أنى لقلبك أن يعود!

د. محمد ياسين العشاب

د. محمد ياسين العشاب - طنجة/المغرب

[email protected]

أَنَّى لَقَلْبِكَ أن يَعُودَ و قَدْ جَفَا

مَا طَابَ وَصْلٌ لِلشَّجِيِّ و ما صَفَا 45

إِنْ كَانَ قَدْ سَأَلَ الوِصَالَ فَقُلْ لَهُ

قد أذهَبَ البَيْنُ الوِدَادَ و أَتْلَفَا

أَوَ ما عَلِمْتَ بِخَاطِرِي ما شَانَهُ؟

فاعْلَمْ بأَنَّكَ لستَ أَهْلًا للوَفَا

لو كان لي في الأمر أدنى حِيلةٍ

ما كنتُ ضَيَّعْتُ المَرَامَ تَكَلُّفَا

عَجَبًا لقلبٍ ما فَهِمْتُ خِلالَهُ

لاشيءَ إلا كان منه على شَفَا

أُعْطَى المُنى فيَشُكُّ في نَعْمَائِهِ

ويَنَالُ منه على ارْتِيَابٍ ما خَفَا

وأُعَانِقُ القمرَ المُنِيرَ مَحَبَّةً

فيَظُنُّ أَنْ في حُبِّهِ قد أَسْرَفَا

حتى يُجَافِيَهُ جَفَاءً مِثْلَمَا

جـَــافَـى كَثِـيــــرًا قبلَه مُتَكَلِّفَا

أَتُرَاهُ خَوْفٌ أم مَخَافَةُ عَاذِلٍ

أَمْ جُلُّهَا، لا ذَاكَ أَوْ هَذَا انْتَفَى

عَجَبًا، وما جَافَيْتُ إلا و انْبَرَى

حُزني و طال دُجَايَ و الصبحُ اختفى

فعَلاَم ذا الأحوالِ تَأْلَمُ حَسْرَةً

وتَلُومُ مَنْ يومًا هَفَا لَوْ قَدْ هَفَا !

هُوَ خَافِقِي طورًا يَلِينُ وتَارَةً

يَقْسُو كصَوَّانٍ فيَمْلِكُهُ الجَفَا

أتُرَاهُ زُهْدًا قد تَرَفَّعَ أَمْ هَوًى

في النفس عَلَّمَهُ الرِّيَاءَ و عَرَّفَا

فمضى يُزَكِّيهَا و يَحْسِبُ أَنَّهُ

سَلَكَ السبيلَ لوَحْدِهِ و تَحَنَّفَا !

أَمْ قد عَرَاهُ النَّقْصُ فاجْتَنَبَ الورى

ورَمَى سِوَاهُ بضَيْعَةٍ فتَخَفَّفَا

فأضاعَ كُلَّ حياتهِ مُتَعَصِّبًا

لِظُنُونِهِ، و عَنِ الحقيقةِ قد غَفَا

و أطاعَ ظُلما نفسَه و أحبَّها

فاسْتَدْرَجَتْهُ لِمَا أَبَاهُ تَعَفُّفَا

إذْ زَيَّنَتْهُ فخَالَ فيه صلاحَه

حتى ارتدى ثوبَ الظُّهورِ و أسرَفا

أمَّلْتُ في عقلي و لُذْتُ برُكْنِهِ

ووَدِدْتُ لو عَادَ الضميرَ فأسعَفا

أَبَدًا و ما أحسستُ بعدُ شفاءَه

فذَرِ الذي قد كان شَجْوًا ما عَفَا 46

أَنَّى لقلبكَ أن يعودَ لرُشده

و لَكَمْ نُصِحْتُ فما انْتَصَحْتُ تَعَجْرُفَا

و لَكَمْ نُهِيتُ فما انْتَهَيْتُ فكيف لي

أن أُبْصِرَ النورَ المُبينَ و أَعرِفا !

قد ضِقْتُ مِنْ حالي فمُنَّ بصَحْوَةٍ

يا قلبِ :أوشكَ مَبْدَئِي أن يُجْرَفَا

يَا رَبِّ لَمَّا قد فَطِنْتُ لِمَا عَرَى

قلبي، فقُلْتُ لَهُ : كَفَى ذُلًّا كَفَى!

