sdgdnrt905.jpg

مهمّة الفلسطيني ألّا ينسى، هذه هي الحكمة البالغة التي تدور حولها رواية الكاتب الفلسطيني خليل عانيني "رحلة البحث عن العريان". فقد أولت الرواية أهمّيّة قصوى لفعل التذكّر ومقاومة النسيان، هذا الفعل "التذكّر" الذي يجيء في سياقه مناهضاً للمشروع الاستيطانيّ الاحتلاليّ في فلسطين القائم على المحو والتغيير والإحلال. فالإسرائيلي يريد لنا أن ننسى كلّ شيء، فلذلك يظلّ متشبّثاً بحلمه ومقولته في أنّ الكبار سيموتون والصغار سينسون. خليل عانيني يقاوم هذه المقولة في هذه الرواية مقاومة عميقة، وذات مخالب حادّة تنهش الوعي الفرديّ والجماعيّ، فتدمي وتؤلم وتوجع. علينا أن نظلّ نعيد الحكاية من أوّلها. علينا ألّا نملّ أو نضعف أو نتكاسل، لم يبق لنا غيرها. لأنّ تكلُّس الذاكرة يعني ضياع الحكاية، وإذا ضاعت الحكاية فإنّ فلسطين ستضيع وتتلاشى وتُنسى، وربما أصبحت "أندلساً أخرى، لأنّ ثمّة معادلات على الأرض تدفع نحو هذا الاتّجاه من المحو والإلغاء، ولذلك فإن بنات آوى رفيقات يوسف في الرحلة تقول له: "قلنا لك فرّط بكلّ شيء إلّا الذاكرة". (الرواية، ص23)

تأتي رواية "رحلة البحث عن العريان" لتواجه الواقع الحالي بمفرداته السياسيّة والثقافيّة، وتدقّ ناقوس الخطر، فالأرض تضيع لأنّ الحكاية تضيع، فـ"من يكتب الحكاية يرث أرض الكلام/ ويملك المعنى تماماً"، كما قال الشاعر محمود درويش، فقد أشارت الرواية إلى وسائل هذا الضياع وأدواته من تهويد للأرض وزرع للمستوطنات وتغيير الأسماء، وإحلال اللغة العبرية محلّ العربيّة، وقلع الفلسطيني والسيطرة على التاريخ وتأويله.

يقترح الروائي حبكته الروائية على شكل رحلة يقوم بها السارد يوسف الفلسطيني اللاجئ الذي يتسلّل عبر الحدود ليعبر إلى فلسطين ليبرّ بوعده وإرجاع شاهدة قبر جدّه إلى بلدهم- العريان- التي هجروا منها. لقد قضى أبوه نحبه في الشتات، في المخيم، ولم يستطع زرع شاهد القبر على قبر أبيه، جدّ السارد يوسف، فيتحمّل يوسف هذا الإرث، فيحمل الشاهد معه ويتسلّل إلى فلسطين.

لم تكن الرحلة سهلة بتاتاً، فقد واجهته مصاعب كثيرة، تساعده بنات أوى في هذه الرحلة وتقوده فيها، وتعرّفه على المكان وعلى الطريق، بحكم أنّها طيور فلسطينيّة وتعرف المكان جيّداً، ومن خلال هذه الرحلة تبني الرواية حكايتها، فتعرّفه بفلسطين وأماكنها وطيورها وأشيائها، وتساعده على التذكّر، وتحذّره من النسيان، إنّه تبني عالماً سرديّاً محمّلاً بالإشارات والرؤى، وإن كان محمّلا أحياناً بنفَس عجائبيّ وخياليّ، ولكنّها حيلة روائيّة استطاع الروائي من خلالها تمرير رسائله المباشرة وغير المباشرة. وتأكيد علاقته بالأرض، هذه العلاقة التي تنمّ عن الحبّ والانتماء المبنيّين على المعرفة بأدقّ التفاصيل.

يختار الروائي للحفيد اسم يوسف، ولهذا الاسم دلالته التي درج الكثير من الأدباء، عرباً وفلسطينيّين، على الاتّكاء عليها لتحميلها مدلولات سياسيّة وثقافيّة موجّهة، فيوسف، عليه السلام، الذي كان في هذه البلاد وأودى به إخوته في رحلتهم إلى مصر، ثم سجن وخروجه من السجن، وصولاً إلى اعتلاء العرش. ثمة يوسف فلسطيني آخر يقوم برحلته ليبحث عن مكانه الذي طرد منه أبوه. ربّما كان الرابط واهيا بين الرحلتين، ولكن ثمة ما يتشابه به الفلسطيني مع يوسف في محنته، فكلاهما كان ضحية لأخوته، وهذا ما تقوله الرواية أيضا، فالفلسطيني اللاجيئ في بلاد العرب متّهم في كلّ حين، متّهم إن تحدّث، ومتّهم إن سكت، ومتّهم إن انعزل أو شارك إخوته. مجرّد أن تكون فلسطينيّاً في بلاد العرب فأنت يوسف، أي أنت مكروه، وستتعرّض للكثير من المصاعب.

