سَيِّدُ قُطْبٍ (هنيئا لك الشهادة ياسيد )

من أرشيف فضيلة الشيخ المجاهد عبد الحميد كشك ــ يرحمه الله ــ

ليلة إعدام سيد قطب ــ يرحمه الله ــ يقول الشيخ عبد الحميد كشك نقلا عن أحد المجاورين لسيد قطب عن إعدام سيد قطب : إن الشيخ سيد قطب كان مظلوما ، وكان كثير الدعاء لله تعالى بنصر الحق والانتقام من الظالمين . وفى حجرة الإعدام كان سيد قطب قد غفل قليلا ، ومن ثم نام وقد رأى فى المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه فى المنام راكبا فرسا أبيض ، وينزل له الرسول صلى الله عليه وسلم من على الفرس ويقول له :

(هنيئا لك الشهادة ياسيد ) .

ثم قام سيد قطب من غفوته ، وجاءه الضابط ليأخذه الى حبل المشنقة ، وكان من الممنوع ان يُعدَم شخصٌ مثل سيد قطب لأنه قد تجاوز السن القانونية لإعدامه . ومع ذلك لم يصدر قرار من جمال عبد الناصر باستثنائه من الإعدام . ووضع حبل المشنقة على رقبته فقال : رب إنى مغلوب فانتصر ، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ .

          وكان ذلك يوم 29/ من شهر آب ـــ أغسطس 1966م لتحدث بعد ذلك النكسة الأليمة والهزيمة المشؤومة في نفس يوم الإعدام وشهره عام 1967م ، ويموت العبد الخاسر عبدالناصر بالخيانة العظمى ، ويقتل عبدالحكيم عامر ، ويتفكك جمع مايسمى بالضباط الأحرار .

       فماذا كنت تفعل يا سيد قطب حتى ينتصر لك ربُّك ؟!

إذن :

(في هذا الشهر ــ آب ــ ( أُغسطس ) كما يسمونه ، أعدم الشقيَّ المجرم المقبور الطاغية جمال عبدالنصر ــ أخزاه الله في قبره ويوم بعثه ــ العالم الجليل والمفكر المجاهد الشهيد سَيِّدَ قطبٍ أعلى الله منزلته في الفردوس الأعلى مع النَّبيِّين والصِّدِّيقيـِّن والشهداء والصالحين الأبرار ، وحَسُن أولئك رفيقا ) :

فَ...(هنيئا لك الشهادة ياسيد ) .

 

قـد عادَ آبٌ وأهلُ الفضلِ ما آبوا = إذْ أُغلقَتْ دونَهم ياصاحِ أبوابُ !

وغابَ من بينهم بدرٌ له ألقٌ = فأُرهقتْ بعده في الركبِ أعصابُ

وغابَ تبكيه أجيالٌ وقد ذرفتْ = من المدامعِ أحسابٌ وأنسابُ (1)

قد كان في الركبِ يُقْريهِ مآثرَه = فتَنفحُ الركبَ أنسامٌ وأرطابُ

قد غابَ آبٌ ولا أبكي على حقبٍ = تمرُّ كلمى وللأيامِ أوصابُ

لكنَّني لم أزل أبكي على قُطُبٍ = فقطبُنا البطلُ الكرَّارُ أوَّابُ

أمضى لياليه للإسلام مفتخرًا = فدعوةُ اللهِ إيمانٌ ومحـرابُ

فباليقين وبالإيمانِ أفرده = وجهَ الحنيفِ وللإسلامِ إطنابٌ (2)

هو العقيدةُ أغنتْنا مآثرُها = وللمآثرِ إخــوانٌ وأحبابُ

وأهلُهـا الصِّيدُ ماهانوا ولا انهزموا = وقد تصاعدَ للأوغادِ تصخابُ

ففي يَدَيْ بطلِ القوميةِ ارتفعتْ = أصواتُ تهريجِهم والأمرُ تلعابُ !

فإنْ عـوى بينهم في جمعِ طيشِهِمِ = فأهلُ وعيِ الحِجَى من هـذْرِه ارتابوا

هـو المهرجُ والتهريجُ صنعتُه = رفيقُ ( تيتو) وللماسونِ أثـوابُ

فَسَيِّدٌ ... هكذا لـم يرضَ مهزلةً = فالشَّبُ يخسرُ والطاغوتُ جـوَّابُ

والسِّجنُ لـم يلـوِ إيمانا لسّيِّدَ إذْ = ماراعه الحقدُ والسَّجَّانُ غلاَّبُ

وَظَلَّ قطبُ الرحى يأبى تآمرَهم = وللخيانـةِ والإجرامِ أسبابُ

وليس يوقفُه خنقٌ إذا صدعتْ = بالحقِّ لهجتُـه فالقلبُ وثَّابُ

ذاك الزعيمُ الفاشلُ ابتهجتْ = بـه قلوبٌ لهـا في العيشِ تلعابُ!

