قبس من حراء

أيُّ فجر لاح في الأفق سنياً مشرق الطلعة بسّام المحيا

مزَّقت أنواره سحب الدجى وسرى في الكون هَديا أحمديا

إنه النور الذي أخرج منه رحم الظلماء إشراقاً بهيا

فاخمدي يا نار لن تلقي على عرشك المعبود رباً كسرويا

وهوت تلك التماثيل التي شادها الباغون تضليلاً وغيّا

يا يتيماً قيض الله له منزلاً من شامخ المجد عليا

إنما الله قد استخلصه من جميع الخلق مختاراً صفيّا

*

درج الطفل اليتيم المجتبى لا يدانيه خدين أو قرينْ

فكأن الله ألقى قبساً من سنا الإيمان في القلب الأمين

عرفت فيه قريش خلقاً عالي الآفاق أعيا الصاعدين

عرفوه عزمة لا تنثني وأبيّاً شامخاً لا يستكين

وهو موثوق إذا ما احتكموا قوله الفصل إذا يختصمون

وإذا أقبل يوماً هتفوا بقدوم المصطفى جاء الأمين

وصحا الدهر على بارقة وطوى المختار عقد الأربعين

في حرّاء زاره جبريل يا أحمد إقرأ جاءك الوحي المبين

أنت مبعوث بآيات الهدى وإمام خاتم للمرسلين

هزت المختار من أعماقه هزةً لو مسّت الصخر يلين

فأتى البيت وفي خافقه رعشة تسري وفي السمع رنين

زمِّلوني زمِّلوني علّني أجد الأمن بدفءٍ أو سكون

*

وأطل الفجر بسّام المحيّا مشرقاً قد لاح في الأفق سنياً

إنّه التوحيد لا ربَّ سوى خالق الأكوان معبوداً غنيّا

وكتاب جاء شرعاً خالداً وصراطاً يرشد الدنيا سويا

إنه يعلو ولا يعلى إذا لامس القلب يردّ الميت حيّا

*

يا رسول الله لا تأس إذا أعرض الباغون أو ضلّوا السبيلا

واستعن بالصبر واصدع معرضاً عن أذاهم وأصفح الصفح الجميلا

إنّ في يثرب قوماً آمنوا بالهدى ديناً وبالهادي رسولا

حملوا القرآن في إيمانهم مشعلاً يهدي على الدرب دليلا

ورسول الله قد حلّ بها فازدهى الربع جبالاً وسهولا

والإخاء الحق مشدود العرى وخليل باسمٌ ضمّ خليلا

قد كساهم بدل الفقر الغنى وهدى الله عن الكفر بديلا

إنّهم قوم صلاب أصبحوا لرفيع المجد يبغون الوصولا

رسّخوا بالسيف أسمى دولة ذات مجد شمسها تأبى الأفولا

شمخت بالعز حتى بلغت بعلاها قمة الجوزاء طولا

إنهم أصحاب بدرٍ أخذوا شانئيهم في الوغى أخذً وبيلا

حطّموا الطاغوت فيها فهوى صاغراً وارتدّ مدحوراً ذليلا

*

يارسول الله لا تأس إذا عربد الشرك وكاد الحاقدون

حولك الأصحاب والأنصار في طيبة الغرّاء خير الناصرين

لا يقولون لك اذهب غازياً أنت والربُّ فإنّا قاعدون

بل يقولون إذا خضت بنا لجَّ البحر فإنّا خائضون

وأشدّاءُ على أعدائهم صبْرٌ عند لقاء الكافرين

وبلال صادق الصوت على كعبة الله يغيظ المشركين

بأذانٍ خالدٍ في الأوّلين بنداءٍ خالدٍ في الآخرين

ويقول المصطفى قولته ينصت الجميع يصيخ السامعون

يغفر الله لكم إنكم طلقاء الفتح فامضوا آمنين

*

أيها الشعب الذي نام على مرقد الذلّ ولم يعصف بقيد

كيف أصبحت مقوداً صاغراً تخفض الرأس لسيف المستبد

أي خطب حلّ حتى أصبحت أمّتي في قبضة الخصم الألد

أسدل الجهل عليها ظلمه بعد نور وضلالاً بعد رشد

وتلقت صفعة الظلم ولم تأنف الظلم ولم تنطق بردّ

ومغاني المجد أضحت مسرحاً لجبانٍ حاقد الأظفار وغد

ونظام الكفر أرست صرحه وأحاطته بحرّاسٍ وجند

من بني الإسلام لكن أصبحوا من سموم الكفر في شك وجحد

يا حماة المجد من أمتنا حطّموا الأغلال بالعزم الأشدّ

قد أفاق الشعب من غفلته ورأى أن لا حياة بدون جهد

*

ومشى الموكب بسّام المحيّا وأطلّ الفجر بالنور سنيّا

وتعالت في بلادي صيحة للمعالي يا حماة المجد هيّا

قد نهضنا بنظام خالد سوف يبقى أبد الدهر عليّا

ونزعنا الغلّ من أعناقنا وبلغنا الرشد لا نرضى وصيّا

وصلاة الله أزجيها على أحمد مذ كان في المهد صبيّا

وسلام في حراء عندما جاءه جبريل بالوحي نجيا

وسلام عندما جاء إلى مكة بالحق صدّيقاً نبيا

وسلام في مغاني طيبة عندما حلّ بها خلاً صفيّا

وسلام حين نادى فاتحاً بقريشٍ راحماً براً وفياً

وسلام يوم لاقى ربّه وسلام عندما يبعث حيّا

1973 

وسوم: العدد 849