ربّما حمل الاسم بعداً أكثر أملاً؛ إذ تتردّد البنية السرديّة بين قتامة اليأس ونور الأمل، ألا يحقّ ليوسف الفلسطيني أن يأمل بالعودة؟ بل عليه أن يظلّ حالماً بالعودة ومصرّاً عليها، وهو إن عاد فإنّه سيعود إلى "جنّته الموعودة" وإلى "فردوسه المفقود" لتنتهي رحلته بالظفر، كما انتهت رحلة يوسف النبي بالظفر كذلك.

يقصّ السارد يوسف مسار رحلته من مبدئها إلى منتهاها بضمير "أنا"، وهو سارد مشارك- بلغة النقد الروائي- ومن خلال ذلك يبني حكاية فلسطين، كلّ فلسطين، فلسطين الحاضر، وفلسطين النكبة، وفلسطين التاريخية الموغلة في التاريخ ويعود بالقارئ إلى قصّة الخلق الأولى وقصّة هابيل وقابيل وقتل أحدهما أخاه وقصّة الغراب، إنّه نوع من تأصيل الحكاية وتجذيرها، وبكلّ مرحلة ترى الفلسطيني الإنسان وفلسطين الجغرافيا، وفلسطين الثقافة والحضارة ماثلة وبقوّة. يواجه السارد بذكاء حكاية الآخر الطارئ الغريب الذي لا يعرف هذه البلاد، ولا يعرف أشياءها ولا حيواناتها ولا يعرف تاريخها، وعلى النقيض من ذلك فإنّ "سكان البلاد يعرفون الصخر كما يعرفون أسماء أبنائهم، ويعرفون لغة الطير كما يعرف هو لغتهم". (الرواية، ص43)

بالمقابل يواجه الآخر هذه المعرفة بسرقة المدن والأشياء، ليبني تاريخاً ما، إلّا أنّه تاريخ استعماريّ مزيّف قائم على السرقة، سرقة الغنم، وسرقة الألحان والأغاني، وليس فقط سرقة الجغرافيا وتشويه ملامحها. إلّا أنّ الأرض تأبى أن تفارق صورتها الأولى. إنّه يتوجّه نحو تلك الأمارات التي تدلّ على وجود الفلسطيني في هذه الأرض، كالكهوف والأسماء والثقافة. وحتى المقبرة؛ فهي "دليل، ووعي وذاكرة، هل سمعت أنّ المحتلّين لهم قبور قديمة في هذه الأرض؟" (الرواية، ص26). ولأنّ الآخر ليس له تاريخ في هذه البلاد يدلّ عليه أخذ يمحو التاريخ الفلسطيني، "فالمكان كلّه زرعه المستوطنون بالأشجار الغريبة، وعملوا منها خارطة بين الممرات والطرق وحوّلوها كلّها إلى منتجع سياحيّ، يظنّون أنّها بذلك تكون أجمل، لكنّهم شوّهوها وألبسوها ثوب الغربة". (الرواية، ص105)

لقد بدا السارد شخصيّة حزينة، لكنّها شخصية قادرة على المواجهة وليست ضعيفة، تحارب على جبهات متعدّدة، داخليّة وخارجيّة، غرباء وإخوّة وأشقّاء، بل إنّ المواجهة في سياقها السردي تدين الفلسطيني الذي خان القضية الفلسطينيّة، فخميس الضبع الذي انقلب على الثوّار أيّام الاحتلال البريطاني، قد أسّس هذا الضبع "سنّة سيّئة لمن جاءوا بعده، وخانوا شعبهم وبلادهم" (الرواية، ص107)، بل إنّ السارد يوسف- وهو يروي عن رحلته- يتعرّض لكثير من الأسباب التي أدت إلى ضياع فلسطين، فليس الاحتلال وحده هو الذي أضاعها، فملّاك الأراضي من الإقطاعيّين والعائلات الكبرى كانوا أحد هذه الأسباب، إذ لم تكتفِ تلك العائلات بالظلم الذي كانت تمارسه على الفلّاحين في ذلك الزمن، بل زادوا أنّهم تعاملوا مع الاستعمار وأعطوه ما بذل الفلّاحون دماءهم لأجل الحفاظ عليه مقابل نزواتهم وشهواتهم البهيميّة". (الرواية، ص81-82)