فمجَّدوه وأعلوا من حقارتِه = وذاك نهجُ لهم للزيفِ جـذَّابُ

قد غـرَّ شعبًا بما للزيغِ من فتنٍ = تغشى العيونَ ويُعمي القلبَ إعجابٌ !

فهل رأيْتَ لسانًا لفظُه عوجٌ = يقيمُه الريبُ والإعلامُ كـذَّابُ

فللأكاذيبِ عبدُ الناصرِ ارتفعتْ = له الأيادي وللْتصفيقِ طُلاَّبُ

قد علَّم الناسَ تهريجًـا وفلسفةً = لها من النُّخبةٍ العمياءِ أترابُ

وماتَ بالسَّمِّ مذعـورًا فما وجدت = لـه الأطبَّاءُ إذْ نالَتْهُ أوصابُ

أرادَ تسميمَ مَن ناداهُ ممتهنًـا = فيه الهوانُ لمَن خانوا وقد حـابُوا

أعـدَّها و بخُبثٍ جـرَّهـا خطأً = تقديرُ بارئنا والخُبثُ سَلاَّبُ

فكانت الكأسُ في يسراهُ قد نشطتْ = وجاءَ بالسمِّ أضغانٌ وترحابُ !

وكان ما كان من موتٍ ومن قـدرٍ = أردى بـه ولهذا الموتِ أسبابُ

والخزيُ عاقبةُ الطَّاغين يدركُهم = وللأذى يابنَ هذا الشَّعبِ أنيابُ

نمرودُ ولَّى وللفرعونِ ما اكتَسَبتْ = يـداهُ حينًا ولـم يَنفَعْهُ حُجَّابُ

ومَنْ مضى خائنا مغلولةً يَدُهُ = فإنَّـه مجرمٌ باغٍ وعَـرَّابُ (3)

هو الذي امتلأتْ بالإثمِ صفحتُه = وعندَ ربِّـكِ للطاغوتِ إلهـابُ (4)

تُحصِّنُ النفسَ ياشعبي هدايتُه = ففي الهدايةِ إشفاقٌ وإحـدابُ

لاتركَنَنْ أو تعشْ عبدًا لطاغيةٍ = إنَّ الطغاةَ لَعُبدانٌ وأذنابُ

قُلوبُهم عَمِيَتْ من سوءِ نيَّتِهم = صريخُها لو دروا في الدهرِ أحقابُ !

قد ترشدُ الحقبُ الألبابَ صارخةً = فتستجيبُ لهـا في العيشِ ألبابُ

وهـؤلاءِ وربِّ العرشِ قد فقدوا = ألبابَهم فلهـا ضنكٌ وإسغابُ

هـم يدَّعون ودعـواهم لَباطلةٌ = لكنَّه القهرَ قـد جـلاَّهُ كُتَّابُ

ألمْ يقلْ قبلُ فرعونُ الذي خضعتْ = لـه الخلائقُ والفرعونُ كذَّابُ !

وقالَ ربُّكُمُ الأعلى أنـا وطغى = فهل تجرَّأَ في لُقياهُ وثَّـابُ !

ألم يَسِرْ بعدَ أكلاتٍ لحاجته = ألم ينمْ إن سجى ليلٌ وأتعابُ !

