zbgfdghndgh9491.jpg

zbgfdghndgh9492.jpg           zbgfdghndgh9493.jpg

شيراز عناب  

صدر كتاب "وقت آخر للفرح- من أدب الرّسائل" لمحمود شقير وشيراز عنّاب عام 2020 عن مكتبة كل شيء في حيفا ضمن منشوراتها "سلسلة أغصان الزّيتون" للفتيات والفتيان، ويقع الكتاب في 102 صفحة من الحجم المتوسّط.

لسنا بحاجة إلى التّذكير بأنّ محمود شقير أديب كبير ورمز من رموزنا الأدبيّة، وهو يدهش النّقّاد وقرّاءه عندما يفاجئهم بجديد، وها هو بعد إبداعاته في كتابة القصة القصيرة للكبار وللأطفال، والأقصوصة -الذي هو أحد روّادها ومؤسّسيها-، الرّواية للكبار ولليافعين، اليوميّات، أدب الرّحلات، المراثي، المسرحيّة، السّيرة الذّاتيّة وغيرها، يطلّ علينا في العام 2020 برسائل تبادلها مع الكاتبة الفلسطينيّة شيراز عنّاب، وإذا كانت هذه الرّسائل تهدف التّعليم والتّربية في مجالات مختلفة، فلا بدّ هنا من التّذكير برسائله المتبادلة مع الأديبة حزامة حبايب "أكثر من حبّ" الذي صدر عام 2021، والذي يشكّل ثروة أدبيّة كبيرة. 

ما علينا سنعود إلى ما نحن بصدده، وهو "وقت آخر للفرح"، الموجّه للفتيات والفتيان، وبالتّأكيد فإنّ الكاتبة شيراز عنّاب محظوظة لمشاركتها في هذه الرّسائل مع أديب كبير بحجم محمود شقير.

وبنظرة سريعة على الغلاف الأوّل سيجد القارئ نفسه أمام كاتبين اتّفقا مسبقا على أن تكون هذه الرّسائل لفائدة الفتيات والفتيان، وبالتّالي فهي رسائل تعليميّة تربويّة طغى عليها أسلوب السّرد الرّوائيّ، والكتابة للأطفال ولليافعين ليست جديدة على أديبنا الكبير، فقد صدرت له كتب عديدة بهذا الخصوص، لذا فقد كان هو البادئ بالرّسائل، وكأنّي به يقود شريكته لتردّ على رسائله في المجال الذي رسمه لنفسه ولها. وبما أنّ الرّسائل ليست شخصيّة فقد اتّخذ لنفسه اسم "يزيد"، بينما اتّخذت شيراز عنّاب اسم نجلاء، ويزيد يتكلّم عن مدينته القدس، بينما نجلاء تتحدّث عن مدينتها نابلس، وبهذا درس في التّاريخ والجغرافيا عن مدينتين فلسطينيّتين عريقتين.

لكن لم يفت الأديب شقير أن يمرّ على مدينة أريحا حيث التقى الكاتبة عنّاب، فهذه المدينة الأقدم في العالم والتي عمرها عشرة آلاف عام.

ولا يغيب عن ذهن الأديب شقير كما هو الحال في كتاباته كافّة التّذكير بفسيفساء الشّعب الفلسطينيّ والتّعدّديّة الثّقافيّة في فلسطين الوطن، ففي فلسطين الدّيانتان الإسلاميّة والمسيحيّة، فمنذ البداية عرّف يزيد صديقته نجلاء على زميله وابن صفّه جريس وشقيقته سوسن، ولتأكيد قدسيّة دور العبادة "نذهب انا وأمّي وأبي إلى المسجد وإلى الكنيسة في كلّ عيد"ص8. وبهذا تأكيد على أنّ المساجد والكنائس جزء من الحضارة الفلسطينيّة، وبالتّالي على الجميع حمايتها والحفاظ عليها.

وإذا كان لقاء شقير وعنّاب عام 2011 في مدينة أريحا، حيث اعتبر وزراء الثّقافة في الدّول العربيّة والإسلاميّة "القدس عاصمة دائمة للثّقافة العربيّة واٍلاسلاميّة". وبما أنّ هذا كان مجرّد شعار لا أكثر، فقد جاء في رسالة شقير الأولى معزّيا نفسه:" على الأقلّ، يكفيها الجانب المعنويّ النّاتج عن الاعتراف بها."ص6.

في الرّسائل تحدّث الكاتبان عن مدينتيهما، وعادا إلى تاريخهما القديم، فعلى أبواب نابلس تحطّمت جيوش نابليون، والقدس تعرّضت للهدم سبع عشرة مرّة، لكنّ الغزاة والمحتلين اندحروا مهزومين خائبين، وبقيت القدس مكانها، وهذا إشارة إلى النّهاية الحتميّة للغزاة المحتلّين الحاليّين.

في الرّسائل فضحٌ لممارسات الاحتلال القمعيّة لأبناء شعبنا، سواء كان ذلك بالقتل والأسْر، بمصادرة الأراضي والإستيطان، هدم البيوت، قطع الأشجار وحرق المزروعات، سلب الأمن والأمان من المواطنين الفلسطينيّين، وانتهاك حرماتهم وخصوصيّاتهم.