تناقش الرواية- خلال هذه المسيرة من الرحلة القاسية- مسائل ثقافية لها علاقة بمواجهة الفلسطيني وروايته، فثمّة مستوطنون يحتلّون الجغرافيا ولا يكتفون بطرد الفلسطينيّين، بل يحملون عنهم فكرة أنّهم "متوحّشون وقتلة"، و"جشعون ويحبّون المال ويغدرون بمن يمدّ لهم يده بالخير". إنّهم يقلبون المعادلة تماماً، فقد وصفوا الفلسطينيّين بما هو فيهم، هؤلاء الفلسطينيّون الذين لم يتوانوا عن تقديم المساعدة للمستوطن الذي أصيب بحادث طرق ذاتي، ليخيّب ظنّهم عندما أخذ يتحسّس مسدسه وهو جريح وقد رآهم مقبلين عليه، وشبيه بذلك ما قامت به القوّة العسكريّة التي وصلت إلى مكان الحادث وأحضرت معها سيارة الإسعاف، فقد تعاملوا مع الفلسطيننين بصلف وجلافة، حيث "بدأ الجنود بتوبيخ المسعفين الفلسطينيّين.. صرخوا بهم وأبعدوهم عن صاحب الحادث". (الرواية، ص35)

تطرح الرواية كثيراً من القضايا المهمّة، وتأكّد ما تحدّثت عنه الرواية الفلسطينيّة، ولعلّها لم تأت بجديد فيما يخصّ الصراع مع المحتلّ ولعبته منذ ما يزيد عن قرن من الزمن، وأبجدياته، ومآلات الأرض والإنسان الفلسطيني اللاجئ، إنّها تعيد ما قيل في روايات أخرى لكتّاب آخرين، لكنّها اختارت الاختزال والاختصار والإشارات إلى كلّ تلك الأفكار التي تولّدت عن هذا الصراع داخليّاَ وخارجيّاً، كأنّها تريد تذكير القارئ "كي لا ينسى"، هذه هي الثيمة الأساسيّة التي تقوم عليها الرواية. وهذه هي الفكرة نفسها المفتاح السري والسحري للعودة الكاملة، وللانتصار على عدو سرسٍ، أكل الجغرافيا واللغة، وغيّر الأسماء، وقلب التاريخ، واختلق الحكايات الزائفة؛ ليبني روايته على الخرافة.

لم يناقض السارد ذاته وظلّ وفيا لقناعته السياسية والفكرية، ولعلّ عدم وصول يوسف إلى قريته "العريان" واضطراره إلى العودة إلى حيث جاء من المخيّم، دليل واضح على رسالة الرواية التي جاءت في ثنايا السرد، فقد أعلن يوسف موقفه صراحة من العودة المنقوصة بقوله: "سنعود مرّة واحدة، ودفعة واحدة، لأنّ العودة المجزّأة اعتراف بالهزيمة، بل هي هزيمة الهزيمة" (الرواية، ص29). فليس الجبل وحده إذاً ما يحول بين اللاجئ يوسف وقريته "العريان". ثمّة أشياء أخرى يجب أن يلتفت إليها لتكون عودته صحيحة وحقيقيّة.

وفي هذا الإعلان أيضاً إدانة للنهج السياسيّ العامّ للسياسة الفلسطينيّة التي سلمت بوجود الاحتلال ورضيت بالعودة المنقوصة؛ لتصبح مقولة "الحياة مفاوضات" تعني "الحياة هزائم" كما جاء في الرواية. هذه الهزائم التي فرّخت طبقة التماسيح، هذا المخلوق العجيب الذي "إذا بكى كذب، وإذا أكل لا يبقي ولا يذر، ولا يُؤتمن جانبه، وأسوأ ما فيه أنّه لا يموت بسرعة". (الرواية، ص28)