فكيف للربِّ أن !!!!!!!!!! ؟ = وكيف للربِّ نسوانٌ وإنجابُ !؟

هـم يعمهون وربي في ضلالتهم = فالدَّارُ خـاويةٌ والقومُ مـا عابُـوا

فما لبنيانهم أركانُ عـزَّتِهم = وما لخيمتِهم في الحقِّ أطنابُ

آهٍ مضيْتَ وما زالتْ مآثرُكم = ياسيِّدُ ازدهرتْ فالبثُّ جـذابُ

أما الظلالُ فصرحٌ فيه حُجَّتُكُم = ونشرُه في المدى اللهفانِ جذَّابُ

مدادُه دمُـك الفوَّارُ زيَّنَه = حبٌّ لمُنزلِه ترعاهُ أهـدابُ

وفي تراثكَ من قرآنه قيمٌ = طارتْ بها لنواحي الكونِ أسرابُ

وحبُّك الجَـمُّ للهادي مُحَمَّدِنا = قد جاءِ في السيرةِ الغـرَّاءِ إسهابُ

أبهجتَ قارئها من نعتِ صاحبِها = فرحمةُ اللهِ للقُـرَّاءِ تنسابُ

وقد تهافتَ لمَّـا هـلَّ مطلعُها = قومٌ بغاةُ لهم في الكفر أحزابُ

قد فزتَ بالنعمةِ الكبرى وقد خسروا = والظالمون لهم في القبرِ تصخابُ

مَن أعدموك جُناةٌ لا أبا لَهُمُ = وللجناةِ بوهْجِ النَّـارِ أصحابُ

فرعون منهم وباقي القوم في زمر = فيها أبو لهبٍ ، واليومَ سبَّابُ

لحاهُـمُ اللهُ قد سَبُّوا وقد حرقوا = وليس تَخفى علينا اليومَ ألقابُ

والكفرُ مبدؤهم والظلمُ ديدنُهم = ومعجمُ الشَّرِّ أضغانٌ وإرهابُ

تبًّـا لهم ما انثنوا عن بغضِ دعوتنا = وليس يهدأُ للطاغوتِ إدآبُ

فأعدموا السَّيِّدَ الكرَّارَ ناجزهم = ومن فضائحهم في الفكر قد هابوا

فالقطبُ والسَّادة الأبرارُ إخـوتُه = وكلُّ فــذٍّ بهم ثَبْتٌ وأوَّابُ

من قارعوا الباطلَ المذمومَ يحرسُه = أهـلُ الشقاءِ فلا تابوا ولا آبوا

فحسبُهم في لظى تٌلْفَى حرارتُها = ويصطلي بلهيبِ النارِ أوشابُ

حثَّتْهُمُ الكبرياءُ الزيفُ زخرفَها = فاستَعْبَدَتْهم ولمَّـا يأْتِ تـوَّابُ

حتى إذا جاءَهم مـوتٌ فكفَّنَهم = هذا المـآلُ فلا أهـلٌ وأنسابُ

ولا ثراءٌ ولا مجدٌ بلا قيمٍ = وليس في الحشر أصهارٌ وأحسابُ

ولا سياطٌ لهمُ روَّتْ حقارتَهم = في ظهرِ ناسٍ وآلاتٌ ودولابُ !

سينقضي العمرُ والأعمالُ باقيةٌ = ويومها ليس للأوغـادِ نُـوَّابُ !

والسَّيِّدُ البرُّ في جنَّاتِ بارئه = واللهُ أكرمـَهُ واللهُ وهَّـابُ

وفازَ بالحُسْنَيَيْن اللهُ ربُّهما = فللمكانةِ عندَ الله أقطابُ

وللهلاك بدنيا ثُــمَّ آخـرة = وللعذابِ بدارِ الخُلدِ أربابُ

ويمحقُ اللهُ أهـلَ الغيِّ منتصرًا = لأهلِ قرآنِـه فالقومُ أغرابُ

ياسيِّد القطبِ قد هبَّت فوارسُكم = شُبوبُها اليوم إصرارٌ وآرابُ (5)

ولهفةٌ تتَمنَّى أُفقَها أُمــمٌ = قد دوَّخَتْها من الطاغوتِ أنصابُ (6)

قد لفَّقوها فأثرَتْهم زخارفُهـا = وسوَّقوهـا فللاَّهين ألعـابُ !

حتَّى إذا انتفضتْ أرواحُ أُمَّتِنا = وجاء للنهضةِ القعساءِ رُكابُ

من الذين رأوا حقًّا لأُمَّتهم = قد ضاعَ فاسترخصَ الأرواحَ طلاَّبُ

هذي سفينتُهم شقَّت لهم سبلا = والموجُ عاتٍ وأهلُ الركبِ مـا هابُوا

اللهُ أكبرُ مازالتْ تحفِّزُهم = إلى الجهادِ فأهلُ البذلِ ماغابُوا

ياربِّ نصرَك فالطاغوتُ حاصرنا = والقادةُ اليوم خوَّانٌ ونصَّابُ

أمَّـا العدوُّ فوحشٌ ماله ذممٌ = وكافرٌ مجرمٌ باغٍ وكـتذَّابُ

 هوامش :

(1) الأحساب : مايُفتَخَر به من دينٍ وقيم وآداب وأخلاق .

(2) إطناب : أن تزيد الألفاظ ما تستحقه الفكرة ، لزيادة المعنى . ومنه قولُه تعالى(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى). فقد ذكر الصلاة الوسطى بعد الصلوات الأخرى تنبيها على فضلها .

(3) العَـرَّاب : هـو مَن يتولَّى مسؤولية اتِّفاق طرفين في السِّر .

(4) إلهـاب : إلهاب النار هو إيقادها واشتعالُها بأجسادِ أصحابها .

(5) الشُّبوب : مـا توقَدُ بـه النَّار .

(6) الأنصاب : أشياء كانت في الجاهلية ، وكانَ المشركون ينصبونها ويذبحون عندها لأصنامهم، فأنكر الله عليهم ذلك وأمر بإزالتها والقضاء عليها، قال ابن عباس ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والحسن وغيرهم : الأنصاب هي حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها، وقال القرطبي والشوكاني : الأنصاب هي الأصنام ورجس أي إثم كما قال الطبري وقيل سخط أو شر.

وسوم: العدد 1045