عاشقان (ترانيم معتقلة)

د. عبدالله بن أحمد الفَيْفي

I

فَوْقَ تِلْكَ القُلُنْسُوَةِ اللَّازَوَرْدِيَّةِ،

المُسْتَعارَةِ..

تِلْكَ التي قَدْ تُسَمِّي الطُّيورُ ذُؤابَتَها في الشِّتاءِ السَّماءْ

وعَلَى كُلِّ صَهْوَةِ غَيْمٍ،

شِراعِيْ مُخِبٌّ إلى فَجْرِ هَتَّانِ ماءْ

 

بِـيْ مَشَى المَوْجُ،

حَتَّى إِذا لم تَعُدْ لِـيْ بِهِ قَدَمٌ،

أو يَدٌ،

أو عِنانْ

هَمَسَ البَحْرُ في أُذْنِ (نِـبْـتُنْ)(1):

أَما آنَ أَنْ يَتَأَرْجَحُ هذا المُـدَانْ؟

فَجْأَةً حَلَّقَتْ فَوْقَ رَأْسِيْ النُّسُوْرُ..

وماءُ السَّماءِ انْهَمَى مِثْلَ تِنِّينِ نَارْ

وعَلَى الرُّغْمِ مِنْ أَنَّني

كُنْتُ شِلْوًا،

وبِـيْ وَجَعٌ أَزَلِـيٌّ،

رَفَعْتُ بِرَأْسِيْ انْهِيارَ النَّهارْ!

 

II

رُبَّما يَقْتُلُ الحِبُّ مَحْبُوْبَهُ؛

والغَرامُ فُنُوْنٌ تَـخُوْنْ:

بَعْضُها: عَزْفُهُ لَفْتَةٌ،

بَعْضُها: رَسْمُهُ كِلْمَةٌ،

بَعْضُها: شِعْرُهُ قُبْلَةٌ،

- والشَّجاعُ؟

قَتِيْلٌ بِرِيْشِ الظُّـنُوْنْ!

- والنُّهَى؟

- كُلَّما أَنْبَتَ الوَجْدُ نارًا،

تَوارَتْ عُيُوْنُ النُّهَى في اللَّهَبْ

كَمْ خَنِـيْقِ يَدَيْ شَهْوَةٍ،

وذَبِيْحٍ بِأَيْدِي الذَّهَبْ!

 

III

وشَرِبْتُ الشُّمُوْسَ،

كُؤُوْسَ الصَّحارَى، ثَمِلْنَ بِراحِ التَّعَبْ

والنُّفُوْسُ النُّفُوْسُ تَدُوْسُ عَلَى خاتِمِ القَلْبِ،

إِمَّا سَرابُ الهَجِيْرِ اضْطَرَبْ

بَيْنَما ثارَ فَصْلُ الرَّبِيْعِ هُنا:

حَنْوَةً، وأَقاحِيَ مِنْ بَرَدٍ،

ثارَ فَصْلُ الخَرِيْفِ بِجِذِعِ المُـنَى

أَخْضَرًا/ يابِسًا،

يابِسًا/ أَخْضَرًا،

...

قَبْلَ أَنْ يُجْتَنَى!

 

 

IV

صَرَخَ الطِّيْنُ مِنْ أَجْلِ دَمْ:

حَلْقِيْ نارٌ!...

صَوْتِـيْ ثارٌ!

...

في تِلْكَ اللَّيْلَةِ مَرَّ فَراغٌ،

مَمْلُوْءًا مَوْتًا،

صاعِدًا/ هابِطًا،

والمَدِيْنَةُ قَلْبٌ حَدِيْدٌ،

بَدَتْ..

مِثْلَ قَلْبِ الصَّنَمْ

الوُجُوْهُ الدَّنانِيْرُ،

في السُّوْقِ السَّوْدَاءِ،

دُمًى تُقْرَعْ

صَرَخَ الطِّيْنُ مِنْ أَجْلِ فَمْ:

عَرَبٌ سَحَلُوا كُلَّ تارِيْخِ أَجْدادِهِمْ!:

عَرَبٌ.. وامْتَطَى رُوْسُهُمْ/

عَرَبٌ.. وامْتَطَى رُوْمُهُمْ/

عَرَبٌ.. وامْتَطَى فُرْسُهُمْ/

...

