sghdhhg961.jpg

ناقشت ندوة اليوم السّابع الثّقافيّة الأسبوعيّة المقدسيّة -عبر تقنيّة زووم مسرحيّة "دعني أعش دعني أمت" للكاتب الفلسطيني خيري حمدان.

افتتحت الأمسية مديرة النّدوة ديمة جمعة السمان فقالت:

ديمة جمعة السّمّان

مسرحية "دعني أعيش دعني أموت" لخيري حمدان

 واقع المواطن العربي المرير بين مطرقة الأنظمة المستبدّة وسندان الضّمير الحيّ

ما كانت مسرحية "دعني أعيش دعني أموت" للكاتب الفلسطيني خيري حمدان، ابن بلدة دير الشّرف في نابلس، المغترب في بلغاريا، سوى وصف دقيق لحياة المواطن العربي الذي يخضع لبعض الأنظمة العربية البالية، التي تفطع لسان الحقّ، وتكسر القلم الحرّ، وتشلّ العقل المفكّر. ولكل متمرّد على القوانين "حساب" يدفعه هو وأسرته، فالثّمن غالٍ جدّا. يعيش المواطن مقهورا، يحاربونه بلقمة عيشه، يقتلون سلامه الداخليّ..  يعيش تناقضا موجعا بين ما هو قائم وما يجب أن يكون. قوانين فرضت على الشّعب، فُصّلت على مقاس أصحاب القرار لتخدم مصالحهم على حساب المواطن المسكين الذي عليه أن يصفّق لهم مستسلما. يطأطىء رأسه ذليلا، فيهبّ الضمير الحيّ تارة مؤنّبا، وتارة معاتبا، خاصة وهو على فراش الموت، يحتضر. يعيش لحظات ندمٍ تزيد من عذاباته.

فلم يكن (سالم) سوى ضمير (محمود)، الذي كان على فراش الموت يحتضر، ينتظر انتقاله إلى عالم الأبديّة. عادت حياته إلى ذاكرته بتفاصيلها القاسية، كشريط يمرّ أمامه، يذكّره بعجزه، يواجهه بحقيقته الجبانة. فهو لم يتغلّب على خوفه. لم يقل لا في الوقت الذي كان عليه أن يرفض.

البيروقراطية الحمقاء حكمت الشّعوب بتفاصيلها المملّة لتزيد من قهرهم وتسرق وقتهم، وتقلّل من إنجازاتهم، تلهيهم عن أمور أخرى، كان لا بدّ أن يكون لهم دورا فيها؛ ليعيشوا إنسانيّتهم، كما هي بعض الدّول الأخرى التي احترمت مواطنيها، وقدّرت فيهم الإنسان.

مسرحيّة من فصل واحد، لخّصت واقع بعض الأنظمة العربية التي تروّض مواطنيها، وتجعل منه لعبة في أياديها.

فمنذ عام 1050 هجريّة، انحرفت البوصلة، وما عاد للعرب مكانة بين الأمم. بعد أن حكموا العالم وكانوا النموذج الذي يحتذى به. أخذه الغرب، واستفاد منه، فبنى عليه، وأصبح يقود العالم.

 فبينما تكبر وتنمو الأمم والشّعوب الأخرى، يبقي العرب يعيشون داخل قوقعة الموت، مجمّدين داخل قوانين ابتدعوها لتزيد من شللهم..يجترّون تاريخهم العريق، يعتقدون أنّهم أحياء، ولكنّهم  في حقيقة الأمر لا يمكن وصفهم سوى بِ "الأموات الأحياء". فلم يطولوا الحياة ولم يطولوا الموت.

 وممّا قالته د. روز اليوسف شعبان:

في لغة تشوبها الفكاهة ويجنح فيها الخيال، يصوّر الكاتب الحالة النفسيّة التي يمرّ بها محمود بعد أن  فارق العالم الدّنيويّ، فيقف أمام  سالم وهو شخص من العالم الآخر، الذي يبدأ في استجوابه عن حياته، وأخطائه وعن الأحزاب السياسيّة التي انتمى إليها، ويسجّل ذلك في بروتوكول، وكأنّه في محكمة يحاكم فيها كل من فارق الحياة قبل إصدار القرار بدخوله إلى الأبديّة. فيستغرب محمود هذا الأمر ويسأل سالم بسخرية:" ماذا تفعلون حين تقع الكوارث؟ هل تطلبون من آلاف الضحايا الانتظار طوال هذه المدّة لتسوية بروتوكولات الموت؟

فيردّ عليه سالم:" أنا عبد مأمور لا يمكنني مساعدتك، هل تريد أن ترى بأمّ عينيك الدستور وحزمة القوانين الداخليّة المنصوص عليها في المعاملات الأبديّة؟ هناك طلب كبير على الموت هذه الأيّام؛ لأنه بمنزلة الخلاص من التعب والإرهاق وضغط الدم وفقر الدم والسكري والسرطان".ص4

ثمّ يحدّث محمود سالم في سخرية عن عدّة مواضيع حدثت في بلاده وفي العالم العربي فنجده يقول:" كيف يمكن لجيش عربيّ أن يكون عبثيًّا؟ المخاطر تحيط بنا من كلّ جانب، والمعارضة تزداد قوّة، ولا بدّ من تلقينها درسًا في الطاعة لاستتباب الأمن".ص3

ومن خلال الحوار بين الإثنين يتمّ التطرّق إلى عدّة مواضيع  ينتقد من خلالها الكاتب الواقع المرير مثل : حقوق الإنسان التي هي حبر على ورق، البيروقراطيّة، غزّة التي يقول فيها محمود ما يلي:" كارثة غزّة ستلاحقني في القبر أيضًا. العالم العربي بين مناصر وشامت لمصير القطاع. هل قتلى غزّة شهداء أم مجرّد عابرين في الحلم الإسرائيليّ؟ بالمناسبة أين تبدأ الدولة وأين تنتهي المقاومة؟ لماذا جبهة المعارضة باردة؟".ص10

ثم ينتقد محمود الحريّة في الوطن العربي ويقارنها مع الحريّة في الغرب. ثم يدور حوار بين سالم ومحمود عن احتلال العرب لإسبانيا، فيرى محمود أن احتلالها خطأً  فلو بقيت دمشق أو بغداد أو القاهرة مركز الحضارة لكان ذلك أفضل. أمّا سالم فيعترض على ذلك ويرى أن احتلال الأندلس كان صائبًا، وأن المشكلة كانت في بذخ الملوك ولهوهم وانشغالهم عن أمور الدولة. وهكذا يستمر الحوار حتى يضيق محمود ذرعًا ويتمنّى أن ينتهي هذا الجدال الذي أرهقه وأتعبه، تحين ساعة الوداع وتسقط ورقة الحياة.

تذكّرني المسرحية برسالة الغفران لأبي العلاء المعرّي، وهي من أعظم كتب التراث العربي النقدي، وقد كتبها ردّا على رسالة ابن القارح، التي أرسلها  له، وكتب فيها عن عدّة أمور،  خاصّة شكاويه من أهل عصره ومن وزراء وسلاطين زمانه ومن هرمه وشيبه ومن الهموم والأحزان، ومن المصير المأساوي لزنادقة الإسلام وغير ذلك.