كما فيها دعوة لمواصلة التّعليم وزيادة الثّقافة من خلال الحثّ على مطالعة الكتب القيّمة، وحبّ الموسيقى، الفنون، المسرح، الغناء، الرّياضة...إلخ. إعطاء النّساء حقوقهنّ، وقد تطرّقت عنّاب إلى الحجاب، وكتبت أنّه ليست ضدّه، ومن حقّ أي فتاة أن تضعه، لكنها ترفض فرضه بالقوّة عليها.

لغة الرّسائل انسيابّة سهلة تناسب الجيل المستهدف.

هذا الكتاب يشكّل إضافة نوعيّة لأدب اليافعين، ولا تغني الكتابة السّريعة عنه من ضرورة مطالعته.

dfghdhjdg9491.jpg

dfghdhjdg9492.jpg

   الشعر إحساس وشعور يتم التعبير عنه بالحرف والكلمة.. هكذا يعرفه الغالبية وأنا منهم، لكن حين بدأت اقرأ في كتاب: "مهرة الحكاية" شعرت أن الحالة انتقلت من مجرد الشعور الى مرحلة من الغياب والإنفصال عن الواقع المحيط والتحليق في سر الأصابع والقوافي العنيدة، فالشاعرة والناقدة هدلا القصار بحروفها وصورها ولوحات الكتاب والفكرة كانت مهرة برية متمردة عصية على الترويض والتدجين، نشرت الشاعرة المجموعة عام 2015 في غزة والتي احتوت على 124 صفحة من القطع المتوسط وتسعة وأربعين نصا، والهدلاء لبنانية الجنسية وفلسطينية الهوية بحكم الزواج، مقدما للكتاب الشاعر والكاتب الناقد كريم القاسم من العراق، مع لوحة غلاف أمامية لفارسة تمتطي الخيل فوق الغيوم رأيتها ترمز للشاعرة، سادها اللون الأزرق وتدرجاته بلوحة جميلة، والغلاف الخلفي بلون أزرق علت جانبه صورة الشاعرة وكلمات نقشتها على الغلاف الخلفي، وهي كما اللوحة مريحة للنفس والعين جاذبة للقارئ، ليبحث عن سر الأصابع المتمردة في مهرة الحكاية، وقد صَنفت الكتاب تحت بند "نصوص" لاحتواء الكتاب على نصوص نثرية وسردية وليس شعر فقط. 

   من البدايات يلفت الاهداء النظر ويثير التساؤل، فهو اهداء من ثلاث فقرات فقرته الأولى خرجت عن المألوف بعد الجملة الأولى حين قالت فيه: "إلى الأصدقاء الذين تناوبوا على قتل أحلام "مهرة الحكاية" وابتزاز انكسارها، إلى الذين حاصروها وحاولوا دفنها بين الأحياء الأموات، والى الصديق الذي سرق نصوصها وما ملكته من قريحة الشعر"، بينما الفقرات الأخرى فهي اهداء تقليدي لأصدقاء لهم دور بالدعم والمساندة، ولكن الفقرة الملفتة للنظر تشير لخيبات أمل بأشخاص كانوا يبنون علاقتهم تحت يافطة أصدقاء ولكن الصداقة منهم براء. 

   منذ أن قرأت الكتاب في قراءة أولية حين وصلني من الشاعرة قبل فترة همست لنفسي: هذا الكتاب كُتبت حروفه بأصابع تمسك قلم بالخيال، تحلق في فضاءات خاصة، مهرة تروي حكايتها من فوق الغيوم، ولكنها تمازج الواقع في نصوصها، تستمد من كل حدث أو حكاية رواية شٍعرها فبدأت الديوان بمخاطبة الشعر بالنص الأول بالقول: " أيها الشعرُ القابعُ خلف رياحِ الغسقِ"، وكلما تجولنا في الكتاب وجدنا مجموعة من المسائل التي تثيرها وتتحدث عنها، وقد اخترت بعضها للحديث عنها من خلال ما قرأت من نصوص محلقة، فروحها تجول بين الأنا، الحلم، الرغبة.  

  الأنا تظهر في العديد من النصوص، ففي نصها: "بين المقعد والنبض" تقول: فلْيبْقَ زهدُكَ ملاذاً، لتفاصيلِ الأصابعِ المغمسةِ، بريشةِ أناي المرصوفةِ في قبضةِ الحروفِ"، والأنا تبرز في عنوان النص الذي يحصر الحديث بين مقعد الجلوس والنبض في مساحة محدودة، والحروف حروفها، والأنا ذاتها، أما في قصيدتها المتميزة بالجمال والصياغة "ابتكار انثى" فقد تجلت الأنا والافتخار بالنفس والاعتزاز بها، فتقول في مقطع منها: "لألملمَ  ريشاً رطبا، وأنطقَ حجراً أبيضَ في ليلٍ يلدُ كلَّ الأصواتِ، ليفيضَ نبضاً عارياً من سيلانِ الحياةِ، من هديلِ صمتِ الجفونِ المترامي، فوق جسورِ الشفتينِ"، وواضح انها تخاطب شخص ما في هذا النص من خلال هذا المقطع: "أَيُّها المبتكرُ مِنْ أنوثتي، فلتنْسَ حـاضرَك الآن، وتقفزْ من تقليمِ أظافري.. وعطرِ صدري، من بحرِي..."، وفي قصيدتها "رغبات النبوءة" وهي قصيدة تستحق قراءة مستفيضة تظهر الأنا بشكل آخر ورمزية جميلة استمدتها من مناسك الحج والطواف واخترت منها هذا المقطع: "ورَبَّمَا كَانَ يَجِبُ أنْ أَعُوُدَ إِلَيّ، وَأنْفَضَ بَكَارَةَ الوَقْتِ، أهْمِسَ، وَأَطُوْفَ، فَوْقَ سَبْع كَلِمَاتٍ، قَبْلَ بُزُوغِ الفَجْرِ، لتَكْتَمِلَ النُّبُوءَةُ.. كَمَا أُرِيْدُ، اِكْتَمَلَتْ عُذْرِيَّتِي وَلَمْ تكتملِ النُّبُوْءَةُ، فِي عتمَةِ وُضُوْحِ غَيْمَةِ"، وعبارة:"فَوْقَ سَبْع كَلِمَاتٍ" ذكرتني بعبارة أم المؤمنين زينب بنت جحش حين قالت: (وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات). 