عَرَبَاتٌ لِنَقْلِ الذَّخائِرِ بَيْنَ غُزَاةِ العَجَمْ!

...

صَرَخَ الطِّيْنُ مِنْ أَجْلِ (لَـمْ):

نِعْمَ مَنْ (لَـمْ) يَـبِـعْ أُمَّهُ

في مَزَادِ الأُمَمْ!...

 

V

شُعَراءُ الهَوَى، واللُّغَى المُسْبَلَـةْ

رافِعِيْنَ لِواءَ (الأَنا) المَزْبَلَـةْ

يَرْكُضُوْنَ نَعامًا،

فَلا كالطُّيُوْرِ يُرَوْنَ، ولا كالإِبِلْ

دافِنِيْنَ بِرَمْلِ القَوافِـيْ رُؤُوْسَ الأَمَلْ

لَعْنَـةٌ شِعْرُهُمْ،

لَعْنَـةٌ..

لا تَبِيْضُ بِهاماتِهمْ

إِنْ هُمُ قَطُّ لَـمْ يَكْذِبُوا،

تارِكين كرَسْمِ النَّمْلِ عَلَى رَمْلِ!

إِنْ لَـمْ يَكْتُبْ فيهِمْ دِيْكٌ أَعْمَى..

قُنَّ العارِ الأَشْهَى،

أو لَـمْ يُمْلِ!

 

VI

أَعْشَبَتْ أَنْفاسُ الصَّبَاحِ

تِـئِنُّ أَنِـيْنا

مِنْ خَصَاصِ المَدَى

والعُيُوْنُ تَلُوْحُ سُجُوْنا..

كانَ لَوْنُ الفَطُوْرِ هنالِكَ أَحْمَـرْ

كانَ لَوْنُ الكَلامِ هنالِكَ أَحْمَـرْ

وزَحَفْنَا عَلَى أَنْـفِـنا،

غازِلِـيْنَ خُيُوْطَ الفَضَاءِ خُيُوْلا

قامَ قاضِي الشُّمُوْسِ..

يُصَلِّيْ بِنا رَكْعَةً لَـمْ تَطُلْ..

ثُمَّ يَبْكِيْ عَلَيْنا طَوِيْلا!

VII

فتَنَفَّسْ صَلاةً،

تَنَفَّسْ غِناءً،

كمَجْنُوْنِ لَيْلَى،

يُغَنِّي غَرامًا عَلَى غُصْنِ عُمْرٍ ذَهَبْ!

مَنْ يَعِشْ في الهَوَاءِ الأَخِيْرِ،

يَبِـعْ رُوْحَهُ طائِرًا مِنْ طَرَبْ!

 

VIII

مِطْرَفٌ قُرْمُزِيٌّ،

عَلَيْهِ دَمٌ كالنَّبِيْذِ:

دَمانْ!

طِرْمِسَاءً رَأَوْهُ مَعَ المَـيِّـتِيْنَ،

مَعَ امْرَأَةٍ لَـمْ تَـمُتْ،

رُبَّما كانَ في دَمِها سارِيًا؛

في سَرِيْرِهِما يُقْتَلُ العاشِقانْ!

 

IX

كُلَّما يَرْفَعُ القَلْبُ مِنْ حَجَرٍ

في النَّهارِ،

سَيَبْنِـيْ بِهِ قَمَرًا في اللَّيالِـي،

ويَبْنِـيْ دِيارا

هكذا بُحْتِ لي..

قُلْتُ:

إِنْ فِـيَّ تَصْدَأُ سِلْسِلَةٌ مِنْ حَدِيْدِ الحَياةِ،

فعَيْنُكِ تَجْلُوْ بِعَيْنِ اللَّيالِـي

عُيُوْنَ شُمُوْسِي العَذارَى!

...

وانتَهَـيْنا..

كبَدْءِ ضُحَى العاشِقِـيْنَ؛

وعَيْنُكِ تَجْلُوْ بِعَيْنِ اللَّيالِـي

عُيُوْنَ شُمُوْسِي..

تَصُوْغُ اللَّيالِـي نَـهارًا نَـهارا!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) (نِبْتُنNeptune ): رمز الماء لدَى الإغريق.

وسوم: العدد 1054