حوار مع صريع الغواني

د.حسن الأمراني

[email protected]

قال مسلم بن الوليد  :

أدركتُ في الدهْر أياما بلغت بها

رضى الشباب الذي قد كان عاصاني

فالآن أقْصر إذ ردّ الزمان يدي

ونافرتني الليالي بعد إذعان

وقال أيضا  :

لا أجْمَع الحلم والصهباء، قد سكنت   

 نفسي إلى الماء عن ماء العناقيد

لم ينهني فنَدٌ عنها ولا كِبَرٌ   

 لكنْ صحوتُ وغصني غير مخضود

{1}

صريعَ الغواني

وخذنَ الغزلْ

ألم تدر أنَّ الهوى مرتحلْ؟

كسرت أباريق عمْرٍ هوى

سفاهاً وأهرقت كأس العذلْ

وما بين منهملٍ لم يزلْ

يساعد في إثره منْهملْ

طلبت الشهادة بين الحسانِ

وقدّست ما زخرفته المقَلْ

ألم تدر أن المحاسن تفْنى

وإن ضمها قمَرٌ أو زحلْ؟

وأن الأوابد ترجو الخلود

ويُنْسأ، إن أخلصتْ، في الأجل

{2}

قفْ أيُّها الشِّعْرُ

قفْ

قفْ

فليس يجيرنا

مما نلاقي اليوم

لا بَرٌّ ولا بحْرُ

أو لم تز

ل (سحْر)  [1]

تَسبيكَ ،

أو تُصْبيك ،

أو تلقي إليكَ بثوبها الورديِّ

                جلّل وجْهَهَا السِّحْرُ؟ 

هيهات،( سحْرُ) اليوم جاريةٌ

تهاداها الغزاة .. فِراشُها الأسْرُ

هيهات لا سَمَرٌ يطيبُ لها ،

ولا وتَرٌ ولا خَمْرُ

قفْ يا خليلي ،

قفْ تبصّرْ: هل ترى بلداُ يقرُّ بأهله

من بعدما أخنى علينا القهْرُ والنَّحْرُ

وبكى على أشلائنا القبْرُ

ألهَتْكَ عن حُلل التُّقى

بيضُ الأماني ،

والأغاني ،

والغواني البيضُ والسُّمْرُ

ونعتْ ميادين القتالِ البيض والسُّمْر [2]

والعسكر المجْرُ

وقد استحَرَّ القتْل والأسْرُ

أين الحفاظ المرُّ؟

أين الفتكة البكرُ؟

والأنمل العشرُ؟

قفْ أيُّها الشعْرُ

بل ..قمْ، فقد أزرى الوقوف بنا

وغاض الدَّمْعُ في الأجفانِ..

هل من مسعفٍ؟

يتأجج الجمْرُ

مما يرى..

يتضور النهْرُ

جوعاً، وفي أحشائه الياقوتُ والدُّرُّ

تبكي الرصافة عهدها الماضي

ويبكي أهلَهُ الجسرُ

والبصرة الفيحاءُ تندب شاعراً

أزرى به الدهرُ

أو ما ترى يا غِرُّ أحذيَةَ الغزاةِ تدنِّس المحرابَ ..

 تمتهن المصاحفَ..

تستبيح العِرْضَ والأرض التي قد أرضعتك لبانها....

فإلى متى السُّكْرُ؟

وإلى متى تعطي الدنية صاغرا في الدين؟

هل من غضبة مُضَرِيَّةٍ تنفي الصّغارْ

إن كان فاتَكَ أن تثور لنسوةٍ

ما زارهنّ ندى النهارْ

من ألف عام ..والدماء على الجدارْ

من ألف عام.. والصغارْ

يستصرخون .. ولا بدارْ..

فكأنما خَلَتِ الديارْ..

انهض.. فكم صوتاً زبَطْريّاً دعا

والمترفون على الأسرّة بين أقداح تدارْ

               

(1) سحْر: اسم المرأة التي آثر صريع الغواني أن تكون مدار غزله. .

(2) البيض والسمر الأولى تعني النساء ، والبيض والسمر الثانية تعني السيوف والرماح ، وهي رمز للسلاح كلّه ..