالمين     شفاء

للعدل       فيها      راية      علياء

إلا    الذي    في    ناظريه   عماء

وتلك هوية الإخوان:

ويدافع الشاعر المغربي محمد فريد الرياحي عن منهج الإخوان فيقول:

هم  الإخوان  ما دانوا

لهم   بالذكر   إشراق

لهم  بالنصر صولات

وتلك   مواعد  الإخوا

وتلك   ملاحم  الإخوا

وتلك  مجالس  الإخوا

وتلك   عزائم   الإخوا

وتلك   جوامع  الإخوا

وتلك  مكارم  الإخوان

وتلك  مواهب  الإخوا

وتلك   مراتب  الإخوا

وتلك   منازل  الإخوا

وتلك   هوية   الإخوا

فهل  تسطيع  عسكرة

بقاء    من   جنايتها

لقد   خسرت  وفتواها

ومثواها   من   الداريـ

ألا  فلتستجب  للحق

هي   الدنيا   مواقيت

وهل تنفع في الأخرى

مضيا   فاخلدوا  فيها

جزاء   بالذي   فعلت

موازين    لها   بالقسـ

وقول  بالهدى  فصل

هم الإخوان في مصر

لهم   روْح  من  الجنا

فلا خوف على الإخوا

هي الجنات قد فتحت

ألا  فاغشوا  مساكنها

رعى  الله  بني مصر

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وما  ضعفوا وما هانوا

من   الرؤيا   وفرقان

من    اللقيا   وأركان

ن في الرمضاء ميدان

ن    أرواح    وأبدان

ن    تذكير   وتبيان

ن     أوراد     وقرآن

ن   بالآيات   عرفان

ن  بالإحسان  إحسان

ن    تعمير   وبنيان

ن   عند  الله  عنوان

ن   جنات  ورضوان

ن    إسلام    وايمان

لها   بالمكر  سلطان

وهل  يرجى لها شان؟

من   البهتان  بطلان

ن  خذلان  وخسران

إن    الحق   سلطان

وهل  يبقيها  طغيان؟

نياشين      وتيجان؟

وما  في  النار غفران

وعدل   الله    برهان

ط    أحكام    وأوزان

وأمر     منه    إقران

لهم   مصر  وأوطان

ت  باليسرى  وريحان

ن   والجنات   أفنان

وما    فيهن    أحزان

ورب   الناس  رحمان

وهم  في  الله  إخوان

 

الإمام الشهيد حسن البنا:

وكتب الشاعر د. جابر قميحة يقول: رأيت الإمام الشهيد (1906- 1949م)،واستمعت إليه مرة واحدة في حياتي في أواسط الأربعينيات، كنت في قرابة العاشرة من عمرى آنذاك، وترك في نفسى أثرًا عميقًا جدًا. وبعد استشهاده بعامين رأيت أحد تلاميذه يخطب في مدينة المنصورة بمصر، وفى نبراته وطريقته بعض من سمات الإمام الشهيد، فكانت هذه الكلمات التي سجلتها في يومياتي سنة 1951م. أنقلها كما هي دون تعديل أو إضافة , وقد مضى على نظمها أربعة وخمسون عاما.

رأيته..

أمامَهُ من القلوبِ ألفُ ألفٍ تَسْمَعُ

رأيتُه كأنما يلحن الضياءَ والشفقْ

ويرسلُ النشيدَ من نياطِ قلبِه الكبيرْ

ترتيلةً من الذهبْ

قلْ يا إمامُ قُلْ…

وحينما سمعتُه يقولْ

«الله غايةُ الغاياتِ يا صحابْ»

رأيت فجرَ النورِ في الأفقْ

وألفَ ألفِ محرابٍ يُسبِّحُ

وكلَّ عينٍ في الضياء تَسْبَحُ

والأرضَ -يا للأرضِ- أصبحتْ سماءْ

والليلَ فجرًا مائجًا بأقدسِ الأسماءْ

وبحرَ سرِّ الله .. لا يُحَدْ

الحيُّ، والقيومُ والجبارُ

والسميعُ والعليمُ والغفورُ والأحدْ..

**********

قلْ يا إمامنا حَسَنْ

فكلُّ ما تقوله حَسَنْ

«زعيمنا محمدٌ.. له الولاء

وغيرهُ في عصرنا ادّعاءْ

وحبه فريضةٌ مؤكدة

صلى عليه الله والملائكةْ»

وعندها.. رأيُتُه… محمدا

وراية «العُقابِ» تمخرُ

وتحتها جنوده- إذ يزحفون.

نحو بدر.

وكلهم يفْديه بالعيونِ والقلوبِ والوَلَدْ

وكلهم أسدْ

يقينه بالله لا يحده أمدْ

رأيتهم فى كرِّهمْ وكرهمْ

والكافرين فى انكسارهم وفَرّهمْ

وعندها.. رأيتها «العقاب»

فى ازدهائها العظيم تَبتسِمْ

«قد جاء نصر الله , فاسجدوا

وهللوا.. وكبروه.. واحمدوا..»

***********

قلْ يا إمامنا حسنْ

فكلُّ ما تقوله حسنْ

وإنك البنَّاءُ فى السرَّاء والمحنْ

«الموتُ فى سبيل الله ..

أسمى الأمنيات والمننْ

قد خاب قوم طلقوا الجهادَ والجِلادَ

واستجابوا للوهنْ»

************

ونلْتَ يا إمامنا العظيمَ ما اشتَهَيْتْ

إلى السماء – سيدى – قد ارتقيت

إلى جوار الله – سيدى – لقد علَوتْ

وأخيراً:

هناك قصائد أخرى لبعض شعراء الدعوة في الثناء على جهاد الإمام وجهوده في الإصلاح والتربية.

نرجو من الله أن تتاح الفرصة للوصول إليها وتحليلها.

-يتبع-

 

[1] - عمر بهاء الدين الأميري – مجلة المسلمون – العدد الثاني.

نقنقلاً عن كتاب: موسوعة الشهداء، تأليف: عبد الحليم الكناني – منشورات دار البشير طنطا ، ط1 1414هـ - 1999م ص 170.

(span>[2] ) جريدة الشهاب السورية العدد (30) ، 18 ربيع ثان 1375هـ 4 كانون أول 1955م.

([3] ) مجلة "المسلمون" العدوان الثاني والثالث .

المزيد من المقالات...