يا رمل

للَّه تعالى في الصحراء حكمة بالغة، فهي تهب أبناءها أنبل صفات الفرسان: من مروءة وكرم، وشجاعة وشهامة، وحرية وإباء، وخشونة ورجولة، وشدة ونجدة، وغيرة على الأعراض، ووفاء بالعهود، وصيانة للأنساب والأحساب. ‏ولعل هذا من أسباب اختيار اللَّه عز وجل للجزيرة العربية مهداً للرسالة، ومنطلقا لهاً.

‏للرمل سر كله وعدُ= يخفى ولكن فجأة يبدو
يبني الرجال كأنهم مُثُلٌ=للنبل والإقدام تمتد
في كل مكرمة لهم نسب=وبكل مخمصة لهم رفد
أما العفاة فنحو رايتهم=وفد يروح ويغتدي وفد
أهلوه أهل مروءة ويد=ما شانها مَنٌّ ولا كيد
‏‏لا يزدهيهم زهو ما وهبوا=من طيباتٍ مَهْرها الكد
يبيض بين الناس جودهم=أما مواقدهم فتسودُّ
والدهر دوار وهم أبداً=أهل الوفاء ويشهد الضد
وخيامهم للغوث قد ضربت=ورواقها الإنعام والسعد
وقلوبهم كخيامهم أبداً=مقصودة ما شانها صد
* * *=* * *
‏نشؤوا على شظف ومخمصة=‏لا الحر يؤذيهم ولا البرد
وحمتهم الأحساب من دنس=يزري بهم فإذا هُمُ رأد
وهم لكل فضيلة شرف=وهم لكل كريمة جند
وهم وإن كانوا رجال وغى=فالعفو فيهم والرضا عهد
* * *=* * *
‏والرمل ينفي عنه من خبثوا=ويموت فيه الخوف والقيد
ويسود فيه الأكرمون يداً=ويذل فيه النذل والوغد
وتذيع فيه فضانل حسنت=ويزل عن كثبانه الحقد
والرمل معدن كل طيبة=ومروءة أنغامها تشدو
والرمل دون الأرض محمدة=يأوي إليه ويصدر الحمد
وبنوه أحرار سواسية=والنِّدُّ يُكْمِلُ فضلَه النِّدُّ
‏شبوا على لأوائه فأتوا=قد طهرتهم ناره الوقد
والرمل يصنع من شدائده=أبناءه فإذا هم أسد
* * *=* * *
يا رمل فاصنع منهم نبأ=يزهو به في عرسه المجد

وسوم: العدد 862