قليل عليك الكلام الجميل
إلى روح الدكتور كمال رشيد الشاعر الإنسان
د. كمال رشيد رحمه الله |
علي البتيري |
كتبنا معاً للطفولة
كانت فلسطين أقرَبَ من حُلمنا
حين يصحو الكلام على أول السطر ،
كانت قُرانا التي أثخنتها الجراحُ ،
تمر علينا مرور الكرامْ ..
تفتّش عنا بكل المرايا
وحين يلوح لها ظلُّنا في المنافي
ترد السلام ..
فنردُّ على خجلٍ من أساها السّلام
ونغرقُ في بحر إغماءةٍ
راح يطفو عليه الكلامْ..
وثم نعود إلى دفتر الذكريات القديم ْ..
لنوقظَ فيه القصائدَ والأغنياتْ
وننثرَ ورداً نديّاً على عتبات الصغار
نجيءُ أحزانَنا عن مدارج أحلامهم
ونغني لهم ألفَ أغنية للرّجوع
ونرسم في ليلهم قمراً ضاحكاً
لا يُحبُّ الغيوم التي امتلأتْ بالدموع
*******************
كتبنا معاً لفلسطينَ .. للقدسِ
للعاشقينَ الحزانى وللشهداءْ
لكل الجراحِ التي وردُها
لم يزَلْ عالقاً في السياجْ ..
وقلنا كثيرا من الشعر ،
راح مراراً على بُسُط السامعين َ
وجاءْ..
فصفّقَ بحرُ الخليل بن أحمدَ مُغْتبطا ً
بالتفاعيلِ ،
راح يوزّعُ أوزانه في الزّوايا
وقنديل إيقاعه في الظلام أضاء
وهاج بنا الشوقُ ،
للوطن المتآكلِ شيئاً فشيئاً
وماجْ ..
على مُدنٍ دَحرَجَتْها رياحُ الغزاةِ
أمام ذويها ..
ودون سياجٍ يقيها ،
وهشمها الوقتُ مثل كرات الزجاج
ولكننا لم نُنكّسْ على شرفةِ الصمتِ
راية أشعارنا
بقينا على صهوة الرفض ،
نُسرجُ خيلَ ك حتى يَسُدّ الفضاءْ،
وفي حومة الكبرياء ْ..
نهيّئُ من ورق ظامئ للكتابة ،
سيفاً صقيلاً،القصائدِ ما بين كرٍّ وفرٍّ،
نُثيرُ غبار المعار
ونُشهرُهُ في وجوه الجهات التي
تتواطأُ مع مبطلات الغضب ْ
نهزُّ نخيل المنافي ..
ونجمعُ للجائعين اليتامى الرُّطَبْ
وننبُشُ جمر الصدور لتصحو
جراحُ العربْ..
****************
كتبنا القصائدَ ،
في حُبِّ ليلى فلسطين
قلنا كثيراً من الشعر في البيدِ،
والبيدُ نائمةٌ في عيون الغزاة
رسمنا الطريق إلى القدسِ ،
في دفتر الذكرياتْ
وتُقْنا إلى العهدة العمريَّة،
راحت مفاتيح باب العمود ِ
تغازل أحلامنا من بعيدْ ..
وتسألُ عن ألف وَعْدٍ وعدناه للقدسِ،
في قَسَمٍ قاطعٍ لم يزل ْ
يتباهى به شاهدٌ فوق قبر الشهيد
فرَدْنا بساطاً لأحزاننا
وأقمنا عليه الصلاة ..
وقلنا لشمس الرَّجاء التي
أشرقَتْ في الدّعاء أطِلّي علينا
وباتت فلسطين أقربَ من ظلّنا
في انتصاف النّهار إلينا
لم يَعُدْ للقصيدة وقت لبعض البكاء
لم يَعُدْ من مكان لشعر الرثاء ...
فليس لنا يا صديقي سوى أن نغازل
ليلى فلسطين في موكب العاشقين...
وليس لنا يا صديقي سوى أن نموت على بابها
واقفين...
****************
لعلك يا صاحبي
قد عتبت عليَّ غداة الرحيل
حين أعرب صمتُ الوداع عن الحزن
وانعقد الحرف فوق اللسانْ..
خذلتني البلاغةُ ،
غاب عن الوعي سحر البيان
فقدتُ الكلامَ بفقدكَ
يا فارسا خَيْلُهُ الكلمات
تزمّلتُ بالصمت إن قيل لي :
(كمال) صديقك مات....
هكذا نصب الصمت ما بيننا
خيمة واستراح...
على جبل من جراح
هكذا عصفت بقلوب الأحبة
هوج الرياح...
هكذا اختطف الليل من يدنا
وردة حلمت بالصباح
*******
قرأت الكلام الذي قيل فيك ,
قُبيْلَ الرحيل وبعد الرحيل
فقلت بما يُشبه الهمس للنفس سرا:
قليل عليك الكلام الجميل !!!

