حلم

محمد نادر فرج

ميرلاند - أمريكا

[email protected]

حُلُمٌ وليسَ لنا سوى الأحلامِ 

نبعَثُها شُعاعًا 

فوقَ آفاقِ الوجودِ 

هناكَ حيثُ العالمُ العلويُّ

حيث الأمنياتُ 

فثمَّ أفقُ اللاحدودِ 

فلا نظامَ 

ولا تُدافعُنا مَواخيرٌ وتكبتُ 

تكتُمُ الأنفاسَ والآهاتِ 

لا صوتاً لها  .... ا حَشْرجاتٍ 

لا بُكاءَ  ... ولا صُراخْ 

لم يبقَ ثَمَّ ضفافُ للمَعهودِ 

لا شيئاً يَسيرُ على هَوى الجَّلادِ

لا خوفَ  ..  وإن كانتْ مَخاوفُ

لا يُحرِّكُها سوى شَيءٍ منَ الأعماقِ 

تبعثُهُ المُنى 

ويطيرُ حيثُ شُعاعُ أمنيةٍ

يُسافرُ ... لا يُفكِّرُ في الإيابْ.

****

وهنا على هَذي الضِّفافِ ... وقفتُ

أحسَبُني مَلاكاً جاءَهُ أمرُ السَّماءْ 

وكأنَّما الرَّحمنُ قالَ هلُمَّ 

هاكَ كما تُحبُّ انسخْ وبادرْ كيفَ شِئْتَ 

وصُغْ كما تَهوى الوجودْ 

وأرى كأنِّي في الغَمامِ أطيرُ حتّى

حَطَّ بي في قِمةٍ 

ما كُنتُ قدْ بادَرتُها 

لكنَّني طالَعتُها في مَركبِ التَّاريخِ شامِخَةً 

تُطلُّ على مَشارفَ ... لمْ تكُنْ عنّي غريبةْ 

مِنْ هاهُنا 

من قمَّةِ الأوراسِ .. أحسبُني أرى شيئاً تَباينَ 

ثارَ إعصاراً يَهيجُ،  فَيَكشفُ الأرماسَ 

يَبْعثُ منْ دَوارسِها أصابعَ ... لي تُشيرْ 

وهنا على هذا المَكانِ 

رأيتُ في عُمرِ الزُّهورِ فتىً 

على الشُّطآنِ لَوَّحَ في يَديهِ إلى المُحيطْ 

لو كنتُ أعلمُ أنَّ خلفَكَ يابسًا 

وهناكَ أقوامٌ 

لَخُضْتُ مُجاهدًا  ... هذا الغِمارْ 

ومعَ الأصيلِ تَهبُّ منْ كَفَّيهِ أنسامٌ 

كأنَّ بِها أريْجاً  .. من عَبيرِ الخُلدِ فاحَتْ 

تَملأُ الآفاقَ طيبَ شَذاً 

ووجهُ الأرضِ يَعلوهُ الخَضارْ 

وتَغيبُ ... تَضطربُ الرُّؤى 

فأرى شِجاراً حولَهُ هَرْجٌ ومَرجٌ 

ثُمَّ يصعَدُ قاصفاً من نارْ 

يَملأُ أُفقَها لَهَباً  ...   ولكنْ ليسْ يَحرِقُ 

إنَّما نورٌ يُضيءْ 

ويَطيرُ مثلَ سحابةٍ 

سارَتْ تَطوفُ بروحِ ذاكَ الماجدِ المغوارِ

تَسري حيثُ ثارَ مُرَجِّعاً 

وتَبُثُّ منْ روحِ الفِداءِ 

وتبعثُ المَجدَ التَّليدْ 

وهناكَ منْ خَلفِ السُّفوحِ 

رأيتُ جرجيراً تسربَلَ بالدِّماءْ 

قدْ كانَ حاولَ لَفَّ شَملَتِهِ وأزمَعَ بالفَرارْ 

منْ بعدِ أنْ حشدَ الحُشودَ 

وكانَ يَشْمَخُ زاهياً بَطَراً ويَنْفُخُ عارضَيهْ 

لكنَّما القُرَشيُّ عاجلَهُ معَ الثُّوارِ 

ها هوَ مرةً أخرى 

ويَخرجُ من مَجاريرِ الفَلاةْ 

وركبتُ تلكَ الغَيمةَ الشَّماءَ مُبتهجاً ويغمُرُني الرَّجاءْ 

وكأنَّ صوتاً يأمرُ القُبطانَ 

عَرِّجْ نَحوَ ناصيةِ المُقَطَّمِ كيْ نَرى عَمرواً 

وها هوَ يتركُ الفُسطاطُ فيهِ يَمامةٌ وَلْهى 

وتَحضنُ بَيضَها وتَهيمُ في صُنعِ الحياة 

وأراهُ يَعْمُرُ ثَمَّ قلعتَهُ ابنُ أيوبٍ 

تُطلُّ بعِزَّةٍ وبها شُموخْ 

وأمُرُّ من فوقِ العِراقِ مُجاوزا في ما وراءَ النَّهرِ

أبْصِرُ ثَمَّ أرتالاً 

أرى كَلْباً تَفَسَّخَ قد بَنَو قَبراً لهُ 

وأرى جُموعاً حولَ ذاكَ القَبرِ همْ يَتطوَّفونْ 

هذا اللَّعينْ هو المَجوسيُّ الخبيثُ إذاً.!