   والأنا تظهر في قصيدتها: "سيد اللا شيء" وهي تتحدث عن شخص ما فتقول: "خائفةٍ من صراحةِ البوحْ، نسيَ أنه ما زال كعصفورٍ ينحني لأجنحتي، قبل أن يتكاثرَ عليه غبارُ الزمنِ..، أو يموتُ في ملاذِ مقعدهِ، بعد أن يدخلَ مدرسةَ النقدِ، ويأكلَ من موائد نقدي"، وفي نصها عراف الذاكرة تتحدث عن ذاتها فتقول: "تبحث عن قصيدةٍ فقدت برعمَها، في عزلةِ الذاتِ، على ترابِ الفجرِ"، وعن ذلك العاشق الذي: "بصمتٍ يترنحُ إليَّ، بخيولِ شوقهِ الجامحِ، ليمارسَ نشاطَ الحواسِ، بنباتِ حُلمٍ نام على حافةِ صخرةِ، لعل النسيمَ يجمعُ، قصدَه..، وقصيدتي.."، والأنا والذات تبرز في قصيدتها المختلفة عن كل القصائد والنصوص والتي منحت الكتاب اسمه "مهرة الحكاية" والتي شعرت أنها حكاية الشاعرة/ المهرة كما هي بكل ما مرت به من أزمات في حياتها وصمودها في وجه الريح والعواصف، فتقول: "من خطواتِ ضيوف الليلِ، ودسائسِهم المتناوبةِ على همسِ أساطيرِهم، خلسةً فوق السطورِ، لترويضِ مهرةٍ ... تصارعُ ثيرانَ الجهلِ"، وتظهر الأنا في العديد من القصائد ومنها: "إمرأة تشرين" والتي كتبتها في ذكرى ميلادها.  

   الحلم: الأحلام لم تفارق النصوص، فهي تقول عن حروفها: "تلملمُ قصصَ الإناءِ، المتنقلةَ من حلمٍ إلى شاطئِ الأرحامِ"، وفي نصها "علبة الأصابع" تقول" أن نزرعَ أحلامَنا في الوسائدِ"، بينما تتجلى الأحلام في نصها "بحر الأبدية" وهي تخاطب لوركا أقتطف من هذه الأحلام إحداها: "لـــوركــــا ..هل تهبني شغفاً آخرَ ،وليلةً بأربعين جنونا؟"، والحلم لدى الشاعرة لا يقتصر على الحلم الشخصي فهي تحلم مع الوطن أيضا وهذا ما يتجسد في قصيدتها: "كي لا تحبل القصيدة" وهو عنوان رمزي كبير فالوطن هو القصيدة والخشية عليه من الاحتلال، فنراها تحلق من قلب موجوع: "وربما مازال هناكَ رصيفٌ يضيء!، ليرفعَنا على رفِّ الأنواءِ، هكذا هي الأوطانُ"، وهذا الحلم يأتي من قلب الوجع فهي تقول أيضا: "لم يعدْ لنا ما نعبرُ به الحياةَ، سوى الاختصارِ بالموتِ المرشحِ للجميع، أو ننامُ مع الظلِ، مادام السريرُ سداسيَ المنحنى، كي لا تحبلَ القصيدةُ من الأنينِ الأبيض"، وتتساءل: "كيف لنا أن نحتفظَ بعذريةِ الروحِ، وهويةِ الميلادِ؟".   

   ويستمر الحلم في قصيدة "ظل منقار" بالقول: "لذكرى تضيفُ خطوة، باتجاهِ دفترِ الهمسِ"، وأيضا في نصها "إنتصاب الرؤية" بقولها: " أتوقُ إلى من يمسكُ يد الحلمِ، أو يُدخلُني رغبة الحياة، يُرشدُني إلى الدرب المجهول"، وفي نفس النص تقول: "أيها اللامرئي، خُذْ بيدي لأنهي ابتكارَ الحلم، بلغة اليقين وترطيبِ الوريد، حين أتركُ رأسي بين الكتفِين، لتهدأَ الأروحُ في مكانِها"، وفي نصها: "مهرة الحكاية" يبرز الحلم أيضا بقولها: "تزرعُ المدينةَ شرودَها، تنتظرُ مَنْ يَسْكنُ دربِها، الهاربَ إلى سلالةِ الفينيقِ"، والكلمة الأخيرة تؤكد ما قلته عن هذه القصيدة أعلاه فهي تعيد نفسها الى سلالة الفينيق الذين حكموا لبنان كلبنانية الجنسية والتاريخ والإنتماء، ويبقى الحلم يجول القصائد ومنها: "إشارة العودة"، "هزار الشجن"، وفي نصها "في لغة المواسم" تتحدث كثيرا عن الحلم وبعض مما تقوله: " الحلمُ وحدَه الحقيقةُ، ولعبةُ الفكرِ المترفعِ". 

