حصاد السفر
من ديوان شظايا النفثات الجزء الأول
رزاق عزيز مسلم الحسيني - السويد
[email protected]أخا الصّبرِ جاوزْتَ حدَّ الصبرْ
حـمـلْتَ هموما على مضغةٍ
تـحـزُّ الـنـياطَ كحزِّ المُدى
فـلـو حـمـلَتْها جبالُ الدّنى
فـلـلّـهِ درُّك مـن جـلـمدٍ
تـركتً برغمِكَ أرضَ العراقِ
وتـأبـى الـمروءةُ أنْ تُبتلى
تـركـتَ برغمكَ صفوَ الحياة
ظـلالَ النخيلِ وعذبَ الفرات
ومـرأى الأحـبّةِ في كلِّ حينٍ
ومـغـنـى هواكَ محطّ المنى
فـتـلـكَ الـحياةُ ولا غيرُها
وخـيـرَ الـمراقد شمَّ القباب
لـخـيـرِ الـبـريّـةِ قاطبةً
وجـبـتَ طـريقا بعيدَ المدى
وطـالَ الـمـسيرُ تغذُّ السُّرى
وغـارتْ نجومٌ ورانَ ضبابٌ
ومـا مـن دلـيـل يـعنُّ به
فـتـاهـتْ خطاكَ على دربه
مـشـيتَ وحيدا تجرّ الخُطى
تـقـلّـبُ طـرفكَ في مهمهٍ
ولـمّـا تـيـقنتَ حُمَّ المصير
ومـا مـن بـديـلٍ سواهُ بدا
وأنَّ الأمـانـي كريِّ السرابِ
وأنَّ الـطـمـوحَ يُذرّى سدىً
ولـيـس لـحكمِ القضاءِ مردٌّ
فـفـاضَ بـقلبكَ يأسٌ مريرٌ
وجـاشـتْ كـموجٍ طمى نفثةٌ
ووطّـنـتَ نـفسكَ للجائحاتِ
وقـلـبـا تـفـرّى ولا بلسمٌ
تـجـرّعَ صابا كؤوسَ النوى
فـغاضَ رواءُ الإهابِ الرطيب
ومـرَّ الـشبابُ كمرِّ السحابِ
وعـاثـتْ بوجهكَ كفُّ الزمانُ
وسـارتْ لـياليك سيرا وئيدا
ولـمّـا بـلـغـتَ الى غايةٍ
حـثـيـثا فلا يعتريكَ الونى
تـظـنُّ الجهودَ اسْتحالتْ جنىً
فـطـالَ وأيـنعَ غصنُ المنى
وجـئـتَ لتقطفَ حلوَ الجنى
فـأدمـى يـديـك بـأشواكِهِ
فـعـدتَ ومـلءَ الفؤادِ لظىً
وصـرتَ تـئـنُّ كنايٍ حزينٍ
وكـنـتَ تغنِّي كزهوِ الربيع
تـنـاجـي بحلوِ النشيدِ الرُّبى
نـشـيـد يـرنُّ بسمعِ الدُّنى
كـصبٍّ مشوقٍ تناجي العراق
فـتـهوي افتتانا طيورُ السما
ومـا الشعرُ إلاّ صدىً للقلوب
وعـدتَ كـأنَّـك لـم ترتحلْ
كـأنَّ الـزمـانَ رقيبٌ عليكَ
يـلـمُّ الـسـرورُ على خيفةٍ
فـإن مـرَّ يـومٌ تـسـرُّ به
فـكـدّرَ عـيـشـكَ في أُنسهِ
كـأنَّ خـطـوبَه وقفٌ عليكَ
وخـطَّ بـوجهكَ سطرَ ألأسى
ولـمّـا رأيْـتَ عـنادَ الزمان
لـيـشـمتَ فيك عدوٌّ بغيضٌ
أضـاءتْ على ثغركَ الشاحبِ
فـيـا دهـرُ أطـلـتَ عنائي
تـراهُ جـديـرا بحملِ الشقاءِ
كـأنّـي اقترفتُ ذنوبَ الورى
فـفـيَّ مـساويء هذي الحياةُ
حـمـلتُ النقائض في طينتي
أأشـكـو الزمانَ برأْدِ الشباب
فـإنْ ضـجَّ قلبي بمُرّ ألأسى
لـحـانـي الغواةُ وشرُّ الجناةُ
فـلـسـتُ حقودا شديدَ ألأذى
كـصُـنـعِ غويٍّ طغى شرُّهُ
ويضفي عليه دياجي الخطوب
يـؤجـجُ حقدا لهيب الحروب
يـسـوقُ عِـبـدّى الكرامَ به
فـقـعـر الـسجون تعجُّ بهم
وتـحـيـا وتنعمُ في موطني
ذئـابٌ تـبـدّت بـزيِّ الانامِ
إلامَ الـسـكـوتُ على جورهِ
فـأهـوارُهُ غيضَ منها الرواءُ
وخضرُ المروجِ وغابُ النخيل
كـأنّـكَ سـرْتَ عـلى طَلَلٍ
فـمـزّقْ بـصوتكَ ليلَ الخنا
تـفـجّـرْ شظايا على طغمةٍ