فيردّ عليه أبو العلاء المعرّي برسالة الغفران فيصف فيها ابن القارح في موقف الحشر، حيث ينتفض من قبره ليجد نفسه في الساحات يوم القيامة، ليتذكّر أنّ حسناته قليلة وقد لا تنفعه توبته، فيستجدي خازن الجنّة ليدخله لكنّه يرفض، ثم يحصل على الشفاعة من النبي، فيدخل الجنة وفيها يلتقي بالعديد من الشعراء فيحاورهم  ثم يزور ابن القارح جهنّم؛ ليتعرف على من دخلها من فلاسفة وشعراء، ثم يعود الى الجنة ليصل الى نعيم الفردوس الذي أعدّه الله تعالى.

أسلوب المعرّي ساخر في رسالته هذه واستطرد فيها إلى عدّة مواضيع ففيها علم كثير بالشعر وروايته ونقده وبالتاريخ وبالأماكن والأفراد والقرآن وتفسيره والحديث وغيرها.

وفي مسرحية "دعني أمت دعني أعش " نجد استطرادًا للكثير من المواضيع، بعضها وجدته مقحمًا في الحوار بين محمود وسالم، مثل ذكر المتنبي، محمود درويش، نجيب محفوظ، تشيخوف،ادوارد سعيد، ناجي العلي، جوزف كونراد، إضافة الى ذكر عدّة مواضيع  تتعلق بالسياسة، الحكّام العرب، الثورات، الحريّة، انتقاد الزعماء العرب، التخلّف الذي يسود العالم العربي، خشيتهم من الموسيقى،  هجرة الكثير من العرب إلى الغرب وغرق الكثير في البحر خلال الهجرة، وغير ذلك الكثير..مما يشتت ذهن القارئ ويبعده عن الفكرة المركزية اللافتة في المسرحية، ألا وهي وقوف الانسان أمام القضاء في العالم الآخر.

مع ذلك فإنّ الكاتب ينهي مسرحيته بالأمل فالنهاية بداية لحكاية أخرى .ص14.

والغريب  في المسرحية أنّ محمود يكشف عن فلسفة وجدانيّة في ساعة موته فيقول لسالم الذي سأله :" وماذا بعد أن تخيّم العتمة من حولنا؟ يجيبه محمود: ينبلج الضوء من قلب الظلام".ص15

تنتهي المسرحية برغبة سالم في دخول قصر الجنة مع محمود ويقوم بتمزيق البيانات والبروتوكول الذي سجّل فيه إجابات محمود عند استجوابه له. ثم يموت محمود فيكتب سالم: بدأ النزاع منذ عام 1050هجريّة، ساعة الوفاة ما تزال مستمرّة.ص16.

 فهل قصد الكاتب في ذلك أنّ بداية الانحطاط في الأمة العربية بدأت عام 1050 للهجرة والتي يقابلها 1640م فترة الخلافة العثمانية، وأنّ الضمير العربي ما زال ميّتًا إلى الآن؟ 

وقالت هدى أبو غوش:

نص مسرحيّ من فصل واحد، شخصيتان لروح واحدة، ما بين الواقع المرير والخيال، وبين الحياة والموت، نص تبرز فيه صورة المواطن العربي المقهور والمتعب من بيروقراطية التعامل معه والحدّ من قيمته، ويوجه الكاتب خيري حمدان من خلال شخصية محمود الذي يحتضر وينتظر الانتقال الى عالم الموتى نقده اللاذع للأنظمة العربية -التي لا تحترم المواطن- ولسياسة قمع الحريات.

في هذا النّص برزت نفسية المواطن العربي وصراعه في الحياة، فهو في حالة ضياع وتيه، يبحث عن أجوبة لأسئلة تراوده حول مصيره المقيد تحت نظام مستبد، الذي جعله مواطنا يتنفس الخوف والرعب، وحياته أشبه ببيانات صمّاء لا تعرف الرحمة.

وبرز الصراع النفسي من خلال شخصية محمود الذي يصارع ذاته المتعبة، التي تتمثل في شخصية سالم الذي يحاوره ويستجوبه ويستفزه في انتظار انتقاله للعالم الآخر، يقول سالم:"أنا انعكاسك أنت،أنا ضميرك وربما شيطانك"،وهذا الصراع وحوار الذات ما هو إلا انعكاس لحياة المواطن المكدسة بالضغوطات، فالحوار هو أيضا فضفضة لأرواح ماتت وهي على قيد الحياة.

فسالم هو الضمير الذي يعذبنا ويكشف عن العقل الباطني لأوجاعنا، خاصة الأوجاع السياسية التي تأبى النوم أو الرّحيل؛ فتؤثر على حياتنا أرواحنا وأجسادنا.

الصراع النفسي عند محمود هو في البحث عن الخلاص، خلاصه من المعاناة والتحررّ من الألم، فيبحث عن الأمن السياسي، والعيش بهدوء دون اغتيالات، هو المواطن الذي سئم الإنتظار الطويل، فيرفض أن يكون كغودو،والواقع الأليم رفضه أن يكون كمواطن دائما يقع الضحية، وهو الوحيد الذي يصلب، يرفض تكرار المآسي، توجعه لذا تعلو صرخة محمود حين يتوصل إلى أنه يشبه ناجي العلي، فيتمرد على نفسه بالنفي .يقول محمود:"أنا لست ناجي العلي"

وحتى ضميره سالم يرفض هذا الألم فيصرخ "لا تذكرني به أرجوك".

صراع محمود مع النفس، وهل هو مذنب في قضية غرق  ليلى، لماذا لم ينجح في إنقاذها؟ لكنه يتغلّب على الصراع من خلال مسامحة ليلى لمحمود وتبرئته من أي ذنب.

يظهر الأمل رغم الألم والقهر في وجه نصّ المسرحية في المسامحة مع النفس والآخرين، وفي النظر إلى الأمام وعدم جعل الماضي عائقا أمامنا، في مسامحة محمود للبحر الذي خطف ليلى.

وعلى الصعيد السياسي يبرز الأمل في تمزيق البيانات التي ترمز إلى ظلم السلطة الحاكمة للمواطن في نهاية النص المسرحي؛ لنتساءل هل وجدنا مفتاح الأمل والحلّ، أم هي رسالة الكاتب الذي ينير شمعة ظلام القهر في أنّ لا بدّ للقيد أن ينكسر؟

أمّا العنوان" دعني أعش،دعني أموت" فهو بحدّ ذاته يحمل التناقض والصراع النفسي صراع الحياة والموت، وممكن أن نفهم من العنوان صرخة المواطن العربي إمّا العيش في عيش بكرامة أو الموت وهو الخلاص الذي ينشده الكثيرون.

يشار في نهاية المسرحية أن محمود توفي في عام 1050 هجري أي في فترة العثمانيين، إشارة إلى بداية أزمة انحطاط الشرق نحو الهاوية وبداية مأساة العرب.

جاء الحوار في النّص بلغة بسيطة سهلة، وفيه ملامح الإستغراب والدهشة، والأُسلوب الساخر.

جاءت فكرة النص في النهاية عند تغيير مسار النقد السياسي لنقد  الهمّ الثقافي للتعبير والاحتجاج على حالة المثقف، الذي لم ينصفه الشرق، ربما لم لو استغنى عنها الكاتب لكان أفضل؛ لأنها جاءت غير مناسبة في وضعها في النهاية، كأنه انتقل سريعا لفكرة أُخرى تحتاج للتفاصيل.

