مُقِيْمٌ بعيني

د. محمد عبد المطلب جاد

[email protected]

أستاذ سيكولوجيا الإبداع

جامعة طنطا-جمهورية مصر العربية

يروح المساء ويأتي النهار

وعيني تحوم بذات المدار

تربع فى حضنها البدرُ حتى

بنومي أراه لذيذَ الحوار

أناجيه ما بين نفسي ونفسي

كطفلٍ يذوقُ حكاوي الكبار

أعاتبه أَنْ جفاني فيحنو

ويرنو رقيقا ويبدى اعتذار

وأشكو إليه عذابي وسهدي

فيزْرُفُ فيضا من الدمع حار

فآخذه في الجفون وأغفو

وأرشف من دمعِهِ في انكسار

أناشده العفْوَ عمّنْ يعيشُ

على حُبِّهِ لؤلؤاً في محار

إذا انفضّ عنى أموتُ جفافا

وإنْ غاب أبقى أسيرَ الدوار

أحُومُ على صورةٍ فى عيوني

ومن نسمةٍ لامسته أغار

يروحُ المساءُ ويأتي النهار

وعيني تحُومُ بذات المدار

*  *  *

له رِقّةٌ كالنسائم فجرا

إذا لامستها خدود الصغار

له بَرْدُ ماءٍ يداوى نديّا

إذا ضمّ قلبا تلظّى بنار

له فوْحُ وردٍ وبوْحُ عبيرٍ

وسحرُ فراشٍ تهادى ودار

وعدْوُ غزالٍ رشيقٍ يمُرُّ

كلمح النسيم إذا هو سار

يمر على الأنفس المتعبات

مروراً عليلاً يزيل الغبار

ووجهٌ صبوحٌ يشُفُّ الصفاء

كبدرٍ مشوبٍ ببعضِ اسمرار

يهِلُّ بهاءً ويعدو سريعاً

كما العندليب أطلَّ وطار

أُحاولُ أُمْسِكُهُ بعضَ حينٍ

فمَنْ ذا يُقِيْمُ عليه جَدَار

له الكونُ ساحٌ  وأرضُ مراحٍ

ويا ويلتى ما له من قرار

يروحُ المساءُ ويأتي النهار

وعيني تحومُ بذاتِ المدار

*  *  *

أتى فتلهفْتُ أسرِقُ طرْفاً

من الوقت وانهلْتُ أشكو الحصار

فهمهم لمْ أدْرِ إلا عبيراً

كساني ولاذ سريعَ الفرار

فغاص فؤادي بلُجَّةِ حُزْنٍ

ولاح بوجهي ضنى الاصفرار

ورُحْتُ أواسى الأسى فى ضلوعي

وباحت به زفرتي للجوار

تساءل كلٌّ : أتشكو سقاما ؟

فأنكرتُ ما اشتكى من مرار

وجاءت مراسيمُ حفلِ الوداع

وحاصرني اليأسُ والانكسار

جلستُ وحيداً وليس جواري

سوى مقعدٍ قد خلا فى انتظار

فأشرقَ من فتحةِ الباب نورٌ

وأغرقني وأنا فى انبهار

أيَلْحقُ بى قبل زهقةِ روحي؟

أكان عليماً بما فى القرار ؟

أكان شغوفاً إلى أن رآني ؟

أحسَّ بنفسي وناري تثار ؟!

عجيب هو البدر، مهما حَيِيْتُ

سأبقى بسر عُلاهُ أحار

ويمضى المساءُ ويأتي النهار

وعيني تحوْمُ بذاتِ المدار

*  *  *

إلى منْ سأشكو ؟وماذا سأشكو؟

أليس بعيني مقيماً وبار ؟

فكيف أقول بعيدا وعيني

تضمُّ عليه الجفونَ كدار

ويمضى المساء ويأتي النهار

وكم من حوار بعيني يدار