جوهر الشيشان

من سلسلة : في سجل الخالدين

الشهيد : جوهر دوداييف

مفجر ثورة استقلال الشيشان في العصر الحديث

يجدر بمَن يتحدث عن الجنرال الإسلامي الحر الشهيد جوهر دوداييف أن يقدم شيئا من سيرته المباركة ، فمازالت ذكرى استشهاد زعيم الثورة الشيشانية  ــ يرحمه الله ــ ماثلة في صفحات شهداء الجهاد الإسلامي في العصر الحديث ، وهو الذي قضى عمره في سبيل استقلال بلاده من الاحتلال الروسي. ونسأل الله تبارك وتعالى أن يتغمد الشهيد برحمته ورضوانه ، وأن يجعل مثواه فسيح جناته مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ، وحَسُن أولئك رفيقا .

ومع نبذة من حياته المباركة استقينا أفكارها من مراجع عديدة كتبت عنه :

        ولد الشهيد جوهر دوداييف في الأيام الأولى من عام 1944 في قرية يالهو الشيشانية. قضى دوداييف الثلاثة عشر عاما الأولى من حياته فى منفى داخلي فى جمهورية كازاخستان السوفييتية الاشتراكية مع أكثر من 500 ألف شيشاني ، قام الروس بنفيهم أثناء التهجير القسري الذي لم يشهد التاريخ مثله من قبل ، وقد لقي الآلاف منهم حرقهم في الطريق ، ولكن كتب الله تعالى لجوهر  البقاء على قيد الحياة ليصبح بعد ذلك قائدا لثورة خالدة ويستشهد في سبيل الله ثم في سبيل استقلال وطنه .

قضى دوداييف طفولته في مدينة شيمكنت في كازاخستان في ظل ظروف قاسية من جوع وفقر كبيرين . نشأ وهو يستمتع بالقصص التي ترويها له  والدته عن وطنهم الشيشان ، وكبر في جو روحاني ، وترعرع كمسلم متنور في وسط الظلام الذي حظرت فيه كل الأفكار والقيم الدينية في الجمهوريات السوفييتية آنذاك. وعاد مع عودة الشيشان والأنجوش إلى وطنهم عام 1957 ، أخذ يدرس فى مدرسة ليلية فى أنجوشيا الشيشانية و تأهل فى مجال الكهرباء ، وفي عام 1962 وبعد عامين من دراسة الإلكترونيات فى ( فالديكفكاز ) انضم إلى مدرسة الطيران العسكري ، وتخرج منها عام  1966 . وبين عاميْ : ( 1971 –1974 م ) درس في أكاديمية جاجارين لسلاح الجو ، و تزوج بعد ذلك بالسيدة أللا دوداييفا ، وشارك دوداييف أيضا فى الحرب السوفييتية فى أفغانستان . و قاد فرقة من القاذفات الإستراتيجية السوفيتية، كانت متمركزة في تارون، في جمهورية استونيا البلطيقية، وعُرِف عنه آنذاك تعاطفه مع الاستقلاليين الأستونيين، حتى أنه رفع علم أستونيا على واجهة القاعدة الجوية التي كان قائداً لها هناك ، ورد الأمر لإلقاء القنابل على الأبرياء في إستونيا قائلا : كيف لي أن ألقي القنابل على أبرياء يدافعون عن بيوتهم وأوطانهم ، ليُسمى بعد ذلك بالجنرال العاصي والمتمرد . فتعلم دوداييف الاستونية وأظهر تسامحًا كبيرًا للإستونيين عندما تجاهل الأوامر الصادرة له بإغلاق التلفزيون الأستونى والبرلمان ، وقام بسحب كتيبة الجو من إستونيا وقدم استقالته من الجيش السوفييتي ، و في تلك الأوقات كان الوضع في الشيشان يزداد تدهورا حيث بدأ ياندرباييف وزملاؤه  تنظيم ثورتهم ونضالهم لاستعادة استقلال الشيشان ، وكان دوداييف على علم بما يحدث هناك. وبدعوة من ياندارباييف, عاد جوهر دوداييف إلى جروزني العاصمة الشيشانية فى مايو عام 1990 م ، ليكرس نفسه للسياسة المحلية ، وانتخب كرئيس للجنة التنفيذية للمعارضة غير الرسمية  التي تدعو إلى سيادة الشيشان كجمهورية منفصلة عن الاتحاد السوفييتى. و فى أكتوبر عام 1991م اعتلى دوداييف منصبه الجديد كرئيس لجمهورية إيشكيريا الشيشانية . إثر انتخابات أشرف عليها فريق من المراقبين الدوليين، وقد حصل دوداييف، خلالها على 85 % من أصوات الناخبين .  وأعلن سيادة الجمهورية واستقلالها عن الاتحاد السوفييتي. ومن أكبر أحلام دوداييف هو إنشاء وحدة شعوب القوقاز بأكملهم. وفي حرب أبخازيا، والتي بدأت في عام 1992 م أرسل مقاتليه تحت قيادة شامل باساييف لدعم اتحاد الشعوب القوقازية. وكانت موسكو تتابع كل هذه الأحداث في القوقاز في قلق كبير. فقد كان دوداييف يدعو كل شعوب المنطقة للتخلص من حكم روسيا والاتحاد تحت راية دول القوقاز  ، ولكن روسيا لم تكن تتحمل فكرة خسارتها لهذه المنطقة ، وبعد رنين أجراس الحرب في المنطقة, حاول دوداييف التفاهم والتفاوض مع الحكومة الروسية حتى أن تم مناقشة إمكانية بقاء الشيشان تحت حكم الإتحاد السوفيتي بحكم ذاتي كما هو الحال آنذاك في التتار ستان. ولكن لم تقبل موسكو كل الاقتراحات . وكانت مصممة على الوقوف أمام جوهر دوداييف والقضاء عليه. فحاولت موسكو في البداية عن طريق خونتها في الداخل القضاء على خطة الاستقلال ولكنها لم تنجح في ذلك لأن فتيل الثورة التي أشعلها دوداييف وأصدقاؤه كانت قد عمت كل أرجاء الشيشان ، وكانت مسألة وقت لتشمل كل بلاد القوقاز. وقدم كالموك يورا وزير العدل الروسي في هذه الفترة ، والذي هو من أصل شركسي استقالته بعد أن قال لأحد أصدقائه : ( لقد اتخذ مجلسنا للأمن قرارًا  ببدءِ هذه الحرب ، ولا سبيل للتراجع عن ذلك لأنهم يفكرون بأن فوزهم في حرب صغيرة سيمكنهم من إعادة الوضع في السياسة الداخلية إلى عملية اتزان. و وفقا لهذا القرار, ستدخل قوات الجيش الروسية إلى الشيشان. وفي 11 ديسمبر ، وبعد خمسة أيام من موافقة دوداييف وزير الدفاع الروسي بافيل جراتشيف على تجنب استخدام مزيد من العنف ، قامت القوات الروسية بغزو الشيشان ليستقبلهم جوهر دوداييف الذي يعرف الجيش الروسي جيدا ، ويرد عليهم بمقاومة لن ينسوها أبدا . وليعلن الجهاد ضد الروس قائلا جملته الشهيرة : يجب أن تقتلوا كل الشيشان في العالم حتى تستطيعوا قول كلمة انتصرنا فإن بقي شيشاني واحد سينجب ويحاربكم وسننتصر بمشيئة الله. بإمكانهم قتلنا وتشريدنا وسحق عظامنا بالدبابات ولكنكم لن تستطيعوا محو روح الحرية والاستقلال منا.