وكتبت خالدية أبو جبل:

يطلّ علينا الضمير العربي الذي ما فتأ يكتب الشعارات ويتأرجح ما بين حلم وخيبة

وإرادة وخيانة، فما صورة هذا الموظف المسن إلا استحضارا لضمير المثقف العربي، الذي لا زالت الدهشة تحني ظهره، ولا يسعه أمام هذا الذهول إلا أن يكتب ويكتب كلاما لا يسمعه أحد، ولا يزداد هو إلا ضعف نظر بدليل ازدياد سمك النظارة الطبية، هو الضمير العربي الذي ظل قابعا يتغنى ببطولات وفتوحات ما كان قبل عام 1050هجري أي قبل بداية الحكم العثماني وتوالي الانكسارات والهزائم .التي خلّفت الفقر والجهل والتخلف والذعر والتهجير والاحتلال  والشتات .

فكان هذا الضمير الذي تمثل في شخص سالم صدى لحلم ورغبة الشعب العربي عامّة والفلسطيني خاصة، والذي قام بدور هذا الشعب المُتعب الذي يتمنى الموت ولا يلقاه محمود عبد الملك وحده، وهو القائل:

فأنا طوال عمري أشعر بأني مئة إنسان في شخص واحد" إذن هو الشعب المغلوب على أمره. المتهم في كل الأحيان وتحت حكم أي كان من الحكام، فهو مدان إن كان علمه أحمر شيوعيا (قلم أحمر )، وهو مدان إن كان علمه أخضر، كناية عن الأحزاب والحركات الإسلامية، وما يلحق بها من وصفها بالإرهاب.

ولا يكون محمودا أبدا إلا إذا كان عبدا للملك!

يأخذنا هذا الحوار الغريب بين محمود" الشعب" وسالم " الضمير" إلى المسافة غير الكبيرة بين ما يفكر به محمود وطريقة سالم في التعبير عنه .

حيث يلتقيان في حوار يصبُّ في نقد الأوضاع العربية المؤلمة على كل الأصعدة سياسية كانت أم أحتماعية واقتصادية أوثقافية.

من نفاق نابع من الخوف الأبدي من سوط الحاكم وسجنه، ومن خوف على لقمة عيش مرّة المذاق، عسيرة الهضم...

ومن ندم عقيم وتأنيب ضمير قاتل على "لا" لم تُقل في وقتها، ويخصُّ بها الشعوب العربية كافة، يوم ضياع فلسطين من أيديهم التي كبلتها قيود الأنظمة العربية وشُّح السلاح الصدئ أصلا.

هي قصة غرق ليلى ووقوف محمود عاحزا لأنه لا يتقن فنّ العوم! حتى صار يستعجل الموت للقائها في الآخرة؛ ليعتذر لها ويعانقها العناق الأبدي. شعب صار يرى خلاصه في موته كيف سيكون حاله في غزة الأسيرة؟ وما هو حجم التضحيات التي يقدمها لفك القيد؟ فإن لم ينعم بنصر على الأرض فاز بحرية في السماء.(المعتقد الديني في الحياة الأخرى بعد الموت).

ونرى حوارهما يقفز منتفضا لفترات قصيرة، لكنها هامة، مستذكرأن شجاعات من مروا على مرّ التاريخ العربي القديم والحديث، من خلال ذكر المتنبي ودرويش وادوارد سعيد ونجيب محفوظ، فذكر هؤلاء الأعلام  بالذات له دلالته الكبرى

لتميّز رسالتهم الأدبية الإنسانية الثورية، على سبيل المثال لا الحصر، رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ وما تحمله من انتقاد لتناحر الأديان وما تشير إليه أن طريق العلم هو الطريق الوحيد للنجاة.وفي حنظلة ناجي العلي التمرد الأبدي على الواقع المُغتَصِب لحق الانسان الفلسطيني.

وفي قول سالم عن درويش" درويش مضى هو الآخر، لكن قوافيه لم تكن عابرة"

هنا يظهر إيمان الكاتب متجليا، أن تغيير حال الأمّة يبدا بالوعي وهذا مهمة مثقفيها وأدبائها الذين " يحاولون كتابة الإنسانية مرّة أخرى" كما قال محمود.

هي دعوة صريحة لإنقاذ الإنسان من خلال إنقاذ إنسانيته ومشاعره المحبطة التي باتت متلبدة أمام منظر غرق "المهاجرين غير الشرعيين الباحثين عن السعادة في الغرب البعيد"

ولا يكون هذا الإنقاذ إلا من خلال سكب الموسيقى في أذن البشرية لإعادة بناء الروح الساميّة التي تمكّنها من الرؤيا بوضوح، فلا ينبلج الضوء الّا من قلب الظلام.

" سالم: وماذا بعد أن تخيّم العتمة من حولنا؟

محمود: ينبلج الضوء من قلب الظلام."

يموت محمود وهو واحد من المئة الذين عايشهم، ليبقى التسعة والتسعين، يستبشرون بصحوة ضمير كان قد شارف على الموت،

فها هي ورقة سالم( الضمير ) لم تسقط، وإن كان يفضل الموت واللحاق بمحمود طلبا للراحة، إلا انه ينهض متمردا ليمزق الأوراق والبيانات؛ ليتحرر من الوهم، فهو من قال :" كل شيء قابل للتغيير".

وقالت رائدة بو الصويّ:

مسرحية فيها تحليق في الخيال، تفكير ذكي خارج الصندوق.

في المسرحية عرض فلسفي لمواطن مغلوب على أمره . مظلوم

تحت ضغط نفسي كبير، يحلم بالراحة الأبدية والهدوء والسكينة، ولكنه وجد بعد الموت حسابا طويلا، كما جاء بالآية الكريمة:" إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا" صدق الله العظيم.

الكاتب متأثر بالأدب الغربي في المسرحية، مساحة واسعة للتفكير، مزيج دنيوي وأخروي. الكاتب عقد لنا الموت، المسرحية مثيرة وجميلة.

sgshsh960.jpg

   القصة كفن سردي كانت وما زالت تشدني بقوة من بين صنوف الأدب التي اهتم بها: القصة والرواية والشعر، وحين أهداني القاص د. أسامة المجالي مجموعته القصصية "طقوس التذكر المحرم" شكرته ولفت نظري العنوان الفرعي للمجموعة "ذاكرة المكان.. قصص وحكايا"، والحكايا شكل من أشكال القصة، والصديق العزيز د. اسامة أمين المجالي كاتب تابعت كتاباته منذ بدايات عام 2000م إن لم تخني الذاكرة، ولفتت نظري نصوصه السردية التي كانت تنشر عبر المجموعات البريدية قبل المنتديات وقبل وسائل التواصل الإجتماعي، فربطنا القلم بعلاقة طيبة حتى التقيته شخصيا في عمَّان في عام 2008م وتواصلت علاقتنا مع قلة اللقاءات بسبب طبيعة عمله كطبيب وبحكم سفري المستمر. 

   المجموعة والتي صدرت عن دار أزمنة في عمَّان في منتصف عام 2021م وأهداها بإهداء موجه يرتبط بالنصوص والفكرة فيها بالقول: "إلى أبي وأمي حراس الذاكرة وإلى أولادي زيد وقيس وشذا وحسان إمتداد هذه الذاكرة"، وقدم لها د. حكمت النوايسة والتي أكد فيها منذ البداية أن المجموعة قصصية بالقول: "تأتي هذه المجموعة القصصية.."، علما أنها صنفت بكلمة بالكاد ترى بأعلى صفحة الغلاف الداخلية بكلمة "نصوص"، وهي تتكون من 126 صفحة من القطع المتوسط وثلاثين نصا سرديا، ولوحة غلاف طغى عليها اللون البني بتدرجاته لإمرأة مسدولة الشعر وتلف حول جبينها قطعة من القماش تصل لتغطية عينيها وهي في حالة من التفكير أو التذكر، والمجموعة أخذت اسمها من النص القصصي الأول والذي تجري فيه احداث استذكار لهزيمة حزيران 1967م، فهل هذا التذكر لما جرى هو المحرم؟ وهل المطلوب كما في لوحة الغلاف أن نغمض أعيننا على جرحنا ولا نتذكر؟ هذا ما سنراه في جولة بين النصوص التي تراوحت بين الحكاية وبين القصة مع الفارق الفني بينهما والتي تراوحت في القصص بين ألم الوطن وبين ألم المواطن . 