   الرغبة: في نصها "علبة الأصابع" تشير لرغباتها فتهمس: ""ليس سراً!، لو وضعنا ركنَ العشقِ في بردهِ المحمومِ، ليس سراً أن نعشقَ دون نزواتٍ" وفي نفس النص تقول: "وخيباتِ شهوةِ العبورِ"، وأيضا تهمس: "أو نعري الأسرارَ،وخريطةَ الرغبةِ حتى آآآآآخر الطريقِ"، وبتقديري ان علبة الأصابع رمزية لأحاديث التواصل الاجتماعي، حيث الاحاديث عبر الأصابع وهذا ما نراه بآخر النص بقولها: "وليس سراً،  أن نرتشفَ من علبةِ الأصابعِ، سرَّ معنى الكلماتْ"، وفي شطرة سابقة بقولها: "ليس سراً أن نخبئ سرَّنا في علبةِ الأصابعِ، أو نجرحَ دون شظايا"، وفي قصيدتها "رغبات النبوءة" تتألق الرغبة بقولها: "قَيْد اللَّحْظَةِ!!   ثِمَةَ رَغْبَةٌ مُوْجِعَةٌ"، وفي نصها "نشوة الرهبان" تتجلى الرغبة بالقول: "إليكَ أُصوبُ نهدَ الشَّوقِ، وسفناً تفكُ أحلامَ الغيمِ، على بساطِ حنينٍ تجاوزَ حدودَ الخوفِ، يدعوننا لنكملَ الفجرَ معاً، نهذي بشفاهٍ ترسمُ بقايا الأمنياتِ".  

   والرغبة تظهر بين حروف النصوص بأشكال مختلفة بين التصريح الواضح وبين الإشارات الرمزية مما يمنحها جمال آخر وهذا ما نراه في قصيدة "غيمة صيف" وهي رمزية بالعنوان وبما قالته مثل: "حيثُ توهجُ زهرةِ الأغنياتِ، تزلزلُ كأساً عاريةً إلا من العين الثالثةِ، المخمورةِ برعشةٍ مملوءة بالقبلاتِ"، وتبرز الرغبة كفكرة لها معانيها من خلال الرمزية في نصها "محض احتمال" بقولها: "ربما كان الغيابُ فكرةً، تحتكرُ الموقفَ عنوةً، أو ترسمَ خارطةَ جيوشِ المللِ، في غنجِ العتمةِ"، وكذلك في نصها: "أوتار التيقن" بقولها: "وذات ليـلــــةٍ!، سألملم ريشَا لأصحو على نسرٍ عارٍ"، وفي القصيدة الأخيرة بالكتاب "ليلة بكحل القصيدة" كان للرغبة وجودها في أكثر من مقطع اخترت منها: "لك أن ترتب فصول اشتهائي، فالشتاء عندي صياما، وصيفي عصفورا برونق الاشتهاء، وربيعي ألفة مكورة، وخريفي مخطط للعود"، وتظهر الرغبة في نصها: "مهرة الحكاية" بقولها: "لا لالا أحـــدَ، يرطّبُ سهولَها المجففةَ، لا أحـــــدَ !يدرك قطاف الحلم من قلبِ الحياةِ، قبل أن تقتحم خطواتُها غنجَ الفراغِ، المنذرَ بحريق كنوزِها الخرساءَ، المتحدية مواء الوجع وهبوبَ المأساةِ"، ونجد الرغبة تتكرر في العديد من النصوص ومنها: "موعد الغواية"، "حرارة وهم"، "إشارة العودة"، وكذلك في نص: "غناء المسافة" حيث تقول: "لا احدَ مثـلـك، يملكُ تلك الكلماتِ الشقيةَ، وحدك المسافةُ بين الشيءِ و الشيءِ، تأتي من شبقِ النعاس، تحملُ أسدَ الشهواتْ، كهلوسةِ الشعرِ للشعراءْ"، وفي نفس النص تقول: "وحدكَ من أشتهي ثـلـجَه، وجنونَ خمرِ من يداه، وحـــدك..، ينامُ الليلُ بك عاشقاً"، وفي نصها "لغة المواسم" تتبدى الرغبة بهذا المقطع من ضمن عدة مقاطع تحمل نفس الفكرة: "هل سأجوعك من جديدْ؟، بعد أن مرروا الأحصنةَ في الليالي الستون، حيث رقد نهارٌ مجنونٌ، وليلٌ فرشَ قصائدَه، فوق سريرٍ حنون، حين خرجُت كنجمةٍ ترتعشُ، لقمرٍ يرسلُ صلاةَ الخلاصِ!".  

