وأنت معي
وأنت معي ...
يحيى السَّماوي
وأنت ِ معي :
أخالُ بيوتَ " حارَتِنا " تغازلني ..
وتفتحُ ليْ نوافِذها حقولُ التِين ِ..
أعشِبُ .. أنحني ثمَرا ..
وأنَّ حدائق َ النعناع ِ
ترسِمُني لها
قمَرا ..
وتفرِشُ لي مَياسِمَها زهورُ الياسمين ..
أخالُُ صدري مرقصا ً
وأصابعي وَترا ..
وأمس ِ ؟
هواك ِ حَدَّثني
عن امرأة ٍ
إذا نضبَ الفراتُ
تجيئني مطرا ..
وقال " سويلمُ " العَرّافُ :
بورِكت ِ التي أحببتَ ..
كفا " داليا " للعشق ِ منديلانْ ..
عينا " داليا " شمسانْ ..
نهدا " داليا " طفلان ِ يختصمانْ ..
ليت ل " داليا " أرَقي
وليْ من " داليا " أحلامها الخضراء
تملأ واحتي شجَرا !
**
أعشقُ " داليا ".. وأحِبُّها حُبَّين ِ :
حبَّ أخ ٍ
وحبَّ مُتَيَّم ٍ عبثتْ به الأحزانْ
أعشقُ " داليا " نهرا ً خرافِيّا ً
وجَمْرا ً باردَ النيرانْ ..
وكنا معشرا ً جيرانْ
لنا سطحٌ
وسورٌ واحدٌ يلتفُّ مثلَ سِوارها الفِضيِّ
حول بيوتنا الطينية ِ الجدرانْ
تخشى " داليا " أن يعرفَ الجيرانُ قصة َ حُبنا
فتجيءُ نصفَ الليل ِ
تحملُ خبزَها والشايَ والريحانْ
أعشقُ " داليا "
وأحِبُّها حُبَّين ِ
أذكرُ مرة ً في الصيف ِ
ناعِمُ ثوبِها الفضفاض ِ أحْرَقني
فأطفأني الذي بيني وبيني
فانتصرتُ عليَّ
صعبٌ أنْ تقاتِلَ جذرَها الأغصانْ !
وأصْعبُ :
حينَ يندحرُ الإلهُ ويربحُ الشيطانْ !
فكيف كبَتْ عشِيَّة َ حالت ِ القضبانْ
ما بين الهَزار ِ ونخلة ِ البستانْ ؟
أتذكرني التي كانت
إذا نعسَ الظلامُ
ونامَ مُلتحِفا ً بصوت ِ أذانْ
ترَتبُ شعرَها ..
وأنا ألملمُ ما تساقط َ
من فتات ِ الخبز ِ والريحان ْ ؟
فأين الآن مركبُ داليا ؟
نضُبَ الفراتُ ..
فلا النوارسُ طرَّزتْ جفنَ الضفاف ِ
ولا الربيعُ يُضاحِكُ البستانْ
وها أنذا أفتش ُ في دروب الأمس ِ
أنفخُ في الرماد ِ
لعلّ خيط َ دخانْ
سيوقِظ ُ جمْرَ تنور ِ اليقين ِ
ينشُّ ذئبَ هواجسي في غابة الأشجانْ
أتذكرُ" داليا " ما كانْ ؟
أتنسى أنني مَنْ رشَّ بالقبلات ِ دافىءَ جيدِها
وأنا الذي زيَّنتُ روضة َ ثغرها
بشقائق ِالنعمان ْ
أتنسى أنَّ صدري
كان عُشَّ حَمامَتيها
حين ترتجفانْ ؟
***
28 8 1978
بودابست
من مجموعة " عيناك لي وطن ومنفى "