وأخيراً، لعل الرواية تكتسب أهميتها الموضوعية من أنّها ما زالت تتمسّك بالحقّ الثابت للشعب الفلسطيني في فلسطين كلّ فلسطين، وتستند إلى نظرية "الحقّ التاريخي"، وترى في الآخر طارئاً سيزول يوماً ما، طال الزمان أم قصُر، مع أنّ هذه النظرة فيها الكثير من الرومنسية والحنين والاتّكاء على الماضي غير المدعوم بما يجعله بليغاً ومتحقّقاً في حياة الفلسطينيّين لا بالإرادة السياسيّة الداخليّة، ولا على الصعيد القومي، ناهيك عن الوضع الدولي الذي يعمل ضدّ الحقّ الفلسطيني جهارا نهاراً. كما أنّها تكشف عن أنّ الناس العاديّين لديهم حكاياتهم التي يجب أن تحكى وتسرد، فكلّ الشخصيات التي التقاها يوسف عبر رحلته الشاقّة وحكى لنا قصصها تبيّن أنّ كلّ فلسطيني في هذه الأرض له حكايته التي تفيض وجعاً ومرارة وغرابة، ففظائع الاحتلال في معركة النكبة المشؤومة وما بعدها، لم تُروَ بعد ولم يؤرّخ لها على وجهها المطلوب. فلكي لا ننسى علينا أن نكتب حكايتنا وألّا نتنازل عنها، وهذا أضعف الإيمان في مواجهة هذا الخذلان الكبير الذي يغرق فيه الفلسطينيون سياسيّاً، فلا أقلّ من أن يبنوا حكايتهم ويصرّون على وجودها وإعادتها مراراً وتكراراً فإنّ فيها تجدداً للذاكرة ومقاومة لأشدّ أعداء الفلسطيني، وهو النسيان ومحو الذاكرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* صدرت الرواية عن دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، ط1، 2021، وتقع فبي (119) صفحة من القطع المتوسّط.

sinjab905.jpg

ghhgehh905.jpg

عند دار الهدى للنّشر والتّوزيع في كفر قرع في المثلّث الفلسطيني، صدرت قصّة الأطفال " السّنجابة والعقاب" للكاتبين صليبا صرصر ورفيقة عثمان، وتقع القصّة مفروزة الألوان مشكولة الكلمات، وتزيّنها رسومات منار نعيرات في 30 صفحة من الحجم المتوسّط.

توقّفت أمام هذه القصّة كثيرا فور صدورها، وانتطرت للحصول على نسخة ورقيّة منها، لكنّ جائحة كورونا حالت دون ذلك، فعدت إلى نسختها الإلكترونيّة هذا اليوم.

مضمون القصّة:

تتحدّث القصّة عن غابة جميلة يخترقها نهر، وتعيش فيها حيوانات وطيور مختلفة، وذات يوم انقضّ نسر على سنجابة ونجح ببتر ذيلها، ممّا تسبّب لها بألم جسدي ونفسيّ، ممّا دفعها إلى الإعتكاف بجحرها، لكنّها قرّرت:" سوف أنتقم لنفسي حتّى لو بعد حين، لن أتنازل عن حقّي أبدا مهما حصل...."ص9.

وتتوالى الأحداث إلى أن اشتعلت النّيران في الغابة في يوم عاصف، ممّا اضطرّ الحيوانات والطّيور إلى الهرب بعيدا عن لهيب النّيران؛ لتنجوا بحياتها، لكنّ بعض السّناجب "لجأ للأوكار العميقة تحت الأرض المحروقة، واختبأ بعضها الآخر في كهوف صغيرة تحت الصّخور بمحاذاة النّهر. ص11. وبسبب الحرارة والّدخان الكثيف وقع فرخ عُقاب من عشّه فوق الشّجرة على كومة قشّ، فاستقرّ عند ساق الشّجرة حزينا باكيا خائفا يطلب النّجدة، فاقتربت منه السّنجابة "حنان" ووجدت فيه فرصتها السّانحة للإنتقام لذيلها المبتور! "لأنّه من عائلة النّسور الشّرسة."ص14. ووسط صراعها النّفسيّ بالإنتقام أو التّسامح، وعندما اقتربت النّيران من فرخ العقاب، وهو يصرخ مستنجدا، "قرّرت "حنان" فجأة أن تهبّ لإنقاذه، قفزت وأسرعت فزعة نحو وكره، وانتشلته بين يديها وكلّ جسمها يرتعش وهي تضمّه لحضنها بحرارة." ص16. اهتمّت السّنجابة حنان بفرخ العقاب مثل اهتمامها بصغارها، وعلّمته "كيف يصبح نسرا حقيقيّا" ص19. وكبر فخ العقاب وصار يحلّق عاليا في الفضاء :"عاش النّسر محبوب في حياة آمنة، واستطاع حماية حنان والسّناجب الأخرى من الإعتداءات عليها.ص21. وعندما التقى "محبوب" بعائلته التي فرحت بأنّه لا يزال حيّا، فأرسلت معه رسالة شكر لعائلة السّناجب واعتذرت عن بتر ذيل السّنجابة حنان.ص22. وتبادلت العائلتان الزّيارات، وتعاونت النّسور والسّناجب على إعادة زراعة الغابة حتّى عادت إلى سابق عهدها قبل الحريق، وعاشت السّناجب والنّسور بسلام.