   ولم تخلُ نصوص الكتاب من أفكار وفضاءات أخرى غير التي بحثت فيها، وهذه الأفكار تتجلى في نصها "أوتار التيقن" حيث تطرح في كل فقرة من النص فكرة وكلها تدور حول الحياة ونهايتها، والرثاء الحزين المعبر عن وفاء لصديق رحل في قصيدة: "الرحيل والدمع"، والتساؤلات في نص: "نرد الغياب"، وفلسفة حياتية في نص "دم حزيران" وفي نص: "عرس المحاكمة"، وفي نص:"على وتر اللحظة"، ونص: "أقنعة السيرك"، وفي نص: "قبل الصلاة"، كما في نص: رفات" ايضا، وفي نص:"ليست قصيدة" وهي تهمس:"لذكرٍ لم تلمسْه الرجولةُ " وفي نص: "شظايا قلم" وهو فلسفة للعلاقات المجتمعية، وكذلك أفكار جميلة في نص: "بلا موائد"، وفي نص: "مزاج أسود"، ونص: "إستياء الخواطر"، وهناك في نصها المطول "أوراق سريالية" فلسفة في الحياة عبر مراحلها عبر ثلاثة نصوص، وكذلك يبرز الرفض في نصها: "رضاب" حين تقول: "تسافرُ في أسلحةِ الكلامِ، كي لا تنحني عند ركبةِ فرعونْ"، وهناك نصوص أخرى كان الوطن فضائها مثل: "وسائد الشياطين"، ونص: "هللويا".  

   والخلاصة بعدما حلقت روحي في هذه النصوص التي تراوحت مستويات الشعر فيها، إلا أني تمتعت بجولتي فالشعر الجميل هو وجه آخر للإنسان وواقعه، وكلما حلقت الروح من الواقع الى خيال الشاعر كلما ازداد الجمال، فالشعر يختلف عن الأصناف الأدبية الأخرى مثل الرواية والقصة بأنه حالة من التحليق الروحي، وهنا نجد أنفسنا أمام عمل متقن وشاعرة متمكنة بالإمساك بالحروف والكلمات، تصيغها عبر رمزية مقبولة ومعبرة كما لوحات شعرية، أجادت فيها العزف على الجرس الموسيقي وعلى التعبير عن الفكرة والأحاسيس التي كانت تشعر بها في كل نص، ونستطيع أن نشعر بحجم التأثيرات النفسية على النصوص المصاغة، كما نشعر بمساحة من الدلالات النفسية فيها أيضا، فقد كانت تجول بما يعتري النفس والروح من عاطفة، فحلقت في فضاء من الأنا والحلم والرغبة والقلق والوطن والحياة والحنين والواقع والعلاقات الاجتماعية والوجوه المتناقضة فيها، فنجد النصوص مركبة من هذه المشاعر والأحاسيس، عبرت عنها بعفوية بدون الابتعاد عن الخصائص الشعرية من كلمات ومفردات لغوية وتعابير ورمزية وبنية شعرية ووحدة الفكرة في كل نص، هذه الوحدة التي تركت نفسها على الكتاب بأكمله فظهر كأنه رواية للخاص والعام والأنا والآخر، فلم يكن بين النصوص فراغ بل كانت ممتلئة بالحركة، سلطت الضوء على خبايا المجتمع فأبرزت الألوان بشكل متوازن، وأحب أن أشير لآخر ثلاثة نصوص في الكتاب تحت عناوين: "لا بد من ضوء"، "جنون يشبه الذكرى"، "رسالة خاصة"، وهي نصوص نثرية جميلة وكان الأجدر أن لا ترفق بالكتاب كي يحمل صفة ديوان شعر، وأعتقد ان الكاتبة لو سارت بجوار الشعر والأبحاث في مسار الوجدانيات لأبدعت فيها، وفي النهاية أعود الى نصها "محض احتمال"، وأهمس للشاعرة إلى متى: "تظل كنجمةٍ تاهت عن حليبِ الفكرِ، تغني ما تبقى من ساعاتِ الليل". 

dfgsfnjuh949.jpg

يظن البعض أن الأساس في هذه الحياة هو الفرح والبهجة، وأن الشعور بالألم والبؤس ما هو إلا إحساس متسلل متطفل على الإنسان، يعكر صفو أيامه ثم لا يلبث أن ينقضي ويزول، فكثيراً ما تكون الحياة مزيجاً من الابتسامات، الدموع والحزن، الذي يعتبر ظاهرة واضحة في الأدب العربي، قديمةٌ قدم الإبداع به، مع الفرق بين المعاناة من الحزن وتجسيده كفلسفة في الأدب.

 الشاعرة الفلسطينية سلمى جبران، عبّرت في ديوانها الشعري "رباعيَّة لاجئة في وطن الحداد" عن صرختها التي تنبثق من عمق الحب، الألم والحزن، والإحساس باليأس، الفقد والشعور بالوحدة. يتكون هذا الديوان من أربعة أجزاء كل جزء منه في كتاب منفصل يشكل فصلا من سيرة الشّاعرة الذاتية الشّعرية، وعناوين هذه الأجزاء هي: "دائرة الفقدان" "الحلم خارج الدائرة" "متاهة الحبّ" "حوار مع الذّات"، جميعها صدرت عن "دار نينوى للدّراسات والنّشر والتّوزيع" في دمشق.