   ألم الوطن: وهذه القصص تحدثت عن ألم الوطن وذاكرته، وهذا ما تجلى في النص الأول "طقوس التذكر المحرم" حيث استعاد هزيمة حزيران 1967م من خلال الطبيب الذي يضع على الوصفات للأدوية عبارة 5 حزيران متجاهلا الترتيب الرقمي للأشهر، ويرى ردات الفعل المختلفة لدى المرضى بفئاتهم العمرية المختلفة، فالكبار يستعيدون الذكرى بألم وخاصة تلك التي فاجأها المخاض وهي تقطع النهر، والكبار الذين يذكرون مشهد الجيش من خلال "استرجاع صورة أسراب الجنود المندحرين الحفاة ممزقي الثياب وهم يهيمون على وجوههم في الوديان والجبال بعد أن صدرت لهم الأوامر بالتراجع، التراجع العشوائي دون أية حماية من عتاد أو قوات مساندة أو طيران.."الخ، وهذه صورة رسمت تحمل في ثناياها كل ألم الوطن، وذلك الشاب العشريني الذي ينظر ببلاهة فهذه الذكرى لا مكان لها في ذاكرته، وتجلى ألم الوطن في النصين "قمر ليس لنا" 1+2" فيقول: "قمر هائل يبرز بهيا باسطا سطوعه وجلاله على الأشياء، ملقيا قصيدة حب مليئة بالإيماءات والرموز" بإشارة رمزية للوطن وما آل اليه من قمر ينير حتى أصبح يأكل أبناءه ويسير في طريق التحطم، وينهي النص بالقول: "تمتد يده تمتد، تحض القمر بقوة، يشد قبضته بود، تجرحه فوهة بركان صخري"، وفي النص الثاني يقول: "يسمع صوت ارتطام ثم صوت حطام وتتهاوى البقايا، بقايا القمر هاوية نحو الماء". 

   في نصوص أخرى تألق الكاتب بالحديث عن مدينة الزرقاء وتاريخها ونشأتها وذاكرة المكان وذاكرة الإنسان فيها، وعن شارع السعادة قلب الزرقاء في نصه "الزرقاء/ الشارع الأول" والذي اختصر الوطن فيه من خلال هذه المدينة المهمشة، ونصه "الزرقاء/ الشوارع الضيقة" وإن مال للسرد والبوح الوجداني أكثر من القصة فيه، وكذلك كان نفس الأسلوب بتفاوت في نصوصه التالية عن الزرقاء وهي: "الزرقاء/ السكة" ونصه "الزرقاء الواحة" ونصه "الزرقاء/ المجمع/ الإنتظار الأسطوري"، فهذه النصوص حفلت بالحديث عن معاناة الوطن والمواطن ما بين العاصمة وما بين المدن الأخرى المهمشة. 

   ألم المواطن: وتجلت في حكاية "قطعة نقد" والتي جاءت على لسان القطعة النقدية ذات فئة الخمسة قروش والمعروفة بين الناس بفئة "الشلن" عبر ثلاث مراحل زمنية عاشها المجتمع 1949/ 1978/ 1996م حيث فقد القطعة النقدية قيمتها عبر الزمن فمن قيمتها التي كانت تشتري "شوال برتقال يافاوي" او تسدد أجرة الباص من عمان إلى القدس حين كان "الشلن" وحسب قول الكاتب "يحكم ويرسم"، والآن يرفضه المتسول بالقول: "ماذا سأفعل أنا بهذا "الشلن، قبل أن يلف رأسه بازدراء"، وهذا يدلل على معاناة الناس من إنخفاض القدرة الشرائية للعملة عبر هذه الأعوام علما أن الانخفاض لا يتناسب مع قيمة الدخل للمواطن، ومن كان بعمري يتذكر قيمة الخمسة فلسات "التعريفة" ففي طفولتنا كان "الشلن" حلما بعيد التحقق، ونجد المعاناة تتكرر في القصة "انتظار أمام الغرفة 507" وهي تصور معاناة المواطن الذي يطلب منه أن يراجع جهاز أمني في الثامنة صباحا وينتظر كل يوم حتى انتهاء الدوام ليقولوا له "أن يعود في الثامنة من صباح الغد"، وكم هو عدد من عانى من ذلك وأنا بعض منهم، وأما في قصته الطويلة نسبيا تحت عنوان "القرية مفاتيح الإلتقاء والغربة" فقد أبدع فيها بالحديث عن صواب العودة للقرى وإحيائها من جديد فيقول: "هل كان يريد التحدث عن هموم الإنسان المحاصر بالمدينة والهموم اليومية وحملات التغريب التي تمارس عليه دون هوادة تستهدف اقتلاعه من جذوره المنسابة بهدوء وعمق في وطنه". 

   وهكذا نرى الكاتب يعيش الألم كمواطن من نواح متعددة تؤلمه وتتعبه، فالمواطن في نصوص الكتاب يشعر أن الوطن يتسرب من بين يديه ولا يترك إلا الألم في روحه، وفي قصة أخرى يكون الألم الشخصي والفكرة الفلسفية في قصته "الموت وتوم هانكس وألهاكم التكاثر" وهي من القصص المتميزة بهذه المجموعة.  

   ألم الوطن المحتل: وقد ظهر هذا في نصه بكاء الذي يظهر بكاء طفل قتل الاحتلال صديقه في غزة، وفي نصه "تسويات المتعبين" وإن كان هذا النص خرج عن فنية القصة وفنية الحكاية وكان أقرب لمقال سياسي من قصة، لكنه عبر عن رأي الكاتب تجاه من اتجهوا للتسوية بديلا عن الكفاح والنضال، فيقول قبل نهاية النص: "ففلسطين ليست ملكا لأحد إلا لشعبها كله الممتد في الزمان والمكان"، ونلاحظ أن بالكاد يخلو نص من النصوص من الحديث عن الوطن المحتل وعن المهجرين والنازحين قسرا خلال هزيمتي النكبة والنكسة. 

   القصة فن أدبي عالمي وقديم ومن اوائل الأساليب الأدبية وعرف لدى شعوب مختلفة في أنحاء العالم، كما عرف عند العرب أيضا ووردت القصص في القرآن الكريم، وإن تراوحت القصص بين الشعوب بين الواقعية وبين الخيال سواء الأدبي أو العلمي وبين الأسطورة، ونلاحظ أن د. أسامة المجالي اعتمد في نصوصه على أحداث واقعية أعاد صياغتها بأسلوبه الأدبي فكانت تترواح بين القصة والحكاية بطريقة سلسلة، وبشكل عام نجد اجماعا بين النقاد و"الأكاديميين" على أن القصة فن نثري يجب ان يعتمد على أسس أهمها الزمان والمكان والشخوص وعادة ما يكون شخص واحد بعكس الرواية، أو أحيانا عدة شخوص حسب طول القصة والحوار فيها، إضافة للحدث والفكرة التي يريد أن يوصلنا اليها الكاتب من خلال الوصول لها من خلال النص بدون مباشرة، والحبكة القصصية من عناصر القصة التي تجلب الانتباه بحيث لا تصبح القصة سرداً أقرب للخاطرة، والقصة من مقدمة وذروة ونهاية وقد يترك القاص النهايات مفتوحة لإثارة التساؤلات والإحتمالات في روح القارئ، فهذه العناصر هي التي تشكل القصة. 