أهداف القصّة:

تهدف القصّة إلى نشر المحبّة والتّسامح بين الأجناس المختلفة، دون تفريق بين جنس وآخر، أو بين قويّ وضعيف. كما تهدف إلى ضرورة توفير الحماية للصّغار في الأحول كلّها، بغضّ النّظر عن جنسهم وأعراقهم، وما اقترفه ذووهم من أخطاء وجرائم. وقد أحسن الكاتبان عندما جعلا بطلة القصّة المتسامحة سنجابة أنثى، لتبيان حنان الأمومة الذي يتعدّى حدود عطفها وحنانها على صغارها إلى الحنان على أطفال الآخرين.

مآخذ على القصّة:

خلط الكاتبان بين نوعين من الطّيور الجارحة وهما النّسر والعُقاب، وهما طائران جارحان مختلفان، وإن كانا ينتميان إلى فصيلة واحدة، وسأورد هنا تعريفات لهذه الطّيور كما وردت في المعاجم اللغويّة لتبيان هذا الاختلاف:

العُقاب: "طائر من كواسر الطّير، قويّ المخالب، له منقار قصير أعقف، حادّ البصر." وقوئمتا العُقاب مكسوّتان بالرّيش، ويعتاش على ما يصطاده من الطّيور والحيوانات الصّغيرة كالأرانب وغيرها.

النّسر: "طائر من الجوارح، حادّ البصر قويّ من الفصيلة النّسريّة من رتبة الصّقريّات، وهو أكبر الجوارح حجما، وله منقار مدبّب، ذو جوانب مزوّدة بقواطع حادّة، وله قائمتان عاريتان.......يتغذّى بالجيف."

الصّقر: "طائر من الجوارح من فصيلة الصّقريّات." وجاء في القاموس المحيط:"الصّقر كلّ شيء يصيد من البزاة والشّواهين."

لذا فالعقاب ليس صغير النّسر -كما ورد في القصّة-، علما أنّ صغير كليهما "النّسر والعقاب يسمّى"الهيثم".

وزيادة في الإيضاح فإنّ الأسود والنّمور والفهود تنتمي لفصيلة القطط، مع أنّ كلّا منها جنس حيوانيّ مختلف عن الآخر.

أخطاء لغويّة:

ورد في القصّة أكثر من مرّة استعمال خاطئ للأفعال وللضّمائر مع جمع غير العاقل، سأورد عليه مثالا واحدا فقط فقد ورد في القصّة:"تعاونت السّناجب والنّسورمعا، في إعادة الحياة إلى طبيعتها في الغابة، أحضروا النّباتات، ونثروا الحبوب فوق أرض الغابة المحروقة، وزرعوا الأشجار من جديد."ص26. والصّحيح هو أحضرت النّباتات، ونثرت الحبوب، وزرعت الأشجار.

وفي الصّفحة 11 جاء:" واختبأ بعضها الآخر في كهوف صغيرة تحت الصّخور"

وهنا استعمال خاطئ للكهوف، فالمقصود هو الجحور وليس الكهوف، والفرق كبير بين الكهف والجحر.

الأسلوب: واضح أنّ الكاتبين صاغا قصّتهما بلغة فصحى لا تعقيد فيها، وبأسلوب سلس لا ينقصه عنصر التّشويق.

الأسلوب والإخراج: الرّسومات التي أبدعتها ريشة الفنّانة منار نعيرات مناسبة لمضمون القصّة، مع أنّه لم تكن هناك فروقات واضحة بين رسومات النّسر والعُقاب، وفي الصّفحتين 22 و23 فإنّ الرّسومات لا تدلّ على النّسر أو العُقاب، وجاء مونتاج القصّة مناسبا في التّوفيق بين المضمون والرّسومات؛ وهذا يقرّب فهمها للطّفل المتلقّي.

تساؤل: أعتقد أنّ من الأهداف التي أراد الكاتبان إيصالها للأطفال، يتمحور حول ضرورة التّعايش السّلميّ بين الشّعوب والدّول القويّة من جانب، وبين الشّعوب والدّول الضّعيفة، واستعملا النّسور والعقبان كنموذج لذلك، علما أنّ النّسور والعقبان تعتاش على اللحوم، ومنها لحوم السّناجب حيث تعيش، فلماذا لم يختارا حيوانات عاشبة قويّة وأخرى ضعيفة لذلك.

