الفصام

د. أحمد جعفر الشردوب

و شرُّ مصائب العقل الفصام

و أن يبقى وليس له اهتمام

وشأنُ العقل أن يعطيك فكراً

سليماً لا يكون به اتِّهام

وهل يعني الجنون سوى افتقاد

لعقلٍ فيه يتَّزن الكلام

ذهانٌ قد أصاب الفكر فينا

وأمسى ليس يحكمه انسجام

ضلالاتٌ تعمُّ و هلوساتٌ

لها في فكر أمَّتنا ازدحام

و تشغلنا السفاسفُ والدنايا

وآلامٌ نعانيها جسام

أيُعقل أن يعمَّ الدّاء فينا

و تنتخرَ الخلايا والعظامُ

ويسري السِّلُّ في الأحشاء هوناً

ويمشي في مفاصلنا الجذام

و هَمُّ أُساتنا في صبغ شَعرٍ

و جلدٍ فيه تنتشر الهوام

وتُسفك دونما حقٍّ دمانا

و يُطرد من بيوتهم الأنام

وينتشر الفسادُ بكلِّ فجٍّ

و يعلو من مفاسدنا الرُّكام

و ساد الناسَ أهلُ الظلم فيهم

و أُبعدَ من أنابوا واستقاموا

و أهل العلم في الشبهات هاموا

و هم عمّا يروِّعنا نيام

ويشغلهم نفاسٌ أو محيضٌ

و هل فطرٌ علينا أم صيام

ولم يدعوا إلى الإصلاح يوماً

لعمري فعلهم هذا حرامُ

ولو طافوا بصحن البيت سبعاً

ولو أدَّوا صلاتَهم وقاموا

وللآداب فيما منه نشكو

نصيبٌ فالأديبُ له التزام

أيُعقلُ أن تقول الأفق نورٌ

و في الآفاق قد قبع الظلام

وتمتدح الظلام و عنه تُغضي

وتزعم أنّه نورٌ يُرام

وتزعم أنَّها طلعت ذكاءٌ

و دون ذكاءَ قد جثم الغمام

فهل تشكو عيونك من عوارٍ

فباتت لا يبينُ لها السّخام

أيُعقل أن تهيم بحبِّ ليلى

وليلى حولها التمَّ اللئام

ولم تنهض لردِّ الظلم عنها

وقد غُرزت بخافقها السِّهام

غريبٌ من يهيمُ بطرف ليلى

و ليلى طرفَها اجتاح السّقام

و يزعم أنه قمراً رآها

بعينٍ ليس يخدعها منام

أخي ليلى ممزَّقةً أراها

و إني لستُ في نظري أضامُ

أرى في وجهها بؤساً وشكوى

وليس لثغرها العذب ابتسامُ

أراها جُرِّدت من كلِّ حسنٍ

وفيها كلُّ شاردةٍ حطامُ

وأنت تقول عنها بدرَ تمٍّ

لعمرك ما ترى يعني التَّمامُ

أرى أخواتها يبكين حُزناً

عليها والدموعُ بهم سجام

وهنَّ كمثلها يشكين ضيقاً

و حول الكلِّ أهلُ البغي حاموا

وأنت ترى لهنَّ الأرضَ مُدَّت

و غرَّد في حماهنّ الحمام

و أشرقَ في مرابعهنَّ نورٌ

و فاح العطر وانتشر السلام

حقيقٌ قد يُضلُّ الوهمُ عقلاً

أوَ انَّ العقلَ قيَّده لجامُ

يُريه كما يُريدُ الجبتُ منه

و عنه ليس يمكنه الفطام

يراعك والحسامُ هما سلاح

وهل يجدي إذا انغمد الحسام

هما زنداك حين البأس فاجعل

رؤوس البغي ويلَهما تُسام

ولا تُرخص يراعك في نفاقٍ

ليرضى عنك حكامٌ طغام

و شُدَّ زمامَه ليخطَّ نبضاً

لشكوى مَن حياتُهم قتام

ولا تسكن بروجَ العاج وانزل

خياماً في العراء بها أقاموا

وفي آلامهم فاكتب وسجِّل

و ساعتها سيرتفعُ الملامُ

إذا  ما صار ربُّ الفكر بوقاً

لجبتٍ فيه جاز لك الخصام

بفكرك لن تنال رفيعَ مجد

إذا ما فيه قد حلَّ الفصام

وسوم: العدد 873