وانتصف رمضان

د. عبد السميع الأحمد

أتغفو وآماق المحبين لا تغفو

وتجفو وهل في الصالحين امرؤ يجفو

وترضى بترتيب اللطيم وقد أتى

أمامك كل السابقين، وقد خفّوا

أمامك باب الخير ما زال مُشرعا

يناديك: أقبِل، فالملائك قد حفّوا

هناك الهدى والنور والخير والتقى

وعذْب المعاني والسعادة واللطف

تلاقت به الأرواح فهي حمائم

ترفرف في جوّ النعيم وتصطفّ

تنزلت الرحْمات تترى عليهمُ

ورقّت قلوب القوم وانكشف السِّجف

فأيّ صفاء تجتليه نفوسهم

وأي نقاء جلَّ عن وصفه الوصف

وأيُّ نعيم لم ترنّقْه صبوةٌ

يروّي غليلَ الروح سلسله الصِّرف

فكم قائم تجلو التراويح قلبَه

يَلذُّ بها، والروح يُنعشها الرشف

وكم راكع لله طال ركوعه

وكم ساجد والعين يغرقها الوكف

وكم قارئ يتلو الكتاب مجوّدا

فيرقى به معنىً ويسمو به حرف

فلله ذاك الليل والله باسط

يديه وقد مُدّت له خيفةً كفّ

ينادي: ألا مستغفر يرتجي الرضا

فأغفرَ ما ناءت به الكُتْب والصُّحْف

تنام الخوالي وهو لله قائم

يجافي لذيذ النوم، والقلب لا يغفو

تولى عن الخلق اتصالا وأذعنت

جوارحه لله، واستسلم الطرف

فيالَعيونٍ سال بالدمع جفنها

ويالَقلوبٍ شفّها الوجد والخوف

تقضّى من الشهر الكريم نصيفه

ولوّح بالتوديع من ساحنا الضيف

فبادرْ، فباب الشهر ما زال مُشرعا

إذا فاتنا نصفٌ فقد بقي النصف

وسوم: العدد 825