أدب الأطفال... مضمون وجمال

zag9055.jpg

fbbnaa905.jpg

صدرت عن دار الياحور للنشر والتوزيع، القدس، فلسطين، ط1 سنة 2020

لا شك أن لأدب الأطفال سماته وخصائصه، وهذا يتبع أكثر من شرط لتحقيق الهدف من كتابته، فهو يخضع الكاتب للرسالة، والشكل اللذيْن يناسبان الفئة العمرية للأطفال، وفي آلية تقديم الرسالة بعباراتها المشوقة، وألفاظها البسيطة المعبرة، ورسوماتها الدالة على الحدث وتسلسله... ولدى قراءتي للمنجز النّصّيّ " زغرودة ودماء" لجميل السلحوت، وجدت توفر هذه الشروط في الصفحات الثماني التي شكلت الحكاية... فالمبنى واضح، مزين بالصور، والمعنى سامٍ، واقعي، يشكل رسالة مهمة وضرورية للأهل، وينبني على ذلك تخلخل السلوكات عندهم... وتغيير في المفاهيم والقناعات.

السؤال الذي تطرحه رسالة الحكاية يتجسد في: هل قصة " زغرودة ودماء "  حكاية للأطفال والأطفال فقط... أم هي تلائم الكبير قبل الصغير... إن الناظر للواقع الذي نعيشه، والمتأمل في أساليب أفراحنا، سواء أكانت في حفلات زواج، أم نجاح، أم خروج أسير من المعتقل، أو... إلخ... يدرك دون أدنى شك، أن العقلية العربية (في الغالب) يرتبط فرحها بإطلاق الرصاص والذخائر الحية، أو إطلاق المفرقعات وذاك أضعف الإيمان... رغم المآسي التي تخلفها هذه المفرقعات... وتحويل الفرح إلى صور من الأحزان المؤلمة.

نعم، لقد عالجت القصة هذه المسألة السلبية التي يمارسها شعبنا، وترى فيها المتعلم يسلك سلوك الأمي في النهج نفسه...وكأن الفرح لا يستقيم ولا يكتمل دون مفرقعات، أو ذخيرة.

لقد قامت القصةة على الثائيات الضدية، تلك الثنائيات التي اشتقت من ثنائية: الفرح/ الحزن، أو الحياة/ الموت...

فإن كانت الزغرودة دالة على النجاح، وقرينة الفرح، فإن الدماء دالة على الحزن وقرينة الترح. وفي رحم هذه الثنائية، تولد عنوان الحكاية... من جملة إسمية حذف خبرها، أو مبتدؤها، وجاء العطف بجملة إسمية أخرى ماثلت الأولى في البناء، لكنها كانت ضدية في المعنى... نعم لقد كثف السارد عنوان نصه في كلمتين اثنتين... مثلتا أخبار الفرح والمآسي... واتكأت المآسي والأحزان على الفرح... ومن الثنائيات الضدية أيضا: الشوكولاتة والمفرقعات، واللعب وبتر الأصابع... وأرى أن هذه الثنائيات قد حققت وظيفتها في توصيل الرسالة سواء أكانت للأهل أم لأطفالهم.

ومن يذرع فضاء النص، يستطيع وبسهولة أن يرى الصور الناطقة، المتحركة بحيويتها وطاقتها البدهية تلك التي تتوافق وحركة الأطفال وطاقتهم... استهلها السرد بصورة سمعية مفاجئة " سمع رائد صرخة مدوية من أمّه" ثم تلا ذلك صورة حركية بصرية مفاجئة أيضا " رأى أمه تقفز في الفضاء، مثل لاعب كرة سلة ماهر، فاز فريقه في المباراة" يتبع ذلك: صور تجمع الجيران والأطفال، وتوزيع الشوكولاتة والسكاكر... وختامها عملية اللعب بالمفرقعات، وما سببه ذلك من حادث مأساوي. ويمكننا تلخيص صور الأحداث ومساراتها  في مشاهد مفصلية:

-     مشهد الفرح لسماع نجاح الابن، والتأكيد على هذا النجاح، بتوكيد لفظي للخبر السار: نجح زيد... نجح زيد.

-     مشهد تجمع النساء والأطفال المهنئين بالنجاح، والفرحين به، حتى لو كان معدل الابن لا يتجاوز 55%.

-     مشهد إطلاق المفرقعات، إعلانا لهذا النجاح واحتفاء به.

-     مشهد تحول الفرح إلى حزن، بل الحزن المدقع، وتكثف ذلك بسؤال رائد عندما أفاق من بنج العملية " عندما أفاق رائد من البنج، سأل: هل ستنبت لي أصابع جديدة، بدل التي طيّرتها المفرقعات؟ ".