هو قاتلُ الفاروقِ ، ويحَ الفُرسِ ... قُبِّحَ وجهُهُم 

مِنْ ذلك الجُرمٍ الذي مازالَ رعَّافاً 

وما زالوا على التَّاريخِ همْ يَتَقَلَّدوه 

وسَحابةً سَوداءَ مُدَّتْ تَملأُ الآفاقَ من أثَرِ احتراقِ النَّفطِ

تَحملُ جذوةَ المَوتِ البَطيءْ 

وعَطَفتُ نَحوَ الغوطَةِ الفَيحاءِ حيثُ يفوحُ عِطرُ الياسَمينْ 

منْ قاسيونَ وقفتُ أرقبُ ثورةَ الزَّهرِ الأنيقْ 

وأرى بعينِ بَصيرتي مِما أُحِسُّ مَعالماً خَضراءَ 

ترفُلُ بالجَمالْ 

والماءُ في بَرَدى تَدفَّقَ صافياً رَقراقَ عذباً كالزُّلالْ 

والحَورُ يَعلو شامِخاً 

ويَميسُ مُبتهجاً يَطالُ ذُرا الجِبالْ 

وأرى البَريصَ.... وها هُنا 

في الرَّبوةِ الغَنَّاءِ تَزدَهِرُ الحدائقُ 

تَزدَهي بالزَّيزفونِ ، وبالنُّوارْ 

وسَرَحتُ في إغفاءةٍ مُسْتَنشِقاً ذاكَ العبيرْ 

وتَحوَّلَ الحُلُمُ النَّديُّ كأنَّهُ كابوسُ 

هَزَّ مَسامعي صَوتُ انفجارْ 

يا وَيْحَهُمْ.. ماذا هُناكَ.؟

وأبصَرَتْ عَينايَ آثارَ الدَّمارْ 

ورأيتُ آلافَ العَساكرِ قُبَّحاً 

يَتَشرذَمونَ هناكَ ما بينَ المَنازلِ والدِّيارْ 

ورأيتُهمْ عاثوا فَساداً يَقتُلونَ.... ويَنْهَبونَ 

ويَخصِفونَ الزَّهرَ 

واجتَثُّوا الحُقولَ ... وها هُمُ 

حَرقوا المَزارعَ ... يَنْشُرونَ هناكَ في الأرضِ الدَّمارْ 

ورأيتُهم ذَبَحوا رَضيعاً 

حَولَهُ إخوانُهُ الأطفالُ في عُمرِ الزُّهورْ

رَبَّاهُ هلْ عادَ التَّتارْ 

رَبَّاهُ هَذيْ الأرضُ قدْ وَعَدَ النَّبيُّ بأنَّ فيها الخَيرَ 

وهي المَوطئُ المَرجوُّ للإيمانِ 

يَغمرُها الهُدى وبِها ائتلافُ النُّورِ والحَقِّ المُبينِ 

غداةَ عَمَّ الكُفرُ أرجاءَ الوجودْ 

ما بالُ هذا الفِسقِ والتَّنكيلِ في أرجائِها 

وبلا حُدودْ 

رَبّاهُ نَصرَكَ يا إلهي للهُداةِ المُتَّقينْ 

رَبَّاهُ نَصرَكَ للضِّعافِ الصَّامدينْ 

رَبَّاهُ نَصرَكَ ... أن تَضيعَ الشَّامُ 

لا خَيراً يُرَجَّى في الوجودْ 

ورأيتُ فَيضَ سَحابةٍ مَلأتْ هناكَ الأفقَ 

قاتِمةً كأنَّ بها عَذابْ 

غَمَرَتْ.... وبعدَ هُنَيهةٍ قَشَعتْ 

وقدْ عادَ الصَّفاءْ 

وإذا بشُذَّاذِ الفَسادِ مُبَعثرينَ هناكَ أشلاءً بأطرافِ الدُّروبْ 

ورأيتُ آمِرَهُمْ هناكَ مُعلَّقاً 

تَذروهُ عاصفةُ الرِّياحْ 

والناس في فَرَحٍ وفي عيدٍ 

وشُكراً في المساجدِ يَركعونَ ويَسجدونْ 

وأَفَقْتُ مُبتهلاً فقدْ مَنَّ الإلهُ بِنَصرِهِ 

وأفاضَ ماءُ النَّهرِ 

ها هوَ قدْ جَرى برَدى بُصفِّقُ 

وانتشَتْ منْ حولِهِ الأزهارُ عامرةً 

وعادَ الياسَمينُ يفوحُ عطراً 

والنُّوارْ.