وفـجّـرْ قـيودكَ في معصمٍوبُـلِّـغْـتَ فيه جسيمَ الضررْ
جـبـالا ويـا ليتها من حجرْ
وتـفـري بجلدٍ كفتّ الصخرْ
لـضـجّتْ وحالتْ رُكاما وذرْ
بـهـذا الـتـحمّل فقتَ البشرْ
لـبـطـش ِالطغاةِ ووغدٍ أَشِرْ
بـطـاغٍٍ يـضـيمُكَ أو تفتقرْ
وسـحـرَ الـطبيعةِ ريّ الفكرْ
وشـدوَ الصوادحِ عندَ السَّحَرْ
يـسـرُّ الـفؤادَ ويجلو النظرْ
ومـلـهـى صِباكَ لذيذَ الذّكرْ
تـفـيـضُ جمالا بحلوِ السّمرْ
يـشـعُّ سـنـاها أبيدَ الدهرْ
مـنـارِ هـدايـةِ كـلِّ البشرْ
كـثـيرَ المصاعبِ جمّ الخطرْ
بـلـيـلٍ تـمـحَّقَ فيه القمرْ
فـلـفَّ الدروبَ دجىً مكفهرْ
وسُـفّـتْ ريـاحٌ لتخفي الاثرْ
وسرتَ على الشوكِ بينَ الحفرْ
ذبـيـحَ الـفؤادِ أسيفَ الفكرْ
كـئـيـبا كطفلٍ عراهُ الذُّعُرْ
وأمـرُك رهـنٌ بـكفِّ القدرْ
تـحـطُّ رحـالـكَ كي تستقرْ
وأنَّ الـجـنـانَ خـيامُ الوبرْ
كـذروِّ الـهـشـيمِ بقاعِ سَقرْ
طـويـتَ الـجناحَ كنسرٍ قُهرْ
وذُقـتَ الـحـيـاةَ بطعمٍ أمرْ
تـعالتْ منَ القلبِ ترمي شررْ
تـصـبُّ عـليها كوبلِ المطرْ
فـإنْ رُمَّ جُـرحٌ تـبدّتْ أُخرْ
وذابَ بـحرِّ الظمى والضجرْ
وجـفَّ بـلفح ِالسمومِ الزهرْ
وعـدتَ بـشـلوٍ تشظّى كِسَرْ
وخـطَّ الـمـشيبُ رثاءَ العمرْ
تـجـرُّ فـؤادكَ فـوق الجمرْ
بـطـيِّ الـفيافي وقفرٍ وعِرْ
ومـا دبَّ يـومـا اليكَ الخَوَرْ
بـكـدِّ الـليالي وطولِ السهرْ
وثـغـرُ ألأمـاني ابتهاجا فترْ
كـغـيرِكَ يجني حصادَ السفر
قـتـادٌ أحـاط بـذاك الـثمرْ
تـداوي الجراحَ وتنفي الضررْ
تـسـيـلُ مـدامـعُهُ كالنهر
بـعـذبِ البيانِ وسحرِ الصورْ
كـهـمسِ المحبِّينَ تحت القمر
وتـشـدو الـبداةُ بهِ والحضرْ
وتـتـلـو عليه رقيق السور
وتـهـتزُ نشوى قدودُ الشجرْ
بـهـزِّ الـنـياطِ يرنُّ الوترْ
وكـلُّ مـساعيك ضاعتْ هدرْ
يـمـدُّ الـيـكَ لحاظَ الشررْ
حـثـيـثا يبصُّ بعينِ الحذرْ
تـأرمَّ غـيـظـا له و اسْتعرْ
ورنّـقَ صـفـوَك َمـاءٌ عكرْ
وأنـت الـوحـيدُ بدنيا البشرْ
كـثـيرُ المساعي قليلُ الظفرْ
وخـفـتَ الـوشاةَ تبُثّ الخبرْ
وتـأسـى عـليك قلوبٌ طُهُرْ
لـكـبتِ العدى بسمةُ المُنتصرْ
فـلـسـتُ نـبيا جديدا ظهرْ
فـتُـزجي اليه ضروبَ القهرْ
فـجُـرتَ عـلـيَّ بهذا القدرْ
ولـيـس الـمحاسنُ فيَّ كُثُرْ
وهـل أنـا إلا كـباقي البشرْ
فـمـا ذا أقـولُـ بسنِّ الكبرْ
وجـلّى الحجابَ عنِ المستترْ
وقـالـوا شقيٌّ غوى بلْ كفرْ
كـثـيـر التجنّي عظيمَ البطرْ
لـيـمـحـقَ شعبا أبيّا وحر
فـتـغـدو رياضُهُ بيدا صُفُرْ
ويـأتـي جـرائـم لاتُـغتَفَرْ
لـشـرّ الـمهاوي وذلِّ الأسِرْ
ومـن كـان حرّا يقاسي الفقرْ
شـرارُ الورى وطغاةُ العصرْ
تـغـمُّ الـفؤادَ وتُشقي البصرْ
فـقد ضجّ منه الورى والحجرْ
وفـرّتْ طـيورُهُ مثلَ الأُسَرْ
أُبـيـدَتْ فـلمْ يبقَ غيرُ الأَثَرْ
يـقـصُّ عـليكَ جميلَ السّيَرْ
فـآنَ الاوانُ لـكـي تـنتصرْ
أحـالـتْ غـنـاكَ رمادا يُذَرْ
ودعْـهـا تـرامَ عليهمْ شررْ