عن هذه الرباعية تقول الشاعرة جبران: انتَظرَت رباعيّتي في  الدرج بين ( 18 إلى 20 عاما )  إلى أن زارتني صديقة بالصدفة، فقامت بإقناعي أنَّ هذا الشعر لا ينبغي أن يظل حبيس الأدراج، وأن علي نشره.

كتبُت جبران عن خلجاتِ قلبها ووصفت نبضات جرحها وما ألمَّ بها من ألم ووجع بعد فقدانها لزوجها، حكت  لنا عن معاناتها كامرأة أرملة وأم، وتنوعت مواضيعها فطرحت ما جال في نفسها عن الحبّ، الفقدان والشوق، الظلم  الاجتماعي الواقع على المرأة، وكذلك اضطهاد المرأة  للمرأة، والحياة في ظل واقع العقليَّة القبليَّة الذكورية. 

تميّز شعرُها بعذوبته ورقته، بدفئه وصدقه، هو نابض بمعاني الحريَّة والمفاهيم الإنسانيَّة، مُشبّعٌ  بجمال خيالها الخصب وصورها الشعرية المدهشة، وتعابيرها البلاغيَّة المبتكرة، لجماله موسيقى خاصة تطربُ الروح وتنعش القلبَ والوجدان.

حضرت نفَحات الحزن الدافئة بين السطور بكثافة. تقول الشاعرة:

وأنوح أبكي ساعة

وتذيب جسمي لوعة الحسرات

فأعود للنبع المقدس

أنهل الأسفار والآيات

فيضج في صدري نشيدي

يغرق الكلمات في كلماتي

فيعيد في روحي الحياة.

يسكن الإيقاع سلمى جبران، تمزجه بين الفكر والعاطفة، تقول عن أمومتها في قصيدتها "قلبٌ يتيم":

أحس دمعة

تموت كل يوم

في مآقيَّ وفي حنجرتي

تخنقها محبتي

لطفلي اليتيم

وتمحي آثارها

بلمسة الأنامل الصغيرة

ولم يزل لهيبها

يهب في جوارحي

ويحرق الحياة في

القلب اليتيم

يهجره النور فينطفئ

لكن نور حبي

لا يزول

بل يبعث الحياة

في أمومتي

نستشفُّ من هذا الديوان عمق تجربتها الشعرية الإبداعية، خصوبتها وعمق أبعادها الإنسانيَّة، سلاسة أسلوبها وسحره، فقد عبَّرتُ بقصائدها عن خوالج نفسها لتتمكن من العودة سالمة إلى دائرةِ الحياةِ بعد المرور بتجربة مؤلمة، فحضرت إلينا سطورها كمقطوعات موسيقية بلغة سلسة واضحة بسيطة، لم تختبئ جبران خلف الرموز، وآثَرَت البوح الحزين والوفاء لحبيبٍ ترجل راحلا، تُحدّت واقع المرأة الصعب بمدلولٍ تلوّن وتشكل بألفاظه وصوره، ونمَّقَت شعرها بجودة وزاوجت بين التّميز اللغويّ وواقعيّة المضمون، فما عايشته روحها من تجارب قادها للابتعاد عن الطريقة التقليدية للقصيدة، وبثراء لغويّ وألفاظ بسيطة مستقاة من روحِ البيئة والمحيط، حاورت الإنسان وناجت السّماء. وفي الحب كان لها فلسفة خاصة، فقد كان العنصر الأكثر طغيانا في قصائدها. تقول الشاعرة في قصيدة "الحب نور":

عشقت في الإنسان

حبا يرتوي

بمتعة العطاء

عشقت فيه حبا

خالصا لا يعرف

الزيف والرياء

تذوب فيه النفس

والأحقاد تنطفئ

وتهدر الأهواء

 اعتمدت الشاعرة على بعض الرّموز والإيحاءات في قصائدها، وهذا ما ظهر واضحا جليا، دالاً على ثقافتها الواسعة ورهافة حسّها، فدّواوين أربعة تُنتَجُ على مرِّ السّنين، تبوح لنا من خلالها عن فلسفتها الخاصة في الحياة وأحلامها الإنسانيّة، هذا يعني أنها تتعمّق في قصائدها ومعانيها حدّ التأمل والقداسة، وأنها تُعيد بناء نفسها كل يوم، وتتقدم معتمدة على قوتها الروحية، إيمانها بنفسها شخصيتها، فكرها ثقافتها وقصيدتها.

ويبدو أن شاعرتنا تملكها الإحساس بأنها تمادت في حزنها، فختمت ديوانها بقصيدة "اللاوعي: حيث قالت:

تماديت حزنا

شعرت بأني

أعاقر في مقلتيك

خمورا تخدر روحي

وتسلب من ساعديَّ قواي

فحطمت وعيي لأدخل

في مدى غيبوبتي

وتهيج في صدري مُناي

وتروح تعبثُ مقلتاك

بخافقي فأذوب

لا أدري إذا جنَّ

الهوى في داخلي

أم أن لا- وعيي

في لحظة

مرت عصورٌ

غيبت أمواجها

وهج الدماغ

حسبتُ أن

الكون يرفضُ

أيّ عاشقةٍ سوايَ.

zjudgdjdj9491.jpg

ديمة جمعة السّمان

zjudgdjdj9492.jpg

zjudgdjdj9493.jpg           zjudgdjdj9494.jpg

شيراز عناب  

رسائل مطمئنة لفئة عمرية حرجة تحتاج للتعزيز والدعم النفسي.