استشهد الجنرال جوهر دوداييف فى 21 إبريل عام 1996  في قرية جاخي ـ تشو جنوب الشيشان بواسطة صاروخ ليزر موجه ، عندما كان يستخدم هاتف بالقمر الصناعي بعد الكشف عن مكان وجوده من قبل طائرة استطلاع روسية بعد أن قطعت إتصاله الهاتفي مع أحد نواب مجلس دوما ، ليحقق الله عز وجل دعاءَه بالاستشهاد والذي طالما تمناه قائلا : ( أطلب الشهادة لأنها من أرفع الرتب والمقامات وأهمها . وأنا على استعداد للقتال حتى الموت من أجل استقلال بلادي وحرية شعبي. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية هي أول المصادر التي أكدت اغتيال الشهيد ، وعبرت على ذلك بأنها نهاية للثورة ، ولكل الأحداث الجارية في الشيشان. ولكن كان الشهيد قد حكي لشعبه الحقيقة بشكل لا يمكن للدول الاستعمارية فهمها أو استيعابها ، واستمرت الثورة على درب شهيدهم ليهزموا الروس بعد عامين من الحرب والجهاد ، وبعد تقديم أكثر من 150 ألف شهيد شيشاني . بعد حرب خاضوها ضد الروس ، كان الشهيد جوهر دوداييف زعيما حقيقيا لم يطمع في يوم من الأيام بالمال والسلطة والمقام. لم يقبل أبدا ما قدم له من مال ليترك بلاده ، وضمان أمنه في الخارج. وكان واثقا من إيمان شعبه. وكان متواضعًا لحد كبير في إجابته لأحد ممثلي الإعلام الذي سأله قبل الحرب عن عدد الجنرالات في جيشه ليجيبه قائلا: كل فرد في الشيشان هو جنرال, أنا لست إلا فرد واحد من المليون. كان جسورا يقول للدول التي أرسل إليها رسائل للاعتراف بدولة الشيشان ، والذين رفضوا خوفا من روسيا: إذا لم تعترفوا بنا فإننا نحن أيضا لا نعترف بكم. لن تنسى الشيشان أبدا هذا القائد العظيم. استشهد في حرب استقلال الشيشان مع  أكثر من 300 ألف شهيد ، وبقيت الشيشان تجاهد من أجل استقلالها وحريتها. وإن سألتم لماذا استمرت الحرب الشيشانية  فالإجابة على لسان الشهيد ــ جوهر دوداييف ــ رحمه الله الذي قال : ( الوقوف بشرف ولو ليوم واحد أفضل من الحياة كعبد لمئة سنة ) .

جوهر الشيشان

هوامش :

: جون : أسود . : الرمرام : نبات صحراوي يستخدم في الطب الشعبي . : المأروض :مَن به رعدة ورعشة تشينه . : يجتليهم :  اجتلى الأمرَ : كشفه ، نظر إليه مستوضحًا .

وسوم: العدد 867