نَادَيْتُ في الظُّلُمَاتِ أَضْرَعُ مِثْلَمَا

نَادَاكَ ذُو النُّونِ الغَضُوبُ فأُنْصِفَا

هَذَا نِدَائِيَ فاعْفُ و ارْحَمْ و اسْتَجِبْ

ما كان وَعْدُكَ بالرِّضَى أَنْ يُخْلَفَا

يكفي فؤاديَ أَنّهُ عَشِقَ الهدى

نُورَ الحقيقةِ تَاجَهَا عَيْنَ الْوَفَا

إِذْ جاءهُ حتى اطْمَأنَّ كَأَنَّمَا

بَعَثَتْهُ رُوحُ غَرَامِهِ فيِ المُصْطَفَى

فإِذَا به ابتَهَجَ الجَنَانُ وأَشْرَقَتْ

شمسُ الجَمالِ، وكُنْتُ عنها مُصْرَفَا

فالبدرُ أَزْرَتْ مُهجَتي بضيائِه

والحِسُّ جَابَ مَدَى السَّمَاءِ و رَفْرَفَا

ما ذاك إلا أن صدريَ هَزَّهُ

حُبُّ الحبيبِ فطَارَ يومَ تَعَرَّفَا

فَإِذَا السَّعَادَةُ خُلَّةٌ، و إذا الهِدَا

يـَـــةُ نِعْمَةٌ، وَ إِذَا الْعَـنَـاءُ تَـوَقَّـفَـا

نُورٌ يَزُورُ فلا أكادُ أرى به

إلا المحبةَ تَجْتَبِي قلبًا هَفَا

عَجَبًا أَمِنْ وَصَبٍ سُقِيتُ عَذَابَهُ

لِسَكِينَةٍ نَفَتِ الأسى حتى انْتَفَى ! 47

يا رَبِّ أَسْعَدْتَ الدُّنَى  بمُحَمَّدٍ

ونَـقَـشْـتَـــهُ في كُلِّ قَلْبٍ أَحْرُفَا

شَـرَّفْتَـــهُ و رَفَـعْـتَـــهُ فـوقَ العُلا

وبـِنُـورِهِ هذا الزمــانُ تَـشَـرَّفَـا

إِذْ حَلَّ فيه بِسِرِّ سِرٍّ لا يُرَى

إلا لِـمـَنْ شـاءَ القـَدِيـرُ فـشَـرَّفَـا

قد هِمْتُ في حُسْنِ المَعَانِي شَائِقًا

مِنْ طَيْبَةٍ ذاكَ المَقَامَ الأَوْرَفَا

هِيَ مُنْتَهَى سُؤْلِ المُحِبِّ حَبِـيـبَهُ

والْقَـلْـبُ حُـقَّ لَـهُ بِـهَا أن يُـشْـغَـفَـا

***            ***

يا رَبِّ في فَجْرٍ وُلِدْتُ على الهدى

مُتَطَهِّرًا صَافِي السَّرِيرَةِ أَحْنَفَا

و إذا الحياةُ تَمُدُّنِي بظِلَالِهَا

أَرْتَاُد مِنْهَا ما تَشَاءُ  مُصَرَّفَا

حيثُ السبيلُ مُذَلَّلٌ والقَصْدُ أَبْـــــ

يَضُ نَاصِعٌ ما كُنْتُ عَنْهُ لِأَصْدِفَا

حتى إذا شَبَّ الفؤادُ تَحَرَّكَتْ

يومًا دَوَاعِي النفسِ تُفْسِدُ ما صَفَا

و أَصَخْتُ سَمعيَ للقريبِ مُنَاصِحًا

أَنْ أَسْتَجِيبَ و للبعيدِ مُـعَـنِّـفَـا

فخَجِلْتُ مِنْ نَفْسِي و حَوْلِيَ أُمَّةٌ

أَحْسَسْتُ منها غُرْبَةً وتَخَوُّفَا

فإِذَا بفِكْرِيَ تَابِعٌ و بِفِطْرَتِي

لَمْ تَأْلُ مِمَّا قد فَعَلْتُ تَأَفُّفَا 48

لَمَّا ضَلَلْتُ طريقَها لم أَلْتَفِتْ

إلا و قد أَضْحَيْتُ عَنْهَا مُتْلَفَا

يا رَبِّ ثَبِّتْنِي على السَّبَبِ الذي

أَحْيَى شَتَاتِيَ مُذْ صَحَوْتُ فأَلَّفَا

فاجْعَلْ إِيَابِيَ للرَّشَادِ وِلَادَةً

حتى أكونَ بما عَرَفْتُ مُعَرِّفَا

و لَقَدْ مَضَى زَمَنُ المَهَانَةِ و انقضى

إن الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ و أَخْلَفَا