من الملاحظ أن شخوص القصة كانت نموذجية، فيمكن أن يستلم البطولة أي عائلة، تحتفي بمناسبة فرحة، كأن ينجح ابنها في امتحان ما، خصوصا في التوجيهي، ويمكن أن يكون المصاب أي طفل في المجتمع... كما أن زمان أحداث الحكاية زمان عام، غير مقيد بتواريخ، إلا تاريخ مناسبة الفرح... واللافت في أمر المكان، أن القدس الشريف هي بوتقة التفاعل السردي، وما ذِكْر مستشفى المقاصد في القدس إلا تأكيد على هذا المكان.

بقي أن نقول: إن الكاتب " جميل السلحوت " استطاع وباقتدار أن يوصل رسالة اجتماعية مهمة، بناها بمعمارية فنية رائعة من خلال الاتكاء على الرسومات، والعبارات القصيرة التي تشي بحركة الأطفال، وتلك النتيجة التراجيدية التي وصلت وعي المتلقي (الأهل) وحاولت تغيير قناعاته ومسلكياته... ولا عجب في ذلك، فالكاتب السلحوت يمتلك أدواته الفنية، ومضامينه الاجتماعية، ويمتلك خبرة كافية في الكتابة للأطفال، وله في ذلك تجارب وإنجازات كثيرة.

zag9052.jpg

dhbnnn905.jpg

صدرت قصّة الأطفال "زغرودة ودماء" للأديب المقدسيّ جميل السلحوت قبل أيّام قليلة عن دار إلياحور في أبوديس- القدس.

في ثماني صفحات وجّه الأديب المقدسي " جميل السلحوت" رسالة قيمة للكبار قبل الصغار، عالج ظاهرة خطيرة وصلت إلى بيوتنا وهددت أبناءنا، مراعيا طبيعة الأطفال الخاصة التي تقتضي أن نوجة لهم رسائل تربوية ضمنية بمهارة عالية، تراعي قدراتهم العقلية، وتشوقهم للعصف الذهني، وتمرر قيما أخلاقية بعيدا عن المباشرة في التوجيه وإسداء النصائح.

الفكرة الأساسية التي تدور حولها القصة تتمحور حول إطلاق المفرقعات في المناسبات السعيدة،  الشخصيات والأحداث والأماكن تتوافق مع فكرة القصة، فهي حدث بسيط يحدث غالبا وانتشر في مجتمعنا، وسبب الكثير من الخسائر.

  تبدأ القصة بفرحة غامرة تغمر الأمّ بسبب نجاح ابنها " زيد" بمعدل خمس وخمسين في الثانوية العامة، يتوالى السرد الشيق لتطلب الأمّ من ابنها الآخر رائد ابن السبعة أعوام أن يخرج ويطلق المفرقعات ابتهاجا بنجاح شقيقه" زيد"، لتتحول الفرحة إلى حزن، عندما انفجرت المفرقعات بيد زيد، ممّا سبّب بتر ثلاثة أصابع له.

 يثير الكاتب عاطفة القارئ حين يسأل " رائد" أمّه في المستشفى: هل ستنبت لي أصابع جديدة ، بدل التي طيّرتها المفرقعات؟

إنها صفعة موجهة للأمّ، حيث يُقدّم الكاتب الأم بصورة غير ما عهدناها منه، هو يُقدّم شريحة من الأمّهات المستهترات، ونتيجة استهتارهن يقع المحظور، يبدأ القصة بكلمة " قفز رائد مذعورا" على صراخ أمّه المدوّي، وحاله أخرى للأمّ استوقفتني " كانت تلطم وجهها الذي شقّقته بأظافرها" هي صورة مفزعة للأمّ، إضاءة على أن عاطفة الأمّ وتعبيرها عن الفرح والحزن ودلال أبنائها دون وعي قد يضرّ بهم وبها، طبيعي أن تكون ردة  فعل القارئ الطفل استهجان  استخدام المفرقعات وسيعزف عنها، ويتذكر زيد عندما يرى موقفا مماثلا، وكذلك الآباء والأمّهات، ستتحرك مشاعرهم الحريصة على سلامة أبنائهم .

كان جديرا بالأمّ أن تُعلم أبناءها أن الفرح ليس بإطلاق الألعاب النّارية، والموقف السلبي الآخر الذي طرحه الكاتب مبالغتها بالفرح ومعدل إبنها " زيد" متدنّ جدا "خمس وخمسون" الأخوة قدوة لبعضهم البعض، عندما يحصل الأخ الأكبر على معدل خمس وخمسين وتعلو الزغاريد وتوزع الشكولاتة الفاخرة، ويُحتفل به سيتعلم خوته الصغار أن لا داعي للمثابرة والاجتهاد، وسيكتفون بالحد الأدنى للنجاح.