أدب الرسائل هو من الفنون الأدبية الجميلة التي تمنح الأديب مساحة من الحرية لتمرير نصوصه بصورة تخدم الهدف دون تقييده بعقدة، أو إلزامه بأحداث مترابطة متتالية تحد من حجم المعلومات التي يود أن يبثها عبر نصه، ومع ذلك هي ليست سهلة على الإطلاق، تحتاج إلى أسلوب ذكي لبق، من المفترض أن تجمع بين الأحداث الخاصة والعامة، وإلا فما الذي يهم القارىء إن لم تتوفر في الرسائل معلومات عامة تشكل له إضافة تغني معلوماته؟

أما الخاصة فهي التي تزين النصوص وتمنحها الرونق الذي (يؤنسنها) ويجعلها قريبة من القلب، أشبه ما يكون بأدب البوح، يتضمن تجارب خاضها الراوي وخرج منها بدروس مستفادة.

فإن نجحت الرسائل الأدبية في الجمع بين الأمرين بتوازن، خاصة إذا كانت مغموسة بالطرفة والأحداث اللطيفة المسلية، تحقق النصوص نجاحا، وتعتبر إضافة نوعية للقارىء.

وعلى صعيد آخر، يجب الأخذ بعين الاعتبار توفر حالة التناغم والتفاعل بين المتراسلين، كي تأخذ طابعا إنسانيا، وإلا لكان ليس أكثر من نص جاف يضخ المعلومات المجردة والتي لا يستسيغها القارىء، وتتسبب له بالملل.

لا شك أن  كتاب( وقت آخر للفرح)، الذي صدر عن مكتبة كل شيء الحيفاوية، والذي تضمن رسائل بين الكاتبين محمود شقير وشيراز عناب، موجها لفئة الفتيات والفتيان، قد حقق الشروط بامتياز.

تحدث شقير عن مدينته القدس، وتحدثت عناب عن مدينتها نابلس. وتطرقا أيضا لمدن أخرى بأسلوب جميل دون إقحام.

تطرق الكاتبان للجغرافية والتاريخ والحياة الاجتماعية والسياسية والوطنية والاقتصادية في فلسطين، كما ركزا بصورة كبيرة على الحالة النفسية للمراهقين والمراهقات والمراحل التي يمرون بها، والمغامرات التي يخوضونها بحثا عن الذات، ومدى حاجتهم للدعم النفسي.

كان هناك نوع من البوح الرقيق لفئة عمرية تحتاج إلى العناية والرعاية والاحتضان.

وقد كان الاحتلال حاضرا بكل ما يحمل من جبروت وظلم وممارسات احتلالية تهدف إلى تهجير المواطن الفلسطيني الذي يتعرض للظلم والقهر.

كما تضمنت الرسائل العديد من التجارب التي خضع لها يزيد ونجلاء والأهل والأصدقاء. تضمنت الرسائل نصائح غير مباشرة، من خلال قصص تم ذكرها وتضمنت الحكمة.

كانت هناك دعوة للبقاء في الوطن رغم كل ما يشهده المواطن الفلسطيني من اضطهاد وعجز. فمهما كانت مشاعر الظلم فلن تكون أشد قسوة من مشاعر الغربة في وطن ليس لك.

كان هناك دعوة للعودة إلى التراث في المناسبات الاجتماعية، كالأعراس مثلا.

رسائل ذكية أشادت بالفنون والابداع، وتحدثت عن أهميتها، ودعت إلى زيارة المعارض الفنية، وعلاقة الإنسان بها، كما أشارت إلى استخفاف البعض بها باعتبارها مضيعة للوقت، أو حتى محرمة.

تم التركيز على ضرورة الاستثمار بالطاقات، وعلى الإنسان أن يثبت نفسه بالأفعال وليس بالكلام. والبعد عن النمطية التي تتعارض مع الابداع. فالذكاءات متعددة، والعلامات التي يسجلها المدرس على ورقة امتحان الطالب لا تعني أكثر من رقم، فلكل فرد اهتماماته وإبداعاته.

أمّا المؤسسات النسوية فقد حضرت أيضا في الرسائل من خلال الإشادة بعملها المتواصل الذي يطالب بحقوق المرأة.

وقت آخر للفرح رسائل مطمئنة لفئة عمرية حرجة تحتاج للتعزيز والدعم النفسي.

خاصة في وطن محتل، يعيش فيه المراهق القلق والتوتر الذي يتسبب له بالكوابيس التي ترافقه في كل ليلة بعد أن يضع رأسه على وسادته، آملا أن يحلم حلما يسعده، كأي فتى آخر في مكان غير "فلسطين".

عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة ؛ صدر كتاب « أصداء ما بعد الحداثة » للباحث والناقد "د. مصطفى عطية جمعة".

الكتاب يقع في 244 صفحة من القطع الكبير ، ويناقش تجليات ما بعد الحداثة في مجالات مختلفة ، في الشعر ، والفن التشكيلي ، والثقافة والتاريخ والإبداع. أي أنه يرنو إلى التطبيق ، دون أن يبتعد عن التنظير ، أو بالأدق يحاول أن يزاوج ما بين التنظير والتطبيق ، ليطرح أسئلة من واقع التطبيق في الإبداع ، على ما تمَّ تنظيره في الفكر.

