كتاب الخراب
كتاب الخراب
د. محمد علي الرباوي
- الرعد :
لِيوسُفَ أَنْ يَدْخُلَ الْقَصْرَ لَيْلاً..
لِيُوسُفَ أَنْ يَطْمَئِنَّ
فَلا شَيْءَ سَوْفَ يُؤَجِّجُ جَمْرَتَهُ الْعَابِرَه.
زُليخَةُ هَا الْقَصْرُ مَا عَادَ زِيَنَتَهَا
زُلِيخَةُ تَحْضُنُها رَمْلَةُ الْبَصْرَةِ الطَّاهِرَه
تُضَمِّدُ في هَدْأَةِ اللَّيْلِ جُرْحَ الْمُقَاتِلِ
وَهْوَ وَحِيداً
يُواجِهُ بِالرَّعْدِ رَعْدَ الْعُلُوجِ
وَبِالنَّمْلِ نَمْلَ الْعَزِيزِ
وَيَبْكِي عَوَاصِمَنَا الْقَاهِرَهْ
2-portrait of a cow-boy
عَلَى رَأْسِهِ قُبَّعَهْ.
وَفِي شَفَتَيْهِ تَسَكَّعُ سيجارَةٌ مَارِدَه.
تَوَلَّدَ مِنْ جَمْرِهَا الْمُرِّ عِطْرٌ رَهِيبٌ
حَوَالَيْهِ تَرْكُضُ أَلْفُ فَرَاشَه.
مُسَدَّسُهُ يَتَدَلىَّ مِنَ الْغِمْدِ فِي غَضَبٍ وَمَرَارَه.
أَشَارَ إِلَى فَرَسٍٍ،
مِنْ حَدِيدٍ قَوَائِمُهُ .
اِمْتَطَى صَهْوَتَهْ.
فَصَارَتْ تَشُقُّ حَوَافِرُهُ الْبَرَّ وَالْبَحْرَ
تَطْوِي بِجَمْرَاتِهَا السَّهْلَ وَالْقَفْرَ
حِيناً تَسَلَّقُ هَذِي الْجِبَالَ
وَحِيناً تَدُقُّ أَدِيمَ السَّمَاءِ
فَتَظْهَرُ بَغْدَادُ جَوْهَرَةً قَاتِلَه.
…………………..
يَتَقَدَّمُ مِنْ قَلْبِهَا الرَّجُلُ الأَجْنَبِيُّ
(أو العِلْجُ في نُطْقِ أَشْجَارِ بَابِلَ)
هَايَتَقَدَّمُ مِنْ قَلْبِهَا الْوَحْشُ وَالرَّأْسُ كَانَ مُعَمَّمْ..
يَتَقَدَّمْ
قُلْ خُطْوَةً..خُطْوَتَيْنْ.
أَطْلَقَ الْغَضَبَ الْمُرَّ
فَارْتَطَمَتْ جُثَثُ الطِّفْلِ
وَالْكَهْلِ
وَالأُمِّ
وَالطَّيْرِ
وَالزَّهْرِ
بِالأَرْضِ
لَكِنَّهُمْ أَسْلَمُوا كُلَّ أَحْلامِهِمْ لِلنَّخِيلِ الَّذِي
أَبْصَرَتْهُ فَتَاةُ الْيَمَامَةِ يَطْلُعُ مِنْ صَحَرَاءِ الْعِرَاقْ.
3- رجل من الكوفة:
مَرَرْتُ أَنَا بِالْعِرَاقُ.
فَأَجَّجَ حُزْنِي تَدَفُّقُ هَذَا الْيَبَابِ
عَلَى أَرْضِ هَذَا الْعِرَاقُ
خَلِيلِيَ..لا تَنْزَعِجْ..
لا تَقُلْ لِي : هُوَ الْكَسْرُ آخِرُ هَذَا الْعِرَاقُ
………………….................
خَلِيلِيَ ..مُرْتَفِعٌ دَائِماً
هُوَ هَذَا الْعِراقُ.
4-Thus spake the Iraqi youth
َلَدٌ يتأبَّطُ عاشِقَةَ اللّيلِ لَيْلاً..
تُبَلِّلُ قامَـتَـه مَوْجَةٌٌ
بِقَرارَتِهَا شَجَنٌ بَابِلِيّْ
رَمَى مُعْجَمَ الْحَمَويّْ
وَأَضْرَمَ في لَوْحِهِ غَضَبَهْ.
قَالَ : كُلُّ الْخَرَائِطِ فِي جَسَدِي
لَيْسَ تَعْرِفُ مِثْلي
تُخومَ الْعِرَاقِ.
سَيِّدِي.
دُلَّنِي أَنْتَ..
أَنْتَ مِراراً رَحَلْتَ..
مِراراً قُتِلْتَ..
مِرارا حَيِيتَ..
أَلَسْتَ ابْنَ بَطّوطةَ الْمَوْصِلِيّْ؟
دُلَّنِي أَنْتَ..
دُلَّ عَلَيَّ..
........................................
أَيُهَذَا الْوَلَدْ
شَاسِعٌ هُوَ هَذَا الْبَلَدْ
شَاسِعٌ وَكَبِيرُ
شَمَالاً بِحَارُ
وَشَرْقاً بِحَارُ
وَغَرْباً بِحَارُ
جَنُوباً قِفَارُ
تَضُخُّ الرَّدى وَالشَّرَرْ
فَمِنْ أَيْنَ يَا أَيُّهَذَا الْوَلَدْ
يَجِيءُ الْعِرَاقَ الْمَدَدْ
وَقَدْ
داهَمَتْهُ رُعاةُ الْبَقَرْ؟ !