   والمؤلف للكتاب امتلك القدرة القصصية وعناصرها وإن تفاوتت بين قصة وأخرى كما أشرت اعلاه لنصه "تسويات المتعبين"، وإن ظهر التأثير الفكري والتيار السياسي المقتنع به في العديد من النصوص ومنها على سبيل المثال قصته "نبض" وتتحدث عن انتماء شخص لمدينة في قطر عربي آخر ويريد ان يذهب ليقاتل ضد النظام الحاكم، وباعتقادي أنه لو لم يحدد النظام ولم يحدد المدينة لكان للقصة التي امتلكت عناصر القصة قوة أكثر، ونلاحظ أن الزمان ارتبط بتأريخ الكتابة وكذلك توثيق المكان الذي كتب به نصه مرفقا مع التاريخ، فمثلا نصه "طقوس التذكر المحرم" نرى أنه كتبه في غور الاردن المواجه لفلسطين وفي تاريخ هزيمة حزيران، بينما نصه "القرية مفاتيح الالتقاء والغربة أرفق التاريخ بقرية شيحان/ الكرك، وهذا ما سنلاحظه في كل النصوص، فنجد أن المكان والزمان ارتبط جيدا بالنص وأعطى القارئ في نهاية النص أن يعرف مسرح النص، فنجد نسبة من النصوص كانت في عمَّان ونصوص أخرى أكثر في الزرقاء وفي أمكنة أخرى مثل المفرق وشيحان ومعان وكلها في الأردن واسطنبول في تركيا والرياض ودير الكهف ومكة المكرمة في السعودية. 

 وفي العادة كان السارد هو الشخصية الرئيسة وإن دخلت بعض الشخوص الثانوية لأهمية دورها في السرد القصصي، ولكن كثير من النصوص خلت من عقدة القصة فأخذت طابع الحكاية وبعضها أخذ صفة المقال المغلف بالقصة، والرمزية بالقصص وهي من المسائل المهمة كان وجودها هامشيا في بعض القصص ومفقود في أخرى وبارزا في بعضها مثل قصة "انتظار أمام الغرفة 507"، وفي قصة "قطعة نقد" التي أنسنت القطعة النقدية "الشلن" وجعلها تتكلم وتروي حكايتها، وكذلك في قصة "الحلم الهارب" وفي "قمر ليس لنا" وفي نصوص أخرى، بينما مال إلى المباشرة في نصوص أخرى مثل "تسويات المتعبين" ونص "فرنكشتاين عراقي"، وأيضا نص"رسالة إلى زيد" ورغم انه ممتع إلا أن المباشرة في القصة تضعفها وتفقدها عناصرها الفنية وفي نص "الرماد"، وأيضا في نص "الياسمين والإسمنت" وفي نص "بياض غزير" وهو أميل للقصة، وفي نصوص أخرى ممتعة لكنها مالت للسرد والحكاية أكثر من القصة مثل نصوص روت ذاكرة مدينة الزرقاء، بينما في قصص أخرى تألق باحتواء النص بشكل جيد على كل أو معظم عناصر القصة مثل: "القطار" و"الطريدة" و"جنوبا" و"محطة" و"المنفى" و"مرافئ بعيدة" و"الجثة" و"عيد" و"صرخة" "الحلم الهارب" ومسرحها استنبول ومدينة أخرى ويوصلنا للفكرة التي تدفع القارئ للتفكير والسؤال بقوله في نهاية القصة: "ندرك عبثية بحثنا عن فرح هارب".  

   تمتعت بالتجوال بين جنبات "طقوس التذكر المحرم" وبغض النظر إن صنفت قصصا أو نصوص، إلا انها في غالبيتها احتوت عناصر القصة أو بعض منها، وكانت ممتعة وبعضها حملت أفكاراً تثير السؤال، لكنها بالتأكيد عبر عشرين عاما من كتابة النصوص ستختلف بالشكل والأسلوب، لكنها تبقى تمثل مراحل من أحداث عشناها اعادها لنا الكاتب عبر نصوص أدبية وقصص فنية، وفي نفس الوقت امتلك الجرأة في بعض النصوص بالحديث عن مسائل تعتبر من المحرمات، فهل كان الكاتب يبحث عن الفرح في وسط الألم، أم وصل إلى قناعة انه أدرك " عبثية بحثنا عن فرح هارب"؟. 

gshfsh9591.png

gshfsh9592.jpg

من أزقة المخيم، من حانات دمشق العتيقة، من ذكريات مقهورة، خرج الكاتب صالح حمدوني بنصوصه التي بين يديّ "زر وسط القميص"، ومن صوت فيروز يلوح في المقاهي وفي البال حين منعطف لحنين مارق. أرادَ أن يصنع من اللغة غيمةً جاهزةً للهطول، تحفزّ بذور القلب فتُنبتُ منه حُباً وصوراً وحكايات. خرج إلينا من معطف أرسطو حيث اعتبر الوسط هو الشجاعة لتوازنها الحرفي ما بين التهور والجبن.

خرج إلينا مبللاً بالأحلام الكثيرة والندوب، ولم يتورع لحظةً بأن يُحكم قبضتَه على الخوف ويطلق العنان لصوره الملتقطة من الماضي والحاضر، إلا أن الماضي كان حاضراً أكثر، لكأنه يسرد يوميات تطرأُ كل لحظة في بال الفكرة والوجع.

هذه السرود المتوشحة بالشعرية، تهجس بالوطن الكبير، والمخيم، والحب، والمرأة، والعتبات الكثيرة التي اعتلتها الذكريات القديمة والحزينة، تنتقل بين الفصحى والعامية انتقالا سلساً يخلو من الشدود أو النشاز، بل أعطى ذلك كاريزما خاصة للنص أفاضت عليه الكثير من الحيوية والبساطة الممتنعة وتجلى هذا الأمر- مثلاً- في كلماته التالية:

"أصلاً الدنيا مليانة صور وحكي.

صورٌ تبحثُ عن صور، جمل تعانق الكلام.

لكن وجهك عطر الحكي، ويديك صورة المعنى.

وطني حكاية ومنفى

برد ووجع وسطر بعد السهو، حب ونورس على شط البحر

وموجة ضاحكة تزحف بصمت لتلمس قدمك الغافلة".

قالها بلغة العارف، والعازف، والمتهكم على سخرية الزمن المتشظي في فناجين قهوتنا المرة، حيث تجرعناها سواسية مع غربتنا وبحثنا الطويل عن ممر أقصر مما نتخيل للعودة إلى ذلك المكان الذي انسلخنا عنه سلخاً وبتنا في المخيمات مجرد أرقام ولاجئين.