يتضمن الكتاب سبع دراسات نُشرت في مجلات علمية محكِّمة ، ومجلات متخصصة في مصر وخارجها ، في أزمنة مختلفة ، ولكنها كُتبت من رؤية واحدة ، وهي النظرة إلى آفاق ما بعد الحداثة في الثقافة العربية وإبداعاتها ، وكذلك في حركة الفكر العالمي.

الدراسة الأولى ، تناولت علاقة ما بعد الحداثة بقصيدة النثر ، من خلال أمثلة من الشعر الكويتي المعاصر ، فقصيدة النثر باتت عنوانًا على التحرُّر الشعري الإبداعي ، أنجزت الكثير جماليًا ، وأبانت عن مساحات أخرى لشغب الذات المبدعة مع نفسها ومع الحياة والأحياء ، لنكتشف في النهاية أن الإبداع العربي يواكب حركية الإبداع العالمي ، وأن الإنسان العربي يعاني غُربةً وتمردًا ، وعبثيةً وحيرةً ، وقد فاضت قصيدة النثر بكثيرٍ منها ، وأوضحت أن المبدع العربي لا ينفصل عن حركة الفكر العالمي.

وناقشت الدراسة الثانية ما بعد الحداثة والفن التشكيلي ، فكثير من الإبداعات التشكيلية الآن هي امتداد لفكر ما بعد الحداثة في تجلياته البصرية ، على مستوى الخامات المستخدمة ، والرؤى المقدمة ، وأن جزءًا من فناني ما بعد الحداثة في الغرب والشرق ، ساروا مع موجة العولمة ، وأضحوا يوظِّفون الإبداع التشكيلي ضمن المتطلبات الرأسمالية ، ساخرين من إغراق فناني الحداثة التشكيليين في الغموض والرمزية ، وفضَّلوا أن يكون الفن ضمن الاستخدام التجاري ، ومستفيدًا من الإمكانات التكنولوجية الحديثة.

وناقشت الدراسة الثالثة ظاهرة الموت المعنوي في الفكر الغربي المعاصر، أي موت الثقافة ، وموت السياسة ، وما يتصل بهما من موت المؤلف وموت الناقد وموت المترجم. من خلال طروحات ما بعد الحداثة في قراءتها للظواهر الاجتماعية والثقافية في الغرب.

أمَّا الدراسة الرابعة فهي تركِّز على أهمية قيادة المبدعين للأُمم ، وتجادل في أن هناك نوعين من القيادة : قيادة بيروقراطية تقليدية ، وقيادة مبدعة ، موهوبة في فهم حركة المجتمعات ، وتمتلك خيالاً واسعًا يُعبِّر عن نبض الجماهير. وتأتي رؤية ما بعد الحداثة تنتصر للعنصر البشري الفردي ، في مواجهة طروحات الحداثة التي كانت تروِّج دائمًا لما هو جمعي وقومي ، دون اعتبار كثير للفردية المبدعة.

الدراسة الخامسة تناقش مفهوم الكتابة عَبْر النوعية ، برؤية ما بعد الحداثة للأجناس الأدبية ، التي تنحاز لتخطي حدود الجنس الأدبي ، وعدم التقيد الصارم به ، فيمكن أن نجد رواية بلغة الشعر ، أو بروح الدراما ، ويمكن أن نقرأ شعرًا مُصاغًا برؤية درامية في مقاطعه ، ممتزجة بأجواء صوفية ، أو مُطعَّم بلُغات أُخرى. مما يعني نشوء أشكال أدبية جديدة ، وتكوين ذائقة لدى المتلقي المعاصر ، الذي تهمشت الكلمة المكتوبة في حياته وانحاز كثيرًا لما هو مرئي ومسموع.

الدراسة السادسة تتوسع في قراءة التاريخ وفق منظور ما بعد الحداثة ، وأبرز المآخذ على الرؤى الحداثية في قراءة التاريخ ، والتي اعتمدت الأُحادية سبيلاً لها ، فهناك القراءة الماركسية المستندة إلى المادية الجدلية ، والقراءة القومية التي تنتصر لما هو قومي ، وقد تُهمل عناصر أخرى ، بدعوى عدم انتمائهم القومي ، وما رافقها من إشكالات عديدة ، تتصل بهوية الشعوب ، والقراءات للتراث ، وتعيد المكانة لكثير من المهمل في تاريخ الشعوب ، مثل التاريخ الشفاهي ، والمهمشين ، وتاريخ الأقليات ، ورفض التاريخ الرسمي المكتوب من قبل السلطة ومن يناصرها وغير ذلك.

وجاءت الدراسة السابعة والأخيرة قراءةً في كتاب ، ينظر في أزمة الهوية في العالم العربي ، وموقفها من الدولة الحديثة التي تمَّ تطبيقها في أعقاب التحرُّر من الاحتلال الأجنبي ، وما صاحب ذلك من إخفاقات وإنجازات ، فهي قراءة من منظور ما بعد الحداثة ، لمنجز التحديث في الدول القُطرية العربية ، وأزمة الإنسان العربي المعاصر على صعيد الانتماء ، وتعزيز القيم والأخلاقيات المستقاة من التراث.

المزيد من المقالات...