رَدَّ هَذَا الْوَلَدْ
وَهْوَ يَقْرُأ خُضْرَةَ هَذِي السَّمَاءِ : مَدَدْ
يَا عَظِيمُ : مَدَدْ
يَا رَحِيمُ : مَدَدْ
يَا كَرِيـمُ مَدَدْ
يَا قَوِيّْ..يَا عَليّْ..يَا صَمَدْ..
مَدَدْ..
مَدَدْ..
مَدَدْ..
5- النخيل
ما لِلنّخيلِ تَساقَطَتْ سَعَفاتُهُ
فَتَناثَرَتْ بَلَحاتُهُ
لَهَباً عَلَى جَسَدِي كَحَبّاتِ الثُّلُوجْ؟
مَا لِلْفُرَاتِ أمامَ حَمْحَمَةِ التَّتَارْ
قَدْ لاذَ لَيْلاً بِالْفِرَارْ
فَنَمَتْ جِوارَ النَّخْلِ سِيقَانُ الْعُلُوجْ
فَإِذَا كُنُوزُ السِّنْدِبَادْ
فِي رَمْلَةِ الصَّحَرَاءِ يَغْنَمُهَا الْجَرَادْ
وَإِذَا الْيَبَابُ الْمُرُّ يَلْتَهِمُ الْبِلادْ
وَإِذَا فَسَادٌ مِنْ جِهَاتِ الْغَرْبِ يَأْتِي
سَانِداً هَذَا الْفَسَادْ
………………………..
يَا أَيُّهَا السَّيْفُ الْمُجَرَّدُ..
فِي الْفَلاةِ عَلَى الطُّغَاةِ
أَمَامَكَ اللَّيْلُ الْبَهِيمُ
وَخَلْفَ ظَهْرِكَ نَفْسُهُ اللَّيْلُ الْبَهِيمُ
وَفِي فُؤَادِكَ يَسْكُنُ اللَّيْلُ الْبَهِيمُ
يَا أَيُّهَا السَّيْفُ الْعَظِيمُ
طَهِّرْ فُؤَادَكَ مِنْ بَقَايَا الظُّلْمَةِ الْمُتَعَفِّنَه
تَطْلُعْ بِجَوْفِكَ نَخْلَةٌ
وَبِذَاتِكَ الْفَيْحَاءِ تُشْرِقْ مِئْذَنَه.
6- الأنهار العربية
مَا هَذِهِ الأَرْضُ الَّتِي لَيْسَ تَحُلُّ فِي خَيَالِ السِّنْدِبَادْ؟
مَا هَذِهِ الأَرْضُ الَّتِي بِهَا تَوَقَّفَتْ حَوَافِرُ الْجَوَادْ؟
رَدَّتْ جِبَالٌ وَوِهَادْ:
أَنْتَ بِأَرْضِ السَّحْرِ وَالْكُنُوزِ وَالأَمَانْ..
فَاخْلَعْ بِهَا نَعْلَيْكَ..طَهِّرْ قَدَمَيْكَ..
هَذِهِ سَيِّدَةُ الْعَالَمِ أَمْريكا
تُريكَ ما بِصَدْرِها الفَسيحِ مِنْ جِنَانْ.
حَدَّقْتُ فِي أَحْجَارِهَا أَشْجَارِهَا
حَدَّقْتُ فِيهَا ثُمَّ قُلْتُ : عَجَبا !
نَهْرٌ يُنَشِّرُ الْحَيَاةْ
فِي هَذِهِ الأَرْضِ الَّتِي كَانَتْ مَوَاتْ
حِينَ رَآنِي اتَّخَذَ الْمَاءُ السَّبِيلَ فِي رُبَاهَا سَرَبَا..
يَا عَجَبَا !..
كَأَنَّنِي مِنْ مَائِهِ الزُّلالْ
شَرِبْتُ مِنْ زَمَانْ.
كَأَنَّنِي أَعْرِفُهُ..لَعَلَّهُ ..هُوَ الْفُرَاتْ(…)
هُـوَ الْفُرَاتْ.
رَدَّ التُّرَابُ..
رَدَّتِ الْجِبَالُ..
رَدَّتِ الْوِهادُ..
رَدَّتِ الْوِدْيَانْ:
لَيْسَ بِهَذِي الأَرْضِ وَحْدَهُ الْفُرَاتُ..
هَذِهِ الأَرْضُ يُصَلِّي فَوْقَهَا النِّيلُ
وَفِي أَدْغَالِهَا تَمْرَحُ أَنْهَارُ بَنِي عَبْسٍ
وَأَنْهَارُ بَنِي ذُبْيَانْ.
تِلْكَ الَّتِي أَحَبّْ..
تِلْكَ الَّتِي..
تَمْتَدُّ بَيْنَ النَبْعِ وَالنَّبْعِ
كَيْفَ سَتَسْقينِي وَذَاتِي ارْتَطَمَتْ لَيْلاً
بِوَادٍ غَيْرِِ ذي زَرْعِ؟
كَيْفَ وَهَذَا النِّيلُ..هَذَا الْفُرَاتْ
وَهَذِه الأَنْهَارُ كُلُّهَا
آهْ..كُلُّهَا هُنَاكْ.
يَا أُمِّ..هَلْ تُرَاكْ
قَدْ تَسْمَعِينَ فِي جَحِيمِ الْقَفْرِ بَعْضاً مِنْ صُرَاخي..
قَاتِلٌ يَا أُمِّ هَذَا الظَّمَأْ..
آهْ قَاتِلٌ يَا أمِّ فَاقْرَعِي صَفَاةَ هَذِهِ الصَّفَا
لَرُبَّمَا تَبْجُسُ قَبْلَمَا
يَحِينُ سَابِعُ الأَشْوَاطِ
تَحْتَ الْقَدَمَيْنِ زَهْرَةٌ يَانِعَه.