رسومات القصة مشوقة، تتحرك فيها  الشخصيات، بألوان تعكس الزغرودة والدماء معا، ألوان فيها البهجة والفرح، ولا تخلو صفحة من قطرات الدّماء، صورة الغلاف  طفل جميل يقف بعيون واسعة مصدوماًوهو ينظر إلى المفرقعات، لم تعد هاجسه ولا سبب متعته بعد الآن، يضع يده على خاصرته وكأنه يتحدى شغفه فيها، في الصور الداخلية ترى الدهشة، والسعادة والاحتفال، وتنتهي بألم ودموع.

لغة الرواية السهلة ومضمونها القيم وأسلوبها السلس، يُظهر قدرات الأديب ابن القدس، حيث يُذكّر الطفل بمدينة القدس في معظم رواياته الموجهة لهم، حبذا لو استمرت تلك الرسائل، ووجهت الطفل للتربية السليمة التي نحن بأمس الحاجة لها في هذا الوقت.

zag905.jpg

fgdhnnnn905.jpg

صدرت قصة الأطفال "زغرودة ودماء" للأديب المقدسي جميل السلحوت هذه الأيام عن دار إلياحور للنّشر والتّوزيع في أبو ديس-القدس.

أدب الأطفال له خصوصية وطريقة تقديم مغايره مغايرة عن تلك التي تكون في أدب الراشدين، فالفكرة في أدب الأطفال تبقى عنصرا أساسيا في القصة، إضافة إلى المتعة التي يجب أن يجدها الطفل في القصة، فالعلاقة بين الفكرة وطريقة التقديم مهمة وأساسية؛ لتكون القصة منسجمة مع عقلية الطفل.

العنوان مثير، "زغرودة ودماء"، ورغم أن لفظ "دماء" قاس على الأطفال، إلا أن القاص خففه باللفظ الذي سبقه "زغرودة" وبهذا يكون قد (محا) وأزال القسوة من العنوان، يضاف إلى هذا الألوان والرسوم الجميلة التي لازمت أحداث القصة، وهذا يأخذنا إلى متن القصة، هناك زغرودة/فرح  ومأساة/قسوة، لكن البداية كانت للفرح، بسبب نجاح "زيد"،  لكن الفرح لم يتم التعامل معه بطريقة صحيحة، لأن أمّه "سوسن أخرجت علبة المفرقعات وأعطتها لشقيقه الطفل "رائد" ليفرقعها في الخارج، لكنها تفجرت في يده، ممّا تسبب ببتر ثلاثة أصابع، وهنا ينقلب الفرح إلى مأساة بسبب جهل "سوسن."

واللافت في القصة أن القاص  مهّد المتلقي لمعرفة أن هناك حدثا قاسيا، سيأتي فقد افتتح القصة بهذا الشكل: "قفز رائد ابن السنوات التسعة من فراشه مذعورا عندما سمع صرخة مدوية من والدته، رآها تقفز  في الفضاء فرحة" الفاتحة توحي وتمهّد للطفل أن هناك أمّا لا تحسن التعبير عن فرحها، فعبرت عن الفرح بالصرخة التي أخافته وأرعبته.

وأيضا هناك تمهيد آخر يشير إلى جهل "سوسن" جاء متعلقا بسبب الفرحة: "..كم معدله؟

أمّ زيد: خمسة وخمسون" وهذا يعلمنا  حجم الغباء والمغالاة في ردة فعلها،

وبهذا يكون القاص قد رسم طبيعة الشخصية التي تسببت بمأساة ابنها "رائد" بطريقة سلسة.

وفي نهاية القصة، نجد عقلية الطفل والطريقة التي يفكر بها، فعندما سأل "رائد" أمّه: "هل ستنبت لي أصابع جديدة بدل التي طيرتها المفرقعات" وهذا السؤال كاف بحد ذاته، ليعلم الأطفال أن اللعب بالمفرقعات خطر ويؤدي إلى كوارث،

دائما أدباء القدس  يذكرون مدينتهم، ويؤكدون على حضورها في وجدانهم، يذكر القاصّ أن المستشفى الذي ذهب إليه  الطفل "رائد" بعد الإصابة هو مستشفى المقاصد الخيرية في القدس: "الحقوني إلى مستشفى المقاصد" وهذا يحسب للقاص الذى أكد على فلسطينية المدينة.

القصة من منشورات إلياحور للنشر والتوزيع، القدس فلسطين، الطبعة الأولى 2020.

المزيد من المقالات...