"ويعلو موجُ صدرك

أيّ غياب في حضورك سيدة التفاصيل

يا نهر الأغنيات

يا تعويذة الغائبين

أمطري فصولا من الشهوة والغياب ليخرج الربيع أخضر يانعاً في تفاصيل الجسد الإلهي

أمطري شوقا، حبا، لهفة، ليصير للروح وجهها الإنسي

فاللغة، مثلي، تجتاحها الرائحة"

وتتجلى صورة المرأة في نصوص الكتاب، إذ تلوح لنا من الزواريب الضيقة من مقهى النوفرة في دمشق، ويرتدّ طيفها في المخيم، ثم نتراشق الوجع بانتظاره ذوبان الثلج ليطلق سراحه من باب الهوى، وتلك النافدة الصغيرة التي شهدت على آلامه وتساؤلاته وانتظاره الطويل، أخذ الثلج مجده في تعذيبه وأصابعه تنشر أطراف الورق لتكتب ما تفضي إليه الروح.

وقد تقمّص صوت المرأة في مواضع كثيرة منها في "تعال ولا تأت" وفي "لا عرفانة فل، ولا عرفانة ابقي"، هذا التمرد والتنمر على الذكورة بكل ذلك الشغف والتحرر، بانطلاقة متوهجة لمشاعر أنثوية بحتة يعلوها الشغف والشجن.

كما أن صالح حمدوني مصورٌ فوتوغرافيّ، هذا يعني أنه سيد التفاصيل، يقتنص الفكرة، ويعصر منها الدهشة، لتصلنا صافية بغير ندوب، يختلس من خلف عدسته صقيع الأحلام، فتورق فجأة زيتونة طلّت من قفل صدئ، وتسطع شمس من بين غيمتين حالمتين بالمطر، كذلك فعل في نصوصه، فاقتنص التفاصيل، واستشهد بالنثر، وبزغ من بين مقتطفاتها حساً روائياً قد يكونه يوماً ما، إذا ما أحكم أزرار قميصه وكانت العروة متناً جيداً للفكرة.

وأختصر الحديث بقولي: إن نصوص صالح حمدوني في هذا الكتاب على بساطتها هي مفخخة، فلا نستطيع أن نجزم إلى أي شكل أدبي يمكن أن تنتمي، فتارة نراها نثرا حراً من التجنيس، وتارة قصصاً قصيرة، وتارة مشاهدَ صورٍ لغويةً، وتارة يوميات، إنها نصوص متلونة، وملونة تبدل جلدها حسبما تقتضيه الحالة الوجدانية للفكرة.

تأ ليف : داود سليمان العبيدي

قصة توضح ظهور الحق ولو بعد حين! وتبين أن العاقبة للصادقين، وأن ما ينزل بأصحاب المبادئ من محن يكون مدعاة للآخرين للتعرف بدعوتهم، وأن ذاكرة الناس تختزن معاناتهم، فلا تقوى الأيام على طمس ذكراهم! وقد دللت هذه القصة على ذلك من خلال مجموعة من الشباب المؤمن اختفوا عن الأنظار، بعيداً عن بطش ملك ظالم. وحين عاد أحدهم متلطفاً ليأتي لهم بالطعام وهو خائف يترقب، لم يكن يحسب أن أحوال الناس قد تغيرت مع أنه شاهد تغيراً في طريقة حياتهم وأسلوب معاملتهم.

تبدأ هذه القصة من وسطها، فقد استغرب هذا القادم الغريب مظاهر التغيير في المدينة التي كان يعرفها، ولم يدر كيف يصل إلى السوق؟! وأثار دهشة من لقيهم بثيابه ولهجته وتستره، فهو خائف من الملك الذي كان يأمر بالقبض على المؤمنين وقتلهم. وحين أخبره أحدهم أن ملك هذه المدينة رجل صالح مؤمن، صعق ولم يكد يصدق! وحين ذاع خبره طلب الملك إحضاره فازداد اختفاء.

وتوالت الشهادات أمام الملك عن نظافته وزيه وذكره لأسماء أناس لا يعرفهم أحد، ونفوره ممن يوهمه أنه يعرفه، متهماً بأنه يريد استدراجه لكي يعرف مكانه وأسماء إخوانه ليشي بهم إلى الملك الجبار! فيزداد الطلب عليه، ويؤتى به إلى الملك فيسأله عن شأنه وعن أصحابه فيخبره أنه ابن التاجر الذي قتله قبل شهر، وأنه ينتظر منه أن يصلبه كما فعل بغيره. ولكن كل ذلك لن يجعله يتراجع عن دينه! فيبين له الوزير أنه يتخيل أشياء لا وجود لها، وملكاً لا يعرفه أحد، فيصر الفتى على أنها المدينة التي يحكمها دقيانوس الجائر الكافر، الذي توجد صورته على الدراهم التي معه!!

وتتعقد الأمور فيزدادون حيرة، ويزداد هو خوفاً وتحسباً، لكن طاعناً في السن تجاوز المائة والعشرين يحل هذا الإشكال حين يسأله عن عدد الذين معه وصفاتهم وعن الملك الذي هربوا منه، فيتأكد أنهم الفتية الذين هربوا قبل مئات السنين قد بعثهم الله، وبدأت الصورة تتضح للفتى، وغمرت المدينة فرحة كبيرة، وراح الفتى يحدثهم عن معاناة المؤمنين وعن سبب اختفائه في الكهف مع أصحابه، وأنهم غلبهم النوم، ثم أفاقوا وهم يشعرون بالجوع، وأنهم أرسلوه ليأتي بالطعام، وهم ينتظرونه في الغار؛ فيطلبون منه الذهاب معه لإحضار إخوانه ويتهيأ الناس كأنهم في عيد، ويستذكرون قصتهم التي كان الآباء يتناقلوها.

ويتقدم الفتى ويخبر أصحابه بأن كل شيء قد تغير فقد هلك دقيانوس وآمن الناس، وأنهم لبثوا ثلاثمائة عام وزيادة. كان الناس ينتظرون متشوقين لرؤيتهم، والفتية يستمعون لصاحبهم وهو يحذرهم من فتنة جديدة أشد من فتنة دقيانوس، إنها فتنة الشهرة والظهور، ثم دعا ليؤمنوا على دعائه بأن يأخذهم الله إليه. وحين طال الانتظار أرسل الملك من يناديهم فوجدهم حول صرة الطعام، وليس فيهم من يجيب!

تداخل في هذه القصة الزمن الروائي والزمن التاريخي، وقد اعتمدت طريقة استرجاع الماضي، وكان للشخصيات التي أضافها الكاتب ومواقفها من الغريب والفتية، بُعد يرفع وتيرة الحركة في الحبكة من خلال التساؤلات والتعليقات والاندهاش.

وإذا كانت القصة قد ارتكزت في حدثها الأساسي على ما جرى للفتية، كما ورد في سورة الكهف، فقد كانت مثالاً ناجحاً على ما يمكن أن تقدمه القصة القرآنية من موضوعات تحتفي بقضايا كثيرة للإنسان، وعلى رأسها قضية الإيمان بالله تعالى!

والفكرة كما عالجها الكاتب في سياقها القرآني تلتقي مع قصة إبراهيم عاصي ( العريف عمر  ) ومع رواية (عمر يظهر في القدس) لنجيب الكيلاني في نقطة (العودة إلى الحياة) أيضاً ، والمفاجأة التي تصدم العائد، وقد تغيرت مظاهر الحياة، لكنها تختلف عنها في أن الخليفة عمر عندما عاد رأى المجتمع على غير ما يسره، في تفكك وانحطاط، في حين أن الفتية رأوا المجتمع – بعد عودتهم- كما يحبون وقد انتشر فيهم الإيمان. وكذلك اختلفت النهاية، فالخليفة اختفى بطريقة حيرت اليهود وجعلتهم نهباً لمختلف الظنون في حين أن الناس تأكدوا من موت الفتية وقالوا لنتخذن عليهم مسجداً !

sfgdhdjh9591.jpg

sfgdhdjh9592.jpg

   حين اهدتني الفنانة التشكيلية فاتن محمود الداود كتابها "أزاهير أفروديت" على هامش معرض عمَّان الدولي للكتاب، دققت الغلاف حيث لوحة فنية وعبارة "قراءات فنية" جعلتني اعتقد أني سأقرأ مقالات ودراسات أنجزتها الكاتبة واطلعت عليها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وكان محورها الفن التشكيلي، لكن حين بدأت بالقراءة كنت أجد نفسي في جولة بين نصوص مختلفة ولوحات للفنانة، فكانت عبارة "قراءات فنية" عبارة خادعة تحيل قارئها إلى فكرة النقد الفني، لكن فعليا كانت تقصد الكاتبة فيها هي عملية التمازج بين فكرة النص وارتباط هذه الفكرة باللوحة المرفقة، علما ان تصنيف الكتاب مع رقم الايداع في المكتبة الوطنية تحت تصنيف "النصوص الأدبية"، والكتاب هو الاصدار الأول للكاتبة من 110 صفحات من القطع المتوسط. 

   وعنوان الكتاب "أزهار أفروديت" أثار انتباهي فأفروديت تعرف أنها إلهة الحب، بينما وحسب ما وردت في الأساطير اليونانية فهي آلهة الحب والجمال والشهوة والجنس والبغاء، فهي إذاً آلهة الحب الجسدي والشهواني وليس كما يفهم البعض بأنها آلهة الحب "الرومانسي"؛ أو العذري كما في لغتنا وهو الحب المنزه عن الشهوات، وفي العبادة الوثنية في معبدها في أثينا كان الجنس جزءاً من العبادة، وأفروديت معروفة عند الرومان تحت مسمى فينوس، وتنسب اللات لدى العرب في الجاهلية أيضاً أنها نسخة أخرى من أفروديت أو فينوس، بينما هي إنانا عند السومريين وعشتار هي النسخة من افروديت عند البابليين، فأية أزهار سنجدها عند أفروديت؟ 

   لوحة الغلاف هي لوحة للكاتبة والفنانة فاتنة، مكونة من ثلاث نساء يرتدين قبعات مختلفة يجلسن بجوار بعضهن البعض، يرتدين اللون الأزرق الموشح بالإرجواني، ويحيط بهن فضاء اللوحة بتدرجات اللون الأزرق أيضا، وعلى الغلاف الأخير فقرة من النص الأول في الكتاب تعلوها صورة للمؤلفة، وكان الاهداء على صفحتين؛ الاهداء الأول لابنتيها الطفلتين التوأم ميس وزينة والإهداء الثاني إلى أمها التي رحلت تاركة ألم الفقد في روح الكاتبة. 

   أثناء قراءتي للكتاب وجدت أن الكاتبة والفنانة تراوحت نصوصها بين الحديث عن الفن والوجدانيات والقضايا المجتمعية، حتى شعرت أن لوحة الغلاف اشارة لهذه الكتابات من خلال النساء الثلاثة بالقبعات المختلفة، وكانت لوحات الفنانة ترافق عددا من النصوص، وهذا ما جعل النصوص عابرة للتجنيس فتنقلت بين أساليب أدبية مختلفة مما جعلها خارج اطار النقد الدقيق والموضوعي، وهذا اسلوب يذهب اليه بعض الكُتاب ليبتعدوا بعلم أو بغير علم عن النقد العلمي والأكاديمي الذي يتجه عادة لنقد الرواية والشعر والقصة، وكما أشرت في قراءات سابقة لكتب وضعتها جميعها تحت اسم "مرفأ السرديات" في كتابي "حلم فوق الغيم"، إن اساليب النقد لم تتطرق للخاطرة الا نادرا ولم يتحدث عنها إلا سيد قطب في بدايات القرن الماضي، وكذلك النصوص السردية غير المصنفة قصة أو شعر أو رواية تبقى القراءات النقدية لها شكل من انطباعات تتكون في روح القارئ.  

   الفن: في النص الأول والذي حمل عنوان التجربة الفنية وأشار للعلاقة بين الناقد الناجح واللوحة الفنية، واضح انه يتحدث بشكل غير مباشر عن تجربة الفنانة الفنية، وأشارت للفن الحديث وتمرده على الفن القديم، والنص الثاني تحت عنوان "عباءة الفن الراقي" تشير لنفس التجربة الفنية للفنانة، وقد أرفقت الفنانة بين النصين لوحة من ابداع ريشتها، وهي لوحة واقعية تمازجت بالرمزية، حيث صورت الفلاح الفلسطيني بكوفيته وزيه التقليدي ويحمل الفأس على كتفه، وبجواره المرأة الفلسطينية بالثوب المطرز ينظران من البعيد إلى أسوار الأقصى حيث تظهر قبة الصخرة، مع رمزيات ظهرت باللوحة كما الطيور التي ترمز للعودة، وسمكتين صغيرتين، والسمك لا علاقة له بالقدس حيث لا بحر هناك، وإن كنت أعتقد أنها رمزت بها للبحر المغتصب ومدينتها حيفا التي هُجر اهلها منها بقوة السلاح ابان نكبة 1948م، واللوحة متقاربة نسبيا من النصين ولكن ليس بالكامل. 

  وتعود للحديث بنص يحمل عنوان "فن"، عن تعريف الفن على لسان بعض الفنانين والفلاسفة والمهتمين، مرفقة النص بلوحة بريشتها لإمراتين تحملان الجرار على رؤوسهن مع فضاء جميل للوحة مفعم بفراشات ترمز للفرح، وتحدثت عن الفن التشكيلي في نصها "أهمية الفنون التشكيلية" فتقول في النص: "لا شك أن الفن هو من يخلق التوازن بين الحقيقة الحسية وتوتر الخيال وبين الحلم والواقع ونفي الفن من الحياة هو نفي الحياة بذاتها"، وتكمل الحديث عن دور الفن في نصها "رسوم فلذات أكبادنا" وهو نص مهم يبحث في رسومات الأطفال والضرورة للاهتمام بها فتقول ببعض من النص: "فالرسم عند الأطفال هو فن قائم بذاته وفن لا يستهان فيه يستقي منه الطفل كل خطوطه وألوانه من عقله الباطن اللاشعوري الذي اختزنه من محيطه وبيئته وعلاقته بالأفراد والمجتمع"، وتحدثت عن الإقتباس في الفن في نصها "الإقتباس الفني" وإن وقعت بخطأ الخلط بين التأثر وبين الاقتباس وشتان بينهما، فالتأثر حالة موجودة ولا خلاف عليها بعكس الاقتباس الذي يصل أحيانا الى سرقة اللوحات، وأيضا تحدثت عن الفن في نصها "الفن أولا أم الفنان" وطرحت فيه مجموعة من التساؤلات المهمة عن علاقة الفن بالفنان والعكس، وفي نصها الأخير عن الفن بعنوان "اللغة التشكيلية" وهو نص جميل تحدثت عن اللغة البصرية التي تبوح عما بداخلها بلغة اللون والفرشاة والرمز فتصبح اللوحات ناطقة. 

   الوجدانيات: من الحديث عن الفن تنتقل الى البوح الأدبي والوجداني مترافقا مع لوحات تكمل فكرة النصوص، فنجدها في نصها "حياة أخرى" تتحدث عن الذات فتقول: "تلك الذات التي فُرغت منذ زمن.. وآن الأوان لتلك الذات أن تملأ دلوها من جديد"، وكان الأجدر بالكاتبة أن لا تعيد استخدام كلمة الذات في عبارة "لتلك الذات" مرة ثانية في فقرة قصيرة، ولو قالت "وآن الأوان لها" لكان أفضل وأقوى، وتنهي النص بالقول: "أبدأ مرحلة جديدة دون استثناء.."، لترفق النص بلوحة عبرت عن الفكرة من خلال مشهد امرأة تجلس على مقعد بثوب أبيض يكشف عن كتفيها وساقيها وتغمض عينيها وكأنها في حالة حلم، وفوق شعرها لون أبيض وكأنه باقة من الزهر، وفي فضاء اللوحة تحلق اربعة فراشات بحجم مضخم، وخلفية اللوحة مازجت بين الأزرق الموشح بالغيم الأبيض في سماء اللوحة والأخضر المتمازج بالأصفر للقاعدة.  

   في نص آخر مختلف بالأسلوب والفكرة حمل عنوان "أرض التيه المقفرة"، بدأته بالقول: "هل هي ضياء أم وضاء تضيء خلفنا أم تنير عنان الغبراء بألسنتها اللاسعة الجميلة"، وكلمة لاسعة تعني مؤذية فكيف يترافق اللسع والايذاء مع الجمال؟، وتواصل بالنص أحاسيس الألم مترافقة مع لوحة جميلة لثلاث نساء يحملن الجرار على رؤوسهن ومتلفعات بالعباءات بفضاء ارجواني للوحة وأرض جرداء وثلاثة رموز تراوحت بين الحلم والواقع والهدف، لتنقلنا الى نص آخر ولوحة أخرى، حيث نصها "ترانيم" وهي وجدانيات من ثلاثة نصوص متصلة وتحمل فكرة تلخصها بالقول: "لا شرقية في سماع ترانيم العشق بكل الأطياف والزمكان، ولا غربية للتمسك بجذور العروبة والمروءة لتربة الجسد الأسمر"، وارفقت لوحة متميزة وجميلة بريشتها لأربع نساء وطفلتين يحملن الجرار على رؤوسهن بألوان مثيرة للفرح، بينما في نصها "قرع الطبول" وهو نص وجداني جميل تقول: "تتمايل الخصور على قرع طبول طال قرعها لحد أقصى مما يحتمله صيوان أذن أبت ألا تسمع سوى همس القلب المتعاف من جفاء مستديم" مرفقة بلوحة راقصة جميلة متناسقة مع النص لفتاتين في حالة رقص وطبول ورمزيات راقصة. 

   في نصها الوجداني "شباك جدتي" تتحدث عن ذاكرة الطفولة وبيت الجدة وشبابيكه فتقول: "شباك جدتي ليس كالشبابيك، بل هو صندوق حلم جميل"، وترفق النص بلوحتين لوجوه كهلين وليس امرأة مسنة كما المفترض، كما تألقت في نصوص وجدانية أخرى منها "إليه لا أعود" مرفقا مع لوحة متناسبة بألوانها ورمزياتها والفراشات فيها، وإن كانت اللوحة بها أخطاء كما قدم المرأة وأصابع القدم اضافة لملامح الوجه، وفي نصها "الرحيل" كان العنوان هو الفكرة التي ترافقت مع لوحة الغلاف، وفي نصها الوجداني "الكرسي" باحت بجمالية بوح الروح مترافقة مع لوحة معبرة وجميلة لإمرأة تجلس وهي بحالة من الهدوء بين الوان الفرح والفراشات التي نجدها تتكرر في لوحات الفنانة، وهذا البوح الوجداني يتكرر في باقي نصوص الكتاب مثل "رباط الفؤاد" و"جلست هي" و"تلك النظرات" و"معراج البقاء"، وجميعها ترافقت مع لوحات جميلة تناسب مع النصوص احيانا وتباعدت حين آخر.   

القضايا المجتمعية: ونراها في نصها "الطربوش" حيث تنتقل للحديث عن عادات وتقاليد أصبحت تحكم المجتمعات كما الطربوش الذي يلتف حول الرأس، وتطالب بنزعه كي يتطور المجتمع، وترفق النص بلوحة حالمة بالفرح والجمال حيث تعبر فيها عن أحلام الأطفال بغد أجمل مليء بالزهور والفراشات، وفي نصها "المهن تشحن الهمم" ركزت الحديث عن ضرورة الالتزام لمواصلة مسيرة النجاح، فتقول: "الحافز الذاتي هو وقود الإرادة والعزيمة معا"، وفي نصها "قبول الذات" تقول: "تقبل ذاتك وتقبل ما تحب وما تكره مشحونا بالعمل والمثابرة لأنهما هما عماد الإيجابية"، ولكن تقول في سياق النص: "هنا يكمن التفكير الايجابي الخاطئ"، واعتقد أن هذه عبارة غير دقيقة فلا يمكن أن يكون تفكير ايجابي وأن يكون خاطئا في نفس الوقت، فالنص مليء بالكلام المتناقض، وقد أرفقت مع النص لوحة جميلة من لوحاتها متناغمة مع النصين متكونة من خمس نساء بأثواب جميلة فرحة الألوان، وفضاء اللوحة جميل بين زرقة السماء ولون الأرض، وفي نصها "عقد النية" تحدثت عن أن: "عقد النية هي بمثابة الفعل الأول والأساسي للسعي، وأرفقت النص بلوحة لها تصور بها امرأة نحيفة مسدولة الشعر في حالة من التفكير والحيرة، وكأن الفنانة أرادت أن تقول أنه على سيدة اللوحة أن تعقد النية حتى تتخلص من الحيرة والتفكير. 

   وفي نصها "لست أنا إنه أنت" تتحدث عن نظرة الناس للناس بالحب والكراهية والخلاف فتقول: "حين لا يتفق البعض معك ويختلف، فإنه في الحقيقة يختلف مع الموقف والفكرة التي كونتها وليس معك شخصيا"، وأرفقت مع النص لوحة جميلة لإمرأة تحمل على رأسها قطعة تراثية وتحيطها التراثيات، وحقيقة لم أجد أية علاقة بين النص واللوحة، وتواصل حديثها عن مسائل نحتاجها في المجتمع كما الحديث في نصها "الإمتنان" عن ضرورة الامتنان في الحياة مرفقة النص بلوحة جميلة لأربعة نساء حفلت بالرمزيات وتناسبت مع اللوحات والفكرة في النص. 

   كتاب جميل بأفكار جميلة زادتها اللوحات جمالا، والنصوص فيه خلت من التعقيد وكانت مختصرة الحجم مكثفة للأفكار، واللوحات جرى اختيار غالبيتها بتناسق مع النصوص، ولكن كان المفترض تدقيق الكتاب جيدا من ناحية الأخطاء الاملائية والطباعية وبعض الهنات اللغوية، وأعتقد لو أن الكاتبة/ الفنانة اكملت كل قسم من المحتويات الثلاث ونشرته بكتاب مستقل، لكان بالتأكيد سيكون أجمل بدل القفزات بين النصوص المختلفة بالفكرة والهدف والأسلوب والتصنيف. 

